إسلام ويب

مجالس رمضان معاني إيمانية شريفةللشيخ : أحمد فريد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن دين الله عز وجل فيه معان عظيمة ومبادئ إسلامية راقية، ترقى بالمؤمن إلى أن يكون ذا عزة وعلو ورفعة على الكافرين، وخضوع وخشوع لله رب العالمين، وتواضع مع المؤمنين والصالحين.

    1.   

    معان وقيم إسلامية

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    ثم أما بعد:

    فهذه جملة من المعاني الإيمانية الكريمة الشريفة العظيمة، نلقي عليها بعض الضوء، حتى تزداد رسوخاً ووضوحاً في قلوب المؤمنين.

    التوكل على الله وتعليق القلب به تعالى

    من هذه المعاني الكريمة الشريفة العظيمة: أن المؤمن لا يجوز له أن يعلق قلبه بغير الله عز وجل، فالله تعالى أمرنا بأن نأخذ بالأسباب، وقال: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60]، وقال مع ذلك: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:126]، فالعبد يأخذ بالأسباب بجوارحه، ولكن يعلق قلبه بالله عز وجل، ولا يجوز له أن يعلق قلبه بغير الله، أو يرجو الخير من عند غير الله عز وجل.

    وهذا هو التوكل: أن ينتظر العبد بقلبه الخير من عند الله عز وجل، لا يرجو ذلك من عند المخلوقين.

    وهذا يجعله يسأل الحوائج بعزة النفس؛ فإن الأمور تجري بالمقادير، والنبي صلى الله عليه وسلم علّم حبر الأمة ابن عباس بأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء لن ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، وإن اجتمعوا على أن يضروه بشيء لن يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه.

    الحب في الله والبغض في الله

    من هذه المعاني الشريفة الكريمة العظيمة: المحبة في الله والبغض في الله عز وجل، والموالاة في الله والمعادة في الله.

    فمن كمال حب الله عز وجل أن نحب الرسل الكرام، وأن نحب الملائكة الأطهار، وأن نحب العلماء، وأن نحب الدعاة إلى الله عز وجل، وأن نحب الملتزمين بشرع الله عز وجل، فهذا أمر لا يتكلفه المؤمن، بل هو الثمرة الطبيعية لحب الله عز وجل، قال تعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة:22]، فلا يمكن أن يحب المؤمن كافراً وإن كان أباه أو أخاه أو ابنه أو زوجته؛ لأن من كمال حب الله أن نحب أولياءه، ومن كمال حب الله عز وجل كذلك أن نبغض أعداءه، فالحب في الله والبغض في الله، والموالاة في الله والمعاداة في الله من كمال حب الله عز وجل، وليس هناك أحد يُحب لذاته إلا الله عز وجل، حتى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم هي ثمرة من ثمرات محبة الله عز وجل؛ لأن الله تعالى اصطفاه وطهّره وجعله أكمل الخلق، وأرسله سراجاً منيراً وهداية للبشر، بل للإنس والجن، فليس هناك أحد يُحَب لذاته إلا الله عز وجل، أما محبة الأنبياء ومحبة الملائكة والأولياء فهي من تمام حب الله عز وجل.

    عزة المؤمن ومذلة الكافر

    من هذه المعاني الكريمة الشريفة العظيمة: أن المؤمن عزيز وأن الكافر ذليل.

    لأنه ليس هناك مصدر للعزة إلا الله عز وجل، فالله عز وجل هو العزيز، قال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10].

    كان الإمام أحمد يدعو ويقول: اللهم أعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك. فالكافر ذليل وإن كان رئيساً وإن كان أميراً، كما قال الحسن البصري: إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين، إن ذل المعصية لفي رقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه.

    بل كتب الله عز وجل في اللوح المحفوظ بأن الذلة والصغار على من خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (وجُعلت الذلة والصغار على من خالف أمري)، فكل من خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار والمنافقين والعصاة فهو ذليل، كل بحسب ما عنده من المخالفات.

    فالمؤمن عزيز والكافر ذليل، ولما جهل هذا المعنى الإيماني عبد الله بن أبي ابن سلول رأس النفاق، وقال في غزوة المريسيع (غزوة بني المصطلق): يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ [المنافقون:8] وظن أنه هو الأعز، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم -وحاشاه من ذلك- هو الأذل، لُقّن درساً عملياً تعلم به أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولكن المنافقين لا يعلمون، حيث أن ابنه عبد الله -وكان مؤمناً صادقاً- لما سمع هذه المقالة الفاجرة وقف على باب المدينة شاهراً سيفه والمسلمون يمرون من تحت سيفه، فلما أراد أبوه أن يدخل المدينة قال: والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى تعلم من الأعز ومن الأذل. وقف له ولده وكان من أبر الناس بأبيه، ومنعه من دخول المدينة حتى يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلم بذلك أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون.

    محبة الآباء والأبناء والإخوة والزوجات محبة طبيعية

    من هذه المعاني الكريمة الشريفة العظيمة: أن محبة الآباء والأبناء والإخوة والزوجات محبة طبيعية فطرية.

    فالكافر يحب ابنه، وكذلك المؤمن يحب أباه ويحب ابنه ويحب زوجته، فهذه محبة طبيعية فطرية يقرها شرع الإسلام، ولكن الإسلام يهذبها، ولا يجيز لهذه المحبة الفطرية أو الطبيعية أن تزداد؛ فتكون هذه المحبة أكثر من حب المؤمن لله عز وجل أو لرسوله صلى الله عليه وسلم، أو للجهاد في سبيل الله، وإنما كان كذلك حتى يتحقق البذل وتتحقق التضحية، وحتى لا يعز المؤمن شيئاً على الله عز وجل، وحتى يبذل المؤمن كل شيء من أجل أن تعلو راية الله عز وجل، قال الله تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24]، فالله عز وجل تهدد كل من يحب أباه أو ابنه أو أخاه أو زوجته أو ماله أو تجارته أو داره أكثر من حبه لله عز وجل، أو لرسوله صلى الله عليه وسلم أو للجهاد في سبيل الله، تهدده بقوله: فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [التوبة:24] وفسّقهم في نهاية الآية بقوله: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24]، فهذه بديهية من بديهيات الإسلام صارت اليوم -لغربة الإسلام- من الغرائب، بل صار المسلمون يضحون بدينهم من أجل أن تسلم لهم دنياهم، ويبخلون بالبذل في سبيل الله عز وجل، ولم يكن السلف كذلك، بل كان الواحد منهم يرحب بأن يندق عنقه ولا يُسلم دينه، كما أسرت قريش خبيب بن عدي وعذّبوه عذاباً شديداً، وقالوا: أتود أن محمداً مكانك، وأنك معافى في أهلك ومالك؟ فقال: والله ما أحب أنني معافى في أهل ومالي ويُشاك محمد صلى الله عليه وسلم بشوكة.

    وفي ذلك قيل:

    أسرت قريشاً مسلماً فمضى بلا وجل إلى السياف

    سألوه: هل يرضيك أنك سالم ولك النبي فدى من الإتلاف؟

    فأجاب: كلا لا سلمت من الردى ويُصاب أنف محمد برعاف

    ولما أرادوا قتله أنشأ يقول:

    ولست أبالي حين أُقتل مسلماً على أي شق كان في الله مصرعي

    ما دام في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أشلاء شلو ممزع

    مات يوم أحد زوج امرأة وأبوها وأخوها، فقالت: كيف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقيل لها: هو على خير ما تحبين، قالت: دعوني أنظر إليه، فلما نظرت إليه قالت: كل مصيبة دونك جلل يا رسول الله!

    فهي لا تبالي إذا مات زوجها وأبوها وأخوها ما دام قد سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يفدون الإسلام ورسول الإسلام بآبائهم وأمهاتهم وأبنائهم.

    فهذه الروح هي التي ارتفع بها الإسلام، وعلا بها دين الملك العلّام، ولكن المسلمين اليوم عباد الله يبخلون بالبذل في سبيل الله عز وجل، ولا يبالي الواحد منهم إذا سلم في نفسه وماله وأهله صارت الدولة للإسلام أو لأعداء الملك العلّام، وصار الناس يتحاكمون إلى شرع الرحمن أو إلى الطواغيت اللئام، فينبغي على العبد أن يفدي دين الإسلام بنفسه، فالله عز وجل يقول: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]، فينبغي أن يكون حب المؤمن لله عز وجل أكثر من حبه للآباء والأبناء والإخوة والزوجات.

    من هذه المعاني الإيمانية الكريمة العظيمة: أن نعتقد أن النصر قادم، وأن جولة الإسلام قادمة، ولا بد كما قال الله عز وجل: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47].

    كان الصحابة رضي الله عنهم يعذّبون في ربوع مكة، والنبي صلى الله عليه وسلم يبشرهم بالنصر والتمكين، ويقول: (والذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله) وفي رواية: (والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون)، ونزل قول الله عز وجل: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [القمر:45] وتحقق هذا الوعد الصادق في أول لقاء بين الكفر والإيمان في يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان، فهزم جمع الكفر وولوا الدبر.

    وكان عند الصحابة ثقة بنصر الله عز وجل، حتى كان المنافقون والذين في قلوبهم مرض يتّهمون الصحابة الصادقين بالغرور، قال تعالى: إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:49] فمن ثقة الصحابة بنصر الله ووعده كانوا يتهمونه بالغرور، وكان خالد بن الوليد يقول للروم وقد تحصّنوا بالحصون: أيها الروم انزلوا إلينا فوالله لو كنتم معلّقين في السحاب لرفعنا الله إليكم أو لأنزلكم إلينا.

    فينبغي للمسلمين أن يكونوا على ثقة بنصر الله ووعده سبحانه، وأن دولة الإسلام قادمة، وأن جولة الإسلام قادمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله في هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر).

    علو الهمة والتنافس في درجات الآخرة

    من هذه المعاني الإيمانية الكريمة الشريفة العظيمة: أن المؤمن ينبغي أن يكون عالي الهمة فلا يرضى بالدون، ولا يبيع الأعلى بالأدنى بيع الخاسر المغبون.

    لا ينافس في حطام الدنيا، بل ينافس في درجات الآخرة، قال تعالى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26]؛ لأن الدنيا كلها لا تعدل عند الله جناح بعوضة، ولو كانت تعدل جناح بعوضة لما سقى كافراً منها شربة ماء، فالمؤمن ينبغي أن يكون عالي الهمة يطمع في جنة الله، بل في أعلى درجات الجنة.

    وقد كان الصحابة رضي الله عنهم الذين رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عندهم علو في الهمة، فقد سأله أحد الصحابة الكرام، وكان يكنى بـأبي فراس . قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (سلني، فقال: أسألك مرافقتك في الجنة) فهو طلب أن يكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، قال: (أو غير ذلك؟ قال: بل هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وسقفه عرش الرحمن) فالعبد عندما يدعو ويطمع في رحمة الله لا يرجو أن يكون آخر من يدخل الجنة، أو يكون في أدنى درجات الجنة، بل يطمع أن يكون في أعلى الدرجات، وفي الفردوس الذي سقفه عرش الرحمن.

    نسأل الله تعالى الفردوس.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756451409