أيها الأحبة في الله: مما تعلمناه من مشايخنا ونعلمه أحبابنا وإخواننا أن يتجنبوا الثناء والمديح في مستهل المحاضرات واللقاءات، وكما قال ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر: يا مسكين! إن أعجب الناس بك، فإنما أعجبهم جميل ستر الله عليك، ولو كشف الله للناس كل سيئة من فعلك، لما رأيت أو سمعت في هذه الدنيا محباً، ليس منا أحدٌ إلا وله هنات وأخطاء وتقصير وتفريط، لكن الله جملنا بأن الناس يرى بعضهم من بعض محاسن الأعمال، وسترنا ربنا ليخفي عن الناس مساوئها، فلا ينبغي لعاقل أن يغتر بكلمة هو يعلم أنه دونها.
وعلى أية حال، فحبيبـي وصديقي الشيخ/ محمد بن إبراهيم السبر أحسبه ولا أزكي على الله أحداً ممن يحترقون إخلاصاً وتفانياً وعملاً في الدعوة إلى الله عز وجل، أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحداً، ومحبة بيني وبينه ربما ساقت على لسانه هذه الكلمات من غير كيل ولا حساب، ولكن كما قال أهل العلم: من عرف بعداوة شديدة فشهادته مجروحة، ومن عرف بمحبة شديدة، فشهادته مجروحة، فلعل ما سمعتم من ثنائه يرد بعضه -وإن شئتم كله- عليه لشديد محبته وشديد محبتي له، أسأل الله أن يرفع درجاته وإياكم ونفسي في الجنة، وأن يجعلنا من المتحابين بنور وجهه، لنكون في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
أحبتي في الله: أهنئكم بشرف المكان وشرف المناسبة، فأما شرف المكان، فهو مهابط الرحمة، ومنازل الملائكة، حلق الذكر، رياض الجنة، والله ما من عبدٍ يندم يوم القيامة أنه جلس ساعة مع قوم يذكرون ربهم يتلون كلام الله ويتدارسونه، ويصلون على نبيهم صلى الله عليه وسلم، فمقامنا في هذا المكان شريف عظيم، وأي شرف أعظم من أن نكون في هذه الروضة التي تغشاها السكينة وتحفها الملائكة، وتتنزل عليها الرحمة، ويذكر الله أهلها والجالسين فيها في ملئه الأعلى، ولقد جلست مجالس عدة، وحضرت مواقع مختلفة، فلم أجد أشرح للصدر وأعز للنفس وأكرم للذات من هذه المجالس في هذه المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
وأما شرف المناسبة، فاللقاء على هذه المائدة العلمية المفيدة التي نسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياكم فيها بما علمنا، وأن يعلمنا فيها ما ينفعنا، وأن يرزقنا إتباع العلم بالعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ولكل شيءٍ آفةٌ من جنسه حتى الحديد سطا عليه المبرد |
لا يمكن أن تتحقق هذه النظرية التي يدندن عليها كثير من الكتاب، أو تطرق عبر الندوات التي تقام في القنوات الفضائية، مستحيلٌ أن يتم ما أرادوه؛ لأن من سنة الله في هذا الكون أن يمضي التدافع والتنازع بين الحق والباطل إلى أن تقوم الساعة، نعم للباطل صولةٌ، لكنها ساعة، وللحق جولةٌ لكنها إلى قيام الساعة: (لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم إلى أن تقوم الساعة) ينبغي أن ندرك هذه الحقائق.
وقول الله عز وجل أبلغ: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود:118-119] لا يمكن أن يتفق الناس، لابد أن يكون من الخلاف والنـزاع والتدافع ما يدعو المسلمين إلى أن يعودوا إلى نصوص كتاب ربهم وأحاديث نبيهم صلى الله عليه وسلم؛ ليقرءوا ما يتعلق بهذه المسألة الكبيرة الخطيرة الجليلة (مسألة الولاء والبراء).
نعم. هم الآن يجلبون بخيلهم ورجلهم حيال هذه القضية من أجل تذويب مسألة الولاء، وتخفيف المناعة فيما يتعلق بالبراء من المسلمين، ولكن مهما كان: إن الأسود وإن عاشت مع الخراف فستزأر يوماً ما.
نحن نعلم أن المسلمين اليوم، أو أن كثيراً من المسلمين اليوم قد روضت في حظائر الخراف، فأصبحت لا تعرف المهاجمة، ولا تعرف الزئير، ولا تعرف السيادة التي عرفت عن أسد الغاب وسيادتها على كل من حولها، لكننا على يقين أن هذه الأسود وإن نامت طويلاً في حظائر الخراف، فسيأتي لها يوم نسمع زئيرها، ونرى كيف ترد عن عرينها، وكيف تصد عن دينها: (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً [الإسراء:51].
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا |
إذاً.. نحن نلاحظ فئةً تجهل هذه القضية تماماً، ونلاحظ فئةً أخرى تعيش انفصاماً بين قضية الولاء والبراء، فأناسٌ يوالون المؤمنين، لكن لا يتبرءون من الكافرين، ولا إله إلا الله إثبات ونفي، ولاء وبراء، تحقيق وتبرؤ، فلابد أن نجمع بين هذه، وأن نضم أختها إليها لأولئك الذين لا يعرفون لهذه المسألة إلا فقهها الأول وهو الولاء، لابد أن يضموا إليه الجانب الآخر من البراء.
والحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان، فعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه كما ذكره ابن أبي شيبة في المصنف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله) وفي الصحيحين أيضاً عن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم بايعه، قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر منها قال: على أن تنصح لكل مسلم، وأن تبرأ من الكافر) والله المستعان على ما نرى ونسمع في هذا الزمان من ذوبان مسألة الولاء والبراء إذا عرفنا معناها على ضوء ما سلف ذكره.
لقد أصبح غالب أحوال الناس اليوم ولاؤهم وبراؤهم لأجل هذه الدنيا: فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ [التوبة:58].
أما البراء فهو: البعد والخلاص، والعداوة بعد الإعذار والإنذار، قال ابن الأعرابي : برئ إذا تخلص، وبرئ إذا تنزه وتباعد، وبرئ إذا أعذر وأنذر، ومنه قول الله تعالى في صدر سورة التوبة: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:1] أي: إعذارٌ وإنذار.
فهذا إبراهيم عليه السلام خليل الله، صاحب الملة الحنيفية الذي حطم الوثنية نادى بالولاء والبراء كما قال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ [الزخرف:26-28] تتوارثها أجياله من الأنبياء وأتباعه: وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف:28] وهي كلمة (لا إله إلا الله) المتضمنة والمشتملة على حقيقة الولاء والبراء، ولا تزال هذه العقيدة عقيدة الولاء والبراء باقيةً تتوارثها أجيال الأنبياء والمرسلين، فمن هنا نعلم أن الولاء والبراء ليس أمراً جديداً جاء في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو أمر قديم، بل هو دين الأنبياء والمرسلين جميعاً؛ لأن جميع الأنبياء والمرسلين دينهم واحدٌ وهو إفراد الله وتوحيده بالعبادة، وهذا يقتضي مقاطعة أهل الشرك وأهل الكفر وأهل الأوثان وأهل الجاهلية ولم يتخلف عن ذلك نبي من الأنبياء.
فقضية الولاء وقضية البراء وقضية الفيصل الفارق الواضح البارز الجلي بين الحق والباطل، بين الإسلام والجاهلية؛ لابد أن يكون واضحاً بيناً لا يلتبس على أحد أبداً، لقد حاولوا كل شيء، حتى عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم الملك والرئاسة والجاه والسؤدد بعد أن عرضوا الأموال والنساء، وكل ما استطاعوا أن يبذلوه، فلما عرضوا عليه الملك والرئاسة، قد يقول قائل: لماذا لا يجاملهم فترةً حتى يكون صلى الله عليه وسلم رئيساً زعيماً وملكاً على قريش، ومن ثم بمقتضى السلطة ومقتضى قوة الرئاسة والزعامة يستطيع أن يأمر وينهى فيهم؟ حتى هذا الأمر لم يقبله صلى الله عليه وسلم، بل قال كما جاء في السيرة: (يا عم! والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أن تندق هذه السالفة) أي: فالمسألة لا تحتاج إلى تفاوض، أو هدنة، أو تأجيل، أو مراحل، نجامل الكفار هذه السنة ثم بعد ذلك نفاصلهم أو نعلن البراء منهم، لا. مسألة البراء لابد أن تكون جلية واضحة، لا يقبل فيها أي عروض، أو أي مفاوضات.. تماماً.
ونبينا صلى الله عليه وسلم اعتنى غاية العناية بهذه المسألة، بل لقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود في سننه : (أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين، ألا لا تراءى ناراهم) وهذا الحديث يحسنه بعض أهل العلم، وهو في الحقيقة حجة على كل مسلم ظل يعيش في بلاد الغرب بلاد الكفر دون حاجة أو مصلحة أو ضرورة على تفصيلات سوف يأتي بيانها.
أيها الأحبة: إن كون كثير من الناس اليوم أصبحوا بسبب التضليل الإعلامي لا يعطون قضية الولاء والبراء نصيبها من الإدراك والتأمل، وحظها من السلوك والمعاملة، فإن هذا لا يعني أن القضية أصبحت ميتة، إن الذهب يبقى ذهباً وإن لم يحصل عليه الفقراء، وإن الشهد يبقى شهداً وإن لم يستطع المرضى أن يتناولوه، فقضية الولاء والبراء قضية مهمة حتى وإن جهلها من جهلها، أو غفل عنها من غفل عنها، وحسبنا أن كلمة (لا إله إلا الله) التي نرددها في ذكرنا وعباداتنا وصلاتنا هي في الحقيقة مشتملة على الولاء والبراء، ومن لوازمها مسألة الولاء والبراء، والتطبيق العملي الواقعي لكلمة التوحيد لا يتحقق إلا بالولاء والبراء، وحسبنا أن نعلم أن كتاب الله عز وجل قد امتلأ بهذه المسألة، وعلى سبيل المثال من هذه الآيات:
قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [التوبة:23].
وقال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51] فمسألة الولاء قد امتلأت بها آيات القرآن، ولا نظن أنها مسألة نادرة، أو جزئية، أو مسألة شكلية، وإذا تأملنا أنها تناولت البراء من الكفار عامة، وحتى لا يبقى في ذهن أحدٍ أدنى شبهة من أن من كان قريباً أو نسيباً أو تربطنا به صلة رحم أن مسألة البراء يستثنى هو منها، بل جاءت الآية: لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ [التوبة:23].
إذاً: فحتى القرابات والأنساب والمصاهرات، والخئولة والعمومة، والأبوة والبنوة ينبغي أن تتحطم أمام مسألة الولاء والبراء إلا في حدود ما شرع الله من الصلة الداعية إلى الإحسان بقصد الدعوة والقربى إلى الله سبحانه وتعالى، يقول أحد أئمة الدعوة النجدية الشيخ / حمد بن عتيق رحمه الله من أئمة الدعوة السلفية، يقول: إنه ليس في كتاب الله تعالى حكمٌ فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم وهو الولاء والبراء؛ بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده، وقد أوجب الله سبحانه وتعالى علينا موالاة المؤمنين ومحبتهم ونصرتهم، كما أوجب علينا البراءة من المشركين وبغضهم وعداوتهم، فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [الممتحنة:1] وخص أهل الكتاب أيضاً، فهناك آيات تنهى عن موالاة الكفار عامة، وآيات تنهى عن موالاة الكفار أهل الكتاب على وجه الخصوص، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] بل إن من في قلبه صريح الإيمان وصادق اليقين، لا يمكن أن يقبل بأن يساكن قلبه موالاة للكافرين أبداً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [التوبة:23].
من كان في قلبه صريح الإيمان وصادق اليقين بالله وبرسوله، فلا يمكن أن تسكن قلبه موالاة للكفار حتى ولو كان هذا الكافر أباً أو ولداً، قريباً أو نسيباً، وقد جهل كثير من المسلمين اليوم هذه المسألة حتى بتنا -ويا للأسف- نسمع في بعض المناسبات من يقول: الكفار إخواننا، اليهود إخواننا، النصارى إخواننا، سبحان الله العلي العظيم! يشرفنا الله فيرفعنا فوقهم، فنصر إلا أن نكون أذلاء لنكون بجوارهم ومقامهم، بل إن الكفار كما أخبر تعالى يتمنون أن ننزل إلى حضيض مستنقع مستواهم، اليهود والنصارى يتمنون أن ننزل بترك الإيمان والسقوط في الكفر إلى مستواهم، ولذا قال تعالى: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89].
الذي يتمنى أن يساويك بنفسه لاشك أنه إنما يريد أن ينتشلك من الحضيض ليرتفع بك إلى الأعلى، والكفار لا يتمنون لنا أن نرتفع إلى مستواهم لا في صناعة، ولا في زراعة، ولا في تجارة، ولا في سياسة، ولا في قيادة، ولا في ريادة، ولا في اقتصاد، ولا غير ذلك، إذاً بقي شعورهم بأننا فقط بالإيمان أعلى منهم، فيتمنون أن نكفر كما كفروا: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89] يتمنون أن نهبط من مستعصم مواقعنا وعزةٍ شماء نرتفع إليها بسبب تعلقنا بديننا، يريدون أن نهبط إلى مستواهم، فإذا كان الله يكرمنا ويذلهم، ويرفعنا ويدنيهم، ويجعل مقامهم وضيعاً، فلماذا نصر ونقول: هؤلاء إخواننا، ولماذا نصر ونقول: هؤلاء وهؤلاء؟
يا أخي الحبيب! ليسوا لنا بآل، وليسوا لنا بإخوة، وليسوا لنا بأولياء، حتى وإن حصل بيننا وبينهم تعامل، حتى وإن حصل بيننا وبينهم أمور، فإن ذلك مفصلٌ أحكامه في بابه، لكن لا يعني ذلك الرضى بقوتهم بأي حال من الأحوال.
ما الذي يجعلنا نحب خالد بن الوليد وأبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن تيمية وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل والشافعي والإمام مالك وإبراهيم النخعي، وأقواماً لم نعرفهم وبيننا وبينهم قرون؟
ذلك هو الولاء الذي لا يقف عند حاجز الزمن، فمن سبقنا بالإيمان أحببناه، والذين يجيئون بعدنا نحبهم، وإن كانوا لا يزالون في أرحام النساء أو في أصلاب الرجال، هذا مقتضى الولاء، ومن عاش من الكفار على ظهر الدنيا، فإننا نبغضه حتى وإن لم يقتل لنا قريباً، أو يسطو لنا على منزل، أن يكون بيننا وبينه معركة بأي حال، والكفار الذين لا يزالون في أصلاب الرجال أو أرحام النساء، فإننا نبغضهم ونكرهم.
إن يختلف ماء الوصال فماؤنـا عذبٌ تحدر من غمامٍ واحدِ |
أو يختلف نسبٌ يؤلف بيننا دينٌ أقمناه مقام الوالدِ |
هذه من أهم الأمور وأهم القضايا، وبناءً على ذلك: فإذا شجر بين المسلمين قضايا في باب الاقتصاد، أو في باب السياسة، فينبغي لعامة المسلمين ألا يتدابروا ولا يتقاطعوا بسبب تقاطع الأنظمة أو تقاطع الحكومات.
أي: فلو أن حرباً وقعت بين دولتين مسلمتين، فإن هذا يعني ألا نتبرأ من إخواننا المسلمين، وألا يفضي بنا ذلك إلى بغضائهم وكراهيتهم، بل يبقون إخواننا ويبقون أحبابنا، وما ذنب إخواننا إذا تسلط عليهم من قال الله فيه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ [إبراهيم:28] فهذه مسألة مهمة جداً؛ لأن بعض الناس يظن أن مسألة الولاء والبراء مسألة جغرافية، فما كان داخل الحدود الجغرافية شمالاً وشرقاً وجنوباً وغرباً فإنه يستحق الولاء، وما كان خارج الحدود إن كان بيننا وبينه حرب أو معركة معينة، فلا يستحق الولاء، لا. يبقى المسلم مستحقاً للولاء أياً كانت قيادته التي تقوده، قد تكون قيادة كافرة، أو ظالمة جائرة، أو قيادة مستبدة، لكن حتى وإن أوذينا من قبل قيادته، لكن الولاء بيننا وبين هذه الشعوب المسلمة لابد أن يبقى حياً يقظاً.
فالكفار مهما كانت إبداعاتهم وما يقدمونه من أسباب الترفيه في أمور الحياة، نعم نستفيد منها، لكن لا يعني ذلك موالاتهم، سنظل نتبرأ من الكافر والكفار، والمؤمن أياً كان الأمر لابد أن نظل نواليه بحسب ما فيه من الإيمان والطاعة، ونتبرأ مما فيه من المعصية على تفصيلٍ سوف يأتي بيانه قريباً.
وهذه مسألة مهمة: إنني أعجب من بعض الشباب، مثلا:ً تراه يكره لاعباً مسلماً ويحب لاعباً كافراً لا لشيء، إلا لأن هذا اللاعب المسلم في فريق لا يشجعه، وهذا اللاعب الكافر في الفريق الذي يشجعه، وهذه مسألة خطيرة جداً، لسنا الآن نريد أن نقول: تعالوا نشجع فريقاً معيناً، لكن خطورة الأمر التي تفوت على كثير من المسلمين هو أنه يجهل أن الأصل هو البراء من كل كافر حتى وإن كان في شركتك، أو كان في النادي الذي تشجعه، أو كان في المكان الذي أنت تحبه أو ترتضيه مثلاً، والأصل الولاء لكل مسلم.
فالشباب الذين يسجنون الآن في سجون انفرادية بسبب جرائمهم، أو بسبب تعاطيهم للمخدرات، لهم علينا حق الولاء فيما بقي عندهم من الإسلام والإيمان، ونتبرأ مما يفعلونه من المعاصي والمنكرات، وهم أعظم قدراً في أنفسنا من أولئك الكفار الذين لا يعبدون الله ويشركون به أنداداً ونظراء وآخرين، لابد أن ندرك هذه القضية الدقيقة حتى لا تذوب لأدنى مشكلة، أو لأدنى شائبة، ثم لنعلم أنه لابد من تلازم الولاء والبراء، فهذا مرتبطٌ بهذا، وحقيقة الولاء داعيةٌ إلى البراء، حقيقة الولاء للمؤمنين داعيةٌ إلى البراء من الكافرين، وحقيقة البراء من الكافرين داعيةٌ إلى الولاء للمؤمنين.
وقال رحمه الله في الأصول الثلاثة : إن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب، قال تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22].
بعض المسلمين يقع في خللٍ تجاه هذه القضية (قضية الولاء والبراء) ويمارس من السلوكيات ما يوقعه في الولاء للكافرين؛ كلٌ بحسب نوع عمله وتعامله الذي يفضي به إلى هذا الولاء مع الكفار، بعضهم يقول: هؤلاء كفار، ونحن لابد أن ندخل معهم في هذا الأمر، ولابد أن تكون لنا مكانة عندهم، وأن تكون لنا منـزلة عندهم، والله عز وجل قد بين هذه القضية؛ لأن الله قد خلق هؤلاء البشر ويعلم ما يدور في أنفسهم، وما سوف يقولونه منذ خلقهم إلى أن تقوم الساعة، ولذلك قال تعالى: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً [النساء:139] يريدون المنعة والرفعة والمنصب والمال والتسهيلات، قال الله عن الذين هدموا عقيدة الولاء والبراء من المنافقين: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً [النساء:139] فبعض من يوالي الكفار يقول: نحن نواليهم ولا نتبرأ منهم، نريد أن تكون لنا عندهم مكانة، نريد أن يكون لنا عندهم شأن، يا أخي الكريم! لا يمكن أن يكون لك عند الكافر شأن إلا بمقدار ما تتمسك به في دينك، أي: فبمقدار التمسك في الدين يجعل الكافر يحسب لك ألف حساب، ويهابك ألف هيبة، ويقيم لك أعلى وزن، وإن مجاراة الكفار وضعف البراء منهم، وذوبان الولاء فيهم يجعلهم يحتقرونك حتى وإن ضحكوا وابتسموا ابتسامةً صفراء.
إذا رأيت نيوب الليث بـارزةً فلا تظنن أن الليث يبتسم |
قد ينبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هي |
قضية فلسطين الآن كم قدم المسلمون فيها من تنازلات؟ ولو ذهبت تستقرئ التاريخ من ثمانية وأربعين إلى سبعة وستين إلى ثلاثة وسبعين إلى أوسلو وقبلها مدريد وغير ذلك، الآن رغم كل هذه التنازلات تأتي شركة دزني بأورلاندو لتقيم مهرجانات تقرر فيها أن القدس عاصمة يهودية، ماذا يفعل هؤلاء؟ كل هذه المفاوضات وكل الأعمال والتنازلات والأمور التي حرصنا أن نقترب بها، أو نصلح القضية بها، أو نصل إلى ما يسمى بالسلام، والأرض مقابل السلام إلى آخر ذلك ما قدمت شيئا، لا يزالون على مبدأ خذ وطالب، خذ وطالب، خذ وطالب، وحسبكم أن المؤمنين في فلسطين الآن والمجاهدين المسلمين المساكين في كربٍ شديدٍ لا يعلمه إلا الله، سواءً في الأراضي الفلسطينية التي تسمى تحت الحكم الذاتي، أو في مناطق الانتشار اليهودي، فإذاً ينبغي أن نعرف أن مسألة البراء من الكفار هي التي تجعل الكافر يحسب لك ألف حساب.
أقول: إن ضعف الإيمان من أسباب ذوبان قضية الولاء والبراء، وكما أخبر تعالى: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:81].
كلما ازداد لياذ المسلمين بالكافرين، ازداد الكافرون لهم رهقاً وإذلالاً وتجويعاً وتشريداً، لكن الكفار لا يفرقون بين الجنسيات، اليوم تجويع في العراق، وهنا ضرب في السودان، وهنا فعل في داغستان، وهنا إبادة في الشيشان، الكفار لا يعرفون تمييزاً بين جنسية وجنسية أخرى.
فإذا علمنا تمام العلم أن الركون إلى الكفار، أو أن ذوبان قضية الولاء والبراء لا تنفعنا أمامهم، بل إن ذوبان القضية بدعوى أننا نخشى منهم هي في الحقيقة مدعاة لمزيد تسلطهم علينا، يتسلطون علينا وعلى أموالنا، على أولادنا، ولذا قال تعالى: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ [المائدة:52] فبين تعالى أنه لا يذوب قضية الولاء والبراء ويسقط في مآسٍ الموالاة للكافرين إلا من في قلبه مرض: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ [المائدة:52] لماذا تسارعون فيهم؟ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة:52] وعسى من الله واجبة، والحمد لله لقد جاء فتح مكة، وأصبح مرضى القلوب (أهل الظنون الفاسدة) على ما أسروا في أنفسهم نادمين.
فكذلك الآن إذا سئل من سئل عن هذا التهافت والتساقط والانبطاح أمام الكفر، وقيل له: لماذا؟ يقول: نخشى أن تصيبنا دائرة، مثل ما قالت قريش لما جاء نهي النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت سورة براءة ألا يحج البيت مشرك، وألا يطوف في البيت عريان، ومنع المشركين من قدوم البيت، قالوا: هذا ربما يضر بالاقتصاد، هذا يمنعنا، فأنزل الله: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [التوبة:28] أي: ما أغناكم إلا هؤلاء الكفار الذين يطوفون بالبيت عراة، هؤلاء الذين تنتظرون قدومهم عراةً بأنجاس الشرك والوثنية ، وترضون ببقائهم جوار البيت حتى تضمنوا استمرار التدفق الاقتصادي أو المالي الذي تجنونه من ورائهم؟ وكذلك كل من عصى الله عز وجل بمعصية وهو يرجو وراءها من المطامع المالية، والله لا تزيده إلا رهقا، ولا تزيده إلا نقصاً وخسارة، سواءً كان ذلك من الأمر الظاهري، أو الأمر الباطني، ومن هنا نعلم أن كل شيء لا نستجلبه بما يرضي الله، فإنه ينقلب علينا بعد سخط الله بنقيض ما قصدناه وأردناه.
على سبيل المثال: السياحة، السياحة أمرٌ جيد إذا أردنا أن نحول دون تدفق الناس إلى الخارج ليكون سواحنا في أرضنا، وإنفاق السواح يعود إلى بلادنا وتقوية اقتصاد وطننا، هذا شيء جيد جداً، لكن هل من ذلك أن نجعل في السياحة من معاصي الله عز وجل ونرضاه حتى نقول من أجل أن تتدفق إلينا الأموال؟ لا. لأننا ما اعتمدنا على السياحة في اقتصادنا، بل على فضل الله الذي أنعم علينا وأعطانا وأكرمنا وآوانا، لا بكدنا ولا بكد آبائنا وأجدادنا، نعم الآباء والأجداد والقادة والسادة والأمراء والعلماء الذين سلفوا، وموحد هذه الجزيرة عليه شآبيب الرحمة وأسكنه الله فسيح جناته الملك/ عبد العزيز له علينا حق الدعاء بالمغفرة والرحمة والجنة لما كان له من دور يدركه الآباء والأجداد، وبضدها تتميز الأشياء، لكن هذه الخيرات التي تدفقت، بماذا؟ بفضل من الله، ثم بالتوحيد والعقيدة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن حافظنا على العقيدة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح المجتمع، تستمر هذه الخيرات، وإذا أردنا أن نظن أن مزيداً من الخيرات سوف يأتينا، أو معالجة أي مشكلة سوف تأتينا بمعصيةٍ نرتكبها في أي مسمى، أو في ظل أي شعار، فإن ذلك لن ينقلب علينا إلا بنقيض ما أردناه بعد سخط الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
إذاً فالذين لا يتبرءون من الكفار، ولا يوالون المؤمنين، ويقولون: نخشى أن تصيبنا دائرة، فأولئك على خطر عظيم؛ لأن الأمر بيد الله، وإليه يرجع الأمر كله، فينبغي ألا نخشى أحداً إلا الله سبحانه وتعالى.
وبلغ من براءة إبراهيم عليه السلام من المشركين وشركهم أنه فارقهم ببدنه كما خالفهم بقلبه وعقيدته، كما أخبر عنه تعالى بقوله: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً [مريم:48] أي: سأجتنبكم وأتبرأ منكم ومن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله، وأدعو ربي أي: أعبده وحده لا شريك له عسى ألا أكون بدعاء ربي شقياً، فانظروا إلى تضحية إبراهيم بالوطن، وتضحيته بمراتع الصبا من أجل الولاء والبراء، وانظروا إلى تضحيته بالقرابات والوشائج والصلات من أجل الولاء والبراء، فأورثه الله بركةً وخيراً، وعوضه الله عز وجل بها بدلاً من الخلطة السيئة للمشركين ولده إسحاق وولده يعقوب، وأنعم عليه في ذريته بالنبوة، كما قال تعالى: وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً [الأنبياء:72] وقال مبيناً عقبى وبركة الفرار في الدين لما اعتزلهم، لما حقق الولاء لله والبراء من المشركين من قومه: فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً [مريم:49].
مسألة خطيرة أن نجامل أو نداهن في مسألة تكفير الكافر، وللأسف أن نسمع من بعض الطلاب يقول: إنه سمع بعض المدرسين، أو قرأ، يقول: لا يمكن أن نسمي هؤلاء اليهود أو النصارى كفاراً: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة:1] إذا لم يكن هؤلاء الكفار، فمن هم الكفار إذاً، الوحوش والزرافات والنعام؟! إذا لم يكن هؤلاء اليهود والنصارى هم الكفار الذين أمرنا بالبراءة منهم، وكتاب ربنا وسنة نبينا مليئة بالأحكام التي تضبط تعاملنا معهم بدقة، وضرورة الإعداد في مواجهتهم، فمن هم الكفار إذاً؟
قال ابن جرير : من اتخذ الكفار أعواناً وأنصاراً وظهوراً يواليهم على دينهم ويظاهرهم على المسلمين؛ فليس من الله في شيء، أي: قد برئ من الله وبرئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر.
وقال أبو محمد بن حزم رحمه الله: صحَّ أن قول الله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] إنما هو على ظاهره بأنه كافرٌ من جملة الكفار، يعني: من والى الكفار وظاهرهم على المسلمين وأعانهم على المسلمين، فلا شك أن هذا من أسباب المروق من الملة ونقض الشهادة والدخول في الكفر، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أخبر الله في هذه الآية أن متوليهم منهم.
أو مثلاً: امرأة مسلمة، ربما تتحاكم ضد زوجها في قضايا مدنية غربية كافرة، ومعلومٌ شرعاً أنها لا تستحق مثلاً من النفقة إلا كذا، ولأولادها إلا كذا، لكن القانون الوضعي يحسب إلى مدة، ويحسب إلى مال، ويحسب إلى ثروة، ثم تجد المرأة المسلمة تقاضي وتحاكم زوجها لدى المحاكم الغربية الكافرة، وهذا لا يجوز أبداً، بل هذا من موالاة الكافرين، لا يلزم من موالاة الكافرين أن تمسك يد كافر وتقعد تقبل يده، كونك تذهب لتقاضي مسلماً مسلماً عند قاضٍ كافر، هذا من موالاة الكفار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
مرة من المرات لقيت شاباً في ولاية اسمها ساندياجو على حدود المكسيك، فسلم علي بعد محاضرة أقيمت، ولكن لفت نظري أن له ظفيرة وعليها ثلاث ربطات، فقلت: هذه فتاة التزمت وحضرت المحاضرة، فلما دنا، عرفني بنفسه، فإذ به يتلكم العربي واللهجة التي أعرفها تماماً، ما شاء الله! من أنت؟ قال: أنا فلان بن فلان من المكان الفلاني والحي الفلاني، قلت: يا سبحان الله! ما الذي حدث لك حلقت شاربك على لحيتك، وعصبت شعرك؟ فأخذ يبتسم، وقال: لا. أنا جئت وسكنت مع مجموعة من الطلبة والطالبات في دورات لغة ودورات أخرى.
انظروا خطورة الاتصال الذي لا يسبقه مناعة وحذر من الموالاة، يقع الإنسان في التشبه مباشرةً من حيث لا يشعر، انظروا إلى ما في قلبه أيضاً، انظروا إلى الجانب الطيب في شخصيته أنه جاء ليحضر المحاضرة، وجاء ليشهد معنا الصلاة جماعةً، فهذه من الأشياء التي يشكر عليها أنه قدم واستمع إلى المحاضرة، وجاء يسلم وشكر واستفاد، لكن مسكين نسي أنه في حال منكرة من هذا الحال الذي هو عليه، تشبه بالكفار تماماً، حلق لحيته وشاربه، ما كنا نرى ونعرف أن الشباب يعصبون شعرهم ويجعلونه ظفيرة واحدة ويربطون عليه بكله إلا لما فعل الكفار ذلك، وأصبحت -للأسف- ترى أن من شباب الإسلام اليوم من يفعل ذلك، بل وأصبح من ذلك التشبه بالنساء ليس تشبهاً بنسائنا، لكن تشبهاً بشباب الكفار هناك لما وضعوا الأقراط، القرط يضعه بعض الشباب في أذنه، وبعضهم يضع قرطين، وبعضهم يلبس القلادة والسلسلة، من أين جاء هذا؟ من ضعف الولاء والبراء، وإلا أمة لا تسجد لله وتكفر بنعم الله وتتسلط على أولياء الله وتجوع شعوب المسلمين، هل يستحقون أن تشابههم؟
تصور أن قبيلةً من القبائل مثلاً غزو أهلك وجماعتك وقبيلتك، وذبحوكم وآذوكم، وفتكوا فيكم شر الفتك، وهذه القبيلة لها سمتٌ معين في شعرها، وسمتٌ معين في لباسها، وسمتٌ معين في هيئاتها، أفتظن أنك يا ولد القبيلة التي نحرت وذبحت وأوذيت وجوعت وطردت وشردت تقبل أن تتشبه بهم، أو ترى أحداً من قبيلتك يتشبه بتلك القبيلة الذين آووك وذبحوك وشردوك وطردوك؟ الجواب: لا. فلماذا يتشبه أبناؤنا بهؤلاء الكفار الذين لم يألونا خبالاً؟ لماذا يتشبه أبناء المسلمين بهؤلاء الكفار الذين هم أنفسهم لا يرون لنا قدراً ولا وزناً؟
هذا الفنان الغربي الذي يسمى مايكل جاكسون قيل له: إن العرب يعجبون بأغانيك، قال: لو علمت أن العرب يسمعون غنائي لغنيت للخنازير ولا أغني للعرب، انظر إلى أي درجة بعض المسلمين يتعلقون في محبة من لا يرى لهم قدراً، ويتعلقون بأقدام من لا يراهم إلا كالصراصير والجرذان والفئران، فيا عجباً كيف تتعلق بمن لا يراك إلا حشرة؟! وكيف تتشبه بمن لا يراك إلا نقيصة؟! وكيف تتبع وتقلد من لا يراك شيئاً أبداً؟! تلك وايم الله من العجائب والمشكلات. إذاً فالتشبه بالكفار بهذا السمت من دلائل التأثر بهم، أو تحقق نوع موالاة لهم.
إن خطر ذوبان المسلمين في مجتمع الكافرين لا يستطيع أحد أن يتصوره، بل لا يصفه لسان ولا يخطه قلم، فالإقامة في بلدهم وعدم التحول منها لمن قدر على ذلك يعتبر من موالاتهم، وقد قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً [النساء:97] يعني: الذين جاءت الملائكة لتقبض أرواحهم وهم لا يزالون في مكة ، والعبرة في الآية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهؤلاء الذين نزلت بهم المنية وحل بهم الموت ولم يهاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أذن الله لنبيه وأتباعه بالهجرة، نزلت بهم هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً [النساء:97-99] فلم يعذر الله في الإقامة في بلاد الكفار إلا المستضعفين الذين لا يستطيعون الهجرة، وكذلك من كانت في إقامته مصلحة دينية كالدعوة إلى الله، ونشر الإسلام في بلادهم، فلا شك أن إقامته مما تدعو إليه الحاجة وتقتضيه المصلحة، لكن البقاء بين كثرتهم الكاثرة مع كثرة الإمساس وقلة الإحساس تقلل العداوة، وتذيب حديد البراء، وتؤثر على سلوكيات المسلم الخلقية.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين أقل كفراً من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى أقل إيماناً من غيرهم؛ لأن الإنسان اجتماعي ومدني بطبعه، وهذه جبلة جبل الله عليها بني آدم، فكثرة المساس والمخالطة تفقد الإحساس، لا سيما إذا كان الذي يخالطهم لا يحمل هدفاً في دعوتهم وبيان الحق الذي شرعه الله عز وجل، وهذا معلوم، بل إن الإنسان إذا عاشر بهيمة من البهائم تأثر بطباعها، فمن عاشر نوعاً من البهائم اكتسب بعض طباعها، ولذا صار الفخر والخيلاء في أهل الإبل، وصارت السكينة والوقار في أهل الغنم، وصار أصحاب الجمال والبغال فيهم أخلاق مذمومة من أخلاق البغال والجمال، بل وصار الحيوان إنسياً ووحشياً فيه بعض أخلاق الناس من المعاشرة وقلة النفرة، ولأجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم -وصدق بأبي هو وأمي-: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه الإمام أحمد وأبو داود.
فإذا كان الأمر كما نسمع، فما بال أقوام لازالوا يعزفون على وتر النشاز، ويعقرون عقائرهم بنداءات مرفوضة وليست بمقبولة، بدعوى التقارب والتآلف والتآخي ... إلى آخره مع هذه الشعوب الكافرة، نعم. نحن لا ندعو إلى ظلم أحد، لكن لا ندعو المسلمين أن يذيبوا مسألة الولاء والبراء، لقد قال صلى الله عليه وسلم: (من جامع المشرك وسكن معه، فإنه مثله) رواه أبو داود والترمذي، فلا تجوز مساكنتهم في ديارهم وتكثير سوادهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين، ألا لا تراءى ناراهما).
روى الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري ، قال: [قلت لـ
وروى الإمام أحمد ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين، فلحقه عند الحرة، فقال: (إني أردت أن أتبعك وأصيب معك، فقال صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا. قال: ارجع فلن أستعين بمشرك) ومن هذه النصوص يتضح لنا تحريم تولية الكفار أعمال المسلمين الذين يتمكنون بواسطتها الاطلاع على أحوال المسلمين وأسرارهم ويكيدون لهم بإلحاق الضرر بهم: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:141].
ومن عجبٍ أيها الأحبة! ما وقع في هذا الزمان من تساهل الكثير من المسلمين في جلب الكفار إلى بلاد الإسلام وإلى جزيرة العرب خاصة، وجعلهم عمالاً وسائقين ومستخدمين ومربين وبطانةً وغير ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب).
ومن صور موالاتهم: مودتهم ومحبتهم ومعاونتهم على أذية المسلمين، ومعاونتهم على ظلمهم ونصرتهم والتسمي بأسمائهم.
بالمناسبة: الآن بعض المسلمين أصبح يبحث عن قاموس الأسماء والكنى ثم لا يثق فيه ولا يجد فيها اسماً لولد أو بنت، لكنه يتحرى أن يسمي ولده أو ابنته باسم كافر، ويفتخر والعياذ بالله، بل بعض المسلمين الذين ذهبوا في مجتمعات الغرب يفتخر أن ولده لا يعرف من العربية شيئاً، ويفتخر أن ولده يجيد رطانة الكفار.
نكتفي بما سبق، وأسأل الله عز وجل أن يحقق لنا ولكم في قلوبنا البراءة الحقة من الكافرين، والموالاة الصادقة لإخواننا المؤمنين المسلمين، وإن كان بقية العناصر تتعلق في صور موالاة المسلمين، وما يجب للمسلمين من الموالاة، لكن لعل الشق الأول قد أخذ كل وقت هذه المحاضرة.
أسال الله بمنه وكرمه أن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يجعله حجةً لنا لا علينا، اللهم إنا نسألك بأسمائك وصفاتك يا رب العالمين، نسألك اللهم لنا ولإخواننا ولأخواتنا في هذا المكان، وآبائنا وأمهاتنا ألا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا تائباً إلا قبلته، اللهم استعملنا في طاعتك، وتوفنا على أحسن حال ترضيك عنا يا رب العالمين.
اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وصحبه، وجزاكم الله خيراً.
الجواب: قبل أن أجيب على ذلك هنا مسائل دقيقة تتعلق بصلب الموضوع ولابد من ذكرها، فمع تأكيدنا على قضية الولاء والبراء فيجوز للمسلم أن يرد السلام، يعني: إذا سلم الكافر على المسلم بتحية معلومة إذا علمتها وما تضمنتها، فتحيي بمثلها، فإذا قال لك الكافر: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليكم السلام.
الآخر: إذا حييت بتحية ولم تعرف مضمونها، فقل: وعليكم، كذلك إذا دعاك الكافر إلى مناسبة تطمع في كف شره بحضورك، أو في استدرار خير منه لنفع المسلمين، أو في هدايته إلى الله عز وجل، فلك أن تجيب، والنبي صلى الله دعته يهودية فأجاب، ودعاه يهودي إلى خبز شعير فأجاب، كذلك الولاء والبراء لا يمنع من المعاملة كالبيع والشراء، إلا أن قصدك الشراء من المسلمين ومصانعهم والبلاد الإسلامية ينبغي أن يقدم على ما عند الكفار ما استطعت إلى ذلك سبيلا، بل وأنت تذهب لتشتري الآن خضاراً من السوق، فتجد دكاناً فيه عامل كافر ودكاناً بجواره فيه عامل مسلم، من الولاء أن تتجه إلى هذا الدكان الذي فيه العامل المسلم وتشتري منه، وتدع الدكان الذي فيه العامل الكافر، حتى وإن كان صاحب الدكان مسلماً؛ لأنك بعقيدة الولاء والبراء تقاطعه حتى تأتي بعامل مسلم مكان هذا الكافر، وقس على ذلك أموراً كثيرة.
كذلك المعاملة مثلاً: شركة كافرة احتاجت إلى أعمال وعمال وخبرات، ومن المسلمين من عنده هذه الخبرة، ووجدها وظيفة مناسبة، أو لم يجد من المسلمين من يعطيه هذه الوظيفة التي تناسبه ويحتاج إليها، نقول: يجوز لك أن تعمل، فإن علي بن أبي طالب قد نزح الدلاء ليهودي على تمرات كان يعطيه إياها.
كذلك ليس من الولاء والبراء ظلم الكافر: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8] فمهما كان الكافر كافراً، إلا أن كفره لا يجيز لك ظلمه، بل قال تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ [الممتحنة:8-9] فمعاملة الكافر بالحسنى -كما قلت- رجاء خيره للمسلمين، حتى وإن لم تطمع في إسلامه، لكن كي يصير في معاملته هذه خير للمسلمين، على سبيل المثال: قد نعامل دولة كافرة معاملة حسنة من أجل أن ينعكس الوضع على الجاليات المسلمة التي تعيش في بلاد الغرب، هذا التعامل لمصلحة وهو مقصود، ليس من شرط أي تعامل تقوم به الدولة أو الجهات المسئولة أن تقول: انتبهوا لا تسيئوا فينا الظن، فنحن نبين لكم ما هو قصدنا، لا.
وبالمناسبة ندعو في عدم المسارعة في الأحكام على الهيئات والمؤسسات والنظم وغير ذلك، لكن كل شيء بضوابطه، والله أعلم بالنيات، فكل تعامل مع الكافر يراد منه دفع وكف شر الكافر عن المسلمين سواءً كان كف شرهم عنا، أو كف شرهم عن المسلمين هناك في بلادهم، أو رجاء خير للمسلمين، أو نعلم بأهميته، فلا يدخل ذلك فيما يجري النهي فيه.
الجواب: هذه مما تنقض قضية الولاء يا أخي الحبيب! وهذه الخطورة أن بعض المسلمين في سبيل الفن، أو في سبيل الرياضة أصبح يحب كافراً، وهذا الكافر لا يألو المسلمين سباً وشتماً وخبالاً واحتقاراً.
يا أخي: إذا كان وجود هذا الكافر قد دعاك إلى محبته وتفضيله على هذا المسلم، فلا شك أن هذا خلل في قضية الولاء والبراء عندك فاتق الله في هذا.
الجواب: لا بأس، الله عز وجل قال: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة:83] فلا يتناقض مع الولاء والبراء حسن المعاملة، لأن الله قال: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة:83] ما دمت تتعامل بمعاملة حسنة رجاء إسلامه وهدايته، فلعل الله سبحانه وتعالى أن ينفعه بك، أحد الطلاب في الولايات المتحدة كان له جار يهودي، واليهود أشد عداوة: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82] فغاب هذا الجار اليهودي وقتاً، هم طبعاً عندهم لا يوجد من التواصل الاجتماعي، أو أن أحداً يسأل عن أحد، يقول هذا الشاب المسلم: فلاحظت أن الجرائد تراكمت عند بابه وقوارير الحليب واللبن، إذا تجمعت ثلاث أو أربع قوارير عند البيت معنى ذلك أن صاحب البيت غائب، فقام هذا الأخ -جزاه الله خيراً- صار يجمع الجرائد ويدخلها، أول ما تأتي الجريدة وقارورة الحليب يأخذها ويدخلها في بيته حتى تجمع لديه الكثير منها، فلما عاد ذلك اليهودي إلى بيته، طرق عليه أخونا المسلم، قال: تفضل هذه القوارير التي تجمعت لك مدة الأيام الماضية وهذه الجرائد التي تخصك، قال: لماذا فعلت هذا؟ قال: خشيت أن يعلم أحد أنك غير موجود بسبب تراكم الجرائد وقوارير الحليب عند الباب فيسطون على بيتك ويسرقونه، فلأجل ذلك جمعتها حتى يظن أنك موجود، فلا يسطو أحد على البيت، قال: وما الذي دعاك إلى هذا؟ قال: والله أنا لا أعرفك، وأنت تعرف أنك يهودي وأنا مسلم، لكن ديننا يأمر بالإحسان إلى الجار، فالله عز وجل يقول: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ [النساء:36] فقال: دين يأمرك بهذا، فأنا أحب أن أتشرف باعتناقه، فشهد الشهادتين وأصبح من المسلمين.
فالمعاملة الحسنة والقصص على المعاملة الحسنة التي أفضت إلى هداية كثير من الناس إلى الإسلام هي في الحقيقة كثيرة جداً، لكن المعاملة الحسنة لا تتعارض مع الولاء والبراء، لكن الولاء أن يكون في القلب ميل ويظهر هذا الميل في التشبه وفي المظاهر، ويظهر هذا الميل في قصد نفع الكافر وتفضيله على المسلم، هناك سلوكيات دقيقة تدل على ضعف الولاء والبراء في نفس بعض المسلمين أهمها ما ذكرناه آنفا.
