إسلام ويب

دراسة موضوعية [2]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • منهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته هو إثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ونفي ما نفاه الله عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، وبذلك نعرف بطلان عقائد الفرق الضالة الذين قدموا العقل على النقل ونفوا ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات.

    1.   

    شرح مقدمة كتاب حلية طالب العلم

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

    فإن من المهم جداً أن يتعلم الإنسان مع العلم الأدب وتزكية النفس، والله سبحانه وتعالى قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم لتعليم الناس قراءة القرآن وتزكية النفوس وتعليمهم أيضاً العلم النافع، يقول الله عز وجل: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2].

    وتعليم الكتاب هو تفسير الكتاب وتعلم العلم النافع، والحكمة المراد بها: السنة.

    والتزكية التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم هي تطهير القلب ونماؤه بالعلم النافع والعمل الصالح، فإن القلب هو الأساس بالنسبة لحركة الجوارح، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب).

    قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله في كتابه حلية طالب العلم:

    [الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، اللهم صل وسلم عليه، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه.

    فأقيد معالم هذه الحلية المباركة عام (1408 هـ) والمسلمون - ولله الحمد - يعايشون يقظة علمية، تتهلل لها سبحات الوجوه، ولا تزال تنشط -متقدمة إلى الترقي والنضوج- في أفئدة شباب الأمة، مجدها ودمها المجدد لحياتها، إذ نرى الكتائب الشبابية تترى يتقلبون في أعطاف العلم مثقلين بحمله، يعلون منه وينهلون، فلديهم من الطموح، والجامعية، والاطلاع المدهش والغوص على مكنونات المسائل، ما يفرح به المسلمون نصراً، فسبحان من يحيي ويميت قلوباً].

    لا يشك أحد في ظهور هذه الصحوة الإسلامية -ولله الحمد-، وكونها منتشرة في سائر البلاد، وكل من يشاهد الواقع يعرف ذلك جيداً، حتى أن الأعداء الذين يتربصون بهذه الصحوة الإسلامية وهذه اليقظة الإسلامية يعلمون ذلك، بل إن عامة الناس اليوم لا يبغون بدلاً عن الإسلام وعن تطبيق أحكام الإسلام، حتى عبر بعض المغرضين فقال: إن هذه الصحوة الإسلامية صحوة أو هي القاعدة لكن لها هامش محدود.

    ويقصد بذلك أن القاعدة العريضة من الشعوب الإسلامية تريد الإسلام وتتمنى أن تحكم به، وتتمنى أن تعود إلى تاريخها المجيد، ولكن لها هامش ضيق في التطبيق العملي وفي الواقع المعاش سواءٌ فيما يتعلق بالجانب السياسي أو الجانب الحياتي عموماً.

    ولكن هذه الصحوة تحتاج إلى توجيه، فهي مثل صحوة الإنسان الذي يستيقظ مباشرة؛ فإنه لا يكون متمالكاً لنفسه، ولا يستطيع أن يقف موقفاً قوياً وواضحاً، ولهذا يوجد في هذه الصحوة كثير من الأخطاء والملاحظات، ويوجد فيها ضعف يحتاج إلى تقوية، وتوجد فيها أخطاء تحتاج إلى تصحيح، وكل ذلك لا يمكن أن يتم إلا بالتصحيح وبالتعليم وبدراسة العلم النافع ومعرفة الحق واتباع هذا الحق.

    قال المؤلف رحمه الله: [لكن لا بد لهذه النواة المباركة من السقي والتعهد في مساراتها كافة، نشراً للضمانات التي تكف عنها العثار والتعصب في مثاني الطلب والعمل؛ من تموجات فكرية، وعقدية، وسلوكية، وطائفية، وحزبية.

    وقد جعلت طوع أيديهم رسالة في (التعالم) تكشف المندسين بينهم خشية أن يردوهم، ويضيعوا عليهم أمرهم، ويبعثروا مسيرتهم في الطلب، فيستلوهم وهم لا يشعرون].

    وكتاب الشيخ هذا مطبوع وهو: التعالم وأثره في الفكر والكتاب.

    ومقصود الشيخ رحمه الله أن هذه الصحوة بحاجة إلى تسديد وإصلاح وتعليم، وبحاجة إلى خلق وأدب وتزكية، وبحاجة إلى معرفة الحق واتباعه الذي هو منهج أهل السنة والجماعة، وأنتم تعلمون أن هذه الأمة افترقت إلى فرق متعددة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، فبين أن هذه الفرق فرق هالكة وفرق متوعدة بالنار، مع أنها من جملة المسلمين، لكن هذه الفرق لم تتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم فصارت هالكة إلا واحدة، فلما سئل عنها قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).

    وحتى يكون الإنسان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة فهو بحاجة إلى علم، وبحاجة إلى عمل بعيد عن الهوى والشبهات حتى يطبق هذا العلم، وحينئذ يكون من هذه الفئة المصطفاة التي وفقها الله سبحانه وتعالى للبعد عن الاختلاف والتفرق والهلاك الذي ورد في هذا الحديث.

    ولهذا لا بد من التعلم، ولا بد من طلب العلم، والإنسان مهما بلغ من السن أو الوجاهة أو المكانة عند الناس لا بد له أن يطلب العلم، وطلب العلم ليس المقصود به الاستكثار من المحفوظات، في الفقه أو في العقيدة أو في أي باب من الأبواب، وإنما المقصود بالعلم العلم النافع، والفقه المقصود به الفهم، يعني: أن يفهم دين الله عز وجل على وجهه الصحيح.

    وأنت قد تجد أشخاصاً كثيرين، هؤلاء الأشخاص لديهم مسائل كثيرة ويعجبك بعضهم إذا خطب أو إذا كتب أو إذا تكلم لكنه قليل الفقه، فليس كل متكلم أو كاتب أو مؤلف أو من يحفظ كثيراً من المسائل ويبهر الآخرين يكون فعلاً على فقه؛ فإن الفقه هو فهم مقاصد دين الله عز وجل، وفهم أحكامه الواردة في النصوص الشرعية.

    قال المؤلف رحمه الله: [واليوم أخوك يشد عضدك ويأخذ بيدك، فاجعل طوع بنانك رسالة تحمل الصفة الكاشفة لحليتك، فهأنذا أجعل سن القلم على القرطاس، فاتل ما أرقم لك أنعم الله بك عيناً.

    لقد تواردت موجبات الشرع على أن التحلي بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق والهدي الحسن والسمت الصالح سمة أهل الإسلام، وأن العلم -وهو أثمن درة في تاج الشرع المطهر- لا يصل إليه إلا المتحلي بآدابه، المتخلي عن آفاته، ولهذا عناها العلماء بالبحث والتنبيه، وأفردوها بالتأليف، إما على وجه العموم لكافة العلوم، أو على وجه الخصوص، كآداب حملة القرآن الكريم وآداب المحدث وآداب المفتي وآداب القاضي وآداب المحتسب، وهكذا... والشأن هنا في الآداب العامة لمن يسلك طريق التعلم الشرعي.

    وقد كان العلماء السابقون يلقنون الطلاب في حلق العلم آداب الطلب، وأدركت خبر آخر العقد في ذلك في بعض حلقات العلم في المسجد النبوي الشريف؛ إذ كان بعض المدرسين فيه يدرس طلابه كتاب الزرنوجي المتوفى سنة (593هـ) رحمه الله تعالى، المسمى (تعليم المتعلم طريق التعلم) فعسى أن يصل أهل العلم هذا الحبل الوثيق الهادي لأقوم طريق، فيدرج تدريس هذه المادة في فواتح دروس المساجد وفي مواد الدراسة النظامية، وأرجو أن يكون هذا التقييد فاتحة خير في التنبيه على إحياء هذه المادة التي تهذب الطالب، وتسلك به الجادة في آداب الطلب وحمل العلم وأدبه في نفسه، ومع مدرسه ودرسه، وزميله وكتابه، وثمرة علمه، وهكذا في مراحل حياته.

    فإليك حلية تحوي مجموعة آداب نواقضها مجموعة آفات، فإذا فات أدب منها اقترف المفرط آفة من آفاته، فمقل ومستكثر.

    وكما أن هذه الآداب درجات صاعدة إلى السنة فالوجوب، فنواقضها دركات هابطة إلى الكراهة فالتحريم].

    هذه الآداب التي سندرسها من حيث الأحكام الشرعية بعضها واجبة وبعضها مستحبة.

    وكذلك ضدها -وهي آفات طالب العلم- بعضها من جنس المحرمات وبعضها من المكروهات، فليس مقصود المؤلف هنا أن يتحدث عن الأحكام الشرعية، وإنما المقصود أن يبين فضيلة هذه الآداب وضرورة تحلي طالب العلم بها.

    قال المؤلف رحمه الله: [ومنها ما يشمل عموم الخلق من كل مكلف، ومنها ما يختص به طالب العلم، ومنها ما يدرك بضرورة الشرع، ومنها ما يعرف بالطبع، ويدل عليه عموم الشرع من الحمل على محاسن الآداب ومكارم الأخلاق، ولم أعن الاستيفاء، لكن سياقتها تجري على سبيل ضرب المثال، قاصداً الدلالة على المهمات، فإذا وافقت نفساً صالحة لها تناولت هذا القليل فكثرته، وهذا المجمل ففصلته، ومن أخذ بها انتفع ونفع، وهي بدورها مأخوذة من أدب من بارك الله في علمهم وصاروا أئمة يهتدى بهم، جمعنا الله بهم في جنته، آمين].

    هناك من نظم مثل هذه الآداب في منظومات، مثلاً: أبو إسحاق الألبيري رحمه الله له منظومة في أكثر من مائة بيت يحث فيها ولده على طلب العلم والعمل به والتخلق بالأخلاق الكريمة، وكذلك أبو الفتح البستي له منظومة نونية ممتازة في أهمية تصفية النفس والعناية بآدابها وأخلاقها، يقول منها:

    أقبل على النفس فاستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

    وينبغي على طالب العلم أن يكون له محفوظ من هذه المحفوظات بحيث أنه يستذكره في كل وقت حتى يكون على هذه الحلية وهذه الآداب.

    وقد ذكر الشيخ في الحاشية مجموعة من الكتب كثيرة فيها ما يتعلق بآداب طلب العلم وما يتعلق بفضل العلم وإحياء هذا الأدب في النفس.

    والحقيقة أن دراسة هذه المادة مهم جداً، فقد حصلت كثير من الأخطاء من بعض طلاب العلم في حق العلماء والدعاة، وفي حق نفوسهم، وأصبح الكثير - مع الأسف - يدرس العلم ويشتغل بدراسة المسائل مع أنه في نفس الوقت مفرط في هذه الآداب وليست له عناية بها.

    1.   

    منهج السلف الصالح في الأسماء والصفات

    القاعدة العامة للسلف في باب الأسماء والصفات هو إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العليا، ونفي ما نفاه الله سبحانه وتعالى عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.

    هذه هي القاعدة العامة فيما يتعلق بهذا الباب العظيم، ومن خلال هذه القاعدة يتبين لنا الالتزام بالقرآن والسنة كمصدر أساسي في معرفة الأسماء والصفات؛ لأن الأسماء والصفات هي من الأخبار، والأخبار في ما يتعلق بالله عز وجل من الغيب، ولا يمكن للإنسان أن يكتشف الغيب إلا بخبر صادق، وليس هناك أصدق من الله سبحانه وتعالى حديثاً ولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قيلاً، ولهذا فإن المصدر الأساسي في معرفة أسماء الله عز وجل وفي معرفة صفات الله سبحانه وتعالى هو القرآن والسنة.

    وهذا يعني أن هناك بعض الصفات يمكن أن تدرك بالعقل؛ فإن الإله المعبود لا بد أن يكون حياً، ولا بد أن يكون عالماً، ولا بد أن يكون مريداً، ولا بد أن يكون سميعاً بصيراً، وهكذا. لكن هذه الدلالة العقلية لا نأخذها استقلالاً وإنما هي من جنس الأدلة التي يمكن الاستدلال بها على صفات الله سبحانه وتعالى بعد معرفة النصوص الشرعية من القرآن ومن السنة.

    1.   

    منهج المبتدعة في العقائد

    وبهذا نعرف بطلان من اعتمد على مصدر آخر غير القرآن والسنة في تلقي العقائد عموماً، وفي باب الأسماء والصفات خصوصاً، وأعني بذلك منهج أهل الكلام من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية الذين جعلوا العقل مصدر تلقي العقيدة عموماً والأسماء والصفات بشكل خاص؛ فعظموا العقل تعظيماً كبيراً وجعلوه حاكماً على النصوص الشرعية.

    وإذا اختلف العقل عندهم مع النقل فإنهم يقدمون دلالة العقل، وأما النقل -سواء كان القرآن أو السنة- فإنهم يؤولونه، ولا شك أن هذا سوء أدب وسوء تعامل مع القرآن والسنة.

    علماً أنه لا يمكن أبداً أن يكون هناك تعارض بين العقل والنقل؛ لأن العقل خلقه الله سبحانه وتعالى والنقل أنزله وجاء به الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن يكون هناك خلاف وتباين بين ما خلق الله عز وجل وما أمر به: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].

    ومشكلة التعارض بين العقل والنقل هي مشكلة قديمة وحديثة في نفس الوقت، فقد وجدت عند الفلاسفة الذين لم يتدينوا بدين سماوي، يعني: ليسوا من اليهود ولا من النصارى كـأرسطو وأفلاطون ، فهؤلاء لم يكن لهم وسيلة للوصول إلى الغيبيات سوى العقل، ولهذا اشتغلوا بتقرير العقائد وتقرير ما يتعلق بما يسمونه: الميتافيزيقيا -وهي الغيبيات- اعتماداً على العقل.

    فلما جاءت الأديان جاءت بما يوافق العقل، وزادت على ذلك من أمور الغيب التي لا يعلمها العقل لوحده، ثم جاء الإسلام جاء بأصدق عقيدة فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته.

    فلما ترجمت كتب هؤلاء الفلاسفة إلى اللغة العربية وتأثر بها أقوام ليسوا من أهل العلم -يعني: لم يدرسوا الحديث ولم يدرسوا السنة ولم يتعلموا العلم الشرعي أصلاً وإنما كانوا من عموم المسلمين- جاءوا إلى المحكمات من النصوص الشرعية وبدءوا يؤولونها حتى توافق هذه المقررات العقلية الموجودة لديهم.

    ثم ألفوا الكتب في ذلك وانتشروا وصار لهم ظهور، ورد عليهم أئمة السنة، ومع طول الزمان أصبحوا فرقاً لهم كتب ومبادئ وعقائد وأفكار تختلف غلواً وبعداً عن السنة من فرقة إلى فرقة ومن رأي إلى رأي، لكن كثيراً منهم في الجملة من عموم المسلمين ووقعوا في بدع، وهذا يدل على ضريبة تكلم الإنسان في دين الله عز وجل بغير علم: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].

    1.   

    أزمة التوفيق بين العقل والنقل في الماضي والحاضر

    لا يجوز للإنسان أن يتكلم في دين الله عز وجل بغير علم.

    وهكذا الحال اليوم؛ حيث نجد كثيراً من المشتغلين بالصحف أو التقارير الإخبارية أو غيرها يتكلمون في قضايا عميقة تتعلق بالموقف من المخالف أو كما يسمونه الرأي الآخر، ويقررون وكأنهم من كبار علماء المسلمين، ولهذا يقعون في زلات عظيمة وكبيرة بسبب الجهل.

    وهذا لا يعني أن الإنسان لا يتكلم فيما يتعلق بعمومات الإسلام، لكن يجب أن يتكلم بعلم، وإذا لم يكن عنده معلومات تتعلق بهذا الأمر يحيله إلى عالمه ولا يتكلم بغير علم.

    فما زالت مشكلة التعارض بين العقل والنقل إلى زماننا المعاصر، بل إنها في الزمان المعاصر زادت بشكل أكبر، لأن العالم الغربي اليوم هو المتفوق سياسياً واقتصادياً وثقافياً وفكرياً، والعالم الإسلامي ضعيف بشكل كبير.

    والعالم الغربي له قصة مع الدين، وقصته يمكن تلخيصها بأنه حطم الدين؛ لأنه يعتقد أن الدين خرافة، وأن العقل هو مصدر كل خير، ولهذا جعلوا تضارباً بين الدين والعلم، أي: العقل.

    والسبب أنهم ظنوا أن كل الأديان -بما فيها دين الإسلام الذي لم يعرفوه في الحقيقة- معارضة للعقول، ولهذا لا بد أن ترد، ولهذا عندما يعرفون الأديان عموماً يقولون: الإيمان أن تؤمن وتصدق وتجزم بدون برهان يقيني وعقلي يدل على صدق ما تؤمن به، ولهذا يحشرون في الأديان كل الأديان الخرافية والأديان الوضعية كما يسمونها، والأديان التي تأتي من عند الله، كل هذه الأديان يرونها من جنس واحد، وهي أن تؤمن بدون برهان ولا دليل، وإنما لمجرد الخبر، أخبرك فلان بشيء فآمنت به، ولو كان هذا الخبر غير صحيح في نفسه.

    فأصبحت أزمة العقل والنقل الآن في العصر الحديث أكبر بكثير مما كانت في العصر القديم، وأصبح الدعاة اليوم يواجهون تيارين خطيرين:

    التيار الأول: تيار تراثي كما يسمونه، وهو الذي يوجد في الكتب القديمة والتي ما زالت تطبع إلى الآن، ويوجد لها معاهد ومراكز ومعاقل للعلم تدرس هذه الكتب التراثية، وهي كتب المعتزلة والأشاعرة وغيرها من الكتب التي تقرر التعارض بين العقل والنقل وتقدم العقل على النقل.

    التيار الثاني: التيار التغريبي الذي يتمثل في المذاهب الفكرية المعاصرة التي تبناها عدد كبير من الأحزاب والمؤسسات والأشخاص الذين تأثروا بهذه الأحزاب، سواء كانت العلمانية أو الحداثة أو الديمقراطية أو الفكر الغربي عموماً بكل أطيافه وألوانه.

    فصاروا يتأثرون به، ومن ضمن ما يتأثرون به المنهج العقلي المعاصر الذي يفترض أن الدين إيمان بدون دليل، وأن العلم هو الاستدلال العقلي، وأنه هو اليقيني وحده دون غيره.

    1.   

    دين الإسلام دين يقيني يقبله العقل

    لكن نحن نقول: إن دين الإسلام هو الدين الحق، وإننا نؤمن بهذا الدين بناءً على أدلة يقينية قطعية وليس إيماناً مجرداً، وهو مبني على صحة نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحة نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم -كما يقول العلماء- دل عليها أكثر من ألف دليل، يعني: ليس الدليل هو المعجزات فقط وإنما أكثر من ألف دليل، فمن الأدلة مثلاً: أن هذا القرآن في حد ذاته معجزة من حيث بيانه، فتحدى الكفار الأوائل أن يأتوا بمثل هذا القرآن، بل أن يأتوا بعشر سور أو سورة واحدة.

    أيضاً هذا القرآن معجز؛ لأن فيه إخباراً عن الغيبيات وقعت بالتفصيل، ولو لم يكن من عند الله لما أمكن أن يتنبأ بالغيب ثم يقع، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بغيبيات يقينة، وقد وقعت تماماً، ومن ذلك أنه قال: (إن ابني هذا سيد - يعني الحسن - ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) فحصل تماماً أنه اقتتلت فئتان وأصلح بينهما الحسن عندما تنازل عن الخلافة.

    كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وقوع فتنة بين الصحابة، وأن أهل الحق فيها هم الذين يعتزلون هذه الفتنة.

    بل إن جملة من الكشوف العلمية اليقينية ورد في النصوص الشرعية ما يدل عليها.

    هذا بالإضافة إلى شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وهو كونه صادقاً، فلم يحفظوا عنه كذباً قط، فلا يمكن أن يصدق في حديثه مع الناس ويكذب على الله سبحانه وتعالى.

    أضف إلى هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم استمر بين قريش حتى وصل عمره أربعين سنة وهو لم يدع أي دعوى لها علاقة بموضوع النبوة، ولم تكن له علاقات بأشخاص عندهم علم عن النبوات، ثم يأتي بدين متكامل، ويأتي بمعجز لفظي، فكل هذا يدل على صدق نبوته.

    وإن أردت أن تجمع من النصوص الشرعية ما يدل على أن هذا الدين حق فستجد شيئاً كثيراً وعظيماً.

    إذاً نحن آمنا بهذا الدين والتزمنا به بناءً على أن هذا الدين دين يقيني صحيح وأن العقل يدل على صدقه وصحته، ويترتب على هذا أن كل ما يخبر به النبي فهو حق ويقين، لأنه ثبت عندنا أنه نبي، فكل ما يخبر به من أمور الغيب لا بد أن يكون حقاً، ومن ذلك هذا الباب الذي نحن في صدد الحديث عنه وهو باب الأسماء والصفات، فكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم سواء نسبه إلى الله عز وجل كما في القرآن أو تكلم به صلى الله عليه وسلم، فهذا حق في باب الأسماء وفي باب الصفات أيضاً.

    ونحن أهل السنة نؤمن بها كما جاءت في النصوص الشرعية، فنؤمن أن الله عز وجل هو العليم الرحيم الجبار المتكبر الرحمن الإله سبحانه وتعالى، هذا بالنسبة لأسمائه.

    ونؤمن بصفاته سواء الصفات الفعلية مثل النزول والضحك والإتيان والغضب ونحو ذلك، أو الصفات الذاتية مثل العلم والسمع والبصر ونحو ذلك، فهذه الصفات وهذه الأسماء نؤمن بها كما جاءت في النصوص الشرعية.

    1.   

    التوافق بين أسماء الله وأسماء صفاته وبين أسماء المخلوقين وأسماء صفاتهم لا يستلزم التوافق في المسمى

    وقد أشكل على بعض الناس التوافق في أسماء صفات الله عز وجل وأسمائه وأسماء وصفات المخلوقين، فالله عز وجل هو الحي وقد سمى بعض عباده الحي، وهو سبحانه وتعالى يعلم وعبده يعلم أيضاً، وهو سبحانه وتعالى له قدم ولعبده قدم، وهو سبحانه وتعالى له عينان ولعبده عينان، وهو سبحانه وتعالى له يد ولعبده يد، هذا التوافق أشكل وأصبح مأزقاً عند الكثير لا يستطيع الخروج منه، أو يخرج منه ببدعة ضالة إما بدعة التعطيل ونفي صفات الله سبحانه وتعالى وحقائقها، أو التمثيل وهو أن صفات الله سبحانه وتعالى مثل صفات المخلوقين.

    وهذا المأزق يمكن أن نحله كالتالي:

    أن التوافق بين أسماء صفات الله عز وجل وأسماء صفات المخلوق لا تستلزم التوافق في المسمى، فالله عز وجل يقول: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]، ويقول: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [الروم:19] فسمى نفسه الحي وسمى عبده الحي.

    وكذلك الحال في بقية الأسماء والصفات.

    نقول: إن الاشتراك في الأسماء لا يقتضي التماثل في المسميات، فإن هذا الاشتراك يحصل في قدر كلي لا وجود له في الخارج وإنما هو موجود في عقل الإنسان وذهنه.

    ويتميز بالنسبة، يعني: عندما ننسب هذا الأمر نقول مثلاً: يد الإنسان؛ فعرفنا خصوصية معينة لهذه اليد وهي أنها يد إنسان ذات صفة معينة.

    وإذا قلنا: يد الله، عرفنا أنها يد خاصة بالله سبحانه وتعالى لها صفة أخرى تختلف عن صفة المخلوق لأن هناك فارقاً بين الخالق والمخلوق.

    فهذه القضية لم يدركها المعطلة ولا الممثلة، فالمعطلة قالوا: إن هذا التشابه يقتضي التماثل التام بين صفات الله عز وجل وصفات خلقه، وبناءً على هذا فلا بد أن ننفي مقتضاها، ورتبوا على هذا أن النصوص القرآنية والنبوية ظواهرها التمثيل، وأن اعتقاد ذلك كفر والعياذ بالله، وأنه لا بد لنا من التأويل، وأن التأويل هو العقيدة الصحيحة التي تجعلنا نصل إلى حقيقة صفات الله سبحانه وتعالى، وأما الإيمان بالظواهر وإثبات ما أثبته الله لنفسه فإن هذا يستلزم التمثيل ولا بد.

    أما الممثلة فقالوا نفس الكلام، لكن قالوا: لا بد أن نؤمن بما أخبر الله، وقد أخبر الله بالتمثيل فلا بد أن نؤمن به.

    والحق أن كلتا الطائفتين أخطأت، فإن الله عز وجل لم يجعل ظاهر هذه النصوص التمثيل، ولم يجعل ظاهر هذه النصوص الموافقة التامة، وإنما هي تتفق في الأسماء لكن تختلف في الحقائق.

    فأنت الآن مثلاً تقول: يد الفيل، وتقول: يد النملة، هنا يد وهنا يد، لكن هذه مختلفة عن هذه من كل الوجوه.

    وبناءً على هذا نقول: إن القدر المشترك بين اسم صفة الله عز وجل واسم صفة العبد لا حقيقة له من حيث الواقع، وإنما هو قدر يقتضيه الاشتراك الذهني فقط، يعني: يمكن أن يوجد في الذهن أن هذه يد وهذه يد، لكن لا يوجد لها صورة وحقيقة معينة في ذهنك.

    ويمكن أن توجد في الخارج عند الاختصاص أي: عندما يكون يد الله أو يد المخلوق، فتقول: يد المخلوق وتعرف حقيقتها وتعرف طبيعتها، ويد الله عز وجل تليق بجلاله لا تشبه يد المخلوق، ولا نعلم كيفيتها.

    فمجرد الاشتراك في الاسم لا يقتضي التماثل في المسميات، ولهذا ضرب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مثلاً في كتابه التدمرية بالجنة، فقال: الجنة ورد في النصوص الشرعية أن فيها نخلاً وفيها ثمراً وفيها فواكه، لكن لا تشبه شيئاً مما في الدنيا، فليست فواكه الجنة مثل فواكه الدنيا، وليس هناك تشابه أصلاً بينهما، ولهذا ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: ليس شيء في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء.

    وهذه الأسماء معنى كلي في الذهن، أي: لا يمكن للإنسان أن يميزه إلا بالاختصاص، فإذا خصه فقال: ثمرة الدنيا أو ثمرة الآخرة، وهكذا الحال في كل الأسماء الكلية، فإن الأسماء الكلية لا وجود لها في الواقع، وقد يعبر بعض العلماء عن كلمة الواقع هذه فيقول: في الخارج، يعني: خارج الذهن، فيقولون: في الداخل يعني: داخل الذهن، وفي الخارج يعني: الواقع المعاش الذي يعايشه الناس.

    إذاً القدر المشترك هو المعنى الكلي الذي يؤخذ من مطلق الاسم، مثل عموم كلمة يد، أو عموم كلمة نزول، أو عموم كلمة علم، أو عموم كلمة وجه، لكن عند الاختصاص تتمايز وتختلف بشكل تام.

    1.   

    أقسام الألفاظ المشتركة في اللغة ودلالتها

    وقد وقع خلاف كبير عند هؤلاء في القدر المشترك في الأسماء ما هو؟ هل هو مقول بالاشتراك اللفظي، أو هو مقول كما يسمونه بالتواطؤ، أو هو مقول بالتشكيك؟ وهذه مصطلحات للكلمات العربية.

    فبعضها تقال بالاشتراك اللفظي، مثلاً كلمة عين، ممكن تفهم عين الإنسان، وممكن تفهم العين الجارية، وممكن تفهم الجاسوس، ويمكن أن تفهم أشياء متعددة مع أن الكلمة واحدة، فيعرفون الاشتراك اللفظي بأنه اللفظ الذي يدل على حقائق مختلفة وهو لفظ واحد.

    فالعين لفظ واحد، لكنها تدل على حقائق مختلفة تمام الاختلاف.

    كذلك (المشتري) تطلق على الإنسان الذي يشتري بضاعة من بائع، وتطلق على الكوكب، والفرق بين الكوكب وبين المشتري كشخص في الحقائق تماماً.

    وهناك اصطلاح آخر وهو التواطؤ، والتواطؤ هو الاسم الكلي الذي يدل على أنواع متعددة متفقة في الحقيقة، يمثلون له بكلمة إنسان، فكلمة إنسان كلمة كلية عامة تدل على أشخاص كثر، هذا إنسان وهذا إنسان وهذا إنسان، لكنها كلها متفقة في الحقيقة، أي: حقيقة الإنسان أن له جسداً وروحاً وعينين وأذنين، لكن هذا الإنسان يختلف عن هذا الإنسان، هذا زيد وهذا عمرو، وهذا محمد، وهذا خالد، وهذا فهد، وهكذا. هذا يسمى التواطؤ.

    والتواطؤ يقسمه بعض الأصوليين إلى قسمين:

    تواطؤ عام.

    وتواطؤ خاص.

    وهناك فرق بين التواطؤ العام والتواطؤ الخاص، وقد يسمون التواطؤ الخاص بالمشكك.

    ومعنى اصطلاح المشكك: اللفظ الذي يدل على أكثر من معان مختلفة في الحقيقة، لكن مقسمها واحد، وهناك فرق بين أن يكون حقيقتها واحدة وبين أن يكون مقسمها واحداً، مثل كلمة (الحيوان) تدل على أنواع متعددة لكن الحقيقة واحدة.

    لكن في المشكك الحقيقة ليست واحدة، بل هي حقائق مختلفة، لكن ليس مثل الاشتراك اللفظي، وهي أن الحقائق مختلفة كلياً بحيث إن هذا له معنى مختلف عن المعنى الآخر، وهذه الحقائق المختلفة لها معنى، كل واحد يمكن أن يفهم فهماً من خلال الاسم العام والمطلق.

    فإطلاق الصفات سواء إطلاقاً عاماً هكذا هي من جنس المشكك وليست من جنس الاشتراك اللفظي، ولهذا جمهور المعطلة من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية وغيرهم يعتقدون أن إطلاق هذه الأسماء من جنس المشكك كما سبق، لكنهم ينفونها لاعتقادهم أن هذا يدل على التماثل ولا بد، ونحن نقول: إنه لا يدل على التماثل وإنما هو معنى عام مشترك يتمايز في الحقائق.

    وانحرف بعضهم انحرافاً كبيراً جداً في هذه المسألة فقال: إن إطلاق هذه الأسماء هي من جنس الاشتراك اللفظي. وهذا يدل على أن الذي يؤمن بهذه القضية سيدخل في فوضى كبيرة من خلال تفكره في هذا الاشتراك اللفظي.

    ونحن قلنا: إن الاشتراك اللفظي هو الكلمة التي تستخدم في حقائق متعددة، يعني: العين الباصرة غير العين الجارية من كل وجه، يعني: ليس هناك قدر مشترك بينها أبداً، فهي مختلفة من كل وجه، وإنما اتفقت في الحروف (ع ي ن).

    وأما اتفاق أسماء صفات الله عز وجل مع أسماء المخلوقين فهي ليست من هذا الباب، وإنما هي من باب الاتفاق في قدر مشترك ومعنى عام يختلف في الحقائق عند الإضافة، فيقال: هذه صفة المخلوق وهذه صفة الخالق، هذه صفة الله وهذه صفة العبد مثلاً، لأن القول بأنها من الاشتراك اللفظي يجعل الإنسان في متاهة وفي حيرة كبيرة، فعندما يقرأ: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] ماذا يفهم من كلمة الحي؟ يعني: ما دام أنه بالاشتراك اللفظي يمكن أن يكون معناها بعيداً كل البعد، ونحن خاطبنا الله عز وجل بلغة العرب الواضحة البينة، وإنما يتضح معنى الآية من السياق.

    ولو أخذنا مثالاً واحداً وهو الوجود، فالله عز وجل موجود والعبد موجود، لكن وجود الله ليس مثل وجود العبد، بل هو مختلف تماماً، لكن هذا وجود وهذا وجود، بمعنى: هذا ليس بمعدوم وهذا ليس بمعدوم أيضاً.

    والوجود له معنى عام يفهمه الإنسان، لكن هذا المعنى لا يمكن للإنسان أن يحدده بالنسبة لله ويجعلها مثل صفة المخلوق، وهذا هو التمثيل الذي حذر الله ونهى عنه.

    على كل حال هذه خلاصة هذه المسألة، وهي مسألة طويلة الذيل، وهذا هو المأزق الذي وقع فيه أهل الكلام سواء المعطلة منهم أو المشبهة، والحق هو ما سبق أن أشرنا إليه، ولهذا يرد كثيراً في كلام شيخ الإسلام رحمه الله أن من لم يقل بالقدر المشترك فهو ينفي وجود الله سبحانه وتعالى.

    ومعنى كلامه أن من لم يقل بأن هناك قدراً مشتركاً بين وجود العبد ووجود الخالق، وأن هذا القدر المشترك لا يقتضي التماثل وإنما هناك تمايز من كل وجه إذا أضيفت إلى الخالق أو المخلوق؛ فإن هذا يقتضي ألا يثبت وجوداً أصلاً، أي: لا يثبت وجوداً حقيقياً لله سبحانه وتعالى.

    هذا ما يتعلق بقضية موقف السلف الصالح رضوان الله عليهم بشكل مجمل في إثبات الأسماء والصفات، فهم يثبتونها كما أثبتها الله عز وجل وكما أثبتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينفون ما نفاه الله عز وجل أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    تنوع تقسيم الصفات لاعتبارات مختلفة

    والصفات تنقسم إلى قسمين: صفات ثبوتية، وصفات سلبية أو منفية.

    وهذه نأخذها من القاعدة: وهي إثبات ما أثبته الله وأثبته رسول الله، ونفي ما نفاه الله أو نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهناك صفات أثبتها الله لنفسه وهناك صفات نفاها الله عز وجل عن نفسه.

    والصفات الثبوتية كثيرة وهي الأصل، ولهذا أثبت الله عز وجل لنفسه الحياة والعلم والقدرة والإرادة ونحو ذلك، ونفى الله عز وجل عن نفسه نفياً مجملاً كقوله سبحانه وتعالى: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255].

    وكقوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، وكقوله: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، فهذا النفي جاء مجملاً؛ لأن النفي التفصيلي ليس فيه شيء من الكمال والمدح، وإنما يكون الكمال بالإثبات التفصيلي والنفي المجمل، هذا بالإضافة إلى أن النفي ينبغي أن يتضمن إثبات كمال الضد، يعني: إذا نفينا عن الله سبحانه وتعالى مثلاً لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255] فذلك لكمال علمه وحياته وإحاطته سبحانه وتعالى بكل شيء.

    لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ [سبأ:3] يعني: لكمال علمه، فهو سبحانه وتعالى يعلم كل شيء، وهكذا.

    وتقسيمات الصفات الثبوتية كثيرة لأهل العلم، فهم يقسمونها باعتبار الدليل إلى صفات عقلية وصفات خبرية، والفرق بينهما أن الصفات العقلية يمكن الاستدلال عليها عقلاً بشكل مستقل، وأما الصفات الخبرية فهي التي لا يمكن أن يعرفها الإنسان إلا من الخبر.

    ومثال الصفات العقلية: العلم والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام.

    وهناك صفات خبرية مثل: النزول والاستواء والضحك ونحو ذلك هذه من الصفات الخبرية.

    وقد يقسمون الصفات الثبوتية باعتبار تعلقها بذات الله عز وجل إلى قسمين:

    صفات ملازمة لذات الله عز وجل لا تنفك عنه بوجه من الوجوه، وهي الصفات الذاتية مثل: الوجه واليدين والعلم والحياة ونحو ذلك.

    وهناك صفات تسمى الصفات الفعلية أو الصفات الاختيارية، وهي الصفات المتعلقة بإرادة الله عز وجل إذا شاء فعلها وإذا شاء تركها، مثل النزول والاستواء والضحك والخلق ونحو ذلك، ويقسمون هذه الصفات إلى قسمين: صفات فعلية متعدية إلى الخلق وتشمل صفات الربوبية مثل الإحياء والإماتة والتدبير، وهناك صفات لازمة لله عز وجل مثل الاستواء.

    فهذه التقسيمات كلها العبرة فيها بالمعنى، وإنما جاءت هذه التقسيمات من أجل التقريب العلمي عندما تقدمت العلوم وأصبح لا بد من تصنيف المسائل وتقسيمها.

    فالتقسيم في حد ذاته ليس خطأ، إنما الخطأ إذا كان مفهوم التقسيم ومعنى التقسيم فاسداً. يعني: عندما نقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، بعض الناس يقول: هذه بدعة، من أين أتيتم بهذا التقسيم؟

    فنقول: البدعة تتعلق بما أخبر الله عز وجل به أو أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: عندما نقول إن الله أخبر بهذا التقسيم يكون ذلك مبتدعاً، لأنا إذا قلنا: إن الله أخبر بهذا التقسيم بهذا الشكل المفصل فهذا كذب على الله سبحانه وتعالى وكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن نحن نقول: إن هذه معان صحيحة وحقائق صحيحة، وهذا إخبار عنها بطريق التقسيمات، وهذا أمر متفق عليه في سائر العلوم، يعني: سواء فيما يتعلق بعلوم العربية أو العلوم الإنسانية عموماً، لا بد من تقسيم القضايا حتى يفهمها الإنسان ويدركها إدراكاً صحيحاً.

    أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لكل خير، إنه على كل شيء قدير.

    1.   

    الأسئلة

    حكم الدعوة إلى التقريب بين الأديان

    السؤال: بعض الناس يدعو إلى ما يسمى بالتقريب بين الأديان، فما الحكم؟

    الجواب: لا شك أن التقريب بين الأديان بمعنى خلط الأديان بعضها مع بعض الذي هو وحدة الأديان؛ أن هذا كفر بالله رب العالمين، وأن هذه الفكرة عقيدة فاسدة لا يشك فيها أحد، لكن هناك أشخاص يدعون إلى ما يسمى الحوار بين الأديان.

    وكلمة (الحوار) كلمة فضفاضة يمكن أن يقصد بها معنى صحيح، ويمكن أن يقصد بها معنى فاسد، ولهذا لا يصح للإنسان أن يضع كلمة حوار موطن القبول مطلقاً، ولا يجعلها أيضاً موطن الرد مطلقاً، وبعض الناس عنده حساسية مباشرة يرى أن هذا المقصود به خلط الأديان، وهذا خطأ.

    لكن الحوار بحسب طريقة الحوار، إذا كان المقصود به دعوة أصحاب الأديان وبيان العقيدة الصحيحة لهم فهذا أمر مطلوب، وإذا كان غير ذلك فهذا أمر يحكم عليه بحسب حاله.

    حكم تكفير المعين إذا ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام

    السؤال: هل يحكم على شخص معين يدعي الإسلام بالكفر إذا ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام مثل موالاة الكفار ومحاربة المسلمين؟

    الجواب: أولاً: موالاة الكفار ليست ناقضة مطلقاً، وإنما هو بحسب ما يكون في عقيدة الإنسان الذي يوالي، فإذا كانت الموالاة بمجرد التشبه أو الحب لغير وصف الدين، مثلاً لأنه ظريف، لأنه لطيف، لأنه عالم، لأنه يحسن لعب الكرة، فهذا لا يعتبر كفراً مخرجاً عن الملة، وإنما هو كبيرة من الكبائر.

    أما الموالاة لأجل دينه، يعني: محبته لأجل دينه؛ فهذا هو الكفر المخرج عن الملة.

    وأيضاً ليست محاربة المسلمين مطلقاً كفراً، لكن إذا كانت لأنهم مسلمون فهذا كفر، أما إذا حاربهم مثلاً لأنه يريد أن يوسع أرضه مثلاً، فهذا ظالم وفاجر لكن لا يصل إلى درجة الكفر.

    أما إذا ارتكب الإنسان ناقضاً حقيقياً من نواقض الإيمان؛ فإنه عند الحكم عليه لا بد من وجود الشروط وانتفاء الموانع، يعني: لا يصح الحكم عليه مطلقاً، فهناك فرق بين الفعل والفاعل، فقد يأتي إنسان بناقض من النواقض لكن هو نفسه لا يكفر، ولا يخرج عن الإسلام لوجود مانع من الموانع.

    فـحاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه وقع في ناقض عندما كتب إلى كفار قريش يخبرهم بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فهذا ناقض من النواقض، لكنه هو نفسه لم يكفر، لوجود مانع من الموانع وهو التأويل، ولهذا عذره النبي صلى الله عليه وسلم.

    وهكذا الرجل الذي قال لأهله: (إذا أنا مت فأحرقوني، ثم ذروا رفاتي في الهواء، ثم قال: لئن قدر علي الله ليعذبنني عذاباً شديداً) فهو يعرف الله عز وجل وهو يعظم الله عز وجل، بل إنه خائف من الله سبحانه وتعالى، ووجه الكفر عنده أنه شك في قدرة الله، فهو ليس بكافر لعارض الجهل، فليس كل من وقع في كفر يكون كافراً، قد يكون لديه عذر كأن يكون جاهلاً -وليس الجهل عذراً في كل حال، وإنما هناك تفصيلات دقيقة عند أهل العلم- أو مكرهاً أو متأولاً أو نحو ذلك، فلا يصح للإنسان أن يكفر الأشخاص لمجرد أنهم تلبسوا بالكفر.

    ولهذا أريد أن أنبه إلى قضية مهمة جداً، وهي أن كثيراً من الشباب يتعجل وقد يصل به الحال أن يكفر عالماً من العلماء، لأن عالماً من العلماء يقول كلمة قد لا يؤيد المجاهدين -مثلاً- فيها، صحيح قد يكون مخطئاً، قد يكون ظالماً مثلاً بحسب قوله، قد يكون مبتدعاً؛ لكن التكفير خطير، فلا يصح للإنسان أن يتجرأ على تكفير أهل العلم، أو على تكفير هيئات معينة، أو جهات معينة.

    ولهذا نحن بحاجة إلى أن يكون طالب العلم عفيف اللسان، بل عليه أن يبتعد عن بعض الناس الذين يجلسون في مجالسهم فيتكلمون ويلوكون في أخبار بعض أهل العلم الذين يكون لهم مواقف أو آراء اجتهدوا فيها، نعم قد يكون بعضهم أخطأ فيها، لكن ليس كل خطأ كفراً، وليس كل من وقع في مسألة قد تكون هي كفر في ذاتها يكون كافراً، ولهذا ينبغي للإنسان أن يحذر غاية الحذر من هذا.

    وهناك قاعدة مشهورة عند العلماء: الخطأ في العذر خير من الخطأ في العقوبة، بمعنى: أنك عندما تجد إنساناً مسلماً في الأصل ثم تلبس بكفر، ثم تخاف من تكفيره وتقول: هو مسلم عندي، وقد يكون هو كافراً في الحقيقة، فهذا الخطأ أخف بكثير من أن تطلق الكفر على إنسان قد يكون مسلماً، ولهذا فالتعجل والكلام بدون علم هو الذي يوصل الإنسان إلى كثير من الزلات.

    ولهذا ليس هناك أفضل من أن يكون الإنسان ملتزماً بالسنة، وعلى طالب العلم أن يكون عفيف اللسان بعيداً عن الوقيعة في أهل العلم، فالوقيعة في أهل العلم علامة شؤم على الإنسان.

    صحيح أن المخطئ لا نقبل قوله حتى ولو كان عالماً، ونحن أهل السنة والجماعة -ولله الحمد- لا نقلد قول عالم مخالف للدليل الصحيح الصريح الواضح، لكن إذا اجتهد عالم يجب أن يعذر، فإذا كان عالماً من أهل السنة ثم اجتهد في مسألة فلم يوفق في اجتهاده، فإن غاية ما هنالك أن يكون قد أخطأ فله أجر، أو قد تكون زلة من جنس الذنوب والمعاصي، وما لديه من الأعمال الفاضلة والطيبة يمحو الله عز وجل بها هذه الزلة.

    إذاً: ينبغي أن يحذر الإنسان غاية الحذر، وأن يتأدب مع أهل العلم غاية الأدب.

    حكم انتقاص قدر العلماء وتتبع زلاتهم

    السؤال: يتردد أحياناً في مجتمع طلاب العلم -وللأسف الشديد- انتقاص قدر العلماء وطلاب العلم المتمكنين وتتبع زلاتهم حتى ولو كان العلماء مجتهدين؟

    الجواب: لا شك أنه خطأ كبير ومنقصة عظيمة أن يتجرأ الإنسان على أهل العلم، وأن يتكلم عليهم، وأن يذمهم، وعيب عليك أن تكون معروفاً بأنك سباب لأهل العلم، والعياذ بالله.

    السلف ذموا الروافض بكثير من الأمور، كان من أبرزها أنهم ممن يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف تسب أشخاصاً من أهل العلم قد يكونون أقرب إلى الله عز وجل منك، وأكثر عبادة منك.

    لكن كيف نجمع بين هذا وبين الكلام في أهل البدع ونصوص السلف الطويلة في ضرورة التحذير من أهل البدع؟

    نقول: هناك فرق بين علماء أهل السنة وعلماء المبتدعة، فعلماء أهل السنة الأصل فيهم الثناء عليهم وقبول قولهم إلا إذا خالف الدليل الصحيح الصريح الواضح.

    وأما الذين ينصبون أنفسهم لبدعة مخالفة للسنة ويدافعون عنها ويهاجمون أهل السنة بسببها؛ فهذا لا يعني أن الإنسان يسبهم ويشتمهم، لأنه لا ينبغي للإنسان أن يتعود على السب أصلاً، لأن السب منقصة، ولم يكن السب في يوم من الأيام محموداً شرعاً، حتى على الكافر، وإنما يكون الرد وبيان الخطأ والتحذير منه بحسب حجمه، فالداعية إلى البدعة غير الذي لا يدعو إلى البدعة، والمؤثر غير الإنسان الذي لا يكون له تأثير، وهكذا بضوابط.

    الكتب التي ينصح بقراءتها لطالب العلم المبتدئ

    السؤال: أنا مبتدئ في قراءة العقيدة، فما هي الكتب التي تنصحون بقراءتها؟

    الجواب: المبتدئ في العلم سواء في دراسة العقيدة أو في غيرها عليه أن يبتدئ بتصحيح قراءته للقرآن حتى تكون قراءة صحيحة، ثم ينظر في حاله إن كان سيتفرغ للعلم ويشتغل به فيقرأ متناً صغيراً في العقيدة أو في الفقه أو في اللغة.

    ثم إذا انتهى منها وحفظها وأتقنها ينتقل إلى متن آخر، ثم إذا انتهى ينتقل إلى متن ثالث، وهكذا يستمر حتى يصل إن شاء الله إلى رتبة أهل العلم، مع الالتزام بالتقوى والإيمان والخوف من الله ودعاء الله سبحانه وتعالى، والأدب والعفة.

    أما إذا كان شخصاً غير متفرغ للعلم كمن له تجارة يشتغل بها أو أسرة كبيرة يريد أن ينفق عليها وهو يريد أن يتعلم الأصول الأساسية؛ فهذا الإنسان عليه أولاً أن يتعلم قراءة القرآن حتى يتقنه، ولا يشترط في الإتقان أن يأخذ إجازة أو سنداً وإنما تكون قراءته صحيحة في التشكيل الإعرابي، وفي التجويد، أي: في الجملة، ولا يكون فيها لحن.

    ثم يأخذ كتب أهل العلم المعروفة في العقيدة، مثلاً كتاب التوحيد للشيخ الفوزان ، وكتاب الإرشاد له، ويأخذ مثلاً بعض شروح الشيخ ابن عثيمين ، مثل القول المفيد في كتاب التوحيد.

    ويقرأ ما يتيسر له من تفسير القرآن، ويشتغل بقراءة فتاوى أهل العلم حتى يعرف الحلال من الحرام، وإذا وقع في قضية أو حصلت عنده مشكلة أو مسألة لم يفهمها يسأل أهل العلم المتقنين المتخصصين فيها ليتفهمها.

    كيفية الاستفادة من الدروس العلمية

    السؤال: أنا طالب علم أحضر دروس ودورات علمية ومع ذلك لا أشعر بالفائدة العظيمة من تلك الدروس، وأشعر بأني لم أدرس بعض تلك العلوم؛ فما الطريقة المفيدة لتذكر العلم والاستفادة من الدروس العلمية؟

    الجواب: على الإنسان ألا يكتفي بالحضور، فإذا انتهى الدرس ذهب وحضر درساً آخر أو اشتغل بأمر آخر، فحينئذ تصبح الدروس بالنسبة له مثل المحاضرات ومثل قراءة الصحف ومثل قراءة الكتب، وإذا أصبحت الدروس العلمية بهذه الصورة لا يتقن الإنسان، وفعلاً يشعر بأنه تنتهي دورة وسنة وسنتان وهو يحضر دروساً لكنه غير مستفيد؛ لأنه لا يحفظ.

    فالعلم لا بد له من حفظ، ولا يشترط أن يحفظ مثلاً متناً، وإن حفظ فهذا خير، لكن على الأقل يحفظ أدلة من النصوص القرآنية والنصوص النبوية، ويحفظ أيضاً قواعد أهل العلم، ويحفظ تقسيمات المسائل بشكل دقيق، وحينئذ يكون طالب علم ويشعر أنه استفاد.

    لكن إذا كان يكتفي بالحضور ثم يخرج فلن يستفيد شيئاً كثيراً، هذا بالإضافة إلى أنه ينبغي أن يرتب جدوله ويجعل لنفسه مثلاً أوقاتاً للحفظ وأوقاتاً للقراءة وأوقاتاً لتكرار العلم، وهكذا بحيث إنه يستفيد.

    حكم التسمي بالأسماء التي لم يثبت أنها أسماء لله تعالى

    السؤال: هناك أسماء لله تعالى فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من يثبتها اسماً لله، ومنهم من يقول هي صفة فقط، وعلى المنع لا يجوز التسمي بهذه الأسماء؛ فهل هناك قاعدة في ذلك؟

    الجواب: هناك أسماء مجمع عليها أنها أسماء، وهناك أسماء اختلف العلماء في كونها أسماء لاختلافهم في ثبوت النص مثل اسم المحسن، أو في ثبوت الصيغة التي جاءت في النص هل هي اسم أو أنها صفة؟

    فالخلاف في هذه المسألة خلاف يسير، ولا يترتب عليه إشكال كبير، وهو من جنس الاجتهاد في مسائل الفروع، وكذلك الحال فيما يتعلق بالصفات، وإنما يتميز صاحب العقيدة الصحيحة من غيره في باب أسماء الله وصفاته بالقاعدة في منهج إثبات الاسم أو نفيه، وفي منهج إثبات الصفة أو نفيها.

    هذا المنهج وهذه القاعدة هي التي يتميز بها صاحب العقيدة الصحيحة من دونه، فإذا اتفقوا في عقيدة واحدة ثم جاءوا إلى مواطن فيها إشكال بناءً على ما سبق أن أشرنا إليه من الاختلاف في ثبوت النص أو الاختلاف في دلالته وصيغته؛ فهذا الاختلاف ليس فيه إشكال.

    حكم تكفير الخوارج

    السؤال: في حاشية فتح المجيد يقول الشيخ محمد حامد الفقي : (وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم للخوارج بكثرة الصلاة والصيام وقراءة القرآن المشحون بلا إله إلا الله، ومع ذلك فقد حكم عليهم بالكفر). اهـ.

    هل قوله صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الدين)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لو أدركتهم لقتلتهم قتل عاد) دليل على أن الخوارج -كما ذكر في الحاشية- كفار؟

    الجواب: الخوارج أنواع وليسوا نوعاً واحداً، فمنهم من وقع في الكفر فعلاً، ومنهم من ليس كذلك.

    فالخوارج الأوائل الذين خرجوا على علي رضي الله عنه كانوا يكفرون مرتكب الكبيرة ولم يكفرهم علي رضي الله عنه ولا الصحابة الذين معه، ولهذا لم يأخذوا أموالهم غنائم في وقعة النهروان، ولم يرتبوا عليهم أحكام الكفر مطلقاً.

    وحديث: (يمرقون من الدين) هو وصف عام للخوارج، فيحتمل أن يكون من نصوص التكفير إذا وقعوا في الكفر أو من نصوص الوعيد، ولهذا عندما سئل الإمام أحمد رحمه الله عن الخوارج: هل هم كفار؟ اكتفى بقوله: (يمرقون من الدين) يعني: لم يزد على ذلك!

    ولهذا فتكفير مرتكب الكبيرة في حد ذاته ليس مبرراً للقول بأن الخوارج كفار، لكن من الخوارج من يكون لديه من العقائد الكفرية مثل إنكار السنة النبوية بناءً على أن الصحابة كفار إلا مجموعة بسيطة منهم، وهكذا. وهؤلاء لا شك أنهم وقعوا في الكفر.

    حكم تلقي العقيدة من الإجماع

    السؤال: هل يعتبر الإجماع مصدراً أساسياً في تلقي العقيدة؟

    الجواب: الإجماع عموماً من مصادر التشريع؛ لأن الشرع من القرآن والسنة دل على أن الإجماع حجة، لأن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة.

    حكم الكتب التي تتكلم في المغيبات وأشراط الساعة

    السؤال: انتشر في الآونة الأخيرة بعض الكتب مثل كتاب عمر أمة الإسلام، وكتاب هرمجدون، فما رأيكم فيها؟

    الجواب: مع الأسف أن كثيراً من الناس عندما ينظر إلى الواقع المؤلم للمسلمين يبدأ يشتغل بالقراءة في كتب الفتن وأشراط الساعة وأخبار آخر الزمان فيقع عند قراءته هذه في زلات، إما أن يتعطل عن العمل وينتظر المهدي ، وإما أن يدعي في إنسان أنه المهدي وهو ليس كذلك، وإما أن يحاول أن يطبق هذه النصوص التي يقرأها على الواقع، فيقول مثلاً: السفياني هو فلان، والذي يأتي وينقض الكعبة فلان، ومعركة هرمجدون ستقع بعد فترة وقدرها كذا، وهكذا.

    وهذه الطريقة ليست بطريقة مشروعة؛ لأن تنزيل أخبار النبي صلى الله عليه وسلم على الواقع هي من جنس الظن الذي ليس عليه دليل، والظن كما تعلمون هو أكذب الحديث، ولا ينبغي للإنسان أن يشتغل بهذا.

    والحقيقة أن من الخطأ اشتغال كثير من الناس بما يتعلق بالنبوءات، سواء نبوءات أهل الكتاب أو نبوءات المسلمين؛ نعم يمكن لنا أن نقرأ مثل هذه الأشياء وأن نستفيد منها، وأن نفكر في المستقبل، لكن من الخطأ الكبير أن يحاول الإنسان أن يطبق ذلك، ولذلك تجد مثلاً من يقول: إن أمريكا ضربت العراق من أجل سببين:

    الأول: النفط، وهذا ليس مشكلاً.

    والثاني: من أجل جبل الذهب الذي يظهر عند انحسار نهر الفرات.

    نعم الحديث صحيح، لكن هو خرافة بالنسبة أمريكا، لأن أمريكا أصلاً لا تؤمن بالحديث ولا فكرت في الحديث، وإنما لها مبررات أخرى تفيدها هي في ذاتها وفي شخصها.

    فالاشتغال بمثل هذه القضايا لا يفيد الإنسان، بل ينبغي على الإنسان أن يبتعد عن مثل هذه الأمور.

    حكم نشرات الأحوال الجوية في الأخبار

    السؤال: ما حكم ذكر الأحوال الجوية في نشرة الأخبار والتي يذكر فيها درجات حرارة اليوم الثاني بجزم ويقين؟

    الجواب: إن كان يحكم بجزم ويقين فهذا ظالم لنفسه، فهو يدعي ما ليس له به علم، لكن إن كان يقول: من المتوقع مثلاً أن يحصل كذا وكذا؛ فهذا لا إشكال فيه، لأنهم يبنون هذا التوقع على دراسات علمية مرتبطة بأمور كونية ليس هناك إشكال فيها.

    لكن يكون هذا الإنسان مخطئاً إذا جزم وقال: سيكون غداً كذا وكذا.

    حقيقة منهج الحداثة

    السؤال: ما هي الحداثة؟ ومتى بدأت؟

    الجواب: الحداثة منهج فكري نشأ في الغرب مبني على أن الحياة الحديثة أفضل من القديمة، وأنه لا يمكن للإنسان أن يتوصل إلى حياة حديثة حتى يهدم القديم، فيبني المجتمع الحديث على المجتمع القديم.

    ومعنى يهدم القديم: أن يهدم أديانه وقيمه وأخلاقه ويهدم عاداته وتقاليده، ويهدم كل شيء فيه، وحينئذ نستطيع أن نبني مجتمعاً جديداً، فإذا بنيناه ثم استمر فترة فيصبح هذا القديم يجب أن نهدمه ونبني مجتمعاً جديداً آخر، ثم يصبح هذا بعد فترة مجتمعاً قديماً ويجب أن نهدمه لنبني مجتمعاً آخر، ويعتبرون هذا هو التحديث وأن هذا هو الأصلح للإنسانية، وأن هذا هو الأفضل، وأن هذا هو مقتضى تحكيم العقل واستعماله، ولا شك أنه خرافة، فهناك حقائق مطلقة ويقينية وثابتة ومستمرة إلى أن يموت الإنسان.

    لكن هؤلاء أرادوا معارضة طبيعة الحياة، ومعارضة الأديان عموماً، ومعارضة الأخلاق، فليست هناك قيم أخلاقية مطلقة، يعني: الصدق ليس ممدوحاً دائماً عندهم، وإنما يمكن في المجتمع الحديث أن يكون الكذب هو الأصل، وأن يكون الصدق منقصة للإنسان ومذمة له، وهكذا بالنسبة لبقية الأخلاق الأخرى.

    وهم يتخذون من الأدب ستاراً يتغطون به حتى ينفذوا إلى المجتمع من خلاله، وإلا فهو منهج فكري متكامل كما يعبرون عن ذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756401735