أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي للشريعة الإسلامية بأدلته القرآنية والنبوية ولم يخرج عن مذاهب الأمة، هذا الكتاب نفع الله به، وها نحن ندرسه، والله تعالى ندعو أن ينفعنا بما ندرس، وها نحن مع الجهاد، وعرفنا أن الجهاد جهاد النفس والشيطان وجهاد الكفار، والآن مع آداب الجهاد، فللجهاد آداب لابد من مراعاتها وتطبيقها والعمل بها [المادة السابعة: في آداب الجهاد: للجهاد آداب تجب مراعاتها، فإنها عوامل النصر فيه، وهي: ]
إذاً: من آداب الجهاد: عدم إفشاء سر الجيش وخططه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يغزو غزوة ما في الشرق يتجه نحو الغرب؛ تعمية لأعين المنافقين الذين يفشون الأسرار.
فلابد من هذه كلها: اختيار الأماكن الصالحة للقتال، فإذا كان واد فيه شعاب مثلاً فلا يصلح، لا بد من مكان يصلح للقتال، ومن ثم ترتيب المقاتلين، واختيار الزمن المناسب لشن الهجوم على العدو [إذ كان صلى الله عليه وسلم من هديه في الحروب اختيار المكان والزمان لشن المعارك] هذه تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم اختيار الزمان والمكان لشن المعركة؛ حتى لا يقعوا في مكان لا يناسبهم، فاختيار الأماكن الصالحة للقتال، وترتيب المقاتلين وتنظيمهم، واختيار الزمن المناسب لشن الهجوم على العدو ليلاً أو نهاراً من هديه صلى الله عليه وسلم في الحرب قبل شن المعركة.
من آداب الجهاد: دعوة الكفار قبل إعلان الحرب عليهم أو مهاجمتهم، أولاً: دعوتهم إلى الإسلام أو الاستسلام للمسلمين بدفع الجزية والخضوع لدولتهم، فإن أبوا فالقتال، والدليل أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث أميراً على سرية من السرايا أو جيش أوصاه بهذه الثلاث، والسرية أقل من الجيش، فالسرية: ما يسري بها صاحبها في الليل، والجيش أعظم. هذه وصية الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يفعلون، والآن من كان حاكماً أو ملكاً عليه أن يوصي قادته بذلك.
فلا يحل للمجاهد أن يخفي خاتماً -فقط- في يد كافر بعد موته، ولا يحل قتل النساء والأطفال الصغار والشيوخ الكبار، والرهبان؛ بشرط عدم مشاركتهم في القتال، أما إذا شاركوا ودخلوا فإنهم يقتلون، والعادة جارية أن الصبيان والشيوخ الكبار والنساء لا يقاتلون، وأما الرهبان فمنقطعين للتعبد، لكن إن حدث أن راهباً لبس لباس الجيش ودخل ثم قال: أنا راهب! فإنه يقتل [فإن قاتلوا قتلوا] أطفالاً كانوا أو نساءً أو رهباناً أو شيوخاً [لقوله صلى الله عليه وسلم لأمرائه] الذين يؤمرهم ويبعثهم للجهاد [( انطلقوا باسم الله، وبالله وعلى ملة رسول الله )] أي: انطلقوا أيها المجاهدون! باسم الله، فلا تقاتلون باسم أحد، وبالله، أي: مستنصرين طالبين للنصر من الله لا من غيره، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم [( ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً ولا صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين )] هذه تعاليم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
كان صلى الله عليه وسلم يقول لأمرائه الذين يؤمرهم على القتال: ( انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا صغيراً ولا امرأة ) ثم يقول: ( ولا تغلوا ) أي: لا تسرقوا من الغنيمة وتخفوها قبل قسمتها، أن يسرق المجاهد شيئاً فلا يجوز، ( وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ).
أيما كافر دخل في بلادنا وقال: أجيروني، أي: من يحفظني؟ فقال فلان من الناس: أنا! أصبح في ذمة هذا المسلم ولا يحل للمؤمنين أن يقتلوه [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تغدروا )] والغدر هو الخداع [وقوله: ( إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان ابن فلان )] الغادر هو الخادع، يوضع له راية في ظهره بين الناس يوم القيامة، ويقال: هذه غدرة فلان ابن فلان -والعياذ بالله-.
وقد أمّنت أم هانئ أحد المشركين، فجاء علي يريد أن يقتله فصاحت وذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها: ( قد أجرنا من أجرت يا
كان صلى الله عليه وسلم يقول بعد التعبئة للمعركة وتهيئة الرجال وصفهم، وقبل أن يدخل يقول: ( اللهم ) أي: يا ألله ( منزل الكتاب ) أي: القرآن ( ومجري السحاب ) من مكان إلى مكان ( وهازم الأحزاب ) هزمهم الله شر هزيمة ( اهزمهم وانصرنا عليهم )، هذه الدعوة يستعملها المجاهدون إلى يوم القيامة، عندما تصف الصفوف قبل إطلاق النار [وقوله صلى الله عليه وسلم: ( ثنتان لا تردان أو قلما تردان )] أي: دعوتان لا تردان أو قلما تردان [( الدعاء عند النداء )] الدعاء عند الأذان لا يرد [(وعند البأس )] إذا بدأت المعركة وقبل أن ندخلها ندعو الله عز وجل [(حتى يلحم بعضهم بعضاً )]. هذه عشرة آداب أحق الناس بها الجند، فيجب عليهم أن يعرفوا هذه الآداب، وكذلك أمراؤهم ومسئوليهم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الجواب: لا جهاد إلا بإمام يقود المسلمين، فلا بد من إمام يبايع على الجهاد وتلتف الأمة حوله، يدرب رجالها ويعد عدتها، ثم إن أراد يغزو بلداً كافراً -فباسم الله- يقف برجاله على الحدود ويراسل تلك الدولة وقد علمنا ماذا يطلب منهم.
أولاً: الدخول في الإسلام، فإن دخلوا فالحمد لله.
ثانياً: أن يرفضوا الدخول في الإسلام ويقولون: لا. نحن نصارى لا نبدل ديننا، فنقول لهم: اقعدوا على دينكم على أن تدفعوا الجزية، علامة على أنكم خضعتم لنا ودخلتم في حمايتنا.
ثالثاً: أن يرفضوا الأولى والثانية فعندها يكون القتال؛ حتى ينصرنا الله عليهم.
إذاً: الجماعات التي تقاتل في الشرق والغرب بدون إمام قتالهم باطل باطل باطل، وهم آثمون آثمون آثمون.
وعندنا مثال حي: كانت روسيا احتلت أفغانستان، وأراد أهل أفغانستان قتالها لطردها من بلادهم، فباسم الله بدءوا القتال، وكنا من هذا الكرسي نجمع لهم الذهب والفضة، فقد أتتني امرأة يمنية بكيس من الفضة، وزوجتي نزعت ما في يدها من الذهب.
وأنا أقول: إن جهاد الأفغان جهاد، ولكن فيه دخن، فيه ظلمة عاقبتها سوء؛ لأنهم ما بايعوا إماماً وإنما يقاتلون جماعات جماعات، وشاء الله أن يبعثني سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه ورضي الله عنه وأرضاه مع نفر لنمشي إليهم في ديارهم ونطالبهم بالاجتماع والاتفاق والقتال تحت راية واحدة، فمشينا وبدأنا ننتقل من مكان إلى مكان بين الجماعة الفلانية والجماعة الفلانية، وبينا لهم أن القتال بدون إمام فائدته خراب ودمار وهو حرام لا يجوز، فوجدنا قائداً يقول: كذا، وآخر يقول: كذا، فعرفنا أنهم هالكون، ورجعنا.
وهم إلى الآن في أسوأ حال وسبب هذا عدم المبايعة، فلو بايعوا إماماً والتفوا حوله نساء ورجالاً، لو أمرهم بالقيام قاموا، أو أمرهم بالقعود قعدوا، أو أمرهم بالصيام صاموا لكانت الكلمة واحدة، وإذا جاهد هذا الإمام نصره الله عز وجل، أما الفوضى هذا حزب كذا، وهذا رأس كذا .. فلا يحل أبداً وليس بجهاد.
ومثال آخر: إخواننا في فلسطين، أقسم بالله لو أنهم التفوا حول إمام ديني رباني نساء ورجالاً ليقودهم لنصرهم الله، لكن هذا حزب وهذا حزب، وهذه جماعة وهذه جماعة .. فلا يستطيعون أن يقاتلوا اليهود أبداً، ولا ينتصرون عليهم، فعليهم الآن أن يبايعوا أحدهم ويلتفوا حوله فلا يطالبون بخروج اليهود من فلسطين حتى يصبحوا أمة قوية قادرة على القتال، عبدت ربها وأطاعته، وطبقت شرعه، فلا ربا ولا زنا، ولا فسق ولا فجور، ولا ترك صلاة .. بعد عام أو عامين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة لو قاتلوا اليهود لنصرهم الله عليهم، أقسم بالله على ذلك.
وعندنا إخوان لنا في الجزائر منذ سبع أو ثمان سنوات وهم يقاتلون تحت راية الجهاد.. باللسان، ويكفرون غيرهم، هل استفادوا؟ هل نجحوا؟ هل كونوا دولة؟ والله ما كان ولن يكون، لكن أهرقوا الدماء، ومزقوا الأكباد، وكلها ذنوب يتحملونها في جهنم. ما سبب هذا؟ هل بايعوا إماماً لهم؟ هل التفت الأمة حوله وأصبحت أمة واحدة؟ هل كلمتها واحدة؟! إذا لم يكن هذا فلا جهاد.
ثم هم يجاهدون في داخل البلاد الإسلامية، وهذه نعرة إبليسية. يقولون: الحاكم الذي لا يطبق الشريعة الإسلامية كافر، فكفروه وجوزوا قتله، والعلماء الذين وافقوا الحاكم وسكتوا يجب قتالهم فقد كفروا أيضاً. والأمة من كان معنا فهو مؤمن، ومن كان ضدنا فهو كافر. هذا هو الوضع! وبدأت الفكرة في مصر، وفي سوريا، وفي العراق.. وآخر ما كانت في الجزائر. وهذه أخطاء فاحشة.
إذاً: أين الجهاد الآن؟
أحياناً يهاجم عدو كافر بلداً إسلامي، فيرسي سفنه على شواطئه ويدخل، في هذه الحال يجب الجهاد على النساء والرجال؛ حتى يطردوا هذا العدو، فإذا هاجم العدو بلداً إسلامياً فإنهم لا يحتاجون إلى إمام، بل عليهم نساء ورجالاً أن يقاتلوا هذا العدو حتى يخرجوه من ديارهم قبل أن تأتي الجيوش الإسلامية لتساعدهم، وهذا ضرب نوع من القتال في أن الجهاد حق لا يحتاج إلى إمام؛ لأن العدو هاجم بلدنا فيجب أن ندفعه.
الجواب: السنة أن تصلي وراء المقام حتى ولو من بعيد، فلا بد وأن يكون المقام أمامك وإن بعد، وإن فرضنا أنك ما وجدت مكاناً أبداً ففي هذه الحال تصلي حيث وجدت، لكن الغالب أنك تجد مكاناً من المسعى، والله يقول: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125] فكيف لا نصلي خلفه؟!
يقول: وإذا كان الذي يجمع هذه الأوساخ يأخذ عليها راتباً، كالكناسين مثلاً، فهل يكون ذلك له؟
الجواب: لا، بل يدخل الجنة بإيمانه وصالح أعماله، ويعطى الحور العين، لكن هذه الميزة لا تكون إلا لمن تطوع بتطهير المساجد وتنظيفها.
معاشر المستمعين! أحد إخوانكم في المستشفى يطلب منكم الدعاء، وأقول لكم: إخوانكم يطلبون منكم الدعاء؛ لأنهم مرضى، لعل الله يستجيب لنا ويشفي مرضانا، فهيا بنا ندعو.
اللهم يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين، ويا ولي المؤمنين ومتولي الصالحين، هذه أكفنا قد رفعناها إليك سائلين ضارعين فاغفر لنا ولهم وارحمنا، واشف مرضانا يا رب العالمين.
اللهم اشف مرضانا في بيوتنا ومشافينا، وفي مجلسنا هذا يا رب العالمين؛ إنه لا شفاء إلا شفاؤك.. رب إنه لا شفاء إلا شفاؤك فاشف هؤلاء المرضى برحمتك يا أرحم الراحمين، وأرنا إياهم طاهرين طيبين، إنك ذو الفضل العظيم.
وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر