إسلام ويب

تفسير سورة البقرة (84)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما ذكر سبحانه وتعالى أنه كتب على الأمة الصيام وجعله أياماً معدودات، ذكر هنا أن هذه الأيام المعدودات هي أيام شهر رمضان المبارك، الذي أنزل فيه القرآن هادياً وموضحاً طرق الهداية، وفارقاً بين الحق والباطل، ثم بين سبحانه أن من كان حاضراً في البلد عند دخول الشهر فقد وجب عليه الصوم، ومن كان مريضاً أو مسافراً أفطر ثم قضى بعدة الأيام التي أفطرها بسبب ذلك تيسيراً على العباد، ورفعاً للمشقة عنهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآية المباركة، فلنتلها أولاً ثم نأخذ في بيان ما احتوت عليه من العلم والمعرفة.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]. ‏

    معنى رمضان

    أولاً: شهر رمضان هو الشهر التاسع من شهور الشمس القمرية، ورمضان مأخوذ مشتق من الرمضاء، وهي شدة الحر، ولهذا ورد: ( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال )، والفصال جميع فصيل: ابن الناقة الصغير، إذا اشتد الحر وارتفعت الشمس فالفصيل ما يقوى على الوقوف بخفيه، فيبرك على الأرض، فهذا وقت صلاة الأوابين، والمراد منها: صلاة الضحى حين ترتفع الشمس وتشتد الحرارة، والرمض: هو شدة الحر للعطشان، من به ظمأ وعطش ترمض نفسه، فمن هذا سمي شهر الصوم برمضان، ويجوز أن تقول: شهر رمضان أو تقول: رمضان، ولا حرج.

    وقوله تعالى: الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] أولاً: أنزل القرآن في بيان فضل الصيام، وأنزل القرآن في شهر رمضان، بل ورد أن كتب الله من صحف إبراهيم إلى الإنجيل إلى القرآن كلها نزلت في رمضان.

    نزول القرآن في شهر رمضان

    ثم إن نزول القرآن من اللوح المحفوظ، أما قال تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:21-22]؟ نزل في رمضان إلى السماء الدنيا في بيت العزة، ثم أخذ ينزل منجماً نجماً بعد نجم بحسب أحوال البشرية، فكلما تطلب الأمر نزول آية أو آيات تنزل والرسول يعلم ويبلغ، والكتبة يكتبون ويدونون، إذ كان للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون كاتباً يحسنون الكتابة، وكلما نزلت الآية أو السورة كتبوها.

    إذاً: وما هي الليلة التي نزل فيها القرآن؟ الظاهر أنها ليلة القدر، وذلك لقول الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان:3-5]، وقال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:1-5].

    شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، والقرآن: هذا اللفظ علم على كتاب الله، وله علم آخر: الفرقان، القرآن مشتق من القرء الذي هو الجمع، جمعت حروفه وكلماته وآياته وسوره في كتاب واحد، فهو قرآن، وسمي بالفرقان؛ لأن الله فرق به بين الحق والباطل، بين المعروف والمنكر، بين الشر والخير، بين كل متلابسات الحياة.

    معنى قوله تعالى: (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)

    وقوله: هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى [البقرة:185] هذا هو القرآن، والله! لهدى للناس أبيضهم وأصفرهم، عربهم وعجمهم، لفظ الناس عام، فأيما إنسان ذكر أو أنثى يؤمن بهذا الكتاب ويقبل عليه يقرؤه ويتفهم مراد الله منه ويعمل به إلا اهتدى إلى طريق سعادته وكماله ونجا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، ولا يقولن قائل: قرأناه ولم نجد فيه الهداية! فهذا كلام باطل ولا ينطق به حتى إبليس.

    هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى [البقرة:185] ليس مجرد هدى، بل كان بينات، أنواع وفنون من أنواع الهدايات، فهو في العقل، في الآداب، في الأخلاق، في المال، في الحياة بكلها لا يوجد موضع في الحياة إلا والقرآن يهدي ويبين ما فيه.

    إذاً: والفرقان كذلك، فرق الله بالقرآن بين الكفر والإيمان، بين الشرك والتوحيد، بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الصالحين والمفسدين، بين الأبرار والفجار، القرآن هو الفرقان، وشأن الفرقان عظيم.

    معنى قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)

    بعد هذا قال تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، وتقدم لنا في الدرس الماضي أن الله أخبرنا أنه كتب علينا الصيام، وأنه أيام معدودات لا أعوام ولا أشهر، وكما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين تسعة وعشرين يوماً إلى ثلاثين، وأن هذا ليس مما كلفنا به دون غيرنا، بل الأمم التي عرفت الله كلها فرض عليها الصيام.

    إذاً: متى نصوم؟ بين تعالى الشهر الذي كتب أيامه، فقال: شَهْرُ رَمَضَانَ [البقرة:185] كأن سائلاً يقول: ما هو الشهر الذي نصوم فيه؟ ما هي الأيام التي نصومها؟ فأخبر تعالى أنها أيام شهر رمضان.

    فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ [البقرة:185] كيف يشهد الشهر؟ يشهده: يحضر في القرية أو في الحي، يشهد من يقول: انظروا إلى الهلال، أو يقول: أنا رأيت الهلال أو رؤي الهلال، شهده وكان حاضراً غير مسافر.

    ثم هنا مسألة فقهية لا بد من معرفتها: وهي أن ثبوت رؤية الهلال للصيام تثبت برؤية المؤمن العدل، ولا يتطلب الأمر شاهدين أو استفاضة الشهادة، أ يما مؤمن عاقل يشهد بأنه رأى مساء الليلة الهلال فقد وجب على المؤمنين الصيام، هذا الذي عليه أكثر أئمة الإسلام.

    أما الإفطار -وهو الإعلان عن شهادة رؤية هلال شوال- فثَمَّ لا تقبل شهادة الواحد وإن كان عدلاً، وإنما لا بد من شهادة اثنين من المسلمين العدول.

    والسر واضح؛ لأن الذي يشهد بأنه رأى هلال رمضان ليصوم ويصوم المؤمنون؛ فالفطرة تتنافى مع تحمل الأتعاب والظمأ والعطش وترك الأكل والشرب، فكيف إذاً يقول: رأيته وما رآه؟ أما الرؤية من أجل أن يفطر فقد يكذب حتى يفطر، هذا ليس واجباً أنه يقع، لكن هذه وضعية البشر، هذه فطرة الناس، فمن هنا تقبل في رؤية هلال رمضان شهادة مؤمن واحد ولا نطلب شهادة اثنين أو ثلاثة.

    أما العيد برؤية هلال شوال فلا بد من اثنين من العدول، فلو قال واحد: أنا رأيت فلا نأخذ برؤيته، له أن يفطر هو في بيته، فإذا تأكد من الرؤية ورآها فله الحق أن يفطر، لكن لا يحمل الأمة أن تفطر برؤيته، ولا يقبل منه هذا أبداً، إلا إذا شهد اثنان فأكثر على أنهم رأوا الهلال.

    فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ [البقرة:185] أيها المؤمنون، ولو قامت كتلة من اليهود وقالوا: رأينا الهلال فلا نقبل قولهم، لو قالت أوروبا الصليبية كلها: لقد رأينا الهلال الليلة، فصوموا، فلا نقبل؛ لأنهم غير عدول، وأي انحراف وهبوط أكثر ممن يكفر بالله ويجحده؟ إذاً: قوله تعالى: مِنْكُمُ [البقرة:185] أيها المؤمنون.

    ثم هنا أمر آخر: مِنْكُمُ [البقرة:185] أيها المكلفون، فغير المكلف لا يدخل في هذا، والمكلف هو المؤمن العاقل البالغ، فغير المؤمن ما هو بمكلف، لو رأى الهلال فلا التفات إليه، وطفل صغير لم يبلغ لا تقبل شهادته، ومجنون مختل العقل لا تقبل شهادته.

    معنى قوله تعالى: (ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ...)

    قال تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185].

    [ ذكر تعالى عذر المرض والسفر، وأن على من أفطر بهما قضاء ما أفطر بعدده، وأخبر تعالى أنه يريد بالإذن في الإفطار للمريض والمسافر اليسر بالأمة، ولا يريد بها العسر، فله الحمد وله المنة ].

    معنى قوله تعالى: (ولتكبروا الله على ما هداكم)

    ثم قال تعالى: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185] على هدايته لكم، وهذا في ليلة العيد، فهل الكافرون يكبرون؟ ائت لي بكافر يكبر وسنعطيك ألف ريال، يكره أن يقول: الله أكبر، وإذا بك أنت تتلذذ بها وترفع صوتك بها وأنت في فرح وسرور، أليس هذا مما يحمد الله عليه ويشكر؟

    عندنا مثل عامي، فالعجوز إذا كانت تكره جارتها تقول: لا تنطقي باسمي، ما أسمح أن تقولي: فلانة، فكيف هذا؟ بمعنى: أنا فوق مستواكِ أنتِ حتى تذكري اسمي.

    ومن هنا أذن الله لنا في ذكر اسمه، فهذا إنعام لا حد له، وإلا فمن نحن وما نحن حتى نذكر اسم الله الجليل؟ هل نحن أهل لأن نذكر الله؟ والله! ما نحن بأهل، ما قيمتنا؟ ولكن من فضله علينا وامتنانه أن أذن لنا في ذكره، بل وأثابنا عليه، بل ورفعنا درجات بذكره.

    معنى قوله تعالى: (ولعلكم تشكرون)

    وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185] أي: وليعدكم أيضاً للشكر، وقد تقرر عند السامعين والسامعات الشكر، فالشكر أولاً: الاعتراف في القلب بالنعمة للمنعم.

    ثانياً: ترجمتها والإعراب عنها باللفظ: الحمد لله.

    ثالثاً: صرف النعمة فيما من أجله أنعم بها المنعم، لا أن ينعم عليك بألف ريال فتشتري بها كأس خمر وتشربه، أنعم عليك بنعمة الصحة فلا تبدد طاقتك في معصيته، أنعم عليك بنعمة الشرف والمكانة الرفيعة فتواضع وتطامن، لا تترفع على أوليائه وتتكبر عليهم، وهكذا.. فهذه الحقيقة لن تفوت المؤمنين والمؤمنات، الشكر علة الحياة كلها، أليس كذلك؟ لو سألت: يا رب! لم خلقت هذه العوالم كلها؟ يقول: خلقتها لأجلك. يا رب! وأنا خلقتني لم؟ يقول: من أجل أن تذكرني وتشكرني. فعلة الوجود بكله: أن يذكر الله ويشكر، لهذا فالذي لا يذكر الله ولا يشكره جزاؤه أن يخلد في العذاب الأبدي.

    وبينا غير ما مرة فقلنا: لو أن شخصاً نسف مدينة فسيحكمون عليه بسجن خمسين سنة، وإذا كان نسف قارة بكاملها فسيسجن حتى الموت، وهذا الذي ترك ذكر الله وشكره كأنما نسف السماوات كلها ونسف الأرض وبدد العوالم كلها، إذ كلها مخلوقة لأن يذكر الله ويشكر، فلما رفض ذكر الله وشكره كان كمن نسف العوالم كلها وصيرها دخاناً، إذاً: كم يعذب هذا؟ لا نهاية لعذابه؛ لأن جريمته أعظم.

    قد يقول قائل: هذا كفر سبعين عاماً فكيف يخلد في جهنم؟ فنقول: لأنه ما كفر سبعين عاماً، بل لأنه كمن نسف الكون كله ودمره، لأن الحياة كلها مخلوقة لنا، أما قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة:29]، وقال: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ [الجاثية:13]؟ وفي الحديث: ( يا ابن آدم! لقد خلقت كل شيء من أجلك )، إذاً: فإذا أراد من عبده أن يذكره ويشكره فرفض الذكر والشكر كان شر الخليقة والبرية، وجزاؤه أن يخلد في عذاب لا ينتهي.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    شرح الكلمات

    الآن نقرأ الدرس من الكتاب.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ شرح الكلمات:

    شهر رمضان: هو الشهر التاسع من شهور السنة القمرية، ولفظ الشهر مأخوذ من الشهرة ]، والشهرة: الاشتهار والانتشار، مأخوذ من الشهرة؛ لأنهم يشاهدون الهلال.

    ورمضان مأخوذ من: رمض الصائم إذا حر جوفه من العطش.

    الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] هذه آية فضله على غيره من سائر الشهور حيث أنزل فيه القرآن، وذلك في ليلة القدر منه لآية: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1] ] وفي ليلة مباركة.

    قال: [ أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا ثم نزل ] منجماً [ نجماً بعد نجم ]، والنجم كوكب، لأن البشرية قبل الحساب وقبل هذا الترقي في المادة كانوا إذا طلع النجم الفلاني فإن أحدهم يسافر، أو طلع النجم الفلاني فيسدد دينه، يشاهدون السماء والنجوم تطلع وتغيب، فيحسبون هذا الحساب، هذا معنى أنه منجم نجماً بعد نجم، فترة بعد فترة، زمناً بعد زمن.

    قال: [ وابتدئ نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان أيضاً ]، وهل في ليلة السابع عشر؟ خلاف.

    [ هُدًى لِلنَّاسِ [البقرة:185]: هادياً للناس إلى ما فيه كمالهم وسعادتهم في الدارين.

    وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185] البينات: جمع بينة، والهدى: الإرشاد، والمراد أن القرآن نزل هادياً للناس ومبيناً لهم سبيل الهدى موضحاً طريق الفوز والنجاة فارقاً لهم بين الحق والباطل وفي كل شئون الحياة.

    شهد الشهر: حضر الإعلان عن رؤيته.

    فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] أي: فعليه القضاء بعدد الأيام التي أفطرها مريضاً أو مسافراً ] أو حائضاً أو نفساء.

    قال: [ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ [البقرة:185] وجب القضاء من أجل إكمال عدة الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرين يوماً.

    وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185] وذلك عند إتمام صيام رمضان من رؤية الهلال إلى العودة من صلاة العيد، والتكبير مشروع وفيه أجر عظيم، وصفته المشهورة: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ] هذا محفوظ عند أكثر الناس.

    [ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185] أي: فرض عليكم الصوم وندبكم إلى التكبير لتكونوا بذلك من الشاكرين لله تعالى على نعمه؛ لأن الشكر هو الطاعة ] هذه هي المفردات، فهيا معنى الآية الإجمالي.

    معنى الآية

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ معنى الآية الكريمة:

    لما ذكر تعالى أنه كتب على أمة الإسلام الصيام في الآية السابقة وأنه أيام معدودات؛ بين في هذه الآية أن المراد من الأيام المعدودات أيام شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن هادياً وموضحاً طرق الهداية، وفارقاً بين الحق والباطل، فقال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185] يريد شهر رمضان، ومعنى شهد: كان حاضراً غير مسافر لما أعلن عن رؤية هلال رمضان، فليصمه على سبيل الوجوب إن كان مكلفاً ]، والمكلف: العاقل البالغ، وإن أسلم الكافر وبلغ الغلام في الليل وجب الصيام، وإن كان في النهار فلا شيء عليه.

    [ ثم ذكر عرض المرض والسفر، وأن على من أفطر بهما قضاء ما أفطر بعدته، وأخبر تعالى أنه يريد بالإذن في الإفطار للمريض والمسافر اليسر بالأمة، ولا يريد بها العسر، فله الحمد وله المنة، فقال تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185].

    ثم علل تعالى للقضاء ] قضاء رمضان [ بقوله: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ [البقرة:185] أي: عدة أيام رمضان، هذا أولاً. وثانياً: لتكبروا الله على ما هداكم عندما تكملون الصيام برؤية هلال شوال. وأخيراً: ليعدكم بالصيام والذكر للشكر، فقال عز وجل: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185] ].

    الآن مع هداية الآيات، وكل آية فيها هداية، والله! لكل آية فيها هداية، كل آية تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أليس كذلك؟ هذه الآية من أين أتت؟ إذاً: الله موجود وعليم، وعلى من نزلت؟ على محمد صلى الله عليه وسلم، إذاً: هو رسول الله.

    هداية الآية

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآية:

    من هداية الآية:

    أولاً: فضل شهر رمضان وفضل القرآن.

    ثانياً: وجوب صيام رمضان على المكلفين، والمكلف هو: المسلم العاقل البالغ مع سلامة المرأة من دمي الحيض والنفاس.

    ثالثاً: الرخصة للمريض الذي يخاف تأخر برئه أو زيادة مرضه ]، فالمريض الذي إذا صام يتأخر الشفاء وتطول مدة مرضه يفطر، أو يخاف زيادة المرض وارتفاع درجته.

    قال: [ الرخصة للمريض الذي يخاف تأخر برئه أو زيادة مرضه، والمسافر مسافة قصر ]، وهي ثمانية وأربعون كيلو متر، وأصلها: أربعة برد، والبريد اثنا عشر ميلاً، والميل: هو عند علماء الأندلس والمغرب: ألفا ذراع، أما عند أهل العراق والمشرق فلا بد من مسافة سبعين كيلو، ومنهم من يقول: ثمانين، ما هي بمضبوطة؛ لكن المسافة التي يمشيها الرجل على ناقته لا تزيد على ثمانية وأربعين كيلو في اليوم، ومشينا هذا وجربناه، اركب ناقتك في الصحراء وامش، تأتي القيلولة فتنزل، تنام وتستريح وتجدد السفر، فتمشي ثمانية وأربعين كيلو، فهذا الحساب للأندلسيين المالكية من أبدع ما يكون، جاءت فرنسا تركض وأوروبا وأخذوا به، فقالوا: الكيلو ألف متر، والمتر ذراعان، فاتفقنا إذاً، جروا وراءنا وسبقناهم.

    وهذا ننظر إليه من جهة أخرى: أن من أهل العلم من يقول: من سافر ولو عشرين كيلو فله أن يفطر ويقصر، كالظاهرية، ومنهم من قال: مسافة سبعين كيلو، ونحن دائماً مع الوسط، وهو ثمانية وأربعون كيلو، يبتدئ عندما يغادر البلد ويترك الديار وراءه، أما وهو ما زال في بلده ويفطر فلا يصح، أما قال تعالى: أَوْ عَلَى سَفَرٍ [البقرة:185]؟ وهذا ما سافر بعد فكيف يفطر؟

    [ رابعاً: وجوب القضاء على من أفطر لعذر ] والذي أفطر لغير العذر فعليه الكفارة والقضاء، فالذي أفطر بعذر من مرض أو سفر أو دم حيض أو نفاس يقضي، أما أن يقول: لن نصوم؛ فهذا عليه الكفارة والقضاء.

    وهذه المسألة شيخكم فيها يجري وراء ظل ابن عباس رضي الله عنه، فـابن عباس رضي الله عنه كان إذا جاء الرجل يسأل: ما تقول فيمن قتل نفساً، فهل له توبة؟ هل تقبل توبته؟ يقول له الحبر: أنت قتلت؟ فإن قال: نعم قتلت. يقول: من يمنعك من التوبة وباب الله مفتوح والله يدعو إلى التوبة، تب يا بني. وإن قال: لا، ما قتلت، قال: أعوذ بالله! هل قاتل النفس له توبة، والله يقول: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93].

    ففرق بين من قتل ومن لا يقتل، فنحن كذلك إذا جاءنا الشخص وقال: ما تقول فيمن يأكل في رمضان فقط، فيشرب ويأكل؟ فنقول: عليه القضاء والكفارة. وإن قال: أنا أكلت ولم أستطع، قلنا: هل جامعت؟ فقال: لا، ولكن أكلت وشربت، فنقول له: اقض فقط ولا كفارة عليك؛ وذلك لأن مذاهبنا الأربعة نصفهم يقول بالقضاء ونصفهم يقول: لا قضاء إلا في الجماع، فالمفتي أو الذي يعلم ينبغي أن يسلك مسالك الهداية.

    [ خامساً: يسر الشريعة الإسلامية وخلوها من العسر والحرج.

    سادساً: مشروعية التكبير ليلة العيد ويومه، وهذا التكبير جزء لشكر نعمة الهداية إلى الإسلام.

    سابعاً: الطاعات: هي الشكر، فمن لم يطع الله ورسوله لم يكن شاكراً أبداً حتى يعد مع الشاكرين ] فمن لم يطع الله تعالى ورسوله فما شكر، بل كفر.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755955270