وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
انتهينا إلى أن الله جل في علاه علم نبيه حفاظاً على التوحيد، وحسماً لمادة الشرك، وسداً لذريعة الشرك عدة أمور، كما بينا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور، ونهى عن بناء المساجد على القبور، ولعن من فعل ذلك وهو في مرض موته بقوله: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا إني أنهاكم عن ذلك).
وبينا أن الصحابة اقتفوا أثر النبي صلى الله عليه وسلم، وتعبدوا لله بالتوحيد الخالص، وابتعدوا كل البعد عن الشرك، وعن وسائل الشرك، كـأبي بكر وعمر وعثمان وعلي .
الصورة الأولى: أن عمر بن الخطاب أخفى قبر النبي دانيال عندما وجدوه في العراق، وحفر ثلاثة عشر قبراً تعمية عليهم؛ لأنهم كانوا يستسقون بهذا النبي.
وحفاظاً على التوحيد أيضاً نظر عمر بن الخطاب في أناس كانوا يقتفون الأماكن التي كان يصلي فيها النبي صلى الله عليه وسلم فضربهم عليها، وقال: أتتبعون آثار الأنبياء؟
ولما علم أن الناس يقصدون الشجرة التي حدث عندها البيعة على الموت اجتثها عن بكرة أبيها وقطعها حسماً للمادة.
لقد صنع عمرو هذا حسماً لمادة الشرك، وسداً لذريعة الاعتقاد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله.
فإن كل من اعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله فقد أشرك.
فهم اعتقدوا في النيل ما لا يعتقد إلا في الله، فالذي يوقف الماء هو الله جل وعلا فهو الذي أمر موسى أن يضرب البحر فكان كالطود العظيم، فهم حين اعتقدوا في النيل ما لا يعتقد إلا في الله وقعوا في الشرك، فحسماً لمادة الشرك وسداً للذريعة بعث إليهم عمر بهذه الكلمات، ليعلموا أن النيل لا يجري بنفسه حتى لا يعتقدوا فيه اعتقاداً باطلاً، فإن الاعتقاد الصحيح أن النيل لا يجريه إلا رب النيل جل في علاه.
وأيضاً: عمر بن الخطاب كان دائماً يضرب من لا يعتقد في الله الاعتقاد الصحيح، كالذي اعتقد في القدر فإن عمر أخذه وضربه ضرباً مبرحاً حتى قال له: انتهيت انتهيت أي: رجعت إلى صوابي.
وسد الذريعة من الأبواب الصحيحة التي اتخذها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك ترى كلاً منهم كان يقتفي أثر النبي صلى الله عليه وسلم فيما هو شرع وعبادة، فكان عمر يطوف في البيت ويأخذ الحجر ويقبله ويقول: (والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك).
لأن البقاع لا تعظم إلا بتعظيم الله جل في علاه، فهو لم يقبل الحجر تعظيماً له، بل تعظيماً لله جل في علاه.
ولذلك لما دخل معاوية وهو أمير المؤمنين رضي الله عنه البيت وابن عباس جالس، فنظر ابن عباس فوجد معاوية يطوف ويمسح الأركان كلها، فقال له ابن عباس : ألا يكفيك أن تمسح بالركنين اليمانيين: الحجر الأسود، والركن اليماني؟ فقال معاوية : ليس شيء من البيت مهجوراً، وهذا في مسند أحمد بسند صحيح، فقال له ابن عباس : إن لكم في رسول الله أسوة حسنة، فاستلم ما استلم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: صدقت! إن لكم في رسول الله أسوة حسنة.
فـابن عباس يحرج على معاوية أن يمسح حجراً لم يمسحه النبي صلى الله عليه وسلم؛ وحتى لا يستدعيه ذلك إلى التعظيم، والتعظيم يصل بالإنسان إلى الغلو، والغلو يصل بالإنسان إلى الشرك.
وقد اختلف العلماء هل يقبل الركن اليماني أو لا يقبل؟ والصحيح الراجح أنه لا يقبل إلا الحجر الأسود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما قبل إلا الحجر الأسود، ونحن ما قبلناه لتعظيمه وإنما قبلناه لتقبيل النبي صلى الله عليه وسلم له.
ولذلك كان ابن عمر يشد الرحال إلى بيت المقدس، فيدخل فيصلي ولا يشرب شربة من ماء، ثم يخرج قاصداً المدينة عملاً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد).
وأيضاً: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من خرج من بيته لا يخرجه إلا الصلاة في بيت المقدس رجع كيوم ولدته أمه).
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله المصورين) وقد ذكرت أن أصل الشرك في الأمم السابقة هو الغلو في الصالحين، وسبيله إلى ذلك هو التصوير، فقد صنعوا تماثيل للصالحين صوروهم بها كود وسواع ويغوث وغيرهم.
فكانت التصاوير سبيلاً للغلو فيهم، ثم بعد ذلك وصلوا إلى أن أشركوا بهم مع الله جل في علاه، وسواء الصور الفوتغرافية أو غير الفوتغيرافية، والخوف منها لأسباب كثيرة منها:
شرك الغلو والتعظيم، فأنت عندما تصور رجلاً تعلق هذه الصورة في بيتك فإنك ستصل بالتعليق إلى التعظيم، وإن وصلت إلى التعظيم وصلت إلى الغلو وكانت ذريعة إلى الشرك.
وحسماً لهذه المادة منع الله من التصوير على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله المصورين) وهذه اللعنة معناها الطرد من رحمة الله جل في علاه.
وأيضاً: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالمصور يوم القيامة فيؤمر بالنفخ في الصور بالروح وليس بنافخ)، لأنه يضاهي خلق الله بما فعل، فحسم النبي صلى الله عليه وسلم هذه المادة، وحسم الصحابة ذلك بأنهم منعوا التصاوير والتماثيل.
ومن حسم المادة وسد الذريعة أن كل صحابي منع أن يعلو قبره في وصيته، كما أوصى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.
وقد اختلف العلماء في زيارة القبور هل هي مكروهة أم مستحبة أم هي مباحة؟ وهذا الذي سنعرفه لاحقاً إن شاء الله تعالى.
ثم الكلام على القسم بالأنبياء على الله، هل يصح أو لا؟ وأنها أيضاً: وسيلة للشرك بالله جل في علاه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر