إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونثني عليه الخير كله، ونشكره ولا نكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله ومن دعا بدعوته وعمل بسنته ونصح لأمته إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الإخوة في الله! هذا هو موقف الأمة الإسلامية من أعدائها، والأمة الإسلامية أمة ذات عقيدة جاءت من عند الله ناسخة لكل الأديان، وحيث إن هذه العقيدة أُنزل فيها أعظم وأحسن كتاب أنزل إلينا من ربنا، فإن الأمة الإسلامية يجب أن تكون لها شخصية مستقلة تنفرد بها، ولا تذوب في الأمم، لاسيما من أعدائها الكافرين، وهذه الآيات التي سمعتموها حدد الله عز وجل فيها موقف المسلمين من جميع فئات الكفر: من أهل الكتاب اليهود والنصارى، ومن المشركين الوثنيين، ومن المنافقين، ومن المرتدين من المسلمين المارقين عن الإسلام.
ولذلك فإن هذه الآيات حددت موقف المسلم من كل هذه الفئات، فلا تظنوا أن موقفنا واضح مع اليهود والنصارى أو مع الوثنيين فقط، لكن حتى مع المنافقين العلمانيين والمندسين في صفوف الأمة الإسلامية والمرتدين عن الإسلام، قال عز وجل: مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]، حتى لو كان يحمل في جيبه الهوية الإسلامية، ولو كان يعيش في بيت مسلم ومن أبوين مسلمين، لابد أن يناله نصيبه من هذا الولاء والبراء إذا انحرف عن دين الله عز وجل.
هنا حرم الله عز وجل الولاية بين المسلمين وبين اليهود والنصارى، والمراد بالولاية: المحبة والاعتماد والتعلق والركون والضعف أمام هؤلاء من اليهود والنصارى، فبعض الناس اليوم يعتبرون اليهود والنصارى والكفرة والوثنيين والمارقين من الدين هم المخلصين في أعمالهم، وينبذون المسلمين الذين يُحصى عددهم في أيامنا الحاضرة بأكثر من ألف مليون مسلم، وكثير منهم يموتون جوعاً وهم بحاجة إلى أموال المسلمين، فهنا يحذر الله عز وجل الأمة الإسلامية فيقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [المائدة:51]، أي: ركناً تركنون إليه وتعتمدون عليه.
يقول الله تعالى: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51]، أي: بعض اليهود أولياء بعض، وبعض النصارى أولياء بعض، واليهود والنصارى أيضاً أولياء بعض حينما يريدون أن يتفقوا على حرب الإسلام، وإن وجد بينهم ما وجد من شيء من الخلافات السياسية أو المذهبية أو ما أشبه ذلك فإنما هي وقتيه، لكن حينما يكون الأمر في حرب الإسلام فإنهم أولياء بعض، كما أخبر الله عز وجل.
ولذلك في الحروب الأخيرة في حرب المسلمين مع أعدائهم نجد أن فئات الكفر كلها تتفق في صف واحد، فلم يبق هناك إلا معسكران: معسكر الإسلام ومعسكر الكفر، ومعسكر الكفر تلتقي فيه حتى الشيوعية وما يسمى بالوفاق الدولي الذي سقطت فيه الشيوعية من أجل أن تنضم إلى المعسكر الغربي من أجل حرب الإسلام، وهذا في الحقيقة أكبر دليل يوضح لنا قول الله عز وجل: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51]، وكان بعض الناس يظن أن الكفر ملل، لكن الحقيقة أن الكفر ملة واحدة، لا تختلف يهوديته عن نصرانيته عن شيوعيته عن وثنيته عن علمانيته عن نفاقه عن أي بلاء من أنواع هذا البلاء.
ولذلك حكم الله تعالى بأن بعضهم أولياء بعض، والله تعالى هو أصدق الحاكمين وأصدق القائلين، ولذلك يجب علينا أن نقبل هذا الحكم حتى لا نغتر بنوع من أنواع الكافرين، فابتسامة النصارى في وجوه المسلمين ربما تخدعهم، فأصبح النصارى في نظر طائفة كثيرة من الناس أنهم إخوة للمسلمين، وأنهم يعطفون على الأمة الإسلامية، أما اليهود فإنهم يحاربون الإسلام.
إذاً: العداوة بالمفهوم موجودة من اليهود والنصارى على حد سواء، لكنها في اليهود أشد وأقسى، علماً أن هذه الآية: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82] نزلت في مناسبة، حتى لا يظن بعض الناس أنها هي صفة دائمة للنصارى، وأنهم دائماً يتعاطفون مع الإسلام؛ بل هم أعداء للإسلام، فالآية نزلت في مناسبة اعتناق النجاشي رضي الله عنه الإسلام، وكان من زعماء النصارى في الحبشة، وبكى حينما سمع القرآن، فأنزل الله تعالى في حقه: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ... [المائدة:82] الآية، صحيح أن القاعدة الأصولية: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالعداوة موجودة في اليهود والنصارى، لكنها بالنسبة لليهود أشد، أما النصارى فعندهم عداوة وحقد شديد على الإسلام، لكن حقد اليهود أشد من حقد النصارى على الإسلام.
ولذلك ينخدع بعض المسلمين بالابتسامة التي يشاهدونها من بعض هؤلاء النصارى، لاسيما حينما يأتون إلى بلاد الإسلام، ولاسيما بلاد الإسلام المحافظة كبلادنا هذه؛ حيث نجد أنهم يبرزون كأنهم مخلصون، وكأنهم يريدون أن يقدموا خدمة، وهذا في الحقيقة أكبر دليل على حقدهم على الإسلام؛ لأنهم لا يستطيعون أن يدخلوا بلاد الإسلام، ولا أن يعيشوا مع المسلمين إلا من هذا الجانب حينما يظهرون الولاء، وحينما يظهرون العطف والرقة مع المسلمين، وهؤلاء ابتسامتهم تتغير حينما تتغير المعايير في يوم من الأيام، فقد ابتسم نصارى لبنان قبل الحروب الصليبية في وجوه المسلمين مدة طويلة من الزمن، حتى إذا جاء موعدهم مع نصارى الغرب كانوا هم أكبر معول يهدم في بلاد الإسلام، وهكذا قبل ذلك في بلاد الأندلس؛ فحينما فتح المسلمون بلاد الأندلس وتركوا الجبال الوعرة -وهي ما تسمى بجبال البرتغال في أيامنا الحاضرة- احتقاراً لشأنها، خضع النصارى لحكم الإسلام، وصاروا يشعرون بالولاء، ويشعرون المسلمين بالطاعة واللين، إلى أن تمكنوا من رقاب المسلمين فانقضوا على الأمة الإسلامية، فسقطت الأندلس وقامت دولتا أسبانيا والبرتغال.
وهكذا هي دائماً مواقف الكافرين أياً كانوا يهوداً أو نصارى، فلا تغتروا بالابتسامة؛ فإن الله تعالى يقول: يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ [التوبة:8].
إذاً: المسألة هي مسألة إرضاء بالأفواه، أما الأصل فإن اليهود والنصارى كلهم أعداء للإسلام، ويكفينا دليلاً هذا الدليل الواضح: (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، فهذا حكم الله، والله تعالى هو الذي خلق القلوب، وخلق البشر، وخلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، وهو سبحانه وتعالى الذي يقول لنا: (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ).
إذاً: ليس هناك عداء بين اليهود والنصارى، فلا تغتروا أيها المسلمون! حينما ترون النصارى يتقربون إلى الإسلام، وأعمالهم لا تخفى عليكم الآن، فهم الذين يسومون المسلمين سوء العذاب في كل بلاد المسلمين، هم الذين يسعون الآن من أجل أن ينحرف أبناء المسلمين، كما قال عز وجل: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا [النساء:27]، وأعمالهم لا تحتاج إلى كثير من التفصيل فهي معروفة.
إذاً: على المسلمين أن يراجعوا تاريخ هذه الأمة من النصارى؛ حتى لا يغتروا بهم ولا يتخذوهم بطانة، فقد امتلأت بلاد المسلمين بالنصارى، لكن الظروف السياسية لا تسمح لليهود، أما بالنسبة للنصارى فقد امتلأت بلاد المسلمين بالنصارى؛ بل وامتلأت بيوت المسلمين بالنصارى، فمن يصدق أن الأسر الإسلامية أصبحت الآن تأتي بخادمات من بلاد النصارى والوثنيين، كبلاد الفلبين التي هي أحقد بلاد تذبح المسلمين هناك كالغنم، فيؤتى من هناك مربيات ومربون من أبناء النصارى يربون أبناء المسلمين على غير الفطرة! فعلى المسلمين أن يراجعوا تاريخ هذه الأمة، فالله تعالى هنا يقول: (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ).
فالذي ظلم نفسه هو الذي ربط نفسه بعجلة اليهود والنصارى، واتخذهم بطانة، وجاء بهم إلى بلاد المسلمين، وكثر سوادهم في بلاد المسلمين، وولاهم مقاليد الأمور، وهذا خطر شديد جداً، فعلى الأمة الإسلامية أن تعود إلى ربها حتى لا تقع في الردة، فالله تعالى يقول: (فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)، وأكد ذلك بقوله: (فَإِنَّهُ)؛ لأن كلمة (إن) لفظ من ألفاظ التأكيد، حتى لا يظن أحد أن الأمر ملتبس، بل هو مؤكد بـ(إن)، وقوله: (فَإِنَّهُ)، أي: الذي يتولى هؤلاء، (مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
ومعنى هذا الكلام: أنه يقول: نحن في المدينة مهددون بعدما جاء محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فيقول: نريد أن نعقد حلفاً مع اليهود، ونريد أن نربط أنفسنا باليهود، ولو كان الله يقول: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى [المائدة:51]، فهو يقول: لا، سنتخذ اليهود أولياء؛ لأننا نخشى أن تصيبنا دائرة، فيهجم علينا أحد من أعدائنا من الخارج، فنستعين بهؤلاء اليهود، ولما قال هذه المقالة الخبيثة التي يقولها اليوم كثير من الناس، الذين لا يثقون بالله عز وجل، ولا يثقون بقوة الله ولا بنصر الله، ويقولون: نريد أن نعقد حلفاً مع أولئك القوم؛ لأننا نخشى أن يهجم علينا أحد من جيراننا أو من الأباعد، فنعقد مع هؤلاء حلفاً أو صلحاً أو هدنة أو تعاوناً أو ما أشبه ذلك؛ لأننا نخشى أن تصيبنا دائرة.
والله تعالى أنزل قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة في ابن أبي، ومن سار على شاكلته من الذين يشعرون بالضعف، ولا يعتمدون على الله عز وجل في أمورهم، ثم على أنفسهم بعد ذلك، يقول الله تعالى: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [المائدة:52]، أي: نفاق يُسَارِعُونَ فِيهِم [المائدة:52]، أي: يسارعون في اليهود، وربما في اليهود أو في النصارى، فهذا ابن أبي يقول: أنا أعقد حلفاً مع اليهود؛ أخشى أن تصيبني دائرة.
قال الله تعالى: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [المائدة:52]، أي: نفاق، يُسَارِعُونَ فِيهِم [المائدة:52]، وانتبه يا أخي! إلى قوله: (فِيهِم)، ولم يقل: (إليهم)، والفرق بين (إليهم) و(فيهم) بعيد جداً، فـ(إليهم) تعني: يذهبون إليهم ويعقدون معهم صلحاً، لكن (فيهم) أي: يدخلون في وسطهم، فكأن هؤلاء ما اكتفوا بأن يعقدوا معهم حلفاً، وإنما اعتبروا أنفسهم جزءاً منهم، ولذلك ارتدوا عن الإسلام؛ لأنهم دخلوا في وسط اليهود، وأصبحوا -أي: المنافقون- يهوداً مثلهم؛ لأنهم يخشون أن تصيبهم دائرة، ولذلك قال الله تعالى: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم [المائدة:52]، ولم يقل: إليهم، لماذا؟ لأنهم: يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة:52]، أي: نخاف أن يهجم علينا أحد أو أن تصيبنا مصيبة ونحن ما استعددنا للقتال، وما عندنا إمكانات ولا عندنا أسلحة ولا تدريب، فنريد أن نعقد الحلف مع اليهود؛ حتى لو هجم علينا أحد من خارج المدينة نستطيع أن ندافعه بهؤلاء اليهود باعتبارهم داخل المدينة، فقال الله تعالى: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة:52]، عسى من الله واجبة.
وعسى في اللغة العربية تأتي بمعنى الترجي، لكنها من الله عز وجل ليست بهذا المعنى، وإنما (عسى) بمعنى: حري وقريب أن يأتي فتح من الله عز وجل، والمراد بالفتح: عز الإسلام وظهور الأمة الإسلامية، واستعداد الأمة الإسلامية لعدوها في أنفسها واعتمادها على أنفسها بعد الله عز وجل، وهذا يعني قرب ظهور الإسلام في الأرض، وبذلك يفشل عبد الله بن أبي لعنه الله ومن على شاكلته من المنافقين، ويتحطم اليهود أمام قوى المسلمين، وهذا هو الذي حدث بعد مدة وجيزة، فلم تمض سنوات قصيرة إلا وقد تحطمت كل فئات الكفر الثلاث المسيطرة على المدينة، فكلها تحطمت تحت أقدام المسلمين، حتى كان آخرهم بني قريظة الذين حكَّم الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم سعد بن معاذ، فحكم فيهم بأن يقتل كل رجل بالغ، وتسبى النساء والذرية، وتصير أرضهم ملكاً للمسلمين.
إذاً: هذا تحقيق لخبر الله عز وجل؛ لأن (عسى) وإن كان أصلها في اللغة العربية للترجي، لكنها إذا جاءت من عند الله فمعناها التحقق والتأكد، أي: حري ومؤكد أنه سوف يأتي يوم يندم فيه كل إنسان يربط نفسه بعجلة الكافرين ويخشى أن تصيبه دائرة، وذلك حينما يأتي نصر من عند الله عز وجل، وإذا جاء نصر من عند الله يصبح هؤلاء القوم على ما أسروا من النفاق حينما ربطوا أنفسهم بالكافرين: فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة:52].
وظهر الإسلام والحمد لله، وأصبح اليهود عبيداً يباعون ويشترون ويشغلون قسراً في بلاد المسلمين، وصارت أراضيهم ملكاً للمسلمين في المدينة وخيبر، وتحقق هذا الوعد، ويتحقق هذا الوعد دائماً وأبداً، ويعود الكافرون أذلة أمام المسلمين حينما يصدق المسلمون مع الله عز وجل، أما حينما يشعر المسلمون بالذلة والمهانة وهم في بلادهم وفي أرضهم، ويستخدمون عدوهم ليدافع عنهم وهم عاجزون، فهذا هو العار الذي يصيب الأمة الإسلامية في أيام تخلفها.
أما الله عز وجل فقد حكم بأنه سوف يظهر هذا الإسلام بالرغم من الذلة التي يشعر بها المسلمون في يوم من الأيام، فسوف يظهر هذا الإسلام، ويندم الذين كانوا بالأمس يعتمدون على غير المسلمين من دون الله عز وجل.
وقوله: (فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ)، أي: ظهور الإسلام، (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ)، أي: أمر لا يعلمه الناس، فقد تكون العلامات والأدلة تدل على أن المسلمين متخلفون، سواء كان في الصناعة أو في الإنتاج أو في التكتيك العسكري أو في التجنيد أو ما أشبه ذلك، لكن الله عز وجل له جنود السماوات والأرض، فعليهم أن يتجهوا إلى الله عز وجل، وأن يرتبطوا بالله عز وجل، وحينئذ يأتي أمر من عنده لا يعلمه الناس، وبعد ذلك إذا جاء أمر الله تتغير وجهة نظر أولئك الذين كانوا يريدون أن يربطوا أنفسهم بعجلة الكافرين ويقولون: (نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ)، وحينئذٍ (فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ).
فسيأتي اليوم الذي تكون فيه القوة للأمة الإسلامية، وحينئذٍ يوجد المنافقون، لكن قد توجد فئات أخرى تشبه المنافقين من القوميين والعلمانيين والملاحدة والمتربصين والانتهازيين، إلى غير ذلك من الألقاب الجديدة، وهؤلاء هم لا يبالون بالأمة الإسلامية، ولا ينافقون، لكنهم يندسون في المجتمع الإسلامي ويقولون للكفار: افعلوا ما شئتم في الأمة الإسلامية فنحن معكم، وربما يربيهم الكفار في بلادهم، ثم يدسونهم في المجتمعات الإسلامية؛ ليخربوا صف الأمة الإسلامية، ولينتهزوا الفرص التي يجب أن تتحد فيها الأمة الإسلامية، فيتحرك أولئك كالجرذان كما رأينا في العام الماضي؛ فحينما انشغلت الدولة في حرب ألد أعدائها، وحينما كشر العدو عن أنيابه في عدة مناطق من بلاد المسلمين ضد هذه الدولة؛ نجد أن هؤلاء الفجرة تحركوا ليربكوا نظام الدولة، ومن أجل أن يستغلوا هذه الفرصة، ومن أجل أن يشوهوا سمعة المسلمين والدعاة إلى الله عز وجل، فهؤلاء لا يخفون على الله عز وجل، ولا يخفون أيضاً على المؤمنين.
ولذلك الله تعالى يكشفهم هنا فيقول: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا ، وهم على ثقة من إيمانهم ودينهم بالله عز وجل، أي: المؤمنون يقولون للكفار: أَهَؤُلاءِ [المائدة:53]، أي: يشيرون إلى المنافقين أو المندسين في صفوف المسلمين، الذين استعملهم الكفار لضرب الأمة الإسلامية من أبناء الجلدة، وقد يكونون من أبناء الجلدة، وغالباً يكون المنافقون هم من أبناء الجلدة؛ لأنهم يندسون في المجتمع من أجل أن يفسدوا الصف، وهم الذين أخبر عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم: بأنهم سوف يأتون في آخر الزمان وهم قوم من أبناء جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا -أي: باللغة العربية الفصحى- دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، فهؤلاء الدعاة يبرزون في نقط وفي مواقع سوداء من تاريخ الأمة الإسلامية، وكلما شعروا بضعف الأمة الإسلامية أو بضعف الدعاة، أو كلما توقفت الدعوة نشطوا هم من الجانب الآخر، كما شاهدتموهم في العام الماضي، فهؤلاء المؤمنون يستهينون بهم، اسمعوا ماذا يقولون عنهم: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا)، أي: للكافرين، (أَهَؤُلاءِ)، وهذا من باب التحقير: أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ [المائدة:53]، أي: تعتمدون أيها الكفار! على هؤلاء الذين حلفوا يميناً مغلظة بأنهم سوف يتعاونون معكم ضد الإسلام وضد الأمة الإسلامية، وهؤلاء لا خير فيهم، ولا قيمة لهم، ولا نقيم لهم وزناً ولو كانوا من أبناء المسلمين، ولو كانوا يتسلمون مناصب مهمة في بلاد المسلمين، فهؤلاء لا وزن لهم ولا قيمة، وسوف يكونون هم الضحية الأولى -إن شاء الله- حينما يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده.
وقوله: (أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ)، أي: كانوا يتظاهرون بالخير، (جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ)، أي: يغلظون الأيمان المتكررة، (إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ)، أي: ضدنا نحن المؤمنين، (حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ)، أي: لا خير فيهم، وسقطت أعمالهم وبطلت.
واختلف المفسرون في قوله تعالى: (حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ)، أهي من كلام المؤمنين أم من كلام الله عز وجل؟ فيُحتمل أنها من كلام المؤمنين يتهمون ويقولون للكفار: إن من تعاون معكم من أبناء جلدتنا من المنافقين المندسين في الصفوف الإسلامية هؤلاء لا قيمة لهم ولا وزن، ثم أيضاً هم مرتدون عن الإسلام؛ لأن معنى (حَبِطَتْ) أي: بطلت بسبب أنهم ارتدوا عن الإسلام.
وقوله سبحانه: حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ [المائدة:53]، لأنهم خسروا الدنيا وخسروا الآخرة، خسروا قومهم فانضموا إلى معسكر العدو، وخسروا الآخرة لأنهم ارتدوا عن دين الإسلام، فأصبحوا حطباً لجهنم، والعياذ بالله!
هذا هو موقفنا مع الانتهازيين ومع العلمانيين ومع المتمسلمين، الذين يندسون في صفوف المسلمين يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الكافرين؛ موقفنا معهم واضح كموقفنا مع اليهود والنصارى وجميع فئات الكفر، فموقفنا مع اليهود والنصارى أننا نقول: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51]، ولا نتولاهم ونركن إليهم، ولا نعتمد عليهم في أمر من الأمور، وموقفنا مع هؤلاء المحسوبين على الإسلام والذين يندسون في صفوف المسلمين من المخربين، موقفنا معهم الاستهزاء والسخرية، وأنهم لا خير فيهم، والدليل أنهم لا خير فيهم: أنهم يخربون على أنفسهم وعلى أبناء جلدتهم، ثم أيضاً هم مرتدون عن الإسلام بانضمامهم إلى الكافرين.
والله إن هذه الآية كأنها تخاطب أهل هذا الزمان الذي نحن نعيش فيه؛ فإننا نرى في هذا الزمان قوماً ارتدوا عن الإسلام، وما ارتدوا عن الإسلام فأصبحوا يهوداً أو نصارى فقط؛ لكنهم أصبحوا شوكة تؤذي الأمة الإسلامية، وأصبحوا حجر عثرة في تاريخ الأمة الإسلامية، ووالله يا إخوان! إن الإسلام يُحارب في أيامنا الحاضرة بهم أكثر من أن يحارب باليهود والنصارى، ولا أكتمكم سراً حينما نقرأ عن رجل يقال له: محمد يقول: إن محمد الهاشمي وسورة (تبت) هي سبب تأخر المسلمين!
فهذا رجل اسمه محمد ، وفي نفس الوقت نقرأ في تاريخ اليهود الذين هم أحقد الناس على الإسلام أن رجلاً يُدعى برنارد يهودي يقول: لو بُعث محمد اليوم لحل مشاكل العالم وهو يحتسي فنجاناً من القهوة!
قارن يا أخي! بين محمد وبين برنارد ، محمد رجل مسلم من أهل المدينة، وبرنارد رجل يهودي من الحاقدين على الإسلام، وبرنارد يقول: لو بعث محمد اليوم لحل مشاكل العالم وهو يحتسي فنجاناً من القهوة. يعني: يستطيع أن يحل مشاكل العالم كلها وهو يشرب فنجاناً من القهوة.
إذاً: لو ارتد من ارتد من المسلمين عن دين الله فلا تخافوا على هذا الدين؛ فإن هذا الدين تكفل الله عز وجل بحفظه، وتكفل برعايته حتى يسلمه كل جيل إلى الجيل الذي بعده؛ لأنه آخر دين في هذه الحياة؛ ولأن رسالته آخر رسالة؛ ولأن كتابه أشرف وآخر كتاب، فسيبقى هذا الدين، ولو ارتد كل العالم الإسلامي عن الإسلام؛ فإن لله قوماً سوف يوجدون في هذه الفترة التي تُوجد فيها الردة.
وتعال معي يا أخي! إلى العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة، قبل سنوات كانت التخمينات الضائعة الضالة تقول حتى للمسلم: فلان وفلان وفلان سوف يهلكون عن الوجود وينتهي الإسلام عن هذه الأرض، والله لقد كنا نسمع هذا الكلام يا إخوان! حتى المفسدون في الأرض كانوا إذا جاءوا بأفلام قيل لهم: متى هذه الأفلام؟ قالوا: ما جاء موعدها حتى الآن؛ انتظروا موعدها قريباً سيأتي؛ ومعنى ذلك: أنه سينحرف العالم الإسلامي، وتنحرف البلاد التي تطبق الإسلام! وهذه الأفلام ستطبق حتى هنا، وكان هنا أقوام يأتون بأفلام ما وصلنا إليها حتى الآن، ولا وصلت إلينا والحمد لله، فإذا قيل لهم: متى تنشر هذه الأفلام؟ يقولون: ما جاء وقتها، بقي عليها وقت قصير، ويتصورون أن الإسلام انتهى من هذه الحياة وبقي فلان وفلان في هذا العالم الإسلامي ينتهون وبعد ذلك تعود هذه الأرض كفراً بواحاً.
لكن ما الذي حدث يا إخوان؟! في العشر السنوات الأخيرة التي كانت تقال هذه المقالات، وكانت تؤلمنا حينما نسمعها، ولولا ثقتنا بالله عز وجل وبدين الله سبحانه وتعالى لكنا نصدق بهذه الأخبار فنخاف على الأمة الإسلامية، لكن اليقين بالله عز وجل يطمئننا على هذا الدين فنقول: إن الله عز وجل يقول: َلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الفتح:7]، ويقول: وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [المنافقون:7]، ويقول: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة:33]، ويقول: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173].
هذه الآيات تتردد أمام مخيلتنا دائماً وأبداً، فنثق بوعد الله عز وجل، فإذا بنا -والحمد لله- نعيش اليوم صحوة إسلامية جعلت السقف يخر عليهم من فوقهم، ويأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون، أعني المتربصين بالإسلام الذين ينتظرون نهاية الإسلام في سنوات قريبة، فإن عاقبتهم كما قال الله عز وجل: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [النحل:26]، فنشأت ناشئة -والحمد لله- إسلامية وشباب إسلامي متدين متمسك بدينه، نشئوا على إسلام ليس متطرفاً كما يقولون عنه، وليس أصولياً، اللهم إلا إذا كانت الأصولية في معناها الصحيح وهو: أنه يرجع إلى الأصل في دينه، وليس متزمتاً، وليس منحرفاً، وليس متشدداً، ولكنه شباب يعيش إسلام الفطرة، لكن لما بعد الناس مدة طويلة من الزمن عن الفطرة الصحيحة ظنوا أن هذا الشباب متهور، وأنه متطرف، وما هو بمتهور ولا متطرف، فإذا به يأتي هذا الشباب، وأرجو أن يكون هذا هو وعد الله عز وجل في قوله: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54].
إذاً: من هنا نطمئن على دين الله عز وجل، لا نخاف على الإسلام؛ فالإسلام يقول الله عز وجل عنه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، ولا نخاف على الأمة الإسلامية إذا تمسكت بدينها؛ فإن الله تعالى يقول: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55].
إذاً: هذا الوعد يطمئننا على هذه الأمة الإسلامية، أما الإسلام فنحن مطمئنون عليه اطمئناناً كاملاً.
ولذلك يبين الله عز وجل أن الخير لا يأتي إلا إذا استحكمت حلقات اليأس والمصائب، فالخير لا يأتي إلى الناس إلا حينما يكاد الخير أن يودع الأرض، ويكاد الشر أن يسيطر على كل الحياة، كما قال سبحانه وتعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ [يوسف:110]، وقال سبحانه: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214]، ومن هنا يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ [المائدة:54]، أي: من يخرج عن دين الإسلام ويظن أن الإسلام سيضيع إذا خرج عنه، ولكن لو خرج كل الناس عن الإسلام فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54].
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]، ست صفات لابد أن يتصف بها هؤلاء القوم الذين هم بديل عن القوم الذين تنكروا لدين الإسلام، وهؤلاء هم الذين سوف يمثلون الصحوة الإسلامية الصحيحة، وهؤلاء هم الذين سوف يقضي الله عز وجل بهم على هؤلاء المفسدين في الأرض.
الصفة الأولى: (يُحِبُّهُمْ)، ومحبة الله عز وجل تتطلب الطاعة المطلقة التي لا ترتبط بقيد ولا شرط أبداً لله عز وجل ولرسوله.
الصفة الثانية: (وَيُحِبُّونَهُ)، ومن محبتهم لله عز وجل أنهم آثروا دين الله سبحانه وتعالى على أي ملة، وعلى أي منهج، ولربما تقدم لهم إغراءات في هذا السبيل يسيل لها لعاب كثير من الناس، لكنهم يرفضونها، ويقول قائلهم بلسان الحال وبلسان المقال في جانب الله عز وجل:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
فهم يتمثلون بهذا الأمر، وحينئذ يحبهم الله عز وجل، ويحبونه سبحانه وتعالى، ومن محبتهم له سبحانه وتعالى أنهم يتفانون في سبيل الدفاع عن دين الله عز وجل، وهب أن أحدهم لقي الله عز وجل في سبيل هذا الدين إنما لقي الله بأجله لا بأجل إنسان آخر؛ فإن الله تعالى يقول: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34].
الصفة الثالثة: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)، والذلة معناها: الخضوع، فهو يخضع للمؤمنين ويرق ويلين، فإذا أراد أن يتعامل مع مسلم مع مؤمن مع تقي تجده أرق من القطن؛ فحينما يريد أن يتعامل مع هؤلاء المسلمين يخضع لهم، ويحبهم، ويقدم لهم الطاعة في طاعة الله عز وجل، لكن حينما يريد أن يتعامل مع الكافرين يكون عزيزاً.
الصفة الرابعة: (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)، أي: أقوياء، والعزة معناها: القوة، فهو يتعامل مع المسلمين بلين وسهولة، ويتعامل مع أعدائه بخشونة وقوة، وليس معنى ذلك أنه يظلم الكافرين، فإن الله عز وجل حرم علينا أن نظلم كافراً إذا كان مستأمناً في بلاد المسلمين، ولذلك يقول الله تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة:8]، وأنتم تعرفون كيف يتعامل الإسلام مع الكافر إذا كان يريد أن يعيش في بلاد المسلمين مستأمناً معاهداً، لا يتدخل في أمور المسلمين، وأصبح المسلمون مضطرين إلى بقائه في بلاد المسلمين، لاسيما إذا جاء ليدرس الإسلام ليدخل في الإسلام، فإنه يجب على الأمة الإسلامية أن تحافظ عليه، ولا يُؤذى، لكنه لا يرفع رأسه في بلاد المسلمين، فلو رفع رأسه في بلاد المسلمين يجب أن يقمع حتى لا يتولى منصباً حساساً، كما هو الآن في كثير من بلاد المسلمين أو في جل بلاد المسلمين؛ حيث يتولون مناصب حساسة، فوالله لقد رأيناهم يا إخواني! يسومون المسلمين سوء العذاب حينما يتولى أحد منهم منصباً من المناصب، لاسيما نصارى العرب الذين تمكن طائفة منهم من بعض المناصب، فأصبحوا في بلاد المسلمين يذلون الأمة الإسلامية، ويتحكمون في مصير وأرزاق المسلمين.
لكن الحقيقة أنه يجب أن تكون هذه العزة ليست على حساب الكافر الذي لا يحارب الإسلام؛ بل يجب أن تكون هذه العزة قوة في المسلم حينما يريد هذا الكافر أن يتمرد في بلاد المسلمين، أو أن يعلو في بلاد المسلمين، أو أن يرفع رأسه، فالله تعالى يقول: (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)، أي: أقوياء على الكافرين.
الصفة الخامسة: (يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، أي: يبذلون الجهد من أجل إعزاز دين الله، إذا تطلب الموقف أن يحمل السلاح في وجوه الكافرين حينما تكون الحرب بين المسلمين وبين الكافرين فإنه أسرع الناس إلى حمل السلاح، وإذا تطلب الموقف الدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة فهو أسبق الناس إلى الدعوة إلى الله عز وجل، وإذا تطلب الموقف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنه هو الجندي من جنود الله عز وجل يستميت في سبيل الدفاع عن محارم الله عز وجل وعن محارم المسلمين.
الصفة السادسة: (وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ)؛ لأن المشكلة التي تعترض كثيراً من الدعاة أو كثيراً من المصلحين أو الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هي خوف لومة لائم، فبعض الناس يظن أن رزقه بيد البشر، وينسى أن الله تعالى يقول: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6]، وبعض الناس يظن أن حياته بيد البشر، وينسى أن الله تعالى يقول: كِتَابًا مُؤَجَّلًا [آل عمران:145]، ويقول: لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]، وبعض الناس يظن أن مصيره بأيدي البشر فيخاف، أما المؤمن الحق فإنه لا يخاف لومة لائم.
وكلمة (لومة) كافية في المعنى، فما فائدة (لائم) في قوله: (وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ)؟ أي: كائناً من كان هذا اللائم، ومهما كان مستواه، ومهما كان مركزه في هذه الحياة، فهم لا يخافون منه؛ لأنهم يعرفون أن كل شيء بيد الله عز وجل، كما قال صلى الله عليه وسلم: (وأن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
إذاً: يجب عن المسلم ألا يخاف لومة لائم حينما تنتهك محارم الله عز وجل، فيغضب لله عز وجل غضبة لا يمكن أن تقف هذه الغضبة حتى تعود الأمور إلى طبيعتها، والمياه إلى مجاريها، أما أن يساوم في دين الله فهذا هو الأمر الخطير في حياة البشر، ولذلك أخبر الله تعالى بأن هناك مؤمنين لكنهم مؤمنون يرجعون من منتصف الطريق فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ ، أي: أذى الناس، كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ [العنكبوت:10]، يقول الله تعالى: أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ [العنكبوت:10].
إذاً: هؤلاء الذين يرجعون من منتصف الطريق لا يصلحون لمثل هذه الحياة التي يرتد فيها أقوام عن الإسلام، ويتقدم أقوام يدافعون عن دين الله عز وجل وعن الأمة الإسلامية، يقول الله فيهم: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]، أما إذا كانوا يخافون لومة لائم فإنهم لا يدركون محبة الله عز وجل؛ لأن هذا يعني عدم الثقة بوعد الله عز وجل، وعدم الاعتماد على وعده سبحانه وتعالى.
إذاً: المسلم لا يخاف في الله لومة لائم، فلو تنكرت كل الدنيا في وجهه وهو يعرف أنه على طريق مستقيم فلا يبالي ولا يتوقف، وهذا بخلاف ذلك الذي يعبد الله -نعوذ بالله- على حرف وعلى طرف بين الإيمان والكفر: فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ [الحج:11].
إذاً: هذه الصفات الست هي: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]، ويمكن أن نضيف إلى هذه الصفات الست صفة سابعة وهي: الاجتماع على كلمة الحق لقوله: (بقوم)، فالله تعالى لم يقل: أفراد؛ لأن العمل الفردي في سبيل الدفاع عن هذا الدين ربما يصعب على المسلم، لكن العمل الجماعي من أجل رفعة هذا الدين، ومن أجل حماية هذا الدين من المفسدين في الأرض لابد منه، ولابد أن يتولى ذلك قوم، وهم الذين أشار الله عز وجل إليهم في سورة آل عمران بقوله: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ [آل عمران:104]، أي: لا أفراد، وقال: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [آل عمران:110]، ودائماً الإسلام يخاطب المجموعة، ويريد أن تكون الأمة مجموعة لا متفرقة.
الجواب: هو المؤمن التقي، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي)، فلا بد للمسلم ألا يركن إلا إلى المؤمنين.
ولما حرم الله عز وجل على الأمة الإسلامية أن تركن إلى الكفار أياً كان هؤلاء الكفار: يهوداً أو نصارى أو وثنيين أو ملاحدة أو لا دينيين أو علمانيين، أو متمردين على الإسلام أو مرتدين؛ بين من هو الذي يجب أن يكون له الولاء بين المسلم والمسلم، فقال الله عز وجل: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:55].
إذاً: من أراد أن يتولى وأن يتخذ بطانة وأن يتخذ أحباباً وجلساء وإخواناً يحبهم في الله عز وجل بعد الله ورسوله فهم المؤمنون؛ فالولاية يجب أن تكون لله ولرسوله وللمؤمنين، أما الكفار فإنهم يفسدون على الإنسان دينه.
وهل سمعتم بقصة القوم الذين دخلوا في الإسلام وهم كثيرون، ثم إذا بهم يُحاربون من قبل جلسائهم، كـعقبة بن أبي معيط الذي بصق في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عياذاً بالله! فإنه حينما دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم للإسلام وحضر مائدته عيره قومه وقالوا: يا عقبة! والله لا نكلمك أبداً حتى تطأ على عنق محمد، وتبصق في وجهه، وتعلن ردتك عن الإسلام، ففعل ذلك البعيد ما طلبوا منه، فأنزل الله عز وجل فيه قوله تعالى في سورة الفرقان: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي [الفرقان:27-29]، ثم قال الله عز وجل: وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا [الفرقان:29]، فهذا بسبب المجالسة.
وأبو طالب في آخر ساعة من حياته لو قال: لا إله إلا الله لأصبح من أهل الجنة، وهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وشقيق أبيه، يقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنه في ضحضاح من نار، وعليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه)؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه في ساعة احتضاره وقال: (يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، فالتفت إلى جلسائه يميناً وشمالاً فقالوا: أترغب عن ملة
وهذا نوح عليه السلام يسأل الله عز وجل نجاة ابنه لما رفض أن يركب السفينة، وأن يدخل في دين نوح عليه الصلاة والسلام فقال: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ [هود:45]، فقال الله عز وجل له: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [هود:46].
وإبراهيم لما كان يستغفر لأبيه منعه الله تعالى من ذلك وبين عذر إبراهيم فقال: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة:114]، وقال لنا: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4].
إذاً: هذا هو الذي يربطنا بالناس أو يحل الرباط بيننا وبين الناس، ولذلك لا تعجبوا يا إخوتي! فالرسول صلى الله عليه وسلم كانت بطانته بلال بن رباح وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وغيرهم رضي الله عنهم، وكانوا قد جاءوا من بلدان بعيدة عن بلاد العرب، لكن أين أبو جهل وأبو لهب أقاربه؟! قال الله عز وجل: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1].
فالمسألة ليست مسألة قرابة، وإنما هي مسألة إيمان؛ فهو الذي يربطنا بالصالحين، أو يفرق بيننا وبين الفاسقين أياً كانت درجتهم في القرابة، ولذلك يقول الله تعالى: (إِنَّمَا)، و(إنما) للحصر، أي: ليس هناك ولاية إلا من هذا الطريق، ومن أراد أن يضع ولاية بينه وبين إنسان أياً كان هذا الإنسان حتى لو كان أقرب الناس منه فعليه أن يراجع هذه الآية: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:55] فقط.
أولاً: أن هذا رسول الله.
ثانياً: كون الركون شيئاً قليلاً.
ثالثاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما فكر في الركون إليهم من أجل أن يدافع عن الإسلام فقط، وإنما يريد أن يكسبهم إلى الإسلام، ومع ذلك قال الله تعالى له: لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا [الإسراء:74-75]، يعني: لو فعلت ذلك يا محمد! وركنت إليهم ولو شيئاً قليلاً، لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ [الإسراء:75]، يعني: عاقبناك في الدنيا عقوبة مضاعفة، وعاقبناك في الآخرة عقوبة مضاعفة.
إذاً: المسألة مسألة عقيدة، فالصلة بالكفار وبالمؤمنين مسألة عقيدة، وليست مسألة فرعية، وإنما هي عقيدة تخرج الإنسان من دائرة الدين أو تدخله في دائرة الدين، وهنا يقول الله تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:55]، ليس فقط الذين آمنوا باللسان، بل حتى المؤمن الذي لا تربطنا به علاقة إلا إذا طبق هذا الدين تطبيقاً حقيقياً.
ثم قال بعد ذلك: تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [المائدة:80]، فالتولي لعن فيه اليهود لما تولوا كفاراً تمردوا على دين اليهود.
إذاً: نقول: ما رأيك يا أخي! في الأمة الإسلامية لو تمردت أو ربطت أنفسها بمن تمرد على دين الإسلام؟ تكون المصيبة أكبر؛ لأن دين الإسلام له احترام أكثر من الأديان كلها، فالله تعالى يقول: وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ [المائدة:48]، فهو مهيمن على كل الأديان، ولذلك يقول الله تعالى عن المؤمنين الذين يجب أن تكون الولاية بيننا وبينهم وثيقة: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [المائدة:55]، حتى ولدك يا أخي! إذا وجدته لا يصلي -وهذه ردة عن الإسلام عند جمهور العلماء- فليس من أوليائك؛ بل يجب عليك أن تحاربه، وإذا عجزت عن إصلاح هذا الولد -لاسيما إن كنت فرطت في أيام شبابه وطفولته- فلا يجوز لك أن تواليه بأي حال من الأحوال؛ لأن الله تعالى يقول: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ)، وحتى الصلاة وحدها لا تكفي؛ بل لابد أن تكون صلاة قيمة مستقيمة كاملة، (وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)، فإن عدم إتيان الزكاة أيضاً خطر، (وَهُمْ رَاكِعُونَ)، أي: وهم خاضعون لله عز وجل.
إذاً: من لم يخضع لله ولا لدينه سبحانه وتعالى فإننا لا نقبله لأن يكون ولياً لنا أياً كان، حتى لو زعم الإسلام، ولو كان من أبناء المسلمين الذين يزعمون أنهم مسلمون، ويحملون الهوية الإسلامية في جيوبهم، فهؤلاء ما دمنا نرى تصرفاتهم تناقض الإسلام فليسوا بأولياء، ولا تجوز موالاتهم في أي حال من الأحوال، وإنما الولاية لله ولرسوله وللمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.
إذاً: لا يجوز للمسلم أن يخاف من عدوه أبداً؛ فإن الله تعالى يقول: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ)، أي: جماعة الله، (هُمُ الْغَالِبُونَ)، أي: أن الذين يرتبطون بالله عز وجل مباشرة، ويعتمدون على الله في كل أمورهم هم الغالبون، ولو كانوا قلة في العدد أو في العتاد، فالله تعالى يقول: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:249]، ويقول: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْن [الأنفال:65]، فالأمة الإسلامية لا تقاس بعدوها من الناحية العَددية أو العُددية، وإنما تقاس بعدوها من ناحية الإيمان وتطبيق هذا الدين أو عدم تطبيقه، فبمقدار ما تطبق من دين الله عز وجل يكون نصيبها من النصر، فجند الله عز وجل هم الغالبون.
فهم يهزءون بالدين والعياذ بالله! ويقول أحدهم ساخراً: انظر إلى لحية فلان! انظر إلى ثوبه القصير! انظر كيف يصلي ويضع يديه على صدره! وهذه كلها يا أخي! من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، غفل عنها الناس مدة من الزمن، ويأبى الله إلا أن تعود هذه السنة في هذا العصر المظلم، ولذلك نجد هذا الطعن في الدين يكثر في أيامنا الحاضرة، فيصل إلى درجة خطيرة جداً! والله تعالى حكم على الذين يسخرون من الدين بأنهم أئمة الكفر فقال: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ [التوبة:12]، ولم يقل: كفرة، وإنما قال: أَئِمَّةَ الْكُفْرِ [التوبة:12]؛ لأنهم قادة الكفرة، إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ [التوبة:12]، أو (لا إيمان لهم) في قراءتين سبعيتين.
إذاً: القضية قضية كفر، وليست قضية يهود أو نصارى فقط؛ بل ومن ينتسب إلى الإسلام أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى، ولذلك يقول الله تعالى: لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ [المائدة:57]، فالذين أوتوا الكتاب من قبل هم كفار أيضاً؛ لأن دينهم منسوخ، وقوله: (وَالْكُفَّارَ) أي: من بعدكم وممن كان فيكم، فهؤلاء هم الكفار حقيقة؛ لأنهم كفروا نعمة الله عز وجل بعدما رأوا الدين والخير والنور، وصار حالهم كما قال الله عز وجل: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [البقرة:17]، وما هؤلاء المرتدون عن دين الإسلام المارقون عن الدين إلا هؤلاء الذين يقول الله عز وجل عنهم -والله أعلم بأسرار كتابه- أنهم هم الكفار بعد ذكره لليهود والنصارى.
قال الله عز وجل: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا [المائدة:57-58]، فاليهود والنصارى والمشركون كانوا يسخرون من الرسول صلى الله عليه وسلم إذا نادى للصلاة، يقولون: (قاموا لا قاموا)! وهم يسخرون من المسلمين حين يصلون في المسجد الحرام، فإذا بدءوا يصلون بدءوا يضحكون ويسخرون منهم.
ومن أبناء المسلمين الآن من يفعل ما هو أكبر من ذلك، ومن يسخر من هذا الدين، ويسخر من أبيه وأمه ومنهجه ومجتمعه، لاسيما الشباب الذين انفتحوا فجأة واحدة، والذين انطلقوا في هذا العالم بعدما كانوا مضبوطين في مجتمع خاص.
إذاً: المسألة خطيرة أيها الإخوة! فهؤلاء الذين يسخرون علامتهم أنهم يسخرون من الصلاة. وقوله: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) أي: إذا سمعوا الأذان: اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ [المائدة:58]، وليس معناه: أنهم ليس لهم عقول؛ بل لهم عقول، لكن هذه العقول ما استعملت فيما خلقت له، بل استعملت في غير ذلك؛ فبعضهم قد يكون أذكى الناس في العلوم التي يبرز فيها الذكاء، لكن عقله محدود لا يؤمن إلا بالمحسوسات، كما أخبر الله عز وجل عن هؤلاء بقوله: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7].
أقول قولي هذا، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا والأمة الإسلامية -ولا نقول: الإسلام؛ لأن الإسلام محفوظ- من كيد الكائدين، سواء كانوا من اليهود أو النصارى أو الوثنيين أو العلمانيين أو المندسين في صفوف المسلمين، والله المستعان: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21].
والحمد لله رب العالمين.
الجوب: نقول: وهذه من الفتنة؛ فإن الأمة الإسلامية حينما تحتاج إلى عدوها لتنتصر به في وقت نجد أن أقرب الناس قد خذلها تُعتبر من الفتنة، فالله تعالى يقول: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ [الفرقان:20]، أي: هل تتحملون هذه الفتنة؟ فنقول: هذه من الفتنة، لكن بالرغم من ذلك تأكدوا أن أعداء الإسلام لا يمكن أن يمدوا لنا يد العون حباً ولا ولاءً، وإنما لمصالح أخرى، لكن ذلك لا يجوز أن يكون سبيلاً للمحبة، فالمحبة لا سبيل إليها مع الكفار؛ لأن الله تعالى يقول: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51]، والله تعالى حرم الموادة، لكنه ترك المودة، فالمودة تغلب الإنسان، فهي قهرية بدون إرادة، أما الموادة -وهي: تبادل المحبة- فهذه هي الخطيرة، ولذلك يقول الله تعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ [المجادلة:22]، فالموادة غير المودة، فالموادة: هي تبادل المحبة وإظهارها، أما المودة: فإنها شيء فطري، وهي خطيرة، اللهم إلا إذا كانت موافقة للفطرة؛ كأن يكون لأبوين كافرين.
الجوب: الحقيقة أن هذه أيضاً من الفتن الكبرى، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب، لا يجتمع في جزيرة العرب دينان)، وليس المعنى أنهم لا يجتمعون؛ لأنه لو كان المعنى: لا يجتمعون فسيكون خبراً، وقوله: (لا يجتمعْ) إنشاء، أي: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يجتمع في جزيرة العرب دينان، وعلى هذا نقول: إن هذه من الفتن، والأمة الإسلامية حقيقة ليست بحاجة إلى هؤلاء الكفار، ولنا أمل في الله عز وجل أن يوفق المسئولين إلى أن يقللوا سواد هؤلاء في بلاد المسلمين، أو أن يقضوا عليهم نهائياً، أما وجودهم فهو فتنة، وهذا هو ما نشكوه إلى الله عز وجل، ولا نستطيع أن نقول في ذلك أكثر من ذلك.
الجواب: البحث يشمل أمرين:
الأمر الأول: الصور، وهذا محرم، لاسيما أنها صور رسوم باليد، وهذه لا خلاف بين علماء المسلمين في تحريمها، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بهتك الصورة بحيث تقطع إلى قطعتين، فهذا أمر منهي عنه إذا كانت صورة ترسم باليد، وهذا هو الواقع بالنسبة للصور التي توجد في الملابس.
أما الأمر الآخر: فهو ضعف في الشخصية الإسلامية تجاه الكفار، وهذا أمر أخطر من الأول، ولذلك فإن تربية الأطفال وإن ميول النساء إلى اقتناء هذه الصور، أو الاعتزاز بها من صور غير المسلمين أمر خطير، والأمة الإسلامية مطالبة -لا نقول: بأن تضع صور أبطال الإسلام في ملابسها- ولكن بأن تهتك هذه الصور، وأن تقاطعها، ولا تشتريها، وحينما تقاطع فإنها لن تنتشر في أسواق المسلمين، وإنما تنتشر في أسواق المسلمين حينما لا تكون هناك مقاطعة، وهذا دليل أكيد على ضعف شخصية الأمة الإسلامية.
الجواب: أما بالنسبة للإحسان فالله تعالى يقول: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة:8]، والمراد بالبر: الإحسان إليهم، فحينما يفتقر في بلاد المسلمين رجل كافر فالأمة الإسلامية لا تُنهى أن تحسن إلى هذا الرجل الكافر، كما كان يفعل ذلك عمر رضي الله عنه في خلافته، أما أن يصل الأمر إلى ولاء ومحبة وتبادل هدايا أو أقراض وقضاء حاجات وذوبان مع هؤلاء فذلك لا يجوز، أما إذا كان الأمر فقط مجرد إحسان تستطيع من خلال هذا الإحسان أن تجذبه إلى الإسلام، وأن تحبب له دين الإسلام، فهذا أمر طيب ولا بأس به، أما أن تريد أن تذوب حتى لا تفرق بين مسلم وكافر وثنياً أو يهودياً أو نصرانياً فهذا هو الأمر الخطير.
لكن يجب أن يكون السؤال: لماذا بلاد المسلمين ولماذا الدوائر الحكومية يكون فيها الوثنيون واليهود والنصارى؟! فهناك مليار من المسلمين أكثرهم يموتون جوعاً في بلاد البنغال وغيرها، فلماذا لا تكون العمالة من بلاد المسلمين؟! فمثلاً: التمريض الآن لا نكاد أن نجد فيه خمسة في المائة مسلمات، مع أن هناك في بلاد الفلبين اثني عشر مليوناً من المسلمين، ولكن كم رأينا من المسلمات الممرضات أو من المسلمين الممرضين من يؤتى به إلى هنا؟ فالسؤال يجب أن يقال: لماذا هؤلاء يكثرون في دوائر الحكومة؟! ولماذا هؤلاء يكثرون في العمالة وفي المؤسسات؟! ولماذا لا يستبدل هؤلاء بالمسلمين، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ [آل عمران:118]؟! ولماذا نكثر سوادهم ونعطيهم أموال المسلمين، وبأموال المسلمين يُذبح المسلمون في الهند وُيذبح المسلمون في الفلبين وفي مناطق كثيرة؟!
فهذا السؤال يجب أن يكون دائماً أمام أي واحد من المسلمين ليجيب عليه، ويجب على العالم الإسلامي أن يرجع إلى هذا الدين الصحيح حتى لا يعتمد على غير المسلمين بعد الله عز وجل.
الجواب: الحقيقة أن هذه من الأخطاء الشائعة الكبيرة، فالله تعالى يقول: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، فليس الكافر أخاً للمسلم، وعلى هذا نقول: يجب أن تُستبدل هذه الكلمة ما دمنا مجبرين على أن نعيش مع هؤلاء ونحتاج إليهم بكلمات لا تدل على الولاء ولا على المحبة، وإنما تكون كلمات فقط كافية للنداء.
الجواب: التعامل مع غير المسلمين الذين لا يحاربون الإسلام أمر جائز، فالرسول صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهون عند يهودي، لكن حينما يكون المسلم بحاجة إلى بيتك أو بحاجة إلى مالك أو إلى أمر من أمورك فهو أحق بهذا الأمر، لكن هذا الكافر ما دام قد سُمح له بالبقاء في بلاد المسلمين فإن استطعت ألا يكون قريباً منك فافعل، أما إذا كان هذا البيت ملاصقاً لك أو ملاصقاً لأسرة مسلمة فلا تفعل ذلك؛ حتى لا يؤثر على هؤلاء المسلمين، وأما إذا كان في منأى عن البلد ولا يختلط بالمسلمين فلعل ذلك يجوز، وذلك كأمر ضروري فقط، وإلا فالأصل أن الإنسان يجب ألا يتعاون مع هؤلاء في أي أمر من الأمور.
الجوب: الحقيقة أن الإعجاب بالكافرين هو أكبر سبيل للذوبان في أخلاقهم وسلوكهم، ولذلك فإن الثناء عليهم لا يجوز، ويقابل ويصطحب هذا الثناء سب المسلمين، فالذين يأتون بالعمالة الكافرة إذا قيل لهم: اتقوا الله، يقولون: هؤلاء يصدقون بالوعد، والمسلمون خونة، والمسلمون يضيعون الوقت في الصلاة وفي الصيام! نعوذ بالله! وهذا الأمر خطير جداً، ولربما يكون هناك شيء من الصحة أن هؤلاء الكفار قد يوفون بالوعد وغير ذلك، والسر في ذلك يرجع إلى أنهم يشعرون بالنقص، فهم يريدون أن يكملوا، لاسيما إذا أرادوا أن يحرفوا الأمة الإسلامية، فإنهم من خلال هذه الأخلاق يستطيعون أن يؤثروا على الأمة الإسلامية، إضافة إلى أن الكافر قد انتهى منه الشيطان، فلماذا يأمره بإخلاف الوعد أو بالخيانة أو ما أشبه ذلك؟ وماذا يفعل الشيطان بالبيت الخرب، كما جاء في الأثر؟
وعلى كل: أيها الإخوة! إن كانت هناك بعض الصفات صحيحة بالنسبة لهؤلاء فيجب عدم الاهتمام بها؛ لأن الإسلام فوق ذلك كله، وإن كانت الأمة الإسلامية مطالبة بالوفاء بالعهد وبجميع مكارم الأخلاق، أما أن تكون هذه الصفة من صفات الكفار، أو الذين ذهبوا إلى بلد الكفار وصاروا يشرحون أوضاعهم ويبينونها للناس هنا إنما يريدون أن يبثوا دعاية لهؤلاء الكافرين، وهؤلاء لا خير فيهم، فننصح الإخوة أن يتعاملوا بمثل هذا التعامل؛ لأن ذلك يؤدي إلى الثناء على من لا يستحقون الثناء من أولئك الذين طردهم الله عز وجل من رحمته.
الجواب: ما علينا إلا أن نقرأ القرآن بتفهم وتدبر فسنجد كيف أن الله عز وجل يعد المسلمين بالفرج والنصر، كما قال عز وجل: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ [المائدة:52]، وقال: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173]، إلى غير ذلك من الآيات، لكن الشيطان يخوف أولياءه؛ فإذا ضعف الإيمان في ذهن واحد من الناس وفي عقل واحد من الناس بدأ الشيطان يخوفه بأعداء الله عز وجل، أما الأمر الذي يجب أن نتأكد منه فهو أن النصر بيد الله وليس بيد البشر، وأن الله عز وجل يؤتيه من يشاء، كما قال عز وجل: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:249]، وعلى هذا فإن الاعتماد على ما في أيدي الكافرين وأعداء الإسلام إنما هو ذلة ومهانة، وما في يد الله عز وجل هو الأمر الحق.
الجواب: نعم هما لفظان متباينا اللفظ، لكنهما متفقان في المعنى، فالحب في الله معناه: الولاء، والبغض في الله معناه: البراء من الكافرين ومن الفسقة المجرمين.
والولاء والبراء والحب والبغض في الله سبحانه وتعالى هو أن الإنسان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ويكره الإنسان من أجل بعده عن دين الله عز وجل، هذا هو معنى الولاء والبراء، ومعنى الحب والبغض في الله سبحانه وتعالى، والأولان هما اللذان جاءا في القرآن في قوله تعالى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]، وهكذا البغض أيضاً.
الجواب: هذا ليست له طاعة؛ لأمرين:
الأمر الأول: أنه منحرف بفطرته وبطبيعته.
الأمر الثاني: أنه هو بنفسه يأمر في غير طاعة الله عز وجل، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ فإن حضور مجالس الذكر، والخروج مع الإخوة الصالحين الذين تأنس بهم وتطمئن إليهم وتستفيد من أخلاقهم وسلوكهم، إنما هو عبادة، وما دام الأمر عبادة فلا طاعة لهذا الأخ، لاسيما وأنه منحرف، وعلى هذا نقول: عليك أن تعصيه في مثل هذه الأمور أياً كان هذا الإنسان ما دام ذلك في طاعة الله عز وجل، أما هو فيجب عليك أن تحذره ما دام لا يحافظ على الصلاة ولا على طاعة الله تعالى، وما دام يتعاطى أشياء من المحرمات.
الجواب: إذا كانت المعصية صغيرة فلا بأس في موالاتهم مع النصيحة، أما إذا وصلت إلى درجة الكبائر فعليك أن تنصحهم مرة بعد أخرى، فإذا عجزت فعليك أن تقاطعهم، وأن تبتعد عنهم، وهذا هو الهجر الذي أمر الله عز وجل به، والذين قال فيهم الله عز وجل: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام:68]، وعلى هذا فإننا نقول: تجب مقاطعة هؤلاء، لكن يجب أن تقدم النصيحة من حين لآخر إلى هؤلاء؛ لعل الله أن يهديهم، فإذا عرفت أنهم لا يستفيدون أو أنك ربما تتأثر بمجالستهم فعليك أن تبتعد عنهم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر