إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. سلمان العودة
  5. شرح بلوغ المرام
  6. شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 411-415

شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 411-415للشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جاءت الأحاديث باستحباب صلاة الوتر وتأكده، وأن وقته يبدأ بعد صلاة العشاء إلى أذان الفجر، وقد اختلف أهل العلم في وقت نهايته كما اختلفوا في قضائه على أقوال متعددة أرجحها أن من كان يصلي وترها صلاها في النهار قضاء شفعاً مع تحري فعلها في وقتها لكن من نسيها أو انشغل عنها فإنه يصليها نهاراً عوضاً عما فاته من قيام الليل.

    1.   

    شرح حديث: (أوتروا قبل أن تصبحوا)

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما الأحاديث التي عندنا، فعندنا مجموعة أحاديث لا بأس بها:

    أولها: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أوتروا قبل أن تصبحوا )، رواه مسلم.

    تخريج الحديث

    وهذا الحديث: رواه مسلم في صحيحه، كما ذكر المصنف في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل.

    واقتصر المصنف على عزوه إلى مسلم، على أن الحديث موجود في الترمذي أيضاً، في كتاب الصلاة، باب ما جاء في مبادرة الصبح بالوتر، وكذلك رواه النسائي في قيام الليل، باب الأمر بالوتر قبل الصبح.

    ورووه بهذا اللفظ الذي ساقه المصنف: ( أوتروا قبل أن تصبحوا )، وفي إحدى روايات النسائي : ( أوتروا قبل الفجر )، وإحدى الروايتين تفسر الأخرى، فيكون المقصود بالفجر طلوع الصبح، يعني: دخول وقت الفجر، وليس المقصود به صلاة الفجر؛ لأن الروايات تفسر بعضها بعضاً.

    فوائد الحديث

    في الحديث: استحباب الوتر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به فقال: (أوتروا)، وهو أمر ندب واستحباب كما سبق.

    وفيه: أن وقت الوتر يمتد إلى طلوع الفجر، وقد سبق بحث المسألة بحثاً مجملاً، وسوف أعود لها الآن إن شاء الله، وهذه أبرز الفوائد الموجودة في الحديث.

    1.   

    شرح حديث: (من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له)

    أما الحديث الذي بعده، فقد ساقه المصنف على أنه رواية أخرى لحديث الباب؛ وذلك لأن السند واحد؛ ولذلك قال المصنف رحمه الله: [ ولـابن حبان : ( من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له) ].

    وكأن هذا هو الحديث السابق، لكن باختلاف في لفظه، والحديث بهذا اللفظ: رواه ابن حبان كما أشار المصنف، وكما هو موجود في الإحسان المطبوع في كتاب الصلاة، باب الوتر، ذكر الخبر الدال على أن الوتر ليس بفريضة، ثم ساقه رحمه الله تعالى.

    تخريج الحديث

    وكذلك رواه ابن خزيمة في صحيحه في كتاب الصلاة، باب من نام عن الوتر أو نسيه يصليه إذا أصبح.

    وكذلك رواه الحاكم في مستدركه في الجزء الأول (ص:301) وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي كما في التلخيص.

    ورواه أيضاً البيهقي في سننه في (2/ 478) في كتاب الصلاة، باب وقت الوتر، وسند الحديث حسن أو صحيح.

    شواهد الحديث

    وله شواهد: فمن شواهد الحديث: حديث الأغر المزني رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدركه الصبح ولم يوتر، فلا وتر له )، وهو بلفظ حديث الباب سوى اختلاف يسير.

    وحديث الأغر ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، وقال: رواه البزار، وفي سنده شيخ البزار سماه: صالح بن معاذ البغدادي، وقال الهيثمي : لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات، والعهدة على الهيثمي رحمه الله تعالى.

    ومما يصلح أن يساق في شواهد الحديث -وإن لم يكن بالحديث المرفوع-: أن أبا الدرداء رضي الله عنه كان يخطب الناس ويقول: ( لا وتر لمن أدرك الصبح، قال: فانطلق رجال من المؤمنين إلى عائشة

    رضي الله عنها فأخبروها بما قاله أبو الدرداء

    ، فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح فيوتر
    )، أي: يدركه الصبح فيوتر بعد ذلك.

    وحديث عائشة : رواه أحمد في مسنده، وابن نصر المروزي في الوتر، ونسبه الهيثمي في المجمع إلى الطبراني في معجمه الأوسط، وقال: إسناده حسن، وقال الشيخ الألباني : إسناده صحيح.

    وعلى كل حال: فحديث الباب صحيح، حديث أبي سعيد من رواية ابن حبان : ( من أدرك الصبح فلم يوتر فلا وتر له )، هو حديث صحيح.

    وقد صححه ابن حبان، والحاكم، وابن خزيمة، والذهبي حيث وافق الحاكم على ذلك، وصححه الشيخ الألباني في مواضع، منها: في الإرواء في الحديث رقم (422).. وغيره، إضافة إلى الشواهد، بل الشاهد الذي ذكرت وهو حديث الأغر المزني.

    معاني ألفاظ الحديث

    الحديث فيه قوله: (من أدرك الصبح ولم يوتر) ومعنى: (أدرك الصبح) أي: أدركه الصبح، أي: طلع عليه الفجر دون أن يوتر.

    وقوله: (فلا وتر له) يحتمل أن يكون المعنى: فقد فاته الوتر فلا يوتر، وهذا هو الظاهر، ويحتمل: أن يكون المقصود: أنه فاته وقت الفضيلة والاختيار، فيكون نفي الوتر حينئذٍ ليس على سبيل نفي العمل، وإنما على سبيل نفي الأفضلية.

    وقت صلاة الوتر والأقوال في نهايته

    في الحديث مسألة مهمة سبقت، لكن أعيدها الآن بشيء من التفصيل والعناية، وهي: وقت صلاة الوتر:

    وأرجو من الإخوة أن يقارنوا ما سأذكره الآن بما ذكرته قبل، وإذا وجد شيء من الاختلاف فيراجع:

    مسألة وقت صلاة الوتر.

    قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: أجمع أهل العلم على أن ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقت للوتر.

    وهذا الإجماع الذي حكاه ابن المنذر رحمه الله هو في الجملة صحيح، وإلا فقد اختلف الفقهاء الشافعية والمالكية والحنابلة والأحناف في بداية وقت الوتر: هل يبدأ بدخول وقت العشاء أو بالصلاة، وبعضهم لديه في ذلك تفصيل ذكره النووي في المجموع .. وغيره، ولا نطيل في ذكره.

    إذ إنه في الجملة: أن الوتر بعد صلاة العشاء، وهذا محل إجماع كما ذكر رحمه الله.

    ثم اختلفوا فيما بعد في مسألة نهاية وقت الوتر على قولين رئيسين:

    القول الأول: انتهاء وقت الوتر بطلوع الفجر وأدلته

    القول الأول: أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فقد انتهى وقت الوتر، وهذا حكاه ابن المنذر عن جماعة من السلف من الصحابة والتابعين، وهو مذهب الجماهير منهم ومن الأئمة المتبوعين أيضاً، كما نص على ذلك النووي في المجموع قال: وهو مذهب الجمهور.

    ولعله رحمه الله يعني: جمهور فقهاء الشافعية، كما هو الغالب في استعماله واصطلاحه، وإن كان هذا القول أيضاً هو قول جمهور العلماء، وهو مذهب أحمد ومالك .. وغيرهما، والأدلة على ذلك كثيرة نأخذها أو بعضها من أفواهكم.

    الأدلة على أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر:

    منها: حديث ابن عمر : ( فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة، توتر له ما قد صلى )، فإنه ظاهر في أن طلوع الصبح ينتهي به وقت الوتر؛ ولهذا يبادر الإنسان الصبح بالوتر، فيصلي واحدة، هذا دليل.

    ومنها: حديث أبي سعيد، حديث الباب: ( أوتروا قبل أن تصبحوا ) فإنه صريح بأن الأمر بالوتر يكون قبل الإصباح، أي: قبل دخول الإنسان في وقت الصبح.

    ومن الأدلة أيضاً: حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أوتروا قبل طلوع الفجر )، وسيأتي ما في هذا الحديث من الكلام.

    ومنها: حديث عائشة : ( من كل الليل قد أوتر النبي صلى الله عليه وسلم.. -إلى قولها- وانتهى وتره إلى السحر )، فهذا نهاية وقت وتر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والحديث في الصحيح وقد مضى.

    ومن الأدلة أيضاً حديث: ( إن الله زادكم صلاة ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وهي الوتر )، وفي رواية: ( وهي خير لكم من حمر النعم، وهي ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر )، والحديث من رواية خارجة بن حذافة، وقد سبق الحديث معنا من رواية الترمذي وأبي داود، وخلاصة الحكم على حديث خارجة بن حذافة : ( إن الله زادكم صلاة ) فيه ضعف. وأيضاً من الأدلة: حديث: ( من خشي ألا يوتر آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل )، فإن الليل يمتد إلى طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فقد ذهب الليل، فالحديث دليل على أن وقت الوتر ينتهي بالليل، نعم.

    ومنها: حديث ابن عمر : ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً )، وهو كالسابق، فإن الليل يمتد إلى طلوع الفجر، فهذه الأدلة وغيرها.

    ويمكن أن يضاف إليها حديث الباب: ( من أدرك الصبح ولم يوتر، فلا وتر له )، فإنه من أصرح الأدلة على أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر.

    ومثله أيضاً حديث: ( الوتر ركعة من آخر الليل ) وقد سبق، فإنه صريح في أن الوتر إلى آخر الليل، وآخر الليل نهايته.

    فهذه الأدلة وغيرها تدل على أن وقت الوتر يمتد إلى طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فقد ذهب وقت الوتر، هذا هو القول الأول.

    القول الثاني: امتداد وقت الوتر إلى صلاة الفجر وأدلته

    القول الثاني: أن الوتر يمتد إلى صلاة الفجر، وليس إلى طلوع الفجر، بل يمتد حتى بعد طلوع الفجر إلى أداء صلاة الفجر، وهذا القول حكاه ابن المنذر رحمه الله أيضاً عن جماعة من السلف من الصحابة ومن بعدهم، وقد ذكر ابن قدامة في المغني عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: [ الوتر ما بين الصلاتين ]، يعني: صلاة العشاء وصلاة الفجر، ثم قال ابن قدامة : وعن علي رضي الله عنه نحوه.

    أما أثر ابن مسعود : [ الوتر ما بين الصلاتين ] فقد وجدته في مصنف ابن أبي شيبة حكاه عنه بهذا.

    أما أثر علي فما وجدته، ولم أجتهد في البحث عنه أيضاً، لكن لم أجده فيما بين يدي من الكتب التي راجعتها، ولعله يُبحث عنه.

    ويشبه أن يكون هذا المذهب أن الوتر يمتد إلى صلاة الفجر، أن يكون مذهب جماعة من الصحابة، كما نقله عنه ابن أبي شيبة .. وغيره.

    من هؤلاء أبو الدرداء نفسه رضي الله عنه، وابن عباس وابن عمر والشعبي، وقد نقل الآثار عن كل هؤلاء ابن أبي شيبة في المصنف في الجزء الثاني صفحة (287)، نقل الأثر عن هؤلاء جميعاً، وإن كان هذا يعارض ما ذكرناه قبل قليل عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أنه كان يقول: [ من أدركه الصبح فلا وتر له ]، لكن لا يبعد أن يكون أبو الدرداء رجع بعد ذلك لما سمع جواب عائشة رضي الله عنها عن ذلك.

    وكذلك ذكر النووي في المجموع هذا القول، نقله عن المتولي قولاً آخر للإمام الشافعي، أنه يرى الوتر يمتد إلى صلاة الفجر، واستدل هؤلاء بأدلة:

    لعل منها أولاً: ما رواه ابن أبي شيبة في الموضع السابق المشار إليه، عن الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر عند الأذان، ويصلي الركعتين مع الإقامة ).

    وهذا الأثر يجاب عنه بأجوبة:

    أولها: أنه ضعيف جداً، فيه: الحارث الأعور، وقد سبق مراراً.

    الجواب الثاني: أنه على تقدير مجيئه من وجه آخر، فلا دلالة فيه، لأن بعضهم قال: الأذان الأول، هذا هو الجواب الأول أيضاً.

    الجواب الثاني: أن قوله: ( يوتر مع الأذان ) لا يلزم أن يكون بعد الأذان، بل قد يكون القصد أنه يوتر قريباً من الأذان، بدليل أنه قال: ( ويصلي الركعتين -يعني: الراتبة- مع الإقامة )، ومن المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصليها قبل الإقامة، ولكن المقصود أنه يصليها ثم تقام الصلاة بعد ذلك.

    الجواب الثالث: أن يقال: إن هذا فيما إذا غلبه نوم عن الوتر، فلا يكون هذا هو الحال المعتاد منه صلى الله عليه وسلم، وإنما المقصود أن ذلك إذا غلبه عن الوتر نوم أو وجع.

    على كل حال الحديث ضعيف فلا يشتغل به، هذا هو أحد أدلتهم.

    ومن أدلتهم: حديث أبي بصرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله زادكم صلاة، فصلوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، صلاة الوتر ) وهذا الحديث: رواه أحمد كما في المسند في أول الجزء السادس، واحتج به كما ذكر ذلك ابن قدامة رحمه الله، ولا إشكال في الحديث أيضاً، إذ يحتمل أن يكون المقصود بقوله: (إلى صلاة الفجر) أي: إلى وقت صلاة الفجر؛ وذلك جمعاً بين النصوص وتأليفاً بينها.

    ولا شك أن الراجح القول الأول: أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر؛ وذلك لقوة أدلته، وضعف ما يعارضها.

    فوائد الحديث

    وفي الحديث فوائد:

    منها: مشروعية الوتر وتأكده.

    ومنها ما سبق: أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر.

    1.   

    شرح حديث: (من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو ذكر)

    قال المصنف رحمه الله: [وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن الوتر أو نسيه فليصلّ إذا أصبح أو ذكر )، رواه الخمسة إلا النسائي].

    تخريج الحديث

    (وعنه) أي: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، فهو صاحب الحديث السابق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن الوتر أو نسيه فليصلّ إذا أصبح أو ذكر) ثم قال: رواه الخمسة إلا النسائي .

    رواه أبو داود في الصلاة، باب الدعاء بعد الوتر.

    ورواه الترمذي في الصلاة أيضاً، باب ما جاء في الرجل ينام عن وتره، أو ينساه.

    ورواه ابن ماجه في الإقامة، باب من نام عن وتره أو نسيه.

    ورواه أحمد في مسنده في أوائل الجزء الثالث، والبيهقي، والدارقطني، والحاكم، وقال الحاكم : صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، ورواه أبو يعلى في مسنده .. وغيرهم.

    وقد أشار الترمذي عقب رواية الحديث إلى تضعيفه، فإنه ساقه رحمه الله أولاً: موصولاً، من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه، عن عطاء، عن أبي سعيد الخدري، هكذا ساقه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ساقه مرة أخرى عن عبد الله بن زيد بن أسلم أخي عبد الرحمن عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا يكون الحديث مرسلاً عن زيد بن أسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال الترمذي : وهذا أصح من الحديث الأول، يعني: أنه رجح المرسل على المتصل.

    ثم نقل -رحمه الله- عن الإمام أحمد وعلي بن عبد الله المديني ترجيح عبد الله بن زيد بن أسلم على أخيه عبد الرحمن، وأنهم وثقوا عبد الله، وقد سبق الكلام في أولاد زيد بن أسلم، وهم: عبد الله، وعبد الرحمن، وأسامة بن زيد بن أسلم، وسبق الكلام فيه.

    فالمهم: أن الترمذي رحمه الله نقل عن أحمد وابن المديني ترجيح عبد الله على عبد الرحمن، بما يقتضي ترجيح المرسل على المتصل، ووافقه على ذلك محمد بن يحيى، كما نقله ابن ماجه في سننه، فإنه ساق حديثاً، ثم قال: وهذا يدل على أن حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم واهٍ، يعني: لأنه يعارضه، فحكم بتوهية الحديث، ومثله أيضاً: محمد بن نصر المروزي فإنه ساق الحديث، ثم قال: وعبد الرحمن أصحاب الحديث لا يحتجون بحديثه.

    إذاً: هذا الإسناد ضعيف، ماذا يقول عنه علماء المصطلح في مثل هذه الحالة؟ ضعيف، وخالف الثقة، منكر، بل لعله منكر.

    لكن له طريق أخرى عند أبي داود في الموضع المشار إليه، والدارقطني والحاكم والبيهقي في المواضع نفسها، وذلك من طريق أبي غسان محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء، عن أبي سعيد، وهذا الإسناد صححه الحاكم كما أسلفت ووافقه الذهبي، وصححه أيضاً الحافظ العراقي، وقال الشيخ أحمد شاكر كما في تعليقه على الترمذي : صحيح على شرط الشيخين.

    وكذلك صححه الشيخ الألباني كما في الإرواء وغيره.

    إذاً: الحديث صحيح بهذا الإسناد.. طيب!

    حكم قضاء الوتر وأقوال أهل العلم فيه

    وفي الحديث مسألة: وهي قضاء الوتر، فينبغي أن نفرق بين وقت الوتر الذي سبق، وبين قضاء الوتر، مسألة قضاء الوتر، إذا فات الإنسان الوتر وطلع الفجر عليه قبل أن يوتر، فهل يقضيه أم لا يقضي؟

    في المسألة قولان مشهوران:

    القوال الأول: قضاء الوتر بعد الفجر وقبل الصلاة أو بعد طلوع الشمس وأدلته

    الأول: أنه يقضي الوتر بعد الفجر، يعني: قبل الصلاة، وإن فاته فلم يقضه قبل الصلاة، فإنه يقضيه حتى بعد طلوع الشمس، وهذا مذهب جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، كـابن عمر، وعائشة، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وجماعة من السلف، كـالشعبي وعطاء والحسن وطاوس والقاسم وابن سيرين وإبراهيم التيمي ومسروق .. وغيرهم، وهذه الآثار كلها ذكرها ابن أبي شيبة في المصنف، في الموضع الذي ذكرته قبل قليل.

    وذهب إليه أهل الكوفة، يعني: أبو حنيفة وأصحابه، كما هو معروف في كتبهم، ونسبه إليهم الترمذي أيضاً، وهذا من الطبيعي أن يقول به أهل الكوفة؛ لأنهم يرون الوتر واجباً، ونسبه الترمذي أيضاً في سننه لـسفيان الثوري، وهو مذهب الإمام أحمد في الرواية المشهورة عنه، وبالجملة: فهو مذهب الجمهور.

    وأشير إلى أني نقلته سابقاً عن جماعة آخرين، فإن كان فيهم من يضاف أو يستدرك فليضفه الإخوة الذين يقومون بنقل المذكرة في هذا الموضع، حتى يجتمع البحث.

    أدلة هؤلاء كثيرة، منها:

    أولاً: حديث الباب، فهو صريح في المسألة: (من نام عن وتره أو نسيه، فليصلّ إذا أصبح أو ذكره)، والمعنى: أنه إن نام عنه صلاه إذا أصبح، وإن نسيه صلاه إذا ذكره، فهو نص في المسألة.

    الدليل الثاني: فيه حديث آخر مشابه لحديث الباب، وهو الحديث المعروف وهو في الصحيح: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك، ثم تلا صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14]) فإن قوله: (من نام عن صلاة أو نسيها) نكرة في سياق الشرط، فتعم كل صلاة نفلاً كانت أو فرضاً، ويدخل في ذلك الوتر، وهو دليل على قضاء الوتر.

    الدليل الثالث: حديث عمر رضي الله عنه عند مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نام عن حزبه من الليل، أو عن شيء منه، فقرأه ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل)، فهذا يدخل فيه قيام الليل وغيره، فإنه قال: (من نام عن حزبه من الليل) أي: القدر المعتاد الذي كان يقرؤه في صلاة الليل، وظاهره يدل على قضاء الوتر.

    الدليل الرابع: حديث عائشة لما ذكرنا: (أن أبا الدرداء رضي الله عنه كان يخطب ويقول: إنه من أدركه الصبح فلا وتر له، فنقل ذلك لـعائشة فقالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح، ثم يوتر).

    وقولها: (يصبح) معناه: يدخل في الصبح، أي: يطلع عليه الفجر، فهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقضي الوتر بعد -أو قل: يصلي الوتر- بعد طلوع الفجر، وهذا دليل على قضائه.

    والحديث سبق أني ذكرت أن إسناده حسن أو صحيح.

    ومن الأدلة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقضي السنن الرواتب إذا فاتته، وأدلة ذلك كثيرة جداً وسبقت.

    منها: قضاء سنن الرواتب، حديث أم سلمة في قضاء الراتبة بعد الظهر، حيث قضاها بعد العصر، وأيضاً حديث أبي قتادة وفيه: قضاء راتبة الفجر قبل أن يصلي الصلاة، وبعد طلوع الشمس.

    وكذلك مما يدخل في قضاء الرواتب: ما رواه الترمذي وصححه ابن خزيمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصلّ ركعتي الفجر قبلها -يعني: راتبة الفجر- قضاها بعد طلوع الشمس)، وهذا ثابت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    أن وقت راتبة الفجر بعد طلوع الشمس.. وهكذا، فإذا ثبت أن السنن الرواتب تقضى، سواء راتبة الفجر أو غيرها، فإن الوتر أولى بالقضاء؛ لأنه آكد من هذه السنن.

    وأما على القول بوجوب الوتر، كما هو مذهب الحنفية ومن وافقهم، فإن الأمر حينئذ يكون أظهر.

    إذاً: القول الأول: أن الوتر يقضى بعد طلوع الفجر وبعد طلوع الشمس أيضاً، وهذه بعض أدلتهم.

    ثم إن مما يصلح أن يكون أو يتردد بين أن يكون دليلاً، أو يذكر ضمن الأقوال أنه نقل عن جماعة كثيرة من الصحابة: أنهم كانوا يوترون بعد طلوع الفجر، كما ذكرته قبل، عن عمر ، وابن عمر، وعائشة، وعلي، وابن مسعود .. وغيرهم. فهذا يصلح في الأدلة؛ لأن استفاضة هذا الأمر عند الصحابة رضي الله عنهم دليل على أن عندهم منه توقيفاً وعلماً، وإلا لم يكونوا ليتخيروا في هذا الأمر؛ مع أنه أمر تعبدي، والتوقيت فيه ظاهر.

    القول الثاني: عدم قضاء الوتر وأدلته

    القول الثاني: أن الوتر إذا فات لا يقضى، وهي الرواية الأخرى عن أحمد، كما ذكرها جمع من فقهاء الحنابلة، ومنهم الإمام ابن تيمية كما في الفتاوى، ونقل عن جماعة من السلف، كما ذكره ابن أبي شيبة .. وغيره عن سعيد بن جبير أنه قال: [ إذا طلع الفجر فلا وتر، كيف يجعل صلاة الليل في صلاة النهار؟! ] فاستنكر أن يدخل الوتر في صلاة النهار.. وغيره.

    وحجة هؤلاء: أولاً: حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر) والحديث رواه الترمذي كما أشار المصنف، وسيأتي بعد قليل، فهذا الحديث دليل على أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر، وأنه من فاته الوتر فلا وتر له.

    ومن أدلتهم: حديث الباب: (من أدرك الصبح ولم يوتر، فلا وتر له) فإن ظاهره أن الوتر لا يقضى، ومثله أيضاً أثر أبي الدرداء -وسبق في أن (من أدركه الصبح ولم يوتر، فلا وتر له) وسنده حسن كما سبق- فإن ظاهره أنه لا يقضى بعد طلوع الفجر، وإن كان هذا لا يعدو أن يكون رأياً لـأبي الدرداء، بل النقل عنه يدل على أنه رجع عن ذلك، أو اختلف عنه النقل كما سلف، هذا أهم ما يتمسكون به.

    الراجح في مسألة قضاء الوتر

    الأقرب والله أعلم أن الوتر يقضى، كما دلت على ذلك الأدلة، ولكن يقضى قبل صلاة الفجر لا بعدها؛ بحيث يكون خاتمة لصلاة الليل أو متصلاً بها، كما هو مذهب الأكثرين من الصحابة وغيرهم، ممن كانوا يصلون حتى بعد طلوع الفجر، فإذا صلى الإنسان الوتر قبل صلاة الفجر أجزأه ذلك قضاءً.

    أما إذا صلى الفجر، فإنه لم يبقَ للوتر حينئذٍ محل، وذهبت الفائدة التي من أجلها شرع الوتر؛ فإنه شرع الوتر ليكون خاتمة لصلاة الليل كما كانت المغرب وتر النهار.

    فإذا صلى الإنسان الفجر، والفجر هي أول صلوات النهار، كما سبق تقريره في كتاب المواقيت، فإنه حينئذٍ لا يصلي الوتر، لكن يشرع له أن يصلي من النهار ما تيسر له، تعويضاً عما فاته من الليل، كما دل على ذلك حديث عمر السابق، وهو في مسلم: (من نام عن حزبه من الليل، أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر)، ألم تره قال: (فقرأه)، ولم يقل: (فصلاه)، فدل على أنه عوض عما فاته بقراءة، (كتب له كأنما قرأه من الليل)، وهذا ليس نصاً؛ لأنه يحتمل أن يكون المعنى قرأه في الصلاة، ولكن التعبير بالقراءة يرجح أن المقصود أنه قرأه في غير صلاة، خاصة وأن ما بعد الفجر وقت نهي إلى ارتفاع الشمس.

    ومما يعزز ذلك أيضاً ما رواه مسلم في صحيحه ، في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع لصلاة الليل، ومن نام عنه أو مرض، ذكره ضمن حديث سعد بن هشام الطويل في سؤاله لـعائشة رضي الله عنها، عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقالت عائشة رضي الله عنها له: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غلبه من الليل نوم أو وجع، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) أي: كالضحى بعد ارتفاع الشمس وقبل زوالها.

    فهذا دليل على أن الإنسان إن قضى الوتر قبل صلاة الفجر، قضاه بهيئته وصورته أخذاً بالنصوص السابقة: (من نام عن وتره) (من نام عن صلاة) .. إلى غير ذلك.

    أما إن صلى الفجر، وأراد قضاء الوتر بعد طلوع الشمس، فإنه يصلي مثنى مثنى، كما دل على ذلك حديث عائشة، وهذا يمكن أن ينسب أيضاً إلى من سلف من الصحابة، كـعائشة رضي الله عنها وغيرها، وهو مذهب الحسن البصري، فإنه رحمه الله قال كما عند ابن أبي شيبة: (إذا صليت الغداة وطلعت الشمس، فقد ذهب الوتر) فإن ذلك يدل على أنه يرى أنه يمكن أن يصلي الوتر قبل صلاة الفجر، فإذا صلى الفجر وطلعت الشمس ذهب الوتر، لكن يصلي ما تيسر له، وهو أيضاً مذهب إبراهيم النخعي وعطاء والشعبي .. وغيرهم من السلف، وقد اختاره الإمام ابن تيمية كما في الجزء الثالث والعشرين من الفتاوى (ص:90، 91) فإنه رجح هذا القول في ذلك الموضع، وفي مواضع أخرى، وبذلك تنسجم النصوص أيضاً؛ بحيث نقول بأن الوتر يقضى أخذاً من النصوص، لكن بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الفجر.

    أما بعد ذلك فإنه إن قلنا: بأنه يقضى فلا يقضى بهيئته، لكن يقضى مثنى مثنى جمعاً بين النصوص، ومن أهمها حديث عائشة: (صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة)، وخاصة إذا علمنا أن الوتر صلاة مخصوصة، شرعت لتوتر صلاة الليل: (فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة، توتر له ما قد صلى)، فإذا ذهبت هذه الحكمة والفائدة في شرعية الوتر في آخر الليل، فإنه يصلي مثنى مثنى.

    1.   

    شرح حديث: (من خاف ألا يقوم آخر الليل فليوتر أوله ...)

    الحديث الرابع: حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من خاف ألا يقوم آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل؛ فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل )، رواه مسلم.

    تخريج الحديث

    الحديث رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب من خاف ألا يقوم من آخر الليل، وساقه بإسنادين ولفظين: أحدهما هو اللفظ المذكور، والآخر بنحوه، ولكن قال: ( فإن صلاة آخر الليل محضورة )، وقوله: (مشهودة) و(محضورة) بمعنى، والمعنى: تشهدها الملائكة، ورواه أيضاً بإسناد آخر من طريق أبي الزبير عن جابر بنحوه، ورواه الترمذي أيضاً، وابن ماجه، وأحمد، ورواه عبد الرزاق في مصنفه، وابن خزيمة، وأبو يعلى، والبيهقي، والبغوي، وأبو عوانة .

    معاني ألفاظ الحديث

    قوله: (فإن صلاة آخر الليل مشهودة) أي: محضورة، أي: تشهدها الملائكة، تجتمع فيها ملائكة الليل وملائكة النهار، كما قال الله عز وجل: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، فذلك الحديث دليل على أن صلاة آخر الليل تدخل فيما ذكر الله عز وجل، من أنها مشهودة تحضرها الملائكة.

    فوائد الحديث

    في الحديث فوائد:

    منها: فضيلة الوتر؛ حيث يحافظ عليه الإنسان، حتى إن خاف ألا يقوم أوتر من أول الليل.

    ومنها: الأخذ بالحزم، فإن الإنسان إذا خشي ألا يقوم صلى أول الليل، أخذاً بالحزم.

    ومنها: فضيلة الصلاة بعد النوم؛ ولهذا قال: ( ومن طمع أن يقوم آخره )، يعني: يقوم من نومه، وقال الله عز وجل: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل:6]، قال جماعة من المفسرين: (ناشئة الليل): هي الصلاة بعد النوم.

    ومن فوائد الحديث: فضيلة الصلاة في آخر الليل، وأنها مشهودة، وهي أفضل من الصلاة في أوله.

    1.   

    شرح حديث: (إذا طلع الفجر فقد ذهب وقت كل صلاة الليل والوتر فأوتروا ..)

    الحديث الأخير: هو حديث ابن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا طلع الفجر، فقد ذهب وقت كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر ).

    تخريج الحديث

    الحديث عزاه المصنف للترمذي ولم يتكلم عليه بشيء، وقد رواه الترمذي في الصلاة، باب ما جاء في مبادرة الصبح بالوتر، وقال الترمذي عقبه: وسليمان بن موسى قد تفرد به على هذا اللفظ. وهذا يشعر بأن في لفظ الحديث شيئاً عند الترمذي رحمه الله.

    فهو يشير إلى إعلال الحديث، وما أشار إليه الترمذي واقع، فإن الحديث رواه أبو عوانة أيضاً، وابن الجارود، والحاكم، والبيهقي .. وغيرهم عن سليمان هذا، سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر : أنه كان يقول -يعني: ابن عمر -: ( من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وتراً، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، فإذا كان الفجر، فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أوتروا قبل الفجر ).

    وبذلك يتبين: أن في الحديث قدراً مرفوعاً وقدراً موقوفاً.

    فأما القدر المرفوع ففقرتان:

    الأولى: قوله رضي الله عنه: ( من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وتراً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك ) أي: أمر بأن يكون الوتر هو آخر الصلاة، وهذا ثابت في الصحيحين من حديث ابن عمر : ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً ) هذا القدر المرفوع.

    القدر الثاني المرفوع أيضاً: هو قوله في آخر الحديث: ( أوتروا قبل الفجر ) فإنه قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أوتروا قبل الفجر ) وهذا أيضاً ثابت في الصحيحين.. وغيرهما.

    الفقرة الثانية: هي الموقوفة عن ابن عمر رضي الله عنه من قوله هو لا من روايته، وهي: [ إذا كان الفجر أو إذا طلع الفجر -روايتان-، فقد ذهب وقت كل صلاة الليل والوتر ]، وهذا هو موضع الشاهد: [ إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر ]، أو والوترِ، يعني: صلاة الوتر، أو ذهب الوتر، فهذا القدر موقوف على ابن عمر رضي الله عنه.

    وهذا الحديث بالفصل بين المرفوع والموقوف -كما عند الحاكم، وأبي عوانة، وابن الجارود والبيهقي فيما أسلفت- هو المعتمد الذي صححه أهل العلم، فقد صححه أبو عوانة، وقال الحاكم : إسناده صحيح، ووافقه الذهبي، وكذلك صححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي، وصححه الشيخ الألباني كما في الإرواء .. وغيرهم، ومنه يعلم أن سليمان بن موسى قد أدخل الموقوف في المرفوع سهواً منه، مع أن سليمان بن موسى وإن كان في الجملة ثقة، إلا أنه قد يخطئ، وكذلك هو اختلط في آخر عمره، فعُلم المرفوع بذلك، ومنه يُعلم ما في الاستدلال به من النظر؛ حيث سبق الاستدلال به في أكثر من مسألة.

    فسبق الاستدلال به على أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر، كما سبق الاستدلال به على أن الوتر لا يقضى، ولا دليل فيه على عدم قضاء الوتر.

    1.   

    الأسئلة

    قضاء الوتر قبل صلاة الفجر على هيئته

    السؤال: ذكرت أنه قبل صلاة الفجر أنه يقضى الوتر على هيئته، ما دليل ذلك؟ مع أنه طلع الفجر وانتهى وقت الوتر؟

    الجواب: الدليل ما ذكرناه: ( من نام عن صلاة أو نسيها )، ( من نام عن وتره )، وكذلك ما نقل عن الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلونه؛ بل عن الرسول عليه الصلاة والسلام من حديث عائشة : ( أنه كان يصبح، ثم يوتر ) كما ذكرنا ضمن الأدلة.

    الاستدلال بقوله تعالى: (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة) على قضاء الوتر

    السؤال: ألا يمكن أن يستدل بقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً [الفرقان:62] كما نقل أنهم قالوا: إذا فاتهم بالليل قضوه بالنهار؟

    الجواب: هذا يمكن أن يستدل به على القول الذي ذكرت، أنه إن فاته الوتر ولم يصله قبل صلاة الفجر صلى من النهار ما تيسر له، فإن جماعة من المفسرين في تفسير قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً [الفرقان:62] قالوا: من فاته شيء من عمل الليل قضاه بالنهار، ومن فاته شيء من عمل النهار قضاه بالليل، بل هذا مذهب جمهور المفسرين.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756007983