وبعد:
فيقول سبحانه وتعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ [الرحمن:31] ، قوله تعالى: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ ) أشكل على بعض العلماء، فقال بعضهم: كيف يقول ربنا: سنفرغ؟ أبالله شغل عن خلقه حتى يقول: سَنَفْرُغُ لَكُمْ [الرحمن:31]؟!
فلذلك أوّل بعض العلماء هذه الآية، فقال بعضهم: سَنَفْرُغُ لَكُمْ [الرحمن:31] أي: سنحاسبكم وسنقضي بينكم.
ومن أهل العلم من قال: هي حاملة لمعنى التهديد ولمعنى الوعيد، فالله سبحانه ليس به شغل، ولكنه يتوعد العصاة ويهددهم بقوله: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ [الرحمن:31].
فعلى ذلك: أشهر الأقوال في تفسير قوله سبحانه: ( سَنَفْرُغُ ) قولان:
أحدهما: أنها على معناها لكنها مضمنة للتهديد ومضمنة للوعيد.
والآخر: ( سَنَفْرُغُ لَكُمْ ) أي: سنحاسبكم وسنقضي بينكم.
و(الثَّقَلان) هم الإنس والجن كما تقدم.
من أهل العلم من قال: هذا الكلام يوجه للثقلين في الآخرة، فيقول الله لهم في الآخرة: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الرحمن:33]، يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ [المعارج:8-9] ، وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ [الفرقان:25].
حينئذٍ يحاول الإنسان الهرب، ويحاول الجان الهرب، فلا يستطيعون الفرار، كما قال الله سبحانه: يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ [القيامة:10-12].
فمن أهل العلم من قال: إن قوله سبحانه: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا [الرحمن:33] هذا كلام يوجه إلى الإنس والجن الآن، ويوم تشقق السماء، وبين يدي الساعة عند حدوث الأشراط الكبرى لها، فلا يستطيعون الفرار كما قال تعالى: فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ [ص:3] أي: وليس ثمّ مفر. فهذا قول.
لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ [الرحمن:33] على هذا التأويل قالوا: إن المراد بقوله: لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ [الرحمن:33] أي: لا تنجون إلا بأمر الله سبحانه وتعالى، فهذا هو التأويل الأول لهذه الآية، أن هذا الكلام محله بعد أشراط الساعة الكبرى، يوم أن تشقق السماء بالغمام.
وثمّ قول آخر ألا وهو: أن هذا القول في الحياة الدنيا، فيبين الله سبحانه وتعالى أنه لا طاقة ولا قدرة للإنس ولا للجن على اختراق السماوات، وعلى التنصت عليها كما كان الجن يفعلون قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان مسترقو السمع من الجن -كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم يعرجون إلى السماء واحداً فوق الآخر كما وصفه سفيان راوي الحديث بوضع إحدى كفيه على الأخرى إلى أن يصلوا إلى السماء، فيتصنتون على سماء الدنيا، ويستمعون إلى الملائكة وهم يتحدثون في العنان بما سيكون، فيخطفون الخبر من هؤلاء الملائكة ثم يمضون سريعاً إلى الكهنة والسحرة، فيلقون الخبر ومعهم مائة كذبة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم شددت الحراسة على السماء كما قالت الجن: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا [الجن:9] ، وكما قال الله سبحانه: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ [الصافات:6-9] ، فمن حاول اختراق السماوات سلطت عليه الشهب وأرسلت عليه النجوم فكانت رجوماً له، كما قال سبحانه: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ [الملك:5].
فالقول الثاني في تأويل هذه الآية: أن هذا في الحياة الدنيا، وهو تحدٍ للإنس والجن، وبيان عجز الإنس والجن عن اختراق السماوات واختراق الأرض.
وبهذه الآية وبضمينتها في سورة (ص) استدل الشنقيطي رحمه الله تعالى على بطلان المدّعى الذي فحواه: أن الإنسان صعد إلى القمر، ووصف هذه الأقوال بأنها أكاذيب، محتجاً بقوله تعالى: أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ [ص:10] والارتقاء: الصعود، والأسباب: الطرق الموصلة إلى السماء، ثم قال تعالى: جُندٌ مَا [ص:11] نُكِّر الجند للتعميم، جُندٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأَحْزَابِ [ص:11] ، أي: أن من يفكر في غزو السماء واختراق السماء الدنيا محكوم عليه بالهزيمة، كما قال تعالى: جُندٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأَحْزَابِ [ص:11] ، واستظهر أيضاً بقوله تعالى في هذه السورة: يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ [الرحمن:35] ، والله أعلم بصدق هذا المدّعى الذي ادعوه وهو الصعود إلى القمر، فقد ثارت في بعض الأزمنة محاولات لغزو الفضاء يعرفها كبار السن منكم إبان التنافس في غزو الفضاء بين الروس والأمريكان، فقد كانت ترسل الأولى سفناً للفضاء والأخرى ترسل، وبعد زوال ما يسمى: بالاتحاد السوفييتي، ماتت كل هذه الأشياء، ولم يعد لها الآن أي ذكر على الإطلاق.
وقد ذكر أن بعض الصينيين ألف كتاباً يثبت فيه: أن هذه كانت محاولات تجريها المخابرات الأمريكية والأمريكان في صحراء نيفادا، وليس للصعود على القمر حقيقة، فالله أعلم بصحة هذه الادعاءات، هو وحده سبحانه أعلم.
أما كوننا نجبر على تصديق الأمريكان في دعواهم فليس عندنا في ديننا ما يجبرنا على تصديقهم، فهم من حيث الأصل كفار، لهم أخبار تصدق وأخبار تكذب؛ إذ من شأنهم القول المشحون بالصدق مع الأكاذيب، وليس في ديننا ما يثبت ذلك، أما ما ينفيه فقد سمعتم ما ينفيه، والمسألة ما زالت محل نظر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وكما قال تعالى أيضاً في كتابه: إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ [المرسلات:32] كالقصور، فالقصر مفرد قصور: كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ [المرسلات:33].
قال الله سبحانه: يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ [الرحمن:35] أما النار فمعروفة، وأما النحاس فمن أهل العلم من قال: هو الدخان، لكن كثير من أهل العلم يذهبون إلى أنه النحاس المعهود لدينا.
فلم تشقق السماء؟! قال الله سبحانه وتعالى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا [الفرقان:25] فتتشقق السماء بالغمام وتنزل منها الملائكة.
ومن أهل العلم من قال: إنها تتشقق لشدة الحر الذي فوقها، فتذوب كما يذوب الدهن الذي مسته الحرارة، فالدهن إذا مسته الحرارة سال وانصهر، وتحول من الحالة الجامدة إلى الحالة السائلة، وفي هذا التحول تحت النار الشديدة تعتريه ألوان، فيتلون أثناء تغيره من الحالة الجامدة إلى الحالة السائلة، فكذلك السماء مما يعتريها من حر جهنم تسيل وتكون كالمهل، وتأخذ لون الورود لاحمرارها الزائد، وتتلون كما يتلون الدهن على حسب شدة لهب النار أو انخفاضها، فكلما اعتراها حر شديد أخذت لوناً، وإذا اعتراها حر آخر أخذت لوناً آخر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
للعلماء في ذلك مسالك: أحد هذه المسالك: أن المواقف يوم القيامة تتعدد وتتنوع، فاليوم كألف سنة مما تعدون، فلا يمتنع أن يسأل هؤلاء في موطن، ويترك سؤالهم في موطن آخر.
والوجه الثاني من أوجه الجمع: أن الله سبحانه وتعالى لا يسأل العبد المجرم: هل عملت كذا أو لم تعمل كذا؟ لكن إذا سئل سؤالاً يسأل للتوبيخ، وترك السؤال هو سؤال الاستفسار: هل عملت أم لم تعمل؟
أما هذا فقد يعكر عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله سبحانه وتعالى يدني المؤمن يوم القيامة فيضع عليه كنفه ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه: عملت كذا وكذا في يوم كذا وكذا؟ فيقول: نعم يا رب! فيقول الله سبحانه: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، وأما الكفار والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين).
