أما بعد:
فيا أيها الإخوة الكرام! هذا الدرس في الأساس كان بعنوان: دراسة موضوعية لفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وكانت الطريقة التي نريد أن ندرس بها فتاوى شيخ الإسلام رحمه الله هي أن نأخذ مجموع فتاوى شيخ الإسلام رحمه الله مجلداً مجلداً، ثم نأخذ ما تتضمنه من كتب ورسائل، ونحدد موضوع الكتاب، ثم نقسم الكتاب إلى مجموعة موضوعات أساسية، ونتحدث عنها بالتفصيل، ثم نستعرض مجمل الكتاب حتى ننتهي من مجموع الفتاوى كاملاً، ولكن اقترح بعض الإخوة قبل أن نبدأ في الدراسة الموضوعية لمجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن نبدأ بمدخل، وهذا المدخل يهدف إلى تأصيل علم العقيدة، ووضع أرضية لطالب العلم، بحيث إنه يستطيع أن يستوعب وأن يتفهم، وأن تكون دراسته لمجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله دراسة مفيدة.
وهذا المدخل سندرس فيه بإذن الله كتاب (الأصول الثلاثة) و(كشف الشبهات) و(كتاب التوحيد) و(العقيدة الواسطية) و(متن العقيدة الطحاوية) و(العقيدة التدمرية) بإذن الله تعالى.
وستكون الدراسة لهذه الكتب ليست بالطريقة المعهودة، وهي الدراسة التفصيلية لكل كلمة من كلمات الكتاب، فإن هذا مما يطول جداً، ولكن سنلاحظ أن هذه الكتب لها تخصصات وموضوعات أساسية، فمثلاً: كتاب (الأصول الثلاثة) و(كشف الشبهات) و(كتاب التوحيد) هذه الثلاثة تتحدث عن توحيد الألوهية، وهي في قسم من أقسام التوحيد وفي أحد فروع العقيدة المهمة وهو توحيد الألوهية.
ونجد أن (العقيدة التدمرية) متخصصة في توحيد الأسماء والصفات والقدر، وأن متن (العقيدة الواسطية) و(العقيدة الطحاوية) تشتملان على كثير من أبواب العقيدة في الأسماء والصفات وهي الأكثر، وفي النبوات وفي المعاد، وأيضاً هناك حديث في مسائل الإيمان والكفر وفي الصحابة وفي غيرها من المسائل العقدية المهمة.
ولهذا ستكون دراستنا حسب هذه الموضوعات، ثم نعرف بهذه الكتب، وندخل هذه الكتب بعضها في بعض ونجمع الأشباه والنظائر، وندرسه في مكان واحد لا نكرر، (فالأصول الثلاثة) توجد كثير من مسائله في كتاب التوحيد، وأيضاً (كشف الشبهات) يوجد كثير من مسائله في (كتاب التوحيد)؛ ولهذا سندخل هذه الكتب بعضها مع بعض، وسندرسها بإذن الله في وقت وجيز ربما لا تزيد عن عشرين لقاء، تكون هذه عبارة عن دراسة تأصيلية لطالب العلم في علم العقيدة، ثم بعد ذلك نبدأ وننطلق في الدرس الأساسي الذي سنبدأه في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
هذا الكتاب مليء بالكنوز العلمية، ومليء بالرسائل النادرة والمفيدة، وربما الكثير يتوق لدارسة هذه الرسائل والاطلاع عليها، ومعرفة ما تتضمنه من الفوائد والقواعد والأصول المحكمة.
فـشيخ الإسلام رحمه الله عالم مجدد، وهو من المحققين، ولديه كثير من الفوائد في هذه الكتب، ينبغي على طالب العلم أن يطلع عليها، وأن يتفهمها وأن يعرفها معرفة جيدة.
ولهذا هذا الدرس يتطلب من الإخوة الحضور والاستمرار والقراءة المستمرة في هذه الكتب، وأيضاً يتطلب التحضير الدائم، يعني: لا يصلح أن يكون الدرس هو أن يحضر الأخ للدرس، ثم إذا ذهب إلى أهله انشغل حتى الدرس القادم، ولهذا أتمنى أن كل واحد من الإخوة يقتني هذه المتون بأحد الشروح المختصرة، وسأذكر لكم شروح لهذه الكتب مختصرة وسهلة ليست صعبة، يحضر منها الإنسان دائماً.
وكثير من هذه المسائل عموماً التي سندرسها بإذن الله في هذه المقدمة أو المدخل، ستتكرر معنا أيضاً في دراستنا لمجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
فالعلم يتكرر كثيراً، وأحياناً تكون في بعض الكتب زيادات، وأحياناً يكون هناك تكرار، وأحياناً يكون هناك تحقيق، ولهذا ينبغي دائماً أن نلاحظ مثل هذه الأمور وأن نتنبه لها؛ ليكون الإنسان فقيهاً ومتفهماً لما يدرس، وألا تكون دراسته دراسة لمجرد الدراسة أو لذات الدراسة.
بالنسبة لكتاب (الأصول الثلاثة) يمكن الاستفادة من شرح الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، فهو من أنفس الشروح لهذه الرسالة.
(كشف الشبهات) من أنفس الشروح شرح الشيخ عبد العزيز العبد اللطيف .
(كتاب التوحيد) من أنفس الشروح شرح الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي المسمى (القول السديد في شرح كتاب التوحيد).
(العقيدة الواسطية) من أنفس الشروح شرح الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي أيضاً، وهو شرح مختصر.
بالنسبة لكتاب متن (العقيدة الطحاوية) هناك شروح مختصرة كثيرة منها: شرح للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وهناك شرح للشيخ عبد العزيز بن مانع مختصر على متن العقيدة الطحاوية.
أما بالنسبة للعقيدة التدمرية فهناك شرح طويل عليها، لكن قراءة الأصل وتفهمه يكفي عن الرجوع إلى الشروح الطويلة؛ لأنه ربما يعقد على الطالب أكثر مما يفيد.
إذاً هذا هو المدخل الذي سندخل به في دراسة هذا العلم الشريف الذي هو علم العقيدة.
المسألة الأولى: أهمية العقيدة.
المسألة الثانية: أسماء علم العقيدة.
المسألة الثالثة: المسائل الأولية في هذا العلم.
أولاً: أهمية العقيدة. العقيدة: هي من عقد الشيء، ويقال: عقدت الحبل إذا أوثقته، ويقصد به الاعتقاد الجازم الوثيق الثابت الذي لا يدخله شك ولا ريب.
والعقيدة المقصود بها هنا العقيدة الإسلامية، وأهميتها تظهر من كونها أساس الدين وأصل الدين، ولا يتم إيمان العبد ولا يقبل عند الله سبحانه وتعالى إلا بها، ولهذا يقول الله عز وجل: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:5].
ولهذا كانت هذه العقيدة هي أساس دعوة الرسل، يقول الله عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].
وهي مما أمر الله عز وجل به، قال عز وجل: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36].
وهذه العقيدة هي أساس وجود الإنسان في هذه الدنيا، وهي الحكمة من وجوده، قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
وهي المهمة الكبرى التي يضطلع بها الإنسان في هذه الدنيا، ولهذا يجب أن نعلم أن الله عز وجل خلقنا في هذه الدنيا؛ لتحقيق هذه العقيدة.
ولهذا انقسم الناس في هذه الدنيا إلى قسمين:
مسلمين وكفار، وأبرار وفجار، وأساس القسمة هي العقيدة، فمن آمن بهذه العقيدة الصحيحة فهو مسلم مؤمن بر، ومن لم يؤمن بها فهو كافر ملحد فاجر والعياذ بالله.
والعقيدة من حققها فإنه يحصل له الأمن التام والاهتداء التام، يقول الله عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82].
وثمرات العقيدة عظيمة جداً في حياة الإنسان، منها: راحة القلب وطمأنينته وسعادته؛ فإنه لا راحة للإنسان ولا طمأنينة ولا سعادة ولا استقرار إلا أن يعرف معبوده سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته وحقوقه، وأن يقوم بها على أفضل وجه وأتمه.
ومن كان عكس ذلك والعياذ بالله؛ فإنه يحصل له من الشقاء والهم والضلال والتيه والانحراف بقدر بعده عن هذه العقيدة، فإذا كان بعداً جزئياً كما هو حال أهل البدع والضلالة، فإنه يحصل له من الشقاء والاضطراب بقدر بعده.
وإذا كان بعداً كلياً كحال أهل الكفر والنفاق الاعتقادي، فإنه يحصل له الضلال التام والاضطراب التام والشقاء التام، يقول الله عز وجل: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:124-126].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: تكفل الله عز وجل أن كل من أعرض عن ذكره فإن له معيشة ضنكاً في الدنيا، وله في الآخرة العمى كما جاء في هذه الآية.
وهناك اتجاهات منحرفة تهون وتقلل من شأن العقيدة، وتقول للناس: إن الذي يدخل في العقيدة سيتعقد، أو الذي يدخل في العقيدة سيحصل له كثير من المشكلات، أو العقيدة تفرق الناس، ونحو ذلك من الكلام الذي يدل على عدم الفهم لهذه العقيدة ولأهميتها ومكانتها ومنزلتها عند الله سبحانه وتعالى.
ومعلوم أن الفرق الضالة الموجودة التي تفتك في جسد الأمة الإسلامية اليوم لا يمكن أن نواجهها إلا بالعقيدة الصحيحة، والخلاف الذي بيننا وبين الكفار من اليهود والنصارى والملاحدة والعلمانيين وغيرهم هو خلاف اعتقادي.
ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في رسالته العظيمة (العبودية) قاعدة عظيمة، قال: إن الإنسان لا بد أن يكون عبداً، إما أن يكون عبداً لله عز وجل، وإما أن يكون عبداً لغيره وهواه، أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ [الجاثية:23] فالإنسان لا بد أن يكون عابداً، هكذا خلق الله عز وجل الإنسان، وخلقه يلتذ ويرتاح ويطمئن لعبادة الله عز وجل، ويشقى ويضل وينحرف بعبادة غيره.
فالله عز وجل يقول: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] فهو سبحانه وتعالى يعرف المخلوق الذي خلقه وأنزله على ظهر هذه الأرض، ولم يتركه هملاً وعبثاً، وإنما كلفه برسالة عظيمة وهي تحقيق مرضاة الله عز وجل في هذه الأرض، وجعل له أعداء وخصوماً، وأمره أن يواجه هؤلاء الأعداء والخصوم، وجعل له من يؤذيه، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم عندما بايع أصحابه يوم العقبة قام سعد بن عبادة رضي الله عنه وقال: (يا معشر الأنصار! هل تعلمون على ماذا تبايعون هذا؟ إنكم تبايعونه على محاربة الأحمر والأصفر).
يعني: أنكم تبايعونه على مفارقة الأهل، ومفارقة الأوطان، ومفارقة العادات والتقاليد، وعلى قضايا كبيرة ليست قضايا هينة، لكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعرفون على أي شيء يبايعونه.
وهذه العقيدة عندما يأخذها الإنسان بجد فإنه سيكون له بطبيعة الحال أعداء، أحياناً يكون هؤلاء الأعداء من الكفار من اليهود والنصارى والملاحدة، وأحياناً يكون هؤلاء الأعداء من المنافقين، وأحياناً يكون هؤلاء الأعداء من أصحاب الشهوات، ولا بد أن يكون له أعداء، وإذا ظن الإنسان أنه بإمكانه أن يلتزم بهذه العقيدة التزاماً جاداً صحيحاً دون أن يكون له خصوم وأعداء، فإنه لم يعرف هذه العقيدة، وسيأتي معنا الإشارة لهذا المعنى بإذن الله تعالى في كتاب (كشف الشبهات) بإذنه تعالى.
إذاً: هذه العقيدة تجعل الإنسان قوي القلب بالله عز وجل، وتجعل نظرته إلى الدنيا على أنها متاع زائل، وعلى أنها وسيلة وليست غاية، ولهذا يقدم نفسه رخيصة في سبيل الله، ويجتهد في أن يكون عمله ابتغاء مرضاة الله عز وجل، ومهما حصل له في هذه الدنيا من الفتن والمصائب والمحن والمشكلات، فإن هذا لا يرده عن دينه.
وأحياناً تكون الفتنة بالسراء مثل: كثرة الخير والنعمة مثلاً، وأحياناً تكون الفتنة بالضراء، مثل: الفتنة بالمصيبة وبالمرض وبالاضطراب وبالبعد عن الأمن ونحو ذلك، لكن المسلم صاحب العقيدة الصحيحة يتعامل مع كل هذه الظروف بطريقة سليمة، فيحافظ فيها على دينه واستقامته والتزامه بهذه العقيدة حتى يموت؛ لأن الإنسان في هذه الدنيا لن يستمر إلى الأبد، هذه من الحقائق العقدية الأساسية المهمة التي قررها القرآن كثيراً، وعندما تقرأ في كتاب الله عز وجل تجد الخصومة الكبيرة مع الكفار، وتجد أن الكفار لا يمكن أن يتركوك، قال الله تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120].
وتجد أن المنافقين لن يتركوا صاحب العقيدة، وأنه سيقع عليه الأذى والمشقة، وستقع عليه كثير من الأمور المزعجة، لكن يحتاج إلى الصبر، ويحتاج إلى الاعتصام بالله سبحانه وتعالى، ويحتاج أن يستشعر أن هذه العقيدة خير له، وأن الموت عليها خير له من العيش الرغيد على الانحراف والضلال والعياذ بالله؛ لأنه لا خير في هذه الدنيا للذي يعيش من أجلها على هذا الانحراف، فخير له أن يموت وإن كان قليل المال وقليل الرغد في هذه الدنيا إذا كان ملتزماً بعقيدته، وعقيدته سليمة ليس فيها خدش ولا انحراف.
فالإيمان من أسماء العقيدة، قال الله: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة:5].
فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره هذه أصول العقيدة، فالمصطلح الشرعي فيما يتعلق بالعقيدة: الإيمان، وقد ألف كثير من العلماء السابقين كتباً في الإيمان، مثل: كتاب الإيمان لـابن مندة رحمه الله، والإيمان لـشيخ الإسلام رحمه الله، والإيمان لـابن أبي شيبة ، والإيمان لـأبي عبيد القاسم بن سلام ، وهناك كثير من الكتب ألفت في موضوع الإيمان.
وأيضاً جاء في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).
وقد سمى بعض العلماء العقيدة بالسنة في كتبهم، مثل: كتاب (السنة) لـعبد الله بن الإمام أحمد رحمه الله، وأيضاً السنة للإمام أحمد ، والسنة للخلال ، وغيرها من الكتب، فهذه كلها يقصد بها العقيدة؛ لأنهم كانوا يسمون العقيدة قديماً السنة.
وليس المقصود بالسنة هنا الاصطلاح الفقهي، أو الاصطلاح الأصولي المتعلق بالأحكام التكليفة، وهي أن السنة ما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، هذا اصطلاح خاص عند الفقهاء، لكن السنة كمصطلح شرعي ورد في النصوص النبوية يراد به العقيدة الصحيحة التي خلافها البدعة.
وقد ألف بعض العلماء كتباً في العقيدة سموها التوحيد، مثل: التوحيد لـابن مندة ، وأيضاً التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وغيرهما.
وأيضاً من المصطلحات التي استخدمت في العقيدة: الشريعة، فالإمام الآجري رحمه الله له كتاب اسمه (الشريعة) يقصد به العقيدة، والأبواب الموجودة فيه كلها أبواب في العقيدة، وهو كتاب كبير طبع في أكثر من خمسة مجلدات تقريباً.
وأيضاً من الأسماء الصحيحة في العقيدة: الفقه الأكبر، ولهذا سمى أبو حنيفة رحمه الله رسالته (الفقه الأكبر) وهي تتضمن مسائل اعتقادية في الأسماء والصفات والإيمان والصحابة والنبوات وغيرها من مسائل العقيدة.
ويقصدون بالفقه الأكبر ما يقابل الفقه الأصغر وهو فقه الفروع، وعموماً رسالة أبي حنيفة رحمه الله هذه مشكوك في صحة نسبتها إليه؛ لأنها من رواية أبي مطيع البلخي ، وهو كما ذكر الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد متروك الحديث، وإن كان لهذا الكتاب رواية أخرى عن حماد بن أبي سليمان وهو ضعيف، لكن أصل هذا الكتاب يبدو أنه صحيح في نسبته إلى أبي حنيفة رحمه الله.
والكتب لها أسانيد مثل أسانيد الأحاديث؛ ولهذا يقولون: أنساب الكتب أسانيدها، يعني: أحياناً قد يكون الكتاب منسوباً إلى عالم وتكون نسبته خاطئة؛ لأن الكتاب لا يصح نسبته إليه، مثل: كتاب (الصلاة) للإمام أحمد رحمه الله، وأيضاً مثل كتاب (الحيدة) لـعبد العزيز الكناني وهو في حكاية مناظرة حصلت بين يدي المأمون ، وهذا الكتاب في إسناده نظر كبير، ولا يصح نسبته إليه، وغير ذلك من الكتب.
فعلم الكلام علم أنشأه مجموعة من المسلمين أرادوا الرد على الفلاسفة، فهي ظاهرة نشأت بعد ترجمة الكتب اليونانية في زمن الدولة العباسية، لما ترجمت كتب اليونان مثل: كتب أرسطو طاليس وكتب أفلاطون ، وغيرها من الكتب في المنطق والإلهيات ونحو ذلك؛ اعتنقها مجموعة ممن كان في الأمة الإسلامية، مثل: الفارابي وابن سيناء وغيرهما ودافعوا عنها، مثل أصحاب المذاهب الفكرية المنحرفة الآن، كالشيوعيين والليبراليين والحداثيين وغيرهم، ممن أخذ فلسفات غربية وتبناها وأصبح يدافع عنها، فأصبح منسلخاً عن الأمة الإسلامية.
في هذه الأيام نسميهم أتباع المذاهب الفكرية المنحرفة، قديماً كانوا يسمون الفلاسفة؛ لأنهم اشتغلوا بالفلسفة كعلم، فظهر في الأمة الإسلامية من أهل الخير والصلاح من أراد أن يقاوم هذه العقائد، لكن المنهج الذي استخدموه في مقاومة هذه العقائد لم يكن منهجاً صحيحاً، ولم تكن بنيتهم العلمية والشرعية بنية صحيحة، فهم لم يتعلموا العلم الشرعي تعلماً صحيحاً، ثم بعد ذلك يقاومون هذه الاتجاهات المنحرفة الفلسفية، لكن اشتغلوا بالمقاومة مباشرة، واستحسنوا كثيراً من القضايا الفلسفية والكلامية والتزموها مع أنها مخالفة للعقيدة، فلما عرضت عليهم النصوص الشرعية وقيل لهم: ما التزمتموه يخالف النص الفلاني والنص الفلاني، حينها بدءوا في تأويل هذه النصوص، وفتحوا على الأمة باب شر عظيم كبير وهو التأويل وتحريف النصوص الشرعية.
هؤلاء يسمون علماء الكلام، والأوائل يسمون علماء الفلسفة، والحقيقة أن الكلام والفلسفة ليس علماً شريفاً، صحيح أنه علم باعتبار أنه معلومات لكن ليس علماً ممدوحاً، العلم الممدوح في القرآن والسنة هو علم الشريعة، والعلم الصحيح النافع الذي يقصد به التوصل إلى ما ينفع المسلمين من عمارة الأرض ونحو ذلك.
ولهذا فإن الكتب التي ألفت في العقيدة باسم علم الكلام هي كتب منحرفة، كذلك الكتب التي ألفت في العقيدة باسم علم الفلسفة هي أيضاً كتب منحرفة.
وقد يراد بأصول الدين المسائل التي بنيت على الأصول العقلية عندهم، فيسمون المسائل العقلية أو العقليات أصول الدين، ويسمون الظنيات التي هي النصوص كما يعتبرونها فروع الدين، وهذا تقسيم فاسد وباطل.
هذا بالإضافة إلى أنهم يخرجون قضايا من أصول الدين وهي من أصوله مثل: الصلاة والزكاة ونحو ذلك من المسائل المهمة التي تعتبر من أصول الدين.
وكذلك الفكر الإسلامي، الفكر الإسلامي قد يراد به معنى صحيح، فيراد به كل تفكير أو اعتقاد إسلامي، يعني: منسوب إلى الإسلام نسبة صحيحة، وقد يراد به معنىً باطل آخر.
ولهذا مثل هذه المصطلحات: أصول الدين، والفكر الإسلامي، هما بحسب المستخدم لهما، وقد يقوم المستخدم لهما ويستخدمهما استخداماً صحيحاً، وقد يستخدمها استخداماً غير صحيح.
المسألة الأولى: فطرية المعرفة.
المسألة الثانية: أول واجب على المكلف.
هاتان المسألتان من المسائل الأولية التي ينبغي على طالب العلم أن يفهمها.
والإيمان بالله في ألوهيته وفي أسمائه وصفاته وفي ربوبيته الأصل السابق له هو إثبات وجوده، وإثبات وجود الله عز وجل أمر فطري ضروري عند أهل السنة والجماعة، فوجود الله عز وجل موجود في فطرة الإنسان منذ أن خلقه الله سبحانه وتعالى، ولهذا لم يكلف الله عز وجل الإنسان بإثبات وجوده؛ لأن وجوده متحقق، فلا يصح الأمر به؛ لأن الأمر به حينئذ يكون تحصيل حاصل.
والدليل على فطرية معرفة الله عز وجل أدلة كثيرة جداً، منها: قول الله عز وجل: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:30].
فقوله: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا يعني: خلقة الله عز وجل التي خلق الله الناس عليها، من معرفته والإقرار بوجوده، وهي خلقة موجودة في الإنسان لا يستطيع التعبير عنها، لكنها موجودة في نفسه.
فالإنسان عندما يولد ويخرج من بطن أمه ليست لديه معارف تفصيلية، وليست لديه معلومات تفصيلية، فالله عز وجل أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً كما أخبر سبحانه وتعالى، لكن يوجد لدى الإنسان في نفسه خلقة هي عبارة عن معلومات أولية وأساسية، يستطيع أن يتعامل في الحياة بناءً عليها، ولهذا تلاحظ أن الطفل عندما يولد ثم يعطى الثدي يلتقمه مباشرة، وهذا يدل على أن هناك معرفة، هذه المعرفة فطرية موجودة عند الإنسان.
كذلك الإنسان يعرف الله عز وجل ويحبه ويتأله له، لكن معرفة مجملة عامة موجودة في نفس الإنسان.
أيضاً يدل عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، وفي رواية: إلا على هذه الملة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، حتى تكونوا أنتم تجدعونها؟ ثم قرأ
قوله: (ما من مولود إلا ويولد على هذه الفطرة). وفي رواية: (إلا ويولد على هذه الملة) يعني: حتى أولاد المشركين يولدون على هذه الملة.
وقوله: (فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) ولم يقل: سلمانه؛ لأن الإسلام هو الأصل.
قوله: (كما تنتج البهيمة) انظر التشبيه: (كما تنتج البهيمة بهيمة) يعني: كما تلد البهيمة بهيمة، (جمعاء) يعني: مكتملة الخلقة، (لا تحسون فيها من جدعاء) يعني: لا تشعرون أنها مجدوعة، البهيمة أول ما تخرج ليس فيها جدع، والعرب قديماً كانوا يميزون إبلهم وغنمهم عن غيرهم ببعض المميزات، أحياناً بجدع الأذن مثلاً بشكل معين، وأحياناً بوضع علامة معينة، لكن عندما تخرج البهيمة من بطن أمها لم تكن هذه العلامة موجودة فيها.
وأيضاً جاء في حديث عياض بن حمار المجاشعي في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال: (وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم).
فقوله: (إني خلقت عبادي حنفاء) يعني: خلقتهم على الحنيفية، والحنيفية السمحة هي دين إبراهيم، والحنيف في اللغة: هو المائل، والمقصود هنا: المائل عن الشرك.
فالحنيفية في اللغة العربية هي من ألفاظ الأضداد، يعني: اللفظة التي تستخدم في معنيين مختلفين متناقضين، فالحنيف تستخدم في المعتدل والمنحرف، مثل: السدفة تستخدم في الظلمة والنور، ومثل: بصير تستخدم للأعمى والمبصر، ومثل: مفازة تستخدم للصحراء المهلكة وللنجاة أيضاً، ونحو ذلك من التي يسميها العلماء ألفاظ الأضداد، يعني: اللفظة التي تستخدم في أضداد متقابلة.
فقوله: (إني خلقت عبادي حنفاء) جاء في رواية لـابن حبان : (حنفاء مسلمين) وهذه صححها الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد.
قال: (إني خلقت عبادي حنفاء مسلمين، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم) وهذا يدل على أن الله عز وجل خلق الناس وهم يعرفون وجود الله عز وجل ويؤمنون به، لكن هذه المعرفة معرفة مجملة، وتنمو هذه المعرفة في نفس الإنسان مع نموه، والرسل الكرام برسالاتهم ينقحونها وينمونها ويأتون بما تقتضيه، وهي عبادة الله سبحانه وتعالى.
ولهذا كل الأدلة الواردة في القرآن والسنة في مسائل التوحيد جاءت لتقرير مسألتين مهمتين:
المسألة الأولى: إفراد الله عز وجل بالعبادة.
المسألة الثانية: إثبات المعاد والجزاء يوم القيامة.
فكل القضايا التي جاءت في القرآن جاءت من أجل تقرير المسائل العقلية والحجاج مع الكفار؛ لأن هذه الحقائق هي المشكلات بالنسبة للأمم؛ لأن الرسل عندما كانوا يبعثون إلى أقوامهم لم يجدوا مشكلة في أممهم أنهم ينكرون وجود الله عز وجل، قد يوجد من ينكر وجود الله، وأشهر من عرف تجاهله بإنكار الصانع هو فرعون قال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] وقال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24] ومع هذا يقول الله عز وجل عنه على لسان موسى: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا [الإسراء:102].
وأيضاً يقول سبحانه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14] فهم يعرفون وجود الله عز وجل، لكن قد يوجد من الأشخاص من ينكر وجوده استكباراً وعناداً، مع معرفته الحقيقية بوجوده سبحانه وتعالى.
وهناك قضية أخرى وهي أحياناً قد يوجد شخص من الأشخاص تفسد فطرته، مثل: موجة الإلحاد التي حصلت في أوروبا، وهذا الإلحاد وإنكار وجود الله عز وجل سببه فساد الفطرة، وسببه أن الأوروبيين عاشوا في ظل دين محرف، فظنوا أنه هو الدين الذي نزل من السماء، ويوجد فيه ظلم سياسي واقتصادي عن طريق الإقطاع والملكية، فعندما خرجوا عليه انحرفوا إلى الإلحاد، والعياذ بالله.
لكن مع هذا فبعد أن استقرت الأمور بعد سنوات طويلة عادوا الآن إلى الدين، والآن المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة لا حصر لها من حيث العدد، ولا يمكن للإنسان أن يتخيل إمكاناتهم الضخمة، فهم يملكون عشرات القنوات الفضائية، وعشرات المجلات، ويملكون الجمعيات الضخمة التي لديها وسائل تضاهي دولاً بأكملها، ويدعون إلى التنصير وإلى العقيدة النصرانية المحرفة في العالم كله، بما فيه الولايات المتحدة نفسها.
إذاً: إثبات وجود الله عز وجل لم تكن مسألة من المسائل المشكلة؛ لأنها فطرية موجودة عند الإنسان في فطرته.
نعم، قد يوجد شخص تفسد فطرته، وهذا الشخص الذي فسدت فطرته ينبغي استخدام الأدلة السهلة المقنعة في إثبات وجود الله عز وجل بالنسبة له، وهذه موجودة في القرآن، فالله عز وجل يقول في تقرير ذلك: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35] يعني: هل خلقوا أنفسهم أم هم خلقوا من لا شيء؟ كلا المقدمتين باطلة، فدل هذا على أن الله عز وجل هو الذي خلقهم.
ولهذا كل الآيات الواردة في إثبات الخلق والعناية ونحو ذلك تدل على إثبات وجود الله عز وجل، ليس على أن إثبات وجود الله عز وجل غاية في ذاتها، وإنما من أجل تقرير أن الله عز وجل الذي ثبت وجوده يجب أن يعبد، ولهذا كانت المهمة الأساسية للرسل هو إثبات إفراد الله عز وجل بالعبادة، وترك الشرك.
ويدل على ذلك كثير من النصوص، منها: قول الله عز وجل: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19] فهذه الآية أول معلوم أمر به فيها هو توحيد العبادة، قال: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19] ولا إله إلا الله هي توحيد العبادة كما سيأتي معنا.
وأيضاً حديث معاذ بن جبل عندما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله)، وفي لفظ: (إلى أن يوحدوا الله سبحانه وتعالى) فهنا على الأولية.
ومن الأدلة البليغة في هذا المجال آية الميثاق، وهي قول الله عز وجل: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:172].
فهذه الآ ية تسمى عند العلماء آية الميثاق، وقد اختلف المفسرون في معناها على قولين:
القول الأول: أن هذا ميثاق حقيقي، وأن الله عز وجل مسح على ظهر آدم وأخرج ذريته أمثال الذر، وأنه خاطبهم بالمقال، وقال لهم: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف:172] فأجابوه وقالوا: بَلَى شَهِدْنَا [الأعراف:172] وأن الله عز وجل ردهم مرة أخرى إلى صلب آدم.
وذكروا مجموعة من الأحاديث تدل على هذا المعنى، لكن كل الأحاديث الواردة فيها ضعيفة ليست صحيحة.
القول الثاني: أن الآية ليست إشهاداً حقيقياً، وليس استنطاقاً حقيقياً، وإنما هو معنى الفطرة، فيكون المعنى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ [الأعراف:172] يعني: أن الله عز وجل أخذ من ظهور ذرية بني آدم أنفسهم في التوالد، وأنه سبحانه وتعالى أشهدهم على أنفسهم، بمعنى فطرهم على التوحيد.
فالإنسان يستشعر أن الله عز وجل هو خالقه وربه، وهو سبحانه وتعالى المدبر لشأنه، وهذا ما رجحه شيخ الإسلام رحمه الله في درء التعارض، وأيضاً تلميذه ابن القيم ، وإن كان جمهور المفسرين على القول الأول، لكن ابن القيم رحمه الله ناقش هذه المسألة في كتابه (الروح) نقاشاً مستفيضاً، وبين فيها أن الآية غير متطابقة مع الأحاديث، فالأحاديث تدل على أن الله عز وجل مسح ظهر آدم، بينما في الآية قال: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ [الأعراف:172] لم يقل: آدم، فالآية غير متطابقة مع الحديث، ويبدو أن هذا هو القول الصحيح.
وعلى كل حال سواء على القول الأول أو القول الثاني فكلها تدل على أن وجود الله عز وجل أمر فطري وأنه ليس من أمور النظر والاستدلال، إلا في حالة فساد الفطرة، فإنه يكون النظر حينئذ بالنظر السليم والمستقيم.
في اللقاء القادم بإذن الله سنتحدث عن الكتب الثلاثة: (الأصول الثلاثة) و(كشف الشبهات) و(كتاب التوحيد)، وسنعرف بالمسائل الموجودة فيها، وأيضاً سنبتدئ في الحديث عن أقسام التوحيد وأنواعه وتعريفه، ونتحدث مباشرة عن المسائل الموجودة في هذه الكتب الثلاثة، أسأل الله عز وجل أن ينفعني وإياكم بالعلم النافع والعمل الصالح إنه على كل شيء قدير.
الجواب: هذا صحيح قد تنسب العقيدة إلى الفساد، لكن تكون هناك إضافة، يقال: عقيدة فاسدة، لكن إذا أطلقت وكان المطلق لها من أهل السنة فإنه يقصد بها العقيدة الصحيحة.
ثم إن دخول الإشكال فيها بهذا الاعتبار الذي أشار إليه الأخ أقل من دخوله في موضوع الفكر الإسلامي أو موضوع أصول الدين كما سبق أن أشرنا.
الجواب: لا، المعرفة المقصود بها معرفة وجود الله، ليس المقصود الاعتقاد في توحيد الله وأسمائه وصفاته ونحو ذلك، لكن المقصود هو الأصل السابق للتوحيد وهو إثبات الوجود، وإثبات الوجود لا شك أنه معرفة، فهذه المعرفة فطرية وليست نظرية واستدلالية تحتاج إلى نظر واستدلال.
الجواب: نحن لا يهمنا كثيراً أبناء الكفار على كل حال، الذي يهمنا هو أن هؤلاء يولدون على الفطرة، لنأخذ من هذا أصل وهو أن أول واجب هو توحيد الألوهية.
أما أبناء المشركين فالله أعلم بما كانوا عاملين كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: لا، ليس كل ما جاءوا به مردود ولا يستفاد منه، لكن طالب العلم المبتدئ لا يصح أن يقرأ في مثل هذه الكتب؛ لأنها مزلة، ولأنه يمكن أن يقع في الانحراف، لكن إذا كان الإنسان متقدماً في طلبه للعلم ومتخصصاً ويستطيع أن يميز بين الغث والسمين والصواب والخطأ فله أن يقرأ مثل هذه الكتب، وعلى كل حال كل ما يوجد عند الفرق الضالة من شيء نافع فإنه يوجد عند أهل السنة ما هو أنفع منه وأصح وأكثر صفاءً منه بإذن الله تعالى، فنحن لا نحتاج إلى تتبع مثل هذه الكتب.
الجواب: المبتدئ إذا كان مبتدئاً جداً يبدأ بكتاب الأصول الثلاثة، لكن إذا كان قد حصل شيء في هذا العلم فكتاب معارج القبول يتميز بكثرة الآيات وكثرة الأحاديث وكثرة النقول، وهذه من أكبر ميزات كتاب معارج القبول.
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر