إسلام ويب

تفسير سورة النور (16)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن العلاقات الأسرية والمجتمعية مما جاء الإسلام بمراعاته وتوثيقه، وقد كان الناس أول الإسلام يتحرج الأصحاء منهم أن يأكلوا مع المرضى والزمنى خشية أن يأكلوا ما ليس لهم بحق، ومن جانبهم كان المرضى والزمنى يتحرجون من الأكل مع الأصحاء خشية أن يقذروهم، فجاء الإسلام ليرفع الحرج عن هؤلاء وهؤلاء، بل وشرع لهم أن يأكلوا من بيوت سائر قرابتهم من الإخوان والأعمام والأخوال والأصدقاء طالما أنهم راغبون في ذلك.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ليس على الأعمى حرج ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [النور:61].

    إباحة الأكل مع ذوي العاهات

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قال ربنا جل جلاله وعظم سلطانه: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ [النور:61]. والحرج هذا هو الإثم، أي: لا إثم عليه. فقد رفع الإثم عن هؤلاء إذا هم قعدوا عن الجهاد، وليس في ذلك شك. ورفع الحرج عنهم لأنهم كانوا يستحون ويخجلون أن يأكلوا مع الأصحاء، ويقول أحدهم: أنا أعمى، فلن آكل مع ذي البصر، أو أنا أعرج، ما عندي كذا، فلن آكل مع الصحيح، وقع هذا في نفوس بعضهم، فأزال الله هذا الحرج.

    وأيضاً كان بعض الأصحاء يشمئزون أن يأكلوا مع هؤلاء، ويقول أحدهم: هذا أعمى، فلن آكل معه، أو يقول: أخشى أن آكل أكثر مما يأكل، فآكل نصيبه. فحصل التحرج منهم ومن غيرهم من المؤمنين، فأزال الله هذا الحرج، والحمد لله رب العالمين.

    إباحة الأكل من بيوت الأقارب والأصدقاء

    قال عز من قائل: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ [النور:61]. وذكر الآباء ويدخل فيه الأمهات.

    وقال أولاً: أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ [النور:61] التي تملكونها، وفيها نساؤكم وأولادكم، أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ [النور:61]، أي: أن تأكل في بيت أبيك ولا حرج، أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ [النور:61]، أي: أن تأكل في بيت أمك، أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ [النور:61]، أي: الرجال والذكور، أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ [النور:61]، أي: الإناث، أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ [النور:61]، وهم إخوان آبائكم، أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ [النور:61]، أي: أخت أبيك، أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ [النور:61]، وهو أخو أمك، أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ [النور:61]، وهي أخت أمك، أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ [النور:61] بالوكالة، فإذا وكلك فلان على بستانه فيجوز أن تأكل منه الثمرة أو الفاكهة وغيرها، فقد أسند إليك ذلك. أَوْ صَدِيقِكُمْ [النور:61] أيضاً، فإذا كان لك صديق فلا بأس أن تأكل من طعامه وبدون استئذان.

    هذا أيضاً كان يتحرج منه في بعض القبائل العربية، فلما حصل هذا الحرج والضيق في نفوسهم أزاله الله وأبطله نهائياً، ولم يذكر بيوت الأبناء؛ لأنك أنت ومالك لأبيك، فالأبناء داخلون مع الآباء.

    إذاً: فقال تعالى في هذه الآية الكريمة: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ [النور:61]، أي: ضيق أو إثم أو مؤاخذة، وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ [النور:61]، وكذلك المريض الذي قد يكون فيه بعض الأمراض المعدية، أو غيرك ذلك من الأمراض الخطيرة. وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ [النور:61]، أي: وليس عليكم حرج على أنفسكم في أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ [النور:61] وأصبحتم نائبين عن أهله بالوكالة، أَوْ صَدِيقِكُمْ [النور:61]. وقد ذكر الصديق مع الأقارب، وقالوا: هو أقوى من الأقارب، فالصديق الذي صدقك المودة وصدقته مودته هذا كأبيك وأخيك.

    إباحة الاجتماع والتفرق في الأكل

    قال: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا [النور:61]. فرفع الحرج وأذن لك أن تأكل من هذه البيوت كلها مع عمتك .. مع خالتك .. مع خالك .. مع عمك .. مع عمتك، ولا حرج، ولو ما دعيت، ولو وجدتهم يأكلون فاجلس وكل، وكذلك مع صديقك. وصديقك هو: الذي صدقته المودة والمحبة وصدقك، فلو وجدته في بيته يتغدى أو يتعشى فكل، ولا حرج أبداً.

    وقد كان بعض العرب يقول: أنا لا آكل وحدي أبداً، ويحلف بالله ألا يأكل إلا مع غيره طول حياته، وتوارث هذا بعض الناس أو الأفراد، فكان ما يستطيب الطعام إذا أكله وحده، بل لابد أن يكون معه غيره، وسواء كان هذا من الكرم أو من غيره، فقد حصل هذا بالفعل، فأزال الله هذا الحرج، فقال: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا [النور:61] على قصعة واحدة، أَوْ أَشْتَاتًا [النور:61] متفرقين، كل واحد في يده طعامه، فلا إثم ولا حرج. فـ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ [النور:61]، أي: إثم أو مضايقة أو حرج أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا [النور:61] على قصعة واحدة أو صحفة واحدة، أو كل يأكل في قصعة وفي صحفة، فلا إثم في هذا ولا حرج.

    وعسى أن يكون المستمعون والمستمعات قد فهموا هذا الحكم، وهو: أولاً: أنه يجوز أن نأكل مع الأعمى والأعرج والمريض، ويجوز للمرضى والعرجان أن يأكلوا مع الأصحاء، ولا إثم ولا حرج ولا مضايقة، كما يجوز لنا أن نأكل من بيوتنا، وبيوت آبائنا وبيوت أمهاتنا، وبيوت إخواننا وبيوت أخواتنا، وبيوت أعمامنا وبيوت عماتنا، وبيوت أخوالنا وبيوت خالتنا، أو ما ملكنا مفتاحه بأيدينا بالوكالة والنيابة، أو بيوت أصدقائنا، ولا حرج، ولا تستأذن، على شرط أن تجد الطعام بين أيديهم، فاجلس وكل، ولكن إذا كان الطعام مخبوءاً أو مستوراً فلا تكشفه أنت وتأكل كالسرقة، بل هذا كله إذا الطعام بين أيديهم.

    ثانياً: إن شئتم أكلتم على قصعة واحدة وإن كنتم عشرة أنفار بحسب القوة، وإن شئتم أكل كل واحد وحده، حتى يأكل الأب وحده، والابن وحده، ولا حرج.

    هذه رحمة من الله، وشفقة من الله بالمؤمنين.

    من آداب دخول المنزل

    قال تعالى: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا [النور:61]. وهذا حكم آخر، وأدب سامٍ عالٍ. فإذا دخلت بيتاً من بيوت المؤمنين والمؤمنات فيجب أن تسلم؛ لقوله تعالى: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ [النور:61]، أي: على بعضكم البعض، فمن دخل بيت أخيه .. عمه .. صديقه لا بيت يهودي أو نصراني، فإذا دخل بيت مؤمن فينبغي أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، ويرد عليه: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته؛ لقوله تعالى: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النور:61]، إذ هو الذي أمر بهذه التحية، فهي من عنده. مُبَارَكَةً [النور:61]، أي: يباركها الله، ويجعل فيها الخير. طَيِّبَةً [النور:61]. ونعم هي طيبة. وهذا من فضل الله علينا ونعمته.

    بقيت مسألة، وهي: إذا دخلت بيتك أنت لا بيت غيرك. فكلمة فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ [النور:61] إذ نحن كلنا نفس واحدة، مؤمن مع مؤمن، ولكن إذا دخلت بيتك وليس فيه أحد فقد ورد أن تقول: ( اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج ). وفي رواية لـمسلم : ( إني أسألك خير الموالج وخير المخارج ). والمولج: الدخول، وخير المخرج: الخروج، أي: أسألك الخير وأنا داخل، وأسألك الخير وأنا خارج. فيا رب! أسألك خير المولج والمخرج، ثم تضيف إلى هذه: ( باسم الله ولجنا، وباسم الله خرجنا، وعلى ربنا توكلنا ). ثم تسلم. وإذا لم يكن فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. فإذا لم يكن بالبيت أحد أو دخلت مسجداً فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

    فهيا بنا نتعاون على هذا، ونسأل الله أن يرزقنا هذا العلم والفهم. فإذا أردت أن تدخل بيتك وليس فيه أحد فقل: اللهم -أي: يا ألله!- إني أسألك خير المولج وخير المخرج، أي: خير خروجي وخير دخولي. والله يعطي من سأله. والمولج: الولوج للدخول، كما قال تعالى: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ [الحج:61] أي: يدخل الليل في النهار. والمخرج: الخروج. فقل: اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج. هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمولج: الدخول، فولج يعني: دخل، والمخرج: الخروج. ثم تضيف بعد ذلك إليها: ( باسم الله ولجنا، وباسم الله خرجنا، وعلى ربنا توكلنا ). السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

    وإذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وكذلك إذا دخلت مسجداً ليس فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وهذه الآداب سامية رفيعة. وإن شاء الله نحفظ هذا.

    ويجب السلام على كل من دخل بيتاً فيها أناس، ولكن إذا دخل بيته وليس فيها أحد ولا حتى فيها أهله فيلجأ إلى الله عز وجل ويدخل إلى داره ويقول: ( اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج )؛ ليعطيه الله خير دخوله وخروجه. ثم يقول: ( باسم الله ولجنا، وباسم الله خرجنا، وعلى ربنا توكلنا ). ثم يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

    فإذا دخلت بيت مسلم فقل: السلام عليكم ورحمة الله. وإذا دخلت بيتك فقل: ( اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج ). ( باسمك اللهم ولجنا، وباسمك خرجنا، وعلى ربنا توكلنا ). السلام عليكم أهل البيت إذا كان فيه أمك أو زوجك أو غيرهما، وإن لم يكن في البيت أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، كالذي يدخل مسجداً ليس فيه أحد، يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ إذ ليس فيه مصلين حتى يقول: السلام عليكم.

    فتأملوا هذه الآية الكريمة حيث يقول تعالى: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ [النور:61]، وهو لا يعني على نفسك أنت، بل على إخوانك ومن في المنزل؛ إذ كلكم نفس واحدة، فليسلم بعضكم على بعض. فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النور:61]، أمر بها وشرعها. مُبَارَكَةً [النور:61] فيها خير وبركة. طَيِّبَةً [النور:61] طاهرة.

    ثم قال تعالى: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ [النور:61]، أي: كهذا البيان يبين، فهو ما زال يبين في كتابه الآداب والأخلاق، والأحكام الشرعية والسياسية، وقل ما شئت، فما فرط الله في الكتاب من شيء، وهذا من أجل لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [النور:61]. وتصبحوا عقلاء رشداء بهذه الآداب، وهذه الأخلاق، وهذه الأحكام الشرعية. فتصبحون عقلاء، بخلاف الحمقى والمجانين.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات

    قال: [ معنى الآيات:

    مازال السياق ] الكريم [ في هداية المؤمنين، وبيان ما يكملهم ويسعدهم، ففي هذه الآية الكريمة رفع تعالى عنهم حرجاً عظيماً كانوا قد شعروا به، فآلمهم، وهو أنهم قد رأوا أن الأكل مع ذوي العاهات -وهم العميان والعرجان والمرضى وأهل الزمانة- قد يترتب عليه أن يأكلوا ما لا يحل لهم أكله؛ لأن أصحاب هذه العاهات لا يأكلون كما يأكل الأصحاء كماً وكيفاً، والله يقول: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188] ] وهذا الذي جعلهم يتخوفون [ كما أن أصحاب العاهات قد تحرجوا أيضاً من مؤاكلة الأصحاء معهم؛ خوفاً أن يكونوا يتقذرونهم، فآلمهم ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فرفع الحرج عن الجميع، الأصحاء وأصحاب العاهات ] على حد سواء [ فقال تعالى: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ [النور:61] بوكالة وغيرها. أَوْ صَدِيقِكُمْ [النور:61]. وهو من صدقكم المودة وصدقتموه فيها، مادام الرضا حاصلاً وإن لم يحضروا، ولا استئذان إن حضروا ] فتأكل في بيوت هؤلاء ولو ما حضروا، وإن حضروا فلا تستأذن وتقول: اسمحوا لي أن آكل معكم.

    قال: [ ورفع تعالى عنهم حرجاً آخر، وهو أن منهم من كان يتحرج في الأكل وحده ] ويتضايق [ ويرى أنه لا يأكل إلا مع غيره، وقد يوجد من يتحرج أيضاً في الأكل الجماعي؛ خشية أن يؤذي الآكل معه، فرفع تعالى ذلك كله بقوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا [النور:61]، أي: مجتمعين على قصعة واحدة. أَوْ أَشْتَاتًا [النور:61]، أي: متفرقين، كل يأكل وحده متى بدا له ذلك. وهذا كله ناجم عن تقواهم لله تعالى، وخوفهم من معاصيه، إذ قد حرم عليهم أكل أموالهم بينهم بالباطل في قوله ] تعالى: [ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188].

    وقوله تعالى: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ [النور:61]، فأرشدهم إلى ما يجلب محبتهم، وصفاء نفوسهم، ويدخل السرور عليهم، وهو أن من دخل بيتاً من البيوت - بيته كان أو بيت غيره- عليه أن يسلم علينا ] أي: على أهل البيت قائلاً: السلام عليكم، وإن كان البيت ليس به أحد أو كان مسجداً فيقول: السلام علينا [ وعلى عباد الله الصالحين.

    وقوله: تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النور:61]، إذ هو تعالى الذي أمر بها وأرشد إليها.

    وقوله: مُبَارَكَةً [النور:61]، أي: ذات بركة تعود على الجميع، وكونها طَيِّبَةً [النور:61] أن نفوس المسلَّم عليهم تطيب بها ] فهي طيبة إذاً والله.

    [ وقوله تعالى: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [النور:61]، أي: كذلك البيان الذي بين لكم من الأحكام والآداب يبين الله لكم الآيات الحاملة للشرائع والأحكام؛ رجاء أن تفهموا عن الله تعالى شرائعه وأحكامه، فتعملوا بها، فتكملوا وتسعدوا عليها ].

    وإن شاء الله الليلة لما تعودون إلى بيوتكم تطبقون هذا، فهو والله خير من ألف دينار. فإذا رجعتم إلى بيوتكم فقولوا: ( اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج ). ( باسمك اللهم ولجنا، وباسمك خرجنا، وعلى ربنا توكلنا ). السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين إذا لم يكن في البيت أزواج ولا أولاد ولا أحد، وإذا كان في البيت أحد فقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإذا دخلت مسجداً وليس فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات ] الآن مع هداية الآيات.

    [ من هداية ] هذه [ الآيات:

    أولاً: الإذن العام في الأكل مع ذوي العاهات بلا تحرج من الفريقين ] لا من أصحاب العاهات، فينبغي أن لا يتألموا، ولا من الأصحاء، فينبغي أن يأكلوا مع إخوانهم ولا يتألموا، فرفع الله الحرج عن الجميع، وقال: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا [النور:61].

    قال الشيخ في النهر غفر الله لنا وله، ولوالدينا أجمعين، وجمعنا جميعاً في دار كرامته وفي مستقر رحمته، قال: [ روي عن ابن عباس أنه قال: الصديق أوكد من القرابة، أي: أقوى صلة وقال: ألا ترى استغاثة الجهنميين: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء:100-101] ] فـابن عباس حبر الأمة ورضي الله عنه يقول: الصديق أوفى من القريب، وأوكد من القريب، واستشهد بآية عجيبة، وهي أن أصحاب النار يقولون: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء:100-101]. وما قالوا: ولا أب ولا أخ، ولا عم ولا خال. هذا استنباط من الآية. ولهذا الصديق الصادق في المودة يكون أنفع لك من أبيك وأخيك وابنك أيضاً، وآكد في المحبة، وحسبنا أن الله أذن لنا أن نأكل في بيوتهم كما نأكل في بيوتنا وبيوت آبائنا، فقال: أو صديقكم [النور:61]. والحبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: الصديق أوكد من القرابة، أو أقوى صلة، واستشهد بقول الله تعالى عن أصحاب النار لما دخولها وصاحوا: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ [الشعراء:100]، أي: يشفعون لنا. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء:101] ينقذنا.

    وقال في النهر في هذا الحكم: [ قال ابن العربي رحمه الله تعالى قولاً حسناً في هذا الحكم، قال: أباح لنا الأكل من جهة النسب من غير استئذان إذا كان الطعام مبذولاً، فإذا كان محرزاً دونهم لم يكن لهم أخذه ] وهذا كما بينت لكم، فالطعام الذي أذن الله به هو إذا وجدته أمامك موجوداً، وأما مخزوناً أو مغلقاً عليه فلا يجوز حتى من بيت أبيك [ ولا يجوز أن يجاوزوا إلى الادخار ] فإذا دخلت وأكلت معهم فلا تأخذ قرصاً في جيبك أو حبات عنب، بل هذا يحتاج إلى إذن، والأكل ما فيه إذن، وأما تأخذ شيئاً فلا ينبغي إلا بإذن، فإذا أذنوا فنعم.

    قال: [ ولا إلى ما ليس بمأكول ] فالذي ما يؤكل لا تأخذه، سواء كان لباساً أو أواني أو أشياء أخرى. فالإذن لنا في المأكول، في التمر والعنب، والخبز واللحم والطعام، هذا هو المأذون فيه، وأما ما لا يؤكل فلا تأخذه من بيت أخيك مثل متاعه، وتقول: أخي.

    [ ثانياً: الإذن في الأكل من بيوت من ذكر في الآية من الأقارب والأصدقاء ] من الأب إلى الصديق.

    [ ثالثاً: جواز الأكل الجماعي والانفرادي بلا تحرج ] فيجوز الأكل منفردين، هذا في هذه الصحفة وهذا صحفة وهذا صحفة، ولا حرج، لهذه الآية الكريمة. فقد أجاز الله هذا. وأما الاجتماع فقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن الاجتماع يبارك في الطعام، وينفعهم أكثر. وبين لنا الرسول أننا إذا اجتمعنا يكون في ذلك بركة زائدة. ولكن الآية منعت ذاك الحرج الذي كانوا يتضايقون منه ورفعته.

    وقال في النهر: [ لا ينبغي أن يُفهم من كلمة مجتمعين أنهم رجال أجانب مع نساء أجنبيات. بل هم محارم لبعضهم بعضاً ] وهذه لطيفة، وهي: أنه لا ينبغي أن تفهم من قول الله تعالى: مجتمعين أنهم رجال ونساء، بل هم أهل البيت مجتمعين. وأما اختلاط الرجال بالنساء الأجانب فوالله ما يجوز أبداً، ولا يحل بحال؛ لأن الله فرض الحجاب على المؤمنين.

    وقال: [ هذا يشمل النهد ووليمة العرس وغيرها، والنهد: هو أن يكون القوم في سفر، فيجمعون الطعام من بعضهم بعضاً، ويخلطونه ويأكلونه مجتمعين، فهو جائز مباح ] فهذا يشمل شيئين: طعام الأعراس يأكلونه، وطعام المسافرين الذي يجمعونه؛ ليبارك الله لهم فيه، وينفعهم أكثر مما لو أن كل واحد يأكل على حدة. والرسول صلى الله عليه وسلم دعا إلى هذا.

    [ رابعاً ] وأخيراً: [ مشروعية التحية عند الدخول على البيوت، وأن فيها خيراً وفضلاً ] والتحية هي قول: السلام عليكم عند الدخول إلى البيوت، ففيها خير وفضل كبير.

    وصلى الله على نبينا محمد، وآله وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756402971