إسلام ويب

تفسير سورة الأعراف (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أنزل الله عز وجل على خاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم ليكون بشيرًا ونذيرًا، بشيرًا لمن آمن وأطاع، ونذيرًا لمن تكبر وعصى، وأمره بحمل أمانة هذه الدعوة وتبعاتها، والصبر على ما يناله في سبيلها من الضيق والحرج والأذى، وجعل ذلك الأمر فيمن يرث أمر الدعوة من أفراد أمته.

    1.   

    بين يدي سورة الأعراف

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأحد من يوم السبت ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلما: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    معاشر المستمعين والمستمعات! نحن اليوم مع فاتحة سورة الأعراف المكية، فهيا نصغي ونستمع إلى تلاوة هذه الآيات الأربع، ثم نأخذ في دراستها إن شاء ربنا تعالى.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: المص * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ * فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [الأعراف:1-5].

    مكان نزولها وعدد آياتها

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه السورة المباركة الميمونة مكية، ومرحباً بالمكيات والمدنيات.

    ولنرجع بأذهاننا إلى أن المكيات يعالجن العقيدة وقواعدها الأربع: التوحيد .. إثبات النبوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. تقرير البعث والجزاء في الدار الآخرة .. التشريع ببيان ما يحب الله وما يكره الله عز وجل.

    وهذه السورة عدد آياتها مائتان وخمس آيات.

    الآية هي العلامة على وجود الله

    هل تدرون ما الآية أو نسيتم؟ إنها العلامة، فكل آية هي علامة على وجود الله رباً وإلهاً لا رب غيره ولا إله سواه، وهي علامة عظيمة على أن محمد بن عبد الله الأمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل آية تدل دلالة قطعية على لا إله إلا الله، محمد رسول الله، واحلف بالله ولا تحنث.

    ومن الدلالة الواضحة هذه الآية التي تحمل الهدى والنور وتبين الحق والخير، فهذه الآية من الذي نطق بها؟ ومن الذي تكلم بها؟ ومن الذي جاء بها؟ أليست هي كلام الله؟ فالله موجود، وهل يوجد كلام بدون متكلم؟ مستحيل، فهي كلام الله، والذي نزلت عليه وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، وعاش أربعين سنة لا يعرف شيئاً، ثم تنزل عليه الآية، ولا يكون رسول الله، مستحيل أن يكون غير رسول الله، دلالة عقلية.

    البسملة ليست آية من سور القرآن

    هذه الآيات مفتتحة بقول الله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ ، والعلم الذي علمناه جميعاً أن افتتاح السور ببسم الله الرحمن الرحيم سنة القرآن، فليست بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ بآية من السورة إلا من سورة النمل، ففيها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30]، وهي والله آية معدودة من آيات سورة النمل، وما عدا ذلك فهي من باب افتتاح السورة لتلاوتها ببسم الله الرحمن الرحيم.

    اختلاف العلماء في اعتبار البسملة آية من سورة الفاتحة والمخرج من ذلك

    اختلف الأئمة في بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ من سورة الفاتحة، فقد ذهب الإمام الشافعي رحمه الله إلى أنها آية من سورة الفاتحة، وعليه فمن لم يقرأ بها فصلاته باطلة.

    والجمهور كـمالك وأحمد وأبي حنيفة ومن إليهم يقولون: ليست بآية، وآيات الفاتحة سبع آيات، فقالوا: هذه الآيات السبع: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] الآية الأولى، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] الآية الثانية، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] الآية الثالثة، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] الآية الرابعة، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] الآية الخامسة، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] السادسة، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] الآية السابعة.

    فالإمام الشافعي يجعل صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، هي الآية السابعة، فقد جمع الآيتين وقال: هما آية واحدة، و بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1] هي الآية الأولى.

    فلو كان الرسول صلى الله عليه وسلم موجوداً بينهم لتحاكموا إليه وفصل بينهم، لكن هذا تم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاة أصحابه.

    والمخرج من ذلك هو ألا تقول: أنا شافعي، ولا تقول: أنا مالكي، قل: أنا مسلم، فمن باب الاحتياط - ما دام قال إمام أنها آية - ألا أترك قراءتها، فكلما قرأت: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، أفتتحها بـ بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1]؛ لأنها مكتوبة معها في المصحف، ومع كل السور إلا سورة التوبة، فـ بَرَاءَةٌ لا يوجد فيها بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1]؛ لأنها إعلان حرب.

    إذاً: السنة بينت أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر ما كانوا يفتتحون بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ في الفاتحة، فقد قال أنس بن مالك : صليت وراء رسول الله، ووراء أبي بكر وعمر فكانوا يفتتحون الصلاة بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2].

    إذاً: فقد وفق الله أولي النهى والبصائر إلى أن قالوا: إذاً كانوا يسرون بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1]، ولا يجهرون بها؛ ليعلموا أنها ليست آية من الفاتحة، ولكنهم يبسملون سراً، فيفتتح صلاته ويقول: الله أكبر ويبسمل سراً، ثم يقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2].

    وهكذا تسمعون أئمتكم العالمين في المسجد يبسملون سراً، ثم يجهرون بالقراءة، وهذا الذي عليه أكثر أهل العلم والبصائر والنهى، جمعاً بين الروايات، وأخذاً بالأحوط لدينهم.

    فهل في هذا عسر أو مشقة؟ لا يوجد.

    تبسمل في نفسك، ثم تجهر بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:2-3]، هذا في الصلاة الجهرية كالمغرب والعشاء والصبح، أما السرية فلا خلاف، أليس الأحوط أنك تقول: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1]؟ أليست مكتوبة؟ أما بلغك أن هناك من يقول: أنها آية.

    وسبب الخلاف في كونها آية أو غير آية أن سورة الفاتحة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين، مرة في مكة ومرة في المدينة، فنزلت مرة مع بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1]، ومرة بدونها، ومن ثم اجتمعت القلوب.

    فخلاصة هذه القضية: أن لا تقول: أنا شافعي ولهذا أبسمل، ولا تقول: أنا مالكي ولهذا لا أبسمل، فإياك أن تقف هذا الموقف، قل: أنا مسلم أطيع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلهذا اختلف العلماء، فأنا أبسمل احتياطاً لديني، ولعلمي أن الله افتتح سور كتابه كلها بـ بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1]، إلا سورة واحدة وهي سورة التوبة مفتتحة: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:1]، إعلان حرب، لا يوجد فيها بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ .

    ونحن إخوة على مائدة الكتاب والسنة، فلا نفرة ولا نزاع ولا صراع، فقط كلمة أنا حنفي .. مالكي .. حنبلي .. إباضي .. زيدي ما عندنا هذه، وليست من الإسلام، أنا مسلم: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].

    إذا صليت إماماً بالناس فبسمل سراً واجهر بالفاتحة بدون أن تجهر بالبسملة، وإن صليت وراء من يتعصب لمذهب وجهر لا تلمه وهذا شأنه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (المص)

    أسرار الحروف المقطعة في القرآن

    والآن مع: المص [الأعراف:1]، فهذه تسمى بالحروف المقطعة، وافتتح الله بها كثيراً من السور قرابة السبع والعشرين سورة:

    أولها: سورة البقرة: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ [البقرة:1-2].

    ثانيها: آل عمران: الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:1-2].

    ثالثها: الأعراف: المص [الأعراف:1].

    وآخرها: ن وَالْقَلَمِ [القلم:1]، وهي من قصار المفصل.

    آل حم: حم * عسق [الشورى:1-2].

    سورة مريم: كهيعص [مريم:1].

    ما السر في هذه الحروف؟ الكلام فيها لو جمع لملأ كتبًا وليس كتابًا، ونحن بحمد الله عز وجل وفضله علينا هدانا إلى ما هو خير ورضا عنده عز وجل، فنقول: إما أن نقول: هذه الحروف المقطعة سر من أسرار الله في كتابه، إذ لله في كل كتاب أنزله سر من أسراره، فهذه من أسرار الله عز وجل، ولا نقول: معناها كذا، ولا كيف كذا، هي سر من أسرار الله في كتابه.

    وفي هذا يقول تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ [آل عمران:7]، أما الراسخون في العلم فيقولون: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ [آل عمران:7].

    إذاً: هذه الحروف المقطعة منها الثنائية والثلاثية والرباعية، ومنها الأحادية: ن وَالْقَلَمِ [القلم:1]، حرف واحد، ص [ص:1] حرف واحد، حم ، حرفان، طسم ، ثلاثة حروف.

    المص [الأعراف:1] أربعة حروف، كهيعص [مريم:1]، خمسة حروف، فهذه الحروف نقول: الله أعلم بمراده منها، ونحن لا علم لنا، هل هناك من يلومنا أو يقول: أنتم جهلة؟ لا والله أبداً، فالله أعلم بمراده من هذه الحروف، قولوا هذه الكلمة: الله أعلم بمراده منها!

    من فوائد وثمار الحروف المقطعة في القرآن الكريم

    بعد هذا لنا خطوتان سليمتان:

    الأولى: أن نقول: إن من فوائد وثمار ونتائج هذه الحروف المقطعة:

    أولاً: لما كان العرب في مكة أهل جاهلية وشرك وعناد وإصرار على كفرهم وشركهم، وكانوا يكذبون بأن يكون هذا القرآن كلام الله عز وجل، فأفادت هذه الحروف التحدي لهم، فإن كنتم تدعون أن هذا القرآن ليس كلام الله ولم ينزله على رسوله، وإنما قاله سحر أو شعر أو كذا، فهذا الكلام مؤلف من هذه الحروف المقطعة، ألف، لام، ميم، صاد، حاء، عين، فألفوا أنتم نظيره، أو قولوا: آمنا بالله واسكتوا!

    فالقرآن مؤلف من هذه الحروف التي تنطقون بها طول حياتكم: العين .. النون .. الصاد .. الكاف .. اللام، ألفوا أنتم نظيرها، فإن عجزتم فقولوا: آمنا بالله وبرسوله، وهذا كلام الله وكتابه، وهذا فيه معنى التعجيز والتحدي لهم، ما دمتم تكذبون أن يكون القرآن كلام الله ووحيه قد ألفه من هذه الحروف فقط ليس هناك حروف أخرى لا تعرفونها، فألفوا أنتم نظيره، فإن عجزتم، فقولوا: آمنا بالله!

    فهذه فائدة أو ثمرة من ثمار هذه الحروف، ولا شك فيها.

    الثمرة الثانية: أنهم كانوا لا يسمحون لأولادهم أو نسائهم أو عبيدهم أن يصغوا ويستمعوا إلى قراءة القرآن، بل كانوا يغلقون آذانهم بأصابعهم، ومن وجدوه يسمع قراءة القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من أبي بكر الصديق أو من بلال أو من غيره من تلك الزمرة المؤمنة يؤدبونه.

    فلما حاولوا منع الناس من سماعه جاءت هذه الحروف التي ما ألفوا هذا الصوت ولا هذا النغم قط، فإذا سمعوا القارئ يقرأ: المص [الأعراف:1]، يضطر أحدهم إلى أن يسمع، ويقول: ما هذا الصوت؟ فإذا أصغى يسمع: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ [القصص:2]، ذَلِكَ الْكِتَابُ [البقرة:2]، فأفادت هذه الحروف أنها فتحت أذهاناً كانت لا تسمع، وآذاناً كانت مغلقة، فهذه الثمرة والأولى تحققتا.

    إذاً: فخلاصة القول: أننا نقول: الله أعلم بمراده من هذه الحروف، فهي سر من أسراره في كتابه، آمنا بالله وبما أنزل.

    ومن ثمارها أيضًا: أنهم عندما كانوا يقولوا: هذا سحر، وهذا شعر، وليس بكلام الله جاءت هذه الحروف تتحداهم وتقول: تفضلوا ألفوا أنتم منها كلاماً كما هو القرآن، فعجزوا، فدل على أنه كلام الله.

    ومن الثمار أيضًا أنهم لما كانوا يحاولون أن لا يسمعوا ولا يسمحوا لأحد أن يسمع، اضطروا إذا سمعوا هذا النغم وهذا الصوت إلى أن يسمعوا، فإذا ألقوا بآذانهم يسمعون بعد ذلك مباشرة القرآن: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص:1]، حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ [الزخرف:1-2]، هذا ما ينبغي أن نلم به ونعرفه يا أهل القرآن، وسواء كنا عوام أو كنا طلبة علم هذا شأن المؤمنين.

    قال تعالى: المص [الأعراف:1]، هل هذا مبتدأ، والخبر كِتَابٌ [الأعراف:2]، و أُنزِلَ إِلَيْكَ [الأعراف:2]، حال؟

    أو نقول: المص [الأعراف:1]، الله أعلم بمراده فيه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه ...)

    معنى قوله تعالى: (كتاب) وسبب تنكيره في الآية

    كِتَابٌ [الأعراف:2]، أي: القرآن الكريم، ونكر للتفخيم والتعظيم، كتاب عظيم جليل، إي والله لا أجل منه ولا أعظم من كتب الخلق، بل أعظم كتاب من كتب الله عز وجل هو القرآن الكريم.

    والكتاب بمعنى: المكتوب الذي يكتب، والناس بالفطرة يعرفون الكتاب ما كتب فيه، وما بين من أخبار أو أحكام أو شرائع، والمراد به القرآن العظيم.

    دلالة قوله تعالى: (أنزل إليك)

    وقوله: أُنزِلَ إِلَيْكَ [الأعراف:2]، المقام تطلب الإيجاز؛ لأنه لما قال: المص [الأعراف:1]، جعلهم يضطرون إلى أن يعلموا أن هذا ليس بكلام محمد ولا من عنده، بل هذا منزل من قبل الله عز وجل، أُنزِلَ إِلَيْكَ [الأعراف:2]، والكاف في إليك المراد به رسول الله، هل يشك عاقل في هذا؟ من أنزله سوى الله تعالى؟ الله منزله، وأنزل إليك يا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم!

    معنى قوله تعالى: (فلا يكن في صدرك حرج منه)

    قال: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:2]، ما هو الحرج؟ الحرج هو الضيق والتألم، والرسول بشر وكان سيد البشر، لكن كونه يحمل الهداية إلى الخلق وهم ضلال يدعوهم إلى أن يؤمنوا بأن لا إله إلا الله، وفي كل بيت إله يعبد، فأجيال وقرون والعرب يشركون بالله ويعبدون الأصنام والأوثان، فيواجههم بأنكم كلكم على باطل، وكلكم ضلال ومشركون وكفار.

    فمن يطيق هذا؟ جرب فقط وسط بيتك وانه عن شيء اعتادوه وانظر كيف تواجه، وانظر هل تجد حرجًا في نفسك وضيقًا وألمًا أو لا تجد.

    فالله عز وجل يقول لرسوله: لا ينبغي أن يكون في صدرك حرج، وسع صدرك ورحّبه واشرحه، وقد شرح الله صدره وامتن عليه بذلك في قوله: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1]، بلى شرحه، ولولا أن الله شرح صدره لما أطاق، فأصبح يأتي إلى أسواق العرب وقد تجمعوا من كل جهة ويدعوهم إلى لا إله إلا الله وأنه رسول الله إليهم.

    ولا تسأل: ماذا يقولون؟ وكيف يضحكون ويسخرون؟ فلو أصيب بهذا واحد منا لترك الإسلام.

    إذاً: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ [الأعراف:2]، أي: من هذا الكتاب الذي أنزل إليك ألا وهو القرآن.

    معنى قوله تعالى: (لتنذر به)

    لِتُنذِرَ بِهِ [الأعراف:2]، الإنذار والنذارة: وهو إعلام الأمة أو الفرد أو الجماعة بخطر أوشك على أن يداهمها، فالمشركون أمامهم خطر عظيم وهو خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وشقاوة الدنيا وفسادها وخرابها وعذاب الآخرة.

    لِتُنذِرَ بِهِ [الأعراف:2]، أي: بهذا الكتاب .. بهذا القرآن، تنذر أهل الشرك والكفر والذنوب والمعاصي، فالآن ننذر المستمرين على الذنوب والمعاصي، ونخوفهم بعاقبة ذنوبهم، وبما يترتب عليها؛ لأن للذنوب أثرها قطعاً بدون شك في الدنيا والآخرة، فالذين ينغمسون في الشهوات -أي: في الموبقات والزنا والربا والكذب والخيانة- أمامهم بلاء وشقاء في الدنيا قد يصيبهم، وإن أمهلهم الله وأجل عذابهم، لكن سينزل بهم والله ما يخطئهم، إلا أن ينقذهم الله بتوبة نصوح يتوبون إلى الله ويرجعون إليه، وينذرون بعذاب الآخرة من ساعة ما يلفظ أنفاسه وتؤخذ روحه وهي في العذاب الأبدي إلى يوم القيامة، ويوم القيامة عندما يعود لها الجسد كما كان تخلد في ذلك العذاب.

    هذا العذاب الدنيوي والأخروي سببه الكفر بالله، ومعصية الله ورسوله.

    أولاً: الكفر يمنع من أن تطيع الله وأنت لا تؤمن به، والكفر برسول الله وعدم الإيمان برسالته يمنع أن تعبد الله، وبأي شيء تعبده إذا ما آمنت برسوله صلى الله عليه وسلم.

    الكفر بالله عز وجل مانع من أن تعبد الله، فمن لم يؤمن بالله والله لن يعبده، ومن لم يؤمن برسول الله رسولاً والله لا يستطيع أن يعبد الله، بم يعبده؟ كيف يعبده؟ العبادة بينها الرسول، وقننها، وبين أوقاتها، وبين ما يتطلبه هذا العمل، فلا بد من الإيمان بالله ورسوله.

    فقوله تعالى: لِتُنذِرَ بِهِ [الأعراف:2]، ينذر أهل الذنوب والمعاصي، وأهل الشرك والكفر، وأهل الفسق والفجور والمجون، إذ هذه لها أثرها، سنن من سنن الله لا تتبدل، فالسنن التي لا تتبدل كالطعام الذي يشبع، واليوم أصبح لا يشبع، يأكل قنطارًا ودائماً جائع، الماء يروي وهذه سنة لا تتبدل، النار تحرق وإلا ما تحرق؟ سنة لا تتبدل، الحديد يقطع؟ لا يوجد حديد ما يقطع، ما دام حاداً فهو قاطع، كذلك الذنوب لنا نحن المؤمنين، لها أثر فينا والله، ونصاب بالخزي أو العذاب في هذه الدنيا، والعالم الإسلامي وما يتورط فيه واضح، أما أذلنا الله وحكمنا الشرق والغرب؟ أليس سبب هذا الذنوب أم لا؟

    أما أهل الكفر -والعياذ بالله- فإنه ينذرهم عواقب الدنيا والبلاء فيها والعذاب، وعذاب الآخرة.

    مهمة صاحب القرآن إنذار الكفار وموعظة وتذكير المؤمنين

    لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:2]، الإنذار لأهل الكفر والشرك والذنوب والمعاصي، والتذكير والموعظة والذكرى للمؤمنين، فمهمة صاحب القرآن هي مزدوجة:

    أولاً: إنذار أهل الفسق والفجور والباطل والشر.

    ثانياً: تذكير المؤمنين المتقين ووعظهم؛ حتى يستمروا في طريق صلاحهم ونجاتهم.

    فالآية ذات حدين:

    أولاً: لِتُنذِرَ بِهِ [الأعراف:2]، من ينذر؟ أهل الشرك والكفر.

    ثانياً: ذكرى يذكر به المؤمنين؛ لأنهم أحياء، فإذا غفلوا ونسوا وناموا ذكرهم حتى يعودون، أما الكافر فهو ميت، أنذره عاقبة كفره وشركه وباطله.

    لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى [الأعراف:2]، والذكرى مصدر كالذكر والذكر التذكر، ولكن التذكر لمن؟ لمن نسي، أما من علم أنه حق وكفر به فهذا ما يذكّر، هذا ينذر ويخوف والعصا على رأسه، فينذر المؤمن الغافل الناسي هذا إذا ذكرته يتذكر.

    الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في الإنذار والتذكير

    هكذا يقول تعالى: المص [الأعراف:1]، الله أعلم بمراده من هذا.

    كِتَابٌ [الأعراف:2]، عظيم الشأن، أُنزِلَ إِلَيْكَ [الأعراف:2]، من أنزله؟ هل هناك من ينزل سوى الله؟ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:2]، فالآن لو أن شخصاً ينادي أوروبا .. أمريكا .. الصين .. الهند، ويطالبهم بأن يقولوا: لا إله إلا الله، وأن يؤمنوا بربهم وخالقهم، وأن يدخلوا في رحمة الله فهل هذا أمر هين؟ ألا يجد حرجًا؟ من يقوى على هذا؟ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:2]، الآن هل أنتم أيها المستمعون! تستريحون لما تعظون أهلكم وإخوانكم وتذكرونهم، فيه حرج أيضاً، ينبغي أن لا يوجد هذا الحرج لا في الإنذار ولا في التذكير، وائتسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ...)

    الأمر باتباع ما أنزله الله على رسوله من الدين

    ثم قال تعالى في الآية الثانية: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف:3].

    يا معشر الناس! يا بني آدم! أيها العرب المشركون! يا من هم أناس وبشر! الكل مأمور بأن يتبع ما أنزل إليه من ربه، أي شيء أنزل إلينا من ربنا؟

    المآكل والمشارب والمطاعم نعم، لكن هذه كيف نتبعها؟ نتبع النور الذي يقودنا إلى سعادة الدنيا والآخرة.

    اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف:3]، ما كان عقيدة اعتقدوها، وما كان عبادة قوموا بها، وما كان حكماً طبقوه ونفذوه، وما كان أدباً تأدبوا به.

    اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف:3]، والشريعة كلها نزلت من الله، فما الرسول إلا مبين ومبلغ ومفسر، فالأوامر والنواهي والحدود والأحكام كلها حواها القرآن الكريم، كل ما في الشريعة القرآن، والرسول صلى الله عليه وسلم يبين ويفسر ويشرح للمؤمنين ويعلمهم كيف يعملون، فلا توجد عبادة ولا حكم حقيقي شرعي ولا عقيدة إلا وهي في القرآن الكريم.

    اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف:3] أولاً.

    وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الأعراف:3]، ولا تتبعوا من دون ما أنزل الله أولياء رؤساء وزعماء ومشرعين ومقننين، فتتبعونهم وتعملون بمذاهبهم وآرائهم وآدابهم، يا ويلكم يا بني آدم إن تركتم ما أنزل إليكم من ربكم وجريتم وراء أصحاب الأهواء والشهوات والابتداع والضلالات، هذه الآية عامة، ولا تتبعوا من دون القرآن أولياء.

    قال أهل العلم: كل مذهب أتباعه أولياء لبعضهم البعض، كأهل مذهبك، والنصراني أولياؤه أهل مذهبه، اليهودي أولياؤه أهل اليهودية، المشرك أولياؤه أهل الشرك، هم أولياء؛ لأنهم يتولون التوجيه والإرشاد والدعوة إلى باطلهم، علماء أهل الكتاب ما يدعون إلى التمسك بدينهم؟ هم أوليائهم أم لا؟

    زعماء قريش.. أبو جهل وعقبة بن أبي معيط وغيرهم المقصودون في هذه الآية كانوا يدعون المشركين إلى شركهم، ويحمونهم ويدافعون عنهم، ويقولون: لا تسمعوا إلى قول محمد، ولا تسمعوا إلى قول فلان، هذه أباطيل وهذه كذا، يريدون بكم ومنكم كذا وكذا.

    فلهذا لا تتبع أبداً إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك تقع في هذه الورطة.

    وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الأعراف:3]، الآن أصحاب البدع والضلالات يعلمون أتباعهم أم لا؟ تشاهدون أصحاب البدع حتى المكفرة والضلالات والخرافات رجالهم وأولياؤهم يدعونهم إلى ذلك، وينهونهم عن اتباع الحق، والمشي وراءه، ويعيش أحدهم سبعين سنة لا يسأل قال الله وقال رسوله، فقط قال الشيخ.

    هذه الآية ذات شأن عظيم!

    أولاً: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف:3]، يجب، هذا أمر، اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف:3]، إذا قال: صلوا! صلوا، وإذا قال: صوموا! صوموا، إذا قال: قولوا: لا إله إلا الله! قولوا: لا إله إلا الله، إذا قال: أنصتوا! أنصتوا.

    اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف:3]، أنزل إلينا لأجل هدايتنا وإصلاحنا وإسعادنا.

    من أين مصدره؟ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف:3]، ما قال: الشيخ أو الإمام أو قال فلان أو فلان.

    وأنتم تشاهدون أهل الضلال يتبعون أئمتهم، ويقولون: قال الإمام، فيتركون القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون: هذا شأنه نحن أتباع الإمام الفلاني.

    ومعنى هذا ما يبقى بيننا جاهل ولا جاهلة، الكل يرد ويصدر عن الكتاب والسنة، قل لي: قال الله، وأسمعني كلام الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسمعني كلام رسول الله، فإن كان أمراً فعلت، وإن كان نهياً تركت.

    أما قال الشيخ الفلاني .. قال إمامنا .. قال قائدنا، فهذه الآية أبطلت هذا إبطالاً كاملاً.

    اسمع! اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الأعراف:3].

    الأولياء: جمع ولي، وإلا من يتولى الأمر بالدعاية إلى سبيله وتوضحيه للناس، وحمل الناس عليه، هذا هو الولي.

    ثم قال تعالى: قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف:3]، هذا يتناول مشركي قريش والعرب، والآيات نزلت فيهم، قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف:3]، ويتناول البشرية كلها، والله لقليلاً ما يتذكرون، أي: ما يتعظون ويقبلون دعوة الله، وابدأ الآن في أي بلد في العالم تجد القليل فقط يتذكر، والأكثرية كلها لا تقبل موعظة ولا ذكرى، فالآية عامة إلى يوم القيامة.

    قليلاً أيها الناس! أبيضكم وأسودكم ما تتعظون، قم اخطب في باريس في حفل كم واحد يستجيب؟ اخطب في بلاد المسلمين، غير منكرًا من المنكرات انظر كم يستجاب لك.

    كم يبكي منكم ويترك المعصية؟ سنة الله عز وجل: قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف:3]، أي: تتذكرون، فتتعظون وتبكون، وتقلعون عن الشرك والمعاصي والذنوب، هذا إخبار الله عز وجل.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون)

    المراد بالقرية في قوله تعالى: (وكم من قرية أهلكناها فجاءهم بأسنا بياتاً أو هم قائلون)

    ثم قال تعالى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا [الأعراف:4]، كم وكم وكم للتكثير وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ [الأعراف:4]، ولاحظ أذكر أن المراد من القرية: الحاضرة.. المدينة الكبرى.. العاصمة، دعوا الاصطلاح الجغرافي النصراني! أصبح الناس يعرفون القرية بأنها المساكن القليلة، القرية في عرف القرآن العاصمة الحاضرة المدينة، ويكفي قول الله تعالى: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى [الشورى:7]، من هي أم المدن؟ مكة.

    معنى قوله تعالى: (أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون)

    إذاً: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ [الأعراف:4]، أهلكنا، أردنا إهلاكها، فَجَاءَهَا بَأْسُنَا [الأعراف:4]، أي: عذابنا، بَيَاتًا [الأعراف:4]، أي: ليلاً، أَوْ هُمْ قَائِلُونَ [الأعراف:4]، أي: نهاراً مقيلون أو قائلون، كم وكم، الجنوب أين إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:7-8]؟ وإلى اليوم لا يمكن أن تبنى تلك المباني؛ لأن أجسامهم كانت طويلة، الشمال أين مدائن صالح؟ تلك التي كانت قصور في الجبال، وغرب أين فرعون وملكه وسلطانه؟ وهكذا كم وكم، ولا ننسى أن عواصم وأمم منذ آدم إلى اليوم كلها دمرها الله وأهلكها، ما هي محصورة أبداً ولا تعد.

    وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا [الأعراف:4]، أي: ليلاً، أَوْ هُمْ قَائِلُونَ [الأعراف:4]، قال يقيل إذا نام في وقت القيلولة، أي: ليلاً أو نهاراً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين)

    فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا [الأعراف:5]، ماذا قالوا؟ لا إله إلا الله، نتوب إلى الله .. نستغفر الله؟ ما كان دعواهم إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [الأعراف:5]، ثم لو قالوا: آمنا بالله واستغفرنا وارفع العذاب عنا ما يستجاب لهم؛ فقد دقت ساعة الهلاك، لكن واقعهم هو إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [الأعراف:5]، هذا جزاءنا، فعندما تحل بهم النقمة وينزل بهم العذاب يعترفون بذنوبهم، فهل ينفعهم ذلك شيء؟ لا ينفعهم؛ لأنها ساعة الهلاك والدمار.

    هذا معنى قوله تعالى: فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [الأعراف:5]، ظلموا من؟ ظلموا ربهم، فما شكروه على إنعامه وعلى إيجادهم وخلقهم وإطعامهم.

    وظلموا أنفسهم بأن وسخوها ولطخوها بالذنوب والأدران.

    وظلموا غيرهم فهم ظالمون، والظلم صفة لهم، عرفوا أنهم ما كانوا على حق بل كانوا على باطل فهم ظالمون.

    والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم بما ندرس ونتعلم ونسمع.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756233588