إسلام ويب

مقدمة في الفقه - فقه الإمام الشافعي [1]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإمام الشافعي هو الفقيه الذي بلغ في الفقه غايته ومنتهاه، وهو المحدث الذي أحاط بالسنن والآثار علماً وعملاً، فقد جمع الله له بين هذين الأمرين العظيمين، وهما قوام العالم الرباني الذي يقتدى به ويهتدى بعلمه، وقد روي عن الإمام الشافعي ونقل عنه كلام عظيم في معناه، يدل على قوة فقهه وعلمه واستنباطه، وعلو شأنه في ذلك كله، ويدل على تمسكه وعمله بالأحاديث والآثار فيما يقول ويعمل.. كما هو حال الأئمة كلهم رحمهم الله ورضي عنهم أجمعين.

    1.   

    ذكر بعض ما نقل عن الإمام الشافعي مما يدل على قوة فقهه وفهمه واستنباطه

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الصادقين المفلحين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحَزْن إذا شئت سهلاً, سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

    سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

    إخوتي الكرام! كنا نتدارس ترجمة موجزة للفقيه الثالث سيدنا أبي عبد الله الإمام الشافعي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وكنا نتدارس الجانب الثالث من الجوانب الأربعة التي نتدارسها في تراجم أئمتنا، تدارسنا ما يتعلق بالأمر الأول في نسبه وجده في طلبه، وما يتعلق بالأمر الثاني في ثناء العلماء عليه ومنزلته، ووقفنا عند الأمر الثالث في فقهه رضي الله عنه وأرضاه، والأمر الرابع نتدارسه بعد هذا الأمر بعون الله وتوفيقه في عبادته لربه سبحانه وتعالى.

    إخوتي الكرام! فقه سيدنا الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، وفقه الإمامين المتقدمين سيدنا أبو حنيفة وسيدنا الإمام مالك، وهكذا الإمام الرابع سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنهم وأرضاهم، لا نزاع في فقههم رضي الله عنهم وأرضاهم، وطريقة فقههم تقدمت معنا عند الفقيه الأول فقيه الملة سيدنا أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين، وقلت: إن مصادر الأحكام عندهم هي مصادر الأحكام عند أهل السنة المهتدين: كتاب رب العالمين، وحديث نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، وإجماع العلماء المجتهدين، والقياس السوي السديد السليم, هذه الأمور الأربعة هي مصادر الأحكام، وعليها سار أئمة الإسلام، وكما قلت: لن أتكلم على طريقته رضي الله عنه وأرضاه في التفقه وفي مصادر الأحكام، فهذا مرَّ الكلام عليه، إنما سأذكر بعض ما نُقل عنه من فقهه، وبيان منزلته في ذلك رضي الله عنه وأرضاه.

    فقهه وفهمه لحديث: (على رسلكما إنها صفية) في مجلس سفيان بن عيينة

    الخبر الأول: إخوتي الكرام! لنرى منزلة أئمتنا الفقهاء، وكما قلت: إنهم بمنزلة الأطباء، كما أن المحدثين بمنزلة الصيادلة، وهذا الكلام تقدم معنا أُثر عن عدد من أئمة الإسلام منهم الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه: الفقهاء أطباء والمحدثون صيادلة.

    استمعوا إلى هذا الخبر الذي ينقله الإمام ابن حجر في كتابه توالي التأسيس صفحة خمس وسبعين، قال: حدث سفيان بن عيينة رحمة الله ورضوانه عليه بحديث أمنا صفية رضي الله عنها وأرضاها عندما كانت في زيارة نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وهو معتكف، فلما خرجت شيعها؛ لأن بيتها كان متأخراً عن بيوت أمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، فلما خرج معها ليوصلها إلى بيتها بعد العشاء مرَّ به عليه صلوات الله وسلامه أنصاريان، فقال نبينا عليه الصلاة والسلام: ( على رِسلكما إنها صفية ).

    الحديث ثابت في المسند وفي الصحيحين، وفي سنن أبي داود وابن ماجه ، ورواه الإمام ابن حبان والإمام ابن خزيمة في صحيحيهما، ورواه البيهقي في السنن الكبرى، انظروه في جامع الأصول في الجزء الأول صفحة أربع وأربعين وثلاثمائة، ولفظ الحديث من رواية علي بن الحسين رضي الله عنهم أجمعين عن أمنا الطيبة المباركة سيدتنا صفية رضي الله عنها وأرضاها، قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته، ثم قمت لأنقلب -لتعود إلى بيتها ومنزلها رضي الله عنها وأرضاها- فقام معي ليقلبني ) كما قلت: في ظلام الليل بعد العشاء امرأة تمشى بمفردها، هذا غير مستحسن مع أن المسافة قريبة، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ، يعني في الدار التي صارت بعد ذلك لسيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنهم وأرضاهم، ( فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي المختار على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أسرعا ) حياء منه يمشي مع أهله من أجل أن يجاوزاه، فأسرعا في المشي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( على رسلكما )، على مهلكما بتؤدة وتأنٍ، ( إنها صفية بنت حيي . فقالا: سبحان الله يا رسول الله! ) يعني نحن نظن فيك حتى تخبرنا أن هذه زوجتك، أنت خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه، وما عندنا شك في عصمتك وفي طهارتك، نشك في نفوسنا ولا يقع في قلوبنا شك نحوك، سبحان! نتعجب كيف تخبرنا أنها زوجتك، وهل هذا يحتاج إلى إخبار عليه صلوات الله وسلامه؟! فاستمع لكلام نبينا عليه الصلاة والسلام ولفقه إمامنا في معنى حديث نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، ماذا فهم الشافعي من هذا؟ عندما أشكل الأمر على سفيان بن عيينة، ( فقالا: سبحان الله يا رسول الله! فقال عليه الصلاة والسلام: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً أو قال شيئاً ).

    والاحتياط لابد منه إخوتي الكرام! وكون الشيطان مع كل إنسان، ويجري منه مجرى الدم، هذا تواترت به أحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام، ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم ، وجزء من الحديث في سنن أبي داود من رواية سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع إحدى نسائه، فمر به رجل فدعاه وقال: هذه زوجتي )، تكررت الحادثة، هنا مر أنصاريان، وهنا مر به رجل فدعاه فقال: ( هذه زوجتي، فقال هذا الصحابي المبارك: يا رسول الله! من كنت أظن به فلن أظن بك )، يعني لن يقع في بالي خاطر نحوك عليه صلوات الله وسلامه، خاطر سوء، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم).

    وكما قلت: الأحاديث في ذلك كثيرة، ثبت في المسند أيضاً وسنن الترمذي بسند صحيح من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلجوا على المُغيبات)، جمع مُغيبة وهي من غاب عنها زوجها في سفر أو غزو، فنهى أن يدخل الإنسان عليها ويخلو بها، ( فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم، قالوا: ومنك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام؟! قال: ومني، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم )، وتقدم معنا توجيه الحديث على الضبطين، أسلمَ، أي: استسلم وانقاد لي، وصار مؤمناً من أتباعي، وأسلمُ: أسلمُ من شره وإغوائه؛ لأنه صار من أتباعي واستسلم وانقاد لي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

    وقلت: ضُبط بالضبطين، ومن ادعى أن الفتح تحريف لفظي فقد وَهِم، كما زعم ذلك الإمام ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية، قال: ضبطه بالفتح تحريف لفظي خطأ. فقد ثبت ضبطه بالرفع وبالفتح ثابت، أي: أسلم الشيطان، صار من أتباعي، فقول الإمام ابن أبي العز أن معنى الضبط بالفتح، أي: صار من أتباعي وصار من المؤمنين، أن هذا تحريف معنوي والشيطان لا يؤمن، هذا خطأ أيضاً، إنما هو يختار المعنى الثاني لضبط الفتح أسلمَ، أي: استسلم لي وانقاد، وقلت: إن الأمور الثلاثة حقة معتبرة، واجمعوا بينها وقررها أئمتنا البررة، أنا أسلمُ منه لأنه استسلم لي وصار من أتباعي فلا يأمرني إلا بخير، وهذا من خصوصيات نبينا عليه الصلاة والسلام، أن أسلمَ شيطانه وقرينه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

    الحديث في الصحيحين، بعد أن رواه الإمام أبا محمد سفيان بن عيينة ، التفت إلى الإمام أبي عبد الله الشافعي رضي الله عنهم أجمعين، وقال: ما فقهه يا أبا عبد الله ؟ ما معنى هذا الحديث؟ وهل وقع في قلب الأنصاريين شيء؟ وهل يمكن أن يقع في قلب فرد من أفراد الأمة خاطر سوء نحو نبينا عليه الصلاة والسلام؟ ما معنى هذا؟ ما فقهه؟ فقال الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه: يا أبا محمد ! لو كان القوم اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم لكفروا بذلك، لكفروا باتهامهم إياه، لو وقع في قلبهم خاطر سوء، وخاطر رديء نحو نبينا عليه الصلاة والسلام لكفروا. إذاً ما معنى الحديث؟ استمع لهذا الفقه وهذا التوجيه، ولا يُظن بصحابي، ولا يُظن بمؤمن فضلاً عن الصحابي أن يَظن بالنبي عليه الصلاة والسلام سوءاً وشراً، فما معنى الحديث؟

    قال الإمام الشافعي : لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يؤدب من بعده، فقال: إذا كنتم هكذا فافعلوا هكذا، هذا فيما بينكم، أنا أفعل هذا من أجل أن تتعلموا، لا أن هذين سيظنان بي سوءاً أو شراً، فمن خطر بقلبه شيء نحوي سيكفر، لكن انتبهوا يا أمتي! هكذا فافعلوا إذا كنتم هكذا، إذا كان الإنسان مع زوجه في ظلام الليل، ومر به أصحابه فيقول: على رِسلكم تمهلوا هذه زوجتي! وما أمشي مع امرأة في سواد الليل لريبة أو فتنة ومشكلة، لأنه قد يظن به شر؛ لأنه ليس بمعصوم، وأما نبينا المبارك الميمون عليه الصلاة والسلام فلا يمكن أن يظن به أحد من المسلمين سوءاً وشراً.

    إذاً: رسول الله صلى الله عليه وسلم أدَّب من بعده، فقال هذا الكلام بقصد التأديب والتعليم: إذا كنتم هكذا فافعلوا هكذا، حتى لا يظن بكم أحد سوءاً، لا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أمين الله على وحيه متهم، لا ثم لا, ما أراد أن يخبر الأنصاريين بأن هذه زوجته، لأنه يمكن أن يُتهم، وأن يحوم حوله تهمة عليه صلوات الله وسلامه، وهذا لا يخطر ببال أحد، إنما هذا الحديث توجيه من نبينا عليه الصلاة والسلام لأمته أن يفعلوا هذا الفعل، لا أنه يمكن أن يظن به أحد من أمته سوءاً أو شراً، ما أجمل هذا التوجيه! وما أسده!

    ولذلك قال الأنصاريان: سبحان الله! تعجبوا غاية العجب، من الذي يخطر بباله خاطر سوء نحو النبي عليه الصلاة والسلام؟! هذا لا يدور ببالنا، ولا يقع في خَلَدِنا، ولا في خلد مسلم، فعلامَ تخبرنا؟! والإخبار كما فهم الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، أنه من أجل أن تحتاط الأمة، إذا كنتم هكذا فافعلوا هكذا، حتى لا يَظن أحد بكم سوءاً.

    فقال سفيان بن عيينة : جزاك الله خيراً يا أبا عبد الله ! ما يأتينا منك إلا ما نحب. انظر لفقهه ووعيه وحسن استنباطه رضي الله عنه وأرضاه.

    كلام الشافعي في مجلس سفيان بن عيينة أن النظر والاستدلال والفقه من اختصاص الفقهاء

    وفي صفحة ست وسبعين من توالي التأسيس أيضاً: كان الإمام الشافعي في مجلس سفيان بن عيينة ، وهو شيخه في الحديث عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه، فدخل بعض الناس وعرَّض بالإمام الشافعي ، فقال لـأبي محمد سفيان بن عيينة : بعض الناس يقولون كذا وكذا، من الفقه والاستنباط، ولا يتقيدون بالأثر والرواية، على زعم الزاعم وفهم الفاهم، فالإمام سفيان بن عيينة ما تحمل ما قيل له، فقال: من يبلغني عنه هذا فلا يحضر مجلسي، لا أريد أن يحضر مجلسي أحد يبلغني عنه هذا، فالتفت إليه الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، وهو المقصود بالكلام، قال: يا أبا محمد ! هذا ليس إليك، هذا لأهل النظر، فلا تتدخل في هذا، أنت عليك بالأثر، اروِ الأحاديث واذكر طرقها ومخارجها وجزاك الله خيراً، أما الاستنباط والأحكام فما لك ولها، لا تدخل نفسك فيما لست له بأهل.

    وحقيقة إذا أراد الإنسان أن يدخل نفسه في صناعة أو في عمل لا يحسنه سيفسد، مهما كان عنده من الذكاء والألمعية في اختصاصه، عندما يتحدث في اختصاص آخر هو بمنزلة العامي، فدع عنك هذا, هذا لأهل النظر ليس لك.

    فأطرق سفيان بن عيينة رضي الله عنه وأرضاه، قالوا: فما رئي بعد ذلك إلا معظماً مكرماً للإمام الشافعي عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه.. هذا ليس لك، موضوع الفقه والاستنباط لا تتدخل فيه على الإطلاق، اروِ الأحاديث وجزاك الله خيراً، هذا لأهل النظر، هذا لأهل الفقه، هذا لأهل الاستنباط، هذا للأطباء، لا ينبغي أن يتدخل فيه الصيادلة، ابقَ على رتبتك وجزاك الله خيراً، أنت على ثغرة من ثغرات الإسلام فلا يُؤتى الإسلام من قبلك، لكن لا تذهب لثغرة أخرى، ابقَ على ما أنت عليه.

    وسفيان بن عيينة بعد هذا التوجيه من صاحبه وقرينه وتلميذه الإمام الشافعي رضوان الله عليهم أجمعين، كان لا يتكلم في مسألة فقهية بعد ذلك، كان يسأل الإمام الشافعي ، فإذا لم يحضر مجلسه يسأل طلبة الفقه أتباع سيدنا أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين ليجيبوه عما يُسأل هو عنه، فاستمع لهذه القصة التي يرويها الخطيب في تاريخ بغداد في الجزء السابع صفحة اثنتين وثمانين، وهي في الجواهر المضية في تراجم السادة الحنفية في الجزء الأول صفحة ثلاث وخمسين وأربعمائة، والخطيب أوردها، وهكذا الإمام القرشي في الجواهر في ترجمة بشر بن الوليد الكندي ، وهو من أتباع سيدنا أبي حنيفة لكنه ما أدركه، وُلد في العام الذي توفي فيه سيدنا أبو حنيفة ، يعني في العام الذي وُلد فيه الإمام الشافعي رضوان الله عليهم أجمعين، سنة خمسين ومائة، لكنه تتلمذ على سيدنا أبي يوسف رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين, انظروا ترجمته في السير في الجزء العاشر صفحة ثلاث وسبعين وستمائة، ونعته الذهبي بقوله وقال: هو الإمام العلامة المحدث الصادق قاضي العراق أبو الوليد الكندي الحنفي ، توفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين، فقد عاش إذاً ثمانياً وثمانين سنة. قال: تفقه على أبي يوسف وبه تميز، قال الدارقطني : إنه ثقة. قال الإمام الذهبي : وكان حسَن المذهب، أي: في أمر الاعتقاد وصفاء العقيدة, له هفوة لا تزيل صدقه وخيره إن شاء الله.

    وذكر في الميزان ومعه اللسان في الجزء الثاني صفحة خمس وثلاثين أن وِرده كان في اليوم مائتا ركعة، لازمها وما تركها حتى عندما شاخ وفُلج، أي: أصيب بفالج في آخر عمره وهو الشلل، رضي الله عنه وأرضاه، ما ترك مائتي ركعة حتى لقي بربه سبحانه وتعالى، قال الإمام القرشي في الجواهر: هو أحد أعلام المسلمين وأحد المشاهير. أما الهفوة والزلة اليسيرة التي وقعت له يغفر الله لنا وله، فإنه امتُحن في محنة خلق القرآن كما امتُحن الإمام أحمد تماماً، وكل منهما ثبت وقال: القرآن كلام الله، فقالوا له: مخلوق؟ قال: القرآن كلام الله، لا أقول: مخلوق، ولا أضيف إلى هذا شيئاً آخر، القرآن كلام الله, ففي عهد المعتصم فُصل من القضاء، وجعل المعتصم على بيته شرطة حتى لا يخرج، ولا يسأله سائل، حتى جاء المتوكل بعد ذلك وأفرج عنه كما أفرج عن الإمام أحمد رضي الله عنهم أجمعين، وهذا كله يحصل أجره عند الله جل وعلا, وبعد أن أُفرج عنه وانتهت المحنة في عهد الخليفة المتوكل ، قال: إن القرآن كلام الله, لا أقول: إنه مخلوق، الهفوة: ولا أقول: إنه غير مخلوق, قف عند هذا الحد، كلام الله، لا تقل: مخلوق، وهذا حق ينبغي أن تقوله ليس بمخلوق، لكن ولا تقل أيضاً: ليس بمخلوق، وهذه مشكلة، يقول: أقف عند هذه الكلمة، القرآن كلام الله، فإذا كان صفة من صفاته سبحانه وتعالى، فالصفة لها حكم الموصوف، فصفات الله ليست مخلوقة.

    على كل حال: هذه هي الهفوة التي أشار إليها الإمام الذهبي ، قال: لا تزيل خيره وصدقه، واجتهد في ذلك والله يغفر لنا وله, إمام مبارك، كان في مجلس سفيان بن عيينة أيضاً، قال: كنا نكون عند سفيان بن عيينة ، فإذا وردت مسألة مُشكِلة التفت وقال: هل هاهنا أحد من أصحاب أبي حنيفة ، فيشير الحاضرون إلي، هذا بشر بن الوليد الكندي من تلاميذ أبي يوسف الكبار، فيقول: ما تقول فيها؟ فأجيب وأفصل الحكم الشرعي فيها، فيقول سفيان بن عيينة -وانظر لإنصافه رضي الله عنه وأرضاه-: التسليم للفقهاء سلامة. هذا في تاريخ بغداد -كما قلت- وفي الجواهر المضيئة في ترجمة هذا العبد الصالح، وأشار إلى القصة الإمام الذهبي في السير في ترجمته في الجزء الذي حددته.

    ذكر كلام الشافعي الدال على أخذه بالحديث والأثر

    إخوتي الكرام! مما يُؤثر عن الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، وهذا كما سيأتينا أثر عن الأئمة الأربعة، وهو قول كل مسلم موحد، يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه: متى رويت حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آخذ به فأشهدكم أن عقلي قد ذهب! لست من العباد العقلاء، إنما العباد المجانين السفهاء، إذا رويت حديثاً عن خاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ثم خالفته، ولم آخذ به، فأشهدكم أن عقلي قد ذهب، فانتبهوا، ولا أحد يقتدي بي في هذه الحالة؛ لأنني خرجت من زمرة العقلاء.

    وهذا الكلام متواتر عن هذا الإمام كما سيأتينا، انظروه في توالي التأسيس في صفحة سبع ومائة، وفي الجزء العاشر في ترجمة الإمام الشافعي من السير صفحة ثمان وسبعين، وفي كتاب الاحتجاج بالإمام الشافعي للخطيب البغدادي صفحة اثنتين وسبعين، ورواه البيهقي في مناقب الإمام الشافعي ، وهكذا الإمام الخطيب في الفقيه والمتفقه أيضاً.

    وقال أيضاً: إذا رأيتم قولي يخالف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذوا بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ودعوا قولي. ومرة روى حديثاً فقال له بعض الحاضرين: أتأخذ به يا أبا عبد الله ؟! فأطرق وبكى عليه رحمة الله، ثم قال: سبحان الله! هل تراني خرجت من كنيسة، أو ترى في وسطي زُنَّاراً. تراني من النصارى حتى أروي حديث النبي عليه الصلاة والسلام ثم لا آخذ به! عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا.

    قال الإمام ابن حجر في سبعة وتسع ومائة من توالي التأسيس: اشتهر عن هذا الإمام أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وهذا قاله قبله الإمامان المباركان، وقاله بعده الإمام الرابع الإمام المبجل أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين، قال الإمام محمد بن عابدين في رد المحتار على الدر المختار في الجزء الأول صفحة ثمان وستين: هذا ثابت عن الفقهاء الأربعة: إذا صح الحديث فهو مذهبي.

    أقول أنا وهو قول كل عالم: بل هو قول كل مسلم، إذا صح الحديث فهذا مذهبه وهذه ديانته، ولا يجوز أن يتركه وأن يعرض عنه، فقد أمرنا الله باتباع كلامه وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام، بإطاعته وإطاعة رسوله عليه صلوات الله وسلامه، لكن انتبه لهذا الأمر، لكن ذلك لمن كان أهلاً للنظر في النصوص ومعرفة محكمها من منسوخها، هذا لابد منه، إذا صح الحديث فهو مذهبي، فليس معنى هذا إذا اطلعت أنت على حديث تقول: ما قاله الشافعي خطأ، وهذا الحديث هو مذهب الشافعي! يا عبد الله! قف أنت عند حدك، هذا الكلام يوجهه الإمام الشافعي لأهل الاجتهاد وأهل الاستنباط، وقد وضح هذا أئمتنا رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين.

    الإمام تقي الدين السبكي والد صاحب الطبقات له رسالة سماها: معنى قول الإمام المطلبي: إذا صح الحديث فهو مذهبي. والرسالة في قرابة عشرين صفحة موجودة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية مطبوعة في مجلدين في أربعة أجزاء، هذه في المجلد الثاني، وهو الجزء الثالث سيكون من صفحة ثمان وتسعين إلى مائة وأربع عشرة، والإمام محمد بن عابدين صاحب رد المحتار له أيضاً رسالة حول هذا الأمر، تكلم عن هذا الأمر ضمن رسالة شرح رسم المفتي له، ذكر نظماً ما ينبغي أن يمتثله وأن يلتزم به المفتي ثم شرحه، ورسالته موجودة ضمن مجموع رسائل الإمام محمد بن عابدين ، ومطبوعة أيضاً في مجلدين، لكن هذه رسائله ليس معها رسائل أخرى لغيره، كما هو في الرسائل المنيرية التي جمعها محمد منير الدمشقي ، وهي رسائل نفسية جمعها في مجلدين، أما هذه فهي كلها رسائل لـمحمد بن عابدين عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وهي الرسالة الثانية من رسائله، انظروها في الجزء الأول من صفحة عشر إلى صفحة اثنتين وخمسين.

    معنى قول الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي

    ولأوضح الأمر -إخوتي الكرام- بمثال أنقل لكم كلام شيخ الإسلام الإمام النووي في توضيح كلام أئمتنا الأربعة: إذا صح الحديث فهو مذهبي. ثم أوضحه بمثال أشار إليه الإمام النووي في المجموع في مقدمة المجموع في الجزء الأول صفحة أربع وستين، قال: فصل: صح عن الشافعي رحمه الله أنه قال: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا قولي. ورُوي عنه: إذا صح الحديث خلاف قولي فاعملوا بالحديث واتركوا قولي، أو قال: فهو مذهبي. ورُوي هذا المعنى بألفاظ مختلفة.

    قال عليه رحمة الله: هذا الذي قاله الشافعي عليه رحمة الله ورضوانه، ليس معناه أن كل واحد رأى حديثاً صحيحاً قال: هذا مذهب الشافعي وعمل بظاهره، يعني: يعمل بظاهره وينسبه إلى الشافعي ، وإنما هذا فيمن له رتبة الاجتهاد في المذهب، على ما تقدم من صفته، أو قريب منه، وشرطه أن يغلب على ظنه أن الشافعي رحمه الله لم يقف على هذا الحديث، أو لم يعلم صحته، وهذا إنما يكون بعد مطالعة كتب الشافعي كلها، ونحو ذلك من كتب أصحابه الآخذين عنه وما أشبهها، وهذا شرط صعب قلَّ من يتصف به، وإنما اشترطنا ما ذكرنا. يعني أن يطلع على كتب الإمام الشافعي وكتب أصحابه ليعلم أن هذا الحديث ما بلغهم ولا علموه، ومن أجل هذا هو يعمل به وينسبه إلى مذهب الشافعي ، أما إذا بلغهم الحديث وذكروه، وبينوا تأويله أو معناه، أو ما يعارضه، وقدموا غيره عليه، فلا يجوز بعد ذلك أن تأتي وتقول: هذا الحديث هو مذهب الشافعي ، كما سيذكر مثالاً الإمام النووي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وأبين ما يتعلق بهذا المثال، قال: إنما اشترطوا ما ذكرنا لأن الشافعي رحمه الله ترك العمل بظاهر أحاديث كثيرة رآها وعلمها، لكن قام الدليل عنده على طعن فيها لا تثبت عنده أو نسخها أو تخصيصها أو تأويلها أو نحو ذلك، قال الشيخ أبو عمرو -وهو الإمام ابن الصلاح عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا-: ليس العمل بظاهر ما قاله الشافعي بالهين: إذا صح الحديث فهو مذهبي.

    عدم صحة نسبة العمل بحديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) إلى الشافعي لمجرد صحة الحديث

    إذاً: إذا وجدت حديثاً صحيحاً تعمل به وتنسبه إلى مذهب الشافعي! لا، ليس كل فقيه يسوغ له أن يستقل بالعمل بما يراه حجة من الحديث، وفيمن سلك هذا المسلك من الشافعيين من عمل بحديث تركه الشافعي رحمه الله عمداً، يعني منهم من سلك هذا المسلك إذا بلغه صحة الحديث يعمل به وينسبه إلى الشافعي، مع أن الشافعي تركه عمداً، مع علمه بصحته، لمانع اطلع عليه وخفي على غيره، كـأبي الوليد موسى بن أبي الجارود ممن صحب الشافعي ، وهذا من أصحاب الشافعي وتلاميذه، يقول الحافظ في ترجمته في التقريب: صدوق فقيه صاحب الإمام الشافعي، وهو من أصحابه المكيين، وكان يفتي بمذهبه في مكة، وروى له الإمام الترمذي في السنن، وهو موسى بن أبي الجارود المكي ، وانظروا ترجمته الطيبة في طبقات السادة الشافعية للإمام السبكي في الجزء الثاني صفحة إحدى وستين ومائة قال: إنه فقيه جليل، أقام بمكة يفتي الناس على مذهب الإمام الشافعي .

    وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في الجزء العاشر صفحة تسع وثلاثين وثلاثمائة: هو من الفقهاء المكيين بمكة كان يفتي بمذهب الشافعي . استمع لإعماله لهذه القاعدة وهو من أصحابه ومن تلاميذه، وممن له شأن، ومع ذلك الشافعية قاطبة ردوا عليه عندما نسب هذا الحكم الذي استنبطه من الحديث إلى الإمام الشافعي ، وهو: ( أفطر الحاجم والمحجوم )، قال: مذهب الشافعي أن الحاجم والمحجوم يفطران؛ لأن الحديث صح، والشافعي يقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي. مع أن الشافعي ذكر الحديث وقال: إنه منسوخ كما سيأتينا، فلا يجوز أن يُعمل به، وإذا لم يُسلم النسخ على أقل الأحوال قال: إنه معارض بما هو أقوى منه، والقياس يقوي الحديث الذي عارضه، وهذا خلاف القياس، فهناك حديث أصح، ويشهد له القياس، فإذا لم يكن تعارض الحديثان، فيُقدم الأقوى الذي يشهد له القياس، وحتى لو لم يشهد له القياس فهو أقوى أيضاً كما سيأتينا.

    استمع لكلام الإمام النووي عليه رحمة الله ورضوانه قال: كـأبي الوليد موسى بن أبي الجارود ممن صحب الشافعي ، قال: صح حديث: ( أفطر الحاجم والمحجوم )، فأقول: قال الشافعي : أفطر الحاجم والمحجوم. فردوا ذلك على أبي الوليد -الشافعية قاطبة- لأن الشافعي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا تركه مع علمه بصحته، لكونه منسوخاً عنده، وبيَّن الشافعي نسخه واستدل عليه، وستراه في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى من المجموع. انظروا الجزء السادس صفحة واحدة وخمسين وثلاثمائة من المجموع، وأُلخص ما قاله بعد الانتهاء من هذه الأسطر الباقية، قال الإمام النووي:

    وقد قدمنا عن إمام الأئمة ابن خزيمة عليه رحمة الله أنه قال: لا أعلم سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي كتبه. هذه تحتاج إلى تعليق من قِبل بعض المعاصرين، يعلق على الإمام ابن خزيمة والنووي معه، عندما يسمعون مثل هذا الكلام تضيق صدورهم، ولا يفهمون معناه، ثم بعد ذلك يخطئون ويتكلمون.

    قال الإمام النووي عليه رحمة الله: وجلالة الإمام ابن خزيمة وإمامته في الحديث والفقه، ومعرفته بنصوص الشافعي بالمحل المعروف. قال الشيخ أبو عمرو -يعني الإمام ابن الصلاح - فمن وجد من الشافعية حديثاً يخالف مذهبه نُظر، إن كُملت آلات الاجتهاد فيه مطلقاً، أو في ذلك الباب، أو في المسألة، كان له الاستقلال بالعمل به، وإن لم يكن وشق عليه مخالفة الحديث بعد أن بحث فلم يجد بمخالفته عنه جواباً شافياً، فله العمل به بشرط: إن كان عمل به إمام مستقل غير الإمام الشافعي، ويكون هذا عذراً له في ترك مذهب إمامه هنا. وهذا الذي قاله حسن متعين، والله أعلم.

    هذا التفصيل -إخوتي الكرام- لابد منه، أما أن نأخذ هذه القاعدة: إذا صح الحديث فهو مذهبي، ثم يأتي مسكين مثلنا فيفتش في الكتب فيرى حديثاً ويقول: هذا الحديث صحيح، وما عمل به الأئمة. يا عبد الله! ابحث في سبب عدم عملهم به، مثلاً: حديث: ( إن شرب فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد الرابعة فاقتلوه )، قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح، فيأتي طالب علم في هذا الزمان ويقول: حد شارب الخمر في الرابعة القتل عند المذاهب الأربعة! أتكذب على المذاهب الأربعة، بل تكذب على رسول الله عليه الصلاة والسلام؟! يا عبد الله! هذا الحديث ينبغي أن تعي معناه، وأن تعرف توجيهه، وأن تعلم ما يتعلق به، فهو منسوخ عند أئمتنا بفعل نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه عندما جلد من جلد في الخمر، وهو عبد الله بن النعيمان أكثر من خمسين مرة وما قتله.

    عدم أخذ الشافعي بحديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) وسبب ذلك

    إذاً: هذا الحديث صح ولم يعمل به أحد من الفقهاء الأربعة، بل لم يعمل به أحد من فقهاء الأمصار على الإطلاق، كما قال الإمام الترمذي : جميع ما في كتاب الجامع عمل به الفقهاء غير حديثين أحدهما هذا، قتل شارب الخمر في الرابعة، مع أنه قال: هذا حديث حسن صحيح, وذلك لأنه منسوخ، فلا يأتي طالب علم في هذا الزمان ويقول: نعمل بقاعدة الأئمة: إذا صح الحديث فهو مذهبي، ويأتينا بفقه جديد ويقول: مذهب الفقهاء الأربعة قتل شارب الخمر في الرابعة!

    وهنا كذلك حديث: ( أفطر الحاجم والمحجوم )، صحيح، بل نص أئمتنا على تواتره، نص الإمام السيوطي على أنه متواتر كما في كتابه الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة صفحة تسع وعشرين ومائة، والشيخ الكتاني في نظم المتناثر من الحديث المتواتر في صفحة ثمان وثمانين، وقد رواه ثمانية عشر صحابياً عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، ورُوي أيضاً عن تابعيين مرسلاً عن الحسن البصري وعن عطاء رضي الله عنهم أجمعين، فهذه عشرون طريقاً لهذا الحديث: ( أفطر الحاجم والمحجوم ), انظروا هذه الروايات من أولها لآخرها بطرقها والكلام عليها في نصب الراية للإمام الزيلعي ، في الجزء الثاني من صفحة اثنتين وسبعين وأربعمائة إلى ثلاث وثمانين وأربعمائة، كتب أكثر من عشر صفحات حول ما يتعلق بالحجامة، وهل تفطر الصائم أو لا؟ حول هذا الحديث.

    وانظروا الدراية مختصر نصب الراية في الجزء الأول صفحة خمس وثمانين ومائتين، وانظروا الكلام على الحديث في التلخيص الحبير في الجزء الثامن صفحة خمس ومائتين، وفي الفتح في الجزء الرابع صفحة سبع وسبعين ومائة، وفي السنن الكبرى للإمام البيهقي في الجزء الرابع صفحة أربع وستين ومائة, فقد ذكر أئمتنا رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين، كما فصل ذلك شيخ الإسلام الإمام النووي في المجموع في الجزء السادس صفحة إحدى وخمسين وثلاثمائة فما بعدها إلى ثلاث وخمسين وثلاثمائة، فصَّل الكلام على هذا الحديث، وأنه لا يؤخذ به لعدة أمور:

    القول بنسخ حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم)

    أولها: أنه منسوخ، فقد ثبت في المسند، والحديث في الكتب الستة أيضاً ورواه الإمام ابن أبي شيبة في مصنفه، والطحاوي في شرح معاني الآثار، والبيهقي في السنن الكبرى، وقبله الإمام الدارقطني في سننه، والحديث رواه الإمام الحازمي في كتابه الناسخ والمنسوخ، عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ( احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم صائم )، وفي رواية: ( وكان صائماً محرماً عليه صلوات الله وسلامه ).

    وهذا كان في حجة الوداع، صائم محرم في حجة الوداع، فإن قيل: أي صوم صامه؟ فهو صيام نافلة، والصوم في السفر في الفريضة لا يُشرع، أي: على سبيل الفرضية والوجوب، ومن استطاع فليصم، وفي النافلة كذلك بسبيل السنية لا يشرع، لكن من استطاع فليصم، ونبينا عليه الصلاة والسلام كان الغالب عليه أنه يفطر في السفر، وأحياناً كان يصوم في الفريضة وفي النافلة، وهنا صام في نافلة ليبين للمسلمين الجواز، فصام عليه صلوات الله وسلامه في سفره، ثم احتجم وهو صائم محرم.

    والحديث -كما قلت- في الصحيحين، والإمام ابن القيم في زاد المعاد في الجزء الثاني صفحة إحدى وستين قال: لم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم. وهذا كلام مردود، والحديث إذا ثبت في الصحيحين فلا يرد بكلام أحد، وهذا الحديث في الصحيحين، وهو في أعلى درجات الصحة، وهو نقل عن الإمام أحمد أنه طعن في رواية من روايات هذا الحديث, فإذا كان بعض الطرق مطعوناً فيها فلا يعني أن الطرق الأخرى لا تثبت، فالحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما، وإسناده في أعلى درجات الصحة.

    إذاً: احتجم نبينا صلى الله عليه وسلم وهو صائم محرم، قال الحافظ في الفتح: وهذا حديث صحيح لا مرية فيه.

    إذاً: أين وجه الدلالة على نسخ حديث: ( أفطر الحاجم والمحجوم )؟ هذا الحديث كان في فتح مكة، في العام الثامن، وحجة الوداع في العام العاشر، فاستمع لفقه الإمام الشافعي ، قال عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا: حديث شداد بن أوس ، وهو أحد الأحاديث التي فيها أفطر الحاجم والمحجوم، وهو صحيح في المسند، ورواه أهل السنن الأربعة إلا الإمام الترمذي، وهو في صحيح ابن حبان، ومستدرك الحاكم، ورواه الدارقطني والبيهقي في السنن الكبرى، والإمام الحازمي في كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار.

    ولفظ الحديث: عن شداد بن أوس رضي الله عنه وأرضاه قال: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يحتجم لثماني عشرة خلت من رمضان عام الفتح فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أفطر الحاجم والمحجوم)، إذاً هذا في العام الثامن، وسيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ما كان مع نبينا عليه الصلاة والسلام في فتح مكة، كان صغيراً، عندما توفي نبينا الجليل عليه الصلاة والسلام كان ابن عباس قد ناهز الاحتلام، نعم حج معه حجة الوداع، فهو ينقل ما في حجة الوداع، فهذا يدل على نسخ ما ورد من حديث: ( أفطر الحاجم والمحجوم )، من رواية شداد بن أوس وغيره.

    إخوتي الكرام! الإمام ابن خزيمة من أئمة الشافعية الكبار، ويرى أن الحاجم والمحجوم يفطران، فالإمام ابن خزيمة يقول: حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما صحيح لا نزاع فيه، لكن ليس معناه أن النبي عليه الصلاة والسلام ما أفطر, قال: لأنه في الأصل في سفر، والمسافر لا يشرع له الصوم، فنبينا عليه الصلاة والسلام احتجم وبما أنه مسافر أفطر لأنه في سفر, هو ما كان يصوم صوماً واجباً، ولذلك قال له الخطابي في رد كلام الإمام ابن خزيمة عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه، قال: قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: احتجم وهو صائم محرم، يدل على أنه بقي على صيامه، وأنه ما أفطر، ولو كانت الحجامة تفطر الصائم لما كان هناك داعٍ لذكر الصوم أو لذكر أنه أفطر. إذاً كأنه يريد أن يقول: الحجامة لا تؤثر على الصوم، احتجم وهو صائم محرم عليه الصلاة والسلام. إذاً الإمام الشافعي يقول: الحديث منسوخ.

    ذكر أحاديث استدل بها الشافعي على الترخيص في الحجامة للصائم

    وهناك أحاديث أخوتي الكرام فيها هذا المعنى، استنبط منه الإمام الشافعي، وهكذا بعده الإمام البيهقي والإمام النووي وأئمة الإسلام قاطبة، قالوا: الترخيص بالحجامة للصائم يدل على أن الصائم كان ممنوعاً منها، ثم رُخص له فيها؛ لأن الترخيص لا يكون إلا بعد منع، وورد حديثان يدلان على الترخيص.

    الحديث الأول: حديث سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه، رواه الإمام النسائي في السنن الكبرى وابن خزيمة في صحيحه والدارقطني في سننه، والإمام البيهقي في السنن الكبرى، ورواه الإمام ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ، وهكذا الإمام الحازمي في كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، والطبراني في معجمه الأوسط، وإسناد الحديث صحيح، لكن اختُلف في رفعه وفي وقفه، وعلى الحالتين إن كان موقوفاً فله حكم الرفع؛ لأنه موقوف على أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه، قال: ( رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم ). والحديث صحيح، وهذا الترخيص لا يكون إلا بعد منع دل على النسخ.

    الحديث الثاني: رواه الدارقطني في سننه والبيهقي في السنن الكبرى، والإمام الحازمي في الاعتبار، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ، وإسناد الحديث رجاله ثقات، عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه، قال: ( أول ما كُرهت الحجامة للصائم أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بـجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه وهو يحتجم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أفطر هذان -هو ومن يحجمه- أفطر الحاجم والمحجوم، قال: ثم رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم ).

    إذاً: (ثم رخص) وفي حديث أبي سعيد الخدري (رخص) مع حديث سيدنا عبد الله بن عباس، هذا كله يدل على النسخ، فكيف بعد ذلك ينسب موسى بن أبي الجارود إلى الإمام الشافعي أن مذهبه فطر الصائم إذا احتجم! هذا غلط؛ لأن هذا الحديث الإمام الشافعي ذكره في كتبه وقال: إنه منسوخ.

    ترجيح حديث ابن عباس على حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم)

    الجواب الثاني عن هذا الحديث والتوجيه: إذا لم يتعين النسخ فلا أقل من الترجيح، وحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين، ولا يوجد رواية من روايات حديث: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) في أحد الصحيحين، ولا رواية, نعم هي مروية في المسند والسنن، هذا أمر آخر، لكن لا يوجد رواية من روايات حديث: ( أفطر الحاجم والمحجوم ) في أحد الصحيحين، نعم أشار إليه البخاري تعليقاً، ثم أورد بعده حديث عبد الله بن عباس ليشير إلى نسخه، لكن ما أورده بالسند على أنه ضمن أحاديث الكتاب.

    إذاً هذا أثبت؛ أن النبي عليه الصلاة والسلام احتجم وهو صائم عليه صلوات الله وسلامه، يضاف إلى هذا ترجيح آخر: وهو أنه وافق القياس، وما هو القياس؟ الأصل أن الإنسان يفطر إذا دخل إلى جوفه شيء، وما خرج بدنه لا يفطر منه، كحال المخاط والبصاق والبول وقضاء الحاجة، إذا يخرج من بدن الإنسان شيء لا يفطر منه الإنسان، على عكس الوضوء, الوضوء مما خرج وليس مما دخل، والفطر في الصوم مما دخل وليس مما خرج. وهذا الأثر مروي بسند صحيح عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في السنن الكبرى للإمام البيهقي، وفي مصنف الإمام ابن أبي شيبة بسند صحيح: (الفطر مما دخل لا مما خرج، والضوء مما خرج وليس مما دخل).

    ورُوي هذا أيضاً في مصنف ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين، وعن عكرمة أيضاً، وعليه فهو عن صحابيين وتابعي: الفطر مما دخل وليس مما خرج، والوضوء مما خرج وليس مما دخل.

    إذاً: الحجامة شيء يخرج من البدن، مثل الرعاف، فعلامَ يفطر؟ إذاً يوافق القياس، وحديثه أثبت، أن النبي عليه الصلاة والسلام احتجم وهو صائم محرم، إذا لم يتعين النسخ فلا أقل من الترجيح.

    النهي عن الحجامة للصائم رفقاً به

    الأمر الثالث: قال أئمتنا: قول نبينا عليه الصلاة والسلام: ( أفطر الحاجم والمحجوم )، هذا الحديث ورد لأجل الرفق بالصائم، فالصائم إذا احتجم سيخرج منه الدم، سيضعفه فيؤدي به إلى الفطر، والذي يحجم عندما يمص هذا الدم، فقد يبتلع شيئاً منه فيذهب إلى جوفه فيفطر بذلك، إذاً نُهي الصائم عن الحجامة وعن حجامة غيره أيضاً؛ لئلا يعرض صومه إلى الفطر، لا أنه مفطر حقيقة، فإذا صام وما ضعف وما أفطر، فلا حرج عليه، وإذا حجم غيره وما دخل إلى جوفه شيء من الدم، فلا حرج عليه، لكن في الغالب المحجوم سيفطر؛ لأنه سيعتريه إعياء وضعف عندما يخرج منه الدم، وينفصل عنه، فإذا أصيب بضعف فيحتاج بعد ذلك إلى الفطر، فقوله: ( أفطر الحاجم والمحجوم )، هذا من باب الرفق بالصائم.

    ثبت في سنن أبي داود، والحديث رواه شيخ الإسلام عبد الرزاق في مصنفه والبيهقي في السنن الكبرى، وإسناد الحديث صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل من أصحاب النبي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، قال الحافظ في الفتح: وجهالة الصحابي لا تضر، فهو صحيح، قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجامة والمواصلة، ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه )، فنهى عن الحجامة وعن مواصلة الصوم شفقة ورحمة بهم، نهى عليه الصلاة والسلام الصائم عن الحجامة، ونهى أمته عن المواصلة، والوصال أن يصوم يومين متتالين أو أكثر من غير أن يفطر بين هذه الأيام, سبب النهي من أجل الإبقاء على أصحابه، ولم يحرم ذلك عليهم، فمن أطاق فليواصل، ومن أطاق فليحتجم.

    النهي عن الحجامة للصائم لئلا تؤدي به الحجامة إلى الفطر

    التوجيه الرابع: ( أفطر الحاجم والمحجوم )، هناك كما قلت من باب الرفق بالصائم، هنا سيعرض الصائم أيضاً صومه للبطلان والذهاب والفطر، فمن احتجم سيضعف، ومن حجمه قد يدخل جوفه شيء، وهذا قريب من المعنى الأول، والإمام النووي جعل هذا والذي قبله شيئاً واحداً وذكر ستة أوجه، وأنا فصلت بينهما، جعلت ذاك من باب الرفق بالصائم، وهذا لئلا يعرض صومه للفطر.

    إذاً هذا يعرض صومه للفطر عندما يحتجم، وهذا كقول نبينا عليه الصلاة والسلام: ( من جُعل قاضياً بين الناس فقد ذُبح بغير سكين )، أي: تعرض لأن يُذبح، وتعرض لتلف نفسه وذهاب دينه، والحديث في المسند والسنن الأربعة إلا سنن النسائي ، وتقدم معنا قريباً وهو في المستدرك صححه وأقره عليه الذهبي ، ورواه الإمام الدارقطني من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، قال الإمام النووي : يقال: من قارب الشيء: إنه وقع فيه، من قارب الهلاك يقال: إنه هلك، ومن قارب الفطر يقال: إنه أفطر، هذا توجيه رابع.

    توجيهات أخرى تصرف الأخذ بظاهر حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم)

    توجيه خامس: ( أفطر الحاجم والمحجوم )، هذا من باب التغليظ عليهما، والدعاء عليهما لارتكابهما ما يعرض ذهاب صومهما، لا أنهما يفطران حقيقة.

    التوجيه السادس: ( أفطر الحاجم والمحجوم )، قيل: هذا ورد في حادثة معينة، فيمن كان يغتاب عند حجامته، إنسان كان يحجم صائماً، وكل منهما صائم، يحجمه ويغتابان عباد الله، فعلم بهما نبينا عليه الصلاة والسلام فقال: ( أفطر الحاجم والمحجوم )، بطل أجر صومهما؛ لأن الغيبة تبطل أجر الصيام، لا أن الفطر من أجل الحجامة، إنما هذا لواقعة محددة، واقعة عينية، عندما اغتابا عباد الله في حالة حجامتهما.

    هذا التوجيه -إخوتي الكرام- وردت آثار تدل عليه لكنها ضعيفة، روى ذلك الإمام البيهقي في السنن الكبرى، والإمام الحازمي ، عن سيدنا ثوبان ، ورواه البيهقي في شعب الإيمان عن سيدنا سمرة ، ورواه العقيلي عن سيدنا عبد الله بن مسعود، ورواه الإمام ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ، عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، انظروا بعض هذه الآثار والكلام عليها في نصب الراية في الجزء الرابع صفحة ثلاث وثمانين وأربعمائة.

    قال الحافظ في الفتح في الجزء الرابع صفحة ثمان وسبعين ومائة: حديث: ( أفطر الحاجم والمحجوم )، لأنهما يغتابان، رواه الإمام الطحاوي وعثمان الدارمي ورواه البيهقي في المعرفة، قال: وقد حكم الإمام ابن المديني على الحديث بأنه باطل, فالحديث ضعيف كما قلت.

    التوجيه الأخير: ( أفطر الحاجم والمحجوم )، قيل: إن نبينا الميمون عليه الصلاة والسلام قال هذا عندما رأى رجلين أحدهما يحجم الآخر، وكل منهما كان صائماً، وقد قرب غروب الشمس، فقال نبينا عليه الصلاة والسلام: ( أفطر الحاجم والمحجوم)، يعني حان وقت فطرهما، هذان يحتجمان وسيفطران الآن، لأن الشمس ستغرب، ( أفطر الحاجم والمحجوم )، أي: دخل وقت فطرهما واقترب، والشمس على وشك الغروب.

    هذه التوجيهات كما قلت ذكرها أئمتنا لقول نبينا عليه الصلاة والسلام: ( أفطر الحاجم والمحجوم )، أبرزها كما قلت الثلاثة المتقدمة، وهي أنه منسوخ, ومعارض بما هو أقوى منه فيرجح عليه, وأن النهي من أجل الإبقاء على الصائم والشفقة به والرحمة به، لا أنه يفطر حقيقة، والعلم عند الله جل وعلا.

    إذاً: هذا حديث صحيح، وكما قلت: نص أئمتنا على تواتره، وجاء بعض الشافعية وأخذ به، ولا حرج في الأخذ به، فقد أخذ به إمام مبارك وهو الإمام أحمد عليه رحمة الله ورضوانه، وقد انفرد من بين المذاهب الأربعة فقال: الحجامة تفطر الصائم، فلا حرج، هو أراد أن يأخذ بهذا، إنما الحرج نسبة هذا إلى مذهب الشافعي ، وإعمال القاعدة: إذا صح الحديث فهو مذهبي.

    يا عبد الله! هذه القاعدة قالها أئمة الإسلام قاطبة، فبعد ذلك ستقول بناء عليه: هذا الحديث قال به أهل الإسلام قاطبة ولا نزاع في المسألة, وهذا غلط، فهذا الكلام لابد من أن يكون الإنسان عنده أهلية البحث والاجتهاد، لكن لابد من أن يطلع على كتب الشافعي والأصحاب، وأن يعلم أن هذا الحديث ما تعرضوا له، وأنه فاتهم وذهلوا عنه، فهو بعد ذلك وقف عليه وعلم صحته، فله أن يأخذ به، وإذا كان من أهل الاجتهاد في المذهب فله أن ينسبه إلى المذهب، ولا حرج، أما أن الحديث موجود في كتب إمام المذهب، وفي كتب أصحابه قاطبة، وقالوا: هذا الحديث منسوخ ولا يعمل به, وتأتي أنت بعد ذلك وتعمل به، وتنسب هذا القول إلى المذهب! هذا بعيد ولا يصح، ولذلك كما قلت: الشافعية قاطبة ردوا هذا القول وقالوا: هذا لا يُقبل.

    وهذا نحن نعيشه في هذه الأيام، يقف كما قلت وحد منا على حديث لنبينا عليه الصلاة والسلام فيأتي ويشن حملة منكرة، يقول: قال الأئمة البررة: إذا صح الحديث فهو مذهبي، أنتم تخالفون الأئمة، ما تأخذون بالحديث! والمسكين هو لا يفهم آية ولا حديثاً، إذا جاء ليفسر الآية يتكلم في تفسيرها بما لا يخطر على البال، وهكذا عندما يأتي للكلام عن حديث نبينا عليه الصلاة والسلام، يا عبد الله! قف عند حدك، هذا الحديث مذكور في كتب الأئمة ومُوجَّه، ويوجد بعد ذلك تخريجات له، أما أنت بعد ذلك ما اطلعت, فقف عند حدك، هذا لابد من أن نعيه.

    فقولهم: إذا صح الحديث فهو مذهبي، لابد من وجود أمرين لإعمال هذا الكلام الذي قاله أئمتنا الكرام:

    الأول: أهلية في الواقف على الحديث، هو من أهل البحث والاجتهاد والفهم والتمييز.

    الأمر الثاني: اطلاع على كتب المذهب، وأن هذا الحديث ما ذكروه وذهلوا عنه وفاتهم، وما عندهم خبر عنه، فإذا كان من أئمة الاجتهاد والترجيح والنظر، وهذا الحديث ما ذكره الأصحاب، فله بعد ذلك أن يقرر هذا الحكم الذي يدل عليه الحديث، وأن ينسبه إلى المذهب فلا حرج.

    1.   

    ذكر بعض أقوال الشافعي الدالة على فقهه وعلمه

    من جملة الأقوال السديدة المحكمة الرشيدة التي أثرت عن هذا الإمام المبارك، وهي تتعلق في أمر الفقه في الدين وطلب العلم، يقول عليه رحمة الله كما في الانتقاء صفحة أربع وثمانين، وانظروا الأثر في السير في الجزء العاشر صفحة ثلاث وعشرين وثلاث وخمسين، وانظروا في الحاشية لمن نُسب هذا الأثر لتخريجه من الكتب التي خرجته كمناقب الشافعي للإمام البيهقي ، وغير ذلك من كتب السير التي تنقل هذا الكلام عن الإمام الشافعي عليه رحمة الله ورضوانه، قال: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة، ومن عبَد الله على جهل فما يفسده أكثر مما يصلحه.

    وكان يقول عندما قال له تلميذه يونس بن عبد الأعلى، وتقدم معنا خبره، قال يونس بن عبد الأعلى للإمام الشافعي لشيخه رضي الله عنهم أجمعين: يقول صاحبنا الليث بن سعد ، وهو إمام أهل مصر عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه: لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء لما قبلته. صاحب هوى صاحب بدعة صاحب زيغ صاحب ضلالة، يقول: لو وصل به الأمر أنه يمشي على الماء، وله هذه الكرامة، وهذا الخارق للعادة، لما قبلته، ولما دخل في قلبي؛ لأنه صاحب هوى وصاحب زيغ، فقال الشافعي : قصَّر صاحبنا الليث ، لو مشى على الماء وطار في الهواء لما قبلته. صاحب الهوى وصاحب الزيغ والبدعة مهما أُعطي من شأن لابد من أن نتقيد بالعلم، أما أن يحصل له بعد ذلك شيء من خوارق العادات، فما لنا ولهذا، قد يكون هذا من باب الاستدراج كما يحصل لأهل الفساد، وكما سيحصل لإمام المفسدين الدجال اللعين، فنحن لابد من أن نقف عند الحدود الشرعية، فلو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء ويطير في الهواء لما قبلته.

    وهذا ينبغي أن نعيه، وقد تحصل بعض خوارق العادات، ويكون المتسبب فيها الجن والشياطين من أجل فتنة الإنسان، أو فتنة الناس به، فهذا أيضاً لابد من وعيه، وأن نقف عند حدود شرعنا المطهر.

    وكان يقول عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا: من لا يحب العلم لا خير فيه. هذا في توالي التأسيس صفحة ست وثلاثين ومائة، من لا يحب العلم لا خير فيه، ولا يكن بينك وبينه معرفة ولا صداقة، من رأيته يعادي العلم ويبتعد عنه، ابتعد عنه أعظم مما يبتعد الناس عن الوحوش المفترسة؛ لأنه جاهل، والجاهل يتلاعب الشيطان به كما يتلاعب الصبيان بالكرة، ولو كان جاهلاً ويسعى في التعلم ويحب حِلق العلم فيرجى له الخير، لكن جاهل ومتعالٍ، هذه بلية البلايا، جاهل يريد أن يوجه نفسه بنفسه، فمن رأيته لا يحب العلم فلا خير فيه، ولا يكن بينك وبينه معرفة ولا صداقة، اقطع الصلة به، هذا من كلامه المحكم عليه رحمة الله ورضوانه.

    وكان ينشد في بيان منزلة السفيه الجاهل عند الفقيه، فيجعل مقارنة بين منزلة السفيه عند الفقيه كمنزلة الفقيه عند السفيه، فكل واحد يزهد في صاحبه، يقول عليه رحمة الله:

    ومنزلة السفيه من الفقيه كمنزلة الفقيه من السفيه

    السفيه يحتقر الفقيه ويزدريه، يقول: والفقيه لا يبالي بالسفيه، ويعرض عنه، اقطع صلتك به.

    فهذا زاهد في قرب هذا وهذا فيه أزهد منه فيه

    السفيه لا يريد أن يقترب من الفقيه، والفقيه من باب أولى لا يريد أن يقترب من السفيه.

    قال:

    إذا غلب الشقاء على سفيه تنطع في مخالفة الفقيه

    1.   

    استدلال الشافعي على حجية الإجماع

    ومن كلام الإمام الشافعي المحكم في استنباط ما يدل على حجية الإجماع، انظروا الأثر في السير في صفحة ثلاث وثمانين: كان الإمام الشافعي يدرس أصحابه، فدخل شيخ وقور عليه هيبة، فالإمام الشافعي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا احترمه وأجله، وعدَّل جلسته عندما دخل هذا الشيخ الوقور، وربك أعلم من هو, ملك من ملائكة السماء نزل؟ طالب علم غريب مر؟ العلم عند الله جل وعلا، فقال: يا أبا عبد الله ! ما الحجة في دين الله؟ قال: كتاب الله. قال: صدقت. ثم ماذا؟ قال: سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام. قال: صدقت. ثم ماذا؟ قال: اتفاق الأمة. قال: من أين قلت؟ ما دليل هذا؟ فبدأ الشافعي يفكر في استنباط دليل لحجية الإجماع، كتاب الله هذا لا يحتاج إلى دليل، واتباع النبي عليه الصلاة والسلام لا يحتاج إلى دليل، ما أكثر النصوص التي تأمرنا باتباع الكتاب والسنة، لكن اتفاق الأمة حجة، واتفاقهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة، لكن ما الدليل على هذا؟ فبدأ يفكر، فقال له: أنظرتك ثلاثاً يا أبا عبد الله ! ثلاثة أيام أنت في مهلة، واليوم الرابع سآتي وتحضر لي دليل الإجماع، ثم عاد في اليوم الرابع.

    يُروى أن الإمام الشافعي -كما في السير- قرأ القرآن كل يوم ثلاث مرات ليقف على آية تنص صراحة على حجية الإجماع، ختم القرآن تسع مرات عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، والإمام الرازي يذكر القصة في تفسيره في الجزء الحادي عشر صفحة ثلاث وأربعين عند الآية التي استدل بها الشافعي ، يقول: إنه قرأ القرآن ثلاثمائة مرة، ولعله ليس عند هذا السؤال، إنما الشافعي يخبر عن نفسه أنه قرأ القرآن ثلاثمائة مرة ليستنبط دليلاً على حجية الإجماع، فما رأى أظهر من هذه الآية، وهي قول الله جل وعلا في سورة النساء: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115].

    إذاً: عندنا أمران لابد من الالتزام بهما: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:115]، لابد من طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام والكينونة مع المؤمنين، لا ينبغي أن نعصي النبي عليه الصلاة والسلام، وأن نشاققه، وأن نكون نحن في جهة وهو في جهة عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز أن ننحرف عن المسلمين وأن نفارق جماعتهم، كل منهما يوجب للإنسان الضلالة، فإذا فارق الإنسان جماعة المسلمين ضل، وإذا انحرف عن السنة ضل، ولو كان الانحراف عن السنة بنفسه يوجب الضلال دون الثاني لما كان لذكره فائدة، يصبح من باب العبث، لو كانت مفارقة جماعة المسلمين لا أثر لها في ضلالهم لما كان لذكرها فائدة، ويعتبر حشواً في الكلام، ويتنزه عن ذلك كلام الرحمن، لا يصح أن تقول للإنسان: إذا كفرت وأكلت الخبز يدخلك الله النار! يا عبد الله! ما دَخْل هذا؟ هذا مباح وقرنه بمحرم لا يصح، إنما تقول: إذا كفرت وقتلت عباد الله تستوجب غضب الله، هذا محرم، وهذا محرم، وهنا كذلك: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115].

    واتباع سبيل المؤمنين -كما تقدم معنا مراراً- هو الإجماع، إذا أجمعوا فمن خرج عنهم ضل، لكن إذا افترقوا فإن أي طريق أخذت به فأنت ضمن سبيل المؤمنين, فهذا لا يتأتى إلا في حال الإجماع، وأما إذا كان هناك نزاع فالأمر فيه سعة، وقد تقدم معنا -إخوتي الكرام- ما يتعلق بحجية الإجماع، وأنه مقرر عند سائر أئمتنا العلماء الأتقياء.

    إذاً: هذه الآية استنبط منها الإمام الشافعي رحمة الله ورضوانه عليه الدلالة على حجية الإجماع، وكان يقول كما في الحلية، وفي كتاب مناقب الشافعي للإمام البيهقي، وفي غير ذلك من الكتب، انظروا السير في الجزء العاشر صفحة عشرين، قال: الأصل -يعني في استنباط الأحكام والأدلة- كتاب الله جل وعلا، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم- هذه هي المصادر- وقياس عليهما، استمع للأمر الرابع والكلام المحكم، قال: والإجماع أكبر من الحديث المنفرد.

    إذا وجد الإجماع فيقدم على الحديث المنفرد، وتقدم معنا أن أقوى الأدلة هو الإجماع, الإجماع أقوى من الحديث المنفرد، يقول الإمام ابن تيمية في رفع الملام عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا صفحة تسع وأربعين: أعظم الحجج الإجماع.

    هناك فُتييان تدلان على فقهه وعلمه رضي الله عنه: الفتيا الأولى التي قال بها هذا الإمام المبارك تشبه ما نُقل عن سيدنا أبي حنيفة من الفتيا التي تدل على الذكاء والوعي وتمام الاستحضار، القصة -إخوتي الكرام- مذكورة في الحلية، ورواها الإمام ابن عساكر في تاريخ دمشق، وانظروها في السير في الجزء العاشر صفحة ثلاث وخمسين، وهي: رجل في فمه تمرة، قال لزوجته: إن أكلتُ التمرة فأنت طالق، وإن طرحتها فأنت طالق، بعض الناس يتنطع يقول: هذه الصيغ التي يحرج بها نفسه، تمرة في فمه قال: إن أكلتها أنت طالق، وإن طرحتها أنت طالق، طيب ماذا سيفعل؟ هو بين حالتين: إما أن يأكل وإما أن يطرح، وعلى الحالتين ستطلق، فعلى كل حال بعد أن جرت منه الكلمة ليس كحالنا الآن يهدم البصرة ويأتي يسأل, أمسك التمرة في فمه، لا أكلها ولا طرحها، وقال: سلوا أبا عبد الله الشافعي : ما الحل؟ فقال رضي الله عنه وأرضاه: يبر ولا يحنث، إن أكل نصفها وطرح نصفها، المسألة زالت ولا إشكال، أخبروه يأكل النصف ويطرح النصف.

    يا إخوتي! هذا هو الفقه حقيقة الذي يُلهمه هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم وأرضاهم، هذا -كما قلت- لنعلم قدرهم وحالهم، الجواب هذا في نظرنا سهل، لكن من الذي يستحضره مباشرة؟ هذه هي عقلية الفقيه الذكية الفذة.

    ومما يدل على فقهه وجودة نظره وحسن استنباطه رضي الله عنه وأرضاه: ما ذكره الإمام البيهقي في السنن الكبرى في الجزء الخامس صفحة اثنتي عشرة ومائتين في كتاب الحج: ما للمحرم قتله من دواب البر في الحل والحرم، والقصة أيضاً في مناقب الإمام الشافعي وهي في الحلية وفي آداب الإمام الشافعي، وانظروها في السير في الجزء العاشر صفحة ثمان وثمانين، وخلاصة القصة: أنه جلس رضي الله عنه وأرضاه في فناء زمزم وقال: سلوني، لا تسألوني عن شيء إلا أجبتكم عنه من كتاب الله وحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقام بعض المتنطعين وقال: أخبرنا عن المحرم يقتل الزنبور, هل يجوز أن يقتله؟ وعن أكل فرخ الزنبور أيضاً؟ هل يجوز أن نأكل أولاده الصغار؟

    إذاً يسأل الآن عن أمرين: عن قتل المحرم للزنبور الذي يطير، والأمر الثاني: عن أكل أفراخه، فقال الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه: قال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يروي الحديث بإسناده في هذه الأماكن: ( اقتدو باللذَين من بعدي أبي بكر وعمر ).

    وتقدم معنا أن الحديث ثابت صحيح من رواية سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه في سنن الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب، ورواه الحاكم في المستدرك، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في الأسماء والصفات، ورواه في مناقب الإمام الشافعي عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه, ورُوي الحديث أيضاً من رواية سيدنا حذيفة ، وابن مسعود ، وكل من الحديثين صحيح ثابت، حديث حذيفة رضي الله عنه وأرضاه رُوي في المسند وسنن الترمذي وابن ماجه ، وهو في صحيح ابن حبان والمستدرك أيضاً، ورواه الخطيب في تاريخ بغداد والبيهقي في السنن الكبرى وفي المناقب أيضاً: ( اقتدوا باللذَين من بعدي أبي بكر وعمر ).

    وتقدم معنا أن الحديث رُوي أيضاً من رواية سيدنا أنس وأبي الدرداء وأبي بكر رضي الله عنهم أجمعين, انظروا المجمع الجزء التاسع صفحة ثلاث وخمسين، وجمع الجوامع صفحة سبع وثلاثين ومائة. ثم قال: وقد قضى عمر بأن المحرم يقتل الزنبور ولا حرج عليه. يعني كما يقتل العقرب.

    والأمر الثاني الذي هو أكل أفراخ الزنبور، قال: ومن المعقول أيضاً أن ما أبيح قتله حرُم أكله، هذا أمرنا بقتله لأنه مؤذٍ ضار، وما أبيح قتله شُرع لنا أن نقتله، ولا يجوز أن نأكله. هذه أدلة شرعية تقرر هذا، وهذه فتيا هذا الإمام المبارك رضي الله عنه وأرضاه.

    إخوتي الكرام! بقي معنا أمران أو ثلاثة تتعلق بفقهه أذكرها إن شاء الله في أول الموعظة الآتية، وأتكلم بعد ذلك عن عبادته رضي الله عنه وأرضاه، عندنا له كلام سديد حول البدع، وقد قسمها إلى قسمين، منها ما هو محمود ويدخل في دائرة الجواز، ولا ينبغي أن يطلق عليه أنه بدعة مذمومة، ومنها ما هو مذموم ينبغي أن يحترس الإنسان منه, ما ضابط هذا وهذا؟ للإمام الشافعي في ذلك كلام سديد، ولا زلنا نتدارس ما يتعلق بفقهه عليه رحمة الله ورضوانه، نتدارس هذا في الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.

    ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755945318