اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد وحدك لا شريك، اللهم لك الثناء الحسن، اللهم لك الشكر وحدك لا شريك لك.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فلا نجاة والله إلا بها، ولا طمأنينة إلا بها، ولا عز ولا تمكين إلا بها، اتقوا الله تعالى حق التقوى، ولا تموتن إلا عليها.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
عباد الله: انظروا حالكم بين الأمس واليوم، كثيرٌ من الناس سافر عن أرضه، وترك بيته وودع مهبط رأسه، وذهب يميناً أو يساراً، قريباً أو بعيداً، خوفاً على نفسه، لقد انتهت تعلقاته وارتباطاته بثروته وماله وبيته وداره، وأصبح لا يفكر إلا بنفسه.. ترك بيته، ترك قصره، ترك ذلك المكان الذي مكث مدة طويلة وهو يشاور الأصحاب، ويستشير الأحباب، من أجل تحديد موقعه، على ربوة أم هضبة، على جهة أم جهتين.. ما واجهاته، ما أنواع الرفاهية فيه، تركها لكي يعيش في شقة ضيقة؛ لأن نعمة الأمن في نفسه تزعزعت قليلاً، والآن بحمد الله جل وعلا عاد الذاهبون آيبين، ورجعوا إلى بيوتهم مطمئنين.
من الذي قذف الطمأنينة في القلوب؟
أليس الله جل وعلا؟ اللهم لك الحمد على كل حال.
والله لقد مرت بالناس أيام وليالي ما كان الناس يفكرون إلا بأنفسهم، وإذا سمعوا صيحة صاحت قلوبهم واختلفت أفئدتهم.. النوافذ مغلقة، والأبواب محكمة، والأعناق مشرئبة، والأفئدة تنظر، والأعين تبصر، هل يزول الخطر أم لا؟ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ [الفرقان:77] نسأل الله جل وعلا أن يكون كشف هذه الغمة سبباً في مزيدٍ من الذلة بين يديه، والانكسار إليه والحاجة إليه، والخشوع له، والتضرع بين يديه سبحانه وتعالى.
أيها الأحبة في الله: ينبغي أن نعلم أن أيامنا هذه أيام شهرٍ كريمٍ وما بعده أكرم منه، وأيامنا هذه أيامٌ نعمة حلت بالمؤمنين باندفاع واندحار عدوهم البعثي وانهزام فلوله وتحطم راياته، وانكسار آياته، فهي -والله- أحوج بالشكر والثناء والتعظيم لله جل وعلا، أما أن تكون أمة الإسلام كما قال تعالى: وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس:12] غناء وتطبيل وتزمير!! ينبغي للأمة أن تتقي الله في نفسها، وأن تتذكر قبل أيامٍ قليلة كيف كانت الوجوه تتغير، وكيف كانت الأفئدة تتطاير، وكيف كان الذعر والقلق يملأ الرجال والذرية والنساء، ينبغي ألا نكون من أولئك الذين قال الله فيهم: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65] نعوذ بالله من ذلك! ونعوذ بالله أن نخادع الله وهو يخدع المنافقين والكافرين والعابثين بأمرٍ يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، كانت مرحلة مشنشنة فاضحة مصفية للنفاق والمنافقين، وظهر الذين يستغلون الفرص، وظهر الذين أصبحت علاقاتهم مصلحية، وظهر ما يسمى بوحدة الأمة العربية..
وإخواناً جعلتهمُ سهاماً فكانوها ولكن في فؤادي |
وإخواناً حسبتهمُ دروعاً فصاروها ولكن للأعادي |
أيها الأحبة في الله: ومرت أيامٌ علم الله أحوال الخلق فيها، وكلٌ منكم قد ناله ما ناله منها، فالخطاب أولاً لكم أنتم أن تتقوا الله جل وعلا، وألا تكون ذنوبنا سبباً في شؤم بني المسلمين أجمعين، وألا تكون غفلتنا سبباً في هلاك الصالحين.. (أنهلك وفينا الصالحون؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم، إذا كثر الخبث).
أيها الأحبة: هي مسئوليتكم أنتم لكي تفتحوا صفحة جديدة، وتودعوا زمن الهزل والغزل.
اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل |
ودع الذكر لأيام الصبا فلأيام الصبا نجمٌ أفل |
إن أهنا عيشة قضيتها ذهبت لذتها والإثم حل |
لا تقل أصلي وفصلي أبدا إنما أصل الفتى ما قد حصل |
ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتقي الله البطل |
أولها: لقد ظهر ضعف المسلمين، وهذا أمرٌ لا نسوقه على وجه الشماتة أو على وجه الفرح، وإنما نسوقه لكم لكي يجند كل واحدٍ منكم أبناءه، ولكي يعد كل واحدٍ منكم نفسه، لكي يكون جيشاً احتياطيا، وجندياً على أهبة الاستعداد حال الطلب، لكي تكون أمة الإسلام مستغنية عن غيرها بحالها.. نعم، ظهر ما نحن فيه، وظهرت علاقاتنا وظهرت صداقاتنا، فحاجتنا أن نستلهم الدرس منها، وقد انتهى ذلك الوقت الذي كان الكثير يخاف على ولده من الجندية والعسكرية، بل لابد ولو بذلنا كل الأسباب من أجل أن يتجند أبناؤنا وأن يتطوع أبناؤنا، ولقد رأينا فيكم وفيهم خيراً كثيراً بإذن الله، لقد ظن أعداء الإسلام أن أبناء هذه الجزيرة لن يستطيعوا أن يقفوا على ميادين التدريب والجندية، أو لن يرغبوا في أن يتسابقوا إلى ميادين الجهاد، بعد أن ملئوا مدرجات الملاعب، أو بعد أن جلسوا على الأرصفة، وهاهم يثبتون خيبة ظن أعدائهم بهم ويقولون: خسر رهانكم، وخابت ظنونكم، وحنثت يمينكم، هؤلاء شبابنا عادوا أقرب إلى الله من ذي قبل، وعادوا أصدق مع الله من ذي قبل.
فيا شباب الإسلام.. مزيداً من بذل الطاعة لله جل وعلا، والوعي لواقعكم وما يدور حولكم وما يراد بكم.
يا نائم الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا |
أي مصيبة حلت بأحبابنا وإخواننا في الكويت، ناموا آمنين، فأصبحوا مشردين، هذه الدنيا لا يعول عليها، ولا يُطمئن إليها، ولا يوثق بها، فاعتبروا يا أولي الأبصار! ليست أمة دون أمة تحرم على الغزو والاجتياح، أو البلاء والعقوبة والمصيبة، نسأل الله ألا يحل بنا ما حل بإخواننا، ونسأل الله جل وعلا أن يجبر كسرهم وأن يشفي مريضهم، وأن يرد أسيرهم، وأن يجبر كسيرهم.. اعتبروا بهذه الدنيا.
أما الذين يمشون ولا يزالون في ترف المراكب ولهو الدور وعبث الدنيا والغفلة عن عبادة الله، فليتقوا الله جل وعلا، وليتذكروا أن الذنوب لها شؤم، وأن شؤمها يحل عاجلاً وآجلاً، وليس كما يظن بعضهم:
إذا لم يغبر حائطٌ في وقوعه فليس لهم بعد الوقوع غبارُ |
لا، الذنوب والمعاصي لها شؤمٌ يحل عاجلاً أو آجلاً، وإن الأمة إذا عصت الله على بصيرة واستمرأ الناس المعصية، ورأوا المعصية، وشاهدوا المعصية، وجالسوا المعصية، وخالطوا المنكر واستمرءوه؛ أوشك أن يعمهم الله بعذابٍ من عنده، وهانوا على الله.. لما فتحت المدائن بكى أبو ذر ، فقيل له: ما يبكيك يا صاحب رسول الله؟ فأخذ يبكي ويقول: ما أهون الخلق على الله إن هم عصوه!
بالأمس كانوا ملوكاً في مناصبهم واليوم هم في بلاد الأرض عبدانُ |
إن الأمة إذا عصت الله على بصيرة، فإن سنة الله لا تتغير فيها أبداً، ولنتذكر ما حل بالمسلمين في بغداد، ما حل بالمسلمين أيام التتار والمغول، وتلك الحوادث التي لا يمكن أن ينساها التاريخ، ماذا حل بالمسلمين؟ قال أهل التاريخ: لقد قتل من المسلمين ألف ألف مسلم على أيدي المغول والتتار، أي: مليون مسلم، وقيل: ثمانمائة ألف مسلم، كيف يقتلون وهم يصلون ويسجدون ويصومون مثلكم؟ ولكن لما انتشرت المعاصي وظهرت المعاصي وأصبح الناس يفاخرون بها، وإذا قام قائمٌ لله بحق، أو رجلٌ يدعو إلى الله على بصيرة، أو غيورٌ يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر؛ قيل: اخرج، أنت مطوع، معقد، مسكين، يتدخل في شئون الآخرين، متشدد، لا يعرف أساليب الدعوة، لا يعرف التغيير، وأخذوا يرمونهم بمختلف الأساليب، ولقد جاء إليَّ ذات يوم رجلٌ -أسأل الله لي وله الهداية- يشكو إليَّ شاباً، يقول: هذا لا يعرف الدعوة ولا يعرف أساليب الدعوة، وأصبح يحدثني حديثاً عن شاب في الإسلام وشاب في الدعوة وشاب في تغيير المنكر والأمر بالمعروف، فقلت له: أما تستحي أن تتجرأ بهذا الأسلوب على رجلٍ أنا أحسبه أتقى منك؟ أما تستحي أن تتكلم في أساليب الدعوة وأنت ليس فيك شيءٌ من سمات الدعوة إلا أقل القليل؟ فينبغي -أيها الأحبة- إن لم نكن جنوداً للحق أن نكون أنصاراً له، وإن لم نكن أنصاراً أن نكون مؤيدين بالدعاء له.
لا خيل عندك تهديها ولا مالُ فليسعف النطق إن لم تسعف الحالُ |
(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).
إننا نعلم أن للمصائب ارتباطاً وثيقاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا الأمة لم تكن آمرة أو ناصرة أو مؤيدة أو داعية أو محبة؛ فإنها على خطرٍ عظيم، وكل واحدٍ منا ينبغي ألا يحرم نفسه واحدة من هذه المنازل، إما أن يكون داعياً آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، أو نصيراً أو مؤيداً أو على الأقل صامتاً، ألا يتناول الدين بلسانه، وألا يتناول أهل الدين بلسانه؛ لأن من أحب قوماً حشر معهم، فلا أقل من أن تحب الأبرار والأطهار والأخيار لتكون معهم يوم القيامة.. جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! المرء يحب القوم ولمَّا يلحق بهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت يوم القيامة).
فهذا درسٌ من الدروس ألا نثق بالدنيا، وألا نطمئن بها وإليها، وأن نعرف أن ترك المنكرات وخذلان أهل الأمر بالمعروف سببٌ من أسباب المصائب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كم أنفق على هذه الحرب من الأموال الطائلة الكثيرة! ونحن نسأل الله أن يكون ما أنفق فيها دفعاً عن المسلمين لأنواع البلاء، وتطهيراً للمسلمين من المتشابهات والمختلطات، وإنا على ثقة أن الدعاء كان أعظم سلاحٍ قاتلنا به الأعداء، والله إنا على ثقة أن الدعاء كان أعظم سلاحٍ قاتلنا به الأعداء، ثم بعد ذلك بهذا الدعاء سخر الله للمسلمين من هم أقوى منهم، وبهذا الدعاء فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ [الأنفال:17]وبهذا الدعاء وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17]وبهذا الدعاء كان المقدور لطيفاً وكان سهلاً ميسوراً على أمة المسلمين فيما أصابهم، فلنكن صرحاء مع أنفسنا، صادقين، حتى في الاستفادة من تجاربنا، وفي هذه الحرب جربت أسلحةٌ جديدة لأول مرة، فكانت درساً لشركات الأسلحة التي كانت تنتظر فرصة أو لا تنتظر، المهم كانت تتمنى يوماً تقيم فيه أسلحتها وتعرف مواطن السلب والإيجاب، والزيادة والنقص، والنفع والضرر في هذه الأسلحة التي صنعت، فكان من عبر هذه الحرب أن جربت فيها أسلحة جديدة، واستفاد منها من كان عاملاً، وهي سنة كونية، إن من يعمل يجد نتيجة، حتى لو كان يهودياً، حتى لو كان نصرانياً، حتى لو كان بوذياً، حتى لو كان مجوسياً، إن من يعمل يجد نتيجة، فأمة الإسلام إن تعمل وتكن على مستوى العمل ستجد نتيجة، كيف لا والله يؤيدها ويسددها بمنٍ وعونٍ وتوفيقٍ منه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.
آمنت بالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما لهُ ثاني |
فذلك غباءٌ من شعوب المسلمين إلا من رحم الله منهم، كان للإعلام دورٌ خطير، ضللت كثيرٌ من الشعوب والجماهير بهذا الإعلام.
إن الإعلام في دول الغرب ودول الكفر إعلامٌ ينطلق من الديمقراطية، فما تريده الجماهير يكون حكماً ونظاماً وقانوناً، وما تريده الجماهير إعلاماً يكون إعلاماً، لكن الدول المسلمة قد علق الله الأمانة في رقاب ولاة أمورها، قد علق الله الأمانة والعهد والميثاق الغليظ على عواتقهم من أجل أن يصنعوا الأمة، وأن يحكموا فيها كتاب الله، وأن يقوموا فيها بالعدل، وأن يصنعوا جماهيرهم، وأن يربوهم، قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:41] شأننا في بلادنا في إعلامنا يختلف عما يكون عليه الأمر في بلاد الكافرين أو دول الديمقراطية، أو كما يسمونها.
جزى الله الشدائد كل خيرٍ عرفت بها عدوي من صديقي |
وظهرت هذه العداوات في أحلك الظروف وأشد الساعات خطراً على أمتنا، وهذا درسٌ لكي تعتبر به الأمة، وتعرف أن العلاقة التي تكون سبباً من أسباب التمكين والتأييد والاجتماع والقوة هي العلاقة التي تبنى على الحب في الله والبغض في الله، العلاقة التي تقوم على روابط العقيدة والدين، أما أن يجمعنا بدولة من الدول روابط العروبة والرقعة الجغرافية والدم أو اللون، فهذه روابط انتهت واتضحت عداواتها، وقد أفلست الشعارات التي قيدت بها أمة الإسلام، قاد الأمة عبد الناصر فيما مضى فأورثها نكبة عظيمة لا زالت تعاني من ويلاتها وهي حرب (67م)، ثم رفع شعار البعث والعلمانية، وماذا كان وراءه؟ مصيبة لا يعلمها إلا الله، بسبب تجمع هذه الأمة ولا أقول: كل الأمة، لكن تلك التي طبلت ودندنت وراء هذا الطاغية الفاجر الذي أورث قومه بواراً.. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ [إبراهيم:28] لقد مزقت تلك المذاهب شملنا، مذاهب البعث ومذاهب العلمانية، والنظريات المستوردة والقومية، وكل نظرية لم تكن مستنبطة من كتاب الله وسنة نبيه فإن حظ الأمة فيها الهلاك، وحظ الأمة فيها الفشل، وحظ الأمة فيها الذلة والهوان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! ونسأل الله جل وعلا أن يصلح أحوال المسلمين.
هكذا مزقت الأحزاب أبناء العروبة |
الأحزاب، الأنظمة الحزبية، الأنظمة السياسية الحزبية التي تحكم أمة الإسلام بغير كتاب الله، وبغير شرع الله..
هكذا مزقت الأحزاب أبناء العروبة |
وادعتهم في مجالاتٍ من الذل رهيبة |
لقد انقادوا لهذا الباطل الخداع واستحلوا نعيبة |
وكتاب الله دنيا في الورى جد رطيبة |
كتاب بين أيديهم يدَّعونه أولئك، فلماذا لا يعودون إلى الله؟ وإن كتاب الله أوثق شافعٍ وأغنى واهب متفضل، لكنهم يهجرون القراح إلى النتـن، ويهجرون الطهارة إلى النجاسة، ويهجرون العزة إلى الذلة، ويهجرون الكرامة إلى الهوان، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
كم عدد الذين طبلوا لـجمال عبد الناصر؟ طبلت الملايين، من الصباح: ناصر كلنا بنحبك ناصر ، ونعيش ونقلك: ناصر ، يا حبيب الكل يا ناصر ، وأصبحت الأمة تصيح في ناصر ناصر، وماذا قدم لها ناصر ؟ كانت القاهرة تغسل بالصابون من ثراءٍ ونعمٍ فيها، والآن أصبحت فقيرة مسكينة، لما أمم أملاكها وعسف المزارعين على أسلوب الاشتراكية في اقتصادها، ماذا حقق لها ناصر؟ أيتها الجماهير اتبعي ناصر وانظري ماذا سيقول لك جمال عبد الناصر؟ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ [إبراهيم:22]، فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ [الزخرف:54] ومن وجد عقولاً غبية وأفئدة سخيفة مثلها فليست الملامة عليه، الملامة على هذه العقول السخيفة التي تتبع كل ناعق.
هندسة زراعية يقود حركة إسلامية! هندسة نفطية يقود حركة إسلامية!
إن الحركات الإسلامية إذا أريد لها أن تسير في مسيرٍ صحيح فليقدها العلماء الشرعيون الذي حفظوا المتون، وفقهوا السنن، وأحاطوا بالأحاديث، وعرفوا أصول الفقه والقواعد الفقهية، والناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والعام والخاص، وجميع أحكام الدين، لا تعجبوا أن تروا هذا الانحراف في مسار بعض الحركات الإسلامية، لماذا؟ حينما يكون الذي يقود الحركة دكتوراه في الفلسفة، بروفيسور في الهندسة، دبلوم في الزراعة.. هذا يصلح مزارعاً أو يقود مزارعين، أما أن يقود حركة إسلامية بأكملها فلا.
يشارك في حركة، نعم.. يشاور في أمرٍ، نعم.. ويستفاد من عقله، لكن أن تكون الحركة كلها تنقاد -ولا أقول: كل الحركات بل بعضها- تنقاد بهذا الفكر الزراعي أو الهندسي أو الفلسفي فلا، إن هذا أمرٌ من أمور الدين، ولا يقوم أمور الدين إلا على العلم الشرعي والفقه الحقيقي، أسأل الله جل وعلا أن يدفع البلاء عنا أجمعين.
يقبلون -مثلاً- أن تحصل المنكرات، أن يقع الانحراف، أو تحصل المصائب في أي دولة أخرى؛ لكن في المملكة العقول لا تقبل هذا، وهذه نعمة عظيمة أن لهذه البلاد قداسة في نفوس المسلمين ولله الحمد والمنة، ولا نقول هذا نفاقاً، معاذ الله! ولكن التوحيد فضله عظيم.. التوحيد -يا عباد الله!- ألا تجد قبراً يعبد! ألا تجد ضريحاً يذبح له! ألا تجد مزاراً يتقرب به! ألا تجد ولياً يقبل الناس ظهر يده علناً ويقولون: مدد، أو ادفع لنا الكربات واجلب لنا الحاجات!
التوحيد شأنه عظيم، ولأجل هذا التوحيد أودع الله هذه المكانة للمملكة في نفوس المسلمين في مختلف دول العالم بفضل الله جل وعلا، فالناس قد يقبلون الانحراف في كثيرٍ من الدول ويستسيغونه ويتصورونه أما في المملكة فلا، ولأجل ذلك فإن بعض الذين انزعجوا من وجود القوات الأجنبية كان انزعاجهم انزعاج الشفقة والخوف والمحبة لحساسية مكانة المملكة في نفوسهم أجمعين، ثم إن الأحداث صنعت الرجال، وأخرجت المتوكلين من غيرهم.
وربما كان مكروه النفوس إلى محبوبها سببٌ ما بعده سبب |
وأثني وأعقب على كلمتي هذه لما قلت في القوات: إنها خير.. نعم، حقق الله منها خيراً، ونسأل الله أن يدفع عنا منها الشر، لأنه ما من نفسٍ بشرية إلا وفيها شر، حتى أنتم فيكم شر، والرسول يقول: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا) والسنة جاءت بأن الإنسان يضع يده على ناصية الزوجة يوم أن يبني بها ويقول: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه) فدل على أن الزوجة فيها شر، والله يقول: إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ [التغابن:14] ففي المال والولد عداوة، فليس من العقل أن نقول: إن القوات الأجنبية كلها خير، بل فيها خيرٌ وفيها شرٌ، نسأل الله أن يتمم لنا خيرها، وأن يسخر لنا ما فيها من الخير، وأن يدفع عنا ما فيها وما في غيرها من الشر بمنه وكرمه.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم آمنا في دورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمع شملنا، اللهم وحد صفنا، اللهم اجمع شملنا وكلمتنا وصفوفنا وأفئدتنا، اللهم اهد ولاة أمرنا، اهد ولاة أمرنا، اهد ولاة أمرنا، اهد ولاة أمرنا، وارزقهم البطانة الصالحة، ولا تفرح بنا ولا بهم عدواً، ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، ربنا سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، يا رب العالمين، يا أرحم الرحمين.
اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر