إسلام ويب

اكنزوا هذه الكلماتللشيخ : أحمد فريد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • خلق الله عز وجل الثقلين لعبادته وتوحيده، وشرع لهم العبادات التي ترتفع بها درجاتهم في الدنيا والآخرة، فعلى العبد المسلم أن يكثر من فعل الأعمال الصالحة، وأن يجتنب الأعمال المحرمة، وألا ينافس أهل الدنيا في دنياهم؛ حتى ينجو في الدنيا والآخرة.

    1.   

    فضل الأعمال الصالحة

    الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزز بعظمة الربوبية، القائم على نفوس العالم بآجالها، العالم بتقلبها وأحوالها، المان عليهم بتوافر آلائه، والمتفضل عليهم بسوابغ نعمائه، الذي خلق الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير، وأنشأ البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بحكمته إرادته، وألهمهم حسن الإطلاق، وركب فيهم تشعب الأخلاق، فهم على طبقات أقدارهم يمشون، وفيما قضي وقدر عليهم يهيمون، وكل حزب بما لديهم فرحون.

    وأشهد أن لا إله إلا الله خالق السماوات العلى، ومنشئ الأرضين والثرى، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

    أشهد أن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى، بعثه بالنور المضي والأمر المرضي على حين فترة من الرسل، ودروس من السبل، فدمغ به الطغيان، وأظهر به الإيمