إسلام ويب

نداءات الرحمن لأهل الإيمان 77للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الظن هو أكذب الحديث، فكم من أشخاص اتهموا في أعراضهم من باب الظن، وكم من أبرياء ظلموا بسبب التخرص والاحتمال، لذلك فقد حرم الله سبحانه وتعالى الظن السيء بالمؤمنين، وكذلك التجسس عليهم، وغيبتهم وذكر معايبهم، فإن هذه الخصال مما يخلق فرص الشقاق والنزاع والتباغض بين المسلمين.

    1.   

    في وجوب اجتناب كثير من الظن وحرمة التجسس والغيبة ووجوب تقوى الله عز وجل

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان. اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارضَ عنا كما رضيت عنهم. آمين.

    مضى اثنان وسبعون نداء، وهذه النداءات تسعون نداءً، والمنادي هو الله جل جلاله وعظم سلطانه، والمنادى هم المؤمنون من عباده، وهذه النداءات قد اشتملت على كل ما تتوقف عليه سعادة المؤمن وكماله في الدارين، أي: في هذه الدار وفي الدار الآخرة، وهذه النداءات جاءت في كتاب الله القرآن الكريم العظيم. وها نحن نواصل دراستها نداء بعد نداء، راجين آملين أن نعرف عن الله مراده من نداءاته، وأن نعمل بذلك، فما كان عقيدة اعتقدناه، وما كان عبادة عرفناها وعبدنا الله بها، وما كان أدباً تأدبنا به، وما كان خلقاً تخلقنا به، وما كان حقاً عرفناه، فلازمناه، وما كان باطلاً عرفناه واجتنبناه، وهذا طريق الكمال والسعادة للمؤمنين والمؤمنات.

    هذا [ النداء [ هو [ الثالث والسبعون ] وهو [ في وجوب اجتناب كثير من الظن، و] في [ حرمة التجسس والغيبة، و] في [ وجوب تقوى الله عز وجل ] فهذا النداء قد اشتمل على ما يلي:

    أولاً: وجوب اجتناب كثير من الظن. فيا مؤمن! اجتنب كثيراً من الظنون، ويا مؤمنة! اجتنبي كثيراً من الظن؛ فإن الذي يأخذ بالظن لا يلبث أن يتمزق ويهلك.

    ثانياً: حرمة التجسس على المؤمن، والتحسس عليه؛ لأن أذية المؤمن حرام، فهو ولي الله، وقال الله تعالى: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ). وحسبنا أن نسمع قول الله الحق من سورة الأحزاب: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:57-58].

    وأما الغيبة فهذا النداء يشتمل على حرمة غيبة المؤمن، والغيبة والنميمة من أسوأ الذنوب وأقبحها.

    ثالثاً: على وجوب تقوى الله عز وجل.

    وهيا بنا نتغنى بهذا النداء دقائق، ثم نأخذ في شرحه وبيان محتواه؛ من أجل أن نطيع ربنا فيما دعانا إليه وأمرنا به، أو نهانا عنه؛ لأننا أولياؤه، وهو ولينا.

    [ الآية (12) من سورة الحجرات

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:12] ].

    نداءات الرحمن الواردة في سورة الحجرات

    [ الشرح: هذا النداء الخامس من نداءات الرحمن لعباده المؤمنين في سورة الحجرات ] وقد تقدم أربعة نداءات:

    الأول: ألا نقول برأي نراه، وإنما نقول بما قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يقدم رأيه أو فهمه أو ما يعقله على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا النداء هو قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات:1]. وقد شرح لنا هذا المعنى حديث معاذ رضي الله عنه، إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد هيأه ليبعثه أميراً وقاضياً ووالياً على ديار اليمن: ( بم تحكم يا معاذ ! هذه الأمة؟ فقال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فإن لم تجد في السنة؟ قال: أجتهد رأيي ) . وعرفنا أن المجتهد هو ذلك الذي ألم بمحاب الله ومكارهه، وعرفها من كتابه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، فإذا حدثت حادثة فإنه ينظر إلى محاب الله فإن وجدها تدخل فيها قال بها، وإن وجدها ضدها حرمها وامتنع عنها. فالمجتهد عبد قد ألم إلماماً كبيراً بمحاب الله ومكارهه في الاعتقادات والأقوال والأعمال، وحينئذٍ إذا لم يجد في الكتاب ولا في السنة فإنه يجتهد رأيه حتى يوافق الله تعالى فيما يحب وفيما يكره لعباده.

    النداء الثاني: اشتمل على الأدب العظيم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفنا أن الذي يتعمد إساءة الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً أو ميتاً قد كفر ومحي اسمه من الإسلام، ومن أساء الأدب بدون قصد ولا تعمد فهو آثم، وينبغي أن يتوب إلى الله عز وجل؛ إذ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2]، أي: خشية أن تفسد أعمالكم وتهبط، ولا يبطل العمل إلا بالشرك والكفر والعياذ بالله تعالى.

    وثالث النداءات: أنه لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يسمع قائلاً يقول: قال فلان، أو قالت فلانة، ويعتقد صحته، ويأخذ في نشره بين المؤمنين، وفي هذا القضاء على كل فتنة في هذا الباب، ولو أننا أخذنا بالقول الصحيح السليم، النافع غير الضار لما وقعت بيننا فتنة، ولا ظللنا، ولا وقعنا في محنة أبداً. وهذا النداء هو قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات:6]. وقد جاء في الصحيح: ( أن الله عز وجل يكره لنا ثلاثاً، وهي: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال ). وكل الفتن التي تدور بيننا مردها إلى القول بدون تروٍ، أو بدون بصيرة، أو بدون تأكد من صحته، أو بدون معرفة آثاره السيئة والنافعة. وعلينا نحن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ألا نقول إلا بعد أن نعلم أن هذا القول فيه رضى الله، وأنه نافع لعباد الله، وما كان فيه ضرر أو فساد فلا نقوله، ولنذكر دائماً قوله صلى الله عليه وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ). وأما قيل وقال، والطعن في الرجال والنساء، وكلمات البذاء والحسد والبغضاء والسب والشتم، والتكفير كحال مجالسنا، فهذه مجالس الجهال والضلال، والذين لم يعرفوا الطريق إلى الله عز وجل. فلا تعترينا هذه المحنة.

    وأحلف لكم: أنه لا تقع فتنة إلا والقول بدون علم هو النار التي توقدها وتشعلها. وليس هناك فائدة من قول لا ينتج حسنة لنا.

    والنداء الرابع كان يوم أمس: وهو في حرمة السخرية بالمؤمنين والمؤمنات، وحرمة الازدراء بهم واحتقارهم، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يزدري مؤمناً، أو يسخر منه أو يحتقره، فالمؤمن ولي الله، فلا تزدريه أنت وتحتقره، فقد نهاك مولاك وسيدك من ذلك، فقال: : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ [الحجرات:11]. فلا يصح أن ترمي أخوك المؤمن بالفسق، ولا يجوز هذا الاسم، ولا يصح.

    فهذه الأمة فرض الله عليها الوحدة والمودة والإخاء، وحرم عليها كل قول أو عمل من شأنه أن يوجد فرقة أو يوجد فتنة بينها، لكن الناس لم يعرفوا هذا، ولم يعلمهم أحد، ولم يجتمعوا هذا الاجتماع طول حياتهم.

    وآخر هذا النداءات الخمسة هو النداء الثالث والسبعون.

    قال: [ وكل هذه النداءات ] الخمسة من هذه السورة [ تدور حول إصلاح الفرد المؤمن في المجتمع الإسلامي ] والله العظيم [ إذ ] النداء [ الأول دعا المؤمن أن لا يقدم رأيه على الكتاب والسنة بحال من الأحوال؛ لتبقى الشريعة هي الحكم، وإليها التحاكم، فما شرعته فهو الشرع، وما أوجبته فهو الواجب، وما حرمته فهو الحرام.

    والنداء الثاني: قرر الأدب الواجب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعلماء أمته. هذا أولاً.

    والثاني: الأدب سمة من سمات أهل الإيمان، فلا يحل التخلي عنها أبداً؛ إذ هي ميزة الأمة الإسلامية.

    والثالث: أوجب التثبت والتروي في إصدار الأحكام في كل قول وحادثة؛ حتى لا يقع الفرد أو الأمة في خطر يزعزع أمنها، ويحط من قدرها، أو يحملها ما هي في غنى عنه.

    والرابع: حرّمة السخرية والاستهزاء بالمؤمن، واحتقاره، والانتقاص من كرامته وشرفه، كما حرّم ألقاب السوء المفضية إلى النزاع ] بل [ والقتال بين المؤمنين؛ لأنهم أمة واحدة.

    حرمة ظن السوء بالمؤمنين

    قال: [ وهذا الخامس ] والأخير [ من ] هذه [ النداءات ] في سورة الحجرات: [ فقد حرم على المؤمن اجتناب كثير من الظن بإخوانه المؤمنين؛ إذ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الحجرات:12]، أي: يا من آمنتم بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبينا ورسولاً، اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ [الحجرات:12]. وعلل لذلك الأمر بالاجتناب، فقال: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12] ] ولا أحد يرضى أن يقع في الإثم [ وما دام بعضه إثماً فليجتنب بالمرة؛ حتى لا يقع المرء المؤمن في الإثم الموجب لغضب الله وعقابه، ولم يبقَ إلا مجال ضيق جداً، وهو أن يظن المؤمن بمن هو أهل للظن بالشر لوجود قرائن من أحواله تدل على ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم يقرر هذه الحقيقة فيقول: ( إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث ) ... الحديث ] فلا يقولن أحدنا بالظن، ولا يقبل الظن، ولا ينقل الظن، ولا يبني عليه قاعدة ولا حكماً؛ لأن سيدنا ومولانا قال: اجتنبوا ، أي: ابتعدوا بعيداً عن كثير من الظن، ويبقى منه شيء قليل، فإذا كان الشخص ظاهرة عليه علامات الفساد أو الفسق أو الشر، ولاحت هذه العلامات عليه فهنا يقبل هذا الظن، وأما أن تظن في أخيك وأنت لم تعرف عنه ذنباً ولا معصية وتقبل ذلك فيه فهذا لا يحل، وكذلك لا يجل أن تقبل ظناً في مؤمنة، ولا يحل أبداً أن تلطخها بالعار، أو تقضي على شرفها لمجرد الظن، فلا تظن بأخيك إلا خيراً؛ وهذا من أجل أن يبقى أهل القرية كأنهم أسرة واحدة، ويبقى أهل المدينة كأنهم أمة واحدة، ويبقى المسلمون كجسم واحد. ولكننا لم نصبح هكذا لأننا لم نجتمع على كتاب الله وسنة رسوله، فلندرس ولنتعلم ولنعمل أبداً، فإذا درسنا وأصبحنا نعي ونفهم فلتكن لنا القدرة على العمل. وبلغوا هذا.

    سبب هبوطنا وطريق نجاتنا

    على أهل القرية -والقرية في اصطلاح الجغرافيين هي: السكان القليلون في الريف أو في الجبل- أن يلتزموا في صدق، فإذا مالت الشمس للغروب في الساعة السادسة -وهي الساعة التي يذهب فيها اليهود والنصارى إلى المقاهي والملاهي والمقاصف والمراقص بعد أن ينتهي العمل، ويغلقون أبواب المتاجر والمصانع، ويذهبون للترفيه عن نفوسهم- فليذهب المؤمنون والمؤمنات إلى بيوت ربهم، ولا يبقى رجل ولا امرأة في القرية، بل يذهبون كلهم إلى بيت الرب، وبيت الرب تعالى هو المسجد، وإذا ضاق وسعناه بالخشب والعيدان، ولا نحتاج إلى رصاص ولا نحاس حتى يتسع لكافة أهل القرية، فتجلس المؤمنات وراء الستار، وأبناءهن دونهن، والفحول أمامهن ويجلس لهم عالم رباني، فيدرسون ليلة آية، وليلة حديثاً، ويحفظون الآية، ويفهمون مراد الله منها، وما طلبه منهم، فإن كانت عقيدة اعتقدوها، وإن كان قولاً فهموه، وعزموا على أن يقولوه، أو عمل عملوا به، وهكذا. وفي الليلة الثانية حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتاب المسجد وبيت المسلم، وقد درسناه سنة وزيادة، وعلمنا المؤمنين كيف يدرسونه، وفيه ثلاثمائة وستين آية وحديثاً، فلو درسوه طول السنة ليلة آية وليلة حديثاً، فإن أهل القرية كلهم يحفظون الآيات والأحاديث التي فيه، وهم عوام لا يقرءون ولا يكتبون، ووالله لن تمضي السنة إلا وهم بصراء علماء عارفون بربهم، ولن يبقى في تلك القرية خائن ولا لص، ولا زانٍ ولا سارق، ولا فاجر ولا كاذب، ولا جاهل ولا ضال؛ لأنها سنة الله، فالطعام يشبع، والماء يروي، والنار تحرق، والحديد يقطع، والكتاب والسنة يزكيان النفس ويطهران العقول، وهذا ليس خرافة ولا ضلالة، وقد دللنا وبرهنا على هذا، وقلنا لكم: أعلم أهل المدينة أتقاهم لله، وأعلم أهل القرية أتقاهم لله؛ إذ قال الله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]. والذي لا نشك فيه: هو أن كل الجرائم والموبقات والضلالات ناتجة عن الجهل بالله، ومحابه ومساخطه، والذي ينقصنا للنجاة أن نجلس ساعة ونصف في بيت الرب نبكي بين يديه، وهذا لن يوقف دولاب حياتنا، بل كل الذي يحدث: أن الشياطين تتمزق، وأن أعداء الإسلام يرتعدون ويخافون، وأن نورنا يعلو إلى السماء، وتصبح كلمتنا هي العالية، ولكن:

    واحر قلباه ممن قلبه شبم

    فواحد يحترق قلبه، وآخر قلبه بارد.

    فعلى أهل كل منطقة أن يوسعوا جامعهم؛ حتى يتسع لهم بنسائهم وأطفالهم ورجالهم، فإذا دقت الساعة السادسة أغلقوا الدكاكين، وأتوا إلى المسجد بزوجاتهم وأولادهم، ويجتمعون في مسجد الحي، ويتعلمون الكتاب والحكمة كل سنة وطول العمر، فلا يبقى بينهم جاهل أو جاهلة، وإذا انتفى الجهل وحل محله العلم بالله لم يبق فاسق أو فاسقة، ولا نحتاج إلى البوليس، ولا إلى الشرطة والسجون، ولا غير ذلك، والحكومات والله لا تمنع أهل القرية أن يجتمعوا في بيوت ربهم، بل إذا اجتمعوا وأخذوا يكفرون الحكام ويسبونهم فإنهم ينسفونهم ويدمرونهم، وأما إذا اجتمعنا لنبكي بين يدي الله طالبين تزكية أرواحنا، وتصفية نفوسنا، ونتعلم لنخرج من دائرة الجهل وظلمته، ولنصبح عقلاء بصراء، وسياسيين عارفين، وعالمين بالحياة وما يجري فيها.

    النهي عن التجسس

    على أهل القرية - والقرية في اصطلاح الجغرافيين هي: السكان القليلون في الريف أو في الجبل- أن يلتزموا في صدق، فإذا مالت الشمس للغروب في الساعة السادسة - وهي الساعة التي يذهب فيها اليهود والنصارى إلى المقاهي والملاهي والمقاصف والمراقص بعد أن ينتهي العمل، ويغلقون أبواب المتاجر والمصانع، ويذهبون للترفيه عن نفوسهم- فليذهب المؤمنون والمؤمنات إلى بيوت ربهم، ولا يبقى رجل ولا امرأة في القرية، بل يذهبون كلهم إلى بيت الرب، وبيت الرب تعالى هو المسجد، وإذا ضاق وسعناه بالخشب والعيدان، ولا نحتاج إلى رصاص ولا نحاس حتى يتسع لكافة أهل القرية، فتجلس المؤمنات وراء الستار، وأبناءهن دونهن، والفحول أمامهن ويجلس لهم عالم رباني، فيدرسون ليلة آية، وليلة حديثاً، ويحفظون الآية، ويفهمون مراد الله منها، وما طلبه منهم، فإن كانت عقيدة اعتقدوها، وإن كان قولاً فهموه، وعزموا على أن يقولوه، أو عمل عملوا به، وهكذا. وفي الليلة الثانية حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتاب المسجد وبيت المسلم، وقد درسناه سنة وزيادة، وعلمنا المؤمنين كيف يدرسونه، وفيه ثلاثمائة وستين آية وحديثاً، فلو درسوه طول السنة ليلة آية وليلة حديثاً، فإن أهل القرية كلهم يحفظون الآيات والأحاديث التي فيه، وهم عوام لا يقرءون ولا يكتبون، ووالله لن تمضي السنة إلا وهم بصراء علماء عارفون بربهم، ولن يبقى في تلك القرية خائن ولا لص، ولا زانٍ ولا سارق، ولا فاجر ولا كاذب، ولا جاهل ولا ضال؛ لأنها سنة الله، فالطعام يشبع، والماء يروي، والنار تحرق، والحديد يقطع، والكتاب والسنة يزكيان النفس ويطهران العقول، وهذا ليس خرافة ولا ضلالة، وقد دللنا وبرهنا على هذا، وقلنا لكم: أعلم أهل المدينة أتقاهم لله، وأعلم أهل القرية أتقاهم لله؛ إذ قال الله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]. والذي لا نشك فيه: هو أن كل الجرائم والموبقات والضلالات ناتجة عن الجهل بالله، ومحابه ومساخطه، والذي ينقصنا للنجاة أن نجلس ساعة ونصف في بيت الرب نبكي بين يديه، وهذا لن يوقف دولاب حياتنا، بل كل الذي يحدث: أن الشياطين تتمزق، وأن أعداء الإسلام يرتعدون ويخافون، وأن نورنا يعلو إلى السماء، وتصبح كلمتنا هي العالية، ولكن:

    واحر قلباه ممن قلبه شبم

    فواحد يحترق قلبه، وآخر قلبه بارد.

    فعلى أهل كل منطقة أن يوسعوا جامعهم؛ حتى يتسع لهم بنسائهم وأطفالهم ورجالهم، فإذا دقت الساعة السادسة أغلقوا الدكاكين، وأتوا إلى المسجد بزوجاتهم وأولادهم، ويجتمعون في مسجد الحي، ويتعلمون الكتاب والحكمة كل سنة وطول العمر، فلا يبقى بينهم جاهل أو جاهلة، وإذا انتفى الجهل وحل محله العلم بالله لم يبق فاسق أو فاسقة، ولا نحتاج إلى البوليس، ولا إلى الشرطة والسجون، ولا غير ذلك، والحكومات والله لا تمنع أهل القرية أن يجتمعوا في بيوت ربهم، بل إذا اجتمعوا وأخذوا يكفرون الحكام ويسبونهم فإنهم ينسفونهم ويدمرونهم، وأما إذا اجتمعنا لنبكي بين يدي الله طالبين تزكية أرواحنا، وتصفية نفوسنا، ونتعلم لنخرج من دائرة الجهل وظلمته، ولنصبح عقلاء بصراء، وسياسيين عارفين، وعالمين بالحياة وما يجري فيها.

    المحرمات الواردة في حديث: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ...)

    قال: [ فقد اشتمل هذا الحديث على المحرمات الآتية:

    أولاً: ] حرم الله [ الظن السيئ بالمؤمنين، وخاصة أهل الصلاح منهم ] وأما الشخص المعروف بالفجور والباطل فإن ظن فيه شراً فهو كذلك، وأما أهل الصلاح والخير والبر والتقوى فلا يظن فيهم السوء، بل هذا معناه: تحطيم للمجتمع.

    [ ثانياً: حرمة التجسس، وهو تتبع أحوال المؤمن في الخفاء للاطلاع عليها، لإلحاق الضرر به.

    ثالثاً: التحسس، وهو كالتجسس، إلا أنه تتبع أحوال المؤمن لمعرفة النقص لإكماله، وسد حاجته الضرورية، وما دام تتبعاً في الخفاء فلا ينبغي، وإن أراد شيئاً فليسأل المؤمن: هل لك حاجة؟ أتشكو من شيء؟ إلى غير ذلك ] ويعطيه [ ولا يتجسس عليه ] في الظلام، ولا يتجسس هل بيت فلان فيها طعام أو لا؟ وهل عندهم كذا أو لا؟ وليس هناك حاجة إلى هذا، بل يسألهم هم إن كان لهم حاجة إلى كذا، ويعطيهم، وأما يتحسس فلا ينبغي.

    [ رابعاً: حرمة النجش، وهو أن يزيد في بضاعة معروضة ] في السوق [ للبيع، يزيد في الثمن وهو لا يريد شراءها ] والجهال يفعلون هذا، فإذا كان عمه أو أخوه أو صديقه يبيع بقرة فيأتي هو يسأل عما أعطيت فيها، فإذا قال: خمسين ألفاً فيقول هو: خمسة وخمسين ألفاً، وهو لا يريد شراءها، وإنما فقط ليرفع القيمة. وهذا يفعله الجهال في العالم الإسلامي. وإذا كان فلان قد عرض منزل يبيعه يأتي ويسأل عما أعطوا فيه، فإذا بلغت القيمة مليون قال: مليون وربع، وهو لا يريد أن يشتري، وإنما فقط ليرفع القيمة من أجل أن يربح صديقه أو قريبه. وهذا لا يجوز، وهو حرام، هذا هو النجش، الذي قال فيه في الحديث: ( ولا تناجشوا ).

    [ خامساً: حرمة الحسد، وهو تمني زوال النعمة عن أخيه؛ لتحصل له، أو لا تحصل له، وإنما يحرمها المؤمن الذي أنعم الله تعالى عليه بها ] وفي الحديث: ( ولا تحاسدوا )، أي: لا يحسد بعضكم بعضاً، فإذا كان فلان عنده منزلاً يسكنه أو سيارة يركبها أو غير ذلك فإنه يتمنى لو زالت منه هذه، بل ويكرهه من أجلها، وأحياناً يتمناها لتكون له، والمهم عنده أن لا تبقى عند فلان هذه النعمة. والعياذ بالله.

    [ سادساً: حرمة التباغض، فلا يحل لمؤمن أن يبغض أخاه المؤمن، وإن بغضك أخوك فلا تبغضه] ولا تقل: ما دام يبغضني فأنا أبغضه، بل إذا أبغضك فلا تبغضه أنت؛ لأنه مؤمن وأنت مؤمن، ووليكما الله، فلا يراك سيدك تبغض عبده، وإلا لم تبق لك عنده منزلة.

    [سابعاً: حرمة التدابر ] وهو: أن كل واحد يعطي دبره للثاني، ولا يلتفت إليه [ وهو الهجران، وعدم التلاقي والتحدث مع بعضهما بعضاً؛ بحيث كل يعطي ظهره للآخر ] ولا يجتمع معه ولا يكلمه ولا يسلم عليه. وهذا حرام بين المؤمنين والمؤمنات، وفي الحديث: ( ولا تدابروا ) .

    [ ثامناً: وجوب تحقيق الأخوة بين المؤمن والمؤمن، وهذا الواجب يتحقق بإسداء المعروف والإحسان ] أي: أن كل مؤمن يسدي معروفاً لأخيه المؤمن، ويحسن إلى أخيه المؤمن [ وكف الأذى عن أخيه ] المؤمن [ فلا ظن سوء، ولا تجسس، ولا تحسس، ولا تناجش، ولا تحاسد، ولا تباغض، ولا تدابر. بهذا الفعل والترك تتحقق الأخوة الإيمانية ].

    النهي عن الغيبة

    قال: [ وقوله تعالى في هذا النداء: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12]، أي: بأن يذكر المؤمن في غيبته بما يكره أن يذكر به ] والغيبة هي: أن تذكر أخاك عند عدم وجوده بشيء يبغضه ويؤذيه ولا يرضاه منك، هذه هي الغيبة [ وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة فقال صلى الله عليه وسلم للسائل: ( ذكرك أخاك بما يكره ). قطعاً هذا في حال غيابه عن المجلس، فقال السائل ] للرسول صلى الله عليه وسلم: [ ( أرأيت إن كان في أخي ما يكره؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن كان فيه ما يكره فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما يكره فقد بهته ). والبهتان أعظم، وهو أسوأ أنواع الغيبة ] فالغيبة ذكرك أخاك وهو غائب بشيء يكرهه، فإن لم يكن فيه ما يكره وذكرت ما ليس فيه فقد بهته، والبهتان شر من الغيبة، وهو أعظم أنواعها، وقد قال تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12].

    قال: [ وقوله تعالى: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا [الحجرات:12]؟ والجواب معلوم، هو: لا، لا، قطعاً ] لا أحد يحب ذلك [ إذاً فكما عُرض عليكم لحم أخيكم ميتاً فكرهتموه، فاكرهوا إذا أكل لحمه حياً، وهو عرضه، والعرض أعز وأغلى من الجسم ] وهذه كلمة عجيبة، فلو قدم لك فخذ أخيك مشوياً فإنك لا تأكله، وكذلك لو قدم لك كبده وهو ميت، بل تكره ذلك، وإذا قدم لك فخذه وهو حي فهذا أبشع؛ ولهذا قال: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا [الحجرات:12]، أي: جيفة. فإذاً: إذا كان حياً فمن باب أولى، فإذا كرهته وهو ميت فإذا أخذ من فخذه وهو يصرخ وهو حي وقدمه لك فلن تأكله. وسبحان الله العظيم! ما ترك الله شيئاً يرفعنا إلا بينه لنا.

    قال: [ وإليك هذا البيت من الحكمة، فاحفظه وتأمله:

    فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً ]

    فهذا أخوك المؤمن يقول:

    فإن أكلوا لحمي

    أي: بالغيبة.

    وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً

    أي: الذي يهدم بيتي أبني له بيتاً، فهو يهدم وأنا أبني، فالذي يعيرني بالقبح والسوء فأنا أمجده بالحسن والخير. وهذا هو موقف المؤمن.

    الحث على التقوى

    قال: [ وقوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ [الحجرات:12]، أي: في غيبة بعضكم بعضاً؛ فإن الغيبة من عوامل الدمار والخراب والفساد بين المؤمنين.

    وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:12]، جملة تعليلية للأمر بالتوبة؛ إذ من اتقى الله خافه، وترك الغيبة وتاب. فأعلمهم الله عز وجل أنه تواب رحيم، يقبل توبة من تاب، ويرحمه فلا يعذبه بحال من الأحوال. فالحمد لله والمنة له. اللهم إنا تائبون إليك، فتب علينا، وارحمنا رب العالمين! ].

    أهمية دراسة نداءات الرحمن لأهل الإيمان

    اعرفوا قيمة هذه النداءات. ووالله العظيم إنه ليجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يسمعها، وأن يعرف مراد الله منها، وأن يعمل في حدود طاقته بما حوته ودعت إليه؛ إذ لا يعقل أن يناديك سيدك ومالك أمرك ومن بيده سعادتك وشقائك بعنوان حياتك وطهرك - فهو يناديك: يا مؤمن!- وأنت تلوي رأسك، وتكون بذلك كافراً. فهو يناديك ليعلمك وليرشدك وليهذبك وأنت لا تسمع، فهذا لا يجوز عقلاً. وإذا ناداك مدير المصنع أو رئيس المصلحة ولويت رأسك فإنه يطردك، وربك ومالك أمرك لا يناديك ليشقيك ولا ليذلك، ولا ليهينك ولا ليفقرك والله، بل يناديك ليرفعك وليعزك وليكملك، وأنت تأبى أن تسمع نداءاته، أو تسمع ولا تبالي بما فيها، فهذا لا يعقل. ولولا علمه تعالى بأننا نعمل بها لما نزلها، فهو لا ينادينا عبثاً، وحاش الله أن يعبث ويلهو.

    ويجب أن توجد هذه النداءات عند رأس كل مؤمن، فلا ينام حتى يسمع نداءً، والذي لا يحسن القراءة يقول لمن بعرفها: من فضلك أسمعني نداء من نداءات ربي.

    وقلنا: ينبغي أن توجد في الفنادق، ويوضع على كل سرير كتاب من هذه النداءات؛ من أجل أن نعلم؛ فنسمو ونعلو ونرتفع، ومن أجل أن نطهر ونصفو، ونكون أهلاً للسماع، والنزول بالملكوت الأعلى، وهذه ليست أوهاماً ولا عبثاً ولا خيالات.

    [ سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ] وصلّ اللهم على نبينا محمد وعلى وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756343965