اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
مما ذكرنا في آداب المساجد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين).
ففيه أن المسجد له تحية، فإذا دخلنا المسجد صلينا تحية المسجد، وهذه التحية سنة على ما قال جماهير أهل العلم.
وإذا دخلت في أي وقت من الأوقات المسجد صليت تحية المسجد حتى ولو كان الخطيب على المنبر يخطب، فلك أن تصلي ركعتين وتتجوز فيهما، ولا تتخطى الرقاب في دخولك المسجد، إلا في ثلاثة أوقات قليلة ضيقة، وهي أوقات حرم علينا النبي صلى الله عليه وسلم فيها صلاة النافلة وأن نؤخر الفريضة إليها اختياراً.
أي: عند طلوع الشمس حوالي ربع ساعة، وبعد طلوعها بمقدار ثلث ساعة، ويحرم عليك فيها أن تسجد للتلاوة، أو تتنفل كتحية مسجد أو غيرها.
كذلك قبيل صلاة الظهر بوقت قليل جداً بمقدار ركعة واحدة، هذا الوقت القليل الذي قبل صلاة الظهر اسمه وقت استقلال الظل بالرمح، وهو وقت تسجر فيه جهنم، ونهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها.
كذلك قبل غروب الشمس، أي: في الوقت الذي بدأت فيه الشمس تنزل وتلامس الأفق، وستنزل تحت الأفق، وهذا الوقت يأخذ حوالي ثلث ساعة أو ربع ساعة، أيضاً تحرم فيه الصلاة.
إذاً: فهذه ثلاثة أوقات تحرم فيها صلاة النافلة، فإذا دخلت المسجد فإما أن تجلس وإما أن تقف وتنتظر أذان الصلاة للفريضة.
من هذه الأحاديث: حديث السيدة عائشة في الصحيحين: أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير، فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وكانت السيدة أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما ممن هاجرن إلى الحبشة، فيذكران للنبي صلى الله عليه وسلم أنهما رأتا في الحبشة كنيسة، وفيها صور كعادة النصارى في وضع صور بداخل الكنائس.
لاحظ أنه لم يقل: يسجدون للرجل الصالح، ولم يقل: يعبدون الرجل الصالح، قال: إن الرجل الصالح إذا كاد أن يموت يضعونه في قبر، ويبنون مسجداً فوق القبر، فنهانا عن ذلك صلوات الله وسلامه عليه.
وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل) وهذا قبل أن يموت بخمسة أيام صلوات الله وسلامه عليه.
يقول: (فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت
فيحرم على المسلمين أن يبنوا المساجد على القبور أو أن يدخلوا قبور الصالحين بداخل المساجد.
وكان الصحابة رضوان الله عليهم يتحرون أن يكون القبر بعيداً عن مسجده صلى الله عليه وسلم، أو على الأقل لا أحد يسجد إلى القبر، فبنوا سوراً بحيث يحرف عن القبر، فلا يسجد أحد إلى قبره صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك وسع المسجد على ما هو معروف عليه الآن، ومكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يلحق به غيره، ويحرم أن يحول من مكانه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبر أنه يدفن حيث يموت.
وهذا خاص به صلى الله عليه وسلم، وليست سنة كما يزعم بعض من يكذبون ويقولون: إن اتخاذ القبور على المساجد سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعون على من يحرمون ذلك، ويقولون: أماتوا السنة أماتهم الله، ألا لعنة الله على الكذابين، ولعنة الله على من يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، ويفتري عليه أن هذه من سنته، والله ما هي من سنته، وإنما حرم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وقال: (إني أنهاكم عن ذلك) صلوات الله وسلامه عليه.
فلا يحل لأحد أن يبني مسجداً على قبر لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
وروى الإمام أحمد عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أنه قال: (كان آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم: أن أخرجوا يهود الحجاز من جزيرة العرب، واعلموا أن شرار الناس الذين يتخذون القبور على المساجد) والذين يفعلون ذلك، والذين يفتون للناس بذلك، والذين يوحون بذلك، والذين يكذبون وينسبون ذلك إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: إنها السنة، ألا لعنة الله على الكذابين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ذلك ومنعه عليه الصلاة والسلام.
فقد كذبوا في ذلك، فلعنة الله على الكذابين، قالوا: بإسناد صحيح، ولا يوجد إسناد لهذا الحديث، بل هو أبعد من أن يرويه موسى بن عقبة عن الزهري ويذكر ذلك، ولم يشهد الزهري ذلك، ولم يشهد هذه القصة التي حدثت لـأبي جندل وأبي بصير ، هذه كانت في صلح الحديبية، وصلح الحديبية كان في ذي القعدة من سنة ست، ثم هاجر أبو جندل وجاء للنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بصير ، فلما حدثت القصة المعروفة راح أبو جندل وأبو بصير عند مكان اسمه سيف البحر بين مكة وبين المدينة يقطعون الطريق على أهل مكة، فيذكر الإمام موسى بن عقبة عن الزهري : أن أبا بصير لما مات في هذا المكان دفنه أبو جندل وأقام عنده مسجداً، فـالزهري ذكر ذلك، لكن من أين أتى به؟ والزهري حين يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم هناك اثنان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذا الحديث معضل، والمعضل من أنواع الحديث الضعيف، وهذا الحديث الذي يقولون عنه: بإسناد صحيح، ليس له إسناد إلا هذا، فـموسى بن عقبة يقول: قال الزهري كذا، فذكر عن الزهري وأطلقه هكذا مرسلاً.
ثم لو فرضنا صحة ذلك، فهل فعل ذلك أبو جندل بإذن النبي صلى الله عليه وسلم؟ كان بعيداً عن النبي صلى الله عليه وسلم هو عند سيف البحر خائفاً أن يأتي المدينة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع لأهل مكة، فلذلك كان بعيداً عند سيف البحر، وفعل ذلك بغير مشورة من النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا لو صح هذا الشيء.
ولو فرضنا أنه كان مشروعاً في ذلك الحين فهو منسوخ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته وقبل وفاته بخمسة أيام حرم ذلك ومنعه.
وإذا رأيتم مثل هذا الحديث مع الأحاديث الصحيحة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي يحرم فيها بناء المساجد على القبور ثم يخرج من يزعم للناس أن هؤلاء كذابون، وهؤلاء أماتوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا مانع من اتخاذ الأضرحة في القبور، من أولى بهذه الدعوة؟ من قال خلاف ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وأفتى للناس بذلك، أم الذي يتابع هدي النبي صلى الله عليه وسلم ويحرم ما حرمه النبي صلوات الله وسلامه عليه، ففي الحديث: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بناء المساجد فوق القبور).
أما ما يتشدقون به ويقولون: أليس القرآن يقول: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف:21]؟ فنقول: إنه لم يقل: قال الأنبياء، ولم يقل: قال الصالحون، بل قال: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ [الكهف:21] وهم الحكام، ومنذ متى كان الحكام لهم رأي في فقه أو في غير فقه، فهم لا يرجعون بعقولهم، فقد أحب الحاكم أن يبني عليه مسجداً ففعل هذا الشيء.
ولو فرضنا أن هذا كان جائزاً في عصورهم فقد نسخ بشرعنا وبتحريم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فلا حجة لأحد أبداً أن يقول: يجوز اتخاذ الأضرحة واذهبوا إلى القبور وزوروها، ويذهب الناس لزيارة الأضرحة ويلفون حولها ويطوفون كما يطوفون بالكعبة ويسألونها من دون الله عز وجل، فهذا شرك وقد نهانا ربنا سبحانه وتعالى عن الشرك فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].
ففي الدعاء لا تدع ربك فقط، وليس لك أن تدعو غيره سبحانه وتعالى، وإذا أردت التوسل فتوسل إلى الله عز وجل بما هو مشروع في الدين، فتوسل إليه تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وتوسل إليه بالعمل الصالح، ومن العمل الصالح حبك للأنبياء وللصالحين.
وتوسل إلى الله عز وجل بدعوة الصالحين لك، أما أن تتوسل بأموات، أو بقبور، أو بمشاهد، فهذا ما أنزل الله به من سلطان، بل قد حرمه النبي صلى الله عليه وسلم كما في الأحاديث الصحيحة، ويقال لهذا الذي يقول: أين أخفيتم هذا الحديث: بل أنت أظهر لنا إسناده الذي تفتريه وتزعم أنه إسناد صحيح ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كذلك ينبغي إذا دخل أحد المسجد أن يتفقد نعليه، وهذا ذكرناه قبل ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه وليصل فيهما) .
هذا حين كان المسجد مفروشاً بالحصباء وبالحصى والتراب، أما الآن وهو مفروش بالحصير والسجاجيد والموكيت فلا يجوز أن تدخل عليه بالحذاء؛ لأنك تقذره، وقد ذكرنا فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في تحريم تقذير حصر المسجد.
فإذا كنت داخل المسجد وسمعت الأذان فلا يجوز لك أن تخرج منها إلا لعذر، فمثلاً: إنسان أحدث ويريد أن يذهب للبيت ليتوضأ، أو تذكر أنه على جنابة ويريد أن يذهب إلى البيت ليغتسل، أو أنه اضطر لأنه إذا دخل المسجد فإن صاحبه يفوته وهو مسافر، فله عذر في ذلك كله، فخروج الإنسان لعذر من الأعذار جائز، وخروجه لغير عذر يحرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدركه الأذان وهو في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهو منافق) فالذي يدركه الأذان داخل المسجد ثم خرج لا ينوي الرجوع إلى المسجد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه منافق.
كذلك كان إذا دخل المسجد يدخل برجله اليمنى ويقول: (أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم).
فإذا دخل المسلم المسجد فالمستحب عند الدخول تقديم الرجل اليمنى، وعند الخروج تقديم اليسرى وليس اليمنى.
وفي دخولك تقول: (رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك)، وفي خروجك تقول: (رب اغفر لي أو تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: اللهم صل على محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك)، وكلنا نحفظ هذه الأحاديث التي في دخول المسجد وفي الخروج من المسجد.
فهذا الجزء القليل لا يضيعه الله عز وجل، ومهما صغر الجزء الذي أنت تبرعت به للمسجد فإن الله عز وجل قد يجعل لك خيراً منه في الجنة.
لذلك فإن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان خربة، كان قبل هجرته صلى الله عليه وسلم خربة لغلامين من الأنصار، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا).
ومعنى: (ثامنوني) أي: أعطونا كي نشتري منكم هذا، وكان يحب أن يدفع ثمنه صلى الله عليه وسلم، فالأنصار قالوا: نحن نرضي الغلامين ولا نطلب أجراً إلا من الله. يعني: نحن سنشتريه من الغلامين ونطلب الأجر من الله، وليس من النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم بنى معهم المسجد في القصة المعروفة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد).
وكثيراً من المساجد فيها من الزخرفة والافتخار ما فيها، ولا تجد فيها من يصلي، ففي صلاة الفجر تجد المسجد فارغاً فيه ثلاثة أو أربعة فقط، فالتباهي بالمسجد كالزخرفة ليس هذا هو المطلوب، وإنما المطلوب عمارة بيت الله سبحانه. بالذكر والصلاة والاعتكاف ودروس العلم، هذا الذي يكون إعمار المسجد به.
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم) أي: إذا كان هذا هو همكم، أي: تجميل المصاحف وتجميل المساجد ولا أحد يصلي فيها، وكأنه يقول: إذا نظرتم للقشور وتركتم الأصول، ونظرتم للزخارف وتركتم دين الله عز وجل وراءكم ظهرياً، فهنا في هذه الحالة الدمار عليكم، أي: فانتظروا الدمار من الله عز وجل.
أيضاً مما ذكرناه قبل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها).
فينبغي أن يصان المسجد عما يصنع في السوق من صخب وإزعاج ورفع صوت وبيع وشراء وغير ذلك، على ما ذكرناه قبل ذلك.
فلا يحرم على المرأة الجنب أو الحائض أو الرجل الجنب المكث في مصلى في الشارع؛ لأن هذا مهما كان حكمه فهو شارع وليس مسجداً فيفرق بين الاثنين، ففي الحديث الذي في الصحيحين قالت أم عطية : (إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيض أن يحضرن يوم العيد ويعتزلن المصلى).
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء الحيض أن يحضرن صلاة العيد مع الناس، ولا يصلين العيد لكن سيشهدن ويعتزلن المصلى، ولا تكون المرأة الحائض واقفة في وسط اللاتي يصلين فتقطع الصفوف عليهن، ولكن يعتزلن المصليات ويحضرن خطبة العيد ويشهدن الدعاء للمسلمين في ذلك.
وعند الحنابلة هي فرض كفائي، ومعنى فرض كفائي أي: أنها ليست فرضاً عينياً، ولكن إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، فهذا قول قريب.
والأحناف لهم قولان في حكمها: فـأبو حنيفة قال: إنها واجبة، وباقي الأحناف قالوا: هي سنة، واختاروا ذلك مع قولهم: إنها من شعائر الدين، يعني: لو اجتمع المسلمون في مكان على أن يتركوها فيمنعون من ذلك، ويؤمرون بالصلاة حتى ولو قوتلوا على ذلك.
وأجمع المسلمون على أن صلاة العيد مشروعة، وعلى أنها ليست فرضاً عينياً.
وهذا نقله الإمام النووي في المجموع أي: أنها ليست فرضاً عينياً، فإذا جاء من يقول: إنها فرض عين، فيرد عليه بالإجماع، فالإجماع على أنها ليست فرضاً عينياً، وإنما الخلاف في هل هي سنة مؤكدة أم فرض كفائي؟ ففي الحالتين لم تكن واجبة على جميع الناس.
والدليل على أنها ليست فرضاً عينياً: الحديث الذي في الصحيحين: (أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال: يا رسول الله! أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ فقال: الصلوات الخمس ... إلا أن تطوع شيئاً)، وربنا فرض الصلوات الخمس، وسمى غيرها تطوعاً، فمن هذا الباب صلاة العيد، وفي نهاية الحديث قال: (أفلح إن صدق) يعني: لما قال: لا أزيد على ذلك.
أما من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرنا) تقول أم عطية : (أمرنا أن نخرج فنخرج الحيض والعواتق وذوات الخدور، فأما الحيض فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزلن مصلاهم) فهذا لا حجة فيه، فقد ذهب البعض إلى أن هذا حجة قوية؛ لأن صلاة العيد فرض عين، وهذا ليس فيه حجة؛ لأن المرأة الحائض لا صلاة عليها أصلاً، فإذا أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج فإنه لم يأمرها بصلاة العيد أصلاً، فهذه إذا أمرت فهو محمول على الندب، وليس على الوجوب؛ لأنها لم تصل أصلاً.
إذاً: فنترك قرابة ثلث ساعة بعد شروق الشمس، فوقت صلاة العيد ممدود، ويخرج وقتها بزوال الشمس.
إذاً: عند وقت الزوال يخرج وقت صلاة العيد، والمستحب في صلاة عيد الفطر أن تؤخر شيئاً، خمس دقائق، أو عشر، بحيث يدرك الناس إخراج زكاة الفطر.
والمستحب في عيد الأضحى أن تصلى في أول وقتها؛ ليدرك الناس فيها ذبح الأضاحي وتوزيعها على الناس.
جاء في حديث رواه أبو داود عن يزيد بن خمير الرحبي قال: (خرج
وكلما بكرت كان أفضل، لكن الإمام يحضر في وقت الصلاة، فبمجرد حضوره يصلي بالناس صلاة العيد.
والسنة: أن تصلى صلاة العيد في المصلى، وكلمة مصلى معناها: الفراغ الواسع الذي يسع العدد الكبير من الناس، إذا وجد مثل ذلك فتلك السنة، أي: أن يخرج الناس إلى الصحراء، كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكما في الحديث: (كنا نخرج إلى الجبان) فالجبان معناها: الصحراء، فلكونهم يدفنون الناس في الصحراء أطلق الجبان على المقابر، لكن الأصل أن الجبان معناها: الصحراء، فكانوا يخرجون لصلاة العيد في الصحراء التي تسع كل الناس ويترك مسجده صلوات الله وسلامه عليه.
والآن صعب أننا نأتي بصحراء في هذه الأماكن أو نخرج إليها، فعلى ذلك إذا وجد مسجد يتسع للناس فهذا أحسن، ويكون المسجد في الشارع، وهذا خير بحسب ما يتيسر للناس.
ويستحب خروج النساء؛ لقول أم عطية : (أمرنا أن نخرج فنخرج الحيض) والحيض قلنا: يعتزلن المصلى.
والأولى: أن يخص استحباب خروج النساء بمن يؤمن عليها وبها الفتنة، يعني: المفترض أن المرأة لما تخرج لصلاة العيد أو لأي صلاة في الجماعة أن لا تكون ذات فتنة، فلا تتبرج، ولا تتزين، ولا تضع رائحة؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: (لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل).
لكن الغرض: أنه إذا خرجت المرأة غير متطيبة، وغير متزينة، وخرجت للصلاة فلا مانع من ذلك، بل هو مستحب، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
ويستحب الغسل للعيدين، ولا يوجد حديث صحيح بالغسل للعيدين وإنما قياساً على الجمعة، فالجمعة يجتمع فيها عدد كبير من الناس، والعيد أكبر عدداً، إذاً: فالغسل في العيد أولى، ولكن لا يوجد نص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بذلك، وليس إلا القياس على الجمعة، وفعل الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
ومن السنة: أن يلبس أحسن الثياب لصلاة العيد، وفي ذلك حديث طويل وفيه: (أن
وأفضل ألوان الثياب التي تلبس للتجمل وللمسجد وللعيد وللجمعة البياض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم).
فإذا كان الثوب الأبيض غير نظيف، فيلبس أي ثوب، المهم أن يكون نظيفاً وحسناً ومشروعاً للصلاة.
أما النساء: فإذا أردن الحضور فيتنظفن بالماء ولا يتطيبن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) إذاً: فتخرج للمسجد وللصلاة، (ولكن ليخرجن وهن تفلات) يعني: غير متطيبات، والإنسان التفل: الذي لم يضع طيباً، ولم يستعد بطيب أو بتجمل للخروج.
وذكرنا أن المشروع للمسلم أن يبكر لصلاة العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حثهم على ذلك فكانوا يخرجون لصلاة العيد.
ويقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة).
إذاً: فالنبي صلى الله عليه وسلم إمامهم أول ما يخرج للصلاة في الحال عليه الصلاة والسلام: (فيقوم مقابل الناس وهم جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه، أو يأمر بشيء أمر به، ثم ينصرف صلوات الله وسلامه عليه).
ومن السنة: أنك إذا ذهبت للمسجد من طريق أن ترجع من طريق آخر، هذا إذا تيسر لك في طريقك إلى بيتك، أما إذا كان بيتك قريباً من صلاة العيد فلا شيء عليك، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج لصلاة العيد من طريق ويرجع من طريق، ليسلم على أكبر عدد من المسلمين في طريقه عليه الصلاة والسلام، لذلك السنة: التسليم، فيسلم المسلمون بعضهم على بعض ويدعو بعضهم لبعض.
فإن قيل: هل من سنة العيد أن يقبل بعضنا بعضاً بعد صلاة؟
الجواب: الراجح: لا، ولم يثبت فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما الالتزام والتقبيل هذا كانوا يفعلونه في القدوم من السفر، فإذا قدم إنسان من سفر، كان يفعل ذلك، فيعتنق النبي صلى الله عليه وسلم ويعتنقه، كما فعل بـجعفر بن أبي طالب أو بـأسامة أو بـزيد بن حارثة ، لكن إذا كان يلقى بعضنا بعضاً كل يوم فليس التقبيل أو العناق من سنة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وإنما التسليم باليد فقط والدعاء.
وفي الحديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق) يعني: ذهب من طريق ورجع من آخر، وكأنه للتكثير من التسليم على المسلمين، والدعاء لهم، وشهادة الأرض له، وحين يكون ذاهباً يكبر، وحين يرجع أيضاً يكبر.
وصلاة العيد لا أذان فيها ولا إقامة ولا نداء بالصلاة جامعة، فكل هذا لم يرد، وإنما عند مجرد حضور الإمام يقوم الناس ويصلون معه؛ لقول جابر : (لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى) لم يكن هناك أذان على ذلك، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم بمجرد حضوره يصلي بالناس صلوات الله وسلامه عليه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر