إسلام ويب

دراسة موضوعية [7]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • صفة الكلام لله تعالى من الصفات الثابتة لله بالكتاب والسنة، وقد أثبتها أهل السنة والجماعة كما أثبتها الله لنفسه، وأثبتها له رسوله كما يليق به سبحانه، فهو سبحانه يتكلم بحرف وصوت متى شاء وكيفما شاء، والقرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، من اعتقد غير ذلك فقد ضل سواء السبيل.

    1.   

    من آداب طالب العلم: هجر الترفه

    قال المؤلف رحمه الله: [الأدب العاشر: هجر الترفه.

    لا تسترسل في التنعم والرفاهية؛ فإن (البذاذة من الإيمان) وخذ بوصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتابه المشهور، وفيه: (وإياكم والتنعم وزي العجم، وتمعددوا، واخشوشنوا...).

    وعليه فازور عن زيف الحضارة، فإنه يؤنث الطباع، ويرخي الأعصاب، ويقيدك بخيط الأوهام، ويصل المجدون لغاياتهم وأنت لم تبرح مكانك، مشغول بالتأنق في ملبسك، وإن كان منها شيات ليست محرمة ولا مكروهة، لكن ليست سمتاً صالحاً، والحلية في الظاهر كاللباس عنوان على انتماء الشخص، بل تحديد له، وهل اللباس إلا وسيلة من وسائل التعبير عن الذات؟! فكن حذراً في لباسك؛ لأنه يعبر لغيرك عن تقويمك في الانتماء والتكوين والذوق ولهذا قيل: الحلية في الظاهر تدل على ميل في الباطن].

    والمقصود بهذا الأدب هو أنه ينبغي على طالب العلم أن يهجر ويترك ما لا فائدة فيه من التنعم والرفاهية التي تورث الكسل، وتورث الضعف في طباع الإنسان، فإنه كما قال الشيخ: يرخي الأعصاب ويؤنث الطباع.

    الحذر من لباس العجم ولباس النساء

    وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتابه المشهور الذي كتبه إلى أبي موسى الأشعري وهو في القضاء، وذكر فيه كثيراً من الآداب والنصائح له ولمن كان تحت ولايته: (وإياكم والتنعم وزي العجم) وزي العجم هو اللباس الذي يكون للأعاجم، ولهذا لا ينبغي للمسلم أن يلبس مثل لباس الأنثى أو شبيهاً به، ومع الأسف أصبحت ملابس النساء وملابس الرجال تكاد تكون واحدة، فأصبحت البناطيل متشابهة والفنايل والبدلات متشابهة؛ حتى أن الإنسان يحار في بعض الأحيان في الفروق بين ملابس الرجال وملابس النساء فقد يضعون بنطالاً من البناطيل يعلنون عنه ويقولون: هذا نسائي، ويعلنون عن آخر ويقولون: هذا رجالي، وليس بينهما فرق.

    وهذه الأزياء التي بدأت تغزونا من الكفار لا شك أن لها تأثيراً كبيراً جداً على أبنائنا، وهذا التأثير يكون في الآداب والأخلاق والطباع، فإن من لبس لباساً يشبه لباس المرأة فلا شك أنه سيضعفه ويرخي أعصابه ويجعله ضعيفاً هزيلاً، ليس عنده من الرجولة ولا من القوة ما يمكن أن يتميز به عن غيره، ولهذا ظهر عند الغربيين نماذج عجيبة، فظهر عندهم الشاذون جنسياً، والعياذ بالله، وهي التي يسمونها: (المثلية)، يعني: أن الرجل يعشق مثله من الرجال، ولهذا قد يبيحون عقد الزوجية من رجل على رجل، أو من امرأة على امرأة، ونحو ذلك من غرائب الأحوال.

    بعض مظاهر الانهزامية التي أصابت بعض الشباب

    والحقيقة أنه مع الانفتاح العالمي الذي نعيشه اليوم من خلال الاتصالات، وتيسر انتقال العادات عن طريق السفر والالتقاء بالآخرين والإعلام، الذي له تأثير بالغ في حياة الناس، فقد يضعف كثير من الناس ويقلد الغربيين، دون أي حاجة لهذا اللباس أو لهذا التصرف، وبعض الأشخاص من الذين أخفقوا في دراسة اللغة الإنجليزية تجد أنهم مع هذا يستمعون إلى ديسكو باللغة الإنجليزية ولا يفهمون منه شيئاً، بل إن بعض الشباب مع الأسف أصبحت همته دنيئة إلى درجة كبيرة جداً، يتابع آخر موضة من موضات قصات الشعر، وآخر موضة من موضات الملابس، وآخر رقصة للاعب أو لمغن أو لمغنية.

    وقد ظهر في بلاد المسلمين عبدة الشيطان، ومن كان يتصور أن يظهر في بلاد المسلمين والموحدين وأهل الإيمان الذين أعزهم الله عز وجل بهذا الدين من يعبد الشيطان الذي هو أقبح قبيح وأشهر مذموم؟

    وإذا كان المذمومون في الدنيا كثرين فإن الشيطان أشهرهم، ومع هذا ظهر في كثير من بلاد المسلمين عبدة الشياطين، ويقومون بطقوس غريبة جداً، ومنها شرب دماء الكلاب والعبث الذي لا يتخيله أحد، والمبرر لهذه الأشياء هو عدم الاهتمام بالذات وعدم الشعور بالتميز، في حين أننا أمة المسلمين متميزة في كلامها وفي لباسها وفي أخلاقها وفي طباعها وفي كل أحوالها.

    الحث على الاهتمام بالتربية الصالحة

    وهذه المدنية وإن كان لها فوائد من جهات متعددة، ولكن لها آثار سلبية جداً على كثير من الناس، وبعض الصالحين قد لا ينتبه لهذه القضية في تربيته لأطفاله مثلاً، فقد تلبس بنته لباساً قصيراً أو شفافاً أو شبه عار ولا يهتم بمثل هذه القضايا، مع أن لها تأثيراً كبيراً جداً في أخلاق هذه البنت، ولها تأثير كبير في أسرته، ومع زوجته ومع نفسه أيضاً، ويمكن أن يراجع في هذا كلام الشيخ بكر أبو زيد في حراسة الفضيلة، فله كلام دقيق في غاية الأهمية يتعلق بتربية البنات والبعد عن الملابس غير اللائقة بهن، وعدم التساهل مع البنات في المحرمات، وفيما يتعلق بالموسيقى والرقص والملابس وبأشياء كثيرة.

    وكثير من الناس يتساهل ويقول: هؤلاء أطفال وليسوا مكلفين وكونهم ليسوا مكلفين، لا يعني أنه لا يربيهم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أبنائكم بالصلاة لسبع)، وهم غير مكلفين، (واضربوهم عليها لعشر)، وهم إلى الآن لم يكلفوا مع أن هناك ضرباً، ولهذا ينبغي الاهتمام بالتربية غاية الاهتمام، وهي في الحقيقة تبدأ من الإنسان نفسه، ثم يكون أثرها على أولاده وعلى زوجته وعلى مجتمعه، فيبدأ أولاً بالخلية الصغيرة في المجتمع وهي الأسرة ثم ينتقل بعد ذلك إلى بقية المجتمع.

    الظاهر عنوان الباطن

    قال المؤلف رحمه الله: [ولهذا قيل: الحلية في الظاهر تدل على ميل في الباطن، والناس يصنفونك من لباسك].

    فعندما ترى شباباً في الشارع يلبسون (الشورت) الذي بدأ ينتشر، وهي عبارة عن سراويل قصيرة يلبسونها ويمشون بها في الشوارع، ليس لأنهم لا يملكون ملابس حسنة، ولكنهم يبحثون عنها ويلبسونها ويظنون أنهم بهذا قد أحسنوا صنعاً، ولا يشعرون أنها خطأ وهذه المظاهر التي نراها في بعض الشباب تدل على فراغ وخواء في الداخل، كما قال الشيخ، وهذا الكلام ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، وهو: أن اللباس في الظاهر عنوان لحقيقة في الباطن، فتارة يدل على أن الإنسان فيه رعونة، وتارة يدل على أن الإنسان متمشيخ، وتارة يدل على أن هذا الإنسان ضعيف النفس، وتارة يدل على أن فيه خواء، وتارة يدل على أنه إنسان متزن وطباعه جيدة، وليس فيها ما يعاب.

    اللباس دليل على مدى عقل الإنسان

    قال المؤلف رحمه الله: [والناس يصنفونك من ملبسك، بل إن كيفية اللبس تعطي للناظر تصنيف اللابس من: الرصانة والتعقل، أو التمشيخ والرهبنة، أو التصابي وحب الظهور فخذ من اللباس ما يزينك ولا يشينك، ولا يجعل فيك مقالاً لقائل، ولا لمزاً للامز].

    وكثير من الشباب والدعاة يسألون عن حكم خروج الإنسان بملابس الرياضة لشراء أغراضه، أو إتيانه للصلاة مثلاً بثوب النوم أو بشيء من هذا القبيل، وفي بعض الأحيان قد لا يكون الشيء في حد ذاته محرماً، ولكنه يكون خارماً للمروءة، مثل: أن تجد إنساناً من الصالحين لحيته تملأ وجهه وهو بملابس الرياضة يمشي أمام الخلق، مع أن لبس ملابس الرياضة خاصة بالوقت الذي تلعب فيه الرياضة فإذا انتهى منها الإنسان، فلا مبرر له، ولو أن إنساناً أخذ ملابس السباحة ومشى بها في الشوارع فسوف يعاب، ولكن كثيراً من الدعاة لا يريد أن يجذب الناس إلى الأحسن، وإنما ينحدر معهم ويقول: أريد أن أختلط بالناس، صحيح أن الاختلاط بالناس مطلوب، ولكن أيضاً تربيتهم على الأمر النافع والطيب مطلوب أيضاً.

    أهمية الاهتمام بالمظهر الشرعي

    قال المؤلف رحمه الله: [وإذا تلاقى ملبسك وكيفية لبسك بما يلتقي مع شرف ما تحمله من العلم الشرعي، كان أدعى لتعظيمك والانتفاع بعلمك، بل بحسن نيتك يكون قربة، إنه وسيلة إلى هداية الخلق للحق.

    وفي المأثور عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أحب إلي أن أنظر القارئ أبيض الثياب. أي: ليعظم في نفوس الناس، فيعظم في نفوسهم ما لديه من الحق.

    والناس -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى- كأسراب القطا، مجبولون على تشبه بعضهم ببعض، فإياك ثم إياك من لباس التصابي، أما اللباس الإفرنجي، فغير خاف عليك حكمه، وليس معنى هذا أن تأتي بلباس مشوه، لكنه الاقتصاد في اللباس برسم الشرع، تحفه بالسمت الصالح والهدي الحسن.

    وتطلب دلائل ذلك في كتب السنة والرقاق، لا سيما في (الجامع) للخطيب .

    ولا تستنكر هذه الإشارة، فما زال أهل العلم ينبهون على هذا في كتب الرقاق والآداب واللباس، والله أعلم].

    1.   

    من آداب طالب العلم: الإعراض عن مجالس اللغو

    قال المؤلف رحمه الله: [الحادي عشر: الإعراض عن مجالس اللغو.

    لا تطأ بساط من يغشون في ناديهم المنكر، ويهتكون أستار الأدب، متغابياً عن ذلك، فإن فعلت ذلك، فإن جنايتك على العلم وأهله عظيمة].

    ولا ينبغي للإنسان على سبيل المثال أن يذهب إلى المقاهي التي فيها المنكر ظاهراً، إلا إذا كان الغرض من ذلك الدعوة والإصلاح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغشى أندية الكفار وهم أشد خطراً من أصحاب الفسق فيدعوهم إلى الله عز وجل، فلو أن إنساناً مثلاً ذهب إلى مقهى من المقاهي وبدأ يدعو الناس ويصلحهم بطريقة مهذبة فلا يلام في ذلك، وإنما يلام لو أنه اتخذه مجلساً ومكاناً للفسحة ونحو ذلك.

    ومثلها الأماكن المختلطة، فقد يتساهل بعض الصالحين مع الأسف فيذهب إلى المطاعم العائلية التي لا يكون فيها ستر، ولا أماكن حسنة تميز الناس بعضهم عن بعض، وإنما يكون فيها اختلاط، أو يكون فيها ستارة رقيقة جداً قد تنكشف المرأة من خلالها، فالذهاب إلى مثل هذه الأماكن لا يليق بطالب العلم، وأماكن الفسوق والمجون لا يصح الذهاب إليها والجلوس فيها على سبيل الاستئناس والمتعة.

    أهمية إصلاح المجتمع وإنكار المنكرات

    وينبغي أن نحرص على إصلاح المجتمع وعلى إنكار المنكر؛ لأنه متى ما فسد المجتمع فإننا سنواجه هذه المشكلات، ثم إذا أراد الإنسان أن يذهب يتنزه مع أهله فلن يجد أماكن مناسبة؛ بسبب فشو المنكر وظهوره، وإذا أراد أن يخرج مع أطفاله إلى مكان يلعبون فيه فقد يواجه منكرات، ولهذا ينبغي علينا أن نحيي روح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    لو أن كل واحد منا أدى دوره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأصلحنا المجتمع بإذن الله ولا يتكلم الإنسان بما لا يعلم، ولا يكون بعيداً عن الآداب، بل ينبغي عليه أن ينكر المنكر بأدب ومع الأسف فإن كثيراً من الدعاة والصالحين والذين يحضرون الدروس والمحاضرات سلبيين، يرون المنكر بين أيديهم فلا يتكلمون، مع أنه ليس من الصعب الكلام باللسان، كأن يقول: يا أخي الكريم هذا الأمر الذي أنت عليه من المنكرات، ويذكره بالله عز وجل، وبالجنة وبالنار، وحتى لو أساء في الكلام فلن تكون إساءته أشد من الإساءة التي أسيء بها لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قيل له: مجنون وساحر، وقيل له ألوان متعددة من الكلام السيئ.

    وهكذا إذا قرأ إنسان مقالاً في صحيفة مخالفاً للمعلوم من الدين بالضرورة، أو فيه مدح لزنديق من الزنادقة، أو لطاغوت من الطواغيت فيمكن للإنسان أن يرفع السماعة إما على الجريدة نفسها أو على الكاتب نفسه، ويذكره بالله سبحانه وتعالى وينصحه، وعندما تكثر هذه النصائح والتذكير في المجتمع سيتراجع المنكر ويضعف.

    ومع الأسف فإن كثيراً من أصحاب المنكرات يقومون بأعمالهم، وليس عندهم تصريح فيما يقومون به، أو يقومون به جرأة وعدم اهتمام بالناس، وإذا وجدوا من يتكلم بالأدب وبالحسنى فإنهم سيتراجعون بإذن الله تعالى، وسيخف المنكر، ولكن عندما نسكت فإن المنكر ينتشر أكثر، بل ربما أثر على كثير من الصالحين فيتراجعون عن طريق الهداية، وحينئذ ستكون خسارتنا كبيرة، ونحن نملك ولله الحمد روحاً عظيمة، فينبغي أن نشارك بمثل هذه الروح، ونملك ولله الحمد هداية ونوراً على الشيء الذي نقوله، وإذا كنا ضعافاً فالضعف إنما هو بسببنا وبسبب تقصيرنا وعندما يقوم الإنسان بإنكار المنكر- كأن يسمع مثلاً شاباً يسمع ديسكو أو أغانٍ بصوت مرتفع فلينصحه وليذكره، ولا يرفع صوته عليه وليعط نموذجاً حسناً للمحتسب الصادق المؤدب، وليجمع بين هذه الثلات الصفات: الاحتساب والصدق في نفس الوقت والأدب، بحيث يشعر من ينكر عليه المنكر أنه محب له، وليس هدفه الانتقاص منه، وإيقافه عند حده، فهذه الروح ينبغي أن توجد فينا!

    وعندما يقوم الإنسان بعمل منكر ويشعر أن إنساناً يأتي إليه وهو صادق، ويتمنى له الخير، ويذكر له المشاعر التي يشعر بها، كأن يقول له: يا أخي! أتمنى لك الخير، والابتعاد عن هذه المعصية؛ لأن فيها ضرراً على دنياك وعلى آخرتك، وأتمنى لك كذا، وأسأل الله لك كذا، وتكلم معه بالكلام الحسن، ولو أن كل أحد من هذه الأعداد المتكاثرة من الشباب والدعاة والصالحين الذين يحضرون المحاضرات تكلم مجرد كلام فستتغير كثير من المنكرات الموجودة.

    ولهذا فالسبب في كثير من الأحيان هو منا نحن، فقد اعتدنا على السلبية، فإذا رأى أحد منا منكراً من المنكرات قال: على كبار العلماء أن ينصحوا، وكبار العلماء قد رأوا هذه المنكرات الجزئية والتفصيلية، وليس بصحيح أن نلقي اللائمة والاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على العلماء الكبار، فما دام أنه بإمكاننا أن ننكر المنكر فعلينا إنكاره، فهذا هو المطلوب منا، وهو واجب علينا شرعاً، والله عز وجل عندما ذم بني إسرائيل قال: كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:79]، فذم ما كانوا يفعلونه من ترك التناهي، قال ابن عطية رحمه الله: لو كانوا يتعاطون الكئوس كل واحد منهم يعطي الآخر، لكان واجباً على كل واحد أن ينهى الآخر عن هذا المنكر. فكيف بنا ونحن عندنا ولله الحمد قدرة، والمجتمع ما زال على خير، ولكن تكاسلنا هو الذي يسبب انتشار المنكر، ولو كان فينا جرأة وشجاعة أدبية منضبطة لأوقفناه.

    وأنا أطالب الإخوة ألا ينكروا المنكر بطريقة غير صحيحة، فبعض الأشخاص عندما ينكرون المنكر على شخص يسبونه ويتكلمون عليه، وهم بهذه الطريقة يعطون انطباعاً غير صحيح؛ لأنهم ليست لديهم سلطة يستطيعون أن يجبروا الخلق عليها في زمن يستطيع الإنسان أن يأتي فيه بالمنكر إلى داخل بيته مع الأسف، فلنعط صورة حسنة، وانطباعاً حسناً عن الصالحين وعن المحتسبين، من خلال الكلمة الطيبة، وإبداء المشاعر الطيبة، فينبغي أن يكون لنا دور في إضعاف وتقليل مجالس وأماكن اللهو والفساد.

    فمثلاً: رأينا شاباً يعاكس فلنتكلم معه ولننصحه ونذكره بالله، وإذا افترضنا في أسوأ الحالات أنه تكلم علينا كلاماً سيئاً فإن لنا الأجر عند الله عز وجل، ولكن بشرط أن نتكلم ويكون كلامنا ممتازاً، وأما إذا تكلمنا بكلام سيئ، فطبيعي أن يكون الرد سيئاً، وإذا جئنا إلى شخص وتكلمنا عليه كلاماً سيئاً فلن يرد علينا إلا بمثل هذا الكلام، حتى ولو كان هو نفسه محترماً.

    1.   

    إثبات صفة الكلام لله تعالى

    الكلام صفة من صفات الله الثابتة له بالأدلة الشرعية، والمقصود بالكلام أن الله يتكلم بحروف وأصوات وعندما نقول: نحن نثبت صفة الكلام، فمعنى هذا: أن كلام الله عز وجل كلام مكون من حروف وصوت من الله سبحانه وتعالى، وهذا يدل على إثبات صفة الصوت لله سبحانه وتعالى والدليل على أن صفة الكلام مشتملة على الحروف الحديث المشهور: (.. إن الحسنة بعشرة أمثالها لا أقول: (ألم) حرف، ولكن ألف، ولام حرف، وميم حرف) فدل هذا على أن كلام الله عز وجل مكون من هذه الحروف.

    والمقصود بالحرف الذي يثاب عليه الإنسان في القرآن الكلمة كاملة، وكثير من الناس يتصورون أن المقصود بالحرف: هو كل حرف من حروف الكلمة، فمثلاً كلمة (محمد) يتصورون أنهم يأخذون عليها أربعين حسنة، والصحيح في هذه القضية ما حققه شيخ الإسلام رحمه الله: أن الكلمة كاملة مثل (محمد) تعتبر حرفاً واحداً، ويكون له فيها عشر حسنات، ولهذا نلاحظ أن قوله: (لا أقول (ألم) حرف) أن (ألم) مكونة من ثلاثة أسماء، وليست كلمة واحدة، وإنما هي ثلاثة كلمات، مع أنها في الشكل مثل كلمة (أَلَـمْ)، و(أَلَـمْ) كلمة واحدة، بينما (ألم) ثلاث كلمات ولهذا قال: (ألف حرف) و(ألف) هذه كلمة مكونة من ثلاثة حروف، الألف واللام والفاء، (ولام حرف) وكلمة (لام) هذه اسم، (وميم حرف)، وكلمة (ميم) مكونة من ثلاثة حروف من حروف المباني، وهي تعتبر اسماً، هذا ما حققه شيخ الإسلام رحمه الله من أن المقصود بالحرف الذي ينال عليه الإنسان الأجر هو الكلمة بكاملها، وليست هي حروف المباني كما يتصور البعض.

    الأدلة على أن كلام الله بصوت

    وأما كون الله عز وجل يتكلم بصوت فهذا ثابت من عدة جهات:

    أولاً: أنه ورد في حديث الشفاعة الطويل أنه قال: (ينادي الله بصوت يسمعه من بعد كما يسمه من قرب) فقوله: (بصوت) يدل على أن الله عز وجل يتكلم بصوت.

    ثم النداء في قوله تعالى: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ [مريم:52]، والنداء المنسوب إلى الله عز وجل والقول في لغة العرب يكون بالصوت، ولا يسمى نداء بدون صوت.

    وصفة الكلام صفة ثابتة لله عز وجل، وقد كان أهل السنة في زمن الصحابة والتابعين يثبتون هذه الصفة، وليس عندهم أي إشكال فيها، ثم حصل الخلاف الكبير عندما اقترب المعتزلة من الخلفاء العباسيين، وبالذات المأمون ، عندما استطاعوا إقناعه بأن القرآن ليس من كلام الله، وأن الله لا يتكلم كلاماً، وأن الكلام ليس صفة من صفاته، وإنما كلامه خلقه، وقالوا: تكلم الله عز وجل يعني: خلق، فالقرآن كلام الله بمعنى: أنه خلق القرآن كغيره من مخلوقات الله، ويرون أن القرآن مثل الإنسان، فكما أن الإنسان مخلوق فالقرآن مخلوق، ولا يجيزون أن ينسب الكلام لله عز وجل على أنه صفة له، بمعنى: أنه يتكلم بصوت وحرف، وإنما يقولون: هو صفة من باب أنه خُلق والخلق من الصفات.

    محنة خلق القرآن

    وقد امتحنوا أئمة السنة على أن القرآن مخلوق، وكلنا يعلم المحنة الكبيرة التي حصلت لعلماء أهل السنة في زمن المأمون عندما امتحنهم، فحصلت ربكة كبيرة في أوساط العلماء، وأكثر العلماء لما رأوا أن السلطان صاحب القوة والشكيمة يريد أن يلزم الخلق صاروا يتأولون ويخرجون بطرق يتقون بها مواجهة الحاكم الذي امتحنهم في هذه القضية من قضايا العقيدة، إلا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ومحمد بن نوح ثبتا على أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، وأنه صفة من صفاته، وأنه جزء من كلام الله سبحانه وتعالى، ثم طلبهما المأمون فتوفي محمد بن نوح في الطريق، ودعا الإمام أحمد ربه سبحانه وتعالى أن لا يريه المأمون ، فمات قبل أن يلقاه الإمام أحمد ، ثم استمرت الفتنة في زمن المعتصم بعده، ثم استمرت في زمن الواثق ، وحصلت فتنة كبيرة في زمن الواثق ؛ لأن بعض علماء أهل السنة بايعه مجموعة من الناس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقتلهم، وهو أحمد بن نصر الخزاعي قتله الواثق بيده، ولم تنته الفتنة إلا في زمن المتوكل ، واستمرت هذه الفتنة لمدة عشر سنوات وهذه الفتنة فيها دروس عظيمة وعبر كبيرة، ففيها دروس تتعلق بالمسائل العقدية تفصيلاً، ومنها دروس تتعلق بالمسائل الدعوية والاجتماعية، وقد ظهرت فتن كبيرة في زمن الإمام أحمد ، ولكن الإمام أحمد بعلمه وببصيرته وبمعرفته بالسنة استطاع أن يفتي في كل واحدة من هذه الفتن وأولها فتنة المعتزلة الذين قالوا: إن القرآن مخلوق، فرد عليهم واستدل عليهم بالنصوص.

    ظهور بدعة القول بالكلام النفسي

    ثم جاءت طائفة أخرى من أهل الحديث فتأثروا بالنقاش الكلامي مع المعتزلة، وتبنوا دليل حدوث الأجسام، فتوصلوا إلى بدعة جديدة، وهي: أن القرآن كلام الله، ولكنه كلام نفسي وليس بحرف ولا صوت كما نجد في كتب الكلابية من يقول: إن القرآن كلام الله، ويستدل بالنصوص الشرعية على أن القرآن كلام الله، ويتكلم في هذه القضية بشكل واضح قد لا ينتبه له أي أحد، ولكن عند تفسير هذا الكلام يقول: إن الكلام هنا ليس بحرف وصوت، وإنه قديم وكلام واحد، وإنه لا يتكلم متى شاء كيف شاء، وإن صفة الكلام صفة ذاتية، وليست صفة فعلية متعلقة بمشيئة الله سبحانه وتعالى، فبدع الإمام أحمد هذه المقالة وحذر منها وحذر من ابن كلاب وهجره في أحداث كثيرة جداً، يمكن تتبعها من خلال كتب السير والأخبار.

    ظهور طائفة الواقفية

    ثم ظهرت طائفة ثالثة سموا بالواقفة قالوا: نحن لا نقول إن القرآن كلام الله بحرف وصوت، ولا نقول أيضاً: إنه مخلوق، وإنما نقف في هذه المسألة، فقال الإمام أحمد : هذه بدعة أيضاً؛ لأن الوقوف والسكوت عن مسألة بين الحق والباطل انحراف عن الحق نفسه؛ لأن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم صرحا أن القرآن كلام الله، وأنه بحرف وصوت، فعندما يقول أحد: أنا أقف ولا أدري هل هو بحرف وصوت أم لا، فكأنه لا يعترف ولا يؤمن بهذه النصوص الشرعية، فقال الإمام أحمد : إن الواقفة جهمية مبتدعة!

    ظهور طائفة اللفظية

    ثم خرجت طائفة رابعة، وهم اللفظية، وحقيقة قولهم أنهم قالوا: لفظنا بالقرآن مخلوق، فأصبحت الكلمة محتملة، فكانوا يُسألون: ماذا تعنون بقولكم لفظنا بالقرآن مخلوق، هل تعنون به أن ألسنتكم التي تتحرك بالكلمات مخلوقة وما ينتج عنها من أصواتكم مخلوق؟! إذا كان هذا المقصود فهو صحيح، وأما إذا كنتم تعنون أن القرآن نفسه كلام الله، ولكن عندما يقرؤه القارئ وهو كلام الله الأول يكون مخلوقاً دون الالتفات لمسألة كون الإنسان إذا تكلم فإن كلامه يعتبر مخلوقاً؛ فهذا بدعة، ولهذا قال الإمام أحمد : من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ومن قال: لفظي بالقرآن ليس بمخلوق فهو مبتدع؛ لأنه عندما واجههم الإمام أحمد وعلماء السنة بدأ الجهمية يحتالون بعد أن انهزموا في هذا المجال، فبدءوا يحتالون على الناس ويأخذون عناوين عامة، ويدخلون من خلالها لعقائدهم التي يريدون، فكان يأتي الشخص منهم ويقول: لفظي بالقرآن مخلوق، فإذا صححته وقلت: نعم كلامك صحيح، قال: أنا تلفظت بهذا القرآن الذي هو في الأصل من كلام الله، إذاً: القرآن مخلوق، فهو يريد أن يصل إلى القول بخلق القرآن بهذه الطريقة وقد يقول هذا القول إنسان صادق بعيد عن هذا القول ويكون قصده صحيحاً، ولهذا الكلمات والألفاظ المجملة ينبغي على أهل السنة الابتعاد عنها؛ لأنها محتملة للحق وللباطل، فينبغي علينا إذا سمعنا مثل هذه الكلمات أن نستفصل.

    ثم جاءت طائفة أخرى وقال بعضهم: لفظي بالقرآن غير مخلوق، وهم من الغلاة الذين بالغوا في الإنكار على من قال بخلق القرآن، وادعوا أن ألفاظهم نفسها وحركة ألسنتهم ليست مخلوقة، وهذا قول باطل، فإن حركة اللسان نفسه وكلام الإنسان نفسه مخلوق، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع؛ لأنها كلمات عامة استغلها طوائف من أهل البدع وأخذوها ستاراً لمآربهم، فحذر من هذه الكلمات الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

    أسباب ثبات الإمام أحمد في فتنة خلق القرآن

    قال ابن أبي داود رحمه الله:

    [وقل غير مخلوق كلام مليكنا بذلك دان الأتقياء وأفصحوا

    ولا تك في القرآن بالوقف قائلاً كما قال أتباع لجهم وأسجحوا

    ولا تقل القرآن خلق قرأته فإن كلام الله باللفظ يوضح].

    هذه الأبيات الثلاثة تتعلق بموضوع القرآن، وهل القرآن من كلام الله عز وجل أو ليس من كلام الله، وهل هو مخلوق أو غير مخلوق.

    وبعض الناس يقول: وماذا يترتب على هذه القضية؟ ولماذا أتعب الإمام أحمد نفسه وثبت في هذه القضية، وسجن وجلد وعذب حتى كاد يقتل؟

    ونقول: هذه القضية ليست بالقضية الهينة، والإمام أحمد رحمه الله وقف في هذه الفتنة لعدة مصالح.

    أولاً: أنه لو وافق على أن القرآن مخلوق ففي هذا تحريف للنصوص الشرعية الواردة بأن القرآن كلام الله عز وجل.

    ثانياً: أنه سينفتح على الأمة باب كبير من أبواب البدع، وهو تأويل صفات الله سبحانه وتعالى، واتخاذ العقل مصدراً لتلقي العقائد وحينئذ ستنحرف الأمة انحرافاً كبيراً، ولهذا قال كثير من أهل العلم: إن الله عز وجل حفظ هذه الأمة بـأبي بكر يوم الردة وبـأحمد بن حنبل يوم الفتنة ولهذا سيبقى اسم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله مرتبطاً بالسنة وبالعقيدة إلى قيام الساعة.

    وهناك أشخاص من الصالحين جعلهم الله عز وجل من الذين يثبتون هذه الأمة، وأصبحت شهرة الإمام أحمد تطبق الآفاق، ليس في زمانه والزمان الذي بعده فحسب، بل إلى زماننا هذا، وستستمر حاجة الناس إلى مسند الإمام أحمد وبقية كتبه إلى ما بعد ذلك، وهذا يدل على أن الإنسان إذا كان صادقاً ووقف لله سبحانه وتعالى في قضية حساسة تتعلق بأصول العقيدة أن الله عز وجل يثبته ويوفقه كما حصل للإمام أحمد رحمه الله.

    وقول المؤلف: [وقل غير مخلوق كلام مليكنا بذلك دان الأتقياء وأفصحوا].

    والأتقياء: هم الصحابة والتابعون ومن جاء بعدهم من أهل السنة.

    وقوله: [ولا تك في القرآن بالوقف قائلاً].

    يعني: لا تقل أنا متوقف هل هذا القرآن كلام الله أو ليس بكلام الله؟ وهل هو مخلوق أو ليس بمخلوق؟ لأن التوقف معناه عدم الإيمان، وعدم الإقرار بالنصوص الدالة على أنه كلام الله سبحانه وتعالى وأنه غير مخلوق.

    وكلام الله باللفظ يوضح؛ لأن كلام الله عز وجل كما تعلمون صوت وحرف، واللفظ حروف مشتملة على أصوات، وتعريف اللفظ في لغة العرب: شيء ملفوظ، واللفظ بمعنى: الرمي، والكلام الملفوظ معناه: الكلام الذي يكون بحروف مشتملاً على أصوات.

    1.   

    شرح صفة الكلام من لمعة الاعتقاد

    قال ابن قدامة رحمه الله في لمعة الاعتقاد:

    [فصل: كلام الله.

    ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم].

    وقوله: [متكلم بكلام قديم] كلمة قديم معناها: أنه غير متجدد، يعني: كلامه تكلم به في أول الأمر، ثم لم يتكلم بعد ذلك؛ لأن عكس القديم المحدث، والحقيقة أن هذه شبهة مأخوذة من الكلابية؛ لأن الكلابية والأشعرية أقروا بأن كلام الله عز وجل غير مخلوق وصرحوا به، وقالوا: الكلام صفة من صفات الله، ولكن يختلفون في شرح هذه الكلمة عن أهل السنة، فيقولون: كلام الله عز وجل هو صفة من صفات الله عز وجل الذاتية غير متعلق بالمشيئة، قديم، واحد، وهو كلام معنوي ويترتب على هذا أن الله عز وجل لا يتكلم بحرف وصوت، وأن الله عز وجل لا يتكلم إذا شاء متى شاء. وهذا باطل؛ لأن الله تكلم ويتكلم الآن سبحانه وتعالى، كما قال: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].

    فكل مخلوقات الله عز وجل تحصل بكلمة من الله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه وتعالى يتكلم في كل وقت بما يشاء سبحانه وتعالى.

    والقول بأن كلامه قديم يعارض عقيدة أهل السنة في أن الله عز وجل يتكلم متى شاء في الوقت الذي يشاء، ومن ذلك الكلام يوم القيامة؛ ولا نقول إن ابن قدامة كان على مذهب الكلابية أو على مذهب الأشعرية لكن هناك مواطن من اللمعة فيها إشكالات، ولكن هذه الإشكالات لا تؤثر على الشيخ من حيث أصل عقيدته في باب الأسماء والصفات وأنه يثبت هذه الصفات لله عز وجل كإثبات السلف.

    وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله في مجموع الرسائل والمسائل: أنه لا يوجد أحد من السلف يقول إن كلام الله قديم. وصدق شيخ الإسلام رحمه الله؛ لأن كلام الله متعلق بمشيئته، وهو سبحانه وتعالى يتكلم يوم القيامة، فلا يصح أن يقال هذا الوصف في كلام الله سبحانه وتعالى.

    قال المؤلف رحمه الله: [ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم يسمعه منه من شاء من خلقه، سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة، وسمعه جبريل عليه السلام، ومن أذن له من ملائكته ورسله، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه، ويأذن لهم فيزورونه].

    وهذا يدل على أن رأي ابن قدامة رحمه الله ومذهبه صحيح في موضوع الكلام، وهذه الأوصاف التي ذكرها في صفة الكلام تناقض كلمة قديم؛ لأنه قال: (سمعه موسى عليه السلام) وموسى جاء بعد إبراهيم وجاء بعد آدم وجاء بعد خلق الله عز وجل للسماوات والأرض، ومن كان هذا حاله فلا يقال: إنه قديم، وقال: (وسمعه جبريل عليه السلام، ومن أذن له من ملائكته ورسله، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة).

    ولا يصح في هذه الأوصاف التي ذكرها أن يقال عنه قديم، لأن القديم معناه: الذي لا أول له وليس بمتكرر ولا متعلق بالمشيئة، فنخلص من هذا إلى أن مذهب ابن قدامة رحمه الله في موضوع الكلام مذهب سني سلفي صحيح، وأنه أخطأ في استخدام عبارة قديم.

    الأدلة على ثبوت صفة الكلام لله تعالى

    قال المؤلف رحمه الله: [قال الله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]].

    والفاعل هنا هو الله سبحانه وتعالى؛ لأنه مرفوع بالضم، فالمتكلم هو الله و(تَكْلِيمًا) توكيد لهذا الكلام.

    قال المؤلف رحمه الله: [وقال سبحانه: يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي [الأعراف:144]، وقال سبحانه: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ [البقرة:253]].

    وهذه كلها من الصفات المضافة إلى الله سبحانه وتعالى.

    قال المؤلف رحمه الله: [وقال سبحانه: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الشورى:51].

    وقال سبحانه: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى [طه:11]].

    والنداء في لغة العرب هو الذي يكون مشتملاً على الصوت، فإنهم لا يسمون نداءً ما كان في النفس، فلو أنك في نفسك طلبت مجيء فلان فلا يسمى هذا نداء في لغة العرب، وإنما النداء المشتمل على الصوت، وهو صوت يليق بجلاله سبحانه وتعالى.

    قال المؤلف رحمه الله: [وقال سبحانه: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي [طه:14]، وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله].

    وهذه من الإلزامات التي ألزم أهل السنة بها المعتزلة، فإنه قال: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا [طه:14]، فلو كان القرآن مخلوقاً أو كان القائل له جبريل كما يقول الأشعرية، فإن معنى هذا أنه ينسب لنفسه الخلق، ولا يصح لمخلوق أن ينسب لنفسه أنه هو الله، ويقول: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أنا).

    قال المؤلف رحمه الله: [وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء)، روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يحشر الله الخلائق يوم القيامة عراةً حفاةً غرلاً بهماً فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان)، رواه الأئمة واستشهد به البخاري ].

    وهذا يدل على أن الله عز وجل يتكلم بصوت.

    قال المؤلف رحمه الله: [وفي بعض الآثار: إن موسى عليه السلام ليلة رأى النار فهالته ففزع منها فناداه ربه: يا موسى! فأجاب سريعاً استئناساً بالصوت، فقال: لبيك لبيك! أسمع صوتك ولا أرى مكانك! فأين أنت؟! فقال: أنا فوقك وأمامك وعن يمينك وعن شمالك، فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى. قال: كذلك أنت يا إلهي، أفكلامك أسمع، أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا موسى].

    وهذا النص مأخوذ من الإسرائيليات، والقاعدة في الإسرائيليات أنها إذا كانت موافقة لشريعتنا فإننا نحدث بها، وعندنا في شريعتنا ما يغنينا في العقيدة، وأما إذا كان فيها ما يخالف الشريعة فيجب أن ترد، وأما إذا كان فيها أخبار تفصيلية، وليس فيها موافقة ولا مخالفة فنتوقف ولا ننسب لها الصدق ولا الكذب، لأننا لا نعلم مدى صدق هذا الكلام المنسوب.

    وعلى كل حال ففي النصوص الشرعية غنية عن الاستدلال بالإسرائيليات، ولكن كثيراً من أهل العلم كانت طريقتهم أنهم يحشدون كل ما عندهم من أدلة وهذه هي طريقة شيخ الإسلام رحمه الله، فقد كان إذا أتى إلى مسألة استدل عليها بالقرآن وبالسنة وبأقوال الصحابة وبأقوال التابعين وبالأحاديث الضعيفة بعض الأحيان، وبالأحاديث الموضوعة، وبالرؤى والمنامات وبالأخبار التي ينقلها الناس، ونحو ذلك، فتصبح هذه الأدلة قسمين: قسم تستقل بالاستدلال ويمكن أن يعتمد عليها، وقسم أراد به الشيخ أن يعضد هذه المسألة.

    وبعض الذين يقرءون في كتب ابن تيمية قد يستغربون، ونحن هنا قد نستغرب أن ابن قدامة نقل هذا النص عن أهل الكتاب، مع أن النصوص صريحة في القرآن والسنة، ونقول ما الداعي لهذا، والأولى هو الاكتفاء بالنصوص الشرعية؟

    نقول: فهذا على طريقة العلماء قديماً، فقد كانوا يحشدون كل ما في إمكانهم من أدلة على هذه القضية، وكان الناس في زمانهم يعلمون هذا القصد، ولكن مع تراجع العلم وضعفه أصبح بعض طلاب العلم قد يستغرب هذا المسلك من بعض أهل العلم، ويظن أنهم يستدلون بالأحاديث الضعيفة، وبالأحاديث الموضوعة، أو يستدلون بالرؤى والأحلام، أو يستدلون بأخبار أهل الكتاب، وهم في الحقيقة لا يستدلون بذلك، وإنما يأتون بها للاعتضاد وليست للاعتماد وقد صرح ابن تيمية رحمه الله بهذا القصد في كتابه (الاستغاثة)، فإنه نقل نصوصاً كثيرة جداً، ونقل فيها رؤى وأحلاماً ومنامات وغرائب، وبعض الأحيان قد ينقل قصة من القصص ويقول في آخرها: وهذه القصة منكرة، فيتعجب بعض الناس لماذا يعمل هذا العمل؟! ثم إذا عرف مسلك أهل العلم زال عنه العجب، وعرف أن هذه النصوص وهذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة لم يؤت بها للاعتماد عليها وإنما جيء بها للاعتضاد؛ لأنها قد تصح عند أقوام أو قد يستدل بها أقوام آخرون، فيستفيدون من هذه الأدلة الموجودة.

    وأنت عندما تناظر شخصاً مثلاً وتريد أن تبين أن هذه القضية واضحة جداً، تقول: عندي أدلة من القرآن ومن السنة ومن أقوال الصحابة، وحتى الأحاديث الضعيفة والرؤى والمنامات وأخبار أهل الكتاب تدل عليها، وليس قولك حتى الأحاديث الضعيفة يعني: أنك ترى أن الأحاديث الضعيفة يستدل بها أو أن الرؤى والمنامات يستدل بها، ولكنك تريد أن تقول له: إن هذه القضية واضحة وجلية إلى درجة أن الأحاديث الضعيفة وكذا وكذا يدل عليها، لأنك تستدل بهذا النوع من الأدلة التي هي في الحقيقة ليست أدلة، والأحاديث الضعيفة لا قيمة لها في الاستدلال، وكذلك الرؤى والمنامات وأخبار أهل الكتاب لا قيمة لها في الاستدلال، وإنما الاستدلال بالنصوص الشرعية بالقرآن وبالأحاديث الصحيحة فقط، وأما غيرهما فليس له أي قيمة في الاستدلال إلا من هذا الباب الذي يذكره بعض أهل العلم ويأتي به.

    القرآن كلام الله

    قال المؤلف رحمه الله: [فصل: القرآن كلام الله.

    ومن كلام الله سبحانه القرآن العظيم، وهو كتاب الله المبين].

    وهذا فيه أن القرآن جزء من كلام الله، وليس هو كل كلام الله، فكلام الله أوسع من القرآن وأكثر كما هو معلوم، والأدلة كثيرة على كلام الله وسعته.

    قال المؤلف رحمه الله: [ومن كلام الله سبحانه القرآن العظيم، وهو كتاب الله المبين وحبله المتين وصراطه المستقيم وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين بلسان عربي مبين، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود].

    وقوله: (منه بدأ) يعني: من الله سبحانه وتعالى بدأ هذا القرآن، فالله عز وجل هو المتكلم الأول به، وقوله: (وإليه يعود) ذكر بعض الشراح أن المقصود بقوله: (وإليه يعود) يعني: أن القرآن في آخر الزمان يؤخذ من صدور الناس، فيقوم الناس في يوم من الأيام ليس عندهم شيء منه لا في الصدور ولا في السطور أيضاً، وبعضهم قال: يعني: أن مصير الناس جميعاً إلى الله سبحانه وتعالى.

    قال المؤلف رحمه الله: [وهو سور محكمات وآيات بينات وحروف وكلمات، من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات، له أول وآخر].

    وقوله: (له أول وآخر) وقوله: (حروف وكلمات وسور محكمات وآيات بينات) هذا فيه الرد على الكلابية والأشاعرة الذين قالوا: إن كلام الله كلام نفسي، وأنه واحد غير متعدد فما قيل لهم: هناك فروق في الأساليب بين الاستفهام والأمر والنهي والخبر ونحو ذلك من الأساليب، قالوا: هذا الكلام الواحد كله أمر ونهي واستفهام وخبر ونحو ذلك، فناقضوا العقل بالإضافة إلى مناقضتهم الشرع.

    قال المؤلف رحمه الله: [له أول وآخر، وأجزاء وأبعاض، متلو بالألسنة محفوظ في الصدور، مسموع بالآذان مكتوب في المصاحف فيه محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، وأمر ونهي، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42]].

    وهناك مسائل يذكرها بعض المتنطعين، فبعضهم يقولون: ماذا تقول في مداد القرآن، وهل مداد القرآن من صفات الله أو أنه مخلوق؟! وبعضهم يقولون: ماذا تقول في المصحف نفسه الذي بين أيدينا؟ وماذا تقولون في صوت القارئ هل هو من القرآن أو ليس من القرآن؟ وهذه قضية في غاية الوضوح؛ لأن المداد لا شك أنه مخلوق، سواء كتب به قرآن أو كتب به كلام آخر من الكلام، وأما الأوراق نفسها فهي مخلوقة، لكن ليست هذه هي القرآن الذي تكلم الله به، وإن كان الناس يقولون: هذا هو القرآن، يقصدون المصحف كما تقول الآن: قال امرؤ القيس :

    قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل.. إلى آخره.

    فهل الذي قال الآن أنت أو امرؤ القيس ؟ ولو جئت وقلت: قلت أنا: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل لقال لك الناس: أنت كذاب، لأنك تنسب الشيء لنفسك ولم تقله أنت، فالقائل المقصود به الأول الذي قاله أولاً وهكذا القرآن هو كلام الله الأول، فإذا كتب في مصحف واصطلح الناس على تسميته قرآناً فلا يعني هذا أن هذا القرآن الذي بين أيدينا هو نفسه كلام الله، فهذا تنطع وعبث أراد به بعض الجاهلين التشويش على عقيدة أهل السنة في أن القرآن كلام الله عز وجل، وأرادوا أن يشككوا الناس في كونه مخلوقاً، ولكن هذه الشبهة بسيطة لا تنطلي على أحد.

    تكذيب الله لمن أنكر أن القرآن من كلامه عز وجل

    قال المؤلف رحمه الله: [وقوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]، وهو هذا الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا: لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ [سبأ:31]، وقال بعضهم: إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر:25]].

    وفي هذا مشابهة مع قول الأشاعرة، فالأشاعرة قالوا: إن القرآن هو كلام الله سبحانه وتعالى، وهو كلام واحد معنوي، وليس بحروف ولا صوت، فقلنا لهم: والكلام هذا المفصل بين أيدينا؟ قالوا: الكلام هذا إما من كلام جبريل، أخذ المعنى من الله عز وجل ثم تكلم به بهذه العبارات الموجودة، فهو تعبير من جبريل، وإما من محمد صلى الله عليه وسلم.

    ونحن نعلم أن محمداً وجبريل مخلوقان، ففي هذا القول مشابهة لقول المشركين: إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر:25] لأن هذا القرآن بحروفه وأصواته ومعانيه هو كلام الله سبحانه وتعالى، ولهذا كان معجزة لم يستطع أحد أن يأتي بسورة من مثله، فضلاً عن عشر سور، فضلاً عن أن يأتي بمثله كاملاً.

    قال المؤلف رحمه الله: [وقال بعضهم: إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر:25]، فقال الله سبحانه: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [المدثر:26]].

    وهذا يدل على خطورة هذه العقيدة؛ لأنه قال: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [المدثر:26].

    قال المؤلف رحمه الله: [وقال بعضهم: هو شعر، فقال الله تعالى: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ [يس:69] فلما نفى الله عنه أنه شعر وأثبته قرآناً لم يبق شبهة لذي لب في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي الذي هو كلمات وحروف وآيات، لأن ما ليس كذلك لا يقول أحد: إنه شعر.

    وقال عز وجل: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [البقرة:23] ولا يجوز أن يتحدى بالإتيان بمثل ما لا يدري ما هو ولا يعقل.

    وقال تعالى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي [يونس:15] فأثبت أن القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم].

    أي: ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لاستطاع أن يبدله من تلقاء نفسه، ولكن لأنه ليس من كلامه فليس له أن يبدله من تلقاء نفسه.

    قال المؤلف رحمه الله: [وقال تعالى: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49]، وقال تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:77-79] بعد أن أقسم على ذلك، وقال تعالى: كهيعص [مريم:1].. حم * عسق [الشورى:1-2] وافتتح تسعة وعشرين سورة بالحروف المقطعة].

    ومن معاني هذه الحروف المقطعة كما ذكر أهل العلم -وهو أقوى قول فيها- أن المقصود بها أن الله عز وجل ذكر هذه الحروف ليبين للكفار الذين تحداهم بهذا القرآن، أن هذا القرآن من جنس هذه الحروف، وأنكم قادرون على تركيب كلمات من هذه الحروف، ومع ذلك لم تستطيعوا أن تأتوا بمثل هذا القرآن أو بمثل سورة منه، مما يدل على أن هذا القرآن هو من كلام الله عز وجل وليس من قول البشر، ولا من قول محمد صلى الله عليه وسلم.

    قال المؤلف رحمه الله: [وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة) حديث صحيح.

    وقال عليه الصلاة والسلام: (اقرءوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمون حروفه إقامة السهم لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه).

    وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه.

    وقال علي رضي الله عنه: من كفر بحرف منه فقد كفر به كله.

    واتفق المسلمون على عد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه.

    ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر، وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف].

    1.   

    الأدلة من القرآن على ثبوت صفة الكلام لله تعالى

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [إثبات الكلام لله تعالى.

    وقوله: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87]].

    والحديث في لغة العرب هو: الكلام الذي يكون بحروف وأصوات.

    قال المؤلف رحمه الله: وقوله: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء:122].

    وقوله: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [المائدة:116].

    وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115].

    وقوله: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164].

    مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ [البقرة:253].

    وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف:143].

    وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [مريم:52]].

    ونلاحظ أن هذه الصفة جاءت بعدة صيغ، فجاءت بصيغة الكلام مباشرة كما في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164] وقوله: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف:143].

    وجاءت بصيغة القول: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى [المائدة:116] وغير ذلك من الآيات.

    وجاءت بصفة الحديث، كما قي قوله: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87].

    وجاءت بصيغة المناداة، وكل هذه الصيغ تدل على معنى واحد، وهو صفة الكلام لله عز وجل وأنه بحروف وأصوات.

    قال المؤلف رحمه الله: [وقوله: وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الشعراء:10]].

    وإذا سأل سائل: ما هو الدليل على أن الله يتكلم بصوت؛ قلنا: هذه الصيغ في لغة العرب لا تكون إلا بالصوت، فالقول لا يكون إلا بالصوت، والمناداة بشكل أخص لا تكون إلا بالصوت، فهذا معناها ومدلولها في لغة العرب، هذا فضلاً عن ورود أحاديث صريحة في الإتيان بنفس الصفة، مثل حديث: (يتكلم الله بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب).

    قال المؤلف رحمه الله: [وقوله: وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ [الأعراف:22].

    وقوله: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65].

    وقوله: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6].

    وقوله: وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:75].

    وقوله: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ [الفتح:15].

    وقوله: وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ [الكهف:27].

    وقوله: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل:76]].

    فالقرآن معناه المقروء، والمعاني ليست مقروءة بدون ألفاظ، فبناء على هذا القرآن ليس هو المعنى الموجود في الله سبحانه وتعالى فإنه لا يسمى قرآناً؛ لأنه لا يسمى قرآناً إلا ما كان مقروءاً، ولا يكون مقروءاً إلا إذا كان هناك حروف وأصوات مسموعة يسمعها الإنسان.

    وبالنسبة للعناوين ليست من ابن تيمية ، وإنما هي من تصرف المحققين حتى يرتبوا الآيات وابن تيمية بدأ بقوله: (فمن آيات الصفات قوله وقوله وقوله..) حتى ذكر عشرات الآيات في عشرات الصفات أيضاً، فالتوزيع والعناوين جاءت من المحققين، وفي بعض الأحيان تكون من دور النشر بهدف ترتيبها للطلاب.

    قال المؤلف رحمه الله: [ وقوله: وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ [الأنعام:92]].

    و(كِتَابٌ) بمعنى: مكتوب فالقرآن كما أنه مقروء هو مكتوب، ولا يكون مكتوباً إلا إذا كان بحرف، والمعنى لا يكتب بدون حرف يمكن فهم دلالة المعنى من خلاله.

    قال المؤلف رحمه الله: [وقوله: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21].

    وقوله: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل:102-103]].

    والمقصود باللسان هنا اللغة ولسان العرب يعني: لغة العرب، فمعنى قوله: لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ [النحل:103] يعني: عندما قالوا: إن هذا القرآن جاء به صهيب الرومي إلى محمد، وهو عبارة عن حكم الروم وآرائهم وفلسفتهم، فلما قالوا هذا القول قال الله عز وجل: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ [النحل:103] وقوله: (يُلْحِدُونَ) يعني: يشيرون إليه.

    وفي قوله: وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل:103] دليل على أن هذا القرآن لغة، واللغة إنما تقال للألفاظ والمعاني على حد سواء، ولا تقال للمعاني فقط.

    ومن جذور هذه المسألة أنهم اختلفوا في حقيقة الكلام ما هو: هل هو المعنى فقط، أو هو اللفظ فقط، أو هو اللفظ والمعنى معاً؟ فقال أهل السنة: هو اللفظ والمعنى سواء.

    وقالت الأشاعرة: هو المعنى فقط.

    وقال المعتزلة: هو اللفظ فقط، وقالوا: إن هذا اللفظ مخلوق خلقه الله عز وجل.

    وقالت الأشاعرة: ليس بمخلوق، وإنما هو من كلام الله، ولكنه معنى ليس له لفظ، وهذه الألفاظ من جبريل أو من محمد صلى الله عليه وسلم.

    وقال أهل السنة -وهم أهل الحق- في هذه المسألة: هو ألفاظ ومعان وكلها من الله سبحانه وتعالى.

    وشيخ الإسلام ابن تيمية عند حديثه عن الصفات في البداية ذكر قاعدة أهل السنة ثم استدل عليها بالآيات، وبعد ما انتهى من الآيات قال: ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم قوله وقوله، وذكر جمله من الأحاديث التي تتعلق بإثبات صفة الكلام لله سبحانه وتعالى.

    1.   

    الأدلة من السنة على ثبوت صفة الكلام لله تعالى

    قال ابن تيمية رحمه الله: [وقوله صلى الله عليه وسلم: (يقول تعالى: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك!)].

    وهذا يدل على أن فيه قولاً مسموعاً يسمعه آدم ولهذا يجيب فيقول: (لبيك وسعديك!) وهذا القول يكون يوم القيامة، وهو يدل على أن الله عز وجل يتكلم متى شاء كيف شاء.

    قال المؤلف رحمه الله: (فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار) متفق عليه].

    قال: (فينادي بصوت)، ومجرد كلمة النداء تدل على الصوت، وجيء بكلمة الصوت هنا توكيداً لهذا المعنى، وقوله: (بصوت) دليل صريح في هذه المسألة، وهو ثابت في الصحيحين.

    ويقول أهل الكلام وأهل البدع: إن هذا الحديث من أحاديث الآحاد الظنية التي لا تقبل في العقيدة، فردوا ثلاثة أرباع السنة أو أكثر من ثلاثة أرباعها، ولم يقبلوها في العقيدة؛ لأنها ظن لم تبلغ حد التواتر.

    ونقول لهم: النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى ملوك الروم والفرس والمقوقس ووالي اليمن أفراداً يدعونهم إلى أعظم قضية وهي التوحيد وإلى تغيير أديانهم، ويقولون لهم: أديانكم باطلة، والدين الجديد هو الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه رسالة منه! ولم يقل لهم حاكم ذاك البلد: يجب حتى أومن بهذه العقيدة أن يرسل إليَّ محمد حد التواتر حتى يكون يقينياً، وأن تكون الألفاظ التي كتبها لا تحتمل المجاز ولا التخصيص ولا المعارض العقلي، فهذه لم يقلها الملوك ولم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أن عقيدة أهل الكلام في باب أخبار الآحاد من أفسد العقائد؛ لأنها ألغت جزءاً كبيراً من سنة النبي صلى الله عليه وسلم في العقيدة، فلم يعمل بها عندهم؛ بسبب هذا التعليل الفاسد الذي جاءوا به.

    قال المؤلف رحمه الله: [وقوله: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه وليس بينه وبينه ترجمان)].

    وهذا صريح في أن الكلام يكون بحروف وأصوات، ولهذا قال: (ليس بينه وبينه ترجمان) والترجمان إنما يكون بين اثنين يسمع من أحدهما ثم يترجمه للآخر، ثم يسمع الآخر ويترجمه لهذا، فلا بد فيه من الكلام، وأن يكون بصوت وحرف، ولهذا كان هذا الحديث من أصرح الأحاديث في أن الله يتكلم بصوت وبحروف سبحانه وتعالى.

    وأما محاولة تخيل صوت الله وأنه كأصوات الخلق فهي محاولة فاسدة في كل الصفات، وليست في صفة الكلام فقط، حتى في صفة الوجود، فكون الله موجود لا يحق لنا أن نتخيل أن وجوداً الله كوجود خلقه، فكيف ببقية الصفات؟ تعالى الله عن الأوهام علواً كبيراً.

    1.   

    الأسئلة

    معنى قول الأشاعرة: إن كلام الله غير متعلق بالمشيئة

    السؤال: ماذا يقصد الأشاعرة بقولهم: إن كلام الله غير متعلق بالمشيئة؟

    الجواب: يقصدون بذلك أن الله عز وجل كلامه قديم وواحد، وأنه لا يتكلم في كل وقت كما يشاء، والذي دعاهم لهذا هو أنهم تصوروا أنه إذا كان يتكلم في كل وقت بالشيء الذي يشاؤه سبحانه وتعالى فإن هذا يستلزم الحدوث؛ لأنه إذا تكلم الآن وتكلم يوم القيامة فإن هذا يدل على أن هذه الصفة حدثت بعد أن لم تكن موجودة، وعندهم الحدوث دليل على أن المحدث مخلوق، وهذا ركبوه بناء على دليل عقلي اخترعوه هم، وليس عليه نصوص شرعية تدل عليه.

    ونحن نقول: سواء سميتموه حدوثاً أو لم تسموه حدوثاً فنحن لا يهمنا، وإنما أهم شيء هو أن هذه الصفة أثبتها الله لنفسه، وهي لا تدل على النقص بأي وجه من الوجوه وإذا سميتموه أنتم حدوثاً قلنا: هل الحدوث عندكم نقص؟ فإن قلتم: نعم، قلنا: النقص باطل، ولكنه يتكلم سبحانه وتعالى إذا شاء، وأما إذا تخيلتم أن شيئاً من صفات الله يستلزم النقص وقد أثبته الله لنفسه فهذا تخيل فاسد، وهو إنما حصل بسبب الأوهام عندكم، وليس فيما أثبت الله عز وجل لنفسه من الصفات شيء يتضمن النقص بأي وجه من الوجوه.

    الكتب السابقة من كلام الله

    السؤال: هل التوراة والإنجيل والكتب السابقة من كلام الله عز وجل؟

    الجواب: نعم، التوراة والإنجيل والكتب السابقة هي من كلام الله سبحانه وتعالى، وذلك عندما نزلت هذه الكتب على الأنبياء، فالتوراة عندما نزلت على موسى والإنجيل عندما نزل على عيسى كانا من كلام الله، ولكن بعد ذلك حرفهما أهل الكتاب، فالكلمات المحرفة التي حرفوها ليست من كلام الله قطعاً، وإنما هي من كلام الأحبار والرهبان.

    لم يقل أحد من أهل السنة أن الأحاديث الظنية لا يؤخذ بها في العقائد

    السؤال: هل هناك من علماء أهل السنة الذين تكلموا في أصول الفقه من قال إن أحاديث الآحاد أحاديث ظنية، ولا يؤخذ بها في باب العقائد؟

    الجواب: لا يوجد عالم سني يقول: إن أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في العقائد، وإن كان قد يوجد من علماء أهل السنة من يسمي أحاديث الآحاد ظنية، ولكنه يقول: نحن مطالبون بغلبة الظن، ولهذا أمرنا بقبولها في الأحكام والعقائد، فقد يسمونها ظنية من باب التسمية، وأما أن يرتبوا عليها أنها لا تقبل في العقائد، فهذا لا يقول به إلا مبتدع، ولا يقوله عالم من أهل السنة.

    حكم قول: (والذي نفس محمد بيده)

    السؤال: ما حكم قول: (والذي نفس محمد بيده)؟

    الجواب: هذا حلف، والله عز وجل هو الذي نفس محمد بيده.

    مدى صحة حديث قتل الفواسق الخمس

    السؤال: حديث: قتل الخمس الفواسق وحديث قتل الوزغ، هل هي صحيحة؟ وهل تفيد الجواز أم الاستحباب؟

    الجواب: قتل الخمس الفواسق وقتل الوزغ ثابت في صحيح البخاري ، بل ورد في تعليله في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه كان ينفخ النار على إبراهيم حقداً على الأنبياء والعياذ بالله! وهذه الأحاديث لا يقبلها كثير من أصحاب الأهواء الذين يسمون عقلانيين، وهم في الحقيقة من أهل الأهواء وليسوا عقلانيين؛ لأن العقل لا يمنع قبول مثل هذا إذا أخبر به الصادق صلى الله عليه وسلم، وهم لا يقبلونه كما أنهم لا يقبلون حديث: (لا خير في قوم ولوا أمرهم امرأة) والحديث في صحيح البخاري .

    وما زال يصرح بعض المنتسبين إلى العلم أنه لو تولت امرأة حكومة بلد من البلدان أو كانت وزيرة أو مفتية أو نحو ذلك من الولايات العامة أن هذا جائز ولا شيء فيه، والحديث صحيح وصريح وفي البخاري ، وليس في مكان آخر، ولكنهم يتلاعبون في النصوص من الباب الفاسد الكبير الذي هو باب التأويل، ولا شك أن قولهم غير مقبول.

    حكم تسمية: بقالة النافع أو بقالة الله

    السؤال: ما حكم تسمية: (بقالة النافع) أو (بقالة الله)؟

    الجواب: لا يصح التسمية بمثل هذا.

    حكم لباس الإفرنج إذا اشتهر

    السؤال: إذا اشتهر لباس الإفرنج بين المسلمين كالبنطال والكرفتة مثلاً، فهل ذلك يجيز لباسها؟

    الجواب: الضابط في اللباس المنهي عنه هو الذي يكون فيه تشبه بالكفار، والذي يكون فيه تشبه بالكفار هو ما كان من خصائصهم، فالبناطيل الآن ليست من خصائص الكفار، فقد صار كثير من المسلمين بل أكثر المسلمين يلبس مثل هذه البناطيل، فهي ليست من خصائصهم وإذا احتاجها الإنسان خصوصاً إذا كان يسافر للخارج مثلاً، وكانت واسعة وليست شفافة فلا أرى بها بأساً، وإن كان ينبغي على الإنسان أن يبتعد عنها، وأن يتعود على الملابس التي كانت مشهورة عند العرب وما زالت مستمرة، وأما الكرفته ففي فتوى لبعض أهل العلم يرون أنه لا يجوز لبسها.

    وأما لباس البناطيل بالنسبة للمرأة فيجوز عند زوجها، وأما عند بقية محارمها فلا يجوز لها أن تلبس البناطيل؛ لأن فيها تحجيماً لجسدها، وكذلك لا يجوز لها أن تلبسها عند النساء؛ لأن فيها تحجيماً لجسدها، فتكون مثل الملابس الضيقة والشفافة، وتكون منهياً عنها من هذا الباب.

    الجلوس مع الشباب للدعوة

    السؤال: هل إذا جلست مع شباب الحارة أدعوهم إلى الله كل يوم في جلساتهم، هل هذا من الخطأ أم أنا على صواب؟

    الجواب: بحسب وضعك، فإذا كنت مبتدئاً في التدين فلا تجلس مع شباب، لكن عليك أن تهتم بنفسك أنت أولاً، فتعلم قراءة القرآن، واحفظ ما تيسر لك منه، واحفظ من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، واحضر الدروس العلمية، وكون لك رفقة صالحة من أهل الخير والصلاح، ثم إذا ثبتت نفسك في الالتزام وأردت أن تدع إلى الله عز وجل فادعو إلى الله وسواء شباب الحارة وغيرهم من زملائك في المدرسة، فإذا كان الإنسان من طلاب العلم أو من الأخيار وكان لا يخشى على دينه ولا على نفسه فيمكن أن يجلس مع هؤلاء الشباب، ولكن لا يجلس معهم وعندهم منكر أمامه، ولا بد أن يجعل له من الهيبة ما يمتنعون به عن المنكر أمامه، حتى يستطيع أن يدعوهم بسهولة، ولا يكون وقته كله مع هؤلاء؛ لأنه سيضيع وقته، وربما جروه إلى المنكر ونحن نعرف بعض الشباب دخل مع هؤلاء الشباب بغرض الدعوة، وبدلاً من أن يدعوهم هو دعوه هم إلى منكراتهم وأخطائهم، فينبغي للإنسان أن ينتبه لمثل هذه الأشياء، وأن يكون له رفقة صالحة يتعاون معهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    السؤال: ما حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

    الجواب: حكمه واجب، وكثير من الناس يقول: نحن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر بقلوبنا، نقول لهم: هذا غير صحيح؛ لأن الانتقال من اليد إلى اللسان إلى القلب هو عند عدم الاستطاعة، فإذا كان بإمكانك أنك تنصح ولكنك تستحي فهذا حياء مذموم، ويجب أن ترفع هذا الحياء عن نفسك، وأن تجرئ نفسك قليلاً قليلاً، حتى تتمكن من إنكار المنكر، وأن تهيئ نفسك بحيث إنك لو سمعت كلمة غير جيدة تصبر وتحتسب، والصبر والاحتساب مطلوب.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767212990