أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! أحيي جميعكم بتحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
واجبات المرأة المسلمة في هذه الحياة لا تعني أن الرجل المسلم ليس عليه واجبات، بل المسلمة كالمسلم، المؤمنة كالمؤمن، والرجل كالمرأة، على كل منهما واجبات في هذا الحياة.
والواجبات: واحدها واجب، والواجب: هو ما لازم وتعين القيام به، ولا انفكاك منه، ولا يصح التخلي عنه، والهروب منه، بل لابد من القيام به.
وهنا السؤال: من الذي يوجب هذه الواجبات؟
الذي يوجب هذه الواجبات هو المالك، هو ذو السلطة، هو القوي والقادر، هو الله جل جلاله، وعظم سلطانه، هو الذي يوجب على عبده وأمته.
فلو قدر لأحدنا أن يتكلم مع الله، ويقول: أي رب لم خلقتنا رجالاً ونساءً؟
لكان الجواب: لتعبدوني، ولا جواب سوى هذا، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
ما ثمرة هذه العبادة؟ هل تثمر شيئاً؟ هل تنتج نتاجاً صالحاً؟ هل فيها عوائد على العباد؟
معلوم أيها الأبناء والأحباب! هذه العبادة لا معنى للهو واللعب فيها، وإنما هي ذات ثمار طيبة، ذات نتاج حسن، ذات خيرات وبركات، ولا تعود إلا علينا أيها العابدون والعابدات، أما الله جل جلاله فما أعظم غناه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15]، كان ولم نكن، فما هو في حاجة إلينا، وإنما أحب وأراد أن يذكر ويشكر في هذه الأكوان، التي أعدها قبل أن يعد الإنسان، ذكره وأنثاه على حد سواء.
أراد الله أن يذكر ويشكر فهيأ هذه العوالم، وجعلها صالحة، فخلق آدم وزوجه وأنزلهما إلى هذه الأرض، وبارك في نسلهما، فعمرت هذه الأرض بهذه الذرية؛ والعلة لهذا أن يرى شكره فينا ويسمع ذكره منا، إلا أنه يثيبنا ويجزينا ويكافؤنا على هذا الذكر والشكر، وإن كنا مخلوقين له، وهو مقابل الإنعام، إنعام الإيجاد والإمداد، إذ أوجدنا فضلاً منه ورحمة، وأمدنا بمقومات حياتنا من الهواء والغذاء والماء، فلنقابل هذا العطاء بمثله، فلنقابل الإحسان بمثله، أيحسن ونسيء؟ أينعم ونكفر؟ ليس هذا من الطبع الحميد، ولا من الخلق الفاضل الكريم، بل طبعنا في الحقيقة وفطرنا على الاعتراف بالجميل والإحسان إلى من أحسن، إلا من ساء خلقه وفسد طبعه، وأصبح يقابل الإنعام بالكفران، والإحسان بالإساءة، ونبرأ إلى الله منه.
معشر المستمعين والمستمعات! اعلموا إنما غرز في فطرنا، وانطبعت به نفوسنا ما نسميه بالسعادة والكمال، هذا ثمرة هذه الواجبات، التي يحاول البعض من بني الناس التقصي والهروب منها، في حين أن السعادة والكمال -وهما غاية من غايات العقلاء، وهدف شريف سام من أهداف العالمين البصراء- لا يتحققان إلا على هذه العبادة.
واعلموا! والله الذي جمعنا في بيته ومنّ علينا بأسماعنا وأبصارنا وعقولنا وأَمّننا من المخاوف -به أقسم- أن لا كمال ولا سعادة لهذا المخلوق إلا في دائرة هذه العبادة، ومن خرج عنها شقي، بل تمزق وتلاشى واخترق، ولذلك مثل قرآني، قال تعالى في سورة الحج من كتابنا الكريم: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30].. حتى قال: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ [الحج:31]، والخرور والسقوط معلوم لدينا، يخر من علياء السماء، وهو بين أمرين لا ثالث لهما: بين أن تخطفه الطيور الكاسرة فتمزقه أشلاء، وبين أن تقذف به الريح -إن سلم من الطيور- فترمي به في مكان سحيق لا يعثر عليه الدهر كله، وهو عبارة عن الخسران الكامل.
وقد أقسم الحق عز وجل على هذه الحقيقة في سورة العصر إذ قال: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:1-2]، والخسران كالخسر فقدان الشيء بكامله، لا ربح ولا رأس مال.
وفسر تعالى الخسران لنا؛ لنتقيه ونتجنب مسالكه والدروب المفضية إليه، جاء ذلك البيان في موطنين من كتاب الله:
قال تعالى: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ [الزمر:15]، وهذه تعني الذين حقاً هم خاسرون؛ لأن الوصف هنا مقرون بأل، يدل على علاقته بالموصوف، ولزومه له.
قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15]، ليس الخسران أن يفقد أحدنا شاة أو بعيراً، ولا أن يفقد زوجة ولا ابناً، ولا أن يفقد منصباً أو وظيفة، الخسران أن يتمزق ويتلاشى، ويفقد كل شيء حتى نفسه التي بين جنبيه.
ومن ارتاب فليستعرض الجبانة ومقبرة الناس، أين أولئك الأبطال والصناديد والرجال؟ أين أولئك الحرائر والأمهات والسيدات؟ استحالوا إلى تراب، إلى عظام نخرة، أليس هذا هو التلاشي والتمزق والضياع، وإن تم هذا للأجساد الترابية، فإن خسران الأرواح هو الخسران، هذه الأرواح التي هانحن بها نسمع ونبصر، ونتذوق ونعرف وننكر، هذه الأرواح تفارق هذه الأجسام، أحببنا أم كرهنا، ولكلٍ ساعة لا تتقدم ولا تتأخر، ولن ينفعه نافع، وسوف تخرج باستدعاء خاص، بطلب معين، في لحظة معينة، هذه الروح يضعها خالقها حيث يشاء، إما في نعيم، وإما في جحيم، إما في سجن مكبلة فيه مقيدة باقية ببقاء هذه الحياة إلى أن تنتهي، أو هي تنعم في نعيم، وتسرح في رياض الجنان، وما هناك إلا عليون أو سجين.
إذاً: هذه العبادات هي سلم الإسعاد والإكمال، من أراد أن يخرج عن دائرتها؛ ليعيش بعيداً عنها، حكم على نفسه بالتلاشي والتمزق والضياع والخسران، ولن يكون خسرانك الخسران المعهود عندنا: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15].
إن من بعض هؤلاء الخاسرين من يوضع في توابيت من حديد، فلا يسمع ولا يبصر ولا يأكل ولا يشرب، ويلقى في ذلك العالم مليارات السنين، أي خسران أعظم من هذا الخسران؟ البشرية الغافلة الضائعة تظن أن الحياة هي هذه، في هذه الدائرة الضيقة، فليعلموا أن هذه الدنيا ما هي إلا كرحم امرأة فقط، فنحن الآن محصورون في هذه الرحم المنتنة، في هذا الضيق وهذا البلاء، في رحم فقط، وسوف نولد وإذا ولدنا وخرجنا إلى الحياة الحقة، عرفنا أننا كنا في رحم.
كثيراً ما أقول رداً على البلاشفة الملاحدة الدهريين الذين سمموا عقولهم، وطمسوا نور الفطر من نفوسهم، وهيئوهم لأن يكونوا آلات تتحرك وبهائم -والبهائم أفضل وأجل وأكرم- عندما يرون أن الحياة هي هذه وليس وراءها شيء، ويتعامون ويتجاهلون، وينسون أن تقريراتهم تثبت أن الشمس أكبر من كوكب الأرض بمليون ونصف مليون مرة، من أوجد هذا الكوكب؟ نار ملتهبة، حرارتها تصل إلينا بعد هذه المراحل فتكاد تحرقنا، من أوجد هذا الكوكب، ومثله ملايين الكواكب؟ كل هذا نسبته إلى العالم الآخر هي نسبة أن يغمس أحدنا إصبعه في البحر ثم ليخرجه وينظر كمية البلل إن كان يقدر على وزنها بالآلات الحديثة، وينسب هذه البلة بالإصبع إلى الأطلنطي وإلى البحر الأحمر، ما هي هذه القيمة؟ ما هي هذه النسبة؟ لا شيء يذكر.
فلهذا هذه الدنيا أصغر من رحم، ونحن محشورون فيه.
قلت: فلو قدر لأحد أن يتصل بجنين في بطن أمه، ويجري معه مكالمة، ويخبره بأنه في مكان ضيق عفن منتن، ويقول له: اخرج يا ولد إن وراءك عالماً من الفضاء؛ لأنكر هذا الجنين وكفر بما يسمع، وقال: أنت واهم، أنت خرافي، أنت رجعي، أين هذا العالم الذي تقول؟ وهو محصور في رحم أمه، يرى أن ذلك هو العالم، وليس وراء الرحم شيء أبداً، يا جنين! إنك في بطن أمك سعته كذا إصبع، وأمك في حجرة سعتها كذا ذراع، وحجرتها في منزل سعته كذا، في مدينة، في إقليم، يزداد كفراناً، هذا مثل البلاشفة منكري الله، مثل الدهريين الذين لا يؤمنون بلقاء الله، هذه هي عقولهم، هذه هي فهومهم، هذه هي إدراكاتهم، من أوقعهم في هذه؟ العدو، أبو مرة؛ إبليس، عدو الإنسان، هم لا يؤمنون بهذه العداوة أبداً، ولا يعترفون بها؛ لأنهم سكارى، أوقعهم في الحياة، وأسكرهم فيها، فظنوا أن ليس وراء هذه الحياة شيء، فما أضل القوم؟!
ولهذا حكم الله تعالى عليهم بأنهم: شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، أتدرون من شر الخليقة؟ من هو شر من الكلاب، من الذئاب، من الضباع، بل من الخنازير والقردة؟ عبد كفر ربه ولم يؤمن به، واقرءوا لذلك إن شئتم قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ [البينة:6] البعداء، أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6].
آه! يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ [يس:26].
المشركون، الكافرون، المجوس، اليهود، النصارى، الهنادك، اليابان، الصين، شر من الخنازير؟ إيه نعم.
لم نتعشقهم؟ لم نجاهد أن نكون مثلهم؟ لم نريد أن نكيف حياتنا لتكون كحياتهم؟ لأننا ما عرفنا، علتنا جهلنا، من يرضى أن يكون من شر البرية، من شر الخليقة؟ من يرضى من العقلاء؟
مضى على المسلمين أيام نورهم وكمالهم، يبخل المؤمن بالنظرة أن ينظرها إلى كافر، يترفع أن ينظر إلى هذا الذي هو شر البرية، وكيف كان شر البرية؟! فقط لأنه كفر ربه المنعم ولي الإنعام والمنن، الذي لولاه ما كان يجحده ويتنكر له، ويعمل على الخروج من خدمته وطاعته، ليخدم إبليس، وينضم إلى حزب الشيطان.
أقول للغافلين: أيها الغافلون! إن أنتم تمردتم وخرجتم عن طاعة ربكم، إنكم لن تتركوا أبداً، سوف تكونون في خدمة شر الخلق والمخلوقات، إن أبيتم عبادة الرحمن، ذات الأنوار والكمالات، فسوف تعبدون الشيطان بعفونته وظلمته، ما هناك إلا أن تكون عابداً لله أو عابداً للشيطان، إما وإما، فلأن أعبد خالقي مسدي النعم إلي ومن هو أرأف وأرحم بي من نفسي أولى من أن أعبد عدوي.
وبالتجربة وبالواقع معشر الأبناء! لولا الغفلة، ولولا الجهل في الناس لكان بالبداهة أن عبادة الله أخف وألطف وأرحم، وأكثر تلاؤماً مع الفطرة من عبادة الشيطان، أنتم الآن في عبادة الرحمن، كيف حالكم؟! آمنون، مطمئنون، هادئون، ساكنون، ترجون رحمة الله، وعبدة الشيطان الآن كيف حالهم؟ الإرهاق والتعب والآلام والأحزان، سواء كانوا يبيعون الخمر في كئوسها أو الملاهي والألعاب بين أيديهم، أو.. أو.. فهم في عمل أشق من هذا عشرين مرة، ونتائجه: آلام ودمار وخراب.
رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر الصديقة أم المؤمنين، يعاني من سكرات الموت، وهو يرفع رأسه بين الفينة والأخرى ويقول: ( اللهم الرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى )، كيف نصل إلى هذا الرفيق الكريم؟ مواكب النور: مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69]، كيف الوصول؟ الطريق: هو هذه الواجبات التي يتبرأ منها الناس بتزيين الشيطان ومكره، ويحاولون التفصي منها والخروج عن دائرتها، يخافونها كما يخافون الحيات والعقارب؛ لأنهم مسحورون مضللون.
هذه الواجبات هي درج للوصول للملكوت الأعلى، والله لا طريق إلا هذا، وقد عرفتم حكم الله فينا: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]، أما قرأتم قوله جل ذكره: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، من يعقب على هذا الحكم؟ أية هيئة قضائية تقاضي الله وترد عليه حكمه؟ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] أي: النفس، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:10]، من يراجع الله في هذا؟
هذه التزكية، وهذا التطهير للنفس البشرية أدواته الواجبات، فالذي يريد أن يتفصى من الواجبات ويتخلى عنها يريد أن يلوث روحه ويخبثها، حتى تصبح كأرواح الشياطين، وحينئذٍ والله ما تقبل في السماء، ولا تفتح لها أبوابها، هذا قضاء الله، ويل للغافلين!
في سورة الأعراف يقول جل ذكره: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا [الأعراف:40]، ما لهم؟ لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]، ومتى يدخل البعير في عين الإبرة الصغيرة تتعطل سنن الله؟ ندخل الجمل الأورق في عين إبرة، والخيط ما استطعنا إدخاله إلا بصعوبة، مستحيل.
إذاً: صاحب الروح الخبيثة من جراء ترك الواجبات يستحيل في حقه العروج إلى السماوات، والبشرية غافلة.
لن يجاور الله في الملكوت الأعلى إلا الطيبون والطيبات، لا مقام لأهل الخبث أبداً.
أرجو أن يكون المستمعون والمستمعات عرفوا قيمة الواجبات؛ حتى إذا قلنا يجب على المرأة كذا لا تتبرم وتشعر بالملل والألم، فالحمد لله أن فرض الله فرائض وأوجب واجبات؛ لأن بها نكمل ونسعد، لا أن نبغضها ونحاول الهروب منها، إنها واجبات، وليست ضرائب ولا غرامات ندفعها، ولا أعمال شاقة تناط بنا من ظالم حاكم، لا، هذه فقط عوامل الوصول إلى السماء، كيف ترقى -يا بني- إلى الملكوت الأعلى؟! الطريق هو هذا، ما من واجب تقوم به إلا ويدفع بنفسك مرحلة.
هنا نفتقر إلى العلم؛ ولهذا أوجب الله تعالى طلب العلم على هذه الأمة، حرام في حرام في حرام مكعب أن يعيش الرجل أو المرأة فترة من الزمان ولا يسأل عن هذه الواجبات، ولا كيف يؤديها، ويعيش الرجل في مزرعته، في مصنعه، في دكانه، في عمله، عشرين سنة، ثلاثين سنة، ما يسأل مرة: ما الذي يحب ربي؟ ما الذي يكرهه مولاي؟ ما الواجب علي؟ عشرون سنة ما يسأل هذا السؤال، كيف يتعلم؟ كيف يرقى يا عباد الله؟ وما أوتيت هذه الأمة إلا من طريق الجهل فقط، وما حل بها من الدمار والخراب ما حل إلا بسبب الجهل، وهي عرضة أيضاً لأشد وأعظم، فلابد من العلم وفي القرآن الكريم: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فكل من لا يعلم يجب أن يفهم، وكل من علم يجب أن يجيب، هذا نظام حياتنا، لن نكون إلا سائلاً أو مسئولاً لا ثالث لنا، أما إذا كنا لا سائل ولا مسئول، ولا عالم يُسأل ويقبل السؤال ولا جاهل يسأل، نكون قد عطلنا الحياة نهائياً، وهذا الذي ورط العالم الإسلامي في هذا البلاء، وفي هذا الشقاء، وفي هذا الذل والصغار، إذاً: ما منا إلا سائل ومسئول طوال الحياة، عالم يجب أن يُسأل ويجب أن يجيب، وجاهل يجب أن يَسأل ليتعلم، والآية صريحة: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، أليست الصيغة صيغة وجوب؟ فكل من لم يعلم من رجالنا ونسائنا، أحرارنا وعبيدنا أن يسأل، وعلى كل من علم أن يعلم ويجيب.
ومن هنا لا يتوقع وجود جاهل أو جاهلة في ديار الإسلام والمسلمين، وما كانت لهم مدارس متنوعة عامة كهذه أبداً، كانوا يتلقون المعرفة في جلسة كهذه الجلسة، إلا أنها دائمة والدهر كله، وأهل الحي برجالهم ونسائهم وأطفالهم يجتمعون بعد الفراغ من الكدح والعمل للدنيا من أجل أن يعبد الله، أيضاً يجتمعون في بيت ربهم ليتلقوا العلم والمعرفة كقطر السماء تحيا عليه النفوس، وتزدهر عليه الأخلاق والأرواح، يتعلمون فيعلمون، ولما فلسفنا العلم بفلسفة خاصة، وأنطناه بأمور معينة جاء الجهل من جديد، وخيمت سحبه وظلماته، وعدنا كما بدأنا.
معاشر المستمعات، أيتها المؤمنات! بما أن عنوان الكلمة: واجبات المرأة المسلمة في هذه الحياة، فمن الواجبات ما نشترك فيها رجالاً ونساءً، ومن الواجبات ما يخص النساء دون الرجال، والعكس كذلك ما يخص الرجال دون النساء، ومعنى هذا: أنه يجب علينا أن نتعلم واجباتنا، لكن مع إرادتي أن ننهض بها، أن نقوم بها وأن نفعلها، لا يكون حالنا كحال غيرنا يعلمون ولا يعملون، أولئك شرار الخلق.
إن حجاب المرأة واجب خاص بها، أما الرجل فلا يحتجب، بل يسفر ويبرز ويخرج؛ لأن أعماله تقتضي بروزه وخروجه وسفوره؛ لأنه يفلح الأرض، ويحصد الزرع، ويدرسه ويذريه ويصفيه، ويحمل الحب إلى الرحى فيطحنه، ويقدم الدقيق خالصاً لربة البيت لتخبز الخبز، من أجل أن يأكل هي وهو، من أجل أن يأكلا حتى يذكرا الله ويشكراه، وليس وراء ذلك شيء، فقط من أجل أن يتمكنا من ذكر الله بألسنتهما وقلبيهما، ومن أجل شكر الله بأعضائهما وجوارحهما، من ينهض بأعمال المنزل؟ الفحول؟ الرجال؟ الجواب: لا، هذا الواجب من واجبات النساء في هذه الحياة، فلتقم المؤمنة به.
وليس الحجاب كما يظن الظانون أو كما يسول الشياطين للغافلين، ليس أن تحتجب المرأة كما هو الشيخ أمامكم محتجب، يقولون: المرأة تكشف عن وجهها وكفيها جاءت الشريعة بهذا، وما هو الحجاب، أليس الحجاب مصدر حجب؟
إذا كان الحجاب هو عبارة عن ستر الجسم ما عدا الوجه والكفين أسائلكم بالله هل نحن الآن محتجبون أو غير محتجبين؟
محتجبون، أنا الآن محتجب، تشاهدون شيئاً في جسمي غير وجهي وكفي؟
من هنا اكتشفت اللعبة.
إذاً: ها نحن محتجبون، فما الفرق بيننا وبين النساء؟
يقول لها الفحل: اخرجي، وجه المرأة لا بأس بكشفه، ولا علاقة له بالحجاب، فاكشفي عن وجهك وادخلي الدكان واخرجي منه وامشي في الشوارع فأنت محتجبة، قلنا لهم: إذاً: كلنا بالحجاب رجال ونساء، حتى رجالنا أي واحد يقف منكم مستوراً من قمة الرأس إلى أخمص القدم، وما فيه إلا وجهه وكفه، أليس كذلك؟
إذاً: فأين الحجاب القرآني؟: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53].
ومن الغريب أن هذا الفحل الذي يسمح لزوجته ويشجعها ويمرنها على أن تخرج كاشفة عن وجهها وكفيها في الأسواق، إذا قدر له أن يستضيفنا نجلس ويقوم هو بتقديم الطعام والقهوة والشاي لنا، أين السيدة؟ السيدة محتجبة، سبحان الله! في الشوارع ما تحتجب ومع الضيوف تحتجب؟! ما هذا الفهم؟ في الشوارع حيث من هب ودب من الإنس والجن والخطافون ليست محتجبة، وفي البيت حيث الضيف وحده محتجبة، دعها تقدم الطعام ما دام الوجه والكفان مسموحاً بكشفهما، دعها تباشرنا إذاً، لا، يقول: نحن مسلمون.
فهمتم معنى الحجاب؟ هذه مكرة يهودية ماسونية، أمر دبر بليل، ما يريدون من وجوه نسائنا وبناتنا؟ ماذا يريدون؟ ماذا يبغون؟ يريدون أن تتحرر المرأة، وخاصة السعودية، وهي الأخيرة وليس بعدها شيء، تحرري أيتها السعودية! اكشفي عن وجهك، ستر الوجه وتغطيته تزمت رجعية خطأ، لا تسمعي لهؤلاء الجامدين من علمائكم القدامى.
كلمات خبيثة منتنة ماسونية، يظنون أننا عنها غافلون، وأننا لا نعرف أهدافها ولا مراميها، ونحن نعرف ما يجري في بطونهم وعروقهم من سمومهم، يظنون أننا ما ندري، لما يقولون: رجعية وتزمت، يظنون أنهم صبوا علينا الماء، مساكين! مخدوعون مغرورون.
لما أخذوا يطالبون بكشف الوجه فقط في أوروبا حتى مسخوها، وفي بلاد المسلمين حتى مسخوها، ما كانوا يطالبون بسوى كشف الوجه، لقد عشت فترة وأنا غلام من ستين سنة، إلى اثنتين وستين، وأنا أرى الفرنسية امرأة الزوج الحاكم متخمرة ومغطية وجهها، وهي مسيحية! مَن كشف وجهها حتى كشفت سوأتها؟ دعاة التدمير والتخريب للقضاء على البشرية، وانتقلت الفتنة إلى العالم الإسلامي، وطالب الكتاب والخطباء والأدباء وأرباب التمثيليات بكشف الوجه فقط، هل وقفوا عند كشف الوجه؟ كشفوا السوءات، فهل بعد هذا ننخدع نحن ونستجيب لهم؟
يا معشر النساء! يا نساء المؤمنات! أول واجب تصدينا للحديث عنه -وهو أهم الواجبات بعد الذي تشترك فيه المرأة مع الرجل- أن تلزم المؤمنة حجابها، فإذا أزالته، مزقته، خرجت عنه، أصبحت لقمة سائغة للشياطين أن تبتلعها، وبمجرد الخروج عن دائرة الستر والحجاب، تبع ذلك الحياء فرحل، وإذا رحل الحياء تبعه الإيمان، وإذا ذهب الحياء والإيمان قل لها: غني، ارقصي، فسوف تجدها في الحدائق العامة في المسابح، في المسارح؛ لأنها انتهت، خصومكم يا أهل لا إله إلا الله يودون بجدع أنوفهم ألا يبقى حجاب في بلادكم، بجدع الأنوف وقطعها، لم تبقى هذه الصخرة ما تتحطم كما تحطمت صخور أخرى؟ لم يبقى هذا الحجاب هنا؟
وقد يكتبون، وقد يرققون، وقد يقولون، وقد يتمردون ويحتالون، ومن ذلك ما سمعنا اليوم: أن هناك من يطالب بأن يتولى النساء المعلمات تعليم الفصول الأولى في تعليم الأطفال؛ السنة الأولى والثانية والثالثة، هذا البكاء وهذا التغني وهذه الرحمة المراد بها الشفق علينا؟ رحمة بنا؟ رحمة بأطفالنا؟ رحمة بنسائنا؟ نسائل أتحدى من يقول: أردنا وجه الله بها، والله ما هي إلا خطوة أولى لتتولى المرأة تعليم الرجال، الغافلون ما يشعرون، أما نحن عرفنا الحياة وعرفنا أساليب الشياطين فيها، ما الدافع إلى أن تعلم المرأة الأطفال؟ تعلم البنات، هل نحن في حاجة، في فقر شديد إلى قلة المعلمين وكثرة المعلمات فأردنا أن نحول، أهذا واقع حاصل؟
إذاً: فقط، لنستأنس ونألف، وهم يعرفون ويفتلون الغارب شيئاً فشيئاً، هذه غفلة، يسمحون بتعليم النساء الأطفال في السنة الأولى والسنة الثانية والثالثة، دعوها تدرس أبناء العاشرة، وكيف تنتقل إلى مكان آخر فتحدث بلبلة دعوها تدرس الابتدائية، والابتدائية فيها من فيه المني والفحولة، في الثالثة عشرة والرابعة عشرة، وبعد ذلك طلعت شمسهم على ليلنا أو على نهارنا، فازوا وحولونا إلى نساء.
معاشر المستمعين! لعل هذا الكلام يؤذيكم، يجب أن يؤذيكم، من لم يؤذ في ذات الله ما ذاق طعم الحياة، ما نقبل هذا النصائح لا تقدموها لنا، نحن أعلم بديارنا ونسائنا وأبنائنا، وهذه الفتنة عرضت منذ عشر سنوات تقريباً، ووقف الباز أطال الله في عمره وإلى جنبه رجال قالوا: لن يكون هذا، خدعة مكشوفة، فخنس الشياطين كشأنهم، والآن برزوا، سبحان الله العظيم! قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس:1-4] يخنس، إذا قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يلصق في بعضه البعض، يتركك، فلما تغفل يبرز عليك، وهذا كله تخطيط ماسوني، المهم ما تبقى راية: لا إله إلا الله تزعج الكفار وتقلقهم.
إذاً: يا نساء المؤمنات! الحجاب أول واجب، كان نساء أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يستأذن في الخروج إلى المسجد، فيؤذن لهن في الليل، من يرد هذا؟ سلي يا مؤمنة جدتك هل كانت تخرج في النهار؟ وليس في البلاد إلا إيمان ومؤمنون، وما تخرج نساؤنا إلا بالليل حيث الظلام ما هناك كهرباء ولا مصابيح، نساء أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يستأذن، عمر تطلب امرأته الإذن فيسكت، تقول له: يا عمر اسمح لي أصلي في المسجد، فلا يجيبها، حتى قالت: لا أنتهي، وهو ما استطاع أن يمنعها من بيت ربها، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تمنعوا إماء الله بيوت الله )، أمته دعها تدخل بيت ربها، هذا الواجب أعظم واجب، وليساعد الرجال نساءهم، وليساعد الفحول إناثهم، وويل للرجل يرغب امرأته في أن تخرج كاشفة عن وجهها، ويل له، سوف يخسر كل شيء.
أعظم واجبات المرأة تدور في إقام الصلاة، وخدمة زوجها وطاعته مع ملازمة بيتها.
يا نساء المؤمنين! ويا أيها المؤمنون! للمرأة واجبات كما للرجل واجبات، والاشتراك في كل شيء اسمه عبادة لله وطاعة له ولرسوله، وهناك واجبات خاصة، منها، كما قدمنا: الحجاب، أن تحتجب المرأة عن فحول الرجال، فلا تراهم، ولا يرونها، إلا إذا كبر سنها وقعدت عن الحيض والحمل، فإنها برخصة الله التي وهبها إياها لها أن تخرج إلى السوق أو إلى المسجد أو إلى أي مكان؛ لأنها بإذن ربها: قال تعالى: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ [النور:60]، مع الاحتراس، غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ [النور:60]، فالعجوز من عجائز المؤمنات إذا خرجت بهذه الرخصة لا تضع كحلاً ولا أحمر ولا أبيض، ولا ثوباً فضفاضاً ولا تستغل الرخصة، بل تخرج بدون شيء اسمه: زينة.
وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60]، مولاهن يقول لهن: إن بقيت في البيت ورضيت بالحجاب حتى الوفاة فذلك خير، الله اختار لها، فيجب عليها أن تقبل ما اختاره الله لها سبحانه وتعالى.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر