أما بعد:
ففي الدرس الماضي انتهينا من قواعد في توحيد الألوهية، وفي هذا الدرس بإذن الله تعالى سنتحدث عن قواعد في توحيد الأسماء والصفات، وقد سبق أن أشرنا إلى أن توحيد الأسماء والصفات هو جزء من توحيد الله تعالى، وهو متعلق بالإيمان بالله، فإن الإيمان بالله لا يتم إلا بهذا التوحيد، وإذا أنكر أحد أسماء الله عز وجل مطلقاً أو أنكر أسماءه أو صفاته فإنه يكون كافراً خارجاً عن دائرة الإسلام، والله عز وجل يقول: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، وهذه الآية العظيمة تشتمل على قواعد متعددة وكثيرة: القاعدة الأولى: أن أسماء الله عز وجل بلغت الغاية في الكمال والجمال، وأنه لا نقص فيها بأي وجه من الوجوه، وهذا مأخوذ من وصف أسماء الله عز وجل؛ لأنها حسنى، والحسنى على وزن فعلى، وهي تأنيث الأحسن، كقولهم: كبرى وصغرى تأنيث الأكبر والأصغر، وحسنى يعني: التي بلغت الغاية في الحسن والجمال والكمال.
ومن مقتضيات كمال أسماء الله تعالى: أن كل اسم من أسماء الله تعالى يدل على صفة من هذه الصفات، وكل اسم من أسماء الله تعالى فإنه يدل على صفة من صفاته سبحانه وتعالى، وهذا يدل على كمال أسمائه تعالى، يقول الله عز وجل: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى [النحل:60]، والمثل الأعلى هو الكمال والجمال الذي لا يدانيه ولا يشابهه كمال.
والله سبحانه وتعالى سمى نفسه (الرحيم) فنأخذ منه صفة الرحمة، و(الغفور) فنأخذ منه صفة المغفرة، و(الجبار) فنأخذ منه صفة الجبروت، و(الغني) فنأخذ منه صفة الغنى، و(العزيز) فنأخذ منه صفة العزة.. وهكذا، كل اسم من أسماء الله تعالى فإنه يتضمن صفة من صفاته سبحانه وتعالى، فأسماء الله عز وجل ليست جامدة لا تدل على معان، بل هي تدل على معان عظيمة، ولهذا استدل أهل العلم على أن الدهر ليس من أسماء الله تعالى؛ لأنه اسم جامد ليس له معنى في المدح والكمال، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر أقلب الليل والنهار)، فظن بعض العلماء أن هذا الحديث يدل على أن الدهر اسم من أسماء الله تعالى؛ لأنه قال: (وأنا الدهر)، لكن الصحيح أن الدهر ليس اسماً من أسماء الله تعالى؛ لأن الدهر هو الأيام والليالي، والأيام والليالي ليس فيها مدح ولا كمال ولا جمال، فلا يصح أن يقال: إن من أسماء الله تعالى الدهر، ولهذا يبين الحديث نفسه بنفسه، فإنه قال: (وأنا الدهر أقلب الليل والنهار) يعني: أن الله عز وجل خالق الدهر وهو مالكه، وهذا يدل على بطلان عقيدة الدَهرية أو الدُهرية يصح بالفتح والضم الذين يقولون: مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24]، فأسماء الله سبحانه وتعالى كلها تدل على معان وتتضمن معاني، والعقل يدل على ذلك أيضاً، فإنه لا يسمى العليم إلا لمن كان لديه علم، ولا يسمى البصير إلا لمن كان لديه بصر، ولا يسمى السميع إلا لمن كان لديه سمع، ولا يسمى الجبار إلا لمن كان لديه جبروت، فمن كانت لديه هذه المعاني سمي بهذه الأسماء، ومن لم تكن لديه هذه المعاني فإنه لا يسمى بها؛ فإن للأسماء أسباباً.
الأمر الأول: تدل على ذات الله عز وجل.
الأمر الثاني: تدل على صفاته؛ لأنه كما سبق أن قلنا: إن كل اسم يتضمن صفة من الصفات.
الأمر الثالث: إذا كان معناها متعدياً فإنها يكون لها أحكام تخصها. فالقدير يدل على ذات الله سبحانه وتعالى، ويدل على صفة القدرة، ويدل أيضاً على ملكه سبحانه وتعالى للعباد، وقدرته على التأثير فيهم وعلى تبديل أحوالهم وشئونهم، ولهذا أخذ بعض العلماء مسائل فقهية من بعض نصوص الأسماء الحسنى، يقول الله عز وجل: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:34]، فالذين يكونون من قطاع الطرق تكون عليهم حدود، لكن إن تابوا قبل أن يضبطوا فإنهم لا يطالبون بالحدود السابقة، أخذ ذلك الحكم من وصف الغفور الرحيم، الذي يدل على مغفرة الله عز وجل لسابق أحوالهم، ورحمته سبحانه وتعالى فيما سبق من أعمالهم، وهذا يدل على أن من أحكام الأسماء الحسنى بعض المسائل العقدية أو الفقهية، فإن أسماء الله عز وجل لها أحكام، وأسماء الله عز وجل تدل بمفردها على معنى، وتدل إذا اقترنت على معنى آخر، مثلاً: نجد الاقتران الكثير بين اسم الله عز وجل العزيز والحكيم، فهذا له مدلول خاص وهو أن عزة الله عز وجل مرتبطة بحكمته، فإنه لا يظلم سبحانه وتعالى، وهكذا السميع البصير، وهكذا بقية أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته.
أما ما يتعلق بقواعد الصفات فإن الصفات كما سبق أن أشرنا لها ثلاثة مصادر:
المصدر الأول: أن تكون الآيات صريحة في الدلالة على الصفة.
المصدر الثاني: أسماء الله عز وجل، فكل أسماء الله تدل على صفاته.
المصدر الثالث: أفعال الله سبحانه وتعالى، فإن أفعال الله عز وجل جزء من الصفات كما سيأتي الإشارة إليه بإذن الله تعالى.
باعتبار الأدلة على صفات الله عز وجل سبق أن أشرنا إلى قاعدة مهمة جداً عموماً، وهي: أن مسائل العقيدة يدل عليها العقل كما يدل عليها السمع، ولا يصح أن نجعل الدليل العقلي قسيماً للدليل الشرعي؛ لأن بعض الناس عند عرضه للأدلة يقول: الأدلة الشرعية، ثم يستعرض الأدلة من الكتاب والسنة ثم يقول: الأدلة العقلية، فهذه المقابلة بين الدليل الشرعي والدليل العقلي بهذه الطريقة مقابلة غير صحيحة؛ لأنه يفهم منها أن الأدلة الشرعية لا تتضمن أدلة عقلية برهانية مقنعة، وهذا فهم خاطئ، فإن النصوص الشرعية في ذاتها فيها أدلة عقلية برهانية مقنعة على كافة مسائل العقيدة، سواء على مسائل الربوبية، أو الألوهية، أو الأسماء والصفات، أو المعاد، أو النبوات، كل هذه المسائل التي هي أصول العقيدة هناك أدلة عقلية تدل عليها، وقد أكثر منها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه العظيم (درء تعارض العقل والنقل) وفي كتابه الآخر (نقض التأسيس) فإن أهل الكلام ظنوا أن الأدلة الشرعية لا تتضمن أدلة برهانية عقلية، فأخذوا في اختراع الأدلة التي يتوقعون أنها تقنع الملاحدة أو تقنع الخصوم؛ لأن الخصم كما يقول التفتازاني : لا يذعن للنصوص الشرعية، فأنت عندما تأتي إلى خصم مثلاً من النصارى أو من الملحدين أو من أي ملة من ملل المشركين وتقول له: قال الله تعالى، يقول: أنا أصلاً لا أعترف بنبوة محمد حتى تستدل علي بما جاء به من الأخبار عن الله تعالى، فأرادوا مواجهة أصحاب الزندقة وأصحاب أهل الشرك فاخترعوا أدلة عقلية، يتصورون أن هذه الأدلة العقلية كافية في إقناع الآخرين، فصارت هذه الأدلة العقلية لها لوازم التزموها أثرت على مسائل العقيدة في فهمهم، فنفوا من أجلها الصفات، وانحرفوا في دلائل النبوات، وانحرفوا أيضاً في الاستدلال على قضايا البعث والمعاد، مع أن هذه من أساسيات العقيدة، ومن الأمور التي يجب أن يكون توضيح القرآن لها بشكل واسع وكبير، ولهذا ينبغي دائماً أن نجعل في أنفسنا أن القرآن والسنة مليئان بالأدلة العقلية، فهذا حصين أبو عمران الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقنعه بطريقة برهانية بسيطة وسهلة يفهمها أي أحد، ليس فيها تعقيد، وليس فيها تطويل، وليس فيها مراحل حتى تصل إلى المقتضى، وليس فيها غموض، بل هي قضية بسيطة سهلة جداً قال: (كم تعبد؟ قال: أعبد سبعة: واحد في السماء وستة في الأرض. قال: فمن لحاجتك وضرك ونفعك وما تريد؟ قال: الذي في السماء، قال: إذاً اعبد الذي في السماء واترك الذي في الأرض) فاقتنع الرجل فأسلم مباشرة، وهكذا تجد أن القرآن عندما يستدل على الذين ينكرون البعث يستدل عليهم بالخلق الأول، يعني: أن القادر على الخلق الأول قادر على الإعادة مرة أخرى، من ذلك قوله تعالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ [يس:78]، وذلك عندما جاء بالعظم وفته وقال: هل يحيي الله عز وجل هذه العظام بعد أن صارت رميماً؟! فقال الله عز وجل: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ [يس:78] يعني: نسي أنه لم يكن هناك عظم أصلاً، وأن هذا العظم تكون ولم يكن هناك لحم، فتكون هذا اللحم ولم تكن هناك روح في هذا العظم واللحم، فتكون هذه الروح في العظم واللحم فصار إنساناً حياً، فهل إذا طرأ عليه طارئ جديد وهو الموت، وأصبحت عظامه بهذه الصورة بحيث يمكن للإنسان أن يفته، هل يعني هذا أن الذي أنشأه أول مرة غير قادر على إعادته مرة أخرى؟ هذا في أي منطق يكون؟ هذا أمر غير مقبول عقلاً، وقد سبق معكم في أدلة توحيد الألوهية أن الله عز وجل بين توحيد الألوهية بياناً برهانياً واضحاً بيناً، وأن هذا الاستدلال كان عقلياً منطقياً ليس فيه أي إشكال، بل إنه سهل وقريب من الأشخاص.
الشاهد: أن من صفات الله عز وجل ما يدل العقل عليها ويمكن معرفتها بالعقل، وهناك من الصفات ما لا يمكن معرفتها إلا بالشرع، فمن الصفات التي يمكن للإنسان أن يعرفها بالعقل حتى لو لم يكن هناك أدلة شرعية عليها، مع أن الأدلة الشرعية دلت عليها أيضاً: صفة الحياة، قال تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] فهو الحي، والصفة التي تؤخذ منه الحياة؛ لأنه يستحيل أن يكون إلهاً إلا ويكون حياً؛ لأن الميت أو الذي لا يقبل الحياة والموت مثل: الجدار لا يصح أن يكون إلهاً، وقد ذكر الله عز وجل بطلان عبادة الأصنام بكونها لا تخلق، وبكونها أمواتاً غير أحياء، وبكونها لا تسمع، يقول الله عز وجل حكاية عن إبراهيم: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [مريم:42] هذه أدلة عقلية، ولهذا عندما حطم إبراهيم أصنامهم وعلق الفأس على الكبير من أجل أن يكون مدار النقاش: قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ [الأنبياء:63] فماذا قالوا له؟ قالوا: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ [الأنبياء:65]، يعني: أنت تعلم أن هؤلاء لا ينطقون، وفي بداية الأمر رجعوا إلى أنفسهم وقالوا: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ [الأنبياء:64-65] يعني: أدركتهم سنة الجاهلية ووسوسة الشيطان، فرجعوا إلى العادات والتقاليد التي يحتجون بها دائماً وفي كل حال.
الشاهد من هذا الأمر: هو أن الإله لابد أن يكون حياً، ولابد أن يكون عليماً، فلا يتصور أن يكون إلهاً بدون علم، ولابد أن يكون مريداً؛ لأنه الذي يملك التخصيص في الحياة، فيخص هؤلاء بوصف أو بكيفية أو بحال أو بزمان أو بمكان، ويخص بعض خلقه بمكان أو بحال أو بزمان أو بشيء من الأشياء، فالإرادة أيضاً يمكن الاستدلال العقلي عليها.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: إن السمع والبصر أيضاً داخل في الاستدلال العقلي، بل إن العفو والمغفرة والعقوبة داخلة؛ لأن الإحسان يدل على وجود صفة العفو والمغفرة، والانتقام من الظالمين يدل على وجود صفة العقوبة، وهذا من الاستدلال بالأثر على المؤثر، الأثر العفو أو الإحسان على الخلق، هذا مريض يشفى، وهذا إنسان فقير يغتني، وهذا إنسان يحصل له الخير بدعائه لله سبحانه وتعالى، هذا أثر، وهذا الأثر يدل على وجود مؤثر، ووجود هذه الصفة في المؤثر، وكذلك الحال في العكس في مجال العقوبة ومجال الانتقام.
وكذلك التوحيد من أوصاف الله سبحانه وتعالى، وقد سبق أن قلنا: إن الأدلة العقلية تدل على أن الله عز وجل يجب أن يوحد في ربوبيته وألوهيته وكذلك في أسمائه وصفاته، وقد زعم الرازي وهو من علماء الكلام الكبار المتأخرين أن التوحيد دليله سمعي وليس بدليل عقلي، مع أن أئمة الكلام المتقدمين أمثال: الجويني والأشعري وعلماء المعتزلة الكبار السابقين كانوا يحاولون أن يجعلوا للتوحيد دليلاً عقلياً مقنعاً، ورجعوا إلى القرآن فأخذوا منه آية، وحاولوا أن يستدلوا بها على دليل التمانع المشهور الذي سبق أن أشرنا إليه، وحاولوا أن يجعلوا التوحيد من القضايا العقدية التي يدل عليها العقل، وحاولوا أيضاً أن يرجعوا إلى النصوص الشرعية في الاستدلال بها، مع أنهم في كثير من الأحيان يقولون: إن النصوص تدل على مجرد الخبر المحض دون أن تتضمن أدلة عقلية برهانية، يقول الله عز وجل: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22] ظنوا أن هذه الآية تدل على دليل التمانع المشهور الذي يستدلون به على الوحدانية، ولا شك أن مقتضى دليل التمانع ونهاية دليل التمانع مختلف تماماً عن مقتضى هذه الآية ودلالة هذه الآية، مع أن صيغة هذه الآية جاءت في الألوهية؛ لأنه قال: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ يعني: لو كان فيهما معبودات غير الله لَفَسَدَتَا، والفساد يدل على الوجود، ثم طرأ الفساد عليه بعد ذلك؛ لأن الفساد فرع عن الوجود؛ ولأنه لا يمكن أن يوصف بالفساد ما لم يكن موجوداً، بينما مقتضى دليل التمانع يدل على أنه لا يوجد؛ لأنهم يقولون: إنك لو فرضت وجود إلهين متساويين في الصفات والأفعال فإنه إذا أراد أحدهما تحريك جسم وأراد الآخر تسكينه فإما أن تنفذ إرادة الاثنين وهذا مستحيل؛ لأنه سيجتمع المتناقضان وهذا مستحيل، يعني: يجتمع في الجسم الواحد حركة وسكون في وقت واحد هذا مستحيل، وإما أن يخلو الجسم من إرادة كل واحد منهما وهذا مستحيل في ذاته، ويدل على بطلان الإلهين؛ لأنه كل واحد منع الآخر فلم يصبح هذا إلهاً ولم يصبح هذا أيضاً إلهاً، وهذا أمر أيضاً مستحيل، وإما أن تنفذ إرادة أحدهما، فإذا نفذت إرادة أحدهما فإنه يكون هو الإله، وما عداه فليس بإله، بل مألوه للذي غلبه والذي استطاع أن يقهره، فمقتضى الدليل أن الخلق لا يوجد في حالة افتراض وجود إلهين، بينما الآية تدل على أنه الافتراض هو وجود آلهة مع وجود مخلوقات، لكن الافتراض هذا الذي هو وجود آلهة يقتضي فساد المخلوقات، قال: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22] يعني: لو افترضنا وجود السماوات والأرض ثم افترضنا وجود آلهة مع الله سبحانه وتعالى، فإنه لابد أن يكون هناك فساد سيحل بالسماء والأرض؛ لأن وجود آلهة من دون الله سبحانه وتعالى يستلزم أن يكون كل واحد منهما له شريعة وله خلق وله تدبير، ويستلزم أن يكون هناك شرائع متعددة ومختلفة في وقت واحد في عالم واحد، وهذا أمر في غاية الاستحالة، فإنه لو كانت هناك شرائع مختلفة لفسد أمر العالم، ولم يكن هناك مجال لصلاحه، والإنسان عندما ينظر إلى العالم وينظر إلى انتظامه، وينظر إلى أن هذا العالم مستقر، وأن هذا العالم وحدة واحدة، وأن مدبره واحد، وأنه ليس هناك تناقض ولا تعاند ولا تضارب فيه، كل هذا يدل على أن مدبره واحد، والآمر فيه واحد، والمشرع فيه واحد، وهو الله سبحانه وتعالى.
إذاً: هناك أدلة عقلية تدل على الصفات مع وجود الأدلة الشرعية، وهناك أيضاً أدلة سمعية.
مثال الصفات التي لا يمكن الاستدلال عليها إلا بالسمع: الاستواء، والمجيء، والإتيان، والضحك.. ونحو ذلك فهذه من الصفات التي لا يمكن الاستدلال عليها إلا بالنص الشرعي المسموع الذي جاء به الصادق عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، هذا من حيث الأدلة.
أما بالنسبة لصفات الله عز وجل فقد سبق أن أشرنا إلى أنها تنقسم إلى قسمين:
صفات ذاتية: وهي التي لا تنفك عن الله عز وجل بأي وجه من الوجوه، ولا تعلق لها بالإرادة.
وصفات فعلية: وهي الصفات المتعلقة بإرادة الله عز وجل، وقد تسمى الصفات الاختيارية، وقد تسمى الصفات الإرادية، وقد تسمى الصفات الفعلية.
وهذه الصفات الذاتية والصفات الاختيارية والفعلية أثبتها أهل السنة والجماعة، كما وردت في النصوص، ويمكن أن نمثل للصفات الذاتية بالعلم، والحياة، والإرادة، ويمكن أن نمثل للصفات الفعلية بالضحك، والنزول، والاستواء، والغضب.. ونحو ذلك.
من الصفات الذاتية أيضاً: صفة العينين، واليدين، والقدم.. ونحو ذلك أما الصفات الاختيارية فإنهم يقسمونها إلى قسمين: صفات لازمة، وصفات متعدية.
الصفات اللازمة: هي الصفات الخاصة بالله سبحانه وتعالى، وليس لها تعد على بقية المخلوقات، مثل: الاستواء، ومثل: الضحك.
والصفات المتعدية مثل: الخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، والانتقام.. ونحو ذلك من الصفات التي يكون لها أثر على المخلوق، لكن الحقيقة التي ينبغي أن ندركها هي أن الصفات الذاتية والصفات الفعلية لا بد أن يكون هناك ارتباط بينها وبين المخلوقات، ولهذا سبق أن أشرنا إلى أن لقيط بن صبرة في الحديث الطويل: (جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، قال: يا رسول الله أو يضحك الرب؟! قال: نعم. قال: لن نعدم من رب يضحك خيراً). فأخذ منها فائدة سلوكية وتربوية إيمانية عظيمة: وهي الرجاء، وهي من أعظم أعمال الإيمان كما هو معلوم؛ لأن الخوف والرجاء لا يتم إيمان الإنسان إلا بهما مع المحبة، ولهذا قال مكحول : من عبد الله بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد الله بالخوف والرجاء والحب فهو المؤمن الموحد. رواه أبو نعيم في الحلية، وإسناده حسن.
إذاً: هذا التقسيم لصفات الله عز وجل يجعلنا نحدد كل صفة من صفات الله عز وجل، وأنها داخلة تحت هذا التقسيم، فصفة العلم غير داخلة تحت الإرادة، وصفة الاستواء داخلة تحت الإرادة، وقد أنكر أهل الكلام الضالين من الأشعرية والماتريدية الصفات الذاتية، بالذات المتأخرين منهم أنكروا الصفات الذاتية، باعتبار أن هذه الصفات تستلزم التركيب، وأنكروا الصفات الاختيارية؛ لأنها تستلزم الحدود، والتركيب والحدود مصطلحات جديدة ذات معان خاصة جاءوا بها، وقد سبق أن أشرنا إلى القاعدة في باب المصطلحات، ومتى نقبل هذه المصطلحات، ومتى نرد هذه المصطلحات، ولم يبق الأشعرية من الصفات إلا سبع صفات يسمونها: صفات المعاني أو الصفات العقلية، ومع هذا فهم انحرفوا في طريقة إثباتها، وانحرفوا في فهمهم لهذه الصفات.
وهناك كتاب كبير اسمه (القواعد الكلية للأسماء والصفات) تأليف الدكتور إبراهيم البريكان ، والكتاب في الجملة على منهج السلف وكتاب طيب ومفيد، إلا أنه استخدم عبارات أهل الكلام في مواطن، وأخذ تقسيماتهم في مواطن، فقد كان يرجع إلى شرح الجوهرة مثلاً أو غيرها، وأحياناً قد يعبر عن القاعدة بتعبير فيه تعقيد، فالكتاب في الجملة لا بأس به، لكن ينبغي ملاحظة هذه الأشياء أثناء قراءة هذه الكتب.
أيضاً من الكتب المفيدة في تفصيل أسماء الله الحسنى: كتاب (النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى) للشيخ محمد الحمود ، وهو من أفضل الكتب في هذا الباب؛ لأن الكثير من علماء الأشاعرة كتبوا في شرح أسماء الله الحسنى، فهذا الغزالي له كتاب اسمه (المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى)، والحليمي له (المنهاج في شعب الإيمان) وقد تحدث عن موضوع أسماء الله الحسنى كثيراً، وأيضاً الرازي له (الآيات البينات في شرح أسماء الله الحسنى والصفات)، وأيضاً البيهقي له كتاب (الأسماء والصفات) و(شرح الأسماء الحسنى) لـأبي القاسم القشيري ، هذه الكتب كلها فيها فوائد، لكنها شرحت بالطريقة الأشعرية في تناول صفات الله تعالى، فمثلاً: إذا جاءوا إلى اسم العلي والأعلى يثبتون علو القدر، وعلو المكانة، لكنهم لا يثبتون علو الذات وينفونه، فهم يقولون: هو عال في مكانته وقدره ومنزلته، فإذا جاءوا إلى علو المكان فإنهم ينفونه عن الله تعالى ولا يثبتونه، ويقولون: إن هذا يستلزم الجهة، والجهة مصطلح من المصطلحات التي تدخل في سياق المصطلحات التي أشرنا إلى القاعدة فيها.
ومن الكتب المناسبة في الصفات كتاب للأستاذ علوي عبد القادر السقاف اسمه " صفات الله تعالى الواردة في الكتاب والسنة " في مجلد، رتب الصفات على حروف المعجم، ويأتي بالصفة ثم يأتي بالدليل عليها من القرآن والدليل من السنة، وينقل نصاً واحداً من نصوص السلف فيها، والكتاب قيم إلى درجة كبيرة ومفيد، فينبغي الرجوع إليه.
في اللقاء القادم بإذن الله سنتحدث عن الإيمان من حيث حقيقة الإيمان، ومن حيث زيادة الإيمان ونقصانه، ومن حيث نواقض الإيمان بإذن الله تعالى.
إذاً: مقتضى دليل التمانع ونتيجته هي نفي وجود إلهين متكافئين في الصفات والأفعال، ولا توجد أمة أصلاً في الدنيا تثبت أن هناك إلهين يتكافآن في الصفات والأفعال، وإنما يوجد عند بعض الأمم شرك في الربوبية، فالثانوية من المجوس يقولون بالأصلين: النور والظلمة، ويقولون: النور والظلمة قديمان، وليسا بمخلوقين محدثين، لكنهم يقولون: إن النور أفضل من الظلمة، وبعضهم يقول: إن النور قديم والظلمة محدثة، وأيضاً يتفقون على أن النور هو مصدر الخير، وهو الذي ينبغي التوجه له، وأن الظلمة مصدر الشر، وأنه ينبغي الحذر منها، وهكذا الصابئة الذين كانوا يعبدون النجوم قوم إبراهيم عليه السلام، فإنهم كانوا على نوعين: نوع يرون أن هذه النجوم التي في السماء ليست أجراماً سماوية محسوسة، وإنما هي عبارة عن نفس وروح مجتمعة نورانية، وأن هذه النفس والروح لها تأثير على المخلوقات، فبعضهم يقول: نحن نعبدها مباشرة، وهم أصحاب الهياكل، ولهذا هم من أعلم الناس بالنجوم؛ لأنهم يبنون هياكل ويعرفون أوقاتها وأنواعها وتصنيفاتها، ولها بخور خاص يتبخرون لها، ويتعبدون لهذه الكواكب، لكن يعتقدون أن هذه الأجرام التي هي عندهم عبارة عن أرواح وعقول تحت تدبير الإله الكبير، الذي لا يمكن أن يعبد مباشرة حسب زعمهم، وبعضهم يسمون أصحاب الأصنام، وهم الذي يقولون: إنه لا يمكن أن نعبد هذه الأجرام مباشرة، بل لابد أن نصنع أصناماً يمكن أن تقدم هذه المعبودات لهذه الهياكل أو هذه الأفلاك كما يسمونها.
وقد ناظر إبراهيم عليه السلام كلا الطائفتين، فأما طائفة عباد النجوم فأنتم تعرفون قصته عندما رأى كوكباً قال: هذا ربي، ثم لما رأى القمر بازغاً قال: هذا ربي، ثم لما رأى الشمس بازغة قال: هذا ربي، ثم قال: لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ [الأنعام:77] كما ورد في سورة الأنعام.
أيضاً عندما قال إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89] وذلك لأنهم يعتقدون أن هذه النجوم تؤثر في الناس فتمرض من تشاء، وتعافي من تشاء، وتغني من تشاء، وتفقر من تشاء، وهذا شرك في الربوبية، لكنه ليس شركاً باعتقاد أن هذه الأفلاك مشاركة لله عز وجل ومساوية له في الصفات والأفعال، كما هو مقتضى دليل التمانع الذي سبق أن أشرنا إليه.
وناظر أيضاً إبراهيم أصحاب الأصنام، وكان أبوه من الذين يصنعون الأصنام كما هو معلوم، وقد جاء إبراهيم في يوم عيدهم وهم منشغلون فحطم هذه الأصنام، وتعرفون القصة الواردة في هذا الموضوع.
الجواب: العصريون اسم لطائفة متعددة الأفكار، مختلفة التوجهات، يجمعهم رابط واحد هو تأويل وتحريف النصوص الشرعية؛ لتوافق الواقع المعاصر، فهم يرون أن الواقع المعاصر له مقتضيات وله خصائص تختلف عن بقية الأزمان الماضية، وأن هذا الواقع المعاصر وهذا الوضع الموجود لا يتلاءم أن نطبق فيه النصوص الشرعية الواردة بصورتها الواضحة في الكتاب والسنة، بل لا بد أن نتعامل معها بطريقة جديدة، تلاحظون أن هذا الكلام عام جداً، ولهذا تجد من يحرف النصوص تحريفاً يوصل إلى الكفر، ومنهم من لا يصل إلى هذه المرحلة، بل يأتي مثلاً لبعض المسائل فيما يتعلق باسترقاق الأسرى، ونحن في زمن حقوق الإنسان، فيقول: لو أننا وافقنا على أن الدين يسمح بالأسرى وأن يكون هناك رق، وأن يكون هناك بيع وشراء لهم؛ فإن هذا سيحرجنا عند زملائنا أو أصدقائنا الغربيين، وحينئذ يأتي هؤلاء العصريون ويتأولون هذه النصوص ويحرفونها، فمثلاً يقولون: إن الشريعة الإسلامية أصلاً لا تقر الرق، ولا تقر الأسر، لكن الشريعة الإسلامية لما كانت في وسط يقر هذه الأشياء وافقت عليه، لكن الآن نحن في وسط لا يعترف بها، وبناء على هذا فإن الشريعة لا تعترف بها أيضاً.
كذلك موضوع المرأة، وهو من الموضوعات العصرية؛ لأن العالم الغربي هو العالم المسيطر إعلامياً وعسكرياً وثقافياً، فصار كثير من الناس يؤول النصوص الشرعية ويحاول أن يأتي بفتاوى وأفكار توافق الوضع العالمي.
نقول: حتى لو كان العالم الغربي هو العالم المهيمن سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً فلا يعني هذا أني أبدل ديني من أجله، ديني كما هو ومنهجي كما هو لا يمكن أن أغيره، ولا يمكن أن أبدله حتى يوافق ما عندهم، وهذا الوضع العالمي يمكن أن أغير فيه ما أستطيع، أما محاولة تغيير النصوص فلا، فمثلاً من قضايا الواقع الصعبة الآن: قضية المرأة، أنتم تعرفون مذهب الغربيين في المرأة، المرأة عند الغربيين تعطى الحرية المطلقة، وأنه يمكن للمرأة أن تكون حاكمة، وأن تكون قائدة جيش، والآن وزيرة الدفاع الفرنسي امرأة، والمتحدثة الرسمية باسم البنتاجون امرأة، وهناك نساء طيارات يشتغلن في الجيش، ونساء يشتغلن في المدرعات في الجيش الأمريكي، ونساء يشتغلن سواء صف أول أو صف ثان فيما يتعلق بالحروب العسكرية سواء في المارينز أو في البحرية الأمريكية أو في غيرها، مذهب الغربيين في المرأة مذهب انفلاتي تام، المرأة عندهم لها الحرية المطلقة، ولهذا ينتشر عندهم مثلاً دور البغاء وأفلام الجنس وقنوات الجنس.
والغربيون تجاوزوا هذه المرحلة إلى تشريع الشذوذ الجنسي وتشريع الانحراف، فيجوزون مثلاً في قوانينهم: إباحة أن يتزوج الرجل رجلاً، يعني: الأسرة صورتها أن يتزوج رجل امرأة، ويكون هناك أولاد بينهما، لكن عندهم من الصور الجديدة أنه يصح للرجل أن يتزوج مخنثاً من المخنثين ويعيش معه، ويعتبرون هذه أسرة لها حقوق الأسرة، ويمنحها النظام كامل صلاحيات الأسرة المعروفة، وإذا تبنوا طفلاً بينهما فإنه يكون منسوباً إليهما جميعاً، بل في بعض الدول الغربية وصل بموضوع المرأة عندهم إلى درجة أنهم ينسبون الأطفال للنساء ولا ينسبونهم للرجال، ففي السويد يصبح الطفل ابن فلانة لا يصبح ابن فلان، ولو حصلت مشكلة بين شخص وبين زوجته فلها أن تطرده من البيت ويعيش في الشارع، وتذهب إلى الأحوال المدنية وتنسب الأولاد إليها وانتهى الموضوع، يصير الرجل بغير أولاد ولا بيت!
فهذا الوضع العالمي أثر على كثير من المنتسبين إلى الإسلام، فجاءوا يقولون: إن المرأة يجوز لها أن تكون رئيسة دولة، وماذا في هذا؟ وأن المرأة يجوز أن تكون قاضية، وأن المرأة يجوز أن تتولى كافة المناصب في البلاد الإسلامية، مع أن الحديث في صحيح البخاري نص صريح في الموضوع لا يوجد فيه إشكال: (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، وكلمة (قوم) تطلق على المجموعة القليلة والكبيرة، ولا خير فيهم إذا ولوا أمرهم امرأة؛ لأن النساء أضعف من الرجال في طبيعة الحال، ومع هذا قالوا: هذا الحديث غير صحيح، يعني: أبطلوا دلالة الحديث في صحيح البخاري ؛ بسبب الضغط العصري الموجود، ولهذا يا إخواني! المدرسة العصرية مدرسة كبيرة، والآراء الموجودة فيها آراء متباينة بعضها تصل إلى الكفر، وبعضها تصل إلى حد البدعة، وبعضها شذوذات في الأقوال، وبعضها اجتهادات، يعني: كل رأي يقوم بحسب الرأي الذي قاله وحسب صاحبه وحسب الدليل الذي استدل به، لكن أصولهم عموماً ترجع إلى أهل الكلام والمعتزلة بشكل خاص، الذين يعظمون العقل ويؤولون النصوص الشرعية من أجله، وبسبب أيضاً ضغط الواقع الذي أثر عليهم تأثيراً كبيراً، لكن هذه المدرسة العقلية أو المدرسة العصرية هي مدرسة فوضوية، ليست لها أصول محددة منضبطة يمكن للإنسان أن يناقشها شرعاً وعقلاً، وإنما هي أمور نفسية أكثر من كونها أموراً شرعية، ثم ينتج عن هذه الأمور النفسية آراء مختلفة ومتباينة ومتباعدة في كثير من الأحيان، لكن المحاور التي يدورون حولها دائماً هي القضايا العصرية: الموقف من الكفار، الموقف من الحضارات، الموقف من المرأة، من حقوق الإنسان، من هيئة الأمم المتحدة، من الربا، من المعاملات العصرية.. وهكذا، لكن في الجملة هم لا يملكون مشروعاً محدداً منضبطاً يمكن أن يطرحوه للناس ويدعوا الناس إليه، وإنما هم أشخاص يأتون بآراء فوضوية متعددة بحجة العصر، ولهذا يختلفون فتجد العصريين يرد بعضهم على بعض، واحد يقول لصاحبه: لا تحرف النصوص بهذه الطريقة؟ وهو من العصريين الذين يحرفون نصوصاً أخرى، فهم ليس عندهم ضابط بحيث يتفقون على أن هذه النصوص يمكن تحريفها وهذه لا يمكن تحريفها.
ويمكن مراجعة كتاب (العصريون ودعاوى التجديد) للأستاذ محمد حامد الناصر ، وهو كتاب ممتاز في هذا الباب.
الجواب: لا، الأسماء توقيفية، وهي أخبار أخبرنا الله عز وجل بها، لكن نحن لا نشتق من الصفات أسماء، بينما العكس وهو اشتقاق الصفات من الأسماء وارد، وهناك شيء آخر وهو الإخبار عن الله، يعني: عندنا اسم وصفة وخبر، فالإخبار هو أن تخبر عن الله بالمعنى الصحيح، يعني: نفترض أنك التقيت بمسلم جديد تريد أن تذكر له صفات الله عز وجل، فتخبره عن رحمة الله وعظمة الله ومكانة الله عز وجل، فيجوز التعبير بأي نوع من أنواع التعبير، لكن بشرط أن يكون المعنى صحيحاً، تحت اسم من أسماء الله أو صفة من صفات الله سبحانه وتعالى.
الجواب: أصلاً الذين ينفون صفة الضحك ينفون أيضاً صفة التعجب، ويقولون: إن هذه كلها مستحيلة على الله سبحانه وتعالى، وهم يثبتون لله من الصفات صفات أخرى نظير هذه الصفات.
الجواب: الاستدلال العقلي ممدوح ليس مذموماً، وينبغي ألا تكون هناك حساسية من الاستدلال العقلي؛ لأن الاستدلال العقلي في حد ذاته ممدوح، لكن أهم شيء أن يكون الاستدلال العقلي استدلالاً منضبطاً مع النصوص، لا يأتي إنسان ويركب دليلاً عقلياً قد اخترعه ثم يؤول النصوص الشرعية حتى توافق هذا الدليل، لا، هذا هو الانحراف الذي حصل عند علماء الكلام.
ويمكن أن تستدل بأي دليل عقلي صحيح يوصل إلى المطلوب، والأدلة العقلية الموجودة في النصوص هي أولى الأدلة في الاستدلال، لكن أن تأتي وتركب دليلاً عقلياً ثم تأتي إلى نصوص الشرع المطهر وتؤول معانيها وتغيرها وتحرفها بحجة الدليل العقلي، هذا هو الباطل وهذا هو الهوى، ولهذا سماه السلف أهواء، يعني: هذه ما هي أدلة عقلية هذه أهواء، كونك تضع لنفسك هوى معيناً ثم تأتي بالنصوص وتغير معانيها، لماذا تغير المعنى من أجل هذا الدليل العقلي؟ سبحان الله! هل يجب علينا أن نتبع هذا الدليل الذي جئت به؟ هات دليلاً موافقاً للنصوص نقبله، أما أن تأتي بدليل مخالف للنصوص بحجة العقل فلا؛ ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله في كثير من كتبه: إنه ما جاء هؤلاء بدليل ينسبونه إلى العقل إلا وكان العقل يدل على بطلانه.
فنحن لا ننكر الاستدلال العقلي، الاستدلال العقلي مطلوب وهو ممدوح، وأهل العقل والعقلاء ممدوحون في الشرع، لكن أهم شيء هو ألا تؤول النصوص، إذا سألك سائل: ما هو الفارق والفاصل بين الدليل العقلي الصحيح وبين الأهواء؟ تقول: موافقة الكتاب والسنة يعتبر دليلاً عقلياً، ومخالفة الكتاب والسنة يعتبر هوى ولا شك.
الجواب: لا أعرف هذا الحديث، لكن من القواعد التي يمكن أن تضيفوها: أن هناك صفات كاملة كمالاً محضاً مثل: العلم والقدرة، وهذه يصح أن يوصف الله عز وجل بها، وهناك صفات منقسمة، وهذه الصفات المنقسمة لا يصح أن يؤخذ منها أسماء لله عز وجل، مثل: الإرادة، قد تكون إرادة صحيحة وإرادة غير صحيحة، ومثل: الكلام، قد يكون كلاماً صحيحاً وكلاماً غير صحيح، فلا يصح أن يقال: المريد أو المتكلم، هذه ليست من صفات الله وليست من أسماء الله عز وجل، وإن كانت من صفاته.
أيضاً هناك صفات مقيدة مثل: المكر والكيد، فإن المكر هو من أفعال الله عز وجل عقوبة لأهل المكر، قال تعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ [الأنفال:30]، ولهذا دائماً تأتي مقيدة بفعل العبد، وقال عز وجل: يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق:15-16]، وقال سبحانه: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5]، هذه تسمى الصفات المرتبطة بشرط، فهذه الصفات يمكن أن يوصف الله عز وجل بها لكن بشرطها، فيقال: الله عز وجل يمكر بالكافرين، ويقال: يزيغ الله من زاغ عن الدين، وهكذا كل صفة من هذه الصفات يربط بما ربط الله عز وجل به هذه الصفة.
الجواب: أنصحكم بحفظ كتاب الله عز وجل بإتقان، والعناية بحفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والعناية بالعلم الشرعي اهتماماً كبيراً، والعناية أيضاً بالدعوة إلى الله عز وجل والإصلاح؛ لأن الإنسان لا يصح أن ينفع نفسه ويترك المجتمع من حوله، نحن بإمكاننا أن نقدم كثيراً من الإصلاح لمجتمعنا، سواء على مستوى زملائنا في المدرسة، أو على مستوى أقربائنا، أو على مستوى حينا، فإنكار المنكر من أعظم شعائر الدين، ومع هذا كثير من الناس اليوم مفرط فيه تفريطاً كبيراً، أنت تخرج الآن من الدرس فتجد إنساناً مثلاً مشغل الموسيقى، أو تجد مثلاً شاباً يغازل امرأة، وعندما تأتي السياحة في الصيف نرى منكرات كبيرة، فلماذا لا نتبرع كل اثنين من الشباب يذهبان إلى محل من المحلات، وينصحان هؤلاء الأشخاص بالرفق وبالتي هي أحسن وبأطيب أسلوب وبذكاء؟ لماذا لا تكون عندنا شجاعة أدبية، بحيث ننصح الآخرين ونقوم بتذكيرهم ووعظهم وإرشادهم وإقامة الحجة عليهم؟ أما أن يظن الإنسان أنه لا يستطيع أن ينكر المنكر، وغير قادر على مواجهة الآخرين، فلا شك أن هذا ضعف في الإنسان، وأنه ينبغي أن يتجاوزه، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الطاعات الشرعية؛ لأنها طاعة متعدية لمصلحة الخلق، فبالإضافة إلى حفظ الإنسان لكتاب الله، ودراسته للعلم وعنايته به، وحضوره لمجالس الذكر، لابد من التركيز على الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وينبغي أن يكون من برنامج الإنسان اليومي أن ينكر منكراً، يعني: لا تنام في يوم من الأيام إلا وتكون قد أنكرت منكراً، والمنكرات كثيرة في حياة المسلمين مع الأسف، لكن المشكلة أن دور كثير من المسلمين اليوم سلبي وليس إيجابياً، حتى لو كانت عندك أخطاء فلا يعني هذا أنك لا تنكر، إذا وجدت إنساناً لا يصلي حتى لو كنت حليقاً، حتى لو كانت عندك معاص؛ لأن الصلاة عمود الدين، والذي لا يصلي يكون من الكافرين، ولهذا يجب أن تنصحه، وأن تذكره بالله.
كذلك المحافظة على الأعراض مقصد من مقاصد الشريعة، فإن حفظ الأنساب والأعراض مقصد شرعي، والآن الزنا منتشر انتشاراً كبيراً جداً بشكل منظم، ودور البغاء أصبحت منتشرة انتشاراً كبيراً جداً، وكثير من الناس يدركون هذا الأمر، فلماذا لا يكون لدينا حملة تطهير للبلد من هؤلاء الفاسدين والفاسدات؟ بعض الاستراحات تتحول إلى مراقص، يأتي شخص فيستأجرها ويأتي بنساء ويرقصن ويغنين ويشربون الخمور والعياذ بالله، فالواجب هو أن يكون لنا موقف حازم من هذا الأمر، فإن المنكر إذا انتشر في أمة من الأمم، فإنه مؤذن بالهلاك العام والعياذ بالله، والله عز وجل يقول: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25] يعني: ستصيب الظالمين وتصيبنا نحن، هذه وسفينة المجتمع إذا خرقها هؤلاء ولم نأخذ على أيديهم ولم نمنعهم فإننا سنغرق معهم، فلا يصح أن يقول الإنسان: لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]؛ لأن من لوازم الاهتداء أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
أكتفي بهذا، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر