إسلام ويب

بين السلام وإباء الضيمللشيخ : صالح بن حميد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله سبحانه وتعالى اقتضت حكمته قدراً وكوناً أن يكون هناك حق وباطل، وخير وشر، وإصلاح وفساد، يدال هذا مرة وهذا مرة، وإن مما نشاهده في عصرنا هذا الحرب العالمية الكبرى من قوى الشر ضد الإسلام وأهله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

    1.   

    العرب قبل الإسلام

    الحمد لله واسع الفضل، مجزل الثواب، يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من أناب، أحمده سبحانه وأشكره،يفيض فوائض النعم، ويسبغ سوابغ الكرم، ويعطي بغير حساب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكريم الوهاب، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله ختم به الأنبياء، وأنزل عليه أشرف كتاب، صلى الله وسلم وبارك عليه، أوضح العقائد وفصَّل الأحكام، وسَنَّ مكارم الأخلاق والآداب، وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار خير آل وأكرم أصحاب، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعــد:

    فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، فبتقواه تُنال الدرجات، وتزكو الأعمال، وتزودوا من ممركم لمقركم، فأنتم في فترة الإمهال، فالدنيا غرارة مكارة، والموت آتٍ لا محالة، والأجل قريب والأحمال ثقال، فاغتنموا رحمني الله وإياكم سويعات أعمالكم فالأيام فانية، ولسوف يندم أصحاب القلوب القاسية، وطهروا درن الذنوب بفيض العبرات، واستثيروا رقة القلوب بذكر يوم الحسرات، فالناس فيه سكارى من طول الوقوف، حيارى من هول يوم مخوف: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18].

    بزوغ فجر الإسلام

    أيها المسلمون! جاء الإسلام وأمم الأرض تشتبك في حروب لا تحصى، ولأغراض من المطامع شتى، دول في القديم كبرى، كان القتال بينها سجالاً، فنيت فيها جيوشها، وناءت بمغارمها شعوبها، ولم يكن وقود تلك الحروب إلا مطامع الكبار، ولم يشعل فتيلها إلا شهوة التوسع، والمباهات في الاستبداد.

    لقد جاء الإسلام وجاءت حضارته والعالم تحكمه قوانين الغاب، وتسوده شريعة الوحوش، القوي يقتل الضعيف، والمسلح ينهب الأعزل، والحرب تنشب من غير قيد أو حد، فكل من ملك قوة امتطى صهوة جواده، وشهر سلاحه، ليستذل الأمة الضعيفة على أرضها، ويغلبها على قوتها، ويكرهها على عقيدتها، فيشعلها حرباً آثمة، ويوقدها على الضعفاء ناراً تلظى.

    وأما العرب أنفسهم في تلك الأحقاب فقد أكلتهم غاراتهم، فكان الاقتتال لهم طبعاً، والقتل بينهم عادة، حتى إذا لم يجدوا غارة على البعيد أغاروا على القريب، فهم على بكرٍ أخيهم إن لم يجدوا إلا أخاهم.

    وفي هذه العصور المظلمة، والظروف الكالحة تفجر ينبوع الإسلام؛ فلانت القلوب الصلبة؛ وترطبت الغصون الجافة، وأقبل فيه العالم على دين جعل الإيمان صنو الأمان، والإسلام قرين السلام، فانحسرت مطامع النفوس، وتجافت وساوس الشيطان، تقاصر العدوان على الحقوق.

    ثم كان النداء لأهل الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:20].

    بهذه الروح وبهذه المبادئ انتشر الإسلام في سنواته الأولى، حتى بلغ مشارق الأرض المعمورة ومغاربها، في أقل من قرن من الزمان، ومن المعلوم قطعاً أن المسلمين لم يكن لهم في ذلك الوقت من القوة العددية، ولا من الآلة العسكرية، ولا من تقنية الاتصالات، ولا من وسائل المواصلات ما يُمكِّنهم من قهر الشعوب على ترك دينها، ولا فرض الحكم على الديار التي دخلوها، لولا أنه دين حق، وحضارة سلام، وسياسة عدل، فالشعوب المفتوحة لم تدن بالإسلام، ولم تتعلم لغة القرآن، ولم تخضع للمسلمين إلا لما ظهر لها فيه من الحق والرحمة والعدل الموصل لسعادة الدنيا والآخرة.

    إن الإسلام دين الفطرة، سمته البارزة وعلامته المسجلة نشر الحق، وفعل الخير، وهداية الخلق: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77] تلكم هي حقيقة الإسلام ووظيفته التي يجب أن تعرف في أروقة الأمم، ومحافل الدول، ومجامع العالم.

    الإسلام ليس نظريات ضيقة

    أيها المسلمون! والإسلام في غايته والدين في مبادئه لا ينظر إلى مصلحة أمة دون أمة، ولا يقصد إلى نهوض شعب على حساب آخر، ولا يهمه في قليل أو كثير تملك أرض، أو سيادة سلطان هذا أو ذاك، ولكن مقصوده وغايته سعادة البشرية وفلاحها، وبسط الحق والعدل فيها، فكل توجه غير هذا، وكل هدف سوى هذا لا اعتبار له في الإسلام؛ بل إذا كانت التوجهات تتضمن ظلماً أو تقود إلى غمط حق، فلا بد حينئذٍ من مقاومتها حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله، فالأرض كلها لله، ويرثها الصالحون من عباد الله.

    1.   

    الإسلام دين القوة والإعداد

    أمة الإسلام! لئن كان الإسلام دين رحمة وعدل وسلام، فإنه في الوقت نفسه، دين قوة وإباء وضيم، لأنه دين عملي يأخذ الحياة من واقعها، ويعامل الخلائق من طبائعها، وفي الحياة والطبائع ميل إلى المشاحنات، وتوجه نحو المنازعات , ودخول في المنافسات، من أجل ذلك وبجانب عدله ورحمته أمر بإعداد القوة التي تحمي الحق، وتبسط العدل، وتزرع الخير وتنشر السلام، بل إن القوة العادلة، أقوى ضمان لتحقيق السلام، وحذر من أن يفهم الناس أن السلام معناه القعود عن الاستعداد مادام في الدنيا أقوام لا تعرف قيمة السلام، ولا تحترم حرية غيرها في أن تعيش آمنة مطمئنة في بلادها، ومن أجل ذلك كله أُمِر المسلمون بإعداد القوة، وأخذ الأهبة، والقوة المأمور بها قوة شاملة، تحشد فيها كل مصادر القوة الاقتصادية منها والسياسية والاجتماعية والعسكرية، والأخلاقية والمعنوية، وقبل ذلك وبعده، قوة الإيمان، والاستمساك بالشرع المتين: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال:60].

    والأمة القوية والدولة القوية تحفظ مهابتها ما دامت صفة القوة ملازمة لها، وتلكم سنة إلهية من السنن التي تبنى عليها الحياة، فلا خير في حق لا نفاذ له، ولا يقوم حق ما لم تحط به قوة تحفظه وتسنده، وما فتئت أمم الأرض ودولها، تعد نفسها بالقوة بمختلف الأنواع والأساليب، حسب مقتضيات العصر، ومتطلبات الظروف في الزمان والمكان.

    القوة والإعداد المعنوي

    أيها المسلمون! ولعل من المناسب الوقوف عند صورة من صور القوة، تلكم هي قوة الروح المعنوية.

    إن من يقلب النظر في تاريخ الأمم التي تتمتع بالعز والسيادة، يجدها لم تبلغ ما بلغت إلا بما تربت عليه من قوة الروح قبل البناء العسكري، فبقوة الروح، وارتفاع المعنويات -بإذن الله- تسلم من خطر يمتد إليها من الخارج، ويستتب لها الأمن من الداخل، وتكون ذات شوكة ومهابة.

    ولا عجب أن يولي القرآن الكريم ذلك ما يستحق من عناية، فتنزلت الآيات التي تربي النفوس على خلق البطولة، وتحفز الدواعي لإعداد الوسائل، واتباع النظم، فالظفر بعيد عن الجبناء، وبعيد عن المهازيل، ولقد توجهت الآية الكريمة إلى النفوس تنقيها من رذيلة الجبن والإحجام، وتنذرها من سوء عاقبة الجبناء، اقرءوا وتدبروا قول الله عز وجل: كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلا ذِمَّةً [التوبة:8].

    إن الآية صريحة في أن الجبان يبتلى بذي قوة، لا يعرف للعهد رحمة، ولا يقيم للعدل وزناً، ولا يعرف للحق طريقاً، ولقد سجل الشجعان وصدقت الحكماء: أن الموت في مواطن البطولة أشرف من حياة يكسوها الذل، ويغمرها الهوان، والحر يلاقي المنايا، ولا يلاقي الهوان.

    ومن العجز أن يموت الفتى جباناً.

    وآية أخرى في كتاب الله تفضح فئات من الجبناء الخوارين، أنكروا رجولتهم، ودفنوا كرامتهم، وقعدوا مع فئات لم تخلق للضرب ولا للطعان: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ [التوبة:87] ولا يتوارى عن هواتف الشرف ودواعي البطولة إلا من كان حظه من الرجولة ضئيلاً، ومن الكرامة منقوصاً.

    أيها المسلمون: إن بث القوة الروحية ورفع المعنويات يكون بتربية النشء على خلق الشجاعة، وصرامة العزم، والاستهانة بالموت، وإخواننا وأولادنا في فلسطين المحتلة قد ضربوا من ذلك بسهم وافر أعلى الله قدرهم، ورحم شهداءهم، وشفى مرضاهم، وعوضهم ما فقدوا، وحقق لهم النصر على عدونا وعدوهم.

    إن الأمة التي تأبى الضيم بحق هي الأمة التي تلد أبطالاً وتبذل كل مجهود في إعداد وسائل الدفاع، لا يقعد بها بخل، ولا يلهيها ترف، إن تفاضل الأمم في التمتع بالحرية، والسلامة من أرجاس الضيم لا يتبين إلا بقدر ما فيها من شهامة الرجال، وما تدخره من أدوات الرمي والطعان، فإذا ما اجتمع للأمة رأي وسيف وعزة؛ تجافت عنها المظالم.

    إن العزة وإباء الضيم خلق عظيم، ومركب عزيز، أول ما يقع في نفوس الرجال الموكول إليهم تدبير شئون الأمة، وتنفيذ آمالها، وتحقيق طموحاتها، ورسم خططها.

    إن إباء الضيم يدفعها إلى أن تذود عن حياضها وتدافع عن حماها، ولو كان خصمها أعز نفراً، وأقوى جنداً، وأكثر نفيراً، بل تقف موقف الرجولة والاحتفاظ بالكرامة، ولو غلب على ظنها أنها ستغلب على أمرها، تفعل هذا إيثاراً لحياة العزة على حياة المهانة، وتجافياً عن خزي وعار تتناقله الأجيال، الخصوم يبغون الفتنة وهم يبغون السلام.

    بإباء الضيم تكون الأمة قوية القنا، جليلة الجاه، وفيرة السناء، تزحزح سحائب الظلم والاستعباد، لا تستكين لقوة، ولا ترهب لسطوة.

    القوة والإعداد المادي

    أمة الإسلام: ذلكم شيء مما يتعلق بالقوة المعنوية، والعزة النفسية، أما القوة المادية، فلا تحتاج إلى مزيد حديث، إنها إعداد ما يتطلبه الدفاع من وسائل الانتصار على العدو، ولقد تفتقت أذهان أبناء العصر عن مكتشفات ومخترعات في أنواع من القوى، وأساليب من الاستعداد والإنذار فاقت كل تصور.

    أيها المسلمون: إن الاستعداد بالقوة، يمنع الحرب من أن يتقد نارها، ويجعل الأمة المستعدة في منعة من أن تهضم حقوقها، إعداداً واستعداداً من أجل اتقاء بأس العدو وهجومه، ولقد جاء هذا الغرض جلياً واضحاً في قول الله عز وجل: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60].

    إنه استعداد ليكون سبباً في منع الحرب قبل أن يكون استعداداً عند نشوبها وإشعالها.

    نعم. إنه السلام المسلح، ذلكم أن الضعف يغري الأقوى بالتعدي على الضعفاء، إن القوي المستعد للمقاومة قلما يعتدى عليه، وإن اعتدي عليه قلما يظفر به عدوه أو ينال منه، إن ترك الاستعداد يغري بالعدوان ويسرع بالاستسلام.

    وإن أخطر ما تتعرض له الأمة هو الغفلة عن الخطر المحدق بها، والتقاعس عن إعداد القوة القادرة على الدفاع، إن على الأمة الأبية أن تعد ذلك مسألة حياة أو موت، اقرءوا قول ربكم في محكم كتابه: وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً [النساء:10].

    ومن دقائق تعاليم ديننا وآدابه وشريف غاياته: أن العدو إذا عدل عن العدوان، وأرهبه السلام المسلح كان التوجه حينئذٍ نحو السلم والحرص عليه وقبوله: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [الأنفال:61].

    وإن أبى العدو إلا الحرب والقوة! فالقوة لا تدفع إلا بالقوة، والعدوان لا يرد إلا بمثله: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا [البقرة:190] ففي آداب القتال عندنا لا يقاتل غير المقاتل، ولا يحاسب إلا المعتدي.

    عباد الله: إنما تسقط الأمم في هاوية الذلة إذا صغرت همة رجالها، فلا يحسون بظلم، ولا يأنفون لعزة، ولا يثأرون لكرامة، يساقون بذلتهم ومهانتهم إلى جهل ونفرة وشقاق، العاجز لا يرجى لدفع مُلمة ولا يؤمل في النهوض بهمة، كما أنه ليس من العقل ولا من الحكمة الوقوف مع الهزائم، واستعادة الأحزان والتعثر في عقباتها، وتبادل كلمات اللوم وآهات التحسر: (ليت، ولو أن) فما كان ذلك من أخلاق الأقوياء، ولا من مسالك ذوي العزة والأنفة، وأباة الضيم.

    وفي التنزيل العزيز حث لأهل الإيمان أن لا يكونوا مثل أصحاب هذه المسالك: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّىً لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ [آل عمران:156-158].

    نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    الاستعداد المطلوب والقوة الممدوحة

    الحمد لله الإله الحق، لا تحصى دلائل وحدانيته ولا تعد، أحمده سبحانه وأشكره لا ينتهي كرمه ولا يحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تنزه عن الصاحبة والولد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أكرم رسول وأشرف عبد، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان وسلك مسالك الرشد.

    أما بعــد:

    فإن القوة ممتدحة حين تكون بطرق الخير، ووجوه المنافع للنفس والأهل والناس أجمعين، قوة تحق الحق وتبطل الباطل، تسير في المسار الصحيح والغايات الشريفة، أما حينما توظف القوة في سبيل الشر والأنانية، والمصالح الضيقة، وإيذاء الناس، وبسط النفوذ المستكبر، تكون وبالاً على البشرية، بل إنها في المآل وبال حتى على أصحابها، ولقد قالت قوم عاد الأولى: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت:15] وقال لهم نبيهم هود عليه السلام محذراً ومنذراً: وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [الشعراء:130-131].

    وفي مراجعة للقوة في العصور الراهنة، تلك القوة المتسلطة التي صحبت عهود الاستعمار، إنها قوى شر تسلطت على أمم ضعيفة، جاسوا خلال الديار يفتشون عن الثروات، ويقطعون طرق التجارات، ويستأثرون بالمنافع في قلوب ملئت بالجشع، ونفوس مفتوحة بالشره، تتقدمها معدات مجنزرة، وتظللها طائرات مزمجرة في عساكر مدربة، وإرساليات ماكرة، يقطعون على أهل البلاد أرزاقهم، ويكدرون على الوادعين أمنهم، لم تكن تلك القوى في سبيل الله، ولم تكن لإعلاء كلمة الله، بل كانت للشهوات والمصالح الضيقة، ولقد علم من استقرأ التاريخ أن الحروب المعاصرة أشد حروب البشر ضراوة وأقساها معاناة.

    ولا تزال كثير من الدول الكبيرة منها والصغيرة تنفق على الاستعداد للحروب فوق ما تنفق على المصالح الأخرى الضرورية للدولة وللأمة، بل إن فيها من يرهق شعوبه بالضرائب لأجلها، ولولا سوء النية وفساد الطوية في بعض النفوس، وقلة الثقة المتبادلة بين كثير من الدول لأمكن الاتفاق سراً وجهراً على ما ينادي به الفضلاء، ويقترحه العقلاء؛ من تقليل الاستعداد لهذه الحروب المدمرة، والتي كثرت أسبابها، واتسعت اختراعاتها، وتنوعت تقنياتها، فصارت خطراً على غير المقاتلين تهلك الحرث والنسل، بل تقضي على كل آثار الحضارة والعمران، ولكن مع الأسف! إذا ساد قانون الغاب فلا يسمع لضعيف قول، ولا يعترف له بحق، ولو أقام كل البراهين، وأدلى بكل الصحيح من الحجج، وحينما يكون الفصل لشريعة الاستبداد فالقول قول القوي، والنافذ فعل الظالم، يأخذ وينهب وليس معنياً بحجة، ولا سائلاً عن برهان.

    ألا فاتقوا الله -أيها المسلمون- ما استطعتم، وأعدوا من قوة الخير والحق ما استطعتم، ثم صلوا وسلموا على نبيكم نبي الرحمة والملحمة، فقد أمركم بذلك ربكم، فقال في محكم تنزيله وهو الصادق في قيله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، والخلق الأكمل، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين!

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملة والدين.

    اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق والتأييد والتسديد إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحبه وترضاه، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة، وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، وألبسه لباس الصحة والعافية، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين!

    اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين!

    اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير.

    اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك، وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في فلسطين ، وفي كشمير ، وفي الشيشان ، وفي كل مكان يا رب العالمين!

    اللهم إن هؤلاء اليهود المحتلين قد طغوا وبغوا، وآذوا وأفسدوا، وقتلوا ودمروا، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم فرق جمعهم، وشتت شملهم، واجعل بأسهم بينهم، واجعل الدائرة عليهم، اللهم وأنزل نصرك وتأييدك وعونك لإخواننا في فلسطين ، اللهم سدد سهامهم وآراءهم، واجمع كلمتهم يا رب العالمين!

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلادنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين!

    رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ؛ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756227256