ومن علامات أهل الإيمان: الغرة والتحجيل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل: (كيف تعرف أمتك من بين الأمم يا رسول الله؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أمتي تأتي يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء)، فتأتي الوجوه بيضاء، والأيدي بيضاء، والأرجل بيضاء من آثار الوضوء، وكذلك علامات الإيمان تظهر في الوجوه، كما في قوله سبحانه: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح:29].
أما أهل الفسق فلهم علامات كذلك: فالغادر يحشر يوم القيامة معلماً بعلم عند استه، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه، يقال: هذه غدرة فلان بن فلان).
ومانع الزكاة يعرف فيطوقه الشجاع الأقرع كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا سائر أصحاب الكبائر: (من ظلم قيد شبرٍ من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين).
أما أهل الكفر فلهم علامات منها: زرقة العيون، كما قال الله سبحانه: وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا [طه:102] أي: نحشرهم زرق العيون، وسود الوجوه، كذلك قال سبحانه: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106].
قال الله جل ذكره: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ [الرحمن:41] ومن هم المجرمون؟ هل هذه الآية تنزل على الكفار فحسب؟
نقول: الإجرام هنا أعم من أن يكون منزلاً على الكفار فحسب، فتارك الصلاة مجرم بنص كتاب الله سبحانه: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:38-43] وإن الحكم عليه بالإجرام لا يعني أنه كافر مخلد في النار، فقد يدخل النار إذا لم يغفر الله له، ثم يخرج برحمة الله سبحانه وتعالى, على ما تقدم من تفصيل في حكم تارك الصلاة.
يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ [الرحمن:41] أي: تضم الناصية إلى القدم ويقذف به في النار، فقوله تعالى: فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ [الرحمن:41] حذف ما بعده وفهم المراد من السياق ومن دلالته، فلم يقل الله سبحانه: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ [الرحمن:41] ثم يقذفون في النار؛ لأن الجميع يعلم أنه يؤخذ بالنواصي والأقدام ثم يأتي بعد ذلك القذف في النار، فلكون السامعين يعلمون ذلك حذف من السياق.
فتضم ناصية الشخص -وهي مقدم رأسه- إلى رجليه ويقذف في النار، وإن كان أبوه نبياً، وإن كان ولده نبياً، فالله يقول: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166]، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (يلقى إبراهيم أباه
انظر إلى حكمة الله سبحانه في تعذيبهم، فهم قد رأوا النار وعاينوها بأعينهم، ومع ذلك يقول سبحانه: بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:28]، فيرون النار بأعينهم، وربنا أصدق القائلين يقول: وهم بعد رؤيتهم للنار وبعد وقوفهم عليها ومعرفتهم لحقيقتها، لو ردوا إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون.
فقوله: (آن) أي: بلغ أعلى درجات الغليان، هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ [الرحمن:43-44] أي: يصلون حرها، ويأكلون من زقومها، ثم يتجهون إلى الشراب كي يخفف عنهم فإذا هو بالحميم الآن، الذي يقطع الأمعاء، ويشوي الوجوه قبل وصوله إلى الأفواه، كما قال تعالى: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا [الكهف:29].
وهذا مقابل أهل العصيان والتمرد، وكما قال فريق من أهل العلم: إن القرآن أطلق عليه مثاني؛ لكونه يأتي بالشيء وبمقابله، فيأتي بأهل النار ثم يأتي بذكر حال أهل الجنة، ويأتي بذكر البرد وبعده يأتي بذكر الحر، فيأتي بالأشياء ومقابلتها، يذكر حال الأبرار ثم يذكر حال الأشرار، فلذلك سمي القرآن: مثاني، على قول فريق من العلماء.
فالله سبحانه بين الله حال الأتقياء، حيث قال: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46].
فهذا فريق من العباد قويت عنده مراقبة ربه سبحانه وتعالى، فأيقن أن الله معه في كل وقت وحين، فانزجر عن المعاصي وانكف عن الآثام، ويدخل فيهم الصديق يوسف صلى الله عليه وسلم لما رأى برهان ربه وخشيه بالغيب، ويدخل فيهم ذلك الرجل الذي دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ويدخل فيهم ذلك الرجل الذي قعد بين رجلي ابنة عمه، فلما قالت له: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، قام وتركها، ويدخل فيهم الكفل من بني إسرائيل، وإن كان الحديث فيه ضعيفاً، لكن معناه ثابت من نصوص أخر، والله لا يعجزه شيء، وفحوى حديثه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كان
الشاهد: أن خوف مقام الرب سبحانه تندرج تحته كل هذه المفردات وغيرها.
وأيضاً من خوف مقام الرب معنى آخر وهو: تذكر لقائه يوم القيامة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه البخاري من حديث عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر عن شماله فلا يرى إلا ما قدم، وينظر من أمامه فلا يرى إلا النار، فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل، ومن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بكلمة طيبة فليفعل)، فهذا أيضاً داخل في الخوف من مقام الرب سبحانه، ومن لقاء الرب سبحانه وتعالى.
وكذلك قوله تعالى: فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ [الرحمن:50].. فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ [الرحمن:52] قال: التثنية على سبيل التوافق.
إذاً: قول الفراء مردود من ثلاث وجوه:
أحدها: النص بأنهما جنتان.
الثاني: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم للجنتين.
الثالث: قوله تعالى: (فيهما).
فلا معنى لمثل هذه الأقوال التي تصادم صريح الكتاب العزيز.
ومن العلماء من قال: إن الجنتين جنة له لمقامه كمؤمن، وجنة ورثها من الكافر أو اليهودي أو النصراني كما قال تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72] وكما قال الرسول صلى الله عليه على آله وسلم: (ما منكم من أحد إلا وقد أعد له مقعده من الجنة ومقعده من النار)، فإذا دخل المسلم الجنة ورث مقام النصراني أو اليهودي فيها، وورث النصراني أو اليهودي أو الكافر مقامه من النار فيكون للمؤمن إذاً جنتان، جنته الحقيقة المعدة له، وجنته أيضاً التي ورثها من الكافر أو اليهود أو النصراني.
الجواب: إذا لم توجد وسيلة لدفع الضرر إلا بالنار فيجوز إحراقها بالنار؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لدغت نملة نبياً من الأنبياء فأمر ببيت النمل فأحرق، فأوحى الله إليه: هلا نملة واحدة؟ أهلكت أمة من الأمم تسبح)، فأخذ العلماء من هذا الحديث: أن النملة التي آذت النبي يجوز أن تستثنى من عموم النهي عن الحرق بالنار، أو عموم القتل، فإذا قلنا: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يعذب بالنار إلا رب النار) فمحل هذا إذا كانت هناك وسيلة أخرى تقوم مقام الحرق بالنار في نفس المفعول.
أما إذا قال القائل: إن الكبس لا يقضي تماماً على هذه الحشرات التي تذهب بمحصول المسلمين، فحينئذٍ نتجه إلى الحرق بالنار، إذا لم توجد وسيلة أحسن وأفضل من هذه الوسيلة للقضاء على مثل هذا أو تشابهها، والله أعلم.
الجواب: ما مرّ علي هذا الحديث، لكن للمعلومية مسانيد الطبراني في الأوسط أغلبها ضعيفة، فإذا تفرد الطبراني في الأوسط بحديث على أقل تقدير (90%) مما تفرد به الطبراني في الأصل ضعيفة.
الجواب: لا أعلم عنه شيئاً.
الجواب: لا أعلم عنه شيئاً أيضاً.
الجواب: أما الإثم فلا إثم عليه، فإن المسألة خلافية بين أهل العلم، فبعض أهل العلم ذهب إلى عدم القنوت إلا في وقت النوازل، ويكون حينئذٍ في عموم الصلوات.
الجواب: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في فجر الجمعة بالسجدة وهل أتى على الإنسان، لكن لم يرد أنه كان يداوم عليهما أو لم يكن يداوم، هكذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في فجر الجمعة بالسجدة وهل أتى على الإنسان، فإن قرأتهما فلا بأس، وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن قرأت غيرهما فالله يقول: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20]، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الجواب: الحديث ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤمكم أقرؤكم؟ قال
فمن الفقهاء من يمنع غير البالغ من إمامة الناس إذا كان فيهم من هو بالغ ومتقن للإمامة، وإذا احتججنا عليه بهذا الحديث يقول: ما أدراكم أن الرسول عليه الصلاة والسلام علم أن عمرو بن سلمة كان يؤم القوم في الصلاة وأن الرسول عليه الصلاة والسلام أمره بذلك أو علم به؟
فاستدل عليه الجمهور بأن جابراً قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل) أي: لو كان العزل حراماً لنزل فيه قرآن، فمن أجوبة الجمهور قولهم: وكذلك لو كانت إمامة عمرو ليست بجائزة لنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآن يبين عدم جوازها، فالمسألة مسألة أخذ ورد.
فالذين قالوا بعدم الإمامة قالوا: إن الخطاب في قوله عليه الصلاة والسلام: (يؤم القوم أقرؤهم) موجه للبالغين كسائر أنواع الخطاب، لكن بعض الصحابة فهم أنه عام، لكن في الشرع الخطاب موجه للبالغين، قإذا قلنا: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، والصبي هذا ليس بمكلف من حيث الأصل، فإن له أن يصلي بالناس وينصرف ويتركهم قبل إتمام الصلاة، هذه وجهة نظر الذين قالوا بعدم إمامة الصبي، وهم الحنابلة، وطائفة من أهل الظاهر كذلك.
فأجابوا على حديث عمرو بن سلمة بأمرين:
أحدهما: ما أدرانا أن الرسول علم ذلك وأقره؟
ثانيهما: أن الخطاب في الشرع موجه للبالغين.
أما المجوزون وهم الجمهور، فاستدلوا بعموم الحديث وقالوا: إن عمرو بن سلمة أمّ قومه والرسول عليه الصلاة والسلام أقره، لعدم وجود نهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك حراماً لنزل فيه قرآن.
فالمسألة فيها وجهتان لأهل العلم، أما الحديث فهو ثابت كما هو معلوم، والله سبحانه أعلم.
الجواب: إذا كان الحَمَامُ يوضع للزينة فالاتجار فيه لا بأس به؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى بيت أنس بن مالك وله أخ يقال له: أبو عمير له طائر يلعب به يقال له: النغير، فيسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن طائره: (يا
أما الاشتغال بمهنة صيد الحمام والأبراج على السطوح التي لها صفير، والتي فيها سرقة لحمام المسلمين، فقد كرهها أكثر العلماء، ومنهم من وصف فاعلها بالفسق؛ لما يعتريه من أكل للحرام، ولما يعتريه من أخلاقيات لهؤلاء الناس من الصفير والغزل، والله أعلم.
الجواب: نعم، يجوز العمل في القميص (الإفرنجي) وفي (البنطلون) إذا كان واسعاً وسابغاً.
الجواب: الراجح عندي والله أعلم أنه ينتهي إلى قوله: أشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ لما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنهما أنه قال -لما علم التابعي التشهد ووصل إلى قوله: أشهد أن محمداً عبده ورسوله-: إذا بلغت ذلك فقم. وأنا إلى الآن ما علمت أحداً من العلماء الأوائل قال بإتمام التشهد الأوسط إلى نهايته، لكن المسألة ما زالت محل بحث، وأنا ما زلت أبحث في هذه المسألة.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصبحه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر