إسلام ويب

العقيدة الواسطية [2]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يتعلق بباب الأسماء والصفات مسائل مهمة, ومن جملتها أن مصدر تلقيها منحصر في القرآن الكريم والسنة النبوية, ومن ذلك سورة الإخلاص التي تضمنت صفة الوحدانية وصفة الصمدية وغيرهما, وأن توحيد الأسماء والصفات مبني على قاعدتي النفي والإثبات للدلالة على الانفراد والاختصاص, وأن للصفات طرقًا ومسالك تؤخذ بها من نصوص الشرع, وغير ذلك من مسائل هذا الباب العظيم.

    1.   

    القرآن والسنة مصدر تلقي العقيدة عند أهل السنة والجماعة

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

    أما بعد:

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإنه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً من خلقه.

    ثم رسله صادقون مصدقون، بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون، ولهذا قال: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182]، فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب، وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات، فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون؛ فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين].

    شرع المصنف رحمه الله تعالى في بيان المصدر الذي تؤخذ منه العقائد، فقال: (فإنه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً من خلقه). وهذا هو المصدر الأول وهو القرآن الكريم، ثم قال: (ثم رسله صادقون مصدقون، بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون). وهذا هو المصدر الثاني، وهو كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فالمصدر إذاً في العقائد يكون بالقرآن والسنة، ويكون بما دل عليه القرآن أنه مصدر مثل الإجماع؛ فإن الإجماع مصدر من مصادر التشريع لدلالة القرآن الكريم عليه، وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115]، فقوله: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:115] المقصود به الإجماع، وكل الآيات الواردة في الأمر بالجماعة والائتلاف، والنهي عن التفرق والاختلاف يؤخذ منها حجية الإجماع، والإجماع حجة معتبرة، وحجيته مأخوذة من القرآن الكريم.

    إذاً: القرآن الكريم والسنة النبوية هما المصدران الأساسيان في تلقي العقائد، ولا يصح أن تتلقى العقائد من غير القرآن والسنة، وذلك أن العقائد تشتمل على جزء كبير من الغيبيات، والغيب محجوب عنا لا نستطيع أن نعرفه بالقياس، ولا بأي مصدر من المصادر إلا بخبر الصادق، وخبر الصادق المراد به هنا هو كلامه سبحانه وتعالى، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمن اتخذ مصدراً للعقائد غير هذين المصدرين فقد ضل وانحرف.

    مخالفة الفرق المنحرفة لأهل السنة في مصدر تلقي العقيدة

    ولهذا نجد أن الطوائف والفرق الضالة كان من أعظم الأسباب التي جعلتها تخالف الصراط المستقيم، والمنهج القويم، هو مخالفة أهل السنة في المصدر، فنجد مثلاً: أن أهل الكلام يعتقدون أن العقل مصدراً من مصادر تلقي العقيدة، ونجد أن الصوفية يعتبرون الكشف مصدراً من مصادر تلقي العقيدة، ونجد أن بعض المقلدين يعتبرون أئمتهم مصدراً لتلقي العقائد، وكل هذه المصادر باطلة، وإنما المصدر الذي تؤخذ منه العقائد هو القرآن والسنة، ولهذا وقعت كثير من الفرق الضالة في الانحراف بهذا السبب.

    نجد أيضاً أن المعتزلة والأشاعرة عندما أرادوا تقرير العقائد جعلوا المصدر الأساسي في تقريرها العقل، فما لا يدل العقل عليه لا يقبلونه، وبدأوا في ذلك من أساسيات الاعتقاد وهو وجود الله عز وجل، حيث أنهم خاصموا أصحاب الأديان الأخرى -لا سيما الملاحدة- فوجدوا أن الملاحدة لا يعترفون بالنصوص، لذا فهم عندما يناقشونهم لا يقولون لهم: قال الله قال رسول الله؛ لأنهم أصلاً لا يؤمنون بالله من حيث المبدأ، ولا يؤمنون بالرسول صلى الله عليه وسلم، فأرادوا مناقشة هؤلاء الملاحدة بنفس المنهج الذي ارتضوه وهو المنهج العقلي، فلما ناقشوهم به عظموا العقل تعظيماً كبيراً، فأصبحوا يفرضون على كل مسلم الاستدلال العقلي، ولهذا تجدون في كتب الأشاعرة أن من أوليات العقائد التي يبدأون بها: أن إثبات وجود الله عز وجل ووحدانيته لا بد لها من النظر، يعني: يوجبون النظر على الإنسان، وبعضهم يربطه بالبلوغ مثل الأشاعرة، وبعضهم يربطه بالتمييز مثل المعتزلة، فيرون أن النظر العقلي لإثبات وجود الله عز وجل، وإثبات وحدانية الله عز وجل، وإثبات أسمائه وصفاته هو العقل فقط، ولهذا يوجبون النظر على الناس، وقد جعلوا هذا الوجوب عاماً على كل مسلم ومسلمة يبلغ حد التمييز عند المعتزلة، أو حد البلوغ عند الأشاعرة، يلزمونه بالنظر في مخلوقات الله عز وجل وآلائه للتوصل إلى وجود الله سبحانه وتعالى.

    ولا شك أن أهل الكلام من المعتزلة والأشاعرة أخطئوا في أمرين: الأمر الأول: أنهم عندما ناظروا وناقشوا الملاحدة من أصحاب الأديان الأخرى بدون رجوع إلى النصوص الشرعية، فقد أحدثوا أدلة عقلية جاءوا بها من عندهم لإقناع هؤلاء الملاحدة لإثبات وجود الله عز وجل ووحدانيته، وكان الواجب عليهم أن يرجعوا إلى الكتاب والسنة فيعرفوا ما تضمناه من الأدلة العقلية، فالقرآن والسنة ممتلآن بالأدلة العقلية التي تكفي كل أحد يريد أن يصل إلى الحق، وبالأدلة العقلية الكافية في إثبات وجود الله ووحدانيته عز وجل، وإثبات المعاد، والنبوات، وكل العقائد.

    ومثال ذلك: إثبات أن الله عز وجل هو الخالق الرازق المحيي المميت، مع أنه فطرة موجودة عند كل أحد -كما سيأتي معنا في الجانب الثاني الذي أخطأ فيه هؤلاء- يمكن الاستدلال العقلي عليه من خلال القرآن والسنة، يقول الله عز وجل: أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [يوسف:39]، هذه الآية فيها دليل عقلي لإثبات أن الله عز وجل هو الخالق وحده لا شريك له، وكذلك من الأدلة العقلية: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35]، وهذا كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نص عقلي في إثبات أن الله وحده هو الخالق، أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35] حصر عقلي.

    والإنسان والمخلوقات الموجودة له حالتان: الحالة الأولى: أن يكون خلق من غير شيء. وهذا يرده العقل بالبداهة؛ لأنه لا يمكن لهذا النظام الدقيق، وهذه العناية العجيبة، وهذا الوضع المتناسق المرتب أن يأتي هكذا.

    الحالة الثانية: أن يكونوا هم خلقوا أنفسهم، وقد دل العقل على أنهم لم يخلقوا أنفسهم، وهم يعرفون ذلك؛ لأننا قبل مائة سنة لم نكن شيئاً مذكوراً، ثم كنا، ونحن نعرف أننا لم نوجد أنفسنا في هذه الدنيا، ولا أنفسنا أوجدتنا، وإنما أوجدنا الله عز وجل.

    فلما أبطلت المقدمتان العقليتان ثبت أن الخالق هو الله سبحانه وتعالى، وهو غير المخلوقات الموجودة.

    وهكذا إذا جئتم إلى البعث والمعاد تجدون أدلة عقلية واضحة في أن الله عز وجل قادر على أن يحيي العظام وهي رميم، فعندما احتج ذلك المشرك على النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ العظم وفته بيده وقال: (يا محمد! هل ترى أن الله يحيي هذه العظام بعد أن صارت رميماً؟ قال: نعم، ويدخلك النار)، فأنزل الله عز وجل: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ [يس:78] يعني: نسي خلقه أول مرة، فإنه خلقه وأنشأه وطوره، وجعل النطفة تستحيل إلى علقة، ثم تستحيل إلى مضغة، ثم تتغير هذه المضغة لتكون عظاماً، ثم يكسو هذه العظام لحماً، ثم يشق بصره، وينشئ عقله، سبحانه وتعالى، لا يمكن أن يكون هذا كله حصل بدون وجود خالق، وبالتالي فإن الذي خلقه أول مرة قادر على إحيائه المرة الثانية.

    إذاً: هذا دليل عقلي مأخوذ من القرآن الكريم على إثبات المعاد، والرد على الذين ينكرون المعاد، ولهذا فإن المعتزلة والأشاعرة الذين ناقشوا الملاحدة الذين ينكرون وجود الله عز وجل ناقشوهم بدون الرجوع إلى القرآن والسنة، وأنشئوا أدلة عقلية من عندهم، فصارت هذه الأدلة العقلية وبالاً عليهم؛ لأن أصحاب الفرق الضالة بدأوا يلزمونهم بلوازم كثيرة جداً ترتبت على هذه الأدلة التي جاءوا بها فالتزموها، فكان من هذه اللوازم نفي الصفات والأسماء كما هو عند المعتزلة.

    الجانب الثاني الذي أخطأ المبتدعة من الأشاعرة والمعتزلة والماتريدية فيه: أنهم لم يفرقوا بين المسلمين عموماً، وبين وجود أشخاص لديهم شبه أو ملاحدة أو عندهم شكوك، ولهذا أوجبوا النظر على كل الناس، فقالوا: إن أول ما يجب على المكلف هو النظر في مخلوقات الله عز وجل، أوجبوا النظر على كل الناس البالغين رجالاً ونساء، حتى لو كانوا مسلمين، وحتى لو نشئوا في مجتمع إسلامي، وحتى لو كان بعضهم يصلي وهو صغير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع)، قبل البلوغ يصلي ويعرف الله عز وجل، لكن قالوا: إذا بلغ يلزمه أن ينظر، وكيف ينظر وهو يعرف أصلاً وجود الله عز وجل؛ لأنه يصلي ويصوم مثل أطفالنا الذين يعيشون في مجتمعاتنا؟ قالوا: يلزمه النظر، وإذا لم ينظر كفره بعضهم، وبعضهم جعله من العصاة؛ لأن النظر واجب وترك الواجب معصية.

    إذاً: هؤلاء ضلوا من الجانبين: الجانب الأول: أنهم في مناظرتهم للملاحدة لم يستخدموا الأدلة العقلية المأخوذة من القرآن والسنة، كما أنهم لم يعرفوا العقائد الصحيحة من القرآن والسنة، بحيث أنهم لا يأتون بأدلة تبطل هذه المعتقدات الصحيحة.

    الجانب الثاني: أنهم لم يفرقوا بين من كانت عنده شكوك، أو بين الملاحدة وبين بقية المسلمين، فأوجبوا النظر على كل المسلمين.

    والواجب أن يقال: من وجد عنده شكوك يمكن أن يقال له: انظر في الأدلة العقلية الصحيحة التي تورث الإيمان الصادق في نفسك، بشرط أن يكون هذا الدليل دليل صحيح مستقيم، لكن الذي ليس عنده شك لا يصح أن يقال له: انظر؛ لأن قلبه مطمئن بالإيمان ولله الحمد، فلا داعي لإيجاب النظر عليهم.

    مخالفة القرآن والسنة أساس كل بدعة وضلالة

    ومن هنا فالمصدر الأساسي لتلقي العقيدة عند السلف الصالح رضوان الله عليهم هو القرآن الكريم والسنة النبوية، والقرآن الكريم جعله الله عز وجل تبياناً لكل شيء، فهو هدى، ونور، وروح، وذكرى، وبشرى، وسماه الله عز وجل في القرآن بأسماء كثيرة، وكل اسم من هذه الأسماء يدل على صفة من الصفات، فالقرآن إذاً شفاء لما في الصدور، وهداية للإنسان، ولا يوجد أبداً عقيدة من العقائد النافعة التي ينبغي للمسلم أن يعتقدها وتنفعه في دينه ودنياه إلا بينها، ولهذا يقول الله عز وجل: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، ويقول سبحانه وتعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

    إذاً: القرآن جاء بكل ما تحتاجه البشرية من العقائد النافعة، والأعمال الصحيحة، علمه من علمه وجهله من جهله، لكن لما فرط بعض المسلمين في تعلم هذا القرآن، وتعلم معانيه، وتعلم ما اشتمل عليه من العقائد الصحيحة النافعة والأدلة المستقيمة الصحيحة التي لا عوج فيها، وأخذوا أدلة أخرى جاءوا بها إما من عقولهم أو من أصحاب العقائد الأخرى، فوقعت الضلالة في حياة الناس، وانتشرت البدع، وظهر الفساد الثقافي والعقائدي في حياة الناس.

    إذاً: المصدر الأساسي في تلقي العقيدة هو القرآن، ومعه السنة النبوية، كما هو واضح من أمر الله عز وجل بها لما قال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، ويقول سبحانه وتعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، ويقول الله عز وجل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].

    ولهذا فإن أصل كل بدعة وضلالة وكفر ونفاق في حياة المسلمين: الإعراض عن الكتاب والسنة، وعن هدي الكتاب والسنة، في كل باب من الأبواب فلا بد من التحاكم إلى الكتاب والسنة على كافة المستويات، وفي كل شئون الحياة، فالدول والحكومات يجب أن تحكَّم شرع الله عز وجل، وأن تأخذ أحكامها من الكتاب والسنة، وهو ما يسميه الناس اليوم: العلاقات الدولية، وكذلك المجتمعات الصناعية والقروية والرعوية يجب أن يكون مصدرها الأساسي هو الكتاب والسنة، وكذلك الجماعات والأفراد، وكل أحد يجب أن يكون مصدره الكتاب والسنة.

    والحقيقة: أن هذا الشعار: أهمية الكتاب والسنة، ومنزلة الكتاب والسنة كل الناس يحبه ويدندن حوله ويردده دائماً، لكن هناك فرق بين من يتمسك بالكتاب والسنة حقيقة، وبين من يتسمى بالتمسك بالكتاب والسنة ويجعله شعاراً، وهناك فرق بين الشعار وبين الحقيقة.

    وندرك الفرق بين الشعار والحقيقة في العمل، فإذا كان أحد مثلاً يقول: أنا ملتزم بالكتاب والسنة. ثم هو في عقائده لا يبنيها على الكتاب والسنة، فمثل هذا قد جعل الكتاب والسنة شعاراً، ولو أن شخصاً قال: أنا أحكم بالكتاب والسنة. وهو في الحقيقة لا يحكم بهما، ويخالف حكمها، فهذا أيضاً شعار وليس حقيقة، وهكذا الذي يأخذ أي هدي من غير الكتاب والسنة، وهو يردد الكتاب والسنة، فقد جعل الكتاب والسنة شعاراً، وهذا هو سبب المشكلة عند كثير من الناس، ولهذا فإن الطوائف الضالة لا يعارضون الكتاب والسنة بشكل مباشر، وإنما يفسرونها بغير معناها، أو يؤولون ويحرفون معناها، أو نحو ذلك من الطرق التي يحتالون بها على الكتاب والسنة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواضع من كتبه: إن البدعة والنفاق لا يمكن أبداً أن يكونا باطلاً محضاً؛ لأنهما لو كانا باطلاً محضاً لعرفه كل الناس، كما أنه لا يمكن أن يكونا حقاً محضاً؛ لأنهما لو كانا حقاً محضاً لما صار بدعة ونفاقاً، لكنه لبس الحق بالباطل، وهذه هي صفة اليهود والنصارى التي نهى الله عز وجل عنها لما قال: لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:71].

    القرآن والسنة هما مصدرا تلقي العقيدة

    ثم عندما ذكر هذه المصادر بين الموجب لكونها مصدراً، والأمور التي تجعل الإنسان يقتنع فعلاً بكونهما مصدراً، فقال: (إنه -يعني: الله عز وجل- أعلم بنفسه). إذاً: لا نأخذ العقائد إلا منه؛ لأنه أعلم بنفسه وبغيره كذلك.

    (وأصدق قيلاً)، يعني: المبرر الأول: أنه أعلم بنفسه، والمبرر الثاني: أنه أصدق قيلاً.

    (وأنه أحسن حديثاً من خلقه)، وبالتالي فإن كلامه هو المصدر الأساسي في العقائد.

    (ثم رسله صادقون)، وهذا لا يشك فيه أحد أنهم صادقون، (ومصدقون) يعني: أن الله عز وجل يخبرهم بالصدق، فهم صادقون في أنفسهم، فما يأتيهم من الأخبار أو الأحكام فإنهم يقولونها بالصدق لا يكذبون لا يزيدون ولا ينقصون، وكذلك مصدقون؛ لأن المخبر الذي يعطيهم الخبر أو الحكم هو الله سبحانه وتعالى، ولهذا توجد أحاديث كثيرة تبدأ بعبارة: أخبرني الصادق المصدوق.. حدثني الصادق المصدوق، كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعون يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك) إلى آخر الحديث المشهور.

    قال: (بخلاف الذين يقولون على الله ما لا يعلمون)، فإنهم لا يصلح أن يكونوا حجة أبداً، واستدل على ذلك بقوله: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182].

    1.   

    قيام توحيد الأسماء والصفات على قاعدتي النفي والإثبات ودلالة الجمع بينهما

    ذكر المؤلف قاعدة مهمة في توحيد الأسماء والصفات وهي قوله: (وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات)، وهذا واضح في قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، كما أنه واضح في الأسماء والصفات في قوله تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180].

    والجمع بين النفي والإثبات له فائدة مهمة، وهي: الدلالة على الانفراد والاختصاص، وهذا هو حقيقة التوحيد، فإن حقيقة التوحيد هي الانفراد والاختصاص، كما سيأتي معنا إن شاء الله في تفسير سورة الإخلاص.

    إذاً: أسماء الله عز وجل وصفاته مبنية على قاعدتين: القاعدة الأولى: النفي، والقاعدة الثانية: الإثبات.

    1.   

    مسائل في قاعدة النفي

    أما النفي فينبغي أن ندرك فيه ثلاثة أمور: الأمر الأول: حدود النفي. والأمر الثاني: هل ينفى القدر المشترك؟ والأمر الثالث: شبهة المعطلة النفاة والرد عليها.

    حدود النفي في أسماء الله وصفاته

    الأمر الأول: حدود النفي؛ فإن النفي في أسماء الله وصفاته هو نفي مشابهة خلقه، فالله عز وجل لا يشبهه شيء من خلقه أبداً، كما قال الله عز وجل: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، هذا استفهام إنكاري يتضمن النفي، وأيضاً يقول الله عز وجل: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4].

    إذاً: حدود النفي هو عدم مماثلة صفات الله عز وجل لصفات خلقه، فله صفات لكن لا تماثل صفات خلقه؛ لأن المعطلة من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية نفوا الصفات بحجة وجود النفي في الشرع، فمثلاً قد تجد بعضهم يقول: إن الله عز وجل نفى الصفات عن نفسه، ويستدل بقوله: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، وبقوله: لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4] ونحو ذلك، ولا شك أن هذا استدلال باطل؛ لأن الذي نفى عن نفسه الصفات الباطلة أثبت لنفسه الصفات الحقيقية الصحيحة، فالصفات الباطلة المنفية هي صفات المخلوقات، فلا يمكن أن يشابه ربنا سبحانه وتعالى المخلوقات أبداً.

    حكم نفي القدر المشترك بين أسماء صفات الله تعالى وصفات خلقه

    الأمر الثاني: هل ينفى القدر المشترك؟

    بين صفات الله عز وجل وبين صفات خلقه قدر مشترك، مثلاً: الله عز وجل سمى نفسه سميعاً بصيراً، كما قال سبحانه وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وسمى بعض خلقه سميعاً بصيراً: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان:1-2]، إذاً: الإنسان سميع بصير، والله عز وجل سميع بصير.

    وسمى نفسه حياً في قوله سبحانه وتعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]، وسمى بعض خلقه حياً: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [الروم:19].

    وهذه المشابهة لا تقتضي مشابهة في المسميات، بل هي مشابهة في الأسماء فقط، فالله عز وجل سميع، وبعض خلقه سميع، لكن سمع المخلوق ليس كسمع الخالق؛ لأن السمع هنا مضاف إلى الله عز وجل، والسمع هناك مضاف إلى خلقه.

    وكذلك الحي، حيث سمى الله نفسه سبحانه وتعالى ووصف نفسه بالحياة، وسمى بعض خلقه ووصفهم بالحياة كذلك، وليست الحياة هنا كالحياة هنا، وهناك قدر مشترك. هذا القدر المشترك يعرفه العلماء بأنه: معنى كلي عام لا يتحدد إلا بالاختصاص، وهناك بعض المخلوقات في الدنيا تتفق في الأسماء وتختلف في الحقائق، مثلاً يد النملة ويد الفيل، فاتفقت يد النملة مع يد الفيل في اسم اليد، لكن اختلفت في الحقيقة، فأنتم تجدون أن يد الفيل لها صفة خاصة بها في الحجم والهيئة والشكل، ومختلفة تماماً عن يد النملة في الهيئة أيضاً والشكل والصفة، فإذا كانت مخلوقات الله عز وجل اتفقت في الأسماء واختلفت في الصفات والمسميات، فكيف بالخالق والمخلوق؟! لا شك أن الفرق سيكون أعظم.

    وهكذا الأمر في الاتفاق بين بعض المخلوقات، مثل بعض الأسماء الموجودة في الدنيا وبعض الأسماء الموجودة في الآخرة، فمثلاً في الدنيا توجد فواكه ولحم ورمان ونخل، وفي الآخرة في الجنة لحم وفواكه ورمان ونخل.. وغير ذلك من الأشياء التي وردت في الجنة مما توجد لها أسماء ومسميات في الدنيا، ومع ذلك يقول ابن عباس رضي الله عنه: ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء.

    فإذا قيل لنا: إن في الجنة رماناً، نقول: لكنه قطعاً لا يشبه الرمان الموجود في الدنيا، بل لا يشبه أحسن رمان موجود في الدنيا، ولا يمكن أن يشبهه أبداً لا في الهيئة ولا الشكل، وإنما قرب الله عز وجل لنا الأشياء الموجودة في الجنة -وهي غيبيات لم نرها بأعيننا- بأسماء موجودة في الدنيا نعرفها، فإذا كان هذا بين مخلوقات الله عز وجل، فإذا وجد تشابه بين صفات الله عز وجل وأسماء صفات المخلوقين؛ فإنما يكون هذا التشابه بالاسم فقط، وهو القدر الذي اصطلح عليه أهل العلم بتسميته القدر المشترك، وهو معنى كلي عام لا يتحدد إلا بإضافته، أما بوجود معناه الكلي العام فلا يمكن أن يتحدد، ولا يمكن أن يعرف له وضع معين. هذا هو القدر المشترك بين الأشياء عموماً.

    وأنت إذا سمعت كلمة (يد) فإنك لا تعرف ما المقصود بها، فإذا قيل لك: يد فلان عرفت أن هذه اليد لكذا، وإذا قيل لك: يد الفيل عرفت أنها على صفة أخرى، مع الاتفاق في الاسم.

    لكن هل يصح في قاعدة النفي: أن ننفي القدر المشترك؟ بمعنى أن نقول: إن صفات الله عز وجل ليس بينها وبين صفات المخلوقين اتفاق في الأسماء، وليس هناك قدر مشترك في الاتفاق بالأسماء؟

    لا يصح أن ننفي هذا؛ لأننا إذا نفينا هذا نفينا وجود الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل سمى نفسه بأسماء ووصف نفسه بصفات، وسمى خلقه بأسماء ووصفهم بصفات، قد تتشابه هذه الأسماء في مجرد الاسم فقط، وأما الحقائق فهي مختلفة، فإذا نفينا أن يكون لله عز وجل أسماء تشابه أسماء بعض خلقه، نكون بهذا تقد نفينا وجود الله عز وجل.

    وقد أطال شيخ الإسلام ابن تيمية الحديث عن هذا الأمر في (الرسالة التدمرية) و(منهاج السنة النبوية)، ولا شك أن من لوازم نفي القدر المشترك: نفي وجود الله سبحانه وتعالى، فإذا قيل لهم: هل الله عز وجل سميع؟ قالوا: لا ليس بسميع؛ لأن في بعض خلقه من هو سميع. وإذا قيل: هل الله بصير؟ قالوا: ليس ببصير. وإذا قيل لهم: هل الله موجود؟ قالوا: بعض خلقه موجود.

    ولهذا لا بد أن يوجد اتفاق في الأسماء بين صفات الله وصفات خلقه، والتشابه في الأسماء لا يقتضي التشابه في الحقائق؛ لأن الله عز وجل لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وليس سبحانه وتعالى مثل خلقه بأي وجه من الوجوه، فإذا نفوا وجود قدر مشترك في الأسماء فمعنى هذا أنهم سينفون الأسماء والصفات بأكملها، بل سينفون وجود الله عز وجل، إذا قلنا لهم: هل الله موجود؟ سيضطرون أن يقولوا: نعم موجود، ونحن أيضاً موجودون، قالوا: لا، وجود الله لا يشبه وجود خلقه. قلنا: كذلك صفات الله لا تشبه صفات خلقه، قالوا: لا، إذا قلنا: من صفات الله أنه سميع وبعض خلقه سميع لكن سمعه يختص به، ولا يشبه سمع المخلوق، حتى لو كان المخلوق له سمع لكنه لا يختص به، ولهذا لما لم يدركوا هذا المعنى، وتورطوا في النفي، فنفوا صفات الله عز وجل.

    ولهذا هم يقولون: أنتم مشبهة، والأشاعرة مثلاً يملئون العالم الآن في كتبهم وفي أحاديثهم يقولون: هؤلاء مشبهة، لأنكم تقولون: إن الله سميع بصير وخلقه فيهم السميع والبصير، فهذا يقتضي المشابهة، والله عز وجل لا يشبهه شيء، قلنا: لا، سمع الله ليس كسمع خلقه، قالوا: كيف تقولون: إن الله سميع وبعض خلقه سميع، ثم تنفون المشابهة، أنتم متناقضون بهذه الطريقة؟ قلنا: لسنا متناقضين؛ لأن السمع هنا أضيف إلى الله، وهناك أضيف إلى المخلوق، فإذا أضفت السمع إلى الله اختص به وصار سمعاً خاصاً لا يشبه سمع المخلوقين، وإذا أضفته إلى المخلوق صار سمعاً خاصاً ناقصاً معروفاً في حياة الناس كما هو معلوم.

    فإذا أنكروا هذا نقول لهم: هل الله موجود؟ سوف يقولون: نعم موجود، فنقول لهم: المخلوق أيضاً موجود، فإذا نفيتم صفات الله عز وجل لمشابهتها لأسماء بعض المخلوقات، فكذلك يلزمكم أن تنفوا وجود الله سبحانه وتعالى وهذا لازم لا شك فيه، ولهذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله في مواطن كثيرة: إن من نفى القدر المشترك فقد نفى وجود الله سبحانه وتعالى.

    شبهة المعطلة النفاة والرد عليها

    شبهة المعطلة النفاة الذين نفوا صفات الله عز وجل هي: أنهم قالوا: إذا أثبتنا الصفات فإنه يلزم منها مشابهة المخلوقات، فأرادوا تنزيه الله عز وجل فنفوا صفات الله سبحانه وتعالى، ولا شك أن هذا خطأ باطل، وبدعة ضالة منحرفة، سببها عدم معرفة أحكام الله عز وجل؛ فإن قولنا بإثبات الصفات لا يعني أننا نشبه الله عز وجل بالمخلوقات، وإنما ننفي عنه مشابهة المخلوقات، وهذا هو التوحيد الخالص: أن تعطي الله عز وجل صفات الكمال، وأن تنفي عنه مشابهة المخلوقات.

    وفي الحقيقة أن شبهة المعطلة أعمق مما أشرت إليه، وأعمق مما يدركه كثير من الناس؛ لأن مشكلتهم بدأت من الاستدلال على وجود الله سبحانه وتعالى، فاستدلوا على وجود الله عز وجل بدليل سموه حدوث الأجسام، وهذا الدليل طويل له مقدمات متعددة أرادوا من خلاله أن يصلوا إلى إثبات أن العالم حادث بعد أن لم يكن موجوداً، وأرادوا بالتوصل لهذه النقطة أن يتوصلوا إلى أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق لهذا الحادث -أي: العالم- ولا يمكن أن يكون الخالق حادثاً مثله، بل هو قديم سبحانه وتعالى.

    هذا الدليل الذي استدلوا به له مقدمات متشعبة لا أريد عرضها بالتفصيل ولا تهمنا، لكن هذا الدليل -دليل حدوث العالم- صارت له لوازم التزموها، فلما التزموها نفوا صفات الله عز وجل، وترتب على هذه اللوازم القول بفناء الجنة والنار عند الجهمية، وبنفي الأسماء عند المعتزلة، وأما الأشاعرة فإنهم اضطربوا ووقعوا في حيرة، وهكذا كل أحد يتبع غير الكتاب والسنة دائماً يقع في حيرة ويتردد، فهم وقعوا في حيرة حينما أثبتوا سبع صفات، ولم يثبتوها بالوجه الشرعي، وإنما أثبتوها أسماء فقط، فسألهم المعتزلة الذين ينفون الصفات جميعاً، فقالوا لهم: أنتم الآن أثبتم سبع صفات ونفيتم الباقي، إذاً: أنتم متناقضون، إما أن تثبتوا الباقي، وإما أن تنفوا الباقي؛ لأن ما أثبتموه نظير ما نفيتموه، وما نفيتموه مثل ما أثبتموه، ليس هناك فرق، فوقعوا في الانحراف والضلال.

    القاعدة الثانية هي: تنزيه مشابهة الله عز وجل عن مشابهة المخلوق بأي وجه من الوجوه سواء بتخيل أو قول، كما قالت المشبهة: بأن الله عز وجل يشبه خلقه.

    وهنا نرد على جزء آخر من المعطلة، وهم أهل التفويض وهم الذين قالوا: نحن ننفي مشابهة الله للمخلوقات، لكن هذه الصفات ليس لها معانٍ ندركها، وإنما هي مثل الألغاز والأحاجي والكلام الذي لا معنى له.

    يعني: لو أن إنساناً ركَّب كلمة من خمسة حروف لا معنى لها في لغة العرب يقولون: صفات الله عز وجل مثلها أنت لا تدرك لهذه الكلمة معنى وكذلك صفات الله لا ندرك لها معنى.

    ولا شك أن هذا ضلال وانحراف. وسيأتي الإشارة إلى كلامهم في موضعه والرد عليه. هذا هو الأمر الأول.

    الأمر الثاني: ما هي شبهة المشبهة الذين شبهوا الله بخلقه؟

    شبهتهم أنهم قالوا: إن الله عز وجل أثبت لنفسه الصفات، ولا يمكن أن يخاطبنا بما لا نعقله، ونحن لا نعقل هذه الصفات الموجودة بيننا مثل اليد والقدم ونحو ذلك، فأثبتوا أن الله عز وجل مثل خلقه، ولهم كلام قبيح جداً ذكره عدد من أهل العلم في إثباتهم للتشبيه، فهم يشبهون الله عز وجل بخلقه وكأنه فرد من أفراد خلقه -والعياذ بالله- وهذا ضلال وانحراف.

    والتشبيه ينقسم إلى قسمين: تشبيه الخالق بالمخلوق، وهذا الذي وقع فيه المشبهة الضالون الذين قالوا: لله يد كأيدينا، ونزول الله كنزولنا.. ونحو ذلك.

    وهناك نوع آخر من التشبيه وهو: تشبيه المخلوق بالخالق، وهذا الذي وقع فيه غلاة الصوفية الذين شبهوا المخلوق بالخالق، فهم يشبهون أولياءهم بأن لهم قدرات خارقة، وأنهم يستطيعون تصريف الكون، ويسندون إليهم أعمالاً وصفات لا تكون إلا للخالق سبحانه وتعالى، وهذا ضلال مبين أيضاً.

    1.   

    طرق معرفة الصفات

    معرفة الصفات تؤخذ من ثلاث طرق:

    الطريق الأول: هو دلالة الأسماء عليها، والقاعدة: أن كل اسم من أسماء الله عز وجل يدل على صفة من الصفات، فالعليم اسم يدل على صفة العلم، والحي اسم يدل على صفة الحياة، وهكذا كل اسم من أسماء الله عز وجل يدل على صفة من صفات الله عز وجل.

    الطريق الثاني: أن ينص الشرع سواء القرآن أو السنة على صفة من صفات الله عز وجل، بشرط أن تكون هذه الآية أو هذا الحديث من آيات أو من أحاديث الصفات، مثل: السمع والبصر كما سبق أن مثلنا.

    الطريق الثالث: دلالة الفعل على الصفة. فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره)، فإن هذا الفعل يدل على صفة وهي الضحك، أو صفة النزول أو نحو ذلك.

    فهذه ثلاث طرق تدل على صفات الله سبحانه وتعالى.

    وكثير من الناس لا يفرق بين الآيات التي تدل على الصفات والآيات التي لا تدل عليها، فمثلاً تجد بعض الناس يقول: نثبت صفة الجنب لله عز وجل، ثم يستدل على ذلك بقوله: عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56]، هذا خطأ، فإن هذه الآية ليست من آيات الصفات، ولهذا فسرها كل العلماء بقولهم: على ما فرطت في قدر الله عز وجل ومكانته سبحانه وتعالى؛ لأن هناك دليل يدل على هذا المعنى وهو قوله: فَرَّطْتُ، ولو كانت صفة ذاتية تسمى الجنب لما صح أن يقال: فرطت؛ لأنه لا علاقة بين الصفة الذاتية -الجنب- مع التفريط، وإنما المقصود بالجنب الجناب، وليس هذا تأويل، بل هذا هو تفسير للآية، وحينئذ نقول: إن هذه الآية ليست من آيات الصفات.

    وكذلك قول الله عز وجل: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]، فإن هذه الآية لا يؤخذ منها إثبات صفة الوجه، وإن كانت صفة الوجه ثابتة من غير هذه الآية، مثل قوله: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27]، فقوله: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115] ليس من آيات الصفات؛ لأن المقصود بالوجه هنا الجهة وليس المقصود الوجه الذي هو صفة من صفات الله عز وجل.

    الدليل على هذا قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [البقرة:115]، فالمشرق جهة الشرق، والمغرب جهة الغرب، فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا يعني: جهة الشرق أو جهة الغرب، فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ يعني: فهناك وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115] يعني: جهة الله عز وجل، وهذه بينها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

    1.   

    مقدمات في سورة الإخلاص

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد دخل في هذه الجملة ما وصف الله به نفسه في سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن، حيث يقول: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4] ].

    بدأ المصنف رحمه الله تعالى في الكلام على صفات الله سبحانه وتعالى، وقد سرد المصنف رحمه الله جملة كبيرة من الآيات والأحاديث، وكل هذه الآيات والأحاديث فيها إثبات صفات الله سبحانه وتعالى، وستكون طريقتنا -بإذن الله عز وجل- في دراسة هذه الآيات وهذه الأحاديث هي: أن نجمع الأدلة المتشابهة بعضها إلى بعض، ونجعلها تحت صفة، فمثلاً: إذا كان في آية إثبات صفة العلم لله عز وجل وفي آية أخرى إثبات صفة العلم لله عز وجل، نأخذ هذه الآية ونضمها مع هذه الآية ونتحدث عن صفة العلم في مكان واحد، وكذلك نأخذ من الأحاديث ما يدل على نفس المعنى ونضمه مع الآيات؛ لكي نتجنب التكرار، وحينئذ سنتحدث عن الصفات بشكل موضوعي، فنتحدث عن العلم والحياة والسمع والبصر، ونأخذ الآيات والأحاديث التي تدل على هذه المعاني، حتى لو كان ترتيبها غير منظم، فلن نلتزم بالترتيب -بإذن الله تعالى- في كلامنا على صفات الله عز وجل الواردة في هذه الآيات، إلا سورة الإخلاص وآية الكرسي، فسورة الإخلاص وآية الكرسي اشتملتا على جملة كبيرة من الصفات، فسنتحدث عنها بشكل عام إلا ما سيأتي توضيحه وبيانه في مكان آخر فإننا نؤجله إلى ذلك المكان.

    قبل أن نتحدث عن مسائل العقيدة الموجودة في سورة الإخلاص ننبه إلى أربعة أمور:

    الأمر الأول: فضل هذه السورة.

    والأمر الثاني: توضيح كيفية عدل هذه السورة لثلث القرآن.

    والأمر الثالث: هل يعني عدل هذه السورة لثلث القرآن كفايتها عن السور الأخرى؟

    والأمر الرابع: سبب النزول.

    فضل سورة الإخلاص

    ورد في فضل هذه السورة أحاديث كثيرة، منها أحاديث في البخاري ومسلم وغيرهما، وتدل هذه الأحاديث على أن هذه السورة ثلث القرآن، منها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! إنها تعدل ثلث القرآن)، وفي لفظ قال: (هل تحب أن تقرأ ثلث القرآن؟ اقرأ سورة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1])، إلى درجة أن الحفاظ مثل: الدارقطني رحمه الله يقول: لم يرد أحاديث في فضل سور القرآن أصح من الأحاديث الواردة في فضل سورة الإخلاص، حتى التي وردت في فضل سور أخرى كالفاتحة والبقرة ونحو ذلك من السور.

    علة عدل سورة الإخلاص لثلث القرآن

    كيف تعدل هذه السورة ثلث القرآن؟

    قبل أن نبين كيف تعدل هذه السورة ثلث القرآن، أحب أن أشير إلى أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ألف رسالة طويلة في نحو ثلاثمائة صفحة في تفسير هذه السورة، وهي موجودة ضمن مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الجزء الرابع، فذكر شيخ الإسلام رحمه الله كيفية عدل هذه السورة لثلث القرآن، حيث قال: إن القرآن من حيث الموضوعات ثلاثة أنواع: التوحيد، والقصص، والأوامر والنواهي وهي الأحكام، وهذه السورة جاءت بالكلام على التوحيد، فجاءت بالحديث عن ثلث موضوعات القرآن، ويدل على ذلك: أن القرآن كلام الله عز وجل، والكلام عند أهل البلاغة ينقسم إلى خبر وإنشاء، والخبر هو الذي يحتمل الصدق والكذب، والإنشاء هو ما لا يحتمل الصدق والكذب، كالأمر والاستفهام والتمني والترجي ونحو ذلك من المعاني، فالإنشاء هو الأمر والنهي والأحكام مثل: الأوامر والمناهي الشرعية، فهذا الثلث الأول، وأما الأخبار فإن الأخبار الواردة في القرآن نوعان: أخبار عن الخالق، وأخبار عن المخلوق، فصار عندنا ثلاثة أنواع: أخبار عن الخالق وهو التوحيد، وأخبار عن المخلوق وهي القصص، ويدخل في ذلك الأخبار عن الجنة والنار والحشر، ويدخل في ذلك الأخبار عن الأمم الماضية وتعذيبهم ونحو ذلك، والأمر والنهي وهي الأحكام، وهذا من قسم الإنشاء، وحينئذ نعرف لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذه السورة تعدل ثلث القرآن؛ لأن التوحيد موجود في ثلث القرآن، والمقصود بالتوحيد هنا هو الآيات الواردة في التوحيد بشكل مباشر، أما الآيات الواردة في التوحيد بشكل غير مباشر فالقرآن كله توحيد -كما قال ابن القيم رحمه الله- لأن كل القصص الواردة لها علاقة بالتوحيد، فالجنة هي الجنة جزاء الموحدين، والنار جزاء الكفار الذين تركوا التوحيد، وكل القصص الموجود في القرآن له علاقة بالتوحيد، لكن المقصود هنا بالتوحيد الذي هو ثلث موضوعات القرآن: الآيات الواردة بشكل مباشر في التوحيد.

    انتفاء الاكتفاء بتكرار سورة الإخلاص والاستغناء بها عن سائر القرآن

    إذا كانت هذه السورة تعدل ثلث القرآن فهل يعني هذا أن الإنسان يقرؤها ثلاث مرات ويكفيه ذلك؟

    والجواب: لا، فهي تعدل ثلث القرآن من حيث قيمتها المعنوية، لكن لا يعني أنها تغني عن غيرها، وتقريب هذا واضح، فبالنسبة لك فإن الماء يعدل الحياة كلها؛ لأنك لو لم تشرب مت، لكن لو اكتفيت بالماء وتركت الأكل فلن تعيش وإنما ستموت، وهذا يدل على حاجة الإنسان لأشياء أخرى غير الماء مع أن الماء جزء أساسي في حياته، فإذا كان هذا في المخلوق فهو من باب أولى في القضايا الشرعية؛ فإن تنوع العبادات للإنسان مبني على حاجة الإنسان، وكذلك تنوع الأجر في الجنة مبني على تنوع العبادة في الدنيا، ولهذا تجدون في الجنة أنواعاً من النعم: خمر، ورمان، وأنهار من لبن، وأنهار من عسل مصفى ونحو ذلك، وهذا التنوع مبني على تنوع أعمال الإنسان، وهذا يدل أيضاً على حاجة الإنسان إلى هذه الأعمال. هذا مختصر كلام شيخ الإسلام رحمه الله في رسالته المذكورة.

    سبب نزول سورة الإخلاص

    ثبت أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك، وفي لفظ: صف لنا ربك، فنزلت هذه السورة، وفي بعض الروايات -وهي رواية ضعيفة-: أن الذين قالوا هذا القول هم اليهود، لكن الروايات الأصح هي: أن الذين قالوا هذا القول هم المشركون.

    1.   

    المسائل المتعلقة بسورة الإخلاص

    المسائل المتعلقة بهذه السورة أربع مسائل:

    المسألة الأولى: صفة الوحدانية.

    والمسألة الثانية: صفة الصمدية.

    والمسألة الثالثة: قوله: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:3] وهي صفة أيضاً.

    والمسألة الرابعة: قوله تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4].

    صفة الوحدانية لله تعالى ومعناها

    أما صفة الوحدانية فيمكن أن نتحدث عنها في ثلاث نقاط:

    الأمر الأول: معنى الوحدانية.

    الواحد والأحد والتوحيد معناه: الانفراد والاختصاص، ومعنى أن الله عز وجل واحد، أن الله عز وجل مختص منفرد وحده سبحانه وتعالى دون خلقه، فهذا هو معنى التوحيد، والتوحيد يمكن أن تأخذه من الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية بعدة أساليب، وهي أساليب الحصر الموجودة في اللغة العربية، فمن أساليب الحصر: تقدم الجار والمجرور، أو تقدم ما حقه التأخير عموماً، أو النفي والإثبات، أو الاستثناء، أو وجود المسند والمسند إليه محلى بأل مثل (الرحمن الرحيم) يعني: صاحب صفة الرحمة المختص بها، ويدل على الاختصاص وجود الألف واللام في المسند والمسند إليه، وكذلك دخول لام الاستحقاق والملكية، مثل قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ [الفاتحة:2] فإن اللام هنا للاستحقاق وللملكية، وهي تدل على الاختصاص أيضاً، ويمكن مراجعة أساليب الحصر والقصر والاختصاص الموجودة في لغة العرب، ومحاولة تطبيقها على النصوص الشرعية، فستجد آيات كثيرة تدل على الحصر.

    أقسام ومجالات الوحدانية

    الأمر الثاني: أقسام ومجالات الوحدانية.

    نحن ندرك من قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] أن الله واحد، وواحد في ثلاثة أمور: واحد في الربوبية، وواحد في الألوهية، وواحد في الأسماء والصفات.

    واحد في الربوبية يدل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، (ألا) أداة تنبيه، واللام في قوله: لَهُ حرف الجر، والهاء ضمير متصل في محل جر، و(الخلق والأمر) مبتدأ مؤخر وكان حقه التقديم، والمعنى: الخلق والأمر له، فلما قدم ما حقه التأخير دل على أن التقديم لفائدة بلاغية، وهي إفادة الحصر، فالمعنى: أن الله هو له الخلق فقط، وليس لأحد غيره أن يخلق، وله الأمر فقط، وليس لأحد غيره أن يأمر.

    والأمر والقضاء والإرادة تنقسم إلى قسمين: أمر وإرادة وقضاء كوني، وأمر وإرادة وقضاء شرعي.

    فالمعنى: أن الله مختص بالخلق وبالأمر الكوني والشرعي.

    وتوحيد الألوهية يدل على الحصر والاختصاص، وفيه الكلمة المشهورة في توحيد الألوهية: لا إله إلا الله؛ فإن لا إله إلا الله نفي وإثبات تدل على الحصر، وفي الأسماء والصفات: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، ووجه الدلالة من هذه الآية هو نفس وجه الدلالة من قوله: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، فإنه تقدم الجار والمجرور وتأخر المبتدأ لإفادة الحصر، وأن الأسماء خاصة بالله سبحانه وتعالى.

    موقف الفرق المنحرفة من الوحدانية

    الأمر الثالث: موقف الفرق الضالة من الوحدانية.

    الفرق الضالة في الوحدانية كثر، لكن يهمنا الحديث عن الفرق التي لها مساس كبير بواقع الناس، وهم الأشاعرة والصوفية.

    فأما الأشاعرة فإنهم إذا جاءوا إلى صفة الوحدانية يقولون: هو واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له.

    هذه هي أقسام الوحدانية عندهم، وإذا جئت تقارن بينها وبين أقسام الوحدانية عند أهل السنة: تجد أن قولهم: واحد في ذاته لا قسيم له. هو نفس توحيد الأسماء والصفات عند أهل السنة، لكنهم فهموه على غير فهم أهل السنة، وقولهم: واحد في صفاته لا شبيه له. هو نفس توحيد الأسماء والصفات، لكن أيضاً فهموه على غير وجهه، وقولهم: واحد في أفعاله لا شريك له. هو توحيد الربوبية؛ لأن تعريف الربوبية هو توحيد الله عز وجل بأفعاله المتعدية، مثل: الخلق والرزق والإحياء والإماتة.. ونحو ذلك، وحينئذ نجد أنهم أهملوا نوعاً من أنواع التوحيد، وهو توحيد الألوهية، فإنه لا يوجد له قسم عندهم، وبالتالي وقعوا في الانحراف الكبير وهو إهمال توحيد الألوهية.

    والحقيقة: أن إهمال توحيد الألوهية عندهم نشأ من الإرجاء، ولهذا فإن الإرجاء له أثر خطير على أمة الإسلام؛ لأن الإيمان عندهم هو مجرد التصديق؛ فأخرجوا عمل القلب والجوارح من حقيقة الإيمان، ولم يبق إلا التصديق، والتصديق هو نفس توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وأما الجانب العملي وهو توحيد الألوهية فقد أهملوه وترتب على هذا الإهمال قضايا خطيرة جداً في تاريخ المسلمين، مثل: الاختلاف الكبير الذي وقع بين أهل السنة وبين الأشاعرة والصوفية في الذين يطوفون حول القبور ويذبحون لها وينذرون، فهؤلاء مشركين عند أهل السنة؛ لأنهم لم يوحدوا الله توحيد الألوهية، وعند الأشاعرة والصوفية ليسوا بمشركين ما دام أنهم يعتقدون أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت؛ لأنهم جاءوا بالتوحيد حسب التعريف الموجود عندهم، ولهذا اختلف أهل السنة أيضاً مع هؤلاء المبتدعة في الذين يحكمون بالقوانين الوضعية، مثل القانون البريطاني أو الفرنسي ويحكمونه في حياة الناس، ويستحلون المحرمات، فهؤلاء عند أهل السنة كفار؛ لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله؛ فنقضوا الإسلام من هذه الزاوية، وأولئك يقولون: ما دام أنهم معترفون بأن الله هو الخالق الرازق فهم مسلمون، وهنا يكمن الخطر الاعتقادي.

    وأما الصوفية فإنهم انحرفوا في الوحدانية، حيث قاموا بممارسة الشركيات عملياً، فهم يطوفون بالقبور، ويذبحون لها وينذرون، ويستغيثون بغير الله.. ونحو ذلك من الأعمال.

    وهناك طائفة من الطوائف موجودة في حياة المسلمين المعاصرة وهم العلمانيون، وهؤلاء لا يعترفون لله عز وجل بوحدانية الألوهية، ويجعلون الدين هو مجرد تصورات عقائدية قد يأخذونها من أصحاب النظريات المعاصرة مثل: ماركس إذا كان شيوعياً مثلاً أو غيره بحسب المذهب الذي يذهب إليه، فأخرجوا توحيد الألوهية بأكمله من التوحيد.

    صفة الصمدية

    فيل في معنى الصمد قولان مشهوران لأهل العلم كلاهما صحيح:

    المعنى الأول: أن الصمد هو الذي لا جوف له: وقد تنوعت تعبيرات السلف الصالح رضوان الله عليهم عن هذا المعنى، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: الصمد المصمت الذي لا جوف له، وقال ابن مسعود : هو الذي ليست له أحشاء، يعني: ليست له أمعاء، وقال الشعبي : هو الذي لا يأكل ولا يشرب، وقال محمد بن كعب القرظي وعكرمة تلميذ ابن عباس : هو الذي لا يخرج منه شيء، وقال ميسرة : الصمد المصمت، وأكثر السلف الصالح رضوان الله عليهم فسروا الصمد بهذا المعنى، فيصبح معناه: أنه الغني الذي لا يحتاج إلى شيء أبداً، ولهذا قال بعضهم: هو الذي ليست له أحشاء، فهو ليس بحاجة إلى طعام، حتى تكون له أحشاء يهضمها فيه، وبعضهم قال: هو الذي لا يأكل ولا يشرب، فهو ليس بحاجة إلى الأكل والشرب، فإن الإنسان الموجود في الدنيا بحاجة إلى الأكل والشرب، فلا تقوم حياته إلا على الأكل والشرب، أما الله عز وجل فإنه غني، فالمعنى: أن الله عز وجل غني غنى مطلقاً، فهو ليس بحاجة إلى شيء أبداً، والمخلوق لا يقوم كيانه إلا بأشياء كثيرة منها الأكل والشرب والحاجة إليها.

    وهذا الاسم المتضمن لصفة الصمدية أصل في تنزيه الله سبحانه وتعالى عن الحاجة والافتقار، كما أن هذا الاسم يدل على القوة، وهذا التفسير لهذا الاسم مأخوذ من لغة العرب، فإن العرب تقول: الصمد للمصمت، يقول الجوهري رحمه الله تعالى: المصمد بالدال لغة في المصمت، وهو الذي لا جوف له، فالعرب تقصف الشجاع بأنه صمد، يعني: لا يخاف وليس أجوف القلب؛ لأن الذي يخاف قلبه أجوف فارغ، ولهذا لما ذكر الله عز وجل قصة أم موسى ذكر أن جوفها كان فارغاً إن كادت لتبدي به، فجاء التعبير بقوله: فارغاً، لأن القلب إذا لم يكن قوياً متماسكاً مجتمعاً بعضه إلى بعض؛ فإنه يكون ضعيفاً هشاً رقيقاً.

    ويقول الجوهري : والصماد غفاص القارورة، والغفاص هو الجلد الذي يوضع على القارورة ويشد عليه بحبل بحيث يغطيها.

    وقال: الصمد يطلق على المكان الرفيع الغليظ المجتمع، فالصمد في صفة الله عز وجل معناه: الذي لا حاجة له إلى الطعام والشراب وهو الغني سبحانه وتعالى.

    والمعنى الثاني -وهو قول بعض السلف-: أن الصمد هو السيد الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، وكذلك تنوعت عبارات السلف في هذا القول، فمثلاً نجد ابن عباس يقول: الصمد هو الذي تصمد إليه الأشياء إذا نزل بها كربة وبلاء، ويقول السدي رحمه الله: هو المقصود إليه في الرغائب والمستغاث به عند المصائب، والمعنى: أن الصمد هو الذي تحتاجه الخلائق، فهو سبحانه وتعالى الغني الذي لا يحتاج، والخلائق محتاجة إليه.

    وهذان المعنيان كلاهما صواب، وكلاهما تفسير للصفة بمعناها، وبما تدل عليه، فإن الجميع يدل على الجمع والقوة والغنى، فالسيد الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، والسيد اشتقاقه الأكبر السد والسداد والسؤدد والسواد، وكلاها بمعنى الجمع والقوة؛ لأن السيد لا يكون سيداً إلا إذا كان قوي القلب، مجتمع النفس، حينئذ يكون سيداً ينفع الآخرين، فالناس لا تقصد في حوائجها إلا قوي القلب الشجاع الذي يستطيع أن يعطي الناس حوائجهم، وكذلك المصمت الذي لا جوف له؛ فإن فيه معنى القوة؛ لأن الشيء كلما اجتمع بعضه إلى بعض كان قوياً، ولهذا سمي المكان المرتفع الغليظ صمداً لقوته وتماسكه.

    ومن هنا ندرك أن معنى الصمد هو: القوي الذي لا يحتاج إلى الأكل أو الشرب، ولا يحتاج إلى أي شيء من الأشياء، فهو الغني سبحانه وتعالى، وسيأتي الحديث عن الغنى -بإذن الله تعالى- بشكل مفصل عند اسم الله عز وجل الغني.

    ولصفة الغنى والقوة آثار تربوية عظيمة منها: توحيد الدعاء، بحيث يدعو الإنسان الله عز وجل، فهو الغني المالك لكل شيء سبحانه وتعالى.

    معنى قوله تعالى: (لم يلد ولم يولد)

    لَمْ يَلِدْ [الإخلاص:3] معناها: أن الله عز وجل ليس له ولد.

    وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:3] يعني: أن الله عز وجل ليس له أب سبحانه وتعالى، وهذا يدل على كماله سبحانه وتعالى، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، وهذه الآية فيها تنزيه لله عز وجل عن الولادة والولد.

    وقد وجدت طوائف نسبوا إلى الله عز وجل الولد، وقد أبطل الله عز وجل نسبة الولد إليه بدليل عقلي واضح، وهو: أن وجود الولد يحتاج إلى وجود صاحبة -يعني: زوجة- وهذا أمر موجود في كل متولد، سواء كان من الإنسان أو الحيوان أو النبات، حتى النار كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فهي إنشاء من اشتباك شيئين بعضهما مع بعض، فيتولد عنهما النار، قال: كل المتولدات لا بد أن تكون من أصلين، ولا يوجد صاحبة لله عز وجل، وهذا أمر يعترف به المشركون ولا ينكرونه، ومع ذلك نسبوا له الولد؛ فدل ذلك على بطلان هذه النسبة عقلاً، وإلا فإن الله عز وجل منزه عن كل تلك الصفات سبحانه وتعالى.

    يقول الله عز وجل في هذا الدليل العقلي: بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ [الأنعام:101]، هذا دليل عقلي، وهو استفهام إنكاري يتضمن النفي العقلي أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ [الأنعام:101]، فإن العقل يقتضي أنه إذا وجد الولد لا بد أن توجد الصاحبة، فلما انتفت الصاحبة دل ذلك على انتفاء الولد كما هو معلوم.

    وهناك طوائف أو ديانات كافرة نسبت لله عز وجل الولد منهم اليهود والنصارى، فاليهود قالت: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30]، والنصارى قالت: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30]، ولم يكتفو بهذا فقالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:18]، يقول الله عز وجل: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:18]، ويقول الله عز وجل: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة:30].

    وممن نسب لله عز وجل الولد: المشركون، حيث قالوا: إن الملائكة بنات الله، يقول الله عز وجل: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ [النحل:57] يعني: الولد، ولهذا يقول: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [النحل:58]، فوجهه يسود وهو كظيم؛ لأن البنت عار عليه-كما يظن-ومع هذا ينسبها إلى الله عز وجل، وهذا يدل على فجورهم وشدة كفرهم والعياذ بالله، ولهذا يقول الله عز وجل: أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا [الإسراء:40]، ويقول الله عز وجل: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ [الصافات:149-150]، ولا شك أن كلام المشركين باطل كما هو معلوم.

    ولا يوجد أحد يقول: إن لله زوجة، ولا توجد مقالة لأحد أبداً يقول فيها: إن لله زوجة، أو: إن لله صاحبة.

    والدليل على ذلك: هو أن الله عز وجل عندما استدل على نفي الولد استدل بعدم وجود الصاحبة، ولا يمكن أن يستدل الله عز وجل على أمر إلا بأمر مقرر عندهم سابقاً، فلو كان هذا الأمر المستدل به ليس معترفاً به عندهم لما صح الاستدلال، فلما صح الاستدلال دل على أنه لا توجد طائفة من البشر تنسب لله عز وجل الصاحب.

    لكن هناك إشكال وهو: أن الله عز وجل يقول في آية أخرى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا [الصافات:158]، والجواب على هذا الإشكال: أن المقصود به: الملائكة، حيث نسبوا الملائكة إلى الله عز وجل، فقالوا: هم بنات الله، لكن قد يقول قائل: هنا الحديث عن الجن وليس عن الملائكة: فنقول: إن الِجَّنة المقصود بهم في هذه الآية: الملائكة، والدليل على هذا: أن الِجَّنة معناها: الوقاية، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصوم جُنَّة) يعني: وقاية، فمادة (جن) في لغة العرب تدل على الاستتار والوقاية، وهي حاصلة في الملائكة؛ لأن الملائكة يستترون عن بقية البشر، فيصبح معنى الِجَّنة هنا هو المعنى اللغوي وليس هو المعنى الاصطلاحي المعروف في خلق الله عز وجل الجن.

    وأما قول الكلبي وغيره: إن المشركين يقولون: تزوج من الجن فولد له الملائكة، فلا شك أن هذا القول باطل؛ لأنه لا يوجد أحد من المشركين أصلاً يقول: إن لله زوجة، كما سبق أن أشرنا في قوله تعالى: بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ [الأنعام:101].

    هناك طائفة ثالثة تقول: إن لله ولد. لكن تختلف عن الطوائف السابقة، وهم الفلاسفة الذين يقولون: نتج عن الله عز وجل عقل ونفس، وهذا الناتج نتج بطريق الضرورة الموجبة، مثل: نتاج النور من الشمس، ثم إن بعضهم يقول: إن العقل والنفس تلاقحا فنتج عنهما عقل ونفس، ثم تلاحقنا فنتج عنهما عقل ونفس، إلى عشرة عقول وأنفس، إلى أن جاءوا إلى عقل يسموه العقل الفعال، ومن العقل الفعال نتج هذا العالم، ولهذا يقولون: إن العالم الموجود قديم، ومعنى قديم، يعني: أنه جزء من الإله، ولهذا كفرهم السلف الصالح رضوان الله عليهم، بل كفرهم الأشاعرة كما هو مشهور، فإن أبا حامد الغزالي رحمه الله تعالى له كتاب سماه: فضائح الباطنية، وله كتاب آخر في فضائح الفلاسفة، فكفرهم بثلاثة أمور:

    الأمر الأول: قولهم: بقدم العالم.

    والأمر الثاني: إنكارهم للمعاد الجسماني.

    والأمر الثالث: قولهم: بأن الله عز وجل لا يعلم إلا الكليات وأما الجزئيات فلا يعلمها. وسيأتي الحديث عليهم عند صفة العلم بإذن الله تعالى.

    معنى قوله تعالى: (ولم يكن له كفواً أحد)

    قوله تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، هذه الصفة أصل في التنزيه، كما أن الصمد أصل أيضاً في التنزيه، فكل الصفات السلبية والمنفية ترجع إليها، فالله عز وجل نفى عن نفسه اللغوب وهو التعب، ونفى عن نفسه السَّنة والنوم، ونفى عن نفسه ضياع الأشياء عنه فلا يعزب عن ربك مثقال ذرة؛ لكمال علمه سبحانه وتعالى.

    إذا نفينا عن الله عز وجل التعب فهو لكمال قدرته، وإذا نفينا عنه النوم فهو لكمال علمه وحياته، وإذا نفينا عنه عزوب الشيء فهو لكمال علمه وإحاطته سبحانه وتعالى، ويمكن أن تراجع هذه القاعدة في التدمرية.

    أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح.

    1.   

    الأسئلة

    حكم التحاكم إلى القوانين الوضعية

    السؤال: نريد توضيحاً حول الحكم لله، هل معنى: أن الحاكمية لله: أن تنفي الإيمان عمن لم يحكم بحكم الله، ولكن دون اعتقاد في عدم صلاحية أحكام الله، وإنما كما نشاهد اليوم في كثير من الأحكام التي لا تؤخذ من الشرع مع انتسابهم إلى الإسلام؟

    الجواب: القوانين الوضعية كفر مخرج عن الإسلام حتى لو اعتقد أنها حرام، وحتى لو اعتقد أنها لا تنفع؛ لأن القوانين الوضعية أصلاً تبديل لأحكام الله عز وجل، واستحلال للمحرمات، واستحلال المحرمات ردة؛ لأن الاستحلال معناه: عدم الانقياد والتسليم لأحكام الدين، وهذان ركنان من أركان الإيمان.

    من جهة أخرى؛ فإن الموجود في العالم الإسلامي اليوم -لا يحتاج أصلاً إلى الحديث عن الاعتقاد وغير الاعتقاد- هو استحلال للمحرمات، وتبديل للدين بشكل واضح، فهو مثل إسلام التتر عندما أسلموا وبقيت عندهم قوانين جنكيز خان (الياسق) يحكمون به، فإن جنكيز خان حاكم تتري كافر، وضع لهم الياسق مجموعاً من الملة اليهودية والنصرانية والإسلام وزاد عليها من معرفته وفهمه، وأصبح من أسلم من التتر فيما بعد يحكم بها، فكفرهم أهل العلم، وكفرهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقد كان عند بعض العلماء في تلك الفترة شبهة؛ لأنهم ينتسبون للإسلام.

    والحقيقة: أن انتساب الإنسان للإسلام وحده ليس كافياً في بقاء الإسلام عليه إذا ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام، فالساحر مع أنه يصلي ويصوم ويحج ويزكي إلا أنه كافر؛ لأنه نقض الإسلام، مثل من يصلي ركعتين، لكنه بعد الركعة الأولى خرج منه صوت، فإذا قال: لماذا تبطلون أعمالي من تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة والركوع والسجود والقيام؟ نقول: نبطلها لوجود ناقض من النواقض، وهكذا الإسلام لو صلى وصام وحج وزكى وانتسب إلى الإسلام مع وجود ناقض من النواقض فإن الإسلام يبطل.

    الإسلام لا يثبت إلا بأمرين: العمل بالدين، وترك النواقض، وهذه مسألة مهمة جداً، وكثير من الناس يغلب جانب العمل بالدين وينسى ترك النواقض، فإذا كفر أحداً ممن ينتسب إلى الإسلام لوجود مكفر عنده صاح في وجهه، وقال: أنت من الخوارج، وأنت كفرت المسلمين، وهذا لا يصح، فالذين يطوفون حول القبور ويذبحون لها وينذرون لها ويستغيثون بغير الله عز وجل. هذا كفر مخرج عن الإسلام، مع أنهم ينتسبون إلى الإسلام، فكذلك الذي يحكم بالقوانين الوضعية ويشرع بغير ما أنزل الله فهو كافر حتى لو انتسب إلى الإسلام.

    الفرق بين الحصر والقصر

    السؤال: ما الفرق بين الحصر والقصر؟

    الجواب: كلاهما بمعنى واحد الحصر مصطلح نحوي، والقصر مصطلح بلاغي.

    هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756190459