الجواب: أما بنو جلدتنا الذين لا يقابلونك بما ذكرت، فلأنهم لم يحرصوا أن يدعوك إلى شيء، ولذلك هو يقوم بوظيفته فقط، أما هذا الأستاذ الذي يباشرك بهذه العلاقة الطيبة والابتسامات الجميلة، لا شك أنه يريد أن يغرس شيئاً في نفسك، والبعض يستبعد أن بعض الأطباء وبعض المدرسين وبعض الخبراء هم قساوسة وأصحاب دعوة إلى الكنيسة بطريقة غير مباشرة، يظن البعض أنه لا يمكن أن يخطر على بالك أن هذا قسيس، أو أن هذا داعية إلى مذهبي ومذهبك، لكن أخي الحبيب! نقول لك بما قال الله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة:83] ونقول: لا بأس أن تعاملهم بالحسنى، ولا يجوز لك أن تظلمهم، ولا بأس إذا دخلت مكاناً، فلك أن تقول كلاماً لا يصدق فيها التحية، فلا تبدؤهم بالسلام، لكن بابتسامة تحتسب عند الله عز وجل أن تتألف بها قلبه، وأن تكون طريقاً لإيصال بعض الكتب والنشرات التي تهديها إليه ولو بطريق غير مباشر، بعض الشباب المسلم يدعون الكفار بطريق كتيبات عن الآثار والمتاحف في المملكة، الثقافة الشعبية في المملكة، الثقافة التراثية والاجتماعية في المملكة، وفي ثنايا الكلام أمور تتعلق بالتوحيد والعقيدة تدعوهم بدعوة غير مباشرة؛ لأنه لا يمكن إنسان عاش ثلاثين أو أربعين عاماً على كنيسته وملته تريده أن يتأثر بك من أول ابتسامة أو من أول كتاب، فأنت أيضاً اجعل عندك النفس الطويل والمعاملة الحسنة، ولكن إياك أن تركن، بمعنى: أن يميل قلبك إلى حبه، أو أن يكون في ذلك تفضيلاً له على إخوانك المسلمين مهما رأيت من تقصير إخوانك ومهما رأيت من حسن أخلاقهم.
الجواب: أسأل الله سبحانه وتعالى بقدرته التي لا يعجزها شيء، وأسأله سبحانه بأسمائه وصفاته أن ينصر إخواننا المسلمين في داغستان.
روسيا تعيش مرحلة من مراحل الجنون والتهور الذي أشك أنه سينعكس إن شاء الله بإذن الله قريباً عليهم بانفجار داخل دول الاتحاد الروسي الباقية، بدليل أنهم عادوا يلوحون باجتياح الشيشان، وبدءوا، وهم لماذا يضربون الشيشان؟ لأنها تعتبر الطريق الرئيسي، أو المنفذ الرئيسي لتدفق المؤن ومراكز التدريب ومواقع العدد والعتاد وغير ذلك، بقية الحدود نصرانية بما يتعلق بـجورجيا وأذربيجان ، وقد تكون القبضة مشددة، وما هناك إمكانية دخول بحر قزوين من جهة الشرق، قد تكون البحرية الروسية مسيطرة، لكن تبقى الشيشان هي وسيلة قوية وجيدة، وإخوانكم -بحمد الله- قد جمعوا لهذه المعركة منذ سنتين وهم يعدون لها إعداداً طويلاً، وحسبكم أن تعلموا أن داغستان فيها قبور أكثر من أربعين صحابي، فتحها في عهد عمر بن الخطاب النعمان بن مقرن المزني، فأرض قد فتحها الأجداد، واستشهد فيها الصحابة، ولا تزال آثارهم فيها باقية، لا تظنوا أن الغرب سوف يسكت؛ لأنه يعرف أن هذا موقع استراتيجي وخطير، ولذلك صرحت إسرائيل بتقديم المعونات للاتحاد السوفيتي؛ لأنهم غير راضين عن مستوى التكتيك في العمليات العسكرية، فقالوا: إن روسيا تدير الحرب بطريقة عشوائية، وعشوائيتهم واضحة بدليل آلاف القتلى من الروس، والذين قتلوا من إخواننا حتى الآن لا أظنهم بلغوا المائة، ربما أقل من الستين، والذين قتلوا من الروس من بداية الهجوم في داغستان والعمليات بفضل الله عز وجل، الآن بدءوا يدخلون في عشرات الآلاف، ورفعت الدولة الروسية راتب الجندي الروسي إلى ألف دولار، ألف دولار شيء لا يحلم به روسي، الدولار كم يساوي من روبل؟ مع ذلك رفعوا راتبه إلى ألف دولار، ولا يستطيعون التقدم إلا بعد شرب الفوتكا والأشياء التي تهون من الخوف والرعب الذي في نفوسهم.
ولله الحمد والمنة إخوانكم على درجة قوية من الثبات، ولكم أن تتابعوا الأخبار عبر الإنترنت في صفحة صوت القوقاز، ففي صفحة صوت القوقاز كل أخبار تتعلق بـداغستان ستجدونها من واقع المعركة من إخواننا هناك يبعثون بها، طبعاً الصفحة القديمة لإخواننا في الإنترنت اتصل عليهم من الغرب من اتصل وقال: سندمر موقعكم في الإنترنت خلال ثلاثة أيام، وبالفعل بعد ثلاثة أيام من هذا البلاغ الذي جاء للإخوة سلط على هذا الموقع من الفيروسات والتخريب والإفساد حتى خرب تماماً، وفتح الإخوة صفحة جديدة، وأودعوا فيها كافة المعلومات، وفي الحقيقة: لو أن الطريق متيسر ومفتوح إلى داغستان، فما أجمل الموت هناك!
أحبابي: المسلمون يواجهون الروس الملاحدة، حرب إسلامية صحيحة، معركة مقدسة، ولكن هم يعرفون تماماً أن أخطر شيء يواجههم هو أن تفتح ثغرة ينفذ منها مسلم وخاصةً العرب، المجاهدون العرب إذا وصلوا هناك، تحولوا إلى أسود وفعلوا الأفاعيل، وأتوا بالغرائب والأعاجيب، فلك اللهم الحمد على ما أكرمت به هذه الأمة، ونسأل الله أن ينصر إخواننا، وإني أدعوكم -أيها الإخوة- أن تبحثوا بكل وسيلة عن الطريق الموصل إليهم لتدلوا من أراد الذهاب إلى هناك، وأيضاً أن تجتهدوا في إيصال التبرع لهم بالبحث والسؤال والتتبع، لعل الله عز وجل أن يفرج صدورنا عاجلاً غير آجل باندحار الروس وقيام دولة إسلامية في داغستان تتبعها دول، وما ذلك على الله بعزيز.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر