أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الشامل للشريعة الإسلامية، عقائد وآداباً وأخلاقاً وعبادات وأحكاماً. وها نحن انتهينا إلى الأحكام، وها نحن الليلة مع الحوالة وحكمها وشروطها، ويجب أن نعرف ذلك.
ومن هنا أكرر القول فأقول: طلب العلم فريضة على كل مسلم، فالذي لا يعرف الأحكام الشرعية لن يؤديها، وسيخلط فيها ويخبط، ويقدم ويؤخر، ويسيء ولا يفلح، فلهذا يجب أن نصغي مستمعين لهذه الأحكام؛ حتى نعرف ذلك؛ حتى إذا تعاملنا نكون على علم، فنأخذ ونعطي بما هو حق، وبما أذن الله فيه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
[المادة السادسة: في الحوالة]
أولاً: أن يكون الدين المحال عليه ديناً ثابتاً ] ليس مزوراً ولا كذباً [ مستقراً في ذمة المدين المراد الإحالة عليه ] حقيقة، وهو معترف به، وهذا الحكم واضح، فعندما تحيلني على شخص مليء فلا بد أن تكون صادقاً عندك ما يثبت أن لك ديناً عليه، كصك أو كتابة أو شهود أو اعتراف المدين، فلا بد من هذا، أما أن تحيلني على شخص ليس عندك عليه بيان ولا حجة ولا دليل فإنه يقول: ليس له عندي شيء، أو ما له دين علي أبداً حتى أسدده، فليثبت أن له علي ديناً حتى أعطيك، فلا بد من وجود ما يدل على ذلك سواء كتابة أو شهود أو اعتراف، فهذا شرط معقول.
[ ثانياً: أن يكون الدينان متماثلين ] كأن يكون لي عليك ألف ولفلان علي ألف، أو مائة بمائة، أو قنطار بقنطار، فلا بد من التماثل [ جنساً ] كأن يكون ذهباً بذهب، أو فضة بفضة، أو تمراً بتمر، أو شعيراً بشعير، أو بقراً ببقر، أو غنماً بغنم، فيكون الدينان متماثلين من جنس واحد، لا أن يكون له عليك بقرة فتحيله إلى من لك عليه دنانير [ وعداً ] وكذلك في العدد، سواء كان ألفاً .. مائة .. خمسة .. عشرة .. ولا بد من هذا [ أو قدراً ] يعني: كمية [ وصفة ] أيضاً إذا كان في غير الدراهم والدنانير، كأن يكون في الطعام وما شابهه، فلا بد أن يكون الوصف معروفاً والكمية والعدد [ وأجلاً ] فيكون له أجل معين محدد أيضاً، فإذا أحلتك على فلان لي عليه دين إلى أجل ست سنوات فإنه لن يعطيك، وسيقول لك: الدين الذي بيني وبين فلان إلى مدة سنتين أو ثلاث سنوات وليس الآن.
[ ثالثاً: أن يكون برضا كل من المحيل والمحال ] فلا بد من التراضي بين المحيل ومن يحال عليه، فإذا لم يقبل أحدهما بطلت [ إذ المحيل وإن كان عليه حق فإنه ليس بملزم بأدائه عن طريق الحوالة ] ولذلك لا بد وأن يكون موافقاً راضياً؛ إذ ليس بواجب عليه أداءه بطريق الحوالة، بل يستحب، ومن الآداب والأخلاق أن يقبل الحوالة، وإذا لم يقبلها فإنه غير مطالب بقبولها؛ لأنها جائزة ليست واجبة، فله أن يقول: سأعطيها صاحبها بنفسي ولا أقبل الحوالة [ بل هو مخير في كيفية أداء هذا الحق ] فإن شاء جاء وأعطاك، وإن شاء بعث إنساناً آخر وأعطاك في الليل أو النهار، وإن شاء قبل الحوالة [ ولأن المحال وإن كان الشارع طلب منه قبول الحوالة ] كما تقدم في الحديث: ( مطل الغني ظلم، ومن أحيل على مليء فليتبع ) [ فإنه غير ملزم له إلا من باب الإحسان فقط؛ إذ الحوالة ليست عقداً لازماً، وإنما هي عقد قصد به الإرفاق ] والرحمة [ بين المسلمين ] فقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( مطل الغني ظلم، وإذا أحلت على مليء فاتبعه ) ليس على سبيل الوجوب، بل على سبيل الندب والاستحباب فقط، وإذا شئت فقل: أنا لن أطلبه ولن أتبعه، بل أنت آتيني به.
أولاً: أن يكون المحال عليه مليئاً ] غنياً ذا مال [ أي: قادراً على الوفاء ] والأداء، فلا تحيل على فقير ولا مسكين ولا مفلس، فلا يجوز هذا ولا يصح، وتبطل الحوالة؛ وذلك [ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع )] أي: فليذهب إليه ويأخذ، وأما إذا أحيل على غير مليء فلا يتبعه ولا يمشي إليه ولا يطلب منه، فلا بد في الإحالة أن تكون على شخص غني عنده مال يسدد به الدين، وأما المفلس الذي ليس عنده المال فلا يجوز. فهذا الشرط لا بد منه. فصلوا على أبي القاسم وسلموا، فهو المشرع الحكيم.
[ ثانياً: إن أحيل على شخص فبان ] وظهر [ أنه مفلس ] هذا الشخص [ أو ] بان أنه [ ميت أو غائب غيبة بعيدة رجع بحقه على المحيل ] وقال: أعطني حقي، فالذي أحلتني عليه ميت أو فقير أو غائب ليس موجوداً، فإذا أحلت صاحب الدين عليك على شخص فظهر أنه مفلس بطلت الإحالة، أو ظهر أنه ميت، أو غائب غيبة بعيدة لا يرجع منها إلا بعد سنة أو شهور، فهذه الإحالة باطلة وفاسدة.
[ ثالثاً ] ثالث الأحكام وآخرها: [ إن أحال رجل على آخر ] كأن يحيل إبراهيم على عثمان [ ثم الرجل المحال عليه أحال على آخر جازت الحوالة ] بالشروط المتقدمة، فلو أحلتك أنا على فلان ثم أحالك هو على آخر فلا بأس إذا كان مليئاً وقادراً والشروط متوفرة، فإذا أحلتك أنا على إبراهيم فذهبت إليه فقال: اسمح لي أن أحيلك على فلان فلا بأس [ إذ لا يضر تكرر المحال والمحال عليه ] إذ ليس هناك ضرر من تكررهما [ متى استوفيت الشروط ] التي تقدمت، فإذا استوفيت الشروط كلها فلا بأس أن يحيل المحال على محال آخر ولا حرج.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
الجواب: لا حرج، فيعطيه الألف وكفى، ويبقى في ذمته ألف، فإذا كان لي على فلان ألفي ريال دين ولفلان علي ألف ريال وجاء يطلبني، فقلت له: أحيلك على فلان، فإن لي عنده ألفين، فيعطيه الألف وتبقى عليه في ذمته الألف الأخرى، وهذا جائز.
والتماثل هو ألا يطالب بألفين وليس عنده ألفين، بل أن يكون المقدار هو هو، لا أن يكون لي عليك ألف وأحيلك إلى من لي عليه ألفين فأقول: أعطه، لكن مادام عليه ألفان فيعطيه ألفاً وتبقى ألف في ذمته.
وهنا المماثلة موجودة، فهي ألف بألف، فهو لم يطالبك بثلاثة آلاف، وإنما طالبك بألف فقط، والذي لك عليه ألفين يعطيه ألفاً، وألف تبقى في ذمته، فلا بد من المماثلة في الحوالة، فإذا كان لي عليك ألف فابعثني إلى شخص عنده ألف، وليس إلى من عنده سبعمائة .. ثمانمائة .. أقل من الألف، فهذا لا يجوز، فلا بد المماثلة، وكون هذا عنده ألفين أو ثلاثة يعطيك ألفاً، ويكون الباقي في ذمته.
الجواب: ترجع ولا تطالب بشيء إلا ما هو لك، فإذا حصل بين المحال والمحال عليه خلاف فلا تطالب به، بل تخرج من ذلك ويبقى دينك في ذمته حتى يعطيك إياه.
فإذا حصل خلاف بين المحيل والمحال إليه كأن يقول: يا فلان! إذا جاءك فلان فأعطه ألف ريال، فقال: ليس عندي ألف ريال فحصل خلاف فيرجع ذلك الشخص فقط ويطالب بحقه ممن عليه الدين.
الجواب: عندنا في المملكة بنك عقار يعطي للمواطنين مالاً يبنون به بناءهم، ثم يردونه مقسطاً بلا فائدة، فإذا ذهبت إلى البنك وأعطاني مبلغ مائة ألف مثلاً، فهل لي أن أحولها إلى ابني؟ نقول: لا بد من إذن المسئولين بهذا، وإلا أصبح كل واحد يقدم ويعطي للآخر، فلا بد من إذن من المسئولين عن تبديل ونقل هذا الدين إلى فلان، أما أن يأخذه باسمه ثم يعطيه لولده فلا يجوز، بل لا بد من إذن، فهم يطالبون الأب، وهو في كل سنة يدفع مبلغاً، فلا بد أن يطلب أذناً لابنه أو لأخيه أو لصديقه حتى يحول عليه، لا أن يحوله هو بنفسه، فلا بد من إذن من المسئولين. وإذا تمت الحوالة نظاماً عن طريق البنك فإنها تبرأ ذمة الأول من الدين، وهذا الذي نقوله، فلا ينبغي أن تطلب على أنك تبني منزلاً وتأخذ مبلغاً من المال ثم تعطيه لابنك ليبني به وتقول: ذلك في ذمته، فهذا لا بد فيه من أذن من المسئولين.
الجواب: لو كان عنده ما أحالك، إنما أحالك لأن له ديناً على فلان، وهذه الإحالة جائزة فقط، فإذا قلت: لا أقبل الإحالة كان لك ذلك؛ لأنها جائزة، ليست بواجبة، فإذا لم تقبل الإحالة فذلك لك.
الجواب: الدين دينان: دين عند مفلس فقير ليس عنده شيء، أو عند منكر جاحد يقول: ما أعطيتني شيئاً، ولست معترفاً لك بشيء، فهذا الدين لا تزكه إلا إذا قبضته ولو بعد عشر سنين، وتزكيه مرة واحدة لسنة واحدة، وليس لكل السنوات، فيخرج (2.5%).
ودين على موسر ليس مفلساً، ومعترف ليس جاحداً، فهذا يجب أن تزكيه كل سنة مع مالك الموجود معك؛ لأنك لو طالبته لأعطاك إياه، فهو ما أنكره وما جحدك، وهو في ذمة ذلك الرجل، ولا تقل: لا أزكيه حتى آخذه، ولولا هذا لأصبح المحتالون يوزعون أموالهم في شعبان على إخوانهم وأعمامهم وأصدقائهم، فلا يبقى لهم شيء يزكونه، وصاحب هذه الحيلة ملعون.
الجواب: لا زكاة في أرض ولا في ديار ولو كانت عمارات ذات سبعين طابقاً، إلا إذا اشترى الأرض ليبيعها تجارة، فهذه إذا باعها زكاها فوراً، فالعمارة إذا اشتراها أو بناها للتجارة إذا حال عليها الحول وجب أن يزكيها ولا بد، وإنما الخلاف هل يزكيها لجميع السنوات التي مضت أو لسنة واحدة، الأقرب لسنة واحدة، وبه قال عثمان ، فإذا كان عندي قطعة أرض اشتريتها قبل سبع سنوات لأبيعها تجارة ولم تبع ثم بيعت بعد ذلك فأزكيها عن سنة بلا خلاف يوم قبض المال.
الجواب: كلما يأخذ قسطاً يزكيه مع ماله الذي يحول عليه الحول.
الجواب: بالأمس علمنا أن الحبيب صلى الله عليه وسلم كان يصافح رجاله، فلا يلقى مؤمناً إلا ويصافحه، فالمصافحة سنة، وفيها فضيلة. لكن الأجنبي لا يجوز له أن يصافح أجنبية، وحرام أن ينظر إلى وجهها، فكيف يصافحها ويمد يده إليها؟!
وقد كان لي عم توفي في البقيع في القرية، قال: رأيتني في الحجرة الشريفة وقد أعطاني الرسول صلى الله عليه وسلم قرصاً من العيش، فعلمت أني سأعود إلى المدينة وأموت فيها رحمة الله عليه، وقد رأيته بعيني وأنا طفل عندما كان يعطي الزكاة للفقيرات كان يلف على يديه منديلاً حتى لا يمس يدها بيده، فلا تصافح الأجنبية، فهذا حرام.
الجواب: أنا في هذا الباب أقول: الله أعلم، لا علم لي، وعلى كل أهل المسجد الأقصى إما أن يكونوا مسيحيين أو يكونوا يهوداً لا بد من ذلك.
الجواب: لا يجوز، وهو حرام.
الجواب: هذا السؤال فيه إشكال، يقول هذا الرجل في كل مجلس: طالق، فقد طلق زوجته ثم جلس في مجلس فسألوه فقال: طلقتها، ومجلس ثان قال: طلقتها، فهل يعتبر طلقات؟ الطلقة الأولى هي الأصل، فإذا راجعها ثم طلقها فنعم، وأما ما دامت طلقت وبانت ولم تعد زوجته فكلمة طلقتها لا تنفع شيئاً.
مداخلة: وإن طلقها يا شيخ! في أكثر من مجلس، يعني: تعتبر أكثر من طلقة؟
الشيخ: ما فهمنا كيف هذا الطلاق في غير المجلس، الطلاق بينه تعالى في كتابه: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229]. فإن طلق الثالثة لا تحل له أبداً حتى تنكح زوجاً غيره، فالطلاق الأول أن يقول: أنت طالق، فإن راجعها رجعت، فإن انتهت العدة وما راجعها بانت منه ولا تحل إلا بعقد جديد، فكيف يكرر في المجلس: طالق طالق طالق؟ يلعب؟ إن سئل: طلقتها؟ وقال: نعم طلقتها، وسألوه ثانياً فقال: طلقتها، ولو تكرر فهذه طلقة واحدة؛ لأنه طلقها.
نكتفي بهذا القدر، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر