الجواب: لا يوجد شيءٌ مُطَّرِد، هذا نادر جداً، بل لا بد من التقييد، مثلاً: إذا كان فهمه يخالف نصاً، أو يخالف رواية أخرى يرويها ثقة؛ فحينئذ لا يُعْتَد بهذا الفهم، وإذا كان رأياً انفرد به، وهناك اجتهادات قائمة على استنباطات سليمة عند العالِم من الكتاب والسنة، فليس مُكَلَّفاً -والحالة هذه- بأن يتَبَنَّى رأي الراوي.
لكن أين ثمرة تَبَنِّي رأي الراوي، وأن الراوي أدرى بمَرْوِيِّه من غيره؟!
هذه تكون في حالة ما إذا فهم الراوي من الحديث كذا، وأنا أفهم كذا، فلا يقال: أولئك رجال ونحن رجال، لا. فهذا الفهم الخاص هنا ليس له علاقة، أما إذا جاء الراوي بدليل من الشرع يؤيد رأيه الخاص؛ فحينئذ ليس مكلفاً أن يَتَبَنَّى رأي ذاك الراوي.
انظر -مثلاً- المثال الذي نحن نذكره بمناسبة الكلام على بيع التقسيط، هناك حديث في مسند الإمام أحمد من رواية سماك بن حرب، عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة).
الآن توجد أقوال كثيرة في تفسير بيعتين في بيعة، منها: قول سماك هذا الراوي للحديث، لما قيل له: [ما بيعتين في بيعة؟ قال: هو أن تقول: أبيعك هذا بكذا نقداً، وبكذا وكذا نسيئةً]، هذا الرأي لا مبرر ولا مسوغ لنا مطلقاً أن نعرض عنه؛ لأنه:
أولاً: داخل في القاعدة.
ثانياً: لا يوجد ما ينقضه.
ثالثاً: بل يوجد ما يؤيده، وهو حديث أبي هريرة باللفظ الآخر: (من باع بيعتين في بيعة فله أَوْكَسُهُما أو رباً)، فهذا الوَكس لا يظهر معناه إلا في هذه الصورة التي فسرها سماك بن حرب .
الجواب: لماذا؟!
بعد أن نعرف جواب (لماذا؟) نستطيع أن نجيبك؛ لأني أخشى أن يكون يَمَنِيُّكم ككُوَيْتِيِّنا! هل تعرف ماذا فعل؟!
كان يبيع بسعرين؛ سعر النقد، وسعر التقسيط، فلما بلغه النهي عن الرسول عليه السلام عن بيعتين في بيعة، وأنه لا يجوز أن يأخذ الزيادة مقابل التقسيط؛ لأنه سيصير هناك سعران، حينئذٍ وحَّد السعر، فجعل البيع كله -كما تقول عن صاحبك- بيعاً نقدياً؛ لكن بسعر التقسيط، فهل فهمت؟!
السائل: لا.
الشيخ: هذه المسجلة، يبيعها أحد التجار نقداً بمائة دينار، وآجلاً -أي: بالتقسيط كما يقولون اليوم- بمائة وعشرين ديناراً. فهذا التاجر الكويتي عنده وكالة سيارات ضخمة، وأنت تعرف الكويت قبل حدوث هذه المشكلة، فكان يبيع بسعرين، فالسيارة التي ثمنها مثلاً عشرين ألف دينار نقداً، يبيعها بخمسة وعشرين ألف دينار بالتقسيط إلى سنة، أو ما شابه ذلك، فهو صار يبيع السيارة التي كان يبيعها نقداً بعشرين ألف دينار. صار يبيعها بخمسة وعشرين ألف دينار، إلى هنا وضح.
السائل: نعم.
الشيخ: حسناً! فهو مثلاً له زبائن، نصف الزبائن كانوا يشترون بسعر العشرين، والنصف الآخر بسعر الخمسة وعشرين، والآن أصبح الزبائن كلهم يشترون بالخمسة وعشرين، فهو كان يظلم النصف، ثم صار يظلم الكل..
هل وضحت لك الصورة؟
السائل: وضحت.
الشيخ: إذاً: نحن الآن نريد أن نفهم من هذا الأخ: لماذا لا يبيع سعر التقسيط بسعر النقد؟ لماذا وحَّد البيع ببيع النقد؟ لماذا لا يبيع بسعر التقسيط؟!
إن كان تحاشياً كما فعل الكويتيون فقد زاد ظلماً على ظلم! وإلا فنحن نريد أن نعرف لماذا؟
لأنني أنا حينما أتكلم عن هذا البيع أقول: إن التجار كما قال عليه الصلاة والسلام: (هم الفجار إلا من بر وصبر)، فهؤلاء التجار مِن جَورهم وفجورهم أنهم يستغلون حاجة المحتاج، فيزيدون على الذي لا يجد السعر نقداً يزيدون عليه في الوفاء آجلاً، هؤلاء التجار الفجار لو كانوا من المستثمرين كأن يستغلوا تجارتهم في الخير، فإنهم يربحون من الأجر والثواب عند الله أكثر من قائم الليل وصائم النهار، أفهمتَ؟ لو كانوا كذلك لكسبوا عند الله عز وجل أكثر من ثواب قائم الليل وصائم النهار. كيف ذلك؟
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث الثابتة: (قرض درهمين صدقة درهم) أي: أنت إذا أقرضت أخاك المسلم درهمين؛ كأنك تصدقت بدرهم لوجه الله، فإذا أقرضت صاحبك المسلم مائة دينار، كأنك تصدقت بخمسين، وعلى ذلك فقِس.
الآن هذا التاجر كلما باع بيعاً بسعر واحد وهو سعر النقد -لكن ليس سعر النقد الكويتي، انتبه!- فكلما ربح تكون أضعافاً مضاعفة؛ لأن هذا التاجر يبيع بعشرة آلاف ويبيع بعشرين ألفاً.. فإذا أقرض الشاري للسيارة عشرين ألفاً فكأنه تصدق بعشرة آلاف.. الله أكبر! تجارة رابحة جداً؛ لكن حب الدنيا وكراهية الموت -الذي جاء في الحديث المعروف لديكم جميعاً- هو علة الأمراض القائمة اليوم في المجتمع الإسلامي: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم ا لجهاد في سبيل الله؛ سلَّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم).
فإذاً: حب الدنيا، وحب المال -مِن أي طريق جاء- هو المسيطر الآن على أغلب تجار المسلمين؛ إلا من عصم الله، وقليلٌ ما هُم.
فإذاً: هذا التاجر عندكم ما عرفنا لماذا لا يبيع بسعر التقسيط، وهو ربح له؟
السائل: هو يشتري بآجل، مثلاً: يشتري السلعة -سيارةً- وسعرُها في السوق -مثلاً- مائة ألف ريال يمني، فهو يشتريها بمائة وعشرين ألف ريال يمني لمدة ثلاثة أشهر، وبعد أن تنتهي المدة يدفعها كاملة -مائة وعشرين ألفاً- فما حكم صورة هذا البيع؟
الشيخ: هو نفسه.
السائل: هو شارٍ وليس بائعاً!
الشيخ: سواء كان في البائع أو الشاري يا أخي: (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه).
السائل: تعني: أنه رباً؟
الشيخ: لا يجوز. فالمجتمع الإسلامي مترابط بعضه مع بعض، جزاك الله خيراً.
هنا طرأ عندي إشكال: ففي الصحيحين وُجِد رجال من المبتدعة؛ كأن يكون الرجل خارجياً، أو رافضياً، أو مرجئياً، فما توافقا مع كتاب النخبة، فهنا حصل تناقض بين تعريف الحافظ ابن حجر لرسم العدالة، وبين المثال الواقعي في الصحيحين، فما هو التوفيق بين تعريفي ابن حجر وبين ما وجد في الصحيحين -أفتنا بارك الله فيك-؟
الجواب: أنا أظن أن الإشكال جاء من جهة الوقوف عند بعض الألفاظ في تعريف العدالة دون شرحٍ لهـا من واضعـها -أي: واضع هذه الألفاظ- في مكان آخر، فمثلاً: البدعة عند الحافظ وعند غيره من حيث تعلقها بالمبتدع، أن هذا المبتدع له حالة من حالتين:
- إما أن يكون داعية لها.
- أو ليس داعية لها.
فإذا كان غير داعٍ لها فلا يكون منافياً لتعريفه الذي ذكرتَه آنفاً، من أنه يعني بالبدعة أي: التي يُدْعَى لها مِن قِبَل العدل، واضح.
السائل: أي: كان عليه أن يقيِّد البدعة؟
الشيخ: نعم؛ لكن المشكلة ماذا يصير؟
عندما يضع شخصٌ تعريفاً، فإذا أراد أن يقيد كل عبارة فإن هذا التقييد يصير محاضرة، فهو يضطر إلى أن يختصر ما استطاع، ويشرح فيما بعد في أماكن أخرى.
أنا أقول هذا باعتبار أن هناك قولين بالنسبة للمبتدع، إما أن يكون داعية، أو ألا يكون داعية، فإذا كان غير داعية فهو عدل، فإذا انضم إليه الصدق والحفظ فهو حجة.
السائل: قرأت قديماً؛ لكن لا أحفظ اسم الراوي: أنه وُجد في الصحيحين مَن هو داعية إلى بدعته!
الشيخ: أنا آتيك بالكلام -الله يهديك-! أنا أتكلم عمَّا وُجِد في المصطلح كعلمٍ يتبناه جماهير العلماء، أنهم يقسمون البدعة إلى قسمين، وقد عرفتَها!
لكن هناك رأي آخر، وابن حجر نفسه يتبناه، وهو: العبرة في الرواية أول شيء: الإسلام والعدالة، ثم الحفظ والضبط، فإذا كان هناك رجل مبتدع، وداعية إلى بدعته؛ لكن من الثابت عندنا أنه من حيث إسلامه فهو مسلم، ثم من حيث ضبطه فهو ضابط، ومن حيث صدقه فهو صادق، فهو حجة ولو كان مبتدعاً داعيةً.
وعلى هذا يُحْمَل صنيع الشيخين -البخاري ومسلم - إذا رويا عن مبتدع، فمثلاً الإمام البخاري، من أشهر الأمثلة أنه يروي عن عمران بن حطان، وهو الذي شارك في قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .
فإذاً: نرجع ونفصل تفصيلاً آخر ونقول: في المسألة قولان:
أحدهما: أن المبتدع لا يُحْتَجُّ بحديثه ولو كان ثقة ضابطاً صدوقاً... إلخ.
وقولٍ ثانٍ: أنه تُقْبل روايتُه ما دام أنه صادق، ويقْرُب من ذلك: الخوارج ؛ لأن الخوارج رغم أنهم يعتقدون بأن مرتكب الكبيرة كافر، إلا أنهم أبعد الناس عن الكذب! وهنا تفصيل:
يقول بعض العلماء: هذا الوصف يصدق في الخوارج القُدامى، أما فيما بعد فقد صاروا يكذبون دعمـاً لمذهبهم .
فالقصد في الرواية هو شيئان:
- الإسلام.
- ثم الصدق، مع الحفظ.
السائل: هل ثَمَّ فارق بين التوثيق والتعديل؟
الجواب: نعم.
السائل: ما هو؟
الشيخ: التعديل هو: الذي تُقْبَل شهادته باعتباره عدلاً؛ لكن مجرد العدالة لا تكفي في الرواية إلا أن يقترن معه الضبط؛ أن يكون معروفاً بالضبط والحفظ.
السائل: وهو المقصود بالتوثيق؟
الشيخ: نعم. أي أن هناك عموماً وخصوصاً بين العدل في الحديث الذي يشترط فيه أن يكون حافظاً ضابطاً، وبين العدل في الشهادة الذي يكفي فيه ألا يكون فاسقاً.
الجواب: لا نقول: إنها صفة؛ لأن صاحبها قد يكون متكلفاً ومطيعاً لله عز وجل حتى صار عدلاً، أما أن يقال صفة؛ فمعنى هذا أنها طبيعة وغريزة، فما أعتقد في هذا!
السؤال: لو قلنا: إن العدالة هي مظنة صدق الراوي، فمتى يدخل تحتها المبتدع وغيره مما ذكرتَ الآن؟
الجواب: الصدق -أيضاً- لا يكفي يا أخي؛ لأن الشاهد يجب أن يكون صادقاً، وإلاَّ لا يكون عدلاً، المهم في الموضوع في التفريق بين الرواية والشهادة هو: الحفظ، والضبط، وليس الصدق، فالصدق واجب في الأمرين، أم أن الكلام ليس واضحاً؟ مثلاً: شخص جاء وشهد أنه رأى فلاناً يفعل كذا، ألا يُشترط أن يكون صادقاً؟
السائل: لا يشترط فيه العدالة.
الشيخ: اتركنا من العدالة الآن! أنا أسأل عن الشاهد، الشاهد يريد أن يقول: أنا رأيت فلاناً يضرب فلاناً، أو يأخذ مال فلان، ألا يشترط فيه أن يكون صادقاً؟
السائل: إذا أردنا قبول خبره فيشترط أن يكون صادقاً؟
الشيخ: سبحان الله! أنا لا أحكي عن الخبر -يا أخي- أنا قلت لك: شخصٌ شهد أن فلاناً ضرب فلاناً، أو فلاناً أخذ مال فلان، ألا يشترط فيه أن يكون صادقاً؟
السائل: لا يشترط.
الشيخ: الله أكبر! إذاً ضاعت الحقوق -بارك الله فيك-.
السائل: آسفٌ! آسفٌ! نعم واضح
الشيخ: الصدق يُشترط في الشاهد وفي الراوي؛ لكن الفرق من حيث أن يُعْرَف بأنه ضابط حافظ؛ لأن مخ هذا الراوي الضابط الحافظ يمتلئ بالعديد من العشرات والمئات والألوف من الروايات، فهذا لا بد أن يكون متيناً في الضبط، بينما هذا الشاهد رأى حادثة، فيكون من السهل أن يؤديها كما رآها؛ ويشترط فيه أن يكون صادقاً، لا أن يكون كاذباً؛ لكن لا يشترط فيه ما يشترط في الرواي الذي يحفظ المرويات الكثيرة والكثيرة جداً، فكما يقولون مثلاً: فلان ضعيف، لماذا؟ لأنه كان يوصِل المنقطع، أو كان يرفع الموقوف، أو يوقف المرفوع، أو .. أو .. إلخ، لماذا يفعل هكذا؟ لأنه تختلط عليه كثرة الروايات التي امتلأ مخه بها، وما كان عنده ذلك الضبط والحفظ المتين، فيُلْحَق بالضعفاء الذين لا يُحْتَج بهم، ثم إن هؤلاء ينقسمون إلى قسمين:
- منهم مَن يصدر منه الخطأ، فيقال: إنه ضعيف جداً، لا يُسْتَشْهد به.
- ومنهم مَن لا يصدر منه الخطأ، فيقال: يستشهد به.
لكنهم أحياناً يقولون: فلان يكذب، أو فلان كذا؛ لكن القسم الأول يقولون عنه: إنه صدوق، لا يكذب؛ وكما يقول ابن حبان في كثير من تراجمه: إن هذا الراوي كان رجلاً صالحاً؛ ولكن حدَّث بالمنكرات عن الثقات، وجاء بالأباطيل عن كذا، إلخ، غير متعَمِّد؛ لأنه كان صالحاً، أي: كان صدوقاً في نفسه.
الشيخ: أنت تقول: هل يصير؟ كل شيء يصير؛ لكن أنا لستُ فاهماً ما هذا السؤال!
السائل: أعطيك مثالاً.
الشيخ: أعطني مثالاً، ما الهدف من سؤالك: يصير أو لا يصير؟
السائل: الهدف من ذلك: أن هناك حديثاً نحن ندرسه، فوجدنا سماحتك انتقدت طريقاً له، فإذا كان يحدث ذلك فنحن نريد أن نعرف رأي سماحتك في هذا الموضوع.
الشيخ: وهو؟
السائل: متابعة جُلاح أبي كثير .
الشيخ: متابعة ماذا؟
السائل: حديث: (البحر هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)، للجُلاح أبي كثير، في أحد طرق الحديث هو تابَعَ صفوان بن سليم، أتذكر يا شيخ؟
الشيخ: لا أذكر، أنت فقط بيِّن مرادك من السؤال!
السائل: جُلاح أبو كثير روى الحديث مرتين:
- مرة عن سعيد بن سلمة .
- ومرة عن المغيرة بن أبي بردة .
فسماحتك اعتبرتَ رواية جُلاح هنا أن فيها اضطراباً من الراوي الأول وهو يحيى بن بكير .
فالسؤال كما يلي: لماذا لا يكون جُلاح أبو كثير قد روى الحديث مرة بالإسناد العالي، ومرة بالإسناد النازل؟
الشيخ: حسناً، لماذا لا تضع الكتاب أو الورقة أمامي، هاتِه، ثم إن كلمة (جُناح) أنت أتيت بها بضم الجيم؟
السائل: أي نعم، الحافظ أبو كثير .
الشيخ: جُناح!
السائل: جُلاح. باللام.
الشيخ: نعم جُلاح، نحن سمعناها: جُناح.
السائل: لا. اسمه جُلاح أبو كثير .
ما دمت لا تحفظ نهاية الموضوع، ومع ذلك فإن في ثبوت هذا السياق عن يحيى بن بكير نَظَرٌ، فإن الراوي عنه وهو عبيد بن عبد الواحد بن شريك فيه كلام أيضاً.
السائل: يا شيخ! أنت تقول: الأول إنه أدخل بين الليث و الجُلاح؟
الشيخ: نعم يا أخي! هذا عندما يصح السند إليه يَرِد كلامك، أما أنت فانظر إلى الخاتمة تطبيقاً لحديث: (إنما الأعمال بالخواتيم) فلا.
السائل: يا شيخ! هاتِ الحديث.
الشيخ: كيف تترك أول الكتاب ولا ترجع إلى آخره؟
السائل: حسناً حسناً! بالنسبة لحديث قتيبة أليس صحيحاً؟ معذرة! هوِّن عليَّ!
الشيخ: لا. ارجع واقرأ وابحث عندك في الدار، انظر النهاية.
السائل: اسمح لي.
الشيخ: بماذا أسمح لك؟! هل عندك هنا راويان اختلفا؟
السائل: نعم. عندي راويان اختلفا يا شيخ.
الشيخ: اختلفا في الإسناد؟
السائل: نعم.
الشيخ: وأحدهما أوثق من الآخر؟
السائل: نعم.
الشيخ: إذاً: في مثل هذا الاختلاف ماذا يقال؟
السائل: يقال بتقديم كلام الأوثق.
الشيخ: جميل جداً، وعلى هذا دار البحث أولاً، ثم في الأخير هذه يمكن أن نجعلها رواية -كما تريد أنت أن تقول- وقلنا: إن الراوي عن هذا الشخص الذي اختلف عليه الثقتان فيه كلام في ضعفه. فإذاًَ: انتهى الموضوع؛ أن الرواية واحدة، وهي الراجحة.
السائل: لا بأس أن نعود قليلاً لمسألة المخالفة يا شيخ.
الشيخ: نعم.
السائل: هل أعتبر أنا شخصياً الآن أن هذا قانون بالنسبة لكم، في أن الراوي في الحديث الذي هو من رواية واحدة جاء من طريقين؛ أحدهما أوثق من الآخر -هل أعتبر أنا أنه إذا كان في السياق راوٍ يروي الحديث بالعالي والنازل، علماً بأن المحدثين أثبتوا له السماع من الاثنين، من العالي ومن النازل، هل بمجرد أن تكون هذه المخالفة، وكان هناك طريق آخر رواه مَن هو أوثق منه، هل أعتبر ذلك قدحاً في الرواية؟
الجواب: سامحك الله! ما هو تعريف الحديث الشاذ؟
السائل: الشاذ هو: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، أو مخالفته للإجماع.
الشيخ: هذا التعريف ألا ينطبق هنا؟!
السائل: هذا رأي حضرتك؟
الشيخ: هذا ليس رأي حضرتي، هذا رأي علماء الحديث في فمك: إذا اختلف ثقتان، سواءًَ كان وقفاً، أو رفعاً، أو إرسالاًَ، أو إيصالاً إلخ، فإن استويا قُدِّم الزائد، وإن اختلفا قُدِّمت رواية الأوثق، هذه مسألة واضحة.
السائل: هنا المخالفة؛ لأننا وجدنا الحاكم يعتبر هذه الرواية، ولا يعتبر ذلك مخالفة، ووجدنا الزيلعي -أيضاً- في نصب الراية لا يعتبر ذلك مخالفة.
الشيخ: دعني من الزيلعي -الله يهديك- طبق القاعدة التي أنت تؤمن بها.
السائل: أنا إلى الآن لم يتضح عندي أنه خالف، من أجل هذا أنا سألتك، ولو اتضح بأنه خالف فلماذا سألتك أصلاً؟!
الشيخ: أنت ما قلتَ هذا، أنا الآن أقول لك: أي رواية أرجح عندك؟
السائل: رواية قتيبة .
الشيخ: قتيبة، والمرجوحة؟
السائل: أرجوك يا شيخ! أنت الآن تسألني؟ الله يبارك فيك.
مداخلة: لماذا أجَبْتَ هناك ولم تُجِبْ هنا؟!
السائل: يا شيخنا! كيف تكون مرجوحة؟
الشيخ: هل لا بد أن نقول: اللهم أعطنا طول البال؟!
السائل: أنا يا شيخ! ما اعتبرت بَعْدُ أن الرواية مرجوحة -بارك الله فيك-، لو اعتبرتُ أنها مرجوحة ما سألتك.
الشيخ: إذاً: لماذا ما زلت تتكلم؟! (كلمةٌ وغطاؤها)!
السائل: نعم.
الشيخ: هل عندك راجح ومرجوح هنا أم لا؟
السائل: لا.
مداخلة: أنت أجبتَ قبل قليل، وذكرتَ الراجح.
الشيخ: كيف لا؟!
السائل: نعم، ممتاز!
الشيخ: ما هو الممتاز؟! الله يهديك، الرجل هو ضيف، وغداً سوف نخسره، غداً سيسافر.
السائل: الله يحييك.
الشيخ: ولذلك بدون أن نفسح له مجالاً لأنْ ينتقدنا ونضيع وقته، نقول له: أنت ما شاء الله مقيمٌ هنا، وإن شاء الله نراك كل هلال.
السائل: لن تراني.
الشيخ: هذا السؤال مختصر، فهل تريد الجواب على هذا النمط أم كيف؟
السائل: بشيء بسيط يا شيخنا إذا تكرمت.
الشيخ: هذا يحتاج إلى محاضرة -بارك الله فيك- سنحاول أن نجعل جوابنا مختصراً وتقديراً منا لك على اختصارك لسؤالك.
أما فيما يتعلق بالمصوِّر فحسبه حديثان اثنان:
الحديث الأول: (لعن الله المصورين! يقال لهم: أحيوا ما خلقتم).
والحديث الثاني والأخير: (من صوَّر صورة كُلِّف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة، وما هو بنافخ).
أما الذين يستعملون الصور فلهم حالتان:
الحالة الأولى، وهي العامة: أنه لا يجوز لهم أن يستعملوا الصور بكل أنواعها وأشكالها ما دامت من ذوات الأرواح.
أما الكلية التي ذكرتُها، فهي سواء كانت يدوية، أو كانت فوتوغرافية، أو كانت بالفيديو، هذه الصور كلها لا يجوز للمسلم أن يستعملها.
هذه الصورة الأولى والعامة.
الصورة الأخرى: هي التي يضطر إليها المسلم.
والاضطرار له أنواع وأشكال:
فبالنسبة لعامة الناس فإن الاضطرار يتمثل في صور الهويات والجوازات ونحو ذلك.
وبالنسبة لخاصة الناس، كالأطباء -مثلاً- فإنهم قد يضطرون لتصوير صورة شخص لتشخيص مرضه مثلاً، وكتصوير بعض الفئات الحكومية لبعض الأشخاص المعروفين بالإجرام؛ بالسرقة، أو بالنهب، أو بالسلب، أو بنحو ذلك؛ لاتخاذ ذلك وسيلة للقضاء على الجريمة.
فما دار حول هذا النوع من الصور جاز استعمالها، وإلاَّ لم يجز، وكانت الصورة محرمة؛ لأنها تمنع دخول الملائكة، كما تعلمون من الحديث الصحيح: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة أو كلب).
وإنني -من فضل الله عز وجل- أرى أمامي بعض الصور التي لوحظ فيها أنها لم تكن من النوع المحرم؛ لأنها -فيما يبدو لي- ليس فيها صور من ذوات الأرواح، وإنما تمثل الطبيعة والغابة ونحو ذلك، وإذا كان المسلم له هوىً في التصوير وفيما يسمى اليوم بالفن، فليصرف فنَّه إلى ما أباح الله له من الصور غير ذوات الأرواح.
هذا هو الذي يساعد الوقت على اختصار الكلام فيه.
الجواب: إذا كان السائل يعتقد معنا أن بيع التقسيط الذي يأخذ زيادة في الثمن على الحاجة رباً؛ فلا أعتقد أن هناك ضرورة لاستباحة هذا المحرم، إذا كان السائل يعتقد معنا أن هذه الزيادة رباً، -كما قال عليه السلام: (مَن باع بيعتين في بيعة فله أَوْكَسُهُما، أو رباً) فليس هناك ضرورة مطلقاً في أن يستحل المسلم أكل المال الحرام، إلا في حالة واحدة، قد لا أتصور وجودها في هذه البلاد، وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، وهي أن يموت جوعاً! ما سمعنا به في هذه البلاد، وإن كنا نسمع في بلاد أخرى، كـأفريقيا، وتلك النواحي المشهورة بالمجاعات، وما ندري هل هي حقائق أم مبالغات؟ الله أعلم، لكن المهم: الضرورة التي تبيح أكل الحرام هي الضرورة التي لولاها، أو لو لم يتخذ صاحبها السبب للقضاء على لازمها، لتعرض للهلاك.
فما أعتقد أن الإنسان يضطر لأنْ يستعمل السيارة؛ سواء كانت سيارة لركوب الشخص أو العائلة، أو كانت لاستعمالها في البيع والشراء، والنقل، والحمل عليها، وما شابه ذلك.
والمسلم يجب عليه أن يضع أمام عينيه دائماً وأبداً قوله تبارك وتعالى، وأن ينطلق منه دائماً، لا يغيب عن باله وعن قلبه، وهو قوله عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] .
أنا أعتقد أن من مصائب العالم الإسلامي ككل: غياب الإيمان الصحيح من قلوبهم؛ لأن هذا الإيمان إذا حل في قلب أي إنسان قنع بأي عيش صعب ضنك؛ لأنه يعتقد أن الله عز وجل في تقديره على الناس الضنكَ والفقرَ، إنما هو بعدلٍ وعلمٍ، بل وبحكمةٍ.
فإذا آمن المسلم بهذه الحقيقة إيماناً جازماً فحينئذ تطيب له الحياة مهما كانت حياته صعبة؛ سواء من جهة المال، أو من قلة الصحة، أو من ضغط الطغاة والحكام الظالمين، أو من نحو ذلك، فهو يصبر ويتدرَّع بالصبر، ويتذكر قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالإضافة إلى الآية: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2] وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3] يتذكر معها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن).
وبناء على ما سمعتم من بعض كلمات الأستاذ أبي مالك -جزاه الله خيراً- فقد خطر في بالي حديث والآن جاءت مناسبته، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس الغنى غِنى العَرَض؛ ولكن الغنى غِنى النفس) فمتى ما كان المسلم غني النفس فلن يجد ضرورةً إلى أن يتعامل بالربا، والتعامل بالربا لا يكون فقط أن يأكل هو الربا، بل وأن يُطْعِم غيره الرباً، ولذلك قال عليه السلام: (لعن الله آكل الربا، ومُوْكِله، وكاتبه، وشاهديه).
الجواب: الشركات اليوم -فيما أعلم- كلها تتعامل بالربا، وليس هناك شركة لا تتعامل بالربا، وعلى ذلك فلا يجوز لمسلم أن يتعامل مع شركة، بل أنا أنصح إن وُجِد رجلٌ مسلم غني وحوله -أيضاً- أغنياء مثله، ويتبنون العمل بأحكام الإسلام، أنصح أن يؤلِّفوا شركة ضد البنوك، أي: أن الأموال التي يجمعونها لإقامة شركة -مثلاً- توضع في صندوق خاص، لا تمتد يد الربا إلى هذا الصندوق، هذا بلا شك عمل يحتاج إلى إعمال العقل والذهن، لوضع خطة إيجاد صندوق لا يدخل إليه الربا مطلقاً، وعليه تقوم الشركة، فحينئذ إذا طُرِحَت أسهم، وتحولت إلى بضاعة أو إلى شركة أو عمل؛ جاز حينئذ بيعها وشراؤها، أما قبل ذلك فلا يجوز، كما تفعل الشركات اليوم.
الجواب: كلمة (نَبَشَه) أتيت بها من جيبك! ما معنى (نَبَشَه)؟! الصحيح: (قَبَضَه).
السائل: أعني: (نَبَشَه) بمعنى: (قَبَضَه).
الشيخ: (نَبَشَه) هذه رواية عندكم أم ماذا؟!
السائل: مأخوذة من نبش التراب.
الشيخ: هذا يكون في التراب.
السائل: أعني: نُبِشَ لأنه صليب.
الشيخ: أولاً: نحن قبل كل شيء ننصح كل مسلم، خاصة إذا كانت له ذرية، وأراد أن ينَشِّئها تنشئة إسلامية، أنه إذا أراد أن يشتري بساطاً، أو سجاداً، أو ثوباً، أو قميصاً، أن يفلِّيَه كما يفلي الفقير قميصه من القمل.. ولعلكم تعلمون أن السجاد والبساط لباس، أم أنكم لا تعلمون؟
السائل: لا والله يا شيخ! لا نعلم.
الشيخ: هذا أكيد!
السجاد والبساط هو لباس، وهذا من فضل الحديث على الألباني الأعجمي، فقد تعلَّم العربية من حديث النبي العربي، حيث يقول أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زاره في بيته، فصلى في حصير قد اسودَّ مِن طول ما لُبِسَ)، وأنا لو قلتُ لك: لماذا أنت لابسٌ البساط ستستغرب مِنِّي.
السائل: سأقول عنك أنك ألباني.
الشيخ: ستقول: ألباني، وفعلاً أنا ألباني.
يقول أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم زاره في داره، فصلى على حصير قد اسودَّ من طول ما لُبِس).
الشاهد: أن أي لباس؛ سواء كان بساطاً، أو سروالاً، أو قميصاً، أو أي شيء، يجب على ولي الأمر؛ على الأب، والعم، والخال، ونحو أولئك، أن يدقِّق -كما قلنا- في ألا يكون هناك شيء يخالف الشرع من صور أو صلبان؛ لأنه -في الحقيقة- يوجد الآن نوع غريب جداً من غزو الكفار إلى بلاد الإسلام في عقر دارهم! فيتسلل إليهم الداء كالسل في جسم الإنسان، لا يحس به المسلمون ولا يشعرون به، بدليل أنك تجلس يوم الجمعة والمسجد غاص بالمصلين، فتجد عن يمنيك وعن يسارك وأمامك صور النساء العاريات في أظهُر قمصان الشباب الذين يصلون بين يديك! من الذي اشترى له هذا القميص؟ والده، وهو ربما يصلي معه في المسجد؛ لكنهم في غفلةٍ ساهون.
ولذلك قبل كل شيء يجب الانتباه! ألا يشتري المسلم ثوباً مصوراً، أو لباساً مصوراً.
ثانياً، وهذا كان موضع سؤالك: أنه لغفلة، أو لسهوة، أو لإهمال، أو لضلال قديم، كثيراً ما نُسأل-مثلاً-: واللهِ إن زوجي كذا وكذا!
- إذاً: كيف تزوجتيه؟!
- والله أنا كنت غافلةً عنه، والآن هداني الله.
فهي في الصيف ضيَّعَتِ اللبن، فكيف يمكنها أن تعالج الموضوع؟!
فربما أن الإنسان كان راقداً، أو كان ضالاً، لا يلتزم بالأحكام الشرعية، فاشترى بساطاً فيه صورة مثلاً، أو اشترى بساطاً فيه صليب، فعليه حينئذ أن يتقي الله عز وجل بعد أن كان ضالاً فهداه.
فأقول: عليه أن يخضب الصليب أو الصورة، فقد يَفْسُد البساط أو السجاد بهذا القَبْض؛ لكننا نقول: إن الله عز وجل من حكمته في خلقه: أنه كما أَلْهَمَ نبيَّه عليه السلام أن يقول بلسانه: (ما أنزل الله داءً إلا وأنزل له دواءً، أو شفاءً، عَلِمَه مَن عَلِمَه، وجَهِلَه مَن جَهِلَه). فما من علة إلا وخَلَقَ الله لها ضدها، وذلك لتكون حجة الله قائمة عليه.
فإذا ابتُلي هذا الإنسان واشترى ذلك الثوب أو ذلك البساط في زمن ضلاله، ثم هداه الله، فماذا يفعل؟
يستعمل بعض الدهانات التي تطمس الصورة وتُبْقِي الثوب سليماً كما هو، أو على الأقل -إن كانت صورة- يَقْضِي على الرأس فقط، فهذا يكفي لإزالة المحظور المخالف للشرع، والصليب أيضاً يمكن أن تُحاك دائرة حوله. أنا -مثلاً- كنت ساعاتياً في الشام، بعض الساعات من مكر هؤلاء النصارى السويسريين أنهم يطبعون الصليب على ميناء الساعة، فأنا كنتُ حينما تأتينا هذه الساعة -لأنها مادة فسفورية دقيقة جداً- كنتُ أنقُط عليها نقطة، وإذا بها تضيء في الليل؛ لكنها لا تضيء على الصليب، بل تطمسه.
فلا توجد علة إلا ويمكن القضاء عليها؛ لكن تحتاج إلى إعمال المخ والفكر بعد الإيمان بالله ورسوله.
هذا هو جواب السؤال الذي وصفتَه بأنه أخير، والآن الساعة تشير إلى الثانية عشرة إلا عشر دقائق، فهاتِ لنرى ماذا عندك.
السؤال: أبو فارس فهم أن الدائرة على الصليب هكذا.
الشيخ: لا تُفْهَم أنها شخبطة.
السائل: أعني: الطمس على الصليب يكون بدائرة هكذا، أم بنقطة هنا.
الشيخ: لا، ليس نقطة هنا، هذا كله يصير مَحِيْكاً عليك، بحيث يُطمس عليها.
السائل: كل الرسمة!
الشيخ: كل الرسمة.
السائل: ولا يكون بعمل دائرة عليها.
الشيخ: لا.
السائل: الحاصل في هذا الأمر: أن سجادة عليها حوالَي مائتا صليب! فهل يَلُفها أم ماذا يفعل؟
مداخلة: يقلبها على الظهر.
الشيخ: لا يا أخي! ليس هناك شيء إلا وله علاج.. كم ثمن هذه السجادة؟
السائل: حوالَي مائة وخمسون ديناراً.
الشيخ: أنا أظن أنه بخمسة وعشرين ديناراً يمكن أن تحاك عليها حياكة يُطْمَس بها على الصليب.
السائل: يا شيخ! هذه حصلت عندي أنا، فجئتُ بنوع من الدهان وطمستُ على كل واحدة من رسمة الصليب.
الشيخ: قد حللنا المسألة الآن.
الحقيقة: أن المفسرين لهم أقوال في هذه الآيات؛ لكنها في نهايتها لا تُثْبِتُ -في حدود علمي- الرجم، الآن نحن بحاجة إلى أن نثبت الرجم.
الشيخ: تريد أن تثبت الرد! ردُّ ماذا؟!
السائل: الرجم!
الشيخ: كيف لا تثبت الرجم، أنت ما قلتَ أنه ثبت في الحديث؟!
السائل: نعم. ثبت في الحديث؛ لكن قصدي أنا بالنسبة للرد على هذا الكاتب، نحن بحاجة إلى إثبات وقائع أو بعض المرويات بعد نزول سورة النور، وهناك كتاب صدر في الجامعة الإسلامية، وهو عبارة عن رسالة جامعية -في حدود علمي- في السعودية، والتي هي عن مرويات غزوة بني المصطلق، يثبت فيه صاحبه أن الراجح في سورة النور أنها نزلت في السنة الخامسة للهجرة، وبالتالي يكون رَجْمُ الغامدية وماعز قد حدث بعدها، فنحن بحاجة إلى إثبات بعض المرويات التي تثبت بعض وقائع الرجم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان في علمكم فأفيدونا وجزاكم الله خيراً.
الشيخ: قبل أن أجيبك: لماذا اهتممت بهذا الرجل، وأنت نفسك وصفته بأنه ليس من أهل العلم؟! لماذا اهتممت به؟!
السائل: تريد الجواب؟
الشيخ: نعم. أنا أسأل، أنت لماذا تسأل؟!
السائل: أنا سألتُ بالتأكيد حتى أحصل على جواب.
الشيخ: وأنا كذلك مثلك.
السائل: نعم. الحقيقة: لكثرة ما دار حوله من بعض الردود، وقد نُشِرَت في بعض الصحف منها: صحيفة اللواء، وأيضاً في الجامعة عندنا في كلية الشريعة تناولوا هذا الموضوع في بعض الدراسات.
الشيخ: أنت -بارك الله فيك- ينبغي أن تذكر حجة مَن يُنْكِر الرجم؛ لِنُبْطِلها، أمَا وأنت ذكرتَ بلسانك حجة مَن يُثْبِت الرجم في الحديث الصحيح!
السائل: نعم.
الشيخ: إذاً ماذا تريد مني؟
السائل: أنا أريد فقط بعض المرويات عن حوادثَ للرجم.
الشيخ: لا بأس، لماذا؟
السائل: فقط للرد العلمي عليه؛ لأن بعض المزاعم في الكتاب لا تقوم على دليل.
الشيخ: أنا أنصحك أنت وغيرك ألا تهتموا بالرد على كل ناعق، هذا باب واسع لا نهاية له، اليوم أصبح العلم فوضى، كل مَن شَعَرَ بأنه يحسن أن يكتب عبارة، ولو كانت مُكَسَّرة من الناحية العربية تكسيراً، فهو يكتب ولا يبالي؛ لأنه لا رقيب ولا عتيد.
ولذلك فليس من العلم ولا من الحكمة في شيء أن يهتم الناس بكتابة أي كاتب إذا كان ليس له قدم، لا أقول راسخة، ليس له قدم في العلم، فضلاً عن أن أقول: ليس له قدم راسخة في العلم.
أما الجواب عن سؤالك فأنا أقول: يوجد في الصحيح عن علي رضي الله تعالى عنه [أنه جمع على امرأة زانية بين جلدها ورجمها]، جمع فيها الحدين، وهذا الحديث يحارب صاحبك المبطل بسَيفَين؛ لأنه هو ينكر أصل الرجم، وسينكر من باب أولى الجمع بين الحدين، فسيدنا علي رضي الله عنه رجم امرأة بعد أن جلدها، وقال: [جلدتُها بكتاب الله، ورجمتُها بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] هذا بعد وفاة الرسول بزمان. هذا شيء.
الشيء الثاني: أنه صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال محذِّراً المسلمين: [سيأتي زمان يُنْكِر قومٌ الرجم، ولقد قرأناه في كتاب الله -وهو: ما يسمى عند العلماء بمنسوخ التلاوة- قرأنا: (الشَّيْخُ والشَّيْخَةُ إِذا زَنَيا فَارْجُمُوْهُما البَتَّة نَكالاً مِنَ اللهِ)] هذا عمر بن الخطاب وكأنه يعلم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله، ولكن هناك أحاديث يقول فيها علماء الحديث -في أحدها مثلاً-: هذا حديث موقوف في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال مِن قِبَل الرأي.
وحقيقةً: وُجِد ناس بعد أن انتشر مذهب أهل الاعتزال يعتقدون الضلال القائل بالتحسين والتقبيح العقليين، فقد أنكروا الرجم بالكلية، وأتْبَعوا هذا الإنكار بإنكار آخر، وهو أنه لا توجد آيات منسوخة التلاوة!
لماذا ينكرون؟!
لأنه غير مستساغ في عقولهم أن الله عز وجل يبتلي عباده بما يشاء، فعقلهم الذي جعلوه حَكَماً على الله، يقولون: ما حسَّنه العقل فهو الحسن عند الله، وما استقبحه العقل فهو القبيح عند الله، فهؤلاء ينكرون مثل هذه النصوص الصحيحة الثابتة بعقولهم المقيتة.
فـعمر حينما قال: [سيأتي زمان يُنْكِر قومٌ الرجم، ولقد قرأناه في كتاب الله] فهي من منسوخ التلاوة.
وهناك أحاديث أخرى غير قليلة فيها نصٌ -أيضاً- على أنها كانت مما يُتلى، من ذلك: أن الرضاع المحرم كان عشراً، وكان مما يُتْلى، ثم نُسِخَ وجُعِل الحكم أن الخمس رضعات هن المحرِّمات.
هذا ما يحضرني الآن من بعض النصوص تحقيقاً وجواباً لطلبك.
ثم قبل أن أُنْهِي الجواب عن هذا السؤال ألفت النظر؛ لأن كثيراً من الكتَّاب اليوم يقلبون الحقائق الشرعية، فالأحاديث التي تروَى بالأسانيد الصحيحة يرفضونها، والتواريخ التي تروَى بالأسانيد المنقطعة يجعلونها أصلاً، فالكاتب منهم لا يستطيع أن يثبت تاريخ هذه الوقعة، أو غيرها، إلا أن يقول فلان من المؤرخين: وقعت سنة كذا، ومَن كانت له دراسة في السيرة سيجد اختلافاً كثيراً جداً في تحديد كثير من الوقائع والحوادث وبخاصة من الغزوات.
ولذلك فطالب العلم يجب أن يتنبه لهذه الدقيقة، فإذا كان هناك تاريخ يحدد حادثة، وهناك حديث ظاهره أنه يختلف مع تاريخ الحادثة، فلا تقِمْ وزناً للتاريخ؛ لأنه لم يروَ بالسند، وإنما أقِمْ وزناً للحديث الذي روي بالسند.
وأنا يحضرني الآن مثال في هذا: هناك حديث في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بينما نحن نصلي وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، إذْ برسول الله صلى الله عليه وسلم يُسَلِّم على رأس ركعتين -والعصر أربعاً، وقد صلاها ركعتين-، ثم انتحى ناحية من المسجد -حتى إن الراوي يصف أن الرسول عليه السلام وضع إحدى رجليه على الأخرى ليستريح- فقال رجل يُعْرَف بـ
في هذه القصة خلاف بين الفقهاء قديماً وحديثاً:
ذو اليدين تحدث مع الرسول، والرسول تحدث مع الصحابة: (أصدق
إذاً: هذا الحديث يؤخذ منه: أن الكلام لا يُبْطِل الصلاة!
لا. بل اتفق العلماء جميعاً أن الكلام في الصلاة عامداً متعمداً يبطلها، واختلفوا فيما إذا تكلم المتكلم في الصلاة ناسياً، أو جاهلاً، أو مصلحاً للصلاة:
فالمذهب الشافعي يقول: لا تبطل الصلاة بمثل هذا الكلام. والحنفية يقولون: تبطل.
هنا الشاهد: ماذا يقول الحنفية في حديث أبي هريرة هذا؟
يقولون: كان هذا قبل نسخ الكلام في الصلاة، أي: كانت هذه الواقعة قبل نسخ جواز الكلام في الصلاة، والدليل أن ذا اليدين هذا مات في وقعة بدر، هنا الشاهد! و أبو هريرة أسلم في وقعة خيبر، فوقعة خيبر هذه إذاً متأخرة عن وقعة بدر، فعلى ماذا استندوا في كون ذي اليدين مات في وقعة بدر؟
استندوا على تاريخ.
هنا تجد بعض المؤرخين يقولون: لا. هذا القول رواه الزهري هكذا مرسَلاً معضَلاً، أي: إن القول بموت ذي اليدين في وقعة بدر رواه الزهري بدون سند، و أبو هريرة يقول صراحة: (بينما أنا أصلي وراء الرسول ...)، و أبو هريرة أسلم بعد أو في حادثة خيبر؟ إذاً: هذه الحادثة متأخرة عن النهي عن الكلام.
فإذاً: النهي عن الكلام المقصود به الكلام الذي ليس عن عذر الجهل، أو عذر النسيان، أو عذر إصلاح الصلاة، فإذا كان الكلام بسبب من هذه الأسباب الثلاثة فلا يبطلها.
أما الكلام كقولك: هات الكتاب، وخذ الغرض.. إلخ، وأنت تصلي، فهذا هو الذي يبطل الصلاة.
هذا مثال لاختلاف الرواية ذات السند الصحيح عن التاريخ المرسَل المعضَل؛ لذلك عندما تقرأ كتاباً يجب أن تنتبه إلى أن هذا التاريخ -يا أخي- لا يُروى بالأسانيد الصحيحة، ولا أنه يجري مثل إن كان هناك تعارض بين التاريخ وبين حديث بإسناد صحيح.
خلاصة القول: الرجم ثابتٌ -أولاً- بالقرآن الذي نُسِخَت تلاوته وبقي حكمه، وثابتٌ بالسنة العملية التي نفَّذها الصحابة بعد وفاة الرسول عليه السلام، وجرى العمل -أيضاً- على ذلك من المسلمين الذين يقيمون الأحكام الشرعية حتى اليوم.
والله عز وجل يقول: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً [النساء:115] .
لذلك هذا الكاتب وأمثاله لا ينبغي للمسلم أبداً أن يقرأ لهم كتاباً؛ لأنهم ليسوا بعلماء، وإنما هم من أهل الأهواء، يستحسنون الشيء، ثم يحوِّشون كل ما يقع تحت أيدهم مما يظنون أنهم يُدْعِمُون به أهواءهم، دون أن يكونوا على علم بالصحيح والضعيف من الروايات. لعلنا نكتفي بهذا القدر.
الجواب: هناك مرتبتان:
المرتبة الأولى: هي التي جاءت في السؤال؛ أنهما أخرجا من نفس السند، البخاري أو مسلم أو كلاهما معاً؛ لكن هذا عزيز جداً، ونادر جداً، ولذلك فإن الغالب من المقصود بقولهم: على شرط الشيخين، أو على شرط أحدهما: أن رجال ذلك الحديث على شرط الشيخين، وليس في السلسلة كلها.
هذا يلاحَظ كجواب على ذاك السؤال.
لكن هناك ملاحظة أخرى ينبغي لطالب العلم أن ينتبه لها، وهي:
المرتبة الثانية: وهي أن هناك تسامحاً في إطلاق هذه العبارة في بعض الأسانيد التي تكثر سلسلة الرواة فيها، أو يكثر عدد الرواة في سند ذلك الحديث.
ومن أشهر الذين عُرفوا بإطلاق هذه العبارة على الأحاديث التي يُخْرِجها في كتابه هو: أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، فهو -كما تعلمون- يقول: صحيح على شرط الشيخين، أو على شرط البخاري، أو على شرط مسلم، بينما هو يعني إلى ما قبل شيخ شيخه هو، بمعنى: أن بين شيخ الشيخين و الحاكم رجلين على الغالب، وهذان الرجلان جاءا بعد الإمامين البخاري و مسلم، فإنهما لا يدخلان في قوله: على شرط البخاري و مسلم بداهةً.
ولذلك فهذا الإسناد هنا إذا لم يستحضر طالب العلم هذه الملاحظة لا يصح أن يقال: إنه على شرط الشيخين، أو على شرط أحدهما، لا يصح؛ لأن شيخ الحاكم جاء بعد وفاة الشيخين، بل وربما شيخ شيخه كذلك، وكل إسناد يقال فيه: على شرط مسلم، أو البخاري، أو كليهما معاً، ويكون المؤلف جاء من بعد البخاري وبينه وبين البخاري واسطة، فإذا قيل: إسناده صحيح -على ما ذكرنا آنفاً- يكون هناك تسامح في التعبير، فمثلاً: أعلى طبقة من الحاكم : أبو حاتم بن حبان، فهو يروي كثيراً من الأحاديث أسانيدها على شرط الشيخين دون شيخه هو؛ لأن شيخه ليس من شيوخ الشيخين .
فلا بد من ملاحظة هذه الدقيقة فيما إذا وقفنا على تعبير: إنه إسناد صحيح على شرط الشيخين .
ومتى يصح مثل هذا التعبير دون هذا التسامح؟
إذا قيل في إسنادٍ مثل إسناد مسند أحمد لأن أحمد من شيوخ الشيخين، فإذا قيل فيه في حديث ما: إنه على شرط الشيخين، ويكون القائل مصيباً؛ فإنه لا يكون في الأمر -في التعبير- تسامح إطلاقاً.
وثمرة هذه الملاحظة مهمة جداً بالنسبة لـابن حبان، وبخاصة بالنسبة للحاكم؛ ذلك لأننا نلاحظ أن في شيوخ الحاكم أحياناً شيئاً من الضعف، فلا يصح السند إطلاقاً فضلاً عن إن يقال: إنه على شرط أحد الشيخين.
الجواب: إذا لم يكن هناك وضوح في نوع تدليسه، أو كان واضحاً في غير أبيه، أو ابنه، فيُحْمَل على الاتصال، ولا يحمل على الانقطاع، أو التدليس، وكذلك بالنسبة لبعض الرواة المشهورين بالضبط والحفظ والعدالة؛ ولكنهم رُمُوا بشيء من التدليس، فالذي اطمأنت إليه نفسي وانشرح له صدري: أن عَنْعَنَتَهُم تُمَشَّى، إلا إذا وَضَح للباحث أن في المتن علةً، ولا يجد في السند ما يمكن أن يُعْتَبر علة، فيقف عند العَنْعَنَة هناك، ويحاول أن يتخلص منها بطريقة أو بأخرى.
الجواب: هذه مسألة لا يمكن -في اعتقادي- إعطاء جوابٍ قاطعٍ فيها؛ لأن العلة التي ذكرتَها هي ليست علة ضرورية التحقق؛ لأننا نعرف أن علماء المسلمين وحفاظهم كانوا يسافرون من الشرق إلى الغرب، ومن الغرب إلى الشرق، فإذا وُجِد هناك ما يدل على أنه لم يخرج من بلده، أو على الأقل من إقليمه من الغرب إلى الشرق، أو من الشرق إلى الغرب، إذا لم يحدث شيء من ذلك فيُحْمَل على الاتصال لمجرد المعاصرة مع ثبوت الثقة والعدالة.
السائل: قد يكون سن التحمل -مثلاً- خمس عشرة سنة بين وفاة الشيخ وولادة التلميذ، فيكون هذا التلميذ لا يخرج عادة مثل من عادة الحفاظ..!
الجواب: إذاًَ: يُنْظَر للقرائن، أما إذا كان لا يوجد مثل هذه القرينة التي ذكرتها الآن، فالجواب ما علمتَ.
الجواب: رأيي يختلف من كتاب إلى آخر:
فإذا كان كتاباً مشهوراً متداوَلاً بين أيدي العلماء ووثقوا به، فلا يشترط.
أما إذا كان غير ذلك فإنه يُشتَرط.
الجواب: لا فرق عندنا بين التابعي الصغير أو الكبير، فالمرسَل مرسَل وإن كان يحتمل أن يكون منقطعاً، فإذا وُجِد ما يُسْنِده مسنداً ولو كان ضعيفاً فالقاعدة ماشية على إطلاقها.
الجواب: إذا كان العلماء لا يأخذون بتوثيق رجل لا تُعْرَف عينُه، فالأولى ألا يؤخذ بهذه القاعدة، فهي أبعد عن التوثيق لشخص معلوم، بمعنى: إذا قال العالِم أو الإمام: حدثني ثقة، فلا يصح السند، حتى ينكشف مَن هذا الثقة الذي عَنَاه، كذلك مجرد رواية إمام عن شخص لا نعلم عنه أنه وثَّقه أحد، وإنما نعلم هذا الإطلاق أنه لا يروي إلا عن ثقة، فهذا لا يُعْتَمد عليه؛ لأنه اعتماد على كلام مُجْمَل، وكثيراً ما انتقض هذا الإجمال ببعض الروايات.
الجواب: لا بد من التفصيل:
قول الصحابي إذا كان قالَه في وجود بعض الصحابة ولم يخالفه أحدٌ، فهذا نطمئن إليه، ونحتج به.
أما إذا لم تكن مثل هذه القرينة، ثم لم يكن هناك في النص من الكتاب أو السنة ما يخالِفُه، فنحن نطمئن إليه أيضاً؛ ولكننا لا نستطيع أن ننزله منزلة الكتاب والسنة، إلا إذا كان معه ناس آخرون.
الجواب: هذه تدخل في موضوع تفسير الصحابي، فتفسير الصحابي له علاقة برأي الصحابي -أيضاً- إذا كان متعلقاً بأمر غيـبي -خبر غيـبي- لأنه في هذه الحالة، وفي الحالة الأولى التي سألتَ عنها -أي: في التفسير- يغلب على الظن أن هذا ليس باجتهاده، وإنما بتوقيف من الرسول عليه السلام له عليه.
ولذلك فيشترط في مثل هذا القول الذي يقول بأن قول الصحابي حجة: إذا كان رواية عن أمر، لا يمكن أن يقال بمجرد الرأي، وهذا -أيضاً- ليس على إطلاقه، وإنما نرى -وهذا أمر ضروري جداً- أن يقيد بما إذا لم يكن هناك احتمال أن يكون من الإسرائيليات؛ لأن كثيراً من الإسرائيليات تتحدث -أيضاً- عن أمور غيبية، ومعلومٌ أن الصحابة كانوا يتلقون كثيراً من الإسرائيليات عن بعض الذين أسلموا من أهل الكتاب، فإذا جاء خبر من صحابي يتعلق بأمر غيـبي، ولا يحتمل أن يكون من الإسرائيليات، فهنا يقال: إنه في حكم المرفوع.
من هذا القبيل قيل في تفسير الآيات: إنه في حكم المرفوع؛ لأن التفسير لا يمكن أن يقال بمجرد الرأي، وبخاصة من الصحابة الأولين الذين سمعوا القرآنَ من الرسول عليه السلام، وبيانَه للقرآن مباشرة.
الجواب: نعم. لا شك.
مداخلة: أنت قلتَ: ويُحتج به.
الشيخ: نعم؛ ولكن لا نلزم الناس به.
مداخلة: ولكنه قال: إنه لا يحتج به.
السائل: لا بأس! أعيد السؤال يا شيخ: ذكرتَ أن قول الصحابي رضي الله عنه إذا قال قولاً ولا يوجد هناك دليل على أنه قاله في جمع من الصحابة، ذكرتَ أنه نطمئن إليه؛ ولكن لا يُحتج به، أي: لا نستطيع أن نلزم الناس به.
الشيخ: هذا هو، لا نستطيع أن نلزم الناس.
السائل: لكن الأولى أن نأخذ به، ولا نأخذ مِن رأينا، أو رأي مَن بعدَه من العلماء.
الشيخ: هو كذلك، ونحن على سبيل المثال دائماً نتحدث عن مسألة الشرب قائماً، ومع أن المسألة فيها خلاف معروف بين العلماء قديماً وحديثاً، إلا أننا نحن نتبنى تحريم الشرب قائماً إلا لعذر، فنُسأل عن الأكل قائماً: ما حكمه؟
فنذكر بهذه المناسبة أن هذا السؤال وُجِّه إلى راوي حديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله سلم عن الشـرب قائمـاً - ألا وهو
الشيخ: ما يميز الحديث؟
السائل: بالنسبة للحديث هناك كتب تميز الصحيح من الضعيف؛ لكن الآثار كأقوال الصحابة كيف نميزها؟
الشيخ: نفس الجواب! أليس هناك أحاديث ليس لها أسانيد؟! ماذا يفعل فيها؟! لا يعلم، كذلك هناك آثار ليس لها أسانيد، فلا يستطيع أن يقوم بالتصحيح والتضعيف؛ لكن هناك آثار لها أسانيد، فيعالجها كما يعالج الأحاديث.
السائل: لأن كثيراً من المؤلفين لا يعتنون بالآثار كما يعتنون بالأحاديث.
الجواب: هذا شيءٌ آخر، أنا أجبتك عن سؤلك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر