وهنا قال الشيخ النجدي -وهو إبليس عليه لعنة الله- أتاهم في صورة شيخ جليل ليثقوا به فيما يقترحه عليهم] وفي الإمكان أن يرى المؤمن ملكاً، والجن كذلك، فإبليس جاء في صورة إنسان وتشكل في صورة آدمي من أفاضل الرجال ولا حرج، ولكنا -فقط- نخشى من التدجيل والتضليل فيقول شخص: أنا رأيت ملكاً يقال له كذا وكذا، ويبدأ الخبط والخلط، فإغلاق هذا الباب أولى منه.
قال: [وهو الذي صرخ بأعلى العقبة منذ أشهر قائلاً:] ليلة المعاهدة، صرخ بأعلى صوته: وقال [يا أهل الجباجب] والمراد من الجباجب جبال مكة [هل لكم في مذمم والصباة؟] والصباة: جمع صابٍ، والمذمم يعني به محمداً صلى الله عليه وسلم، وحاشا وكلا، فوالله ما هو بمذمم، بل هو محمود، ولكنه العدو [ورد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً: ( هذا أزب العقبة، والله لأفرغن لك أي عدو الله ). جاء اليوم لينتقم] من الرسول صلى الله عليه وسلم [فقال لا والله ما هذا لكم برأي] يعني: رأي الحبس في الحديد وفي البيت حتى الموت ليس برأي، فبالإمكان أن يأتي شخص ليفكه ويطلق سراحه، قال: [والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتموه دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينزعوه من أيديكم، ثم يكاثروكم به حتى يغلبوا على أمركم، ما هذا لكم برأي فانظروا غيره. فتشاوروا، ثم قال بعضهم: نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا] وهذه نظرية أخرى [فإذا أخرج عنا فوالله ما نبالي أين ذهب، قال الشيخ النجدي: والله ما هذا لكم بالرأي! ألم تروا حسن حديثه، وحلاوة منطقه، وغلبته على عقول الرجال بما يأتي به، دبروا فيه أمراً غير هذا] وهو صائب أو مصيب [فقال أبو جهل : والله إن لي فيه لرأياً ما أراكم وقعتم عليه أبداً، قالوا: وما هو يا أبا الحكم ؟] وهذه كنيته: أبا الحكم [قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شاباً نسيباً وسيطاً فينا، ثم نعطي كل فتى منهم سيفاً صارماً، ثم يعمدوا إليه فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه] وأبو جهل ذبحه عبد الله بن مسعود في بدر [ويتفرق دمه في القبائل، فلا يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً، فيرضون منا بالعقل] أي: بالدية [فنعقله لهم، أي: ندفع ديته لهم، وهنا قال الشيخ النجدي (إبليس): هذا الرأي الذي لا رأي غيره] وافق على الإعدام [فأجمعوا عليه] أي: على القتل [ونفذوا خطتهم، وقد أوحى تعالى بذلك إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فأمر] صلى الله عليه وسلم [ابن عمه علياً بأن ينام على فراشه ويتغطى ببرده صلى الله عليه وسلم، وأعلمه أنه لا يناله ما يكره إن شاء الله تعالى] وأتى الشبيبة على الباب صف من هنا وآخر من هناك والسيوف في أيديهم، وهم ينظرون من شقوق الباب فيجدون علياً نائماً فيقولون: ما زال نائماً [ثم أخذ حفنة من تراب وخرج وهو يقرأ: يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس:1-2]، إلى قوله: فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس:9]، فأعمى الله أبصارهم] وهذه الآية يذكر بعض أهل التفسير أنها مجربة، فمن أراد أن ينفر أو يهرب من أعدائه عليه أن يقرأ هذه الآية فلا يشاهدونه أو يعمون عنه أو يغفلون، على شرط: أن لا تكون لصاً هارباً بأموال الناس، ولكن تكون ولياً ربانياً وأحاط بك ظالمون، فإذا قرأت هذه الآية عموا عنك فلا يبصرونك لولاية الله تعالى لك، قال الله عز وجل: يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ * لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس:1-9] أي: غطيناهم فلا يبصرون.
ما تنتظرون هاهنا؟ قالوا: محمداً، فقال: خيبكم الله! قد والله خرج عليكم، ثم ما ترك رجلاً منكم إلا وضع التراب على رأسه، وانطلق لحاجته، فوضع كل واحد منهم يده على رأسه فإذا التراب عليه، فجعلوا يتطلعون من خلال شقوق الباب فيرون علياً على الفراش متغطياً ببرد النبي صلى الله عليه وسلم، فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائماً عليه برده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا، فقام علي رضي الله عنه عن الفراش، فلما رأوه قالوا: والله لقد صدقنا الذي كان حدثنا وانصرفوا. أما الحبيب صلى الله عليه وسلم فلنترك لـعائشة أم المؤمنين تقص علينا تحركه نحو هجرته] والذين يكرهون عائشة يتمزقون الآن من الكرب والهم. زدهم يا رب هماً وكرباً! [فقد قالت] رضي الله عنها [كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخطئ أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار -إما بكرة وإما عشية- حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة فإنه أتانا بالهاجرة، وساعة كان لا يأتينا فيها] وسط النهار [فلما رآه أبو بكر قال: ما جاء برسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت إلا أمر حدث، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخر له أبو بكر عن سريره فجلس صلى الله عليه وسلم] عليه؛ لأنه ليس هناك كراسي ولكن أسرة [وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء ] والتي تقول هذا هي عائشة حبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرج من عندك] حتى لا يسمعوا الحديث وينقلونه [فقال: يا رسول الله إنما هما بنتاي] أي: عائشة وأسماء ليس غير هذا [وما ذاك فداك أبي وأمي؟ فقال: إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة] استفهم أبو بكر : ما ذاك -فداك أبي وأمي- حتى تقول: أخرج من معك؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أذن لي في الخروج، أي: من مكة، والهجرة إلى المدينة [فقال أبو بكر : الصحبة يا رسول الله؟ قال: الصحبة] وتحقق الأمل! إن أحدنا عندما يرى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام يكاد يطير في السماء، وهي رؤية منامية، فكيف بالواقع؟ [قالت عائشة : والله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ] قالت: ما كنت أعرف أن إنساناً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي منه؛ ولهذا في الدعاء: أقر الله عينيك بدموع الفرح [ثم قال أبو بكر : يا نبي الله! إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا، فاستأجرا] أبو بكر والرسول صلى الله عليه وسلم [عبد الله بن أريقط من بني الديل] وهو خريت (جغرافي) يعرف الجزيرة شبراً شبراً ويعرف الطرق [وكان مشركاً ليدلهما على الطريق، فدفعا إليه الراحلتين يرعاهما لميعاد خروجهما من مكة إلى المدينة] ويستقبلهما بهما.
قال: [وأتى أبا بكر فخرج معه من خوخة له] كان في داخل البيت مخرج آخر تعمية على أعين الخصوم [في ظهر بيته، فعمدا إلى غار ثور] وجبل ثور معروف [وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره] يتحسس ما يقوله الناس [ثم يأتيهما مساء بما كان في ذلك اليوم من الخبر] وكل هذا من باب الحيطة والأخذ بالأسباب، فالرسول سياسي حكيم ولا عجب! [كما أمر أبو بكر عامر بن فهيرة مولاه] خادمه [أن يرعى غنمه نهاراً ثم يُريحها عليهما مساء؛ ليسقيهما من لبنها، وإذا جاءهما عبد الله أو أخته أسماء بطعام أتبع عامر أثرهما بالغنم فعفى أثرهما] عندما يأتي أسماء أو عبد الله بالطعام يتبعهما ابن فهيرة بالغنم حتى بغطي آثار أقدامهم ومشيهم [وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر ثلاثة أيام] بذلك الغار، والغار موجود إلى الآن.
قال: [ولما كان المشركون يطلبون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر -وهما في الغار- سمع أبو بكر قرع نعال الطالبين، فخاف حزناً وقال: يا رسول الله! لو يرفع أحدهم قدمه لرآنا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما با لك يا
إن المؤمن الصادق في إيمانه إذا قيل له في معتقده شيء رحل إلى الشرق والغرب ليتأكد من صحة عقيدته وسلامتها أو بطلانها وفسادها، لا يتعصب ويقول: مذهبنا، أو قومنا! ووالله إنه لأمر عجب، فهذا أبو بكر نزل فيه قرآن: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ [التوبة:40] فكيف نقول: كفر؟! وكيف نقبل من قول من يقول بهذا، وأين عقله؟!
أولاً: بيان مدى حب الصديق للرسول صلى الله عليه وسلم] والصديق هو أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه [إذ كان يرغب في صحبته] عندما يسافر مهاجراً [حتى إنه -لما أذن للرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة وقبل صحبته- بكى من شدة الفرح رضي الله عنه، وهذا شأن المحب الصادق] أما قالت لنا عائشة : إنه بكى من شدة الفرح، وأنها ما كانت تظن أو تعرف أنه يُبكى من شدة الفرح حتى رأت الصديق يبكي من ذلك؟!
[ثانياً: بيان قرار قريش الجائر] وهو الحكم بالإعدام على النبي صلى الله عليه وسلم [الذي شارك فيه أبو مرة -إبليس عليه لعائن الله-] وكنية إبليس هي: أبو مرة، ليس أبو حلوة؛ إذ كل المهالك هو الذي يقود إليها، وكل مرارة في الحياة هو سببها [ورضيه لما فيه من الإجماع على قتل النبي صلى الله عليه وسلم] إبليس رضي بذلك القرار الجائر؛ لأن فيه قتل النبي صلى الله عليه وسلم [وتوزيع دمه على القبائل حتى لا يُطالب بدمه ويُرضى بالدية] لأن قبائل قريش متعددة، وكلهم أصل واحد، فإذا شاركوا كلهم في الدم فليس من المعقول إذا قتلوا محمداً صلى الله عليه وسلم أن بني هاشم يطالبون بقتل كل من شارك في القتل، وما عليهم إلا أن يرضوا بالدية فقط، وهي حيلة إبليس: أن يوزع دمه على القبائل فلا يستطيع بنو هاشم أن يطالبوا كل القبائل بدمه، ويرضون بالدية، وهي مائة بعير.
[ثالثاً: آية خروج الرسول صلى الله عليه وسلم ومروره بين أيدي المشركين ووضع التراب على رءوسهم وهم لا يشعرون] وهذه من أعظم آيات النبوة، فقد فتح الباب وخرج وهم صف من هنا وآخر من هناك وسيوفهم مسلطة، ثم وضع التراب على رءوسهم قارئاً بعض آيات سورة يس، وينطبق أيضاً على التراب قوله تعالى: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17].
[رابعاً: بيان أن أول فداء كان في الإسلام؛ فداء علي النبي صلى الله عليه وسلم] والفداء هو أن يضحي الإنسان بحياته كاملة فداءً لأمته أو بلاده أو كذا .. فأول من عرف الفداء هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه [إذ تركه نائماً على فراشه وخرج، والمشركون يظنون أنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو علي رضي الله عنه].
ولطيفة أخرى لم نعرِّج عليها، وهي: لم هؤلاء الشبيبة لا تقتحم المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم؟ لأنهم كانوا يحترمون المنازل، فلا يهاجمون الرجل ويدخلون عليه في بيته أبداً، ولكن عندما يخرج يستلموه، فلا يروعون امرأة ولا طفلاً ولا أحداً أبداً، والآن العرب يفعلون أشياء أبشع من هذا وهم مسلمون.
أليسوا يمثلون قبائل قريش؟ أليس السلاح بأيديهم؟ لم يبيتون واقفين ينتظرون خروج النبي؟ لم لا يهاجمون البيت، وبابه ليس من حديد ولكن من خشب؟! كل هذا احتراماً لما جرت به العادة والعرف أن المرء لا يُداهم في بيته.
[خامساً: بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ بالأسباب وبالحزم فيها، إذ أوهم المشركين بترك علي نائماً على فراشه، هذا أولاً، وثانياً: أعد الراحلة للسفر والخريت العالم بالطريق ومسالكها. وثالثاً: دخوله غار ثور مع صاحبه استخفاء عن أعين المشركين الطالبين له.
سادساً: آية نسج العنكبوت وتعشيش الحمامة وتبييضها؛ ستراً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعمية على المشركين، ولا عجب في هذا، فإن الوزغة لما ألقي إبراهيم في النار كانت تنفخ فيها لتشتعل على إبراهيم، فكانت الوزغة أخبث حيوان وكان قتلها أجر إلى اليوم لورود السنة بذلك.
سابعاً: بيان طيبوبة أسرة الصديق نساءً ورجالاً، وبيان سبب لقب أسماء بـذات النطاقين ].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر