أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وبعد:
فما زال الكلام في الزنا موصولاً -نسأل الله تعالى لنا ولكم العافية- فالباب الرابع باب: [رجم الثيب في الزنا]. والثيب: هو المحصن سواء كان رجلاً أو امرأة. والمحصن: هو الناكح أو المنكوح -الرجل الناكح والمرأة هي المنكوح- بعقد صحيح. ونحن قلنا في الدرس الماضي: أن الإحصان يجب أن يكون في عقد أو زواج صحيح لا فاسد ولا وطء بشبهة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا: حدثنا ابن وهب - عبد الله بن وهب المصري - أخبرني يونس عن ابن شهاب].
وقلنا مراراً: أن يونس إذا أتى بين ابن وهب وابن شهاب فإنما هو يونس بن يزيد الأيلي .
قال: [أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة المسعودي أنه سمع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول: (قال
قوله: (قال عمر رضي الله عنه ذات يوم وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم). وهذا يدل على أن الأمر كان شائعاً بين الصحابة بغير استنكار، وإلا لو كان كلام عمر فيه ما ينكر لأنكر عليه السامعون، وهم من هم في العلم والإمامة والسيادة، ولا يخشون في الله لا عمر ولا غير عمر ، فلو كان في كلام عمر ما لا يشهد له الكتاب ولا السنة لأنكر عليه جمع من أصحابه، فلما لم ينكر عليه أحد دل ذلك على أن عمر رضي الله عنه إنما خاطب الصحابة رضي الله عنهم بأمر كان مستقراً لديهم، وكانوا يعرفونه سلفاً. فكان مما قال عمر رضي الله عنه: (إن الله قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق) وهذا حق لا مرية فيه.
قوله: (وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم) أي: كان مما أنزل على النبي محمد في القرآن الكريم آية الرجم التي هي: ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة) وهذا كلام الله عز وجل قد جاء به جبريل من السماء وحياً إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
قوله: (الشيخ والشيخة) أي: المحصن والمحصنة.
قوله: (إذا زنيا فارجموهما ألبتة) يعني: ارجموهما حتى الموت. ولكن هذه الآية نسخت تلاوة ولم تنسخ حكماً، فحكمها باق إلى قيام الساعة، أما لفظها في كتاب الله فمنسوخ، والنسخ في القرآن إما نسخ لفظي مع بقاء الحكم كما هو الحال في هذه الآية، وإما نسخ الحكم وبقاء اللفظ كما هو الحال في الكثير من الآيات وهو ما يعرف عند أهل العلم بالناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، وإما أن تنسخ الآية تلاوة وحكماً. فهذه الثلاثة أنواع من النسخ في كتاب الله عز وجل.
والقرآن ينسخ بعضه بعضاً، كما أن القرآن ينسخ السنة، والسنة تنسخ بعضها بعضاً، كما أن السنة تنسخ القرآن أيضاً.
قوله: فقال عمر : (فكان مما أنزل عليه آية الرجم، قرأناها) أي: في حضرة النبي عليه الصلاة والسلام. (ووعيناها) وعياً أكيداً.
قال: (وعقلناها، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده). بعد بيان أن آية الرجم منسوخة انتقل بعد ذلك إلى السنة العملية للنبي صلى الله عليه وسلم فبين أنه قد رجم، وأن الصحابة رضي الله عنهم قد رجموا من بعده، رجم أبو بكر ورجم عمر ورجم عثمان ورجم علي رضي الله عنهم أجمعين. وأنتم تعلمون أننا مأمورون باتباع سنة الخلفاء الراشدين، وأنهم راشدون مهديون، وقد أمرنا أن نتمسك بسنتهم، وأن نعض عليها بالنواجذ؛ لأنها دين، ويكاد إجماع الخلفاء الأربعة يكون إجماعاً معتبراً، لولا أن بعض أهل العلم قالوا: إجماع الأربعة ليس إجماعاً، إنما الإجماع المعتبر هو إجماع الصحابة رضي الله عنهم.
قال: (فأخشى إن طال بالناس زمان) يعني: أخشى إن طال بالناس العهد وطالت بهم الأيام. (أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله) إنما الذي نجده في كتاب الله: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ
[النور:2] فالجلد في كتاب الله، أما الرجم فليس في كتاب الله. والخوارج وبعض فرق الضلال قالوا: لا نجد في كتاب الله الرجم. وقال ذلك من بعدهم ورثة الأسافل والأراذل المسمون بالقرآنيين في هذا الزمان. قالوا: ما وجدنا في كتاب الله حلالاً حللناه، وما وجدنا في كتاب الله حراماً حرمناه. والنبي عليه الصلاة والسلام قد أخبرنا عن هؤلاء. قال: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته شبعان يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: دعونا من هذا، فما وجدنا في كتاب الله حلالاً حللناه، وما وجدنا في كتاب الله حراماً حرمناه. قال النبي عليه الصلاة والسلام: ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) هكذا ثلاث مرات. فالنبي عليه الصلاة والسلام يبين أن سنته في خاصية التشريع كالقرآن سواء بسواء وتماماً بتمام، والسنة إنما بينت مجمل القرآن وخصصت عام القرآن؛ ولذلك الإمام أحمد يقول: السنة قاضية على الكتاب. أي: أن الكتاب لا يفهم إلا من خلال السنة، فأين تجدون في كتاب الله أن الظهر أربع ركعات وأن المغرب ثلاث؟ وأين تجدون في كتاب الله قطع يد السارق ومن أي الأماكن تقطع؟ أين تجدون في كتاب الله نصاب السرقة الذي يوجب إقامة الحد؟ وأين تجدون في كتاب الله عدد الركعات وكيفية القراءة والركوع والسجود وهيئته؟ وأين تجدون في كتاب الله أعمال الحج من طواف وإفاضة وسعي ورمي للجمرات ووقوف بعرفة وغير ذلك؟ أين تجدون هذا في كتاب الله عز وجل؟ لا بد للسنة أن تكون قائمة جنباً إلى جنب مع كتاب الله عز وجل، فدين الله لا يفهم إلا من خلال قال الله قال رسوله.. أجمع أهل العلم.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه
فهكذا نجد الرجم في سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ونجد الجلد في كتاب الله وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فكما أن السنة أيدت القرآن في كثير من الأحكام نجد أن السنة كذلك قد استقلت ببعض الأحكام، فليس بلازم أن تكون كل مسألة شرعية في كتاب الله عز وجل، إنما هي في كتاب الله على سبيل الإجمال وعلى سبيل العموم، والسنة بينت ذلك وفصلته.
قال عمر : (فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله عز وجل) وهي فريضة إقامة حد الرجم.
قال: (وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن).
أي: أنزله الله تعالى في قوله: (الشيخ والشيخة).
قال: (من الرجال والنساء؛ إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف) هنا عمر رضي الله عنه يبين طرق ثبوت الحد، وأن طريق إثبات الحد -أي: جريمة الزنا- الاعتراف أو الحبل، أو البينة. والاعتراف هو الإقرار، أن يأتي الشخص يقر بين يدي الوالي أو من ينوب عنه أنه قد زنى، فيجلد مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً على خلاف سنتعرف عليه بإذن الله.
فإذا اعترف أقيم عليه الحد، فإن رجع عن اعترافه قبل قيام الحد أو في أثناء قيام الحد كان رجوعه معتبراً، وهذا لا خلاف عليه بين أهل العلم. وإن ظهر الحبل على المرأة ولم يكن لها زوج وهي ثيب فظهور الحبل أو الحمل عليها هو بمثابة الإقرار أو البينة على أنها فجرت وارتكبت الفاحشة. أو البينة من الأمارات وشهادة الشهود وغير ذلك. فإذا كان شيء من هذه الأمور الثلاثة أقيم الحد على من استوجب إقامة الحد عليه.
قال: [وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن أبي عمر - محمد بن يحيى - قالوا: حدثنا سفيان - وهو ابن عيينة - عن الزهري بهذا الإسناد].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وبعد:
فما زال الكلام في الزنا موصولاً -نسأل الله تعالى لنا ولكم العافية- فالباب الرابع باب: [رجم الثيب في الزنا]. والثيب: هو المحصن سواء كان رجلاً أو امرأة. والمحصن: هو الناكح أو المنكوح -الرجل الناكح والمرأة هي المنكوح- بعقد صحيح. ونحن قلنا في الدرس الماضي: أن الإحصان يجب أن يكون في عقد أو زواج صحيح لا فاسد ولا وطء بشبهة.
قال: (كما أجمع أهل العلم على أنه إذا قامت البينة بزناه وهو محصن يرجم). يعني: البينة لا خلاف عليها، فإذا قامت البينة رجم بالإجماع.
فشهادة الفاسق لا تصح وليس عليها العمل في هذا الجرم أو في هذه الفاحشة، فإنه يشترط فيها العدالة, والعدالة باختصار هي: ملكة في النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة. ومنهم من عرف العدالة بعدم اقتراف كبائر الذنوب، وترك الإصرار على الصغائر. يعني: لا يكون قد ارتكب كبيرة ولا أصر على صغيرة. هذا تعريف آخر للعدالة، وهناك تعريفات أخرى غير ما ذكرناه، وأرجح التعريفات فيها: أنها ملكة تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة. وهذا تعريف الحافظ ابن حجر لمعنى العدالة.
قال: (وأجمعوا على أن البينة أربعة شهداء ذكور عدول، هذا إذا شهدوا على نفس الزنا). يعني قالوا: رأينا بأعيننا الإيلاج؛ فإنه لا يكفي أن رجلاً قبَّل امرأة، ولا يلزم من هذا أنه يكون قد باشرها أو جامعها، ولو فاخذها ولو نام معها في لحاف واحد لا يلزم من ذلك أن يكون قد جامعها، وهذا شيء في غاية القبح وفي غاية الخسة والنذالة، لكن هناك فارق عظيم جداً بين هذا الشيء القبيح وبين ترتب إقامة الحد عليه؛ لأن إقامة الحد لا يقام إلا على من زنى حقيقة، وشهد الشهود أنه قد أولج في المرأة حقيقة، وأنهم رأوا ذلك بأعينهم.
فمثلاً: هب أن ثلاثة شهدوا عند القاضي أو الوالي أو النائب أنهم قد رأوا الإيلاج بأعينهم، فعلى القاضي أن يقيم على الشهود حد القذف؛ لأن النصاب لم يجتمع، وأعراض الناس مصانة أن تدنس، وهذا فيه أعظم زاجر للناس ليكفوا ألسنتهم عن الخوض في أعراض الآخرين حتى ولو كانوا كفاراً؛ لأنه لا يحل لنا أن نتهم الكفار بتهمة لم يرتكبوها، وهذا من عدالة الإسلام؛ فإنه لم يأذن بذلك.
قال: (وأجمعوا على وجوب الرجم على من اعترف بالزنا وهو محصن يصح إقراره بالحد).
إذا أتى إنسان وأقر بين يدي الوالي أو الحاكم وقال: أنا زنيت، وشهد على ذلك واعترف وأقر أقيم عليه الحد، ولكنهم اختلفوا في إقرار السكران، وهل يلزم أن يعترف الزاني أربع مرات عند القاضي أنه قد زنى؟ الحقيقة أن من قالوا بلزوم تكرار الإقرار بين يدي القاضي أقام كل إقرار مقام الشاهد، وقالوا: لا بد من أن يشهد وأن يقر بين يدي القاضي أربع مرات. وإنما قالوا ذلك قياساً على الشهود، فقالوا: كل إقرار يحل محل الشاهد. كما أنه قد ورد في بعض الروايات التي تحدثت عن جريمة الزنا التي وقعت من ماعز بن مالك الأسلمي أنه أقر بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام أربع مرات.
قال: (وأجمعوا على وجوب الرجم على من اعترف بالزنا وهو محصن يصح إقراره بالحد، واختلفوا في اشتراط تكرار إقراره أربع مرات، وسنذكره قريباً إن شاء الله تعالى).
قال: (أما الحبل وحده فمذهب عمر رضي الله عنه وجوب الحد به إذا لم يكن لها زوج ولا سيد، وتابعه مالك وأصحابه فقالوا: إذا حبلت ولم يعلم لها زوج ولا سيد، ولا عرفنا إكراهها لزمها الحد...) وهذا شيء ثالث: إذا كانت هذه المرأة لا زوج لها ولا سيد، ولا علمنا أن أحداً أكرهها -لأن المرأة إذا أكرهت على الزنا لا يقام عليها الحد- حدت.
قال: (وقال الشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء: لا حد عليها بمجرد الحبل سواء كان لها زوج أو سيد أم لا، سواء الغريبة وغيرها، وسواء ادعت الإكراه أم سكتت، فلا حد عليها مطلقاً إلا ببينة أو اعتراف) فلم يعتبروا الحبل كافياً في إقامة الحد عليها. قال: (لأن الحدود تسقط بالشبهات).
وأنتم قد سمعتم هذا، وأنا سمعته مراراً وتكرراً، فلا شك أن هذا باب عظيم جداً وسبب في من أبواب الفاحشة، ولو صدقناه وآمنا به لكان هذا باباً عظيماً جداً وسبب في انتشار الفاحشة في المجتمع. وعلى أية حال: عقيدتنا أن الجن يصرع الإنس، وأن الإنس يستعينون بالجن فيزيدهم الجن رهقاً، وأننا نؤمن بالجن كما قد آمنا بالإنس، وأن الاتصال قائم بين الإنس والجن ولكن ليس على أساس شرعي.
وهناك فارق عظيم جداً بين إمكانية وقوع الشيء وبين مشروعية هذا الشيء، فإمكانية الفجور بين الإنس والجن قائمة، ويمكن أن يتصل الإنسي بالجني أو الجني بالإنسي، ويكون بينهما من الزنا والفواحش كما بين الجن والجن وكما بين الإنس والإنس، لكن هذا غير مشروع، ونحن نؤمن بالصرع كما نؤمن أن علاجه في كتاب الله وفي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام.
إذاً: هناك فارق بين إمكانية الوصال والفجور بين الإنس والجن وبين مشروعية ذلك، فنقول: إن عالم الإنس له خصائصه وله أصوله وله مادته التي تكون منها، وهي تختلف عن مادة الجن، فالله تعالى خلق الجن من نار، وخلق الإنس من الطين، وخلق الملائكة من النور، فهذه ثلاثة مصادر أصيلة مختلفة بعضها عن بعض في أصل تكوين هؤلاء الخلق، فالجن لا يتصلون بالإنس اتصالاً مشروعاً بما يسمى النكاح لاختلاف الطبيعة.
وأما زعم من يزعم أنه متزوج بجنية أو جني يزعم أنه متزوج بفلانة من الإنس فهذا كلام يمكن وقوعه لكنه غير مشروع، كما أن الزنا بين الرجل والمرأة يمكن وقوعه لكنه أمر غير مشروع، ففارق عظيم بين المشروعية وبين إمكانية الوقوع، فالوقوع ممكن، بل ممكن أن تتم الفاحشة بين إنسان وأنثى الكلاب وأنثى الحمير وأنثى الطير وأنثى الوحوش والسباع، لكنه غير مشروع. فلو زعم إنسان أنه قد تزوج أنثى الكلاب فهذا لا يصح لاختلاف الطبيعتين، ولو زعم أحد أن ذكر الفهد تزوج بأنثى الحمار فهذا غير صحيح لاختلاف الطبيعة، وهكذا اختلاف الطبيعة بين الإنس والجن.
والأصل في الجن الكذب، فلا يُصدقون لأول وهلة، وقد مررنا بأحوال وأطوار كثيرة جداً، وكان من أطرف هذه الأحوال: أن شيخنا الألباني عليه رحمة الله ذهب إليه أحد أصحابنا -وهذا في سنة (1984م) أو (1985م)- وقال: يا شيخ! أنا أدعوك لعقد نكاحي على امرأة من الجن، فنصحه الشيخ بأن هذا لن يتم ولن يرضى الجن بذلك. فقال الرجل: بل يرضون، وقد أخذت عليها العهود والمواثيق وغير ذلك. فقال: إذاً: على بركة الله، شريطة أن تظهر لنا وأن نناقشها وتناقشنا. فقال: والله أنا أعرض الموضوع عليها وإن شاء الله يكون خيراً، وحدد موعد العقد، وحضرت العروس ولم يرها من الحاضرين أحد قط، فقال هذا الزوج: يا شيخ! والله هي كلما قابلتني أو قابلتها طلبت مني أن أقرأ عليها قرآناً؛ لتسمع وتنعم بالقرآن الكريم. فقال الشيخ الذكي رحمه الله: ليست العبرة بأن تسمع القرآن إنما العبرة بأن تقرأ هي القرآن، فإذا كانت تتحرج أن تظهر علينا فلا أقل من أن تقرأ هي ونسمع نحن صوتها. فانصرفت هذه الجنية إلى غير رجعة.
إذاً: بالنسبة للحبل اختلف فيه أهل العلم، فذهب الجماهير إلى أن الحبل وحده لا يقام به الحد سواء كان لها زوج أو سيد، أو ليس لها، وسواء كانت غريبة أو من أهل البلد. وأما مالك وأصحابه ومن قبلهم عمر بن الخطاب فقالوا: إن الحبل يقوم مقام البينة، أو يقوم مقام الإقرار، وبالتالي يقام عليها الحد، وهذا الذي يترجح لدي: أن المرأة إذا ظهر عليها الحبل ولم يكن لها زوج ولا سيد أقيم عليها الحد.
لما أقر على نفسه أربعاً، سأله النبي عليه الصلاة والسلام: (أبك جنون؟) أي: هل أنت مجنون؟ لأن إقرار المجنون لا عبرة به؛ لأنه ليس مكلفاً، فهو فاقد الأهلية.
والجنون: آفة تلحق العقل فتغيبه وتجعل المرء يخرف أو يهرف بما لا يعرف.
فقال: لا. لست مجنوناً. قال: (فهل أحصنت) أي: هل تزوجت؟ قال: (قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به فارجموه). ورجم بالحجارة. وأعداء الإسلام يقولون: هذا دين الوحشية ودين الدماء، المهم أنهم في كل قضية يلفقونها في الإسلام يقعون في أفحش منها. يقولون: كيف يجعل الإسلام للرجل أربع نسوة؟ فنقول: المرأة عندكم تتخذ مائة خليل، والرجل يتخذ مائة خليلة، وهذا عندكم لا ينكر؟!
إذا كان اليهود ينقمون على نبينا أنه تزوج تسعاً من النسوة فإن داود عليه السلام تزوج العدد الهائل من النساء، وسليمان تزوج العدد الهائل من النساء صلى الله عليهما وسلم، وهذا أمر نحن نقبله ونحبه لأنه بشرع السماء، لكنكم تنكرون علينا شيئاً هو بعض ما عندكم، والفرق بيننا وبينكم أنه عندنا بإذن الشارع وأنه عندكم بغير إذن الشارع، وإنما هو معصية لله عز وجل إذ تتخذون الخليلات والعشيقات.
والحرة: مكان عند بقيع الغرقد، وهي المكان الذي يتكون من الحجارة السود، فلما هرب منهم توجه نحو الحرة فأدركوه فأقاموا عليه الحد هناك حتى قتلوه.
وفي رواية: (أن رجلاً قابله عند الحرة فضربه بوظيف كان معه فقتله)، المهم أن هذا الرجل قتل عند الحرة.
قال: [ورواه الليث أيضاً عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب بهذا الإسناد. مثله].
قال: [وحدثنيه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي حدثنا أبو اليمان - الحكم بن نافع الحمصي - أخبرنا شعيب - وهو ابن أبي حمزة الحمصي - عن الزهري بهذا الإسناد أيضاً، وفي حديثهما جميعاً قال ابن شهاب : أخبرني من سمع جابر بن عبد الله كما ذكر عقيل].
والمرء ربما يُقبل امرأة فيرى أن ذلك زنا، صحيح أنه زنا، لكنه ليس من الزنا الذي يقام عليه الحد، كما قال عليه الصلاة والسلام: (كتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدركه لا محالة، فالعين تزنيان وزناهما النظر، واليدان تزنيان وزناهما البطش وغير ذلك. ثم قال: والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه). يعني: إقامة الحد كلها مترتبة على الفرج، وإن كانت هذه المعاصي التي تؤدي إلى الزنا تسمى زنا، لكنها ليست من النوع الذي يقام فيه الحد، ولذلك استفرغ النبي عليه الصلاة والسلام وسعه في درء الشبهات عن هذا المحدود وعن هذا المعترف المقر، يقول له: (لعلك لامست أو فاخذت أو قبلت) أي: لعلك فعلت ذلك وأنت متصور أن هذا هو الزنا الذي يقام به الحد، لكنه أقر أنه زنى (قال: نعم. يا رسول الله! قال: أقيموا عليه الحد) فبعد ذلك ليس هناك أدنى شبهة لدرء الحد عنه.
قال: [(ليس عليه رداء)] الرداء: هو ما يلبس في أعلى البدن، والذي يلبس في أسفل البدن يسمى الإزار.
قال: [(فشهد على نفسه أربع مرات أنه زنى)] فالذي يقول: لا بد من الإقرار أربع مرات يقف عند هذا الحديث ويستشهد به.
قال: [(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلعلك؟)] أي: اختصر. والمقصود: لعلك قبلت أو فاخذت أو لامست. وقد ساقه أبو داود في سننه صريحاً.
قال: [(قال: لا والله! إنه قد زنى الأخر)] الأخر يعني: الأرذل أو السفيه أو الأبعد أو الغشيم، فهذا رجل يدعو على نفسه، وهكذا كان العرب إذا وجهوا سؤالاً عن أنفسهم واحتقروا أنفسهم بوقوعهم في معصية أو ذنب قالوا ذلك، كما جاء عن الرجل الذي أفطر في نهار رمضان بسبب جماع أهله، فقال: (يا رسول الله! هلك الأبعد -يقصد نفسه- قال: وما ذاك؟ قال: وقعت على امرأتي في نهار رمضان. قال: هل عندك رقبة؟ قال: لا. قال: فصم شهرين متتابعين. قال: وهل أوقعني فيما وقعت فيه إلا الصيام، لا أقوى على الصيام. قال: أطعم ستين مسكيناً. فقال: لا أجد يا رسول الله! فدخل النبي بيته وأتى بمكتل عظيم ممتلئ تمراً فأعطاه إياه وقال: أطعم منه ستين مسكيناً. قال: يا رسول الله! وهل تجد بين لابتيها -أي: جبليها. جبلي المدينة- أفقر مني ومن أهل بيتي. قال: اذهب فاجعلها في بيتك وفي أهل بيتك).
الشاهد: أنه قال: (هلك الأبعد يا رسول الله!). وهنا قال: (إنه قد زنى الأخر. قال: [قال: فرجمه)] أي: بعد أن اعترف أربع مرات.
قال: [(ثم خطب فقال: ألا كلما نفرنا غازين في سبيل الله خلف أحدهم له نبيب كنبيب التيس)] يعني كلما خرجنا للغزو يتخلف منكم واحد مع النساء أو العيال (له نبيب كنبيب التيس) أي: له صوت حين وقوع الجريمة منه كصوت التيس. وهذا تقريع وتوبيخ من النبي عليه الصلاة والسلام لمن همت به نفسه أن يباشر مثل هذه الفاحشة.
قال: [(يمنح أحدهم الكثبة، أما والله إن يمكني من أحدهم لأنكلنه عنه)] يعني: لو أن الله تعالى مكنني من واحد يفعل هذا لنكلت به تنكيلاً. أي: لآذيته وضربته وقرعته وأقمت عليه الحد حتى يعتبر هو ومن معه.
قال: [وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار -واللفظ لـابن المثنى- قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك بن حرب قال: وفي رواية: سمعت جابراً يقول: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قصير أشعث ذي عضلات عليه إزار وقد زنى، فرده مرتين ثم أمر به فرجم)] انظروا إلى قوله: فرده مرتين، لم يرده في هذه الحالة أربعاً وإنما رده مرتين. وفي رواية: (فرده مرتين أو ثلاثاً). وهذا حجة الجمهور بأن الإقرار ولو مرة واحدة يكفي في إقامة الحد، وأنه لا يلزم الإقرار أربع مرات.
قال: [(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلما نفرنا غازين في سبيل الله تخلف أحدكم ينب نبيب التيس يمنح إحداهن الكثبة)] أي: يعطي المرأة لبنه وماءه. وهذا كناية عن الزنا.
فقوله: (يمنح إحداهن) أي: يزني بالمرأة فيعطيها لبنه ويعطيها ماءه.
قال: [(إن الله لا يمكني من أحد منهم) أي فعل ذلك (إلا جعلته نكالاً) أي: جعلته عبرة وعظة لمن همت به نفسه أن يصنع مثل صنيعه.
قال: [فحدثته سعيد بن جبير فقال: (إنه رده أربع مرات)].
وفي رواية جابر كذلك قال: [(فرده مرتين)].
وفي رواية أبي عامر العقدي : (فرده مرتين أو ثلاثاً).
ولا تعارض بين هذه الرواية وبين الرواية السابقة: أنه هو الذي أتى إلى النبي وقال: (يا رسول الله! إني زنيت. أربع مرات)؛ وذلك لأن أصل القصة قد ورد مطولاً عند أبي داود في كتاب الحدود من طريق نعيم بن هزال وهو سيد ماعز ، لما زنى ماعز رفع الأمر إلى سيده وقال: لقد زنيت. فاستدرجه سيده إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اذهب بنا إلى النبي لعله ينزل فيك قرآن) يعني: بالتوبة. فـماعز لم يأت إلى النبي عليه الصلاة والسلام ليقام عليه الحد، وإنما أتى بناءً على قول سيده وطمعاً في رحمة الله، وأن ينزل الله فيه قرآناً بالتوبة.
ثم أوقف ماعزاً ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! لقد زنى
قال: (فاستنكهه رجل من قومه -يعني: دنا من فمه حتى شم رائحته. قال:- يا رسول الله! والله ما به من سكر) فلما أزيلت هذه الشبهات كلها بقي إقامة الحد، لكن لما جيء بالرجل هذا قال: (يا رسول الله! أنا زنيت، فأشاح بوجهه الناحية الثانية) وكان بإمكان ماعز أن يرجع وحينئذ لا يسأله النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يسأله، ولا يدرأ عنه الشبهات. وأنتم تعلمون أن النبي ما بدأ بدرء الشبهات إلا بعد الإقرار أربعاً، فقال: (أحق ما بلغني عنك؟ قال: وما بلغك عني؟ قال: بلغني أنك وقعت بجارية آل فلان. قال: نعم. قال: فشهد أربع شهادات ثم أمر به فرجم).
قال: [(فرده النبي صلى الله عليه وسلم مراراً. قال: ثم سأل قومه فقالوا: ما نعلم به بأساً)] هل هذا مجنون؟ قالوا: لا. ما نعلم به جنوناً ولا بأساً ولا علة ولا آفة.
قال: (إلا أنه أصاب شيئاً) يعني: هذا الرجل كان على الستر والسلامة وكان من الصالحين، وما ارتكب شيئاً يشينه إلا هذا الشيء.
قال: [(يرى أنه لا يخرجه منه إلا أن يقام فيه الحد)] يعني: هذا الرجل لا نعلم عنه إلا خيراً، غير أنه قد ارتكب الفاحشة، وهو يرى أنه لا يخرج من هذا الذنب إلا بإقامة الحد عليه.
قال: [(قال: فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن نرجمه)] وليس في هذا الحديث ذكر أنه أقره أربعاً وإنما مرة واحدة.
قال: [(فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد)] وهو مكان بين البقيع وبين المسجد النبوي، فالمنطقة التي بين المسجد النبوي وبين بقيع الغرقد كانت منطقة يقام فيها الحدود، وتصلى فيها الأعياد، ويصلى فيها الاستسقاء وغير ذلك، فقد كانت خلاء أهل المدينة، وهي خلاء حقاً؛ لأنها صحراء فقد كان هذا المكان لصلاة العيد والاستسقاء والمحافل التي يجتمع لها الناس كصلاة الجنازة وغيرها؛ ولذلك يطلق عليه بعض أهل المدينة إلى يومنا هذا: (مصلى الجنائز)، مع أن الجنائز هناك يصلى عليها في المساجد الآن، لكن بعض أهل المدينة القدامى الذين أدركوا صلاة الجنازة خارج المسجد -وهو السنة- لا يزالون يطلقون على الساحة التي بين بقيع الغرقد وبين المسجد: مصلى الجنائز. فقوله: (فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد) أي: إلى مصلى الجنائز.
قال: [(فما أوثقناه ولا حفرنا له)] يعني: ما ربطناه بالحبال كي نقيم عليه الحد ولا يهرب، والسنة أن يحفر للرجل كما يحفر للمرأة، المرأة يحفر لها إلى صدرها فتوضع في الحفرة وترجم بالحجارة حتى تموت، وهذا أستر لها حتى لا تنكشف عورتها. أما الرجل فإنه يحفر له إما حفرة عظيمة أو حفرة يسيرة؛ ولذلك جاء في حق ماعز روايتان: رواية بين أيدينا: (فما أوثقناه ولا حفرنا له). ورواية: (فحفرنا له وأقمنا عليه الحد) وكلا الروايتين صحيحة، والجمع بينهما: أن قوله: (حفرنا له) أي: حفرة يسيرة وليست حفرة عميقة، بل يمكن الهرب منها؛ ولذلك هرب منهم إلى الحرة فتبعوه حتى قتلوه هناك.
ومعنى: (فما أوثقناه ولا حفرنا له). أي: ما ربطناه ولا حفرنا له حفرة عظيمة كما حفرنا لغيره ممن أقمنا عليه الحد.
قال: [(فرميناه بالعظم والمدر والخزف)] يعني: ما بكل شيء يمكن به الرمي، وهذا يدل على أن الحجارة غير متعينة. يعني: لا يلزم أن نرجم بالحجارة، المهم أي شيء يحدث إزهاق الروح مما يمكن إلقاؤه، فإقامة الحد بالسيف ليس من السنة، لكن بالحجارة وما يقوم مقامها كالخشب ونحوه، كما أن الاستجمار ورد النص فيه أنه بالحجارة إلا أن الحجارة غير متعينة، وإنما الاستجمار بالحجارة وما يقوم مقامها.
قال: [(فاشتد واشتددنا خلفه)] يعني: أسرع يعدو هارباً.
قال: [(واشتددنا خلفه)] يعني: أيضاً نحن جرينا وراءه وما تركناه.
قال: [(حتى أتى عرض الحرة)] يعني: جانباً من جوانب الحرة.
قال: [(فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة)] والجلاميد: جمع جلمود، وهي الحجارة العظيمة.
قال: [(حتى سكت)] وفي رواية: (حتى سكن) والمعنى المراد: أنه مات.
قال: [(ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً من العشي)] يعني: في الليلة هذه قام النبي خطيباً عليه الصلاة والسلام. [فقال: (أوكلما انطلقنا غزاة في سبيل الله تخلف رجل في عيالنا)] يعني: يبقى رجل في النسوة والأطفال وغير هؤلاء.
قال: [(له نبيب كنبيب)] أي: طلباً للفاحشة والزنا كطلب التيس.
قال: [(علي أن لا أوتى برجل فعل ذلك إلا نكلت به. قال: وما استغفر له ولا سبه)].
فالجواب: حتى لا يكون استغفار النبي صلى الله عليه وسلم ذريعة لغيره من الأحياء في طلب الاستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم إن وقع فيما وقع فيه ماعز .
إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم ترك الاستغفار له؛ مخافة أن يقع في مثل فعله الآخرون طلباً لاستغفار النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: (ولا سبه).
فإن قيل: ولم لم يسبه وقد ارتكب الزنا؟
الجواب: لأنه قد تاب بإقامة الحد عليه. وأنتم تعلمون أن من تاب من الذنب كمن لا ذنب له، فكيف يسب من لا ذنب له؟ فترك النبي الاستغفار له كما ترك سبابه وشتمه، ولم يصل عليه، وإنما صلى على الغامدية، وذلك من باب الزجر للأحياء عن ذلك.
وصلى على الغامدية للفارق بين ما كان من أمر ماعز وما كان من أمر الغامدية، فهناك أمور دعت النبي عليه الصلاة والسلام إلى ألا يصلي على ماعز. يقول العلماء: لأن ماعزاً فر لما مسه العذاب، والغامدية لم تفر، وماعز أقر في مجلس واحد أربع مرات، فحكم النبي عليه الصلاة والسلام في نفس المجلس بالرجم، أما الغامدية أتت وقالت: (إني فجرت، فلا تردني كما رددت
وقالت له: (وأنا حبلى من الزنا. قال: ارجعي حتى تضعي حملكِ. فرجعت. فلما وضعت حملها أتت به -وكل هذا والصحابة ينظرون- فقال: ارجعي حتى تفطميه، فرجعت حتى فطمته، ثم أتت به إلى النبي عليه الصلاة والسلام وفي يده كسرة خبز) وكل هذا شواهد قوية على أن المرأة قد تابت قبل إقامة الحد عليها، ولو أن المرء أقيم عليه الحد وإن لم يتب من الذنب فالحد كفارة.
إذاً: إذا أقيم الحد على محدود فمجرد الحد كفارة لذنبه، فما بالك لو جمع المحدود إلى الحد توبة قبل إقامة الحد عليه؟ وهذا فارق جوهري بين ما كان من أمر ماعز وما كان من الغامدية ؛ ولذلك ترك النبي عليه الصلاة والسلام الصلاة على ماعز . قيل: لأجل هذه الفروق. وقيل: ربما لبعض ضعاف النفوس من المنافقين أو حديثي العهد بالإسلام أو غير ذلك، فهو بذلك ترك الصلاة للمصلحة الشرعية على ماعز، ولم تتهيأ هذه الظروف في وقت إقامة الحد على المرأة الغامدية؛ ولذلك ترك الصلاة على ماعز وصلى على الغامدية. وقيل غير ذلك.
وفي رواية أخرى: [(فقام النبي صلى الله عليه وسلم من في العشي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد. فما بال أقوام إذا غزونا يتخلف أحدهم عنا له نبيب كنبيب التيس. ولم يقل: في عيالنا)].
وفي رواية سفيان قال: [(فاعترف بالزنا ثلاث مرات)] ولم يقل: أربعاً.
قال: [عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه -أي: بريدة بن الحصيب- قال: [(جاء
قال: [(فقال: ويحك! ارجع فاستغفر الله وتب إليه)] (ويحك): كلمة رحمة، كما قال الحسن البصري. وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالاستغفار قبل أن يسمع منه الجريمة.
قال: [(فرجع غير بعيد -رجع مرة ثانية إلى النبي عليه الصلاة والسلام- وقال: يا رسول الله! طهرني. قال: ويحك! ارجع فاستغفر الله وتب إليه. قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول الله! طهرني فقال النبي مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيم أطهرك؟)] (فيم) هنا سببية. أي: بسبب ماذا أطهرك؟ أو ما هي الجريمة التي أطهرك منها؟
قال: [(فقال: من الزنا. فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبه جنون؟ فأخبر أنه ليس بمجنون. فقال: أشرب خمراً؟ فقام رجل فاستنكهه -يعني: شم رائحته- فلم يجد منه ريح خمر. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أزنيت؟ قال: نعم. فأمر به فرجم، فكان الناس فيه فرقتين -أي: اختلف الناس وصاروا فريقين- قائل يقول: لقد هلك، لقد أحاطت به خطيئته. وقائل آخر يقول: ما توبة أفضل من توبة
وفي رواية قال: (أتسبونه وإني لأراه الآن يسبح في أنهار الجنة؟) كلام جميل جداً.
وقال مالك والشافعي وآخرون: يثبت الإقرار به بمرة واحدة. أخذوا ذلك من حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (لما أتاه رجل وقال: يا رسول الله! إن ابني هذا كان أجيراً أو عسيفاً -أجيراً- عند فلان فزنا بامرأته، فأخبروني أن على ولدي الرجم فافتديت منه بمائة ناقة أو بمائة شاة، فاحكم بيننا يا رسول الله! قال: أما الشاة فهي رد عليك) ترجع لك ثانية. (وأما ولدك فعليه جلد مائة وتغريب عام، واغد يا
وقوله (فإن اعترفت فارجمها) يدل على أن المرأة كانت محصنة.
وحديث الغامدية ليس فيه إقرارها أربع مرات. واشتراط ابن أبي ليلى وغيره من العلماء إقراره أربع مرات في أربع مجالس متعددة مذهب بعيد.
أما قوله: (أبك جنون) قاله ليتحقق حاله، فإن الغالب أن الإنسان لا يصر على الإقرار بما يقتضي قتله. والعجيب أن النبي عليه الصلاة والسلام يتمنى لو أنه يرجع عن إقراره، يعني: مرة ومرتين وثلاثة وأربعة؛ يدرأ عنه الشبهات، ثم يكون بعد ذلك القضاء الشرعي. ومن هنا نعلم أنه لابد من الحفاظ على الدماء بقدر الإمكان، والحفاظ على الأعراض بقدر الإمكان، واحترام آدمية الآدمي إلى أقصى حد. فالإسلام احترم العوالم الأخر: عالم الحيوانات والطير والسباع حتى الحيتان في البحر، فما من مخلوق إلا وقد احترمه الإسلام وجعل له حقوقاً وعليه واجبات، لا كما يفعله القضاء اليوم.
وشتان بين نظام العدل الوضعي وبين نظام العدل الذي شرعه الله عز وجل وطبقه النبي عليه الصلاة والسلام عملاً، وطبقه الصحابة وخلفاؤه الراشدون، وشتان بين أخلاق الأمة في سالف أمرها وفي حاضر أمرها. والحسن البصري يقول: أعمالكم عمالكم. أي: على قدر أعمالكم يسلط عليكم العمال والأمراء والسلاطين والحكام، فنحن منهم وهم منا، فعلى قدر أعمالنا سلط الله تعالى علينا هؤلاء، وتسليط هؤلاء علينا أرحم بنا بكثير جداً من تسليط وزارة الأوقاف علينا. إي والله! نستطيع أن نتعامل مع ضباط الأمن، ولا نستطيع أن نتعامل مع إمام في مسجد فضلاً عن شخصية مرموقة في وزارة الأوقاف، وما ذلك إلا لأخلاقهم المنافية للالتزام، فترى كل واحد منهم يشرب سيجارة وبجانبه امرأة متبرجة، ويشير إليها بالعشق والهيام، ويشير إلى غيرها باللمز والغمز والهمز، وتجد الواحد منهم قد ظهرت فيه السمنة، ومعلوم أن الإنسان كلما امتلأت بطنه فرغ عقله؛ ولذلك يقول الإمام الشافعي: لا أعلم عيباً على محمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة إلا أنه سمين. فقد كان السلف يعيبون السمنة, وأنتم تعرفون أن الإمام الشافعي كان تلميذ محمد بن الحسن ، وقد تلقى الحديث على يديه، وكان عالماً جهبذاً ينصر مذهب الحنفية قبل أن يتحول عنه، ويأخذ بالدليل، فقد كان يقلد أبا حنيفة من قبل.
أما قوله عليه الصلاة والسلام: (اذهبوا به فارجموه) ففيه جواز استنابة الإمام من يقيم الحد. قال العلماء: لا يستوفي الحد إلا الإمام أو من فوض ذلك إليه، فلا يقيم الحد إلا المسئول، أما آحاد الناس فليس لهم ذلك.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
الجواب: هذا حديث موضوع. لكن العلم باتفاق العلماء أفضل من العبادة، بل العلم في ذاته عبادة، وذلك إذا نوى به الطالب أو المتعلم التقرب إلى الله عز وجل.
وقد كان السلف يقدمون طلب العلم على العبادة؛ ولذلك قام رجل من مجلس مالك بعد أن أذن المؤذن ليصلي ركعتين، فقال مالك: ماذا تصنع؟ قال: قمت لأصلي ركعتين، أما سمعت المؤذن يا إمام؟! قال: والله إن ما كنت فيه خير مما قمت إليه. يعني: الذي كنت فيه أولاً من طلب العلم وسماعه خير مما قمت إليه وهو صلاة ركعتين.
والمقصود: أن مجلس علم خير من سائر نوافل العبادات لا الفرائض.
الجواب: ليس بلازم، إذا تاب العبد بينه وبين الله عز وجل فإن هذه التوبة تجب ما كان قبلها.
الجواب: نعم. عليه ذلك، يجب عليه أن يبادر بالتوبة، وأن يستر نفسه ولا يحدث به الآخرين.
الجواب: نعم. كل ذنب له توبة حتى الشرك، فلو أن عبداً أشرك أو ارتد فله توبة، وباب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، وهذا باب التوبة العامة، أما باب التوبة الخاصة المتعلق بكل مكلف فإنه مفتوح حتى تبلغ الروح الحلقوم.
الجواب: الالتفات في الصلاة إنما هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة ابن آدم، وإنما له أن يلتفت شيئاً يسيراً ليتفل عن يساره ثلاثاً إذا وسوس إليه الشيطان.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر