إسلام ويب

الأحاديث المعلة في باب الصيام [2]للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • وردت عدة أحاديث معلة في الصيام منها ما يتعلق بتبييت النية من الليل، ومنها ما يتعلق بتعجيل الفطر وتأخير السحور، وتعجيل الفطر ورد في صحيح البخاري وإنما الإشكال في قرنه بتأخير السحور، ومنها ما يتعلق بأدعية مخصوصة عند الفطر، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء بهذا الخصوص، ونفي ثبوت ذلك لا يعني ألا يدعو الإنسان بل لو دعا فلا حرج في ذلك

    1.   

    حديث: (صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون)

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فنكمل في هذا الدرس ما يتعلق بالأحاديث المعلة في الصيام.

    الحديث الأول: حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون ).

    هذا الحديث رواه الإمام أحمد و الترمذي في كتابه السنن من حديث عبد الله بن جعفر ، عن عثمان بن محمد الأخنسي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجه الترمذي وقال بعد إخراجه: حسن غريب، واستغراب الترمذي رحمه الله لهذا الحديث ولتفرد عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد الأخنسي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ، و عثمان الأخنسي وهو ابن المغيرة قد تكلم فيه بعض العلماء، وذلك من جهة ذاته فإنه ليس بذلك الحافظ، وإن كان في ذاته صدوقاً، ومن جهة أخرى فيما يتفرد به عن سعيد المقبري خاصة، وقد تكلم عليه في ذلك علي بن المديني رحمه الله، وقال النسائي : إنه ليس بالقوي، يعني: في ذاته، وهذا الحديث أخذ على عثمان التفرد بروايته، وإن كان مستقيماً من جهة المعنى، ومن العلماء من يميل إلى تحسينه وإلى العمل به، وهو ظاهر عمل عامة المتأخرين، وذلك له وجه، وقد جاء هذا الحديث من طرق متعددة، فقد رواه الإمام أحمد و أبو داود في كتابه السنن من حديث أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( فطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون ).

    وهذا الحديث معلول بأن محمد بن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة كما قال ذلك غير واحد من الحفاظ، كـأبي زرعة ، و الدارقطني ، و الأثرم ، وغيرهم، وقد جاء من وجهٍ آخر عند ابن ماجه في كتابه السنن من حديث أيوب عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيما يظهر لي -والله أعلم- أنه وهم وغلط، فما جاء في سنن ابن ماجه من قوله أيوب عن محمد بن سيرين وهم، والصواب في ذلك أنه عن محمد بن المنكدر لا عن محمد بن سيرين ، و محمد بن المنكدر لم يسمع هذا الحديث من أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى كما تقدمت الإشارة إليه، وهو معلول بهذا، وقد جاء هذا الحديث من وجهٍ آخر عند الدارقطني كما في كتابه السنن من حديث محمد بن عمر الواقدي ، عن ثابت وداود وآخر، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث في روايته في هذه الطرق قد تفرد به محمد بن عمر الواقدي في روايته من هذا الوجه، وقد أعله في ذلك جماعة كـابن عبد الهادي ، وأعله قبله أبو الفرج ابن الجوزي ، وغيرهم من الأئمة، و محمد بن عمر الواقدي وإن كان إماماً في المغازي إلا أنه في أبواب الرواية في غير المغازي منكر الحديث، وقد اتهمه غير واحد من الأئمة بالكذب، ويظهر في ذلك أنه قد روى هذا الحديث عن الإمام مالك رحمه الله، و ابن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا طريق يذكره بعضهم وهو من وضع محمد بن عمر الواقدي لهذا الحديث عن الإمام مالك ، فإن هذا الحديث لا يعرف في حديث الإمام مالك ولم يروه المعروفون من أصحابه.

    1.   

    حديث: (من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له)

    الحديث الثاني: حديث حفصة يرويه عبد الله بن عمر عن حفصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له )، وجاء في رواية: ( من لم يجمع النية أو الصيام من الليل فلا صيام له ).

    هذا الحديث رواه الإمام أحمد و أبو داود وغيره، من حديث عبد الله بن أبي بكر عن ابن شهاب الزهري ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه عن حفصة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث تفرد برفعه هكذا عبد الله بن أبي بكر ، و عبد الله بن أبي بكر وإن كان من الثقات إلا أنه خولف في هذا الحديث، فالثقات من الرواة يخالفونه ويجعلونه موقوفاً، تارة على عبد الله بن عمر وتارة على حفصة ، فإنه قد رواه عبيد الله بن عمر العمري ، ورواه معمر بن راشد ، و عبد الرحمن المدني ، كلهم يروونه عن ابن شهاب الزهري ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر موقوفاً عليه، وصوب الوقف الحفاظ، فعامة الحفاظ من المتقدمين على تصويب الوقف وعدم صحة الرفع، صوبه البخاري رحمه الله كما في كتابه التاريخ فقال: الموقوف أصح، وكذلك الترمذي كما في كتابه السنن، فقال: لا نعرفه مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، يعني: من حديث عبد الله بن أبي بكر ، وكذلك أبو حاتم و النسائي و الدارقطني وغيرهم، وبعض الأئمة يميل إلى تصحيحه مرفوعاً، وهذا ظاهر كلام الدارقطني رحمه الله، فإنه حينما أخرج هذا الحديث قال: رفعه عبد الله بن أبي بكر ، وهو من الثقات الرفعاء، إشارة إلى قبول روايته عنده في أبواب الرفع، ومن الأئمة من يميل إلى أن الحديث موقوف على حفصة وليس على عبد الله بن عمر ، والذي يظهر لي والله أعلم أن الحديث موقوف على عبد الله بن عمر وعلى حفصة أيضاً، والدليل أن هذا الحديث رواه الإمام مالك ، ورواه عبيد الله بن عمر العمري وهو من أوثق أصحاب نافع ، عن نافع عن عبد الله بن عمر من قوله، وجاء أيضاً عن حفصة و عائشة موقوفاً، فقد رواه الإمام مالك في كتابه الموطأ عن ابن شهاب عن حفصة و عائشة أنهما قالتا.. فهذا الأثر موقوفاً عليهما، إذاً: فهو مروي عن حفصة ومروي عن عبد الله بن عمر موقوفاً، إلا أنه عن عبد الله بن عمر موقوفاً أصح، وذلك لقوة إسناده، بخلاف ما جاء عن حفصة في الوجه الذي أخرجه الإمام مالك ففيه انقطاع، فإن ابن شهاب الزهري لم يسمعه من حفصة عليها رضوان الله، لهذا نقول: إن هذا الحديث لا يثبت مرفوعاً، وإنما هو موقوف على عبد الله بن عمر و حفصة عليهما رضوان الله تعالى.

    1.   

    حديث: (لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور)

    الحديث الثالث: حديث أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور ).

    هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في كتابه المسند من حديث عبد الله بن لهيعة عن سالم بن غيلان ، عن سليمان ، عن عدي ، عن أبي ذر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وهذا الحديث معلول بعلل:

    من جهة المتن: فإن المتن أصله جاء في الصحيح من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر )، ولم يذكر السحور، وتعجيل السحور جاء في حديث أبي ذر من حديث ابن لهيعة عن سالم بن غيلان ، عن سليمان ، عن عدي ، عن أبي ذر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنكب البخاري رحمه الله هذه الزيادة.

    وهذا الحديث أيضاً معلول بعلل إسنادية:

    الأولى: أنه جاء من حديث عبد الله بن لهيعة ، وهو ضعيف الحديث، وقد تفرد بهذا الحديث عن سالم بن غيلان ، وأحاديث عبد الله بن لهيعة بمجموعها ضعيفة إلا أنها تتباين، فما رواه عنه القدماء من أصحابه كالعبادلة والمتقدمين منهم كـقتيبة وغيره، فإن هذا أوثق حديثاً، وأوثق حديث مما يرويه المتقدمون من أصحابه ما كان في أبواب القضاء فإنه من القضاة، وما رواه الراوي وهو من أهل الاختصاص والعمل فيه فإنه يضبطه أكثر من غيره، لهذا نقول: إن ما كان على هذه الصفة مما رواه قدماء أصحابه وخاصة في القضاء فإنه يقبل عند المتابعة ويعتبر به.

    المرتبة الثانية: ما يرويه المتأخرون من أصحابه، وذلك بعد اختلاطه، فإنه قد احترقت كتبه وزاد سوء حفظه، لهذا نقول: إن ما كان بعد ذلك فإنه أشد ضعفاً، ولا يقبل حتى في المتابعات والشواهد، إلا أن ما يرويه في أبواب القضاء أحسن حالاً مما لم يروه في هذا الباب، وهذا الحديث تفرد بروايته عبد الله بن لهيعة عن سالم بن غيلان ، عن سليمان ، عن عدي ، عن أبي ذر .

    الثانية: أن في إسناده مجهولان، وهو سليمان و عدي ، الذي يرويه عن أبي ذر ، وهما من المجاهيل، وقد تفردا بهذا الحديث عن أبي ذر عليه رضوان الله، والصواب في هذا الحديث ( أنه لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر)، وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخير السحور عند الطبراني في كتابه المسند من حديث حبابة بنت عجلان عن أمها عن صفية عن أم حكيم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( عجلوا الفطر وأخروا السحور )، وهذا الحديث أيضاً مسلسل بالمجاهيل، وإسناده منكر، وأما بالنسبة لتأخير السحور فجاء في المسند من حديث أنس بن مالك عن زيد بن ثابت عليه رضوان الله تعالى أنه قال: ( كنا نتسحر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ننصرف إلى الصلاة، فقيل له: كم بين السحور والصلاة؟ قال: قدر خمسين آية)، والخمسون آية يتلوها الإنسان إذا كان حدراً بنحو سبع دقائق إلى عشر دقائق، وهذا هو الفيصل في الغالب بين وجبة السحور وصلاة الفجر، لهذا نقول: إن تأخير السحور في ذاته ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام، أما ربطه بالخيرية وتعجيل الفطر بالخيرية فهذا لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفي في ذلك تنكب البخاري رحمه الله تعالى و مسلم له في إخراجهم لحديث: ( لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر ).

    ويظهر -والله أعلم- أن تأخير السحور آكد من جهة الفضل من تعجيل الفطر، والذي يظهر أيضاً أن السحور في ذاته أفضل وأكثر بركة من الفطر؛ لأن المتسحر يستقبل صياماً، والمفطر يستقبل ليلاً وطعاماً، فهو مخير، بخلاف الإنسان الذي يقبل على إمساك فإنه يقبل على صيام ويحتاج إلى نشاط، فالبركة الحاصلة في الصيام من السحور أظهر من الفطر، وهذا محتمل، وإنما جاء النص في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة الفطر والتعجيل فيه لأن الناس يجتمعون على الفطر بخلاف اجتماعهم على السحور، فالسحور غالباً ما يطعمونه فرادى، بخلاف اجتماع الناس على الفطر فإنه يكون على الجماعة، وما كان على أمر الجماعة فإنه يتأكد أكثر من غيره، وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح أنه قال: ( تسحروا فإن في السحور بركة )، والمراد بالبركة هي ما يستقبل به الإنسان عمله في النهار، فإن عمل النهار في رمضان آكد من عمل الليل، حتى الصلاة والنوافل آكد من عمل الليل، وهذا ما يغفل عنه كثيرٌ من الناس، وذلك أن نهار رمضان أفضل من ليله؛ لأن رمضان ما فضل إلا لأجل الصيام، والصيام محله النهار لا الليل.

    1.   

    حديث: (إذا أذن المؤذن وفي يد أحدكم إناء فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه)

    الحديث الرابع: حديث أبي هريرة عليه رضوان الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أذن المؤذن وفي يد أحدكم إناء فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه ).

    هذا الحديث رواه الإمام أحمد و أبو داود من حديث حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا خبر منكر، قال أبو حاتم : ليس بصحيح، يعني: مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعلة في ذلك -مع ظاهر استقامة إسناده- أن هذا الحديث تفرد به حماد بن سلمة مع كونه ثقة، إلا أنه ثقة في روايته عن ثابت فهو من أوثق الناس في روايته عن ثابت ، ويهم ويغلط في روايته عن غيره، كروايته عن محمد بن عمرو بن علقمة كما في هذا الحديث، إذاً: فـحماد بن سلمة تفرد بروايته هذا، ولهذا قال أبو حاتم رحمه الله: ليس بصحيح.

    القرينة الأخرى على وهم حماد بن سلمة أيضاً: أنه وهم في هذا الإسناد، فرواه على عدة أوجه:

    الوجه الأول: هو روايته في هذا الحديث عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي هريرة .

    الوجه الثاني: أنه رواه عنه روح كما عند الإمام أحمد عن حماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتارة يجعله عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، وتارة يجعله عن عمار عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    الوجه الثالث: أن حماد بن سلمة رواه عن حميد عن أبي رافع أو عن غيره عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    الوجه الرابع: أن حماد بن سلمة رواه عن يونس عن الحسن مرسلاً، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه وجوه اضطرب فيها حماد ، فدل على أنه لم يضبط هذا الخبر على وجهه.

    1.   

    حديث الشرب وقت الأذان في رمضان

    الحديث الخامس: حديث أبي الزبير قال: ( سألت جابر بن عبد الله عن الشرب والمؤذن يؤذن عند الفجر فقال: كنا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب ) ، يعني: عند الأذان.

    هذا الحديث رواه الإمام أحمد في كتابه المسند من حديث عبد الله بن لهيعة عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله به، وقد تفرد به عبد الله بن لهيعة في روايته عن أبي الزبير عن جابر ، و عبد الله بن لهيعة ضعيف الحديث.

    1.   

    حديث بلال أنه ذهب يؤذن رسول الله بصلاة الفجر فوجده يأكل فقال له: مهلاً يا بلال

    الحديث السادس: حديث بلال عليه رضوان الله تعالى: ( أنه ذهب يؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة الفجر فوجده يأكل، فقال: مهلاً يا بلال ) .

    هذا الحديث رواه الإمام أحمد في كتابه المسند من طريقين:

    الطريق الأولى: رواه من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق السبيعي ، عن عبد الله بن المغفل ، عن بلال .

    الطريق الثانية: رواه من حديث جعفر بن برقان ، عن شداد مولى عياض ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    الطريق الأولى وهي رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن المغفل عن بلال معلولة بعلل:

    الأولى: أن هذا الحديث يرويه أبو إسحاق ، و أبو إسحاق لم يصرح بالسماع، وهو موصوف بالتدليس.

    الثانية: أن عبد الله بن المغفل لم يثبت له سماع صريح من بلال بن رباح عليه رضوان الله تعالى.

    وأما الطريق الثانية، وهي التي يرويها جعفر بن برقان عن شداد عن بلال عليه رضوان الله تعالى فإن شداداً لا يعرف، ولا يثبت له سماع.

    والعلة الثانية من الطريق: لم يثبت له سماع من بلال عليه رضوان الله تعالى، وعلى هذا نقول: إن هذا الحديث حديث لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء في معنى هذا الحديث من حديث عبد الله بن عمر ، وجاء من حديث أنس بن مالك عليه رضوان الله ولا يثبت، ويفتي به بعض السلف كما جاء عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة قال: إن أبي يفتي بهذا، يعني: بالأكل عند سماع الأذان، ولهذا نقول: إن الأكل والشرب عند سماع الأذان قول لبعض السلف، والأولى في ذلك الاحتياط.

    1.   

    حديث زيد الجهني: (من فطر صائماً كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً)

    الحديث السابع: حديث زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من فطر صائماً كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ).

    هذا الحديث حديث ضعيف، يرويه ابن أبي ليلى عن عطاء ، عن زيد بن خالد الجهني ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من فطر صائماً ).

    وهذا الحديث معلول بعلل:

    أول هذه العلل: أن عطاء لم يسمعه من زيد بن خالد الجهني كما قال ذلك علي بن المديني ، وصححه جماعة من الأئمة من المتأخرين وغيرهم، ولم ينبهوا على هذا الانقطاع، كذلك فإن هذا الحديث -حديث زيد بن خالد الجهني - هو في البخاري ، ولكنه بلفظ: ( من جهز غازياً فقد غزى )، وليس: من فطر صائماً، ولكن قد يشكل عليه أن هذا الحديث قد جاء في مصنف ابن أبي شيبة من حديث ابن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من فطر صائماً كان له مثل أجره، ومن جهز غازياً فقد غزى )، فذكر الحديث بلفظين، ولكن نقول: إن هذا أيضاً من وجوه العلل، فـالبخاري حينما أورد حديث زيد بن خالد : ( من جهز غازياً )، وترك هذه اللفظة والزيادة مع الحاجة إليها وأهميتها وجلالة قدرها كان هذا من أمارة إنكاره لها، وذلك أن حاجة الناس إلى مثل هذا الفضل أكثر من حاجتهم إلى تجهيز غاز، وذلك من وجوه: منها: أن تفطير الصائم يتيسر لكل أحدٍ من الناس غالباً بخلاف تجهيز الغازي، فتجهيز الغازي فيه من الكلفة والمشقة، وكذلك أيضاً قلة الغزاة بخلاف الصائمين، فالحاجة إلى مثل هذا أكثر وأظهر، ولهذا إيرادها حتى يتزود الناس بالعمل الصالح أظهر، ومع ذلك تنكبها البخاري رحمه الله، لهذا نقول: إن الحديث من جهة متنه مرفوعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه نكارة، وكذلك من جهة إسناده معلول، وقد جاء من وجوه أخر كما جاء عند عبد الرزاق من حديث ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة موقوفاً عليه، وهذا أقرب إلى الصواب أنه موقوف على أبي هريرة ، ولا يصح مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث تضعيفه لا يعني إهدار الفضل، ففضل الله عز وجل في ذلك واسع، وأما نسبة ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام ففيه ضعف.

    1.   

    حديث سلمان: (من فطر صائماً كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً)

    الحديث الثامن: حديث سلمان الفارسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من فطر صائماً كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ).

    هذا الحديث أخرجه ابن خزيمة ، و البيهقي من حديث علي بن زيد بن جدعان ، عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان الفارسي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معلول بعدة علل:

    الأولى: أن هذا الحديث تفرد به علي بن زيد بن جدعان ، و علي بن زيد بن جدعان في ذاته مضعف، وفي حفظه لين.

    الثانية: ويزيد ذلك إعلالاً أنه تفرد بهذا الحديث عن سعيد بن المسيب ، و سعيد بن المسيب من الثقات الحفاظ الرفعاء من أهل المدينة، وليس من أهل الآفاق، وأصحابه كثر، وغير أصحابه يردون إلى المدينة أخذاً عنه، فتفرد مثل حال علي بن زيد عن سعيد بن المسيب مما يستنكر عند النقاد، خاصة بمثل هذا المعنى، لهذا نقول: إن هذا الحديث منكر.

    الثالثة: أن سعيد بن المسيب لم يسمعه من سلمان الفارسي ، وإن كان سعيد بن المسيب من أهل التحري إلا أن الأحاديث إذا اجتمعت فيها قرائن النكارة تعل بأدنى من ذلك، ولهذا فإن علي بن زيد في تفرده عن سعيد بن المسيب هذا فيه نكارة، ولو كان الحديث عند سعيد بن المسيب موجوداً عن سلمان الفارسي لنقله غيره، ويكفي في أصحاب سعيد بن المسيب ابن شهاب الزهري ، فهو من الرواة عنه المكثرين فأين مثل هذا الحديث، ومثل هذا الحديث يحتاج الناس إليه في استقبال رمضان، ففيه من الفضل، وفيه من حث الناس على التواصل، وإطعام الطعام ونحو ذلك مما هو أظهر من غيره.

    ومن وجوه إعلال المتن أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه في إطعام الطعام في غير رمضان وهو دون ذلك من الفضل أحاديث كثيرة بأقوى من التفضيل في رمضان، ومع هذا جاء هذا الحديث بمثل هذا الإسناد، وحري أن يكون الإطعام في رمضان أقوى إسناداً من الإطعام في غيره، لاجتماع الإطعام العام مع الإطعام على العبادة، والذي يتحقق فيه الإعانة على ركن من أركان الإسلام، لهذا نقول: إن هذا من وجوه الإعلال في هذا الحديث.

    1.   

    حديث: (اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا...)

    الحديث التاسع: حديث عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند فطره: اللهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا، فتقبل منا إنك أنت السميع العليم ).

    هذا الحديث رواه الطبراني في كتابه الدعاء من حديث عبد الملك بن عنترة ، عن أبيه عن جده، عن عبد الله بن عباس ، و عبد الملك بن عنترة لا يحتج به ولا بأبيه، ولا بجده، وقد تفردوا بهذا الحديث عن عبد الله بن عباس وحديثهم في ذلك مطروح، ولا يحتج به.

    1.   

    حديث أنس: (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت)

    الحديث العاشر: حديث أنس بن مالك ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند فطره: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ).

    هذا الحديث رواه الطبراني ورواه ابن السني في كتابه عمل اليوم والليلة من حديث داود بن الزبرقان عن شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وهذا الحديث معلول بعلل:

    أولها: أن فيه داود هذا وهو منكر الحديث.

    ثانيها: أن هذا الحديث من حديث شعبة عن قتادة ، و شعبة له أصحاب كثر يروونه عنه، ولا يحتمل تفرد مثل داود عن مثل شعبة بن الحجاج ، بل عمن دونه، لهذا نقول: إن هذا الحديث منكر.

    كذلك إن معنى هذا الحديث مما يحتاج إليه؛ لأنه مما يتكرر في كل صوم، سواءً كان صوم فرض أو صوم نافلة، والقاعدة لدينا في أبواب العلل: أن العمل كلما تكرر احتيج إلى اشتهاره وقوة إسناده، اشتهاره من جهة قوة الإسناد، وكذلك اشتهاره واستفاضة العمل، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الصوم، وربما صام في السفر، وحوله أصحابه، وفي المدينة حوله أصحابه وأزواجه، وكانوا ينقلون عنه عليه الصلاة والسلام أقواله وأفعاله حتى أنواع طعامه عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك ما ذكروا دعاءه عند فطره، وهذا من وجوه النكارة.

    1.   

    حديث: (ذهب الظمأ وابتلت العروق..)

    الحديث الحادي عشر: حديث عبد الله بن عمر في القول عند الفطر: ( ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله ).

    هذا الحديث رواه أبو داود في كتابه السنن من حديث الحسين بن واقد ، عن مروان بن المقفع ، عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى به.

    هذا الحديث تفرد به الحسين بن واقد وهو في ذاته صدوق، عن مروان بن المقفع ، و مروان المقفع مستور الحال، وتفرد بهذا الحديث عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله، وهذا الحديث هو أمثل شيء جاء في هذا الباب، ولكن يقال: إن مثل هذا ينبغي أن يستفيض لو كان مرفوعاً، إلا إذا حملنا الأمر على المغايرة أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يلتزم ذلك، إما أن نقول: إنه لا يلتزم ذلك وقاله مرة واحدة ونثبت ذلك، وإما أن نثبته على سبيل الدام، ومثل هذا لا بد أن يثبت بما هو أقوى من هذا.

    1.   

    حديث معاذ بن زهرة: (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت)

    الحديث الثاني عشر: ما رواه البيهقي من حديث معاذ بن زهرة مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ( اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت )، الخبر، وهذا قيل إنه أصح شيء في الباب؛ لأنه مرسل صحيح، ولكن يقال: إن المرسل من أقسام الحديث الضعيف، ولهذا نقول: إنه لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء في الدعاء عند الفطر، وفي مثل هذا لا نقول: إنه لا يدعى، وإنما نفي الصحة هنا لثبوت دعاء معين عن النبي عليه الصلاة والسلام، لهذا نقول: إذا أخذ الإنسان بمثل هذه الأحاديث ولو كانت ضعيفة وجاء فيها على المغايرة فذكر ذكراً ثم ذكر الآخر، ثم جاء بذكر متنوع، وبهذا نعلم أن ما يفعله بعض العامة من استقبال القبلة عند الفطر، ورفع اليدين ونحو ذلك، فضلاً عما هو زائد على ذلك من الدعاء الجماعي، والتأمين، ونحو ذلك، أن هذا كله ليس له أصل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لهذا يقال: إن مثل هذا الموضع مما موضعه السر، وهذا الذي يترجح؛ لأنه محال أن يجهر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك ولا ينقل، أما الدعاء فهو موجود، وإنما لم يجهر النبي عليه الصلاة والسلام به وذلك لتباين حاجات الناس في مصالحهم وفي أمر دينهم ودنياهم وغير ذلك، لهذا يوكل الإنسان إلى حاجته واختياره فيأخذ الإنسان مما يصلح له في هذا الدعاء، سواءً مما يصلح في أمر دينه أو مما يصلح من أمر دنياه.

    وهذه القواعد التي بها أعللنا مثل هذا الخبر ينبغي لطالب العلم في أبواب الإعلال أن ينظر إلى ذات المسألة المنقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدر تلبسه بها، وكذلك أصحابه عليهم رضوان الله تعالى، ومقدار ذلك التكرار، وكذلك مقدار الخطاب الذي يتوجه إلى أفراد أو يتوجه إلى جماعة، ثم يعل به الحديث، لهذا نقول: إن ما جاء من وصف حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه لا يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    حديث أنس: (أن رسول الله كان يفطر على رطبات فإن لم يجد فعلى تمرات...)

    الحديث الثالث عشر: حديث أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفطر على رطبات، فإن لم يجد فعلى تمرات، فإن لم يجد حسى حسوات من ماء ).

    هذا الحديث جاء من حديث جعفر عن ثابت عن أنس بن مالك ، كما رواه الترمذي وغيره، والضعف والإعلال فيه أن الصواب في لفظه ( أنه كان يفطر على تمرات، فإن لم يجد فعلى ماء )، أما ذكر الرطبات فالذي يظهر -والله أعلم- أنه ليس بمحفوظ، وقد جاء هذا من حديث جعفر، وقد تكلم في حفظه بعض الأئمة، وهو لين الحفظ في ذاته، ولكن الحديث في أصله ثابت في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر على تمرات.

    فقد جاء في بعض الطرق عند الطبراني وغيره من حديث أنس بن مالك أيضاً ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر على تمر أو على شيء مما لم تمسه النار )، وهذه الزيادة ليست بمحفوظة، لهذا نقول: إن هذا لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمستفيض من حاله عليه الصلاة والسلام هو أنه كان يفطر على تمر، أما الإفطار على الرطب فيقال: إن هذا لا يثبت عنه عليه الصلاة والسلام من جهة العمل، ولا يعني أنه لم يثبت عن رسول الله من جهة الإسناد، ولا يعني أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة العمل، والتمر هو من الرطب، والرطب من التمر، ولكن غلب استعمال الرطب، وملنا إلى تقويته، وذلك لأن غالب النصوص التي جاءت في ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام هو تناول التمر، وهذا هو ظاهر في النصوص التي جاءت في تفضيل التمر وبيان منزلته، أما ذكر الرطب في سنة النبي عليه الصلاة والسلام من جهة أكله وتفضيله في ذاته، والتقديم على غيره فإن هذا من الأمور النادرة التي تروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد، وهذا ما نميل إليه أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يثبت عند فطره إلا بالتمر، ثم على ماء.

    وفي هذا أيضاً مما ينبغي الإشارة إليه أن فيه دليلاً على مسألة تعجيل الفطر، وهذا ما تقدم في حديث أبي حازم عن سهل ، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان لا يكثر في فطره، ولهذا لم يقل: على تمر، وإنما قال: ( تمرات ) أي: معدودات، وأيضاً أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يعجل بفطره ويعجل بصلاته، وقد جاء في حديث مسروق أنه قال: ( دخلت أنا ورجل على عائشة عليها رضوان الله تعالى فسألناها فقلنا: إن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجلون الفطر ويعجلون الصلاة، وآخر يؤخر الصلاة ويعجل الفطر، فقالت عليها رضوان الله تعالى: من الذي يعجل الفطر ويعجل الصلاة؟ فقيل لها: ابن مسعود عليه رضوان الله تعالى، فقالت: هذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: من الذي يعجل الفطر ويؤخر الصلاة؟ فقيل لها: أبو موسى عليه رضوان الله تعالى ) ، و عبد الله بن مسعود لا شك أنه إمام فقيه، وفي هذا من السنة أنه ينبغي للإنسان أن يعجل الفطر، وألا يميل إلى تناول الطعام مرة واحدة كما يفعله عامة الناس، ولهذا السنة في ذلك أن تتناول تمرات ثم ماء، ثم بعد ذلك يكلها إلى ما بعدها، ويظهر من حال النبي عليه الصلاة والسلام أنه لم يكن عليه الصلاة والسلام يتناول بعد صلاته شيئاً وإنما يكتفي بما هو قبل ذلك، وهذا هو السنة في التقليد، والسنة أيضاً أن يكثر الإنسان من السحور أكثر من الإفطار، وهذا ما يغلب السنة فيه كثير من الناس، وذلك أن الإنسان في سحوره يستقبل إمساكاً، بخلاف الليل فإنه يتناول في كل لحظة، أما في النهار فإنه يمسك، لهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( تسحروا فإن في السحور بركة )، وأراد بذلك أن الإنسان يتزود في هذا.

    ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام معين على سحوره، وأما بالنسبة لفطره فالثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يفطر على تمر، ثم يحسو حسوات من ماء.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    1.   

    الأسئلة

    القول بأن تعدد وجوه الرواية دلالة على ضبط الراوي

    السؤال: ألا يقال في مثل حماد بن سلمة : تعدد شيوخه فروى مثل هذا؟

    الجواب: تعدد الوجوه وتفسير الاضطراب عند النقاد أنهم يفرقون بين الراوي الحافظ المكثر وبين غيره، فالمكثر يحتمل منه التنوع، أما غير المكثر فلا يحتمل منه التنوع؛ لأن الحفاظ هم الذين يتفننون بالتحديث عن أكثر من شيخ، ففي المجلس هذا يحدث عن شيخه فلان، وفي المجلس هذا يحدث عن فلان، والمجلس هذا يحدث عن فلان، ولكن الراوي المقل من أين يكثر وليس عنده أحد إلا واحد أو اثنان! فتعدد مثل هذه الروايات فيها ما فيها.

    ثم إن الإكثار عند المقل تهمة؛ إذ كيف يكون الحديث مشتهراً ولم يحفظه إلا هذا الراوي؛ لأنه يثبت بتعدد الروايات أنه روي في مجالس ثم لم يروه في هذه المجالس كلها إلا هو، فكيف خص بهذه الخصيصة؟! وهذا من وجوه النكارة، أما الراوي المكثر فيحتمل العلماء تعدد وجوه الرواية عنه وروايته عن شيوخه كالكبار من أمثال قتادة ، و سعيد بن أبي عروبة ، و شعبة ، يروي الراوي منهم من أكثر من وجه، خمساً، ستاً، سبعاً ويحتمل منه وكلما قل ضبط الراوي لا يحتمل منه إلا إسناد حتى يضيق فلا يحتمل منه إلا إسناد واحد.

    الدعاء عند الإفطار

    مداخلة: يا شيخ! ... هل تخالف بعد ... بعد الانتهاء أو القبض أو ...

    الشيخ: عنده، بين الإمساك والفطر، وذكر ابن كثير رحمه الله في كتابه التفسير عند قول الله عز وجل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، قال: إن في هذا الدعاء عند الفطر، وذلك أن الله عز وجل أورد هذه الآية بعد ذكر تشريع الصيام وأحكامه، ذكر مسألة الدعاء، وهذا من الاستنباط، ولكن بعض السلف يعمل به كما جاء عند الربيع بن حبيب وغيره من السلف.

    علة حديث: (صومكم يوم تصومون)

    السؤال: على أي أساس يكون الوهم في حديث: (صومكم يوم تصومون) ؟

    الجواب: ذكرنا أن هذا الحديث هو حديث: ( صومكم يوم تصومون )، من حديث أيوب عن محمد المنكدر ، عن أبي هريرة ، وأنه جاء عند ابن ماجه من حديث أيوب عن محمد المنكدر عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ، وقلنا: محمد بن سيرين وهم وغلط.

    هذا الحديث جاء من حديث إسحاق بن عيسى عند ابن ماجه ، وعند أحمد ، وعند غيره، ومثل هذا الحديث جاء من حديث إسحاق بن عيسى ، وجاء بهذا الوجه عن أيوب ، عن محمد ، عن أبي هريرة ، فغالب الظن أن هذا الطريق الذي اتحد متأخراً أنه لا يختلف من جهة الإسناد، هذا أمر.

    الأمر الثاني: أن هذا الحديث إذا جاء عن محمد بن سيرين وجاء عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة يعني أنه قد استفاض عن أبي هريرة ، وإذا استفاض في طبقة فينبغي أن يتعدد لا أن يرجع إلى أيوب فيكون ضيقاً ثم يتسع ثم يضيق على نفس الطريقة، ولهذا نقول: إن ما في سنن ابن ماجه وهم، ويحتمل أنه من ناسخ قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: قال شيخنا أبو الحجاج المزي : وسنن ابن ماجه حملها رواة ليسوا بحفاظ، ولهذا وقع فيها تصحيف وأغلاط، ولهذا يوجد في سنن ابن ماجه من الأغلاط والتصحيف ما ليس في بقية الكتب.

    علة الأحاديث الواردة في فضل رجب

    السؤال: هل ورد شيء ثابت في فضل رجب؟

    الجواب: لم يثبت فضل في رجب، وكذلك أيضاً فضائل الشهور آكد من فضائل الأيام، إذا جاء حديث في فضل شهر فابحث عن فضائل الأيام واطلب إسناداً أقوى منها، هذا من قرائن الإعلال، فشهر من ثلاثين يوماً لا يرد فيه فضل إلا من طريق زائدة عن زياد عن أنس بن مالك بينما أيام معدودة جاء فضلها بأسانيد قوية! هذا مما لا يقبل.

    ومثل ذلك حديث العلاء بن عبد الرحمن : ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )، هذا الحديث نهي عن صيام خمسة عشر يوماً متتالية، ثم يأتي من هذا الطريق، ثم يأتي النهي في يوم أو يومين بإسناد قوي جداً، هذا مما لا يتسق مع أحكام الشريعة، ولهذا النقاد يعلون حديثاً بحديث خارج الباب، وتجد الأئمة عليهم رحمة الله حينما يعلون حديثاً من الأحاديث لا يفصحون بذكر -مثلاً- النهي عن صيام أيام التشريق؛ لأنه ليس في بابه، فهذا في شعبان وهذا في أيام التشريق، ولا يتكلمون عن صيام يوم العيد والنهي عنه، النهي في النص في حديث أبي هريرة آكد من النهي عن أيام التشريق، ومع هذا صح النهي عن صيام أيام التشريق وما صح النهي عن صيام النصف من شعبان، مع أنه أكثر أياماً، والأولى أن يثبت أيضاً من جهة الإسناد بأقوى من غيره، ولهذا ذهب الطحاوي إلى أنه لم يعمل بهذا الحديث، وهذا من وجوه الإعلال أيضاً، فدائماً أقول لطالب العلم: أبواب القرائن متسعة جداً، وأن طالب العلم كلما كان حافظاً للسنة استطاع أن يعل الحديث القريب بحديث بعيد عن الباب، فحديث شعبان تستطيع أن تورد فيه من العلل ما لا حصر له، حيث يجتمع شواهد في ذهنك ثم تحكم عليه بأن هذا الحديث منكر، اجتمعت لديك أشياء كثيرة، في عرفة، وفي عاشوراء، وفي محرم، وغيرها، أوحت اليك بأن هذا الحديث منكر، أو غلط بمثل هذا الترتيب، غلط لأنك تتكلم عن وحي رباني أمر الله عز وجل بإبلاغه للناس، وهذا الوحي الرباني ينبغي أن يكون محكماً: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ[هود:1] والإحكام ينبغي أن يأتي على اتساق في أمور التكليف للناس، ولهذا لو جاء حكم الصلاة بأسانيد صحيحة في ذاتها ولكنها دون أحاديث الزكاة وهي بمثل هذه المكانة وفي تركها مثل هذا الوعيد الشديد لقلنا بنكارتها؛ لأن هذا لا يتسق، فالصلاة في ظاهر النص أهم من الزكاة وهي يومية، والزكاة حولية، ومع هذا تكون أسانيد الزكاة أقوى، هذا لا يمكن، ولهذا نقول: إن أبواب العلل لا حصر لها، لهذا يخفى على الكثير من الناس قيمة النقاد الأوائل لأنهم ينقدون أحاديث جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يفصحون؛ لأنه لا يقدر أن يفصح عنه بسهولة، بل يحتاج أن يأتي بلوح ويضع خريطة ويشرح يوماً كاملاً حتى يثبت لك أن هذا الحديث فيه مطعن، ولكن اجتمع لديهم جملة من القرائن المتوافرة، منها ما هو في صيام، ومنها ما هو في زكاة، ومنها ما هو في حج، ومنها ما هو في فضائل الأعمال، وما هو في التسبيح والتهليل، وغير ذلك.

    وهناك ما هو أدق من هذا أيضاً، وهو أن الأسانيد يوجد فيها أحياناً رواة كبار، وهؤلاء الرواة الكبار لهم أحاديث محفوظة لدى الناقد، فهذا الراوي له أصحاب، أصحابه الكبار رووا أحاديث مستفيضة وهذا الحديث أهم مما حفظوه ومع هذا لم ينقلوه ونقله رجل ثقة آخر، هذا من وجوه الإنكار إذ لو كان عنده ما تركه فلان، ولا فلان، ولا فلان، ولا فلان، الذين يدورون حول فلان دوراناً تاماً، ومع ذلك ما رووا هذا الحديث عنه، ولهذا نقول: ما كل قرائن الإعلال يستطيع الإنسان أن يبوح بها.

    عبد الله آل الشيخ بعث لي على الجوال، رسالة جميلة في مسألة السبر، وأعجبتني وما زالت محفوظة عندي، وهذه الفائدة استفدتها منه يقول: تبين لي أن السبر شبيه بالدائرة، فالإنسان حينما يسير على طريق مستدير، ولكن استدارته بعيدة جداً، فإذا كنت تراه من علو فسترى الخط مستديراً، وترى الرجل يدور، وهو في الأرض لا يعلم أن الخط مستدير؛ لأن الانحناء بعيد، فالرجل المستوعب يرى من علو أن هذا الرجل سيدور، فهذا الدوران هو السبر؛ لأنك ترى الجميع، وهو لا يرى إلا العشرة أمتار التي أمامه، هذا الحديث الذي بين يديك لا تستطيع أن تحكم عليه حتى يرسم لك هذا الخط الطويل وهو الذي يمثل الشريعة، ثم تراه أمامك، أما أن تكون أنت بمركبتك وأنت تقود السيارة فلن تظن أنك مستدير؛ لأنك لا ترى إلا أمتاراً أمامك وأمتاراً خلفك، فحين ترى حديثين أمامك وحديثين خلفك لا تستطع أن تحكم على مجموع، أقول: السبر هو استيعاب مجموع المسائل، بحيث يستطيع معه الإنسان أن يتكلم على مسألة بعينها من غير دليل معين منها، وهذا يظهر للإنسان كثيراً ، وبعض الناس يقول: أريد أن أقيد هذا، نقول: هذا ما يقيد، هذا شيء يفهمه الإنسان من جهة الفهم، وتقييده يحتاج إلى إسهاب وإطالة.

    وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم من أهل التوفيق والسداد والإعانة والرشاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755953924