الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي للشريعة الإسلامية بكاملها عقيدة، آداباً، أخلاقاً، عبادات، أحكاماً [المادة الثالثة: في حكم الخيار في البيع].
[شرع الخيار في البيع في عدة مسائل؛ وهي: ]
أولاً: الخيار في مجلس البيع قبل الافتراق
[أولاً: ما دام البائع والمشتري في المجلس] أي: لم ينصرفا [قبل أن يتفرقا فلكل منهما الخيار في إمضاء البيع أو فسخه] ما دام المشتري والبائع في المجلس ما افترقا فهما بالخيار، إن شاءا أمضيا البيع، وإن شاءا فسخاه، فمن اشترى سيارة أو دابة وقبل أن ينصرف عن البائع بدا له ألا يشتريها فله ذلك، فقد أذن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بهذا [لقوله صلى الله عليه وسلم: (
البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما_ العيب _ وكذبا محقت بركة بيعهما ) ] والبيعان: المشتري والبائع، فكلاهما بيّع، فقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم لهما، ولهذا فإن المؤمنين لا يكذبون، ولا يغشون، ولا يزورون، ولا يسترون العيب في السلعة بل يفضحونه ويبينونه كما هو. إذاً: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن تفرقا لم تبق لهما مراجعة، إلا إذا اشترطا شرطاً.
ثانياً: إذا اشترط أحد البائعين مدة معينة للخيار
[ثانياً: إذا اشترط أحد البائعين مدة معينة للخيار] إذا اشترط أحد البائعين مدة معينة للخيار وبعد ذلك يمضي البيع أو يسترجعها، فالشرط يجوز [فاتفقا على ذلك، فهما إذاً بالخيار حتى تنقضي المدة، ثم يمضي البيع] إذا انقضت المدة التي شرطاها نحو شهر أو شهرين أو عام أو عامين من مضي البيع. والدليل: [لقوله صلى الله عليه وسلم: (
المسلمون على شروطهم ) ] مسلم اشترط شرطاً يوف به قطعاً إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً فهو شرط باطل، والشروط المباحة يجب الوفاء بها.
ثالثاً: إذا غبن أحدهما الآخر غبناً فاحشاَ
[ثالثاً: إذا غبن أحدهما] أحد البيعين [الآخر غبناً فاحشاً، بأن بلغ الغبن الثلث فأكثر] السيارة تساوي عشرة آلاف فباعها له بخمسة عشر ألفاً، أي: الزائد ثلث كامل، أو السيارة تساوي عشرة آلاف فاشتراها منه بخمسة [بأن باعه ما يساوي عشرة بخمسة عشر، أو بعشرين مثلاً، فإن للمشتري الفسخ أو الأخذ بالقيمة المعلومة] فهو مخير[لقوله صلى الله عليه وسلم للذي كان يغبن في الشراء لضعف عقله] كان أحد الصحابة في المدينة يشتري ويغبن، فقد كان ضعيف العقل، فعلم ذلك منه الرسول صلى الله عليه وسلم [فقال له: (
من بايعت فقل: لا خلابة ) أي: لا خديعة، فإنه متى ظهر أنه غبن رجع على من غبنه برد الزائد إليه، أو بفسخ البيع] هذا رجل ضعيف العقل في المدينة النبوية كان إذا اشترى ما يساوي عشرة يبيعونه بخمسة عشر، فالرسول صلى الله عليه وسلم علم هذا منه، فقال له: يا فلان! إذا اشتريت فقل: لا خلابة، فمن اشترى وقال هذه الكلمة، فإن تبين أنه غشه رجع بالبيع، ولا حق للبائع في ذلك.
رابعاً: إذا دلس البائع في المبيع
[رابعاً: إذا دلس البائع في المبيع بأن أظهر الحسن، وأخفى القبح، أو أظهر الصالح وأبطن الفاسد، أو جمع اللبن في ضرع الشاة فإن للمشتري الخيار في الفسخ أو الإمضاء] أي: إنجاز البيع والشراء [ لقوله صلى الله عليه وسلم: (
لا تصروا الإبل ولا الغنم ) ] وإصرارها: هو أنه لا يحلبها يومين أو ثلاثة أيام حتى تمتلئ باللبن، فيغرر بالمشتري ثم بعد ذلك لا يجد اللبن، ويدخل في هذا الغش في السيارات، والعياذ بالله [ (
فمن ابتاعها -أي: اشتراها- فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعاً من تمر ) ] فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الحكماء، فهو الحاكم العدل، نهانا عن إصرار الحليب في ضرع البقر أو الغنم أو الإبل، فمن أصر واشترينا منه، ووجدناه كاذباً، فنحن بالخيارين: إن شئنا أمضينا، وإن شئنا رددنا عليه شاته أو بعيره، وأعطيناه صاعاً من تمر مقابل ذلك اللبن الذي أخذناه، والصاع أربع حفنات بحفنة الرجل المتوسط القامة، لا القصير ولا الطويل، والمد حفنة واحدة، والصاع أربعة أمداد.
خامساً: إذا وجد بالمبيع عيب ينقص قيمته
[خامساً: إذا وجد بالمبيع] وهو الذي يباع [عيب] نقص وفساد من شأنه أن [ينقص قيمته، ولم يكن قد علمه المشتري] في السيارة أو الدابة أو الثوب [ورضي به حال المساومة فإن للمشتري الخيار في الإمضاء أو الفسخ] إن شاء يمضي، وإن شاء يفسخ البيع [لقوله صلى الله عليه وسلم: (
لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعاً فيه عيب إلا بينه له ) ] فلا يحل للمسلم أن يبيع مبيعاً وفيه عيب مستور ومخفي إلا بينه، سواء كان سيارة أو ثياباً أو أي مادة، فلا بد وأن يبين العيب الذي فيه، فإن لم يبينه واشتراه المشتري، ووجد العيب فله أن يرد ذلك، فلو باع سيارة مغشوشة بين له العيب الذي فيها، أو داراً بين له خرابها [ولقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (
من غشنا فليس منا ) ] أي: ليس من المسلمين، فالمسلمون لا يغش بعضهم بعضاً أبداً، فمن باع شيئاً، وعرف أن فيه عيباً يؤثر فيه، ولم يبينه وسكت، فالمشتري مخير بين الإمضاء وبين الفسخ.
سادساً: إذا اختلف البائعان في قدر الثمن أو في وصف السلعة
[سادساً: إذا اختلف البائعان في قدر الثمن أو في وصف السلعة] اختلف البائع والمشتري في قدر الثمن، فقال المشتري: بعت لي بخمسة وعشرين، وقال البائع: بل بعت لك بأربعين أو ثلاثين، أو اختلفا في وصف السلعة، فقال الأول: ظننتها حمراء، وقال الآخر: بل هي بيضاء [حلف كل منهما للآخر] الأول يحلف بأنه أراد كذا، والثاني يحلف كذلك [ثم هما بالخيار في إمضاء البيع أو فسخه؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما تحالفا ) ] أي: ليحلف أحدهما للآخر، وبعد ذلك إن شاءا أمضيا البيع أو تركاه.
نكتفي بهذا القدر، ونسأل الله أن ينفعنا به.
طلوع الشمس من مغربها
السؤال: فضيلة الشيخ! إذا طلعت الشمس من مغربها، فهل تقف أم تكمل جريانها؟
الجواب: تكمل جريانها، فيوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع؛ لأن هذا الضعف الذي حصل في فلكها يجعلها تبقى سنة طالعة، وهكذا شهراً، وأسبوعاً.
حكم من باع سيارة ولم يبين العيب فيها
السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم من يبيع السيارة، ويقول: السيارة فيها عيب، ولا يبينه للمشتري؟ هل يجوز هذا البيع؟
الجواب: إن أعلمه أن فيها عيوباً ورضي بذلك فشأنه، وإذا لم يعلم أن بها عيوباً ثم ظهرت العيوب بعد ذلك فهو مخير، إن شاء ردها ولم يقبلها، جاز له ذلك، وإن شاء اشتراها أو طالب بنقص القيمة مقابل العلل الموجودة فيها.
حكم قول: (اللهم أحسن وقوفي بين يديك) قبل الشروع في الصلاة
السؤال: هل يجوز للمصلي عندما يتهيأ للصلاة أو يدخل فيها أن يقول: اللهم أحسن وقوفي بين يديك؟
الجواب: إذا قالها في السجود أو بعد الرفع من الركوع فلا بأس ولا حرج، فهذا دعاء، والدعاء يكون في السجود أو بعد الرفع من الركوع، أما مع تكبيرة الإحرام فلا.
حكم تقاضي الكفيل من مكفوله نقوداً باستمرار
السؤال: أعمل عند كفيل لي، ودائماً يتقاضى مني نقوداً، فما حكم ذلك؟
الجواب: ليس من حق هذا الكفيل أن يطالب العامل إلا إذا اشترط عليه في الكفالة، واتفقا على ذلك، فذلك شيء آخر، أما ما عدا ذلك فلا ينبغي، وهذا من سوء الأدب وسوء خلق.
حكم الذهاب إلى بلد الكفر للدراسة فيها
السؤال: سائل يقول: أنا طالب، وأريد أن أسافر إلى بلد لأكمل دراستي، وهذه البلاد يعبد فيها الأصنام، والأوثان، فهل أذهب أو لا أذهب؟
الجواب: إذا كنت واثقاً من نفسك أنك لا تفسق ولا تفجر ولا ترضى بالكفر ولا بالشرك، وتطلب ذلك العلم الضروري الذي لم تجده في بلادك، واضطررت إليه فلا حرج، أما إذا كنت ضعيفاً، وتخشى أن تقع في المهاوي والمفاسد، فلا يحل لك الذهاب إلى ذلك البلد أبداً، ويكفيك العلم في بلدك.
حكم لعن الكاسيات العاريات سراً
حكم مس فرج الطفل للمتوضئ
السؤال: إذا كانت المرأة على وضوء، ثم لمست عورة طفلها، فهل ينقض ذلك الوضوء؟
الجواب: لا ينتقض الوضوء، ولا حرج، فالوضوء سليم وصحيح، وإذا تلذذت أو فكرت في لذة الجماع، أو وجدت لذة في ذلك اللمس انتقض وضوءها قطعاً، لكن هذا بعيد وشبه مستحيل.
حكم التسول في المساجد
السؤال: ما رأيكم في الذين يتسولون في المساجد، ويطلبون المساعدة، وذلك بعد الانتهاء من الصلاة؟
الجواب: لا رأي لي في هذا أبداً، لو بلغنا النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم لبلغناهم، فما دام أنه ما بلغني نهي ولا أمر، فهذا يعود إلى صاحب الحاجة.
حكم قص الأشجار الخضراء للزينة
السؤال: قص الشجر الأخضر من أجل الاحتفاظ به، هل هو حرام أم جائز؟
الجواب: قص الشجر الأخضر ليجعل في البيت أو غيره مباح، فإذا كان ينتفع بذلك فشأنه.
حكم من نسي قراءة الفاتحة في الصلاة
السؤال: يقول السائل: ما حكم من نسي أن يقرأ بفاتحة الكتاب؟ هل صلاته صحيحة أم تبطل؟
الجواب: إذا تذكر وهو قائم قرأ الفاتحة، وإذا نسيها وركع ثم سجد ألغى الركعة، فيكبر تكبيرة الإحرام، ويقرأ الفاتحة، ويتم صلاته.
حكم حلق اللحية والشارب
السؤال: هل يجوز حلق الذقن والشارب؟
الجواب: الشارب قصه مشروع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، أما اللحية فلا يجوز حلقها.
نصيحة لشارب الدخان, ومسبل الثياب, ومن لم يعدل بين الزوجات
السؤال: يقول السائل: نرجو كلمة توجيهية والنصح والإرشاد لمن يعملون هذه المنكرات: شرب الدخان، وإسبال الثياب، وظلم الزوجات؟
الجواب: أولاً: التدخين حرام، فلا يحل لمسلم أن يدخن؛ فإنه ضار بالخمس الكليات التي جاءت الشرائع الإلهية للمحافظة عليها.
ثانياً: إسبال الثياب، أي: إطالتها لتتجاوز الكعبين، وتصل إلى الأرض، هذا ممنوع، فقد حرمه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يحل لمسلم أن يطيل ثيابه ويسبله حتى يجر في الأرض ويصبح كثوب المرأة، فحده الكعبين فما فوق.
ثالثاً: أما من يتزوج المرأتين والثلاث والأربع ولا يعدل بينهن، فقد عصى الله عز وجل وفسق عن أمره، قال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3] فمن كان عاجزاً عن العدل يجب عليه أن يتزوج واحدة فقط، ويطلق الأخريات، أو لا يتزوج أكثر من واحدة، فلا يحل الجور والظلم بين الزوجات، بل يجب عليه أن يعطي كل زوجة حقها من النظر إلى وجهها، والكلمة الطيبة.
رابعاً: أما عدم تربية الأبناء على كتاب الله وسنة رسوله، فبعض الناس يصلي ولا يأمر أبناءه بالصلاة، ويهملهم، ويتركهم بدون تربية إسلامية، فوالله إنه لعاص، وفاسق، وظالم، فيجب عليه أن يربي أولاده على الإسلام، والإيمان، والإحسان، وألا يهملهم، فهذا حرام، فيجب أن يأتي بهم إلى المسجد ليصلوا الصلوات معه، ويجب أن يلزم الأولاد بالبقاء في المسجد لا في الشوارع يصيحون ويصرخون ويعبثون، فهذا إضاعة وفساد، فيا ويل هؤلاء الآباء مما يترتب على فساد أولادهم، فلهذا نبرأ إلى الله منهم، وندعو الله تعالى أن يتوب علينا وعليهم.
أولادك يجب أن يكونوا إلى جنبك، وخذ بمبدأ عمر رضي الله عنه القائل: لاعب ابنك سبعاً، وأدبه سبعاً، واصحبه سبعاً، فالسبع السنوات الأولى لاعبه في البيت حتى يسمن ويكمل عقله وبدنه، ثم أدبه سبع سنوات، ثم بعد ذلك اصحبه سبعاً، فإذا بلغ السادسة عشرة من عمره لا يفارقك ليلاً ولا نهاراً أبداً، إن كنت فلاحاً ففي الفلاحة، أو تاجراً ففي التجارة، أو كاتباً ففي الكتابة، فإذا بلغ الحادية والعشرين أصبح مثلك، إن كنت عالماً فعالماً، أو جاهلاً فجاهلاً، أو صالحاً فصالحاً، أو فاسداً ففاسداً.
بعض الناس يهمل ولده إذا بلغ الخامسة عشرة، فيصيح ويفسق ويفجر ويكفر في الشوارع! فهذا حرام، وهو مسئول عنه.
نصيحة لمن يسرف في حفلات الزفاف ويسهر ليلاً
السؤال: يقول السائل: مع قدوم الإجازة تكثر حفلات الزفاف، ولكن مع الأسف الشديد يوجد الإسراف، والسهر ليلاً، فهل من نصيحة؟
الجواب: يا أبناء الإسلام! لسنا مسرفين، ربنا يقول: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]، والحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تناموا قبل صلاة العشاء، ولا تتحدثوا بعدها ) فإذا صلينا العشاء فلا سهر ولا عبث، بل ننام ونستريح؛ لنقوم آخر الليل.
الولائم يجب أن تكون في النهار بعد صلاة الظهر، فهذه وليمة غداء، أو تكون عشاء بعد صلاة المغرب مباشرة، فإذا أذن العشاء يعودون إلى المسجد ثم إلى بيوتهم، لكن جهلنا هذا الموضوع، وأصبحنا كاليهود والنصارى نتخبط والعياذ بالله، فنبرأ إلى الله من هذا.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.