يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
مازلنا في طرق نقد متون السنة، وكيف أن هؤلاء الجهابذة باعوا أنفسهم رخيصة حتى ينقحوا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ويغربلوها فيخرجوا لنا الصحيح منها من السقيم، ويبينوا للناس هل ينسب هذا الكلام لرسول الله أو لا ينسب؟
من القواعد التي قعدها المحدثون لتنقية أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى المتون لا بالنظر إلى الأسانيد: ركاكة اللفظ.
فمعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم، وهو أفصح من نطق بالضاد، والله تعالى آتاه أجزل الكلام وأوجز الكلام وأحسن الكلام صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي, فكلمة واحدة وجيزة تجمع فوائد جمة، وهذا الشافعي رضي الله عنه وأرضاه ورحمه الله كان يتدبر في حديث واحد من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ألا وهو: (يا
فالذين نهلوا من بحر علم النبي صلى الله عليه وسلم وتدربوا على أحاديثه صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يفوتهم شيء من كلامه، مما جعلهم يفرقون بين قول النبي صلى الله عليه وسلم وبين قول غيره، وكان عند المحدثين القوة التي حباها الله إياهم ليفرقوا بين قول النبي وقول غير النبي؛ حفاظاً على حديث النبي, وأيضاً عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)، وأيضاً حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من روى عني حديثاً يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين).
فهذا الكلام تلوح عليه ركاكة اللفظ، مما تجعلك تقول: هذا لا يمكن أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهل رسول صلى الله عليه وسلم الذي بين أن كل البشر لآدم وآدم من تراب، ولا فرق بين أعجمي على عربي إلا بالتقوى، هل النبي صلى الله عليه وسلم يرى بأن الله جل في علاه يربط الثواب والعقاب والجنة والنار بحسن الوجه؟! ومن الذي خلق هذا الوجه؟ إنه الله جل في علاه, هذا سيفتح مجالاً كبيراً للجبرية، فعندهم أن مسألة الثواب والعقاب ليس بأيديهم ولا بعملهم, فلما تقول: إن الله جل وعلا يدخل الجنة من كان حسن الوجه، ويدخل النار من كان ذميم الوجه، ويدور الثواب والعقاب على مثل هذا الكلام السامج الذي لا يمكن أن ينسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فإن هذا يفتح الباب لمذهب الجبر، والذي يجعلنا نرده هو أن هذه الألفاظ لا يمكن أن تخرج عن رسول الله, ولا يمكن أن تكون تحت مسمى هذه الشريعة الغراء.
وأيضاً: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (النظر إلى الوجه الجميل عبادة) وعلى هذا يصير الفساق والفجار هم أعبد الناس في الأرض لو صححنا هذا الحديث، فالفساق والفجار بموجب هذا الحديث لا يتركون صورة لامرأة عارية إلا ويحدقون فيها البصر, ولا ينامون إلا وصور العاريات السفيهات على الحائط ينظرون إليها صباح مساء، فهل رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح هذا المجال لهذا الفاسق الفاجر أن ينظر في وجوه اللاتي يفعلن الفاحشة أو الساقطات ويقول: (النظر إلى الوجه الجميل عبادة؟ فهذا لا يمكن أن يكون من قول النبي صلى الله عليه وسلم).
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاثة تزيد في البصر: النظر إلى الخضرة، والماء الجاري، والوجه الحسن), فهذه الأحاديث لا يمكن أن تصحح ولا يمكن أن تنسب للنبي صلى الله عليه وسلم، لاسيما وهو قد أوتي جوامع الكلم، ومثل هذه الألفاظ تفتح الباب على مصراعيه والعياذ بالله للفجار والفساق، ولا يمكن أن يتصور بأن حكمة الله تربط الثواب والعقاب بحسن الوجه أو ذمامة الوجه نعوذ بالله من ذلك, يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).
يعني المشاءون بين الناس بالنميمة على هذا هم أفضل الناس على ذلك؛ لأنه قال: (وأذن من خبر)، وهذا يشبه كلام مسيلمة الكذاب ، وهذا الكلام لا يمكن أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم, وإنما هو من وحي الشياطين.
وأيضاً قال أحد المزارعين: (لو كان الأرز رجلاً لكان حليماً، ما أكله جائع إلا شبع)! يعني: الشبع لا يكون إلا في الأرز فقط!
يعني: أن الديك أفضل من البشر؛ لأن الريش واللحم يشترى بالذهب، فهل هذا الكلام يكون من النبي صلى الله عليه وسلم؟! وهل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الديك صديقي! نعوذ بالله ونبرأ إلى الله من أن ينسب هذا الكلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فهذا كلام سخيف يترفع الإنسان العاقل عن أن ينطق به، حاشا لله وحاشا لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يتكلم بمثل هذا الكلام، لاسيما وأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم وحي من الله جل في علاه, قال الله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4].
ومثل هذا الكلام السامج يجعل السفهاء البله حين يسمعون به يأتون بالهريسة في كل يوم في وقت الصبوح والغداء والعشاء؛ من أجل أن يقوى أحدهم في مسألة النكاح، ويقول: أعطيت قوة أربعين رجلاً.
وهناك رواية أخرى لمثل هذا الحلواني يقول: (الهريسة تشد الظهر)، فهو يروج لبضاعته، فهذا جبريل ينزل من سبع سماوات من أجل الهريسة! أيها الغبي السفيه! فهل مثل هذا الكلام ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم؟ فهذا سفه والعياذ بالله!
المأخذ الأول: أنه لا توجد أدنى بلاغة في متن هذا الحديث المكذوب.
المأخذ الثاني: أن العدس أدنى لا أعلى، بدليل قوله تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ [البقرة:61] إذاً: العدس أدنى في كتاب الله, فكيف تأتي أنت أيها الغافل المتغافل وتجعل العدس أعلى ومباركاً وقدسه أكثر من سبعين نبي؟!
المأخذ الثالث: أن ركاكة اللفظ تلوح عليه، وتبين بأن هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
المأخذ الرابع: أنه لا يمكن أن نقول بأن العدس تدمع منه العين، إلا أن تدمع العين من رائحة البصل، لكن ليس من رقة القلب.
فإذا عرضنا هذا الحديث على القرآن وجدنا أن الله جل وعلا جعل الدواء النافع للحسد في المعوذتين، ولو عرضنا ذلك على السنة -وكان صحيحاً- لأكل النبي صلى الله عليه وسلم السمك وأكثر منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سحر, ولما سحر جاءه جبريل يرقيه، فهل رقاه بزيت السمك أم أن جبريل رقاه بالرقية الشرعية؟ لقد رقاه بالرقية الشرعية، فهذا الحديث مخالف للقرآن والحديث مع ركاكة اللفظ.
الأول: ركاكة اللفظ، فهذه ليست من أسماء الله جل في علاه.
الثاني: القاعدة في أسماء الله وصفاته أنها توقيفية.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر