تقدم لنا شيء من مكروهات الصيام، وأن من هذه المكروهات جمع الريق، وكذلك أيضاً ذوق الطعام وذكرنا التفصيل فيه، وكذلك أيضاً مضغ العلك القوي الذي لا يتحلل.
ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فليقل) يدل على أنه يقوله بلسانه، ولا يخفيه بقلبه.
وهل قوله: (إني امرؤ صائم) يقال في الفرض والنفل، أو أنه خاص بالفرض؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى، وظاهر الحديث العموم، وأنه يشمل الفرض والنفل، فإذا سُب أو قوتل فليقل: إني امرؤ صائم سواء كان صيامه فرضاً، أو كان صيامه نفلاً.
والحِكمة من قوله: (إني امرؤ صائم) لكي يبين هذا الذي حصل له هذا القدح والسب؛ أنه لا يقابل بالمثل ليس لعجزه، وإنما لأنه متلبس بهذه العبادة العظيمة، وأيضاً لكي يربي نفسه على معاني الصيام، فإن من أعظم معاني الصيام تقوى الله عز وجل، والانكفاف عن الألفاظ السيئة ولو كانت في مقابلة الآخرين.
السَحور بالفتح: اسم لما يؤكل في السحر، ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله: أن السحور مستحب، وأنه من سنن الصيام، وهو كذلك، فإن السَحور سنة من سنن الصيام، وهي من سنن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد حث عليها النبي عليه الصلاة والسلام، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر)، وأيضاً في مسند أحمد من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السحور بركة فلا تدعوه، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين)، وهذا فيه فضل عظيم وأجر كبير في السحور، وهذا الحديث له طرق يشد بعضها بعضاً.
فالسحور سنة مؤكدة، وله بركات وفوائد، فمن بركاته الاستجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنها الاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، ومنها التقوي على هذه العبادة، ومنها أيضاً عدم التشبه بأهل الكتاب، ومنها الفضل المترتب عليه، (فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين)، ومنها أن الإنسان يقوم في ذلك الوقت المبارك ويدعو الله عز وجل، (فإن الله سبحانه وتعالى ينزل حين يبقي ثلث الليل الآخر فيقول: من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، من يدعوني فأستجيب له).
ومتى يكون السَحور؟ هل كل أكل في الليل يكون سَحوراً، أو أن السَحور له وقت خاص؟
نقول: بأن السحور له وقت خاص، واختلف فيه العلماء رحمهم الله تعالى على قولين:
القول الأول: أنه في السدس الأخير من الليل، وهذا قول الحنفية، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله.
والرأي الثاني: أنه يبدأ من بعد نصف الليل، وهذا قال به المالكية.
والصواب في ذلك ما ذهب إليه الحنفية أنه يكون في السدس الأخير من الليل؛ لأن هذا هو الذي دلت له السنة، وهذا هو الذي تتحقق به كثير من حِكم السحور وفوائده، وكلما أُخر وكان عند طلوع الفجر الثاني فهذا أفضل.
ويدل لذلك حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه في الصحيحين قال: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا إلى الصلاة)، هذا يدل على أن السَحور كان متأخراً عند طلوع الفجر الثاني. ولما سئل: (كم بينهما؟ قال: قدر خمسين آية).
أيضاً هذا من سنن الصيام، وتعجيل الفطر: هو الإفطار بعد غروب الشمس مباشرة، إذا تحقق ذلك، أو غلب على ظنه، فإنه يُستحب له أن يُعجل الفطر.
ويدل لذلك: ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر).
ويدل عليه أيضاً حديث أسماء رضي الله تعالى عنها: (أنهم أفطروا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس)، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ظن غروب الشمس بادر عليه الصلاة والسلام بالإفطار في يوم غيم.
والقول بتعجيل الفطر عند جماهير العلماء يكون قبل الصلاة، وخالف بعض المالكية فقالوا: بأنه يكون بعد الصلاة؛ لكن هذا خلاف السنة، وخلاف ما ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فـعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه (كان يُعجل الإفطار ويُعجل الصلاة، فقالت
قال رحمه الله: (على رطب فإن عدم فتمر، فإن عدم فماء).
هذا هو الأفضل أيضاً، وهو من سنن الصيام.
ويدل لذلك حديث أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن فتمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء)، وهذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وحسنه الترمذي وصححه الدارقطني.
فإن لم يجد شيئاً فينوي الإفطار، ويكفيه ذلك.
الوارد ليس خاصاً في الصيام، فالتسمية تقال عند كل أكل سواء كان للإفطار أو غيره، كذلك أيضاً الحمدلة ليست خاصة بالصيام، يعني: أن يسمي في أول إفطاره، وأن يحمد الله في آخر إفطاره.
كذلك أيضاً: الدعاء، يُستحب له أن يدعو الله عز وجل لحديث أنس رضي الله عنه: (ثنتان لا تردان ... وذكر منهما الدعاء عند الفطر)، فيستحب أن يدعو الله عز وجل.
أما قول: (اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم)، فهذا جاء في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عند الطبراني ، وهو ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً حديث ابن عمر: (ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله) فيه ضعف، فنقول: الإنسان يقتصر على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
كذلك أيضاً يستحب في رمضان: الجود، والكرم، وكثرة قراءة القرآن، وملازمة المساجد، ويدل لذلك: حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة).
وكذلك أيضاً من السنن المستحبات الاعتكاف، كما سيأتينا إن شاء الله.
هذه السنن والمستحبات ينبغي لطالب العلم على وجه الخصوص والمسلم عموماً أن يحافظ عليها.
لما تكلم المؤلف رحمه الله عن أحكام الأداء، شرع في أحكام القضاء، قال: (يستحب القضاء متتابعاً) يعني: هل تجب الفورية في قضاء رمضان، أو يجوز التأخير في قضاء رمضان؟
أكثر أهل العلم أن الفورية مستحبة، وأن التأخير جائز، إلا أن الشافعية يقولون: إذا أفطر لغير عذر فإنه يجب عليه أن يبادر.
والجمهور يرون أن قضاء رمضان على التراخي.
ويدل على ذلك قول الله عز وجل: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] وهذا يشمل كل الأيام، وأيضاً حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كان يكون عليّ الصيام من رمضان فلا أقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم).
هنا أخرت عائشة رضي الله تعالى عنها، فنقول: بأن قضاء رمضان على التراخي؛ لكن لا يجوز له أن يؤخر إلى أن يأتي رمضان الثاني، كالصلاة لا يجوز له أن يؤخرها حتى يأتي وقت الصلاة الثانية.
فإذا بقي عليه من رمضان الثاني أيام بقدر الأيام التي عليه، فإن هذا لا بأس به؛ لكن لا يؤخر فوق ذلك.
وقوله: (متتابعاً)، يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله: أنه لا يجب التتابع؛ لأنه قال: (يستحب القضاء متتابعاً) أي أنه إذا سردها سرداً فهذا حسن، وإن فرقها فإن هذا جائز ولا بأس به، وهذا قول جماهير العلماء رحمهم الله خلافاً لما ذهب إليه ابن حزم أنه يجب التتابع.
والصواب ما عليه الجمهور؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] وأطلق الله عز وجل، ما قال: عدة من أيام أُخر متتابعة، فيبقى المطلق على إطلاقه، مع أنه ورد التفريق عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كـمعاذ بن جبل وأبي هريرة وابن عباس ورافع بن خديج وغيرهم.
يعني: لا يجوز أن يؤخر إلى أن يأتي رمضان الثاني من غير عذر، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كان يكون عليّ الصيام فلا أقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) فـعائشة أخرت إلى أن جاء شعبان، ولم تؤخر إلى ما بعد رمضان الثاني، مما يدل على أن هذا التأخير إنما يجوز إلى رمضان الثاني، وكما ذكرنا أيضاً أنه لا يجوز لك أن تؤخر الصلاة إلى أن يأتي وقت الصلاة الأخرى.
قوله: رحمه الله: (من غير عذر)، فإن كان لعذر كمرض أو نسيان، أو جهل ونحو ذلك، فهذا معفو عنه.
إذا أخر قضاء رمضان حتى جاء رمضان الثاني، فهذا لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يكون لعذر، فهذا لا شيء عليه، كما لو استمر به المرض.
الأمر الثاني: أن يكون لغير عذر، فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: يجب عليه أن يُطعم عن كل يوم مسكيناً.
مثال ذلك: رجل عليه ثلاثة أيام أفطرها في السفر لم يقضها حتى جاء رمضان الثاني، فإنه يجب عليه أن يقضيها إذا انتهى من صيام رمضان الثاني، ويجب عليه أن يُطعم عن كل يوم مسكيناً، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، وهو قول الشافعية، بل الشافعية يرون أنه إذا تكرر يعني: لو أخرها لرمضانين، أو ثلاثة، فإنه يجب عليه الإطعام بعدد ما أخر من رمضانات، فمثلاً: على رأي الشافعية لو أخرها في رمضان الأول ثلاثة أيام يجب أن يطعم ثلاثة مساكين، ولو أخرها لرمضانين يُطعم ستة مساكين، وهكذا، أما الحنابلة فلا يرون أن الكفارة تتكرر عليه حتى لو أخرها لعدة رمضانات يجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، ويُقابل ذلك الحنفية، فيقولون: بأنه لا يجب عليه أن يُطعم، وإنما يجب عليه أن يقضي فقط، ويستدل الحنفية بأن الله سبحانه وتعالى قال: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، وكذلك أيضاً قالوا: بأنه ورد عن ابن مسعود أن أمر بالقضاء ولم يرد أنه أمر بالكفارة.
وأما الشافعية والحنابلة الذين قالوا: تجب الكفارة عن كل يوم فاستدلوا على ذلك لوروده عن أبي هريرة وابن عباس بأسانيد صحيحة.
والذي ينظر إلى ظاهر القرآن يقول: ما يجب عليه شيء؛ لأن الله عز وجل قال: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، فظاهر القرآن أنه ما يجب عليه شيء؛ لكن مادام أنه ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم فالأحوط أن يُطعم؛ لكن قد يتوقف الإنسان في الإلزام.
المشهور من المذهب: أنه لا يجوز لك أن تتطوع بالصيام إذا كان عليك قضاء، بل يجب عليك أن تبدأ بالقضاء ولا يجوز لك أن تتطوع، ويستدلون بحديث ابن عباس : (اقض الله، فالله أحق بالوفاء).
الرأي الثاني: رأي الحنفية والمالكية؛ أنه يجوز لك أن تتطوع، يعني: لا بأس أن تتطوع قبل قضاء رمضان؛ لأن الله عز وجل قال: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] وما دمنا نقول: إن قضاء رمضان على التراخي فمقتضى ذلك أنه يجوز لك أن تتطوع ما دام أن الوقت موسع، مثل صلاة الفريضة مادام أن الوقت موسع يجوز لك أن تصلي ركعتين أربع ركعات.
وهذا القول هو الصواب: لو تطوع قبل القضاء لا بأس؛ لكن هذا يستثنى منه صيام ست من شوال كما سيأتينا إن شاء الله، فصيام ست من شوال يأتينا أن الإنسان إذا أراد أن يصومها فلابد أن يقضي أولاً؛ لأنه لا يصدق عليه أنه صام رمضان إلا إذا صام هذه الأيام قبلها.
يعني: إذا أخر القضاء بغير عذر ومات، فيقول المؤلف رحمه الله: (فإنه يُطعم عنه)، حتى ولو كان بعد رمضان ثانٍ عن كل يوم مسكيناً.
إذا مات وعليه صيام، فإن هذا الصيام لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يكون الصيام واجباً بأصل الشرع كرمضان.
الأمر الثاني: أن يكون الصيام واجباً بالنذر.
فإن كان الصيام واجباً بأصل الشرع، مثل: صيام رمضان، صيام الكفارة، صيام المتعة: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196] فما صام السبعة حتى مات، وعليه قضاء رمضان لم يصمه حتى مات، وكذلك الكفارة لم يستطع أن يُكفر بالمال، إعتاق رقبة، فانتقل للصيام وما صام حتى مات، يعني: هذا الصيام الواجب بأصل الشرع هل لوليه أن يقضيه عنه، أو لا يقضيه عنه؟
يعني: وجب عليه صيام الكفارة، وجب عليه صيام المتعة وتمكن من القضاء، ولم يصم -أما إذا ما تمكن فهذا لا شيء عليه- ثم مات فهل لوليه أن يقضيه عنه؟ ونحن نقول: تمكن، فيخرج من هذه الصورة ولا يشترط فيها التمكن، وهي إذا أفطر لمرض لا يرجى برؤه أو لكِبَر؛ فإنه هنا لا يطالب بالقضاء الواجب عليه.
فالمسألة الموجودة الآن صيام واجب بأصل الشرع كقضاء تمكن منه ولم يقضه، بخلاف لو مرض في رمضان وأفطر ثلاثة أيام واستمر به المرض حتى مات هنا لا يجب عليه شيء، لكن لو تمكن من صيام الكفارة أو صيام المتعة، فهل يُشرع لوليه أن يقضيه عنه، أو لا يُشرع أن يقضيه عنه؟
الرأي الأول وهو المشهور من المذهب: أن الصيام الواجب بأصل الشرع لا يُشرع لوليه أن يقضيه عنه؛ ولكن إن خلف تركة يُطعم، وهذا قول جماهير العلماء.
لكن الحنابلة يقولون: يُطعم عن كل يوم مسكيناً، والمالكية والحنفية يقولون: يُطعم إن كان هناك وصية، أما إذا لم يكن وصية فلا يُطعم، وكذلك الشافعية يقولون: بأنه يُطعم.
فعندنا الجمهور يقولون: بأنه لا يُصام عنه؛ لكن يُطعم؛ أما الحنفية والمالكية فيقولون: لا يجب الإطعام إلا بالوصية.
ويستدلون بما ورد عن عائشة وابن عمر (أنه لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد).
والرأي الثاني: أنه يُشرع لوليه أن يصوم عنه.
ويدل لذلك: حديث ابن عباس وحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وقول الظاهرية، وهذا القول هو الصواب؛ لأن الحديث ظاهر في ذلك.
لكن هل يجب على وليه أن يصوم عنه، أو لا يجب عليه أن يصوم عنه؟
نقول: إن خلف تركة فيجب على وليه إما أن يُطعم، وإما أن يصوم، وإن لم يُخلف تركة فيُستحب لوليه أن يُطعم أو أن يصوم.
وهنا مسألة: من هو الولي؟
قيل: الولي هو الوارث، وقيل: الولي هو كل قريب، وقيل: الولي هم عصبته، والصحيح أنه شامل، فإذا صام عنه أحد من العصبة، أو من أحد أقاربه، أو صام عنه وارثه، بل لو صام عنه أجنبي كجاره، فنقول: بأن هذا مجزئ إن شاء الله.
يقول المؤلف رحمه الله: (يُستحب لوليه أن يقضيه عنه)، وهذا هو المشهور من المذهب، فنفهم أن الحنابلة يُفرقون بين الواجب لأصل الشرع، والواجب بالنذر.
أما الجمهور فلا يرون أنه يُصام عنه حتى ما وجب في النذر لا يرون أنه يُصام عنه.
والصواب في هذه المسألة: أن الواجب بأصل الشرع يُقضى عنه، وكذلك أيضاً: الواجب بأصل النذر يقضى عنه، ويدل لذلك: ما سلف من حديث عائشة وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)، وأيضاً ما جاء في الصحيحين أن امرأة جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم، وذكرت (أن أمها ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم).
الواجب بأصل النذر هذا يُشرع لوليه أن يقضيه عنه، وهل يجب أو لا يجب؟
لا يجب؛ لكن إن خلف تركة فنقول للولي: يجب عليك أن تصوم، أو أن تُطعم، وأما إذا لم يخلف تركة، فنقول: بأنه يُستحب له أن يصوم.
أيضاً لو نذر أن يحج ولم يحج أيضاً نقول: يُشرع لوليه أن يقضيه عنه؛ لكن إن خلف تركة يجب أن يقضيه من التركة، أو أن يُنيب.
وقوله: (أو اعتكاف أو صلاة).
كذلك من نذر أن يعتكف ولم يعتكف، فنقول: يُستحب لوليه أن يقضيه عنه، أو نذر أن يصلي قال: لله عليّ أن أصلي ركعتين ثم مات ولم يصل هاتين الركعتين، فنقول: يُستحب لوليه أن يقضيه عنه.
والحنابلة توسعوا في مسألة النذر، خلافاً لجمهور العلماء رحمهم الله فإنهم لا يستحبون ذلك.
وأيضاً إذا أمكنه، يعني قال: لله عليّ أن أصلي ركعتين وتمكن أن يصلي ركعتين ثم مات، مثله الاعتكاف والحج، أما إذا ما أمكنه فلا شيء عليه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر