إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (342)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    حكم من سب الله أو الدين وينتسب إلى الإسلام

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ: عبد العزيز .

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====

    السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من الرياض، وباعثها المستمع (حسن . م. أ) أخونا حسن له جمع من الأسئلة من بينها سؤال يقول: ما رأيكم في المسلم الذي يسب الدين والرب والعياذ بالله، هل تجوز مقاطعته أو محاربته، وهل تبلغ عنه جهات الاختصاص؟ وجهونا حول هذه القضية جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فقد نص أهل العلم -في باب: حكم المرتد من كتب الفقهاء- جميعاً: أن من سب الله أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو سب الدين فقد أتى بناقض من نواقض الإسلام، ويكون كافراً مرتداً عن الإسلام، فالذي يسب الدين أو يسخر به ويستهزئ أو يسب الرسول صلى الله عليه وسلم أو يسخر به ويتنقصه كافر بإجماع المسلمين، يجب أن يقاطع ويهجر، ويجب على الدولة إذا بلغها ذلك أن تستتيبه فإن تاب وإلا قتل.

    وقال جمع من أهل العلم: إنه لا يستتاب، بل يقتل مطلقاً ولو أظهر التوبة، قالوا: إن ساب الله وساب الرسول لا يستتاب لعظم الجريمة والعياذ بالله ولا حول ولا قوة إلا بالله، أما ما دام لم يرفع أمره إلى السلطان فإنه ينصح ويوجه إلى الخير ويعلم ويدعى للتوبة، فإذا تاب إلى الله وأناب إليه فلا يرفع أمره، لعل الله أن يمن عليه بالاستقامة فيسلم من شر هذا البلاء الذي وقع منه.

    لكن إن استمر في السب والاستهزاء فيجب الرفع عنه إلى ولاة الأمور حتى يقام عليه حد الله، ولا يجوز التساهل في حقه، بل يرفع أمره إلى المحكمة أو إلى أمير البلد حتى ينفذ فيه حكم الله عز وجل؛ لأن سبه للدين يسبب شراً كثيراً وفساداً عظيماً، فلا ينبغي أن يتساهل معه، لكن إن بادر بالتوبة والإصلاح والرجوع إلى الله والندم قبل أن يرفع أمره فلا حرج في ذلك، والله سبحانه وتعالى يتوب عن التائبين.

    1.   

    حكم نكاح الشغار وكيفية تصحيحه لمن وقع فيه

    السؤال: يقول: لي أعمام كل واحد عنده ولد وبنت زوجوا أبناءهم من بعضهم، هل يسمى هذا بزواج الشغار؟ علماً بأنهم أنجبوا أطفالاً، فما رأي سماحتكم في هذا الزواج؟ وهل هذا الزواج باطل علماً بأن لكل زوجة من الزوجات مهر خاص ولا يساوي مهر الأخرى، فهل في هذه الحالة يجب الطلاق، وهل الأطفال شرعيون أم لا، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: إذا كان الزواج من دون اشتراط بل خطب هذا وخطب هذا وزوج هذا وزوج هذا بالرضا، فليس هذا شغاراً ولا حرج أن ينكح الإنسان ابنة عمه أو ابنة خاله والآخر كذلك لا حرج في ذلك، الشغار أن يكون عن شرط، زوجني وأزوجك، هذا هو الشغار، إذا قال كل منهما للآخر: زوجني ابنتك وأنا أزوجك بنتي، أو زوج ولدي وأنا أزوج ولدك أو ما أشبه ذلك، هكذا جاء الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام لما سئل عن الشغار قال: (هو أن يقول الرجل: زوجني ابنتك وأزوجك بنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي)، هذا هو الشغار، يعني: المشارطة، هذا يشرط وهذا يشرط، أما إذا خطب هذا من هذا وخطب هذا من هذا من دون مشارطة فلا حرج في ذلك ولا يسمى شغاراً.

    وإذا كان شغاراً بالمشارطة فالأولاد تابعون لآبائهم من أجل شبهة النكاح؛ لأن نكاح الشغار فاسد، وفيه خلاف بين أهل العلم، فالشبهة التي في صحة النكاح وفساده توجب إلحاق الأولاد بآبائهم، ولكن ما دام كل واحد يرغب في زوجته فإنه يجدد النكاح، كل واحد يجدد النكاح، وإذا كانت زوجته لا ترغب فيه فإنه يطلقها طلقة واحدة وتكفي، أما إذا كان يرغب فيها وهي ترغب فيه فإنه يجدد النكاح، إذا كان هناك مشارطة فيزوجه من جديد، يزوج وليها من جديد بعقد شرعي ومهر شرعي وحضور شاهدين ولا حاجة إلى عدة بل في الحال؛ لأن الماء ماؤه، إن كانت حاملاً فالماء ماءه.

    فالحاصل: أنه يزوج في الحال بحضرة شاهدين وبعقد جديد ومهر جديد إذا رضيت به وهو أحبها فلا بأس بذلك، أما إذا كان لا يرغب فيها أو هي لا ترغب فيه، فيطلقها طلقة واحدة، فإذا اعتدت تزوجت من شاءت.

    فينبغي الفهم لهذا المقام لئلا يشتبه المقام، فالمشارطة تجعل النكاح شغاراً وعدم المشارطة تجعل النكاح صحيحاً، فالذي يقول لعمه أو لخاله: زوجني بنتك وهو يقول: أزوجك بنتي مشارطة، زوجني وأزوجك، يعني: ما يرضى هذا إلا بزواج هذا، لا يعطيه ابنته، حتى يعطيه ابنته أو أخته حتى يعطيه أخته، فهذا هو الشغار، أما إذا كان بالرضا من دون مشارطة فلا حرج في ذلك والحمد لله.

    1.   

    حكم طلاق الزوجة ثلاثاً وهي حائض

    السؤال: من المستمع (م. ز. م) من مكة المكرمة المسفلة صندوق بريد (723)، رسالة ضمنها هذه القضية، يقول فيها: إنني مستمع لهذا البرنامج منذ سنوات وأشكر سماحتكم على تفضلكم بالإجابة على أسئلة المستمعين، ومشكلتي أنني طلقت امرأتي بثلاث وهي حائض، وعند طلاقي لم يكن أحد موجوداً سوى أنا وزوجتي، وعندي ثمانية من الأولاد ندمت جداً على فعل ذلك، وسؤالي هو: هل وقع الطلاق أم لا، وأنا أريد أن أراجعها، أفيدوني ولكم جزيل الشكر؟

    الجواب: عليك أن تحضر معها ووليها لدى المحكمة لديكم أو لدى بعض المشايخ حتى يكتب كلامك وكلامها وكلام وليها، وبعد ذلك تكون الفتوى إن شاء الله، حتى نعرف الحقيقة.

    1.   

    فضل بر الوالدين

    السؤال: أرجو من سماحتكم مناقشة موضوع بر الوالدين، ذلكم أننا نلحظ أن كثيراً من الأبناء يعقون والديهم، وربما منعوا أبناءهم عن زيارة أجدادهم، والد يمنع ابنته عن زيارة جدتها، أي: عن زيارة أمه، وسبب المنع خلاف بين الجدة وابنها، أرجو التفصيل في هذا الموضوع وفي بر الوالدين بالذات، جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: لا ريب أن بر الوالدين من أهم الفرائض ومن أعظم الواجبات، والله سبحانه وتعالى ذكر ذلك في مواضع كثيرة من كتابه العظيم، مثل قوله سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:23-24]، ومثل قوله سبحانه: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36]، ومثل قوله جل وعلا: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14] في آيات كثيرات فيها الحث على بر الوالدين، وفيها الأمر بذلك.

    وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على هذا المعنى أيضاً، فسئل عليه الصلاة والسلام قيل: (يا رسول الله! أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها. قيل: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله)، وفي الصحيحين عن أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر -كررها ثلاثاً- قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس، فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور).

    فبين عليه الصلاة والسلام أن من أكبر الكبائر العقوق للوالدين؛ فبرهما من أهم الواجبات ومن أعظم الفرائض، وعقوقهما من أقبح الكبائر والسيئات.

    وفي الحديث الآخر: (رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين)، فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة بر الوالدين والإحسان إليهما والرفق بهما والأدب معهما في القول والعمل، ومن ذلك أن ينفق عليهما إذا كانا فقيرين وهو يستطيع النفقة، ومن ذلك مخاطبتهما بالتي هي أحسن، بالكلام الطيب والأسلوب الحسن وخفض الصوت، وعدم رفع الصوت عليهما، ومن ذلك السمع والطاعة لهما في المعروف إذا أمراه بشيء لا يخالف شرع الله وهو يستطيعه لا يضره ذلك، يطيعهما بالكلام الطيب والفعل الطيب.

    ومن ذلك أن لا يحبس أولاده عن زيارة والديه، إذا رغب الوالد أو الوالدة في زيارة أولاده يزوروه، أن يمكن الأولاد من زيارة الوالدين فليس له أن يمنع أولاده ذكوراً كانوا أو إناثاً من زيارة أمه أو أبيه، إلا أن يكون هناك ضرر لأن الوالد أو الوالدة، يأمر أولاده بمعاصي الله، هذا له منع ذلك؛ لأن طاعة الله مقدمة، أما إذا كان ليس هناك ضرر في أن يزوروه والوالد يحسن إليهم والوالدة كذلك ولا يترتب على الزيارة معصية لله فليس له أن يمنع أولاده من زيارة أبويه، بل هذا من برهما أن يمكن أولاده يزوروهم ويأنسوا بهم ويتمتعوا بالاجتماع بهم.

    المقصود أن من بر الوالدين أن تسمح لأولادك بزيارتهما حتى يستمتعا بأولادك ويجتمعا بهما ويأنسا بهما، وربما ترتب على ذلك مصالح كثيرة، لكن إذا كان الوالدان يأمران أولادك بمعاصي الله أو يحصل منهما على الأولاد ضرر بضرب أو غيره من غير علة فلك أن تمنع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)، أما أن تمنع أولادك من والديك من دون حق ومن دون سبب فهذا لا يجوز، والله المستعان.

    1.   

    طاعة الوالدين في المعروف

    السؤال: لعل هناك حداً فارقاً سماحة الشيخ بين طاعة الوالدين فيما هو طاعة لله، وطاعة الوالدين فيما هو معصية لله، حبذا لو تفضلتم وبينتم هذا الأمر؛ لأن كثيراً من الناس يقع فيه دون علم؟

    الجواب: طاعة الوالدين من طاعة الله، وبرهما من الفرائض، وعقوقهما من الكبائر، وهذا يشمل الطاعات التي يحبها الله ويشمل حتى المباح إذا طلبا منه أن يذهب بهما إلى كذا من المباحات أو يشتري لهما حاجة وهو يستطيع ذلك وجب عليه ذلك، إذا كان لا ضرر عليه في ذلك، وهكذا إذا أمراه أن يصلح لهما قهوة شاي يحضر لهما ماء للشرب.. ماء للوضوء وهو يستطيع ذلك، ولو في الشيء المباح وجب عليه طاعتهما في ذلك.

    المقصود: أنه يجب عليه أن يطيعهما في المعروف الذي لا ضرر فيه ولا معصية فيه: (إنما الطاعة في المعروف) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

    أما إذا أمراه بمعاصي الله.. أمراه بأن لا يصلي في المسجد، أمراه بأن يشرب الخمر، أمراه أن يدخن، أمراه أن يعمل بالربا، أمراه بشيء آخر من معاصي الله فلا يلزمه طاعتهم، أمراه أن يذهب إلى بلاد الشرك، أمراه بشيء آخر مما يضره فإنه لا يلزمه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)، (إنما الطاعة في المعروف).

    فإذا أمراه بمعروف وشيء مباح ينفعهما ولا يضره فلا بأس أن يطيعهما في ذلك، أما شيء يضره أو شيء من معاصي الله، فلا يلزمه طاعتهما في ذلك، لكن يرده بالكلام الطيب والأسلوب الحسن، والدعاء لهما بالتوفيق والهداية، ويبين لهما عذره من أن المعاصي لا يطاع فيها أحد، لا الوالد ولا الأمير ولا السلطان، لا يطاع أحد في المعاصي، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الطاعة في المعروف)، (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).

    والله قال لنبيه: وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [الممتحنة:12] فإذا أبلغهما ذلك وفهمهما فإنهما إذا كانا عاقلين يرضيا منه بذلك؛ لأن العاقل يفهم العذر الشرعي، أما إذا كانا متعصبين لرأيهما بدون حجة، فإنه لا يلزمه أن يطيعهما فيما يضره أو فيما هو من معاصي الله عز وجل.

    المقدم: جزاكم الله خيراً، لكن هل يصل هذا إلى درجة القطيعة بين الوالد ووالديه مثلاً؟

    الشيخ: لا يقطعهما بل يحسن إليهما ويطيعهما في المعروف ويتصل بهما ويرفق بهما ولا يطيعهما في معاصي الله عز وجل، ولا فيما يضره، لو قالا: اهدم بيتك بدون حجة وبدون سبب أو طلق زوجتك بدون عذر فلا يلزمه ذلك.

    المقدم: جزاكم الله خيراً.. إذاً كون الولد يقطع والديه لخلاف بسيط بينهما وينهى أبناءه عن مواصلتهما؟

    الشيخ: لا يجوز عقوقهما ولا قطيعتهما لفعل شيء مما يضره بل يصلهما ويحسن إليهما ويمتنع من الشيء الذي يضره فقط، مع رفقه بهما وإحسانه إليهما، ومع الكلام الطيب معهما، ومع برهما بكل ما يستطيع، لكن ذاك الشيء الذي أمراه به وهو معصية الله لا يطيعهما فيه مع كونه يرفق بهما ويحسن إليهما، والله جل وعلا يقول في حق الكفرة: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15]، مع أنهما كافران.

    وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15] فأمره أن يصاحبهما في الدنيا بالمعروف مع أنهما كافران، فكيف بالمسلمين.

    فالمقصود أن الوالدين لو جاهداه على الشرك وطلبوا منه الشرك لا يطيعهما في الشرك لكن لا يعقهما، بل يرفق بهما ويحسن إليهما وإن كانا قد أساءا إليه بأن أمراه بالشرك أو المعصية، لكن يبين العذر الشرعي ويرفق بهما ويدعو لهما بالهداية.

    1.   

    البدع الحسنة والسيئة في الإسلام

    السؤال: ننتقل بعد هذا إلى رسالة وصلت إلى البرنامج من قرية العسادي وصاب العالي من اليمن الشمالي، صاحب الرسالة هو المستمع: أحمد عز الدين حزام العماد ، يقول: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، ويقول أيضاً: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)، أو كما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، نرجو توضيح هذين الأمرين لأن فيهما إشكالاً على كثير من الناس، جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: نعم كل هذا صحيح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقد قال في الحديث الصحيح في خطبة الجمعة: (خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)، أخرجه مسلم في صحيحه. زاد النسائي بإسناد حسن: (وكل ضلالة في النار)، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، أي: فهو مردود. متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)خرجه مسلم في صحيحه.

    فالواجب على علماء الإسلام أن يوضحوا البدع للناس وأن ينكروها وأن يرشدوا الناس إلى تركها، وهي الإحداث في الدين، وهي أن يشرع الإنسان شيئاً ما شرعه الله، هذا هو البدعة، إحداث شيء ما شرعه الله من صلاة أو صوم أو غير ذلك على وجه ما شرعه الله، فهذا يسمى بدعة.

    كأن يقول مثلاً: يشرع للناس أن يصوموا يوم الجمعة تطوعاً بها، هذا بدعة والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن إفرادها بالصوم: (نهى أن تفرد الجمعة بالصوم إلا أن يصوم قبلها يوماً أو بعدها يوماً) فالذي يقول: إنها تصام وإنها مشروعة قد ابتدع وخالف الأحاديث الصحيحة، أو يقول: إنه يشرع للناس أن يصلوا صلاة ذات ركوعين أو ذات ثلاثة سجودات في الركعة أو ما أشبه ذلك لأن هذا بدعة، إلا ما جاء به النص في صلاة الكسوف فيها ركوعان وفيها ثلاثة ركوعات كما في الأحاديث الصحيحة مع سجدتين في كل ركعة، ولكن إذا قال: يشرع أن يركع ركوعين في الصلاة في كل ركعة غير صلاة الكسوف، صار هذا بدعة.

    وهكذا البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها من البدع؛ لأن هذا حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأن أصحابها يتقربون به إلى الله، وهو مما يبعدهم من الله، وهو من البدع التي توقع في الشرك، وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك).

    وقال عليه الصلاة والسلام: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) (ونهى عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها)، فالذي يبني عليها المساجد والقباب قد ابتدع في الدين وخالف نص الرسول صلى الله عليه وسلم وأتى بأمر هو وسيلة إلى الشرك، وهكذا وضع الستور عليها والأطياب من البدع، ومن وسائل الشرك.

    وهكذا الاحتفال بموت فلان أو بولادته هذه من البدع أيضاً، ومن ذلك الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم لا أصل له، لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم، ولا العلماء والأخيار في القرون المفضلة، إنما حدث بعد القرون الثلاثة، حدث في المائة الرابعة وما بعدها.

    والمسلم ليس له أن يتقرب إلا بشيء شرعه الله، كما تقدم في الأحاديث.

    أما حديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها)، فهذا معناه: إحياء السنن وإظهارها والدعوة إليها، أظهر السنة ودعا إليها وعظمها حتى عرفها الناس وحتى عملوا بها، فيكون له مثل أجورهم، ليس معناه أنه ابتدع بدعة لا، البدعة منكرة وحذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم، ويدل على هذا سبب الحديث، فإن سبب الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ناساً عليهم آثار الفقر والحاجة فخطب الناس وذكرهم وحثهم على الصدقة، فجاء رجل بصرة من فضة في يده كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت، ثم تتابع الناس بالصدقات، فقال عند ذلك: (من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها، من بعده لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً)، فالمعنى: إظهار السنن والدعوة إليها يكون لفاعل ذلك أجر ما فعل ومثل أجور من اقتدى به في الخير.

    وهكذا من دعا إلى الباطل والمعاصي وابتدع في الدين يكون عليه إثم ذلك ومثل آثام من تابعه في البدعة.

    وليس معنى (سن في الإسلام) يعني: ابتدع لا، فهذا مناقضة للأحاديث الصحيحة، ولا يجوز لأحد أن يقول هذا الكلام؛ لأن هذا معناه رد السنة وإنكارها، والرسول صلى الله عليه وسلم أنكر البدع وحذر منها وأبدى وعاد في ذلك.

    والله في القرآن نبه على هذا، فقال سبحانه: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، هذا معناه إنكار أن يشرع في الدين ما لم يأذن به الله، فالذي يأتي بشيء من كيسه لم يشرعه الله ورسوله يكون باطلاً ويكون بدعة، مثلما تقدم في إحداث البناء على القبور والمساجد على القبور، وإحداث الموالد والاحتفال بها، والصلاة عند القبور، كل هذا من البدع.

    فيجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة الحذر منها والتحذير منها، تحذير إخوانهم منها حتى يستووا على السنة وحتى يتمسكوا بالسنة، وحتى يحذروا ما ابتدعه الناس.

    1.   

    حكم الصلاة في البيت بحجة الانشغال بذكر الله

    السؤال: يقول أخونا في سؤال آخر: يوجد جماعة من المسلمين يجتمعون في بيت رجل عالم في بعض الأيام يذكرون الله تعالى، وعند أوقات الصلاة يقوم أحدهم يؤذن للصلاة في البيت ويصلون في البيت، مع أنه يوجد في القرية مسجد على مسيرة عشر دقائق بينه وبين البيت، فما حكم عملهم هذا؟

    الجواب: اجتماعهم في بعض الأحيان لقراءة القرآن والمذاكرة طيب، كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أصحابه ويجتمعون به صلى الله عليه وسلم ويذكرهم ويعلمهم ويرشدهم، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يذكر أصحابه كل خميس ويعلمهم، فلا بأس بالاجتماع في بعض الأوقات للتذكير والمدارسة، بليل أو نهار.

    أما تخلفهم عن الصلاة فهذا لا يجوز بل يجب عليهم أن يصلوا في المساجد، وليس لأحد أن يصلي في البيت، إلا من عذر شرعي كالمرض.

    وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم)، فتوعدهم بتحريق البيوت على من تخلف عن الصلاة في جماعة، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر)، قيل لـابن عباس : ما هو العذر؟ قال: خوف أو مرض.

    وهكذا الحديث الصحيح فيما رواه مسلم في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (لما أتاه رجل أعمى، وقال: يا رسول الله! ليس قائد يلائمني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له عليه الصلاة والسلام: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب)، وفي لفظ آخر: (لا أجد لك رخصة)، فهذا من ليس له قائد يلائمه، ومع هذا يقال له: أجب، يعني: أجب الأذان.

    ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيما رواه مسلم في الصحيح: (لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض)، فالتخلف عن الصلاة مع الجماعة منكر ومن خصال أهل النفاق.

    فالواجب على المؤمن أن يصلي الصلوات الخمس في جماعة، وأن يحافظ على ذلك وأن يحذر التخلف، فالتخلف سبب النفاق.

    المقدم: جزاكم الله خيراً، سماحة الشيخ في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

    مستمعي الكرام! كان لقاؤنا هذا مع سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    شكراً لمتابعتكم، وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755798331