إسلام ويب

مجالس رمضان قيمة الزمنللشيخ : أحمد فريد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الوقت من أعظم نعم الله على عبده، فينبغي استغلاله في طاعة الله والتزود للقائه، فبالاجتهاد في الأوقات فاز المجدون، وسبقوا إلى رضوان الله وجنات النعيم، وبتضييع الأوقات خسر المبطلون واللاهون، وتأخروا في السباق، وفاتهم الركب.

    1.   

    أهمية الوقت وأدلته من الكتاب والسنة

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    ثم أما بعد:

    فإن نعمة العمر والأوقات واللحظات والأنفاس يغفل عن قيمتها كثير من الناس، وبما أننا في زمن طيب مبارك فينبغي لنا أن نعرف قيمة الزمن والوقت والعمر؛ لأن أكثر الناس لا يعرف قيمة عمره ووقته وساعاته وأنفاسه.

    قال الله عز وجل: وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:33-34]، فتسخير ساعات الليل والنهار من أجل أن نملأ هذه الساعات بالطاعات، ومن أجل أن نسابق الأوقات بالطاعات نعمة من الله عز وجل.

    وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:62].

    قال بعض السلف: من فاته طاعة الله عز وجل بالنهار كان له من أول الليل مستعتب، ومن فاته طاعة الله عز وجل بالليل كان له من أول النهار مستعتب.

    والله عز وجل أقسم بالفجر وأقسم بالعصر وأقسم بالضحى وأقسم بالليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى، والله تعالى يقسم بما شاء من خلقه؛ من أجل أن يلفت أنظارنا إلى خطر المقسوم به، والعبد لا يجوز له أن يحلف بغير الله (ومن حلف بغير الله فقد كفر أو أشر).

    قال الله عز وجل: وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ [الفجر:1-3]. وَالْفَجْرِ [الفجر:1] هنا هو فجر يوم النحر، وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:2] هي العشر الأول من شهر ذي الحجة، وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ [الفجر:3] الشفع: هو يوم النحر، والوتر: هو يوم عرفة.

    وقال عز وجل: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].

    وقال عز وجل وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:1-3].

    وقال عز وجل: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى [الليل:1-3].

    فالله تعالى أقسم بالزمن وبالوقت وبالعصر وبالضحى وبالفجر وبالليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى من أجل أن يبين لنا قيمة الزمن وقيمة العمر.

    كما دلت الأحاديث النبوية الشريفة على ما دلت عليه هذه الآيات القرآنية الكريمة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ). والمغبون هو: الذي باع شيئاً بأقل من ثمنه، أو اشترى شيئاً بأكثر من ثمنه، فمن باع سيارة مثلاً تساوي عشرة آلاف بخمسة آلاف فهو مغبون؛ لأنه أضاع حظه، وكذلك من اشترى سيارة تساوي خمسة آلاف بعشرة آلاف فهو أيضاً مغبون.

    فأكثر الناس مغبون في شيئين: في الصحة والفراغ؛ لأنهم لم يعرفوا قيمتها.

    ويوم القيامة هو يوم التغابن؛ لكثرة المغبونين في هذا اليوم، ولم يكن الغبن في يوم القيامة، ولكن يظهر مقدار الغبن وعدد المغبونين يوم القيامة، فمن أسماء يوم القيامة أنه يوم التغابن.

    فالزمن نعمة من الله عز وجل.

    1.   

    الأمور الدالة على أهمية استغلال الوقت

    دل على خطر الوقت والنَّفَس ثلاثة أمور:

    الأمر الأول: أنه لو تاجر العبد مع ربه عز وجل في كل نفس من أنفاسه لربح على الله عز وجل أعظم الأرباح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن فإنكم تؤجرون عليه، أما إني لا أقول: ألف لام ميم حرف، ولكن ألف عشر ولام عشر وميم عشر).

    وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غرست له بها نخلة في الجنة)، وقال: (من قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] حتى يختمها عشر مرات بني له قصر في الجنة). فكل نفس جوهرة لو تاجر به العبد مع الله عز وجل.

    الأمر الثاني الذي يدل على خطر الوقت والأنفاس أن الأنفاس التي قدرها الله عز وجل لنا عددها مغيب عنا، كما قال الحسن البصري : المبادرة المبادرة! فإنما هي الأنفاس لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تتقربون بها إلى الله عز وجل، رحم الله امرأ نظر في نفسه ثم بكى على عدد ذنوبه، ثم قرأ: إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا [مريم:84]. آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخولك في قبرك.

    فقوله: إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا [مريم:84] يعني: الأنفاس. أي: إن الله عز وجل قدر لكل عبد فينا عدداً محدداً من الأنفاس، فكلما تنفس نفساً سجل عليه هذا النفس، فيعد لكل واحد منا عد تنازلياً، كحال كل المشروعات العظيمة يحدد يوم للافتتاح، فكلما مضى يوم يقولون: بقي تسعة وعشرون يوماً، بقي ثمانية وعشرون يوماًن وهكذا حتى يصل إلى يوم الافتتاح.

    ونحن أيضاً كل إنسان فينا له عدد محدد مقدر في علم الله عز وجل، والملائكة تسجل عليه الأنفاس التي يتنفسها حتى يصل إلى آخر العدد، وعند ذلك خروج النفس وفراق الأهل ودخول القبر.

    فكون الأنفاس التي قدرها الله عز وجل لنا عددها مغيب عنا مما يدل على خطر الأوقات والأنفاس.

    والعبد إذاكان ماله بالمليارات فإنه لو أنفق الآلاف لا يؤثر كثيراً في رأس ماله، بخلاف من ماله بالآلاف، فإنه لو أنفق الآلاف لأثر ذلك في رأس ماله، ونحن لا ندري مقدار رأس المال، فتضييع الأوقات في غير الطاعات مخاطرة خاصة أننا لا ندري مقدار الباقي من أنفاسنا.

    الأمر الثالث: أن كل نفس ينفق في غير طاعة الله عز وجل قد يكون آخر الأنفاس.

    يا من بدنياه انشغل وغره طول الأمل

    الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل

    فأي نفس ينفق في غير طاعة الله عز وجل قد يكون آخر الأنفاس، والعبرة بالخواتيم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالخواتيم)، أي: إن عاقبة العبد تتعلق بخاتمته، فمن ختم له بعمل من أعمال أهل الجنة دخل الجنة، ومن ختم له بعمل من أعمال أهل النار دخل النار والعياذ بالله. فالأعمال بالخواتيم.

    كم من وجوه خاشعة وقع على قصص أعمالها! عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ [الغاشية:3]، كم من قارب مركبه ساحل النجاة فلما هم أن يرتقي لعب به الموج فغرق! كل العباد تحت هذا الخطر، (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء)، وليس العجب ممن هلك كيف هلك، إنما العجب ممن نجا كيف نجا.

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها).

    1.   

    من قصص السلف في المحافظة على أوقاتهم

    كان السلف رضي الله عنهم أحرص الناس على أوقاتهم، وكانوا يبخلون بالوقت والنفس أن ينفق في غير طاعة الله عز وجل، وكانوا أشد بخلاً بذلك من أشد الناس بخلاً بماله.

    وكانوا يعدون خصال الخير ويبكون على أنفسهم إن فاتهم شيء منها.

    دخل بعضهم على عابد مريض فنظر إلى قدميه وبكى وقال: ما اغبرتا في سبيل الله.

    وقال أحدهم: أعد ثلاثين خصلة من خصال الخير ليس في شيء منها.

    وقال بعضهم لأحد العلماء: قف أكلمك، فقال: أوقف الشمس، أوقف الشمس.

    وكان أحد العلماء إذا زاره الناس وجلسوا عنده وأطالوا الجلوس قال: أما تريدون أن تقوموا؟! إن ملك الشمس يجرها لا يفتر.

    فكانوا يجتهدون في طاعة الله عز وجل ولا يفوتون وقتاً بغير طاعة، فملئوا حياتهم عبادة وطاعة لله عز وجل، بل وتمنوا لو أنهم واصلوا العبادة بعد الموت، كما كان ثابت البناني يقول: يا رب! إن أذنت لأحد أن يصلي في قبره فأذن لي.

    وكان يزيد الرقاشي يبكي ويقول: يا يزيد ! من يبكي بعد لك، من يترضى ربك عنك.

    ودخلوا على الجنيد وكان يصلي وكان في النزع فقالوا له: الآن! قال: الآن تطوى صحيفتي.

    ودخلوا على أبي بكر النهشلي وكان صائماً وكان في النزع فقالوا له: اشرب قليلاً من الماء، فقال: حتى تغرب الشمس.

    وبكى أحد الصالحين عند موته فسئل عن سبب بكائه فقال: أبكي لأن يصوم الصائمون ولست فيهم، ويصلي المصلون ولست فيهم. فهو يبكي لأنه يفارق الدنيا فيصوم الصائمون وليس هو فيهم، ويصلي المصلون وليس هو فيهم، ونحن والله في الدنيا يصوم الصائمون ولسنا فيهم، ويصلي المصلون ولسنا فيهم.

    فأين وصفنا من هذه الأوصاف؟ وأين شجرة الزيتون من شجر الصفصاف؟ لقد قام القوم وقعدنا، وجدوا في الجد وهزلنا، ما بيننا وبين القوم إلا كما بين اليقظة والنوم.

    لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم ليس السليم إذا مشى كالمقعد

    فأماكن تعبدهم باكية، ومواطن خلواتهم لفقدهم شاكية، زال التعب وبقي الأجر، ذهب ليل النصب وطلع الفجر، يا ديار الأحباب! أين السكان؟ يا منازل العارفين! أين القطان؟ يا أطلال الوجد! أين البنيان؟

    إن كنت تنوح يا حمام البان للبين فأين شاهد الأحزان

    أجفانك للدموع أم أجفاني لا يقبل مدع بلا برهان

    ونحن إنما ينطبق علينا -عباد الله- قول القائل: يا من إذا تشبه بالصالحين فهو عنهم متباعد! وإذا تشبه بالمذنبين فحاله وحالهم واحد! يا من يسمع ما يلين الجوامد وطرفه جامد! وقلبه أقسى من الجلامد! إلى متى تدفع التقوى عن قلبك؟ وهل ينفع الطرق في حديد بارد؟!

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756461080