إسلام ويب

كلمة في عقيدة أهل السنة والجماعةللشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
  • عقب الشيخ رحمه الله على محاضرة في العقيدة ألقاها أحد الإخوة تضمنت فصولاً جيدة مهمة، وقد تضمن هذا التعقيب شذرات مفيدة عن أهمية العقيدة، ومصدرها، وبعض مسائلها...

    1.   

    شذرات من العقيدة الصحيحة

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    أما بعد:

    فقد سمعنا جميعاً هذه المحاضرة القيمة من فضيلة الشيخ/ عبد الرحمن بن حماد بن عمر، والتي هي عن عقيدة أهل السنة والجماعة ، وهي محاضرة -بحق- مفيدة، وموافقة لما هو معروف عن أهل السنة والجماعة.

    ومن المعروف أن الناس اغتروا كثيراً، وتنوعت بهم الطرق، وحاد كثيرٌ منهم عن الطريق السوي، فوفق الله أهل السنة والجماعة، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنهم، ومن تبعهم بإحسان، للأخذ بما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مما دل عليه كتاب الله العزيز، ومما جاء في السنة الصحيحة، هدى الله أولئك الأخيار وهم الصحابة ومن سلك سبيلهم، للأخذ بالحق والسير عليه، والتعرف إليه.

    وهؤلاء أهل السنة والجماعة هم أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام رضي الله عنهم، وأتباعهم بإحسان؛ من التابعين، وأتباع التابعين، وأئمة الهدى من بعدهم إلى عصرنا هذا، ومن سار على طريقهم فهو منهم، جعلنا الله و إياكم منهم.

    وقد أجاد فضيلة الشيخ/ عبد الرحمن وأفاد عن هذه العقيدة العظيمة، فجزاه الله خيراً، وأعظم مثوبته، ونفعنا وإياكم جميعاً بما سمعنا وعلمنا، وزادنا وإياكم وإياه علماً وفقهاً وتوفيقاً وفهماً.

    ورد أن هذه العقيدة يجب على كل مسلمٍ أن يعرفها وأن يفهمها؛ لأن كثيراً من الجهلة والمنحرفين وأعداء الإسلام يلبسون على الناس في عقائدهم، ويتكلمون فيها بجهل وبغير علم، وبقصد سيئ، للتضليل، والتشبيه، والتزييف، وقصد انحراف الناس عن الهدى، فإذا كان المسلم على بينة وعلى بصيرة بالعقيدة الصالحة؛ استطاع أن يحذر شر هؤلاء، وأن يبتعد عما يطلبون من الشر، ويدعون إليه من الباطل، بما أعطاه الله من الهدى والبصيرة.

    وقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)، فعلامات السعادة والخير أن يُفَقّهَ العبد في دين الله، وأن يتبصر في أمر الله؛ هذه علامة أن الله أراد به خيراً، أما الإعراض، والجهل، والغفلة، وعدم العناية بأمر الدين؛ فهذه علامة ظاهرة على أن الله ما أراد بالعبد خيراً، فينبغي للمؤمن أن يحذر هذا الخلق، وهو خلق الإعراض والرضا بالجهل، وعليه أن يتعلم ويتفقه ويحضر حلقات العلم، ويسأل عما أشكل عليه.

    مصادر اقتباس العقيدة الصحيحة

    وهذه العقيدة بحمد الله ميسرة؛ لأنها في كتاب الله الذي تقرؤه -أيها المسلم- دائماً، هذه العقيدة في كتاب الله عز وجل، في القرآن العظيم، الذي فيه الهدى والنور، وهو ميسر بين يديك، تستطيع قراءته ليلاً ونهاراً في جميع الأوقات، وقد بيّن فيه سبحانه وتعالى العقيدة الصحيحة، وبيّن فيه ما يجب له من الحقوق، وبيّن أسماءه وصفاته، وبيّن أمر الآخرة والجنة والنار، وبيّن صفات الأخيار وصفات الأشرار.. بيّن صفات المؤمنين وصفات الكافرين، وبيّن أعمال أهل الجنة وأعمال أهل النار، فأنت إذا تدبرت كتاب ربك عرفت منه العقيدة الصحيحة، قال الله جل وعلا: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، وقال سبحانه: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ [فصلت:44]، وقال عز وجل: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]، وقال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]، وقال: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155].

    ثم ما صح من السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ميسر مدون وموجود في كتب أهل العلم، ففي إمكان طالب العلم، وفي إمكان المسلم وطالب الحق أن يسأل عن كل ما أشكل عليه، وأن يكون على بينة وعلى بصيرة؛ ولاسيما عند سماع ما قد يشكل عليه، وعند دعوته إلى ما قد يشكل عليه بإمكانه أن يسأل أهل العلم، ويتبصر حتى يعلم الحق بدليله، وحتى يسلم من شبهات المشبهين، وتضليل الضالين، وقد قال الله جل وعلا: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة:100]، فالمتبعون للصحابة بإحسان هم المرضي عنهم، وهم أهل الجنة، جعلنا الله وإياكم منهم! واتباعهم بالعلم النافع، والتفقه في الدين، وبالعمل بما كانوا عليه من طاعات، وترك ما حذروا منه من البدع والخرافات والمحرمات، والسير في الطريق السوي الذي ساروا عليه واستقاموا عليه؛ وهو صراط الله المستقيم.

    توحيد الألوهية

    ومن ذلك ما سمعتم من توحيد الله وتخصيصه بالعبادة، وأن الواجب أن يخص سبحانه وتعالى بالعبادة دون ما سواه، وإن انحرف كثير من الناس، وهم ينتسبون إلى الإسلام، ويزعمون أنهم مسلمون، ومع ذلك انحرفوا عن الطريق السوي في طاعة الله وعبادته، وقوم يعبدون القبور وأهل القبور، ويستغيثون بهم، وينذرون لهم، ويطلبون منهم المدد: المدد المدد يا فلان! وربما طافوا بقبورهم، وهذا من أقبح الشرك بالله عز وجل؛ فإن الله سبحانه وتعالى قال: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجـن:18]، وقال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186]، وقال: وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، فهو سبحانه يدعى ويرجى، أما الأموات والأشجار والأحجار والأصنام فلا، هذا دين الجاهلية ودين المشركين، أما دين أهل التوحيد. أهل الإسلام، فهو توحيد الله وإخلاصه، وهذا معنى (لا إله إلا الله)، ومعناها: لا معبود بحقٍ إلا الله.. وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] وقال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5].

    توحيد الربوبية

    كذلك الإيمان بأن الله هو الخالق الرازق، مدبر الأمور، مصرف الأشياء، بيده كل شيء، العالم بكل شيء، والقادر على كل شيء، بيده الضر والنفع، والعطاء والمنع، فتضرع إليه، وتسأله حاجاتك سبحانه وتعالى، وتستقيم على شريعته، وتحذر ما خالفها.

    توحيد الأسماء والصفات

    ومن ذلك ما سمعتم من العناية بالإيمان بالله وأسمائه وصفاته، وأن أسماءه كلها حسنى، وأن صفاته كلها علا، وأنه موصوف بها على الوجه الذي يليق به جل وعلا، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، ولا زيادة ولا نقصان؛ فالمؤمن يُمِر آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت، ولا يتأول، ولا يحرف، ولا يزيد ولا ينقص، ولا يكيف، ولا يعطل؛ بل يؤمن بأن الله جل وعلا موصوف بأسمائه وصفاته على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى.

    فكما أن ذاته سبحانه حق لا تشبه الذوات، فهكذا صفاته كلها حق لا تشبه صفات المخلوقين، فهو سبحانه موصوف بصفات الكمال، منزه عن جميع صفات النقص والعيب.

    نؤمن أن الله تعالى مستوٍ على العرش استواءً يليق بجلاله وعظمته، لا يشابهه الخلق في استوائهم، استواؤه على العرش ليس مثل استواء المخلوقين على دوابهم، أو على سياراتهم، أو على طائراتهم، أو على سطوحهم، لا! وإنما هو استواء يليق بالله، لا يشابهه الخلق في صفاته جل وعلا، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، وقال سبحانه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:4] وقال: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:74] فيقال: الاستواء معلوم، والارتفاع معلوم، والكيف مجهول، لا نعلم كيفية الاستواء وكنهه هذا! ولكن نعلم أنه سبحانه فوق العرش، وأنه عالٍ فوق جميع خلقه، وأنه العلي الأعلى ليس فوقه شيء سبحانه وتعالى.

    وهكذا الموصوف بأنه الرحمن، والرحيم، والسميع، والبصير، وبأنه يغضب ويرضى، ويعز ويذل، ويعطي ويمنع.. إلى غير ذلك.

    وهو موصوف بأن له يدين وقدمين جلا وعلا .. يسمع ويبصر.. له أصابع تليق بالله لا يشابه خلقه سبحانه وتعالى.

    وقد أخبر عن نفسه بأنه سبحانه وتعالى له يدان، قال جل وعلا: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، وقال سبحانه وتعالى: يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، وقال: وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يد الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار)، وقال: (إن جهنم لا تزال يلقى فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع الجبار فيها رجله، فيلتوي بعضها على بعض فتقول: قَطْ قَطْ) أي: حسبي حسبي.. نسأل الله العافية!

    فالمقصود أن صفاته سبحانه تليق به جل وعلا، لا يشابهه خلقه سبحانه وتعالى، فـأهل السنة والجماعة من الصحابة ومن اتبع سبيلهم يمرونها كما جاءت، ويؤمنون بها ويعلمون أنها حق، وأن الله سبحانه وتعالى لا يشابه الخلق في شيء من صفاته جل وعلا.

    حقيقة الإيمان

    وهكذا في الإيمان والمعاصي والطاعات، أهل السنة والجماعة لهم طريق ولهم صراط مستقيم، ليس كطريق أهل البدع من الخوارج والمعتزلة وغيرهم، فـأهل السنة والجماعة يقولون: إن الإيمان يزيد وينقص -الإيمان بالله ورسوله يزيد وينقص- يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وأصل إيماننا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأركان الإسلام خمسة -وهي معلومة لديكم-: الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وأركان الإيمان ستة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، مع ما في هذا من الفائدة والعلم.

    هذه أصول أهل السنة والجماعة، عليها ساروا، وعليها استقاموا، وأهل البدع الذين غيروا وبدلوا على أنواع وعلى أقسام، لكن أهل السنة والجماعة ثابتون على الحق، يؤمنون بالله ورسوله، ويصدقون بما جاء عن الله ورسوله، ويقولون: إيماننا يزيد وينقص.. بالصلاة، بالصيام، بالحج، بالجهاد، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقوى إيمان العبد ويتضاعف ويزيد ويكثر، وإذا عصى بسرقة، أو عقوق، أو قطيعة رحم، نقص إيمانه وضعف، لكن لا يكون كافراً، مثل الشجرة إذا قطع منها غصن أو غصنان لا تزول، وإنما يكون شيء منها ناقصاً، فإذا قطع أساسها واجتث ذهبت، وهكذا الإيمان، له أساس، وله أصول، وله فروع، فإذا قطع من فروعه بعض الأشياء لا يزول بل يبقى معه أصل إيمان، كما في أصل الشجرة، فـأهل السنة والجماعة يقولون: الإيمان يزيد وينقص، بالاستقامة على طاعة الله، والمحافظة على دين الله؛ يقوى الإيمان ويزداد ويكمل، وبتعاطي العبد بعض المعاصي التي لا تكفره، كشرب الخمر، والزنا، والعقوق، وشهادة الزور، والدعاوى الباطلة، والأيمان والكاذبة، وأشباه ذلك؛ هذه كلها نقص في الأصول والفروع، كلها تضعف الإيمان والدين، ولكن لا يكون كافراً، وبعض أهل البدع يقولون: متى سرق كفر، ومتى زنا كفر، ومتى شرب الخمر كفر، ليس عندهم فرق بين الأصول والفروع، ولا بين الزيادة والنقصان، كـالخوارج، وهذا باطل.

    وكذا المعتزلة من جنسهم يقولون: متى فعل هذه الكبائر خرج من الإسلام، وكان مخلداً في النار يوم القيامة، وإن تورعوا عن تكفيره، لكنهم مع مكفريه في المعنى.

    أما أهل السنة والجماعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعهم بإحسان، فيقولون: إن الإيمان يزيد وينقص ما دام أصله موجوداً، أما فروعه فإنه إذا أخل منها بشيء لا يكفر ما لم يستحله، فإذا زنى وهو يعلم أن الزنا حرام يكون ناقص الإيمان ضعيف الإيمان، مستحقاً لعقوبة الله والحد في الدنيا والعذاب في الآخرة إذا فعل ذلك.

    كذلك إذا شرب الخمر وهو يعلم أنها حرام، وأنه عاصٍ، فهو عاصٍ وإيمانه ناقص، ويستحق الحد في الدنيا والعذاب في الآخرة، لكن لا يكون كافراً مثل اليهود والنصارى والمشركين، إلا إذا استحله، إذا قال: إن المسكر حلال، والزنا حلال؛ صار كافراً كفراً أكبر مخرجاً عن الإسلام، كالكفار واليهود والنصارى وغيرهم، بل أشد؛ لأن الردة فوق ذلك.

    هذه الأشياء التي سمعتم ووضحت لكم أصول ومهمات عظيمة، ينبغي أن تكون على البال.

    عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة

    ومن أهم أصول أهل السنة والجماعة: محبة الصحابة رضي الله عنهم، والترضي عنهم، والكف عما شجر بينهم؛ فإن الرافضة يسبون الصحابة، يسبون أبا بكر وعمر وعثمان وجمهور الصحابة، ويلعنونهم، وهذا من أعظم البلاء والعياذ بالله! وهذا من جهلهم وضلالهم وانحرافهم عن الهدى -نسأل الله العافية- ويزعمون أن الصحابة ظلموا، وأن الخلافة لـعلي، وأنهم تعدوا عليه وأخذوا الخلافة منه، فكفروهم وفسقوهم بهذا.

    والرافضة ضالون مضلون، قد خالفوا الطريق، وخالفوا ما عليه أهل السنة والجماعة، وخالفوا النصوص.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    766420697