[الفاعل الذي كمرفوعي أتى زيد منيراً وجهه نعم الفتى]
أي أن الفاعل هو مرفوع وصف أو فعل قائم به أو واقع منه.
فإذا قيل: مات الرجل، فهذا فعل قائم به؛ لأنه ليس واقعاً منه، وإذا قيل: أكل الرجل، فهو واقع منه.
والوصف مثل أن تقول: أقائم زيد؟ فزيد فاعل، والفعل مثل أن تقول: قام زيدٌ، فزيد فاعل.
ولكن ابن مالك رحمه الله يقول: (زيدٌ منيراً وجهه)، (وجهه) هنا فاعل (منير)، فالعامل هنا وصف، و(نعم الفتى) العامل فعل، لكنه رحمه الله عبر بـ(منيراً وجهه) ليبين أنه لا فرق بين الفعل واسم الفاعل، و(نعم الفتى) ليبين أنه لا فرق بين الجامد والمتصرف؛ لأن (نعم) فعل جامد.
قوله: (الفاعل الذي كمرفوعي أتى):
الفاعل: مبتدأ.
الذي: خبر.
كمرفوعي أتى: شبه جملة، صلة موصول متعلق بمحذوف تقديره: الذي كائن..
وقوله: (كمرفوعي أتى زيدٌ منيراً وجهه نعم الفتى) كله مجرور بإضافة (مرفوعي) إليه؛ لأن المراد به المثال، فهو بمنزلة المفرد.
[وبعد فعل فاعل فإن ظهر
فهو وإلا فضمير استتر]
قوله: (وبعد فعل فاعل) بعد: خبر مقدم.
فاعل: مبتدأ مؤخر.
(فإن ظهر فهو) أي: فهو الفاعل، وقد تبين، (وإلا) أي: وإلا يظهر (فضمير استتر)، أي: فهو ضمير مستتر.
إذاً: كل فعل لابد له من فاعل، لكن لا يكون فاعلاً اصطلاحاً إلا إذا وقع بعد الفعل، فتقول: أقام زيدٌ، فزيد فاعل، أما: أزيد قائم، فليس زيد فاعلاً بل هو مبتدأ، وفي (قائم) ضمير مستتر يعود على زيد.
قوله: (وبعد فعل فاعل)، ويستفاد من هذه الجملة أيضاً أن الفاعل لا يتقدم على الفعل، فلا تقل: الزيدان قام، على أن (الزيدان) فاعل، و(قام) فعل مؤخر؛ لأنه لا يمكن أن يتقدم الفاعل، وتقول في: إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ [الانشقاق:1]: السماء: فاعل لفعل محذوف، ولا تجعلها فاعلاً لـانشقت؛ لأن الفاعل لابد أن يكون بعد الفعل.
وقال الكوفيون: يجوز أن يتقدم الفاعل على الفعل، فتقول في: (زيدٌ قام): قام: فعل ماض لا محل له من الإعراب، وفاعله زيد المتقدم. وهذا لا شك أسهل، وما ذهب إليه البصريون أقرب إلى القواعد.
لكن لو قال قائل: من حيث الترتيب أيهما أقدم الفعل أو الفاعل؟
نقول: الفاعل؛ لأن الفعل وصف يقوم به، أو فعل يفعله، فهو متقدم لكن لا عبرة بذلك.
قوله: (فإن ظهر فهو) إن ظهر: جملة شرطية.
فهو: الفاء رابطة للجواب، و(هو) مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير فهو الفاعل.
(وإلا) أي: وإلا يظهر (فضمير استتر)، أي: فالفاعل ضمير استتر أي: اختفى.
مثال ذلك: الرجل قام، فهنا لا نجد أمامنا فاعلاً ظاهراً، فنقول: قام: فعل ماض، والفاعل مستتر جوازاً تقديره هو.
وقد تبين لي من قول المؤلف: (كمرفوعي أتى زيد منيراً وجهه نعم الفتى) أنه يشير إلى ما كان مرفوعاً بفعل وما كان مرفوعاً باسم، فهما كمرفوعي: أتى زيد منيراً وجهه، ونعم الفتى، هذا تكميل لما رفع بالفعل، أي: لما كان عامله فعلاً، إلا أنه يفرق بين قوله: (نعم الفتى) وبين قوله: (أتى زيدٌ)؛ بأن (نعم الفتى) فعلها جامد، و(أتى زيد) فعلها متصرف.
والمهم أن الفاعل هو الذي يقع بعد الفعل أو ما كان بمعناه مرفوعاً به.
وهل يمكن أن يكون الفاعل قبل الفعل؟ الجواب: على كلام المؤلف لا يمكن؛ لأنه قال: (وبعد فعل فاعل)، وقيل: يجوز أن يتقدم الفاعل على الفعل، ويظهر أثر ذلك في المثال، فإذا قلنا بعدم الجواز قلنا: الرجلان قاما، وإذا قلنا: بالجواز قلنا: الرجلان قام، بدون ألف؛ لأنه على الأول يكون الرجلان: مبتدأ، وقاما: فعلاً وفاعلاً، والجملة خبر المبتدأ، وعلى الثاني يكون الرجلان فاعلاً مقدماً، وقام فعلاً مؤخراً.
وقد ذكرنا قاعدة سبقت نعتبرها أصولية عظيمة في باب النحو، ألا وهي: إذا اختلف النحويون في شيء أخذنا بالأسهل.
وقوله: (وإلا فضمير استتر) أي: وإلا يظهر فهو ضمير استتر وجوباً أو جوازاً، فإن كان تقديره: (أنا أو نحن أو أنت) فهو مستتر وجوباً، وإن كان تقديره: (هو أو هي) فهو مستتر جوازاً.
وقيل: إنه مستتر وجوباً مطلقاً؛ لأنك إذا قلت: قام هو، وأظهرت الضمير لم يكن هذا الضمير فاعلاً بل توكيد، لكن المشهور ما ذكرناه أنه ينقسم إلى مستتر وجوباً ومستتر جوازاً.
[وجرد الفعل إذا ما أسندا
لاثنين أو جمع كفاز الشهدا
وقد يقال سعدا وسعدوا
والفعل للظاهر بعد مسند]
قوله: (جرد): فعل أمر.
إذا ما أسند: ما هذه زائدة؛ لأنها أتت بعد إذا، وقد قيل:
يا طالباً خذ فائدة
ما بعد إذا زائدة
وزيادة (ما) أحد المحامل العشرة التي تأتي إليها (ما)، وقد جمعت في هذا البيت.
محاملها عشر إذا رمت عدها
فحافظ على بيت سليم من الشعر
استفهم شرط الوصل فاعجب لنكرها
بكف ونفي زيد تعظيم مصدر
فهذه عشرة محامل ذكرت في البيت ومنها: الزيادة، ومن ضوابط الزيادة: أن تأتي (ما) بعد (إذا).
فقوله: (إذا ما أسند) أي: إذا أسند.
(لاثنين) كقام الرجلان.
(أو جمع كفاز الشهداء) هذه هي اللغة المشهورة التي جاءت في القرآن: أن الفعل إذا أسند إلى اثنين أو جمع وجب تجريده من الضمير، أما إذا أسند إلى الواحد فلا يحتاج إلى ضمير، فتقول: قام الرجل.
إذاً: هذا هو المشهور من لغة العرب وبه نزل القرآن الكريم، فإن قال قائل: كيف تجيبون عن قول الله تعالى: ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ [المائدة:71]؟
قلنا: لا نسلم أن قوله: (كثير) فاعل، بل هو بدل بعض من كل؛ لأن قوله: (ثم عموا وصموا) هذا للعموم، و(كثير منهم) أخرج البعض، فهو في الحقيقة بدل من الواو، ونحمله على ذلك وجوباً؛ لأن القرآن إنما نزل باللغة الفصحى، واللغة الفصحى لا يصح أن يتحمل الفعل فيها ضمير اثنين أو ضمير جمع.
قال المؤلف:
(وقد يقال سعدا وسعدوا
والفعل للظاهر بعد مسند
قوله: (قد يقال) القائل هم العرب؛ لأنهم يحكمون ولا يحكم عليهم، أي: قد يقول بعض العرب: سعدا الرجلان، وسعدوا القوم.
(والفعل للظاهر بعد مسند) أي: بعد هذا يأتي مسنداً إلى الفاعل، فيقال: سعدا الرجلان، سعدوا المسلمون، والفصحى: سعد الرجلان، سعد المسلمون.
وقد أفادنا المؤلف رحمه الله بقوله: (وقد يقال): أنها لغة ضعيفة؛ لأن (قد) تفيد التقليل، وتسمى هذه اللغة: لغة (أكلوني البراغيث)، وهذا رجل تعب من البراغيث حيث جعلت تصعد على جسمه وتقرصه وتؤذيه فجعل يقول: أكلوني البراغيث، فهي لغة، وهذه اللغة تجعل الواو علامة جمع فقط ليس لها محل إعراب، فتقول عليها:
أكلوني: فعل ماض، والواو علامة الجمع، والنون للوقاية، والياء مفعول به.
البراغيث: فاعل مرفوع بضمة ظاهرة على آخره.
واللغة الفصحى في التركيب أن تقول: أكلني البراغيث، وأكلك البراغيث، ولا تأتي بعلامة الجمع.
ولو أنني صححت ورقة إجابة طالب كتب: قالوا المسلمون كذا وكذا، وقالوا الكفار كذا وكذا، فهل أعتبر هذا خطأً أم صواباً؟ أعتبره خطأ، ولو احتج فقال: هذه لغة بعض العرب وأنا من هؤلاء البعض؟ أقول له: أنت من هؤلاء البعض فأنت معذور باجتهادك، لكني أنا من البعض الآخر فلابد أن أصحح على ما أعتقد، ولو أننا تتبعنا الرخص لكان كلما غلط واحد قال: هذه لغة، ولارتبك الناس، ففي (الله أكبر)، يقال: (الله وكبر) وفي (آمين) هذا لغة، فلا نقبل من كل واحد الآن أن يقول: إنه على اللغة الفلانية؛ لأنه هو مضيع للغة الآن، حتى اللغة الفلانية ما هو عليها، وإذا ضيعها نرجع إلى الأصل الأم لغة العرب الفصحى التي نزل بها القرآن.
[ويرفع الفاعل فعل أضمرا
كمثل زيد في جواب من قرا]
قوله: (ويرفع الفاعل فعل)، الفاعل: مفعول به مقدم، وفعل: فاعل مؤخر.
أضمر: الجملة صفة لفعل؛ لأن الجمل بعد النكرات صفات وبعد المعارف أحوال.
(كمثل زيد في جواب من قرأ)، إذا سألك سائل فقال: من قرأ؟ فقلت: زيد، فزيد فاعل لفعل محذوف والتقدير: قرأ زيد.
ولو قال قائل: أنا أريد أن يكون التقدير: زيد قرأ، فأجعل زيداً مبتدأ لا فاعلاً، قلنا: هذا ممكن لكن لا يستقيم؛ لأن الأصل أن الجواب مطابق للسؤال، فهو يسأل: من قرأ؟ فنقول: قرأ زيد.
فإذا سألك سائل: من قرأ اليوم؟ فتقول: زيد أي: قرأ زيد.
يقول بعض المحشين: (لو قال ابن مالك :
(ويرفع الفاعل فعل حذفا
كمثل زيد في جواب من وفى)
لكان أحسن؛ لأن الفعل لا يضمر، والتي تضمر هي الضمائر، ففي الفعل يقال: منصوب بفعل محذوف، ولا يقال: منصوب بفعل مضمر.
ولكن نقول: ما دام الأمر معلوماً عند النحويين، وابن مالك لا يخفى عليه هذا، وجب أن يحمل على ما هو معروف، والإنسان بشر أحياناً تغيب عنه الكلمة المناسبة، فيبدلها بكلمة غير مناسبة، وهذا شيء مشاهد.
[وتاء تأنيث تلي الماضي إذا كان لأنثى كأبت هند الأذى]
قوله: (تاء تأنيث) تاء: مبتدأ.
تلي: الجملة خبر، والفاعل مستتر تقديره هي.
الماضي: مفعول (تلي).
(إذا كان الفعل لأنثى كأبت) وإذا كان الفعل مضارعاً فتاء التأنيث لا تليه وإنما تسبقه، تقول: تضرب هند القوم، وتكرم هند القوم.
أما الماضي فالتاء تليه، تقول: قامت هند.
قوله: (إذا كان لأنثى) إذا: شرط ولكنه غير جازم.
كأبت هند الأذى: المثال كله مجرور بالكاف، أي: كهذا المثال.
انتقل المؤلف رحمه الله إلى مسألة: هل يؤنث العامل -أعني: عامل الفاعل- أو لا؟
إن كان الفاعل مذكراً فإن الفعل لا يؤنث، وإن كان مؤنثاً فإن الفعل يؤنث، كقول المؤلف: أبت هند الأذى.
فإذا كان لمذكر وجب خلوه من تاء التأنيث، وإذا كان لمؤنث وجب أن تكون فيه تاء التأنيث، وسيأتي التفصيل.
قوله: (كأبت هند الأذى)، (هند) هل تصرف أو لا؟
يجوز الوجهان: يجوز أن تصرف؛ لأنها ثلاثي ساكن الوسط، ويجوز ألا تصرف، وابن مالك يقول:
وجهان في العادم تذكيراً سبق وعجمة كهند والمنع أحق
إذاً: هند يجوز فيها وجهان: الصرف وعدمه، والمنع من الصرف أحق.
[وإنما تلزم فعل مضمر متصل أو مفهم ذات حر]
قوله: (تلزم): الفاعل ضمير مستتر يعود على تاء التأنيث.
فعل: مفعول به.
متصل: صفة لمضمر.
أو مفهم: أي: أو فعل مفهم (ذات حر)، الحر: هو الفرج، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (يستحلون الحر والحرير) أي: الفرج.
أفادنا المؤلف رحمه الله أن تاء التأنيث التي تلي الماضي تجب في حالين:
الحالة الأولى: إذا كان الفاعل ضميراً متصلاً.
الحالة الثانية: إذا كان الفاعل ذات حر، أي: مؤنثاً حقيقياً له فرج، ويشمل بني آدم وغير بني آدم.
مثال ذلك: تقول: قامت هند، فهنا يجب التأنيث؛ لأن هنداً من ذوات الفروج.
مثال آخر: قامت البعير، لا يجب؛ لأن البعير اسم جنس، فلهذا قالوا: يجوز فيها: قام، وقامت.
أما إذا قلت: البعير قامت، فيجب تأنيث الفعل؛ لأن الفاعل ضمير متصل، ومعلوم أن المستتر متصل وزيادة.
[وقد يبيح الفصل ترك التاء في نحو أتى القاضي بنتُ الواقف]
(قد): للتقليل، و(يبيح) بمعنى: يجيز.
يعني: أن الفصل بين الفعل والفاعل قد يجيز ترك التاء، مثال ذلك: أتت بنتُ الواقفِ القاضي، في هذا المثال يجب تأنيث الفعل؛ لأن الفاعل مؤنث حقيقي متصل، فإذا فصل قلت: أتى القاضي بنت الواقف.
يقول ابن مالك رحمه الله: (وقد يبيح الفصل ترك التاء) والأفضل ألا تحذف، مثال الفصل: أتى القاضي بنتُ الواقف، فالقاضي فصل بين الفعل والفاعل، فيجوز أن تقول: أتت القاضيَ بنتُ الواقف، وهو الأرجح، ويجوز أن تقول: أتى القاضيَ بنتُ الواقف.
مثال آخر:
ضربت هند غلامها، هنا يتعين وجه التأنيث؛ لأن الفاعل مؤنث حقيقي متصل، فإذا فصلت وقلت: ضربت غلامها هند، فلا يجب التأنيث، ويجوز أن تقول: ضربَ غلامها هند، وهو مرجوح، أو: ضربت غلامها هند، وهو الأرجح؛ وقد قلنا: إنه الأرجح كما يفيده كلام ابن مالك رحمه الله بقوله: (وقد يبيح الفصل).
ومثله: خرجت من البيت هند، لك أن تقول: خرج من البيت هند.
قال المصنف رحمه الله تعالى:
[والحذف مع فصل بإلا فضلا كما زكا إلا فتاة ابن العلا]
لما ذكر رحمه الله أنه إذا فصل بين الفعل وفاعله المؤنث الحقيقي بفاصل جاز ترك التأنيث ولكن التأنيث أفضل، استثنى حالة واحدة وهي: ما إذا كان الفصل بإلا، فالأفضل ترك التأنيث.
مثاله: ما زكا إلا فتاة ابن العلا، (فتاة) مؤنث حقيقي وهو فاعل، والفعل (زكا)، وقد فصل بينهما بإلا، فلو مشينا على البيت الأول لقلنا: التأنيث أولى من التذكير، لأنه يقول: (قد يبيح الفصل)، وهذا فصل، لكنه استثنى، فقال: إذا كان الفصل بإلا فالحذف أولى، ولهذا قال: (والحذف مع فصل بإلا فضلا)، وظاهر كلامه رحمه الله: أنه يجوز أن يؤنث فتقول: ما زكت إلا فتاة ابن العلا.
مثال آخر: ما قام إلا هند، أولى من: ما قامت إلا هند، فالأول أصح وأفصح.
وذهب ابن هشام رحمه الله إلى وجوب التذكير إذا كان الفصل بإلا، فتقول: ما قام إلا هند، ولا يجوز: ما قامت إلا هند؛ لأن الكلام على تقدير: ما قام أحد إلا هند، وإذا كان الكلام على هذا التقدير فالواجب التذكير.
فإذا جاءنا طالب علم وقال: ما قامت إلا هند، فقلنا: هذا خطأ، فقال: أنا على مذهب ابن مالك ، وهذا جائز لا بأس به، فلا نستطيع أن نغلطه ما دام هذا رأي ابن مالك ، وهو من أئمة النحو المشهورين.
قوله: (وقد يبيح الفصل ترك التاء): قد: للتقليل؛ لأنها دخلت على فعل مضارع، ويقولون: إن (قد) إذا دخلت على ماض فهي للتحقيق، وإذا دخلت على مضارع فهي للتقليل، وهذا في الأغلب، وإلا فقد تدخل على المضارع وهي للتحقيق، مثل قوله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ [الأحزاب:18].
الفصل: فاعل يبيح.
ترك التاء: مفعوله.
(في نحو أتى القاضي) نحو: مضاف، و(أتى القاضي بنت الواقف): مضاف إليه، وهو على تقدير: نحو هذا المثال، فالجملة كلها في موضع جر.
وأما إعرابها تفصيلاً: فنقول:
أتى: فعل ماض.
القاضي: مفعول مقدم.
بنت: فاعل مؤخر، وهي مضاف إلى الواقف.
وقوله: (والحذف مع فصل بإلا فضلا):
الحذف: مبتدأ.
مع: ظرف مكان.
فصل: مضاف إليه.
بإلا: جار ومجرور متعلق بفصل.
فضلا: الجملة خبر المبتدأ.
قوله: (كما زكا إلا فتاة ابن العلا).
الكاف: حرف جر.
ما زكا.. إلخ: اسم مجرور بالكاف وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية، وإنما دخلت الكاف على الجملة لأنها بمعنى المفرد؛ إذ إن التقدير: كهذا المثال.
أما إعرابها تفصيلاً فنقول:
ما: نافية.
زكا: فعل ماض.
إلا: أداة حصر.
فتاة: فاعل زكا، وهو مضاف.
وابن: مضاف إليه، وهو مضاف.
العلا: مضاف إليه.
[والحذف قد يأتي بلا فصل ومع ضمير ذي المجاز في شعر وقع]
قوله: [والحذف قد يأتي بلا فصل]، قد: هذه للتقليل، والحقيقة أنه ليس قليلاً بل هو نادر، أي: أقل من القليل، فإذا ورد في كلام العرب: قال هند، فلابد أن نؤول (هند) بشخص، فكأنك قلت: قال شخص.
وحكى سيبويه : قال فلانة، وفلانة مؤنث حقيقي، ومع ذلك ذكر الفعل، لكن هذا نادر وقليل جداً، ولولا أنه ورد عن العرب لقلنا: إنه غلط وخطأ.
لكن الغريب أنك إذا قارنت قوله: (والحذف قد يأتي بلا فصل)، وقوله: (وقد يبيح الفصل ترك التاء) لوجدت فرقاً عظيماً؛ لأن الأخير من أندر النادر.
قوله: (ومع ضمير ذي المجاز في شعر وقع):
أي: والحذف مع ضمير المؤنث المجازي قد يقع في الشعر، مع أن ضمير المؤنث يجب فيه التأنيث ولو كان مجازياً، لكن وقع في الشعر حذف التاء، ومنه قول الشاعر:
فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها
والأصل: (أبقلت إبقالها)، لكن حذفت مع ضمير المجاز من أجل ضرورة الشعر، والشعر كما وصفه الحريري في الملحة: بأنه صلف يأخذ بالإنسان على ما يريد لا على ما يريد الإنسان، قال في الملحة:
وجائز في صنعة الشعر الصلف أن يصف الشاعر ما لا ينصرف
[والتاء مع جمع سوى السالم من مذكر كالتاء مع إحدى اللبن]
قوله: (التاء): مبتدأ.
مع جمع: حال منها.
سوى السالم: صفة لجمع.
كالتاء: خبر المبتدأ.
مع إحدى اللبن: أي: مع واحدة اللبن وهي: لبنة.
يقول رحمه الله: إن التاء مع الجموع في غير المذكر السالم كالتاء مع مجازي التأنيث، والتاء مع مجازي التأنيث جائزة وليست واجبة، تقول: طلعت الشمس، وتقول: طلع الشمس، وتقول: حمُِلَت اللبنة، وحُمِلَ اللبنة؛ وتقول: كُتبت الجملة، ويجوز: كتب الجملة.
والجموع تنقسم إلى: جمع تكسير للمذكر، وجمع تكسير للمؤنث، وجمع سالم للمذكر، وجمع سالم للمؤنث، واسم جمع.
فهذه خمسة أقسام: قسم منها يجب فيه التذكير، والباقي يجوز فيه التذكير والتأنيث، والذي يجب فيه التذكير هو جمع المذكر السالم، وهو الذي سلم فيه بناء المفرد، أي: أنه يجمع ولا يتغير المفرد، مثل: المسلمون، هذا جمع مذكر سالم، تقول: جاء المسلمون، ولا تقل: جاءت المسلمون؛ لأنه جمع مذكر سالم.
وتقول: قدم بنو فلان، وقدمت بنو فلان؛ لأن (بنون) جمع تكسير، إذاً لا يدخل في كلام ابن مالك .
ثم إن في القرآن الكريم: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ [يونس:90]، فأنث الفعل (آمنت) مع الفصل أيضاً: (آمنت به).
إذاً: بنون يجوز أن يذكر ويجوز أن يؤنث؛ لأن ابن مالك رحمه الله لم يستثن إلا جمع المذكر السالم، فهو الذي تمتنع فيه التاء والباقي يجوز فيه الوجهان.
وتقول: قال الرجال، وقالت الرجال؛ لأنه مكسر، قال الله تعالى: قَالَتِ الأَعْرَابُ [الحجرات:14].
وتقول: قالت الهنود، وقال الهنود؛ لأنه جمع تكسير لمؤنث.
وتقول: قامت المسلمات، وقام المسلمات، على رأي ابن مالك لأنه جمع مؤنث سالم.
والصحيح أن الجمع السالم حكمه حكم مفرده، فإن جاز في مفرده التذكير والتأنيث جاز في جمعه، وإن وجب التأنيث في المفرد وجب في الجمع، وإن وجب التذكير في المفرد وجب في الجمع.
وعلى هذا فجمع المؤنث السالم يجب فيه التأنيث، فتقول: قامت المسلمات، ولا يجوز أن تقول: قام المسلمات، وهذا القول هو الراجح، وهو الذي اختاره ابن هشام رحمه الله؛ على أن تأنيث الجمع مبني على تأنيث المفرد، فما وجب تأنيثه مفرداً وجب تأنيثه جمعاً، وما وجب تذكيره مفرداً وجب تذكيره جمعاً، هذا مقتضى القياس، حتى ابن مالك رحمه الله لما ذكر أن جمع المذكر السالم يجب فيه التذكير نقول له: إذاً وجمع المؤنث السالم يجب فيه التأنيث إذا كان مؤنثه حقيقياً.
وذهب بعض العلماء إلى أن كل جمع يجوز فيه التذكير والتأنيث، حتى السالم من هذا وهذا، ومنه قول الزمخشري :
لا تبال بجمعهم كل جمع مؤنث
أي: وإذا كان الجمع مؤنثاً فلن يحدث أي شيء؛ لأن المرأة ليست أهلاً للقتال، والشاهد قوله: كل جمع مؤنث، ووجه هذا القول: أنك إذا قلت مثلاً: قالت المسلمون، فإنك تؤول (المسلمون) بالجماعة، أي: قالت جماعة المسلمين.
ومنه ما جاء في بعض النسخ في العقيدة الواسطية قال شيخ الإسلام: (فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاءت به المرسلون)، فإن (المرسلون) جمع مذكر سالم، ومع ذلك وقعت بالتأنيث، لكن من المعلوم أن كلام ابن تيمية رحمه الله لا يحتج به في اللغة العربية؛ لأنه جاء بعد تغير اللغة بأزمنة متطاولة، لكننا نذكره استئناساً فقط لا احتجاجاً.
وعلى كل حال: يجب أن نعلم الآن أن جميع الجموع يجوز في فعلها التذكير والتأنيث إلا واحداً -على رأي ابن مالك - وهو جمع المذكر السالم فإنه يتعين فيه التذكير، والصحيح أنه يستثنى شيء آخر وهو جمع المؤنث السالم فإنه يجب فيه التأنيث، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.
[والحذف في نعم الفتاة استحسنوا لأن قصد الجنس فيه بين]
قوله: (والحذف في نعم الفتاة استحسنوا):
الحذف: مفعول مقدم لقوله: (استحسنوا).
في: حرف جر.
نعم الفتاة: اسم مجرور بفي وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بالحكاية.
استحسنوا: فعل وفاعل.
ثم علل ذلك فقال: (لأن قصد الجنس فيه بين) هذا التعليل جيد.
وقوله: (نعم الفتاة) الفاعل هنا مؤنث حقيقي، ومقتضى القاعدة السابقة وجوب التأنيث؛ لأنه مؤنث حقيقي متصل بفعله بدون فاصل، فكان من مقتضى ذلك أن يقال: نعمت الفتاة هند، لكنهم استحسنوا أن تقول: نعم الفتاة.
وكلام ابن مالك رحمه الله يوهم أن قولك: نعم الفتاة، أحسن من قولك: نعمت الفتاة، لأن قوله: (استحسنوا) معناه: جعلوه حسناً؛ لكن يجاب عنه: بأنهم جعلوه حسناً لا أحسن، ويكون معنى قوله: (حسناً) أنه سائغ، والأحسن أن يقال: نعمت الفتاة هند.
وعلى هذا ألحقوه بالمستثنيات السابقة؛ أي أنه يستثنى من المؤنث الحقيقي ما قصد به الجنس، وذلك في نحو: نعم الفتاة؛ لأنك ستقول مثلاً: نعم الفتاة هند، هذا الأصل، فهند هي المرادة بالعين، والفتاة مرادة بالجنس؛ ولهذا قال ابن مالك : (لأن قصد الجنس فيه بين).
[والأصل في الفاعل أن يتصلا والأصل في المفعول أن ينفصلا
وقد يجاء بخلاف الأصل وقد يجي المفعول قبل الفعل]
قوله: (والأصل في الفاعل أن يتصلا):
أي: بعامله، ويكون بعده أيضاً، فالفعل هو المقدم، ثم يليه الفاعل، فتقول: ركب الرجلُ السيارة، هذا هو الأصل.
ووجه ذلك: أن الفاعل هو الذي قام بالفعل فكان حقاً بالولاء من المفعول به الذي وقع عليه الفعل.
قوله: (والأصل في المفعول أن ينفصلا): أي: ينفصل عن العامل؛ لأنه يحال بين الفعل والمفعول بالفاعل، مثاله: ركبَ الرجلُ السيارة، اشترى الرجلُ البيتَ، فهمَ الطالبُ الدرسَ، وذلك للعلة التي ذكرناها.
قوله: (وقد يجاء بخلاف الأصل): أي: فيؤخر الفاعل ويقدم المفعول، فإذا قلت: ركب الرجلُ السيارةَ، فهذا هو الأصل، وإذا قلت: ركبَ السيارةَ الرجلُ، فهذا خلاف الأصل، وهو جائز وكثير في اللغة العربية، ولهذا قال: (وقد يجاء بخلاف الأصل) و(قد) هنا للتحقيق وليست للتقليل؛ لأن ذلك كثير.
قوله: (وقد يجي المفعول قبل الفعل):
فتقول مثلاً: السيارةَ ركبَ الرجلُ، فهنا قدم المفعول، فإن قال قائل: وهل يقدم الفاعل؟ نقول: سبق في كلام المؤلف في قوله: (وبعد فعل فاعل)، وأن الفاعل لا بد أن يتأخر عن الفعل، ولا يمكن أن يتقدم، وذكرنا في ذلك خلاف الكوفيين.
وإذا قلنا: البيتَ اشترى زيد، فهنا قدمنا المفعول على الفعل، وهو معنى قوله: (قد يجي المفعول قبل الفعل).
[وأخر المفعول إن لبس حذر أو أضمر الفاعل غير منحصر]
قوله: (أخر المفعول)، أي: عن الفعل والفاعل، (إن لبس) أي: اشتباه، (حذر) أي: خيف.
فإذا خيف الاشتباه فإنه يجب الترتيب.
والاشتباه يكون فيما إذا كان الفاعل والمفعول به مبنيين؛ لأن المبني لا يتغير، أو كانا معربين إعراباً مقدراً، فإذا قلت: ضرب موسى عيسى، فهنا الفاعل موسى، فلو أردت أن تقول: ضرب عيسى موسى، قلنا: لا يجوز؛ لأنه يلتبس: الفاعل بالمفعول.
أما إذا لم يكن هناك التباس مثل أن تقول: أكل الكمثرى موسى، فإنه يجوز، لعدم الالتباس؛ لأن الكمثرى لا يمكن أن تأكل موسى، وإنما الذي يأكلها هو موسى، فإذا أمن اللبس فلا بأس، أما إذا خيف اللبس فإنه لا يجوز.
فإن قال قائل: لماذا لا يجوز؟
فنقول: لأن المقصود بالألفاظ المعاني، فإذا كانت الألفاظ تخل بإدراك المعنى وجب أن ترتب على وجه لا التباس فيه، وهذا ظاهر.
مثال آخر: إذا قلت: أكرم هذا ذاك، وهما حاضران، فإنه يجب الترتيب، ونعرب (هذا) على أنه فاعل، و(ذاك) على أنه مفعول.
وإذا قلت: تزوج هذا هذه، فإنه يجوز تقديم المفعول؛ لأنك إذا قلت: تزوج هذه هذا؛ علم أن (هذه) مفعول مقدم؛ لأنها لو كانت هي الفاعل لوجب تأنيث الفعل، فتقول: تزوجت هذه هذا.
والخلاصة: أنه إذا خيف اللبس وجب الرجوع إلى الأصل، فإن لم يخف اللبس جاز التقديم والتأخير.
ولو قال قائل: أنا أريد أن أقدم المفعول به على الفعل، فأقول: عيسى ضرب موسى، فنقول: لا يجوز؛ لأنه يحتمل أن عيسى مبتدأ وليس مفعولاً به.
فإن قلت: عيسى ضربه موسى صح، والمفعول به هنا ليس (عيسى) بل المفعول به هو الضمير في (ضرب)، وهذا من باب الاشتغال، وفي باب الاشتغال في مثل هذا الترتيب الأولى أن نعرب الأول مبتدأ؛ لأنه لا داعي إلى نصبه على أنه مفعول.
إذاً: يجب أن نؤخر المفعول في حالين:
الأولى: إذا خيف اللبس.
الثانية: قال: (أو أضمر الفاعل غير منحصر).
أي: إذا كان الفعل ضميراً غير محصور فإنه يجب أن يؤخر المفعول، مثل أن تقول: أكرمت زيداً، التاء: فاعل، وزيداً: مفعول به، فهنا لا يجوز أن تقول: أكرم زيداً تُ مثلاً؛ لكن إذا كان محصوراً مثل أن تقول: ما أكرم زيداً إلا أنا، فإنه لا بأس به؛ ولهذا قال: (أو أضمر الفاعل) أي: كان ضميراً (غير منحصر)، فعلم من قوله: (غير منحصر) أنه إذا كان ضميراً منحصراً فلا بأس أن يقدم المفعول ويتأخر الفاعل.
[وما بإلا أو بإنما انحصر أخر وقد يسبق إن قصد ظهر]
قوله: (وما بإلا أو بإنما انحصر أخر) أي: سواء كان فاعلاً أو مفعولاً به، فما انحصر بإلا وجب تأخيره، وما انحصر بإنما وجب تأخيره.
مثال الأول: ما ضرب زيدٌ إلا عمراً، فيجب أن يؤخر؛ لأنه محصور بإلا.
ومثال الثاني: إنما ضرب زيدٌ عمراً، وهو بمعنى: ما ضرب زيدٌ إلا عمراً، فيجب أن نؤخر المحصور فيه سواء كان الفاعل أو المفعول، والأمثلة السابقة لتأخير المفعول.
ومثال تأخير الفاعل: إنما أكل الكمثرى زيدٌ، فيجب أن نؤخر (زيدٌ)، فالمحصور فيه يجب أن يتأخر، ولهذا قال: (وما بإلا أو بإنما انحصر أخر)، وهذا أيضاً من المواضع التي يجب فيها تأخير الفاعل أو المفعول.
والذي بعد إلا دائماً هو المحصور فيه، والذي بعد إنما هو المحصور.
فإذا قلت: إنما ضرب زيدٌ عمراً، فزيد محصور بإنما، والمحصور فيه عمرو؛ لأنك تقول: ما ضرب زيدٌ إلا عمراً.
لو كان بالعكس: إنما ضرب زيداً عمرو، فنؤخر (عمرو) مع أنه هو الفاعل؛ لأنه محصور فيه.
والفرق بين قولك: إنما ضرب عمراً زيدٌ، وإنما ضرب زيد عمراً: أن المحصور فيه في المثال الأول هو زيد، أي: ما ضرب عمراً إلا زيد، وإذا عكست فقلت: إنما ضرب زيدٌ عمراً فمعناها: أن زيداً لم يضرب إلا عمراً.
والخلاصة: أن الذي يبين لك المعنى: أن (إنما) يليها المحصور و(إلا) يليها المحصور فيه، فإذا كان هناك حصر فإنه يجب تأخير المحصور فيه؛ ولهذا قال: (وما بإلا أو بإنما انحصر أخر)، هذا ما ذهب إليه ابن مالك رحمه الله في التسوية بين الحصر بإنما والحصر وبإلا.
وقال بعض أهل العلم: إن ما حصر بإلا يجوز تقديمه؛ لأن ما يلي إلا هو المحصور فيه، سواء تقدم أو تأخر، فيجوز أن تقول: ما ضرب إلا زيداً عمرو، فهنا قدمنا المحصور فيه، وهو جائز.
إذاً: القاعدة: إذا كان هناك حصر فلابد من محصور ومحصور فيه، فما يلي (إنما) فهو المحصور، وما يلي (إلا) هو المحصور فيه، فإذا قلت: إنما ضرب زيدٌ عمراً، فالمحصور فيه عمرو، والمحصور (زيد)، أي: أن زيداً ما ضرب إلا عمراً، والمحصور فيه يجب أن يكون هو الأخير؛ لقوله: (وما بإلا أو بإنما انحصر أخر)، ولا يجوز أن يقدم، هذا ما ذهب إليه ابن مالك ، وأنه لا فرق بين إلا وإنما؛ لأن الالتباس حاصل.
لكن ذهب غيره إلى أنه إذا كان الحصر بإلا جاز تقديمه؛ لأن ما يلي إلا فهو المحصور فيه على كل حال، وعلى هذا يجوز: ما ضرب إلا عمراً زيدٌ، بخلاف إنما؛ لأنه يقع الاشتباه على كل حال.
وهذا القول أصح من قول ابن مالك رحمه الله، وهو أنه يجوز التقديم -سواء كان فاعلاً أو مفعولاً- إذا كان الحصر بإلا؛ لزوال اللبس.
قوله: (وقد يسبق إن قصد ظهر)، أي: إذا علمنا المحصور فيه فإنه يجوز سبقه، وهذا إنما يتحقق فيما إذا كان الحصر بإلا، أما إذا كان بإنما فإنه صعب، ومع ذلك يمكن، فإذا قلت: إنما ضرب عمراً زيدٌ، وأردت أن تقول: إن عمراً محصور فيه، فيقال: لا يمكن أن يكون الوالي لإنما محصوراً فيه، وعلى هذا فقوله: (وقد يسبق) خاص بإلا.
[وشاع نحو خاف ربَه عمر وشذ نحو زان نورُه الشجر]
قوله: (شاع) أي: كثر، (نحو خاف ربَّه عمر) في هذه الجملة تقديم المفعول به حاملاً لضمير الفاعل المؤخر:
رب: مفعول خاف، وهو مضاف إلى الهاء، والهاء تعود إلى عمر، وعمر: فاعل مؤخر.
فهذا شائع كثير، ومن ذلك قوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ [البقرة:124] إبراهيم: مفعول مقدم، ورب: فاعل مؤخر. فهذا شائع وكثير في اللغة العربية، وليس فيه محذور؛ لأن الضمير هنا عاد على متأخر، لكنه متأخر لفظاً متقدم رتبة.
قوله: (وشذ نحو زان نوره الشجر)، الشذوذ: الخروج عن القاعدة، (نحو زان نوره الشجر)، وقد شذ؛ لأنه عاد الضمير فيه على متأخر لفظاً ورتبة.
(زان نوره)، زان: فعل ماض.
نوره: فاعل، وهو مضاف إلى الضمير.
الشجر: مفعول به، والضمير في (نوره) يعود على الشجر، والشجر متأخر لفظاً ورتبة، أما لفظاً فظاهر، وأما رتبة فلأنه مفعول به، والمفعول به رتبته التأخير عن الفاعل.
وإذا أردنا تحويل هذا المثال إلى مثال شائع فنقول: زان الشجرَ نورُه، أي: أن النور -وهو الزهر- زين الشجر وجعله حسناً جميلاً.
وخلاصة هذا البحث: أنه يجوز تقديم المفعول به المتحمل لضمير الفاعل؛ لأن الضمير هنا يعود على متأخر لفظاً لا رتبة، ولا يجوز تقديم الفاعل المتحمل لضمير المفعول؛ لأنه يلزم منه عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا شاذ خارج عن القاعدة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر