إسلام ويب

تفسير سورة فاطر (3)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الله عز وجل يحيي قلوب عباده بالإيمان، كما يحيي الأرض بالماء النازل من السحاب، وقد جعل سبحانه مثل الإنسان كمثل النبات أصل خلقته من التراب، فجعل البشر كلهم من أصل واحد هو آدم عليه السلام، الذي خلقه الله من تراب، ثم خلق له زوجه، وجعل منهما ذرية يتزاوجون، فينتجون الذرية التي تنتشر على هذه الأرض، وتعمرها بإذن الله عز وجل، ثم مآلهم جميعاً إلى ربهم القوي العزيز.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً ...)

    الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    وها نحن الليلة مع سورة فاطر المكية، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات مجودة مرتلة، ثم نتدارسها إن شاء الله، والله نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    بسم الله الرحمن الرحيم: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ * مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [فاطر:8-11].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر:8]، وهو أبو جهل -عليه لعائن الله-، فقد زين له الشيطان الشرك والكفر والظلم والاعتداء والكبر والتعالي والطغيان، ويدخل في هذا أيضاً كل إنسان زين له الشيطان الشرك والفسوق والفجور والظلم والاعتداء والكبر والطغيان، ولن يكون هذا الإنسان كمن آمن وعمل صالحاً، واستقام على منهج الحق.

    وقوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [فاطر:8]؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتألم أشد الألم؛ لفساد المشركين وشركهم وكفرهم وباطلهم، فأخبره تعالى بأن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وقال له: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [فاطر:8]، أي: لا تتألم وتحزن من كفرهم وظلمهم وجورهم وفسادهم؛ لأن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، فلا تتحمل أنت هذه الآلام والأتعاب من أجل أنهم مشركون فسقة فاجرون، فخفف على نفسك.

    وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [فاطر:8] أي: من الشرك والكفر والظلم والشر والفساد والاعتداء، وسيجزيهم بظلمهم وشركهم وكفرهم، أي: لو كان الله غير موجود ويعملون وهم أحرار، ولا جزاء ولا عقوبة حق لك أن تتألم، لكن الله عز وجل عليم بعملهم ومطلع عليه، وسيجزيهم به الجزاء الأوفى الكامل، فخفف على نفسك يا رسول الله، ولا تتألم ولا تتعب.

    وهذه الآية الأولى فيها تقريراً للنبوة المحمدية وأن محمداً رسول الله، وإلا كيف خاطبه الله عز وجل بقوله: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [فاطر:8]؟

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت...)

    والآية الثانية تقرر البعث الآخر والحياة الآخرة، فقال الله جل جلاله وعظم سلطانه: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ [فاطر:9] (الرياح) جمع ريح، فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ [فاطر:9] أي: نحن رب العزة والجلال والكمال سقناه إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ [فاطر:9] ليس فيه نبات أبداً، فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [فاطر:9] أي: أرض ميتة ليس فيها نبات ولا زرع، فيأتي الله عز وجل بالمطر، فإذا بها تنبت بأنواع النباتات والخضار، كَذَلِكَ النُّشُورُ [فاطر:9]، أي: هكذا النشور يوم القيامة.

    إذاً: فالبشرية حينما يأتي أجلها وتنتهي حياتها وتدفن في الأرض، ينزل الله تعالى من السماء من تحت العرش ماء فننبت كما ينبت البقل والحشيش في الأرض، سواء بسواء، كَذَلِكَ النُّشُورُ [فاطر:9]، وأخبر بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت النفخة الأولى انتهت الحياة كلها وبما فيها، وقبل النفخة الثانية ينزل الله ماءً من السماء من تحت العرش كمني الرجال، فننبت تحت الأرض كما ينبت البصل والثوم والبقل والخردل، وإذا اكتمل الإنبات وأصبحت الأجسام متهيئة لقبول الروح، ينفخ إسرافيل في الأرواح، فإذا بكل روح تدخل في جسمها، فلا تخطئ ولا تغلط، قال تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ [يس:51] أي: ينسلون إلى الله من قبورهم.

    فهذه الآية تدل دلالة قطعية على الإيمان بالبعث الآخر وبالدار الآخرة، بالجزاء فيها بالجنة أو بالنار، وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ [فاطر:9]، فهكذا يكون النشور.

    والنشور: أن ننتشر فوق الأرض بعدما كنا تحتها عظاماً وإذا بنا ننتشر، أي: الحياة بعد الموت، فقررت هذه الآية عقيدة البعث الآخر، والسورة مكية.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً...)

    ثم قال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر:10]، وهذا وعد الله، فالذين كفروا وأصروا على عبادة الأصنام والأحجار، ويطلبون العزة على شركهم أعلمهم الله عز وجل أن العزة عند الله وليس عند غيره، والذين يطلبون العزة من الناس من خلق الله ومن دون الله، يجب أن يعلموا أن العزة بيد الله ولا تطلب إلا منه عز وجل، ومن طلب العزة والكمال والمال والقدرة من الخلق من البشر فهو غالط، وجاهل تائه في متاهات.

    فمن كان يريد العزة حقاً له في الدنيا والآخرة، والنصر والسيادة فليطلب ذلك من الله، وطلب هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل لا من غيره، وطلبه المؤمنون معه، فكانت الجزيرة في خلال خمسة وعشرين سنة كلها إيمان وإسلام، وليس فيها ذل ولا كفر ولا خبث ولا شر ولا فساد.

    فمن كان يريد العزة يا عباد الله! فليطلبها من الله، فإن العزة لله جميعاً، أما أن تطلب العزة من أمريكا أو الروس أو اليابان أو الصين، وتكفر بالله عز وجل وتعطل شرائعه وأحكامه وتنتصر بدولة كافرة، فوالله! ما اعتززت ولن تعز، وهل عزَّ العرب والمسلمون الذين أعرضوا عن كتاب الله وهدي رسوله؟!

    مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر:10] فليطلبها من الله بالإيمان به، وبعبادته وحده، وبتقواه والخوف منه، وبطاعته وطاعة رسوله، والله! ليعز في الدنيا.

    معنى قوله تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب...)

    ثم قال تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10]، بشرى عظيمة!

    (إِلَيْهِ) أي: إلى الله وحده لا إلى سواه (يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ)، أي: إذا قلت: (سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)، وإذا بها تحت العرش والملائكة يرددونها، أي: تصعد إلى الله عز وجل.

    والكلم الطيب: هو ذكر الله بهذه الألفاظ الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، سبحان الله والحمد لله، والله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير )، فهذه هي الكلم الطيب الطاهر النقي؛ لأنه تسبيح لله وتنزيه له عن الشرك والنقائص، وإليه تعالى يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، فلو أن شخصاً سبح الليل والنهار ولا يصلي، فلن يُرفع تسبيحه، ولو أن شخصاً أيضاً سبح ليلاً ونهاراً ولم يزك ولم يحج كذلك لن يُرفع تسبيحه هذا؛ لأن العمل الصالح هو الذي يرفع ذلك التسبيح، فصاحب التسبيح يُرفع تسبيحه؛ لأنه يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد الله بما شرع من عبادة لعباده. وهذا وجه من وجهين في تفسير الآية.

    ووجه آخر: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10] أي: العمل الصالح يرفع صاحبه إلى الجنة، فالجنة فوق وليست تحت.

    والوجهان مشرقان وصحيحان، فأكثروا أبناء الإسلام! من تسبيح الله بـ: (سبحان الله وبحمده، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، سبحان الله، والحمد لله، لا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)، واملئوا أوقاتكم بالتسبيح، فإنه يصعد إلى الله عز وجل، وتثابون عليه.

    والعمل الصالح يرفعكم إلى دار السلام، ويرفع ذكركم وتسبيحكم أيضاً، فالذين يذكرون الله فقط ولا يصلون ولا يؤتون الزكاة ولا يعبدون الله لن ينفعهم ذلك الذكر، بل يكون محموداً فقط، ولكن لا يرفعه إلا العمل الصالح.

    معنى قوله تعالى: (والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد...)

    ثم قال تعالى: وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ [فاطر:10] أي: الشرك والكفر والذنوب والآثام والإجرام، هؤلاء لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ [فاطر:10]، وهذا وعيد من الله عز وجل بأن لهم عذاب شديد في جهنم في دار الشقاء، يوم يدخلون النار، وقد ينالهم والله! في الدنيا.

    أي: هم الذين يمكرون السيئات ويعطلون شرع الله ويفجرون ويبيحون ما حرم الله ويمتنعون مما شرع الله، والله! لهم عذاب شديد، وشاهدناه في الدنيا، فاللفظ صالح للدنيا والآخرة، فهو لفظ عام وغير خاص، فنبرأ إلى الله أن نمكر السيئات وأن نخبث فيها، وأن نوجدها ونعملها سراً وعلناً.

    ثم قال تعالى: وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ [فاطر:10] أي: يخيب ولا يستفيدون منه شيئاً، فمهما مكروا في الدنيا، والله! لن ينتفعوا بذلك، فمكرهم كله يضيع، ويبور ويفسد ويخيب.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ...)

    ثم قال تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ [فاطر:11] أي: الله جل جلاله وعظم سلطانه خلق أبانا آدم من تراب، وخلق حواء من ضلعه الأيسر الأعوج، فكنا نحن من ذلك، فأبونا آدم وأمنا حواء، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ [فاطر:11]، فكل السامعين والسامعات مخلوقون من نطفة، أي: قطرة مني تُصبُّ في رحم المرأة فتتكون رجلاً أو امرأة -آمنا بالله- ولا يقوى على هذا إلا الله عز وجل، فكيف يُكفر بالله، وكيف يُجحد وجود الله، فيا للعجب! يا للعجب! يا للعجب!

    قال تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [البقرة:28]، فلا أعجبَ ممن يكفر بالله! وما يكفر بالله اليوم إلا البلاشفة الحمر.. الشيوعيون وتلامذتهم العلمانيون -والعياذ بالله تعالى-، فلم يكن في البشرية من هو كافر بالله عندما كان القرآن ينزل، فقد كان العرب بجهلهم يعبدون الأصنام، ولكن يتوسلون بها إلى الله ويؤمنون بالله، فلم يوجد وقت في الأرض كفرت البشرية بوجود الله وقالت: لا إله ولا يوجد رب ولا خالق، وهذا كلام -والعياذ بالله- لا يُقال. فالله وحده هو الذي خلقك أنت وخلق أمك، فكيف إذاً: لا خالق؟!

    والشاهد عندنا: أن الشيوعية صنعها بنو عمنا اليهود؛ لأن المسيحية الصليبية تغمر أوروبا وأمريكا وتغطيها، فكيف سيعيش اليهود بين هؤلاء الصليبين الذين لا يطيق أحدهم أن يفتح عينيه في يهودي، الصليبي والمسيحي الحق لا يطيق أن ينظر إلى يهودي، فكيف ينظر إلى من صلّب إلهه ولا يقتله؟!

    فضاقت الأرض باليهود، فاحتالوا وإبليس معهم يقودهم ويزين لهم، فأوجدوا المذهب اللائكي اللاديني: (لا إله والحياة مادة)، فأخذ النصارى ينسلخون من الدين جماعات وأحزاب ومنظمات حتى بقيت الكنائس للحيوانات لا يدخلها ولا يراها أحد، لا في أوروبا بكاملها ولا في أمريكا، وما بقي إلا القسس والرهبان؛ لأجل أن يأكلوا بهذه السيادة وهذا اللقب فقط، ومن ثم عز اليهود في أمريكا وأوروبا، وملكوا الأموال، ووجهوا الناس كما شاءوا.

    فاعلموا هذه الحقيقة!

    وشاء الله أن تتلاشى البلشفية وتنتهي الشيوعية، فانهزمت بتدبير الله الرحمن الرحيم، وعندما هبطت الشيوعية وأصبحت بلا قيمة أوجد اليهود بإبليس -عليه لعائن الله- العلمانية، وهي: أن كل شيء بالعلم فقط، أي: صلِّ أو لا تصلي أهم شيء العلم.. زكي أو لا تزكي أهم شيء العلم، أي: العلم فقط وليس هناك شيء اسمه عبادة.

    وهذه والله! منقولة من لفظ (الشيوعية) إلى لفظ (العلمانية)، فقط يحتج عليك بالعلم، فلا تقل: مسجد ولا عبادة ولا..، فقط العلم هو الذي يسعد وهو الذي يرفع، وهو الذي يعز، واستجاب لهذا الغافلون والهابطون.

    معنى قوله تعالى: (ثم جعلكم أزواجاً وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه)

    قال تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا [فاطر:11] أي: ذكر وأنثى، وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى [فاطر:11] في بطنها، وَلا تَضَعُ [فاطر:11] ما في بطنها إِلَّا بِعِلْمِهِ [فاطر:11] تعالى.

    والله العظيم! لا يتخلق ولد في رحم امرأة إلا بعلم الله، ولا يخرج من رحمها إلا بعد علم الله؛ إذ كتب هذا في كتاب المقادير وقننه وضبطه، ولن يتم إلا ما كتبه الله. وهذا هو الله ربنا الذي إذا ذُكر ينبغي أن ترتعد فرائصنا، وتجل قلوبنا، ونتحاب من أجله، ونتعادى من أجله.

    معنى قوله تعالى: (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب...)

    قال تعالى: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ [فاطر:11]، أول ما خلق الله تعالى القلم، فقال للقلم: اكتب، قال: ماذا أكتب؟ قال: اكتب كل ما هو كائن إلى يوم الدين.

    إذاً فلا يوجد عمر مائة وعشرة، أو مائة وخمسين وهو غير مكتوب في كتاب المقادير، ولا يوجد عمر أربعة وعشرين ساعة ويموت وهو غير موجود في كتاب المقادير، فكل الأعمار موجودة في كتاب المقادير، ولهذا يطول عمرك وينقص، فإن طال كتب الله طوله، وإن قصر كتب الله قصره، فليس هناك فوضى أو تجديد كل يوم.

    إِلَّا فِي كِتَابٍ [فاطر:11] ألا وهو: اللوح المحفوظ، كتاب المقادير.

    معنى قوله تعالى: (إن ذلك على الله يسير)

    ثم قال تعالى: إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [فاطر:11] أي: سهل ميسر، فهو سبحانه الذي يقول للشيء: كن فيكون، قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] يا قلم! اكتب، قال: ماذا أكتب؟ قال: اكتب كل ما هو كائن، فوالله! لا يوجد واحد منا إلا وعمره مكتوب ومحدد، وليس العمر فقط، والله! إن جلستنا هذه لمكتوبة، ووالله! إن ما في بطوننا الآن لمكتوب، وما في جيوبنا مكتوب، ولا يقع في الكون إلا ما كتب الله عز وجل.

    فهذا هو الله وهو الذي نقول: لا إله إلا هو، لا رب غيره ولا إله سواه، وهذا الذي يجب أن نتعلق به، فلا نحب إلا ما يحب، ولا نكره إلا ما يكره، ولا نعمل إلا ما أمرنا بعمله، ولا نترك إلا ما أمرنا بتركه، ولا نذهب ولا نأتي، ولا ننام ولا نستيقظ إلا بإذنه، فهذا هو الله ربنا وولينا، ومن كان الله وليه فليهنأ لذلك وليسعد في الدنيا والآخرة.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    من هداية هذه الآيات: [ أولاً: التحذير من اتباع الهوى والاستجابة للشيطان؛ فإن ذلك يؤدي بالعبد إلى أن يصبح يرى الأعمال القبيحة حسنة، ويومها يحرم هداية الله، فلا يهتدي أبداً، وهذا ينتج عن الإدمان على المعاصي والذنوب ].

    من هداية الآية الأولى: أن على المؤمن والمؤمنة أن يحذر طوال حياته أن يزين له الشيطان المعصية فيأتيها، وأن يحسن له الإثم فيرتكبه، أو يدعوه إلى باطل أو شر فيستجيب له، فلنحذر هذا، فالذي يمشي وراء الشيطان ويستجيب له يقلب حياته رأساً على عقب، من الطهر إلى الخبث، من الإيمان إلى الكفر، من الصلاح إلى الفساد، أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر:8] كـأبي جهل وغيره، فالذين يعيشون على الخمر يرونها أنفع لهم، والذين يعيشون على الربا يرونه هو الطريق، والذين يعيشون على الخيانة والغش والخداع يقولون: هذا نظام الحياة؛ لأن الشيطان زين لهم ذلك، فنبرأ إلى الله أن نمشي وراء الشيطان، أو نستجيب له في كلمة أو إشارة يشير بها.

    [ثانياً: عملية إحياء الأرض بعد موتها دليل واضح على بعث الناس أحياء بعد موتهم].

    إحياء الأرض بعد موتها بالمطر والعيون، والماء النازل من السماء دليل قاطع على أنه لا بد من حياة أخرى، بعد فناء هذه وتبدد ما فيها يحي الأرض مرة ثانية، وقد بينت السنة -كما قدمنا- ما ينزل من تحت العرش من ماء كمني الرجال، فيدخل في الأرض فأصبحت رقعة واحدة لا جبل ولا تل ولا بحر؛ لأنها اهتزت بالنفخة الأولى ثم ننبت كما ينبت البقل والثوم والبصل والخردل، فإذا اكتملت الأجسام نفخ إسرافيل الأرواح، فإذا بكل روح تدخل في جسمها ولا تخطئ أبداً.

    وعندنا مثل عامي قديم: نقول العوام حتى تطمئن نفوسهم، عندنا راعي الماعز في القرية نخرج له الماعز في الصباح فيجمعها في مكان ما في القرية ويخرج، وبعد العصر عندما يعود قبل المغرب كل عنز تدخل إلى بيتها والله العظيم! فقط يطلقها عند باب القرية، وكل عنز تدخل إلى بيتها لا تخطئ، وهكذا أرواحنا عندما ينفخ إسرافيل كل روح تدخل ذلك الجسد الذي كان لها ولا تخطئ.

    [ثالثاً: مطلب العزة مطلب غال، وهو طاعة الله ورسوله، ولا يعز أحد عزاً حقيقياً بدون طاعة الله ورسوله].

    أيضاً من هداية الآيات: طلب العز لا يكون إلا من الله، ولا يتم لعبد إلا بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن طلب العزة بالكفر، أو في الفسق والفجور والله! ما عز أبداً، فطلب العز الحقيقي والسيادة الكاملة تكون بطاعة الله ورسوله، بامتثال هذه الأوامر، واجتناب هذه النواهي، وإقامة هذه الحدود، فتعز الأمة وتسود.

    [رابعاً: علم الله المتجلي في الخلق والتدبير يضاف إليه قدرته تعالى التي لا يعجزها شيء بهما يتم الخلق والبعث والجزاء.

    وأخيراً: تقرير البعث والجزاء، وتقرير كتاب المقادير، وهو اللوح المحفوظ].

    وهكذا الركن السادس من أركان الإيمان، وهو الإيمان بالقضاء والقدر، وهو أن الله ما أوجد شيء إلا وقد قضى وحكم به وقدّره، قدّر وقته، زمانه، كميته، كيفيته، صفاته، فوالله! لا يوجد كائن إلا وقد سبق في كتاب الله بوصفه وكميته ووقته.

    ولهذا انتظمت الحياة، فكيف تنتظم آلاف السنين، بل عشرات الآلاف وهي كما هي هكذا! ولو لا أن هذا النظام تام لما استمرت عليه الحياة، ولو كان غير هذا النظام لكان عام واحد وتموت البشرية كلها، أو عام واحد ويصبحون كلهم إناث ليس فيهم ذكر.. وهكذا، لكنه تدبير العليم الحكيم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755998128