إسلام ويب

تفسير سورة الصافات (6)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما ذكر الله عز وجل ما أعده لعباده المؤمنين من نعيم الجنة، ثنى بذكر حال أهل الكفر والإعراض، وما ينتظرهم يوم القيامة من العذاب، فمع ما يعانونه من عذاب النار المتواصل أضيف إلى ذلك تعذيبهم بالمأكل والمشرب، فهم يؤخذون ويطعمون من شجرة الزقوم، ويشربون عليها من شوب الحميم، ثم يرجعون بعد ذلك إلى الجحيم مستقرهم الدائم ومقامهم المتواصل، جزاء سيرهم على آثار آبائهم الضالين، ورفضهم لما جاءهم به أنبياء الله المرسلين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أذلك خير نزلاً أم شجرة الزقوم)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ * إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ * وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ [الصافات:62-74].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هيا بنا نقضي هذه الدقائق في الملكوت الأعلى مع الله عز وجل وملائكته وعبيده، مؤمنهم وكافرهم. وقد وصلنا هذا الخبر من الله عز وجل، ولولا إيماننا بالله وبرسوله وبكتابه لما أهلنا بذلك.

    قال الله تعالى هنا: أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا [الصافات:62]؟ أي: أذلك الذي تقدم بالأمس في الآيات من النعيم المقيم الدائم لأهل الجنة ومن الحور العين والطعام العجيب العظيم خير نزلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ [الصافات:62]؟ اللهم ذلك خير. والنزل: ما يعد للضيوف أو للضيفان من طعام وشراب. وشَجَرَةُ الزَّقُّومِ [الصافات:62] شجرة خبيثة منتنة تسمى شجرة الزقوم، والعرب يطلقون هذا اللفظ على أبشع الأشجار وأقبحها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنا جعلناها فتنة للظالمين)

    قال تعالى مخبراً عن شجرة الزقوم بقوله: إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ [الصافات:63]. الظالمون هم المشركون، فهم الذين ظلموا ربهم، وذلك أنهم بدل أن يعبدوه ما عبدوه، وبدل ما يعبدوه وحده عبدوا معه غيره. فأولئك هم الظالمون في هذه الدنيا.

    وقوله: إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً [الصافات:63]، أي: اختبار وامتحان لِلظَّالِمِينَ [الصافات:63]. وهذا الامتحان والاختبار هو أنهم قالوا: كيف النار الملتهبة التي تحرق كل شيء تنبت فيها هذه الشجرة، وتثمر وتطلع؟ فهذا كله خرافة وكذب ولا نقبله، ولو آمنوا لعرفوا أن النار خلقها الله عز وجل، والذي جعلها تحرق وتلتهب الله عز وجل، وهو الذي جعل فيها شجرة لا تحترق منها أبداً، بل تنبت فيها وتطلع فيها. فكان هذا فتنة لهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم)

    قال تعالى: إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ [الصافات:64]، أي: في وسط النار. وهذه الشجرة في النار تملأ النار كلها، وما من جانب منها إلا وهذه الشجرة فيه، فهي تنبت في أصل ووسط الجحيم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (طلعها كأنه رءوس الشياطين)

    قال تعالى واصفاً لنا شجرة الزقوم: طَلْعُهَا [الصافات:65]، أي: ما يطلع منها من الثمار كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ [الصافات:65] في القبح والنتن والعفن. فما تطلعه من الثمار الذي يأكلونه ويأكله أهل النار في قبحه كأنه رءوس الشياطين. وليس منا من رأى الشيطان، والبشرية سمعت هذا من عهد آدم، ولكن أقبح المخلوقات هو الشيطان، فكل قبيح يقولون فيه: كأنه شيطان، وكل قبيح سيئ المنظر بشع يقال: هذا كأنه شيطان.

    فطلع هذه الشجرة -شجرة الزقوم- كأنه رءوس الشياطين، وأبو جهل لما سمع هذه الشجرة وكيف تنبت في النار جاء واحد من أفريقيا فسأله وقال له: ما هو الزقوم عندكم؟ فقال: التمر والزبدة، فقال للخادمة: هات لنا تمراً وزبدة نتزقمه، وأخذ يأكل التمر والزبدة ويقول: نتزقم الزقوم، وهو يضحك ويسخر؛ لأن الله جعلها فتنة للظالمين. فهذه هي الفتنة.

    وقوله تعالى: طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ [الصافات:65]، أي: في القبح وسوء المنظر. والطلع ما تطلعه من أنواع الثمار التي يأكلها أهل النار.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون)

    قال تعالى: فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا [الصافات:66]. ووالله الذي لا إله غيره إنهم يجوعون حتى يأكلون منها، كما قال تعالى: فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ [الصافات:66] من شدة الجوع؛ لأنه ليس في النار ما يأكلون، لا طعام ولا لحم ولا غيرهما، إلا هذه الشجرة الزقوم، فيملئون منه البطون.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ثم إن لهم عليها لشوباً من حميم)

    قال تعالى: ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ [الصافات:67]. الشوب: ما يخلّط في الشيء، والحميم: الماء الحار. فهو يخلط ويشاب بالدماء والقيوح التي تسيل منهم. فالدماء والقيوح والدموع وما يسيل من أجسادهم والعرق يخلط به الماء ويشربونه، وما يشربون ماء صافياً خالصاً أبداً، بل مشوباً، وهو يشاب بما يسيل منهم من القيوح والدماء وما إلى ذلك.

    إذاً: قوله تعالى: فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ [الصافات:66]، أي: حتى يمتلأ بطن أحدهم من شدة الجوع، فيأكل من هذه الشجرة شجرة الزقوم. فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ [الصافات:66-67]. والحميم: الماء الحار الذي انتهت حرارته، وليس فوقها شيء من الحرارة، فيخلط هذا ويشاب بالدماء والقيوح والعرق الذي يسيل منهم ويشربونه. ولما يأكلون من الزقوم يعطشون ويشتد عطشهم، فيحتاجون إلى الشراب، فيؤتون بهذا الشراب الحميم المشوب بالقيوح والدماء، والعياذ بالله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم)

    قال تعالى: ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ [الصافات:68]. وكأنهم يجلسون مجالس بعيدة عن النار يأكلون ويشربون، ثم يعودون إلى جهنم، فهم يجلسون في ساحة من الساحات للأكل والشرب عندما يعطشون ويجوعون، فإذا أكلوا وشربوا مردهم إلى أصل الجحيم، كما قال هنا: ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ [الصافات:68]. ونعم والله، فبعد هذا الأكل والشرب وأكل الزقوم والعياذ بالله وشرب الحميم المشوب والعياذ بالله إذا شبعوا ادخلوا النار، فهم يترددون بين هذا وهذا بلايين السنين، ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ [الصافات:68].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنهم ألفوا آباءهم ضالين)

    قال تعالى مخبراً عنهم في الدنيا: إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ [الصافات:69]، أي: وجدوا آباءهم مشركين كافرين، فقلدوهم ومشوا وراءهم، وأشركوا بالله عز وجل. وهذا شأن أهل مكة ومن حولهم من العرب، فقد وجدوا آباءهم مشركين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فهم على آثارهم يهرعون)

    قال تعالى: إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ [الصافات:69-70]، أي: يجرون كما كان آباؤهم على الشرك والباطل، ومع أنه جاءهم رسول الله وأنزل الله كتابه عليه فما زالوا مصرين، ولكن هداهم الله، إلا من لم يرد الله هدايته كـأبي جهل وفلان وفلان.

    وقوله: فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ [الصافات:70]، أي: يسرعون في الباطل والشرك والضلال، والعياذ بالله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين)

    قال تعالى: وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ [الصافات:71]. فقوم عاد ملايين وما آمن منهم من واحد، وكذلك ثمود قوم صالح ما آمن منهم إلا القليل، وكذلك قوم فرعون. فهناك أقوام كلها ضلت، وأكثرهم ضالون، كما قال تعالى: وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ [الصافات:71]. ونوح عليه السلام مكث يدعو ألف سنة إلا خمسين سنة، أي: تسعمائة وخمسين عاماً، وهو يدعو بالليل وبالنهار، وبالسر وبالعلن كما في سورته، ولم يزد عدد من آمن به على ثلاثة وثمانين رجلاً وامرأة في ألف سنة إلا خمسين عاماً، وصدق الله العظيم في قوله: وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ [الصافات:71]. فلا تعجب يا رسولنا! ولا تكرب ولا تحزن. ففي هذا تسلية للرسول، وتخفيفاً عليه من آلامه؛ إذ عاش ثلاث عشرة سنة في مكة ومن آمن من مكة إلا عدد محدود.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد أرسلنا فيهم منذرين)

    قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ [الصافات:72]. فتلك الأمم الماضية التي أصرت على الشرك والكفر أرسلنا فيهم رسلاً منذرين، ينذرونهم عواقب الشرك والظلم والكفر، ونتائج الباطل والفسق والفجور، ولكنهم أصروا على الظلم والشر والفساد، فأهلكناهم في الدنيا وفي الآخرة. وهذا مصيرهم، أي: أكل الزقوم وشرب الحميم.

    وقوله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ [الصافات:72]، جمع منذر، وهو الرسول النبي المنذر المخوف الناس من عواقب الشرك والكفر، والخبث والشر والفساد.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فانظر كيف كان عاقبة المنذرين)

    قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَانظُرْ [الصافات:73] يا رسولنا! كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ [الصافات:73]. فقد كانت دماراً وخراباً، كما حل بعاد وثمود، وقوم شعيب وقوم فرعون، وأمم مضت. فقد كانت عاقبتهم الدمار والهلاك والفناء. فلا تكرب يا رسولنا! ولا تحزن، واصبر وتحمل على دعوتك.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إلا عباد الله المخلصين)

    قال تعالى: إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ [الصافات:74]. فهؤلاء لما أنذروا خافوا، فآمنوا فعبدوا الله ووحدوه، واستقاموا على دينه وشرعه. وهؤلاء هم الذين استخلصهم الله له، والمخلصين هؤلاء ما هلكوا مع الهالكين، ولا دخلوا النار مع الداخلين، ولكن نجاهم الله عز وجل مع أنبيائه وصالح عباده، فقال: إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ [الصافات:74]. والذي استخلصهم الله؛ ليعبدوه وحده. اللهم اجعلنا منهم.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات

    الآن نسمعكم شرح الآيات من الكتاب:

    [ معنى الآيات:

    لما ذكر تعالى ما أعده لأهل الإيمان به وطاعته وطاعة رسوله من النعيم المقيم في الجنة دار الأبرار قال: أذلك المذكور من النعيم في الجنة خير نزلاً ] والنزل: [ ما يعد من قرى للضيف النازل وغيره، أم شجرة الزقوم ؟ ] أيهما خير؟ [ أي: ثمرها، وهو ثمر سمج مر قبيح المنظر.

    ثم أخبر تعالى أنه جعلها فتنة للظالمين من كفار قريش، إذ قالوا لما سمعوا بها: كيف تنبت الشجرة في النار، والنار تحرق الشجر؟ فكذبوا بها، فكان ذلك فتنة لهم.

    ثم وصفها ] تعالى [ بقوله: إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ [الصافات:64]، أي: في قعرها، وتمتد فروعها في دركات النار ] السبعة.

    [ وقوله ] تعالى: [ طَلْعُهَا [الصافات:65]، أي: ما يطلع من ثمرها في قبح منظره كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ [الصافات:65]. لأن العرب تضرب المثل بالشيطان في القبح، كما أن هناك حيات يسمونها بالشيطان، قبيحة المنظر.

    وقوله: فَإِنَّهُمْ [الصافات:66]، أي: الظلمة المشركين لَآكِلُونَ مِنْهَا [الصافات:66]، أي: من شجرة الزقوم؛ لشدة جوعهم، فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ [الصافات:66]، أي: بطونهم. ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ [الصافات:67]. وذلك أنهم لما يأكلون يعطشون، فيسقون من حميم، فذلك الشوب من الحميم، إذ الشوب: الخلط والمزج ] فيخلط كما قدمنا بالدماء والقيوح [ يقال: شاب اللبن بالماء، أي: خلطه به.

    وقوله: ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ [الصافات:68]، أي: مردهم إلى الجحيم، بعدما يأكلون ويشربون في مجالس خاصة بالأكل والشرب يردون إلى نار الجحيم.

    وقوله تعالى: إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ [الصافات:69]، أي: وجدوا آباءهم ضالين عن طريق الهدى والرشاد، فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ [الصافات:70]، أي: يهرولون مسرعين وراءهم، يتبعونهم في الشرك والكفر والضلال.

    وقوله تعالى: وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ [الصافات:71]، أي: فليس هؤلاء أول من ضل. وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ [الصافات:72]، أي: في أولئك الضالين من الأقوام السالفين مُنذِرِينَ [الصافات:72]، أي: رسلاً ينذرونهم، فلم يؤمنوا، فأهلكناهم. فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ [الصافات:73]. إنها كانت هلاكاً ودماراً للكافرين.

    وقوله تعالى: إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ [الصافات:74]، استثناء منه تعالى لعباده المؤمنين الصالحين، وهم الذين استخلصهم لعبادته بذكره وشكره، فآمنوا وأطاعوا، فإنه تعالى نجاهم، وأهلك أعداءهم الكافرين المكذبين. وفي الآية تهديد ووعيد لكفار قريش بما لا مزيد عليه ].

    هداية الآيات

    [ هداية الآيات ] الآن مع هداية الآيات:

    [ من هداية ] هذه [ الآيات:

    أولاً: بيان أحسن الأساليب في الدعوة، وهو الترهيب والترغيب ] ترغب المؤمنين الصالحين، وترهب المجرمين المفسدين، فتذكر ما للراغبين من نعيم، وما للمعرضين من جحيم. فهذا الأسلوب قرآني، فالقرآن كامل قائم على هذا الترغيب والترهيب، أي: الترغيب في الجنة ونعيمها، والترهيب من النار وعذابها.

    [ ثانياً: تقرير ] مبدأ [ البعث والجزاء بأسلوب العرض للأحداث التي تتم في القيامة ] والبعث هو: أن الله يبعث الخليقة بعد موتها وفنائها في يوم آخر تقوم فيه قيامة، ويجزيها على ما عملت. وهذا البعث من عقيدة المؤمنين. ففي هذه الآيات استعراض لهذا البعث والأحداث القائمة فيه.

    [ ثالثاً: التنديد بالإتباع في الضلال للآباء والأجداد وأهل البلاد ] ففي هذه الأيات التنديد باتباع الضالين، وبالمشي وراء الآباء والإخوان المفسدين. فينبغي للمؤمن أن يتبع الصالحين، ولا يتبع الفاسدين، وأن يمشي وراء الموحدين، لا مع المشركين، فقد ندد الله تعالى بهم؛ إذ قال: إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ [الصافات:69]، أي: وجدوهم ضَالِّينَ [الصافات:69]. فمشوا وراءهم يهرعون في هذا الباطل، والعياذ بالله. ومعنى هذا: أنه على عبد الله وعلى أمة الله المؤمنة ألا يمشيا وراء أهل الباطل، ولا يقولا بقولهما، ولا يسلكا سلوكهما حتى لا يهلكا كما يهلكون.

    [ رابعاً ] وأخيراً: [ إهلاك الله تعالى للظالمين، وإنجاؤه للمؤمنين عند الأخذ بالذنوب في الدنيا والآخرة ] فمن هداية هذه الآيات: بيان إهلاك الله تعالى للظالمين، وتخسيرهم وتضييعهم، وإفنائهم في الدنيا، وفي الآخرة لهم العذاب الأليم. وفي الآية أيضاً هداية للمؤمنين الذين شاهدوا هلاك الضالين، فنجوا وعبدوا الله، فهم ناجون؛ إذ قال تعالى: إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ [الصافات:74]. اللهم اجعلنا منهم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755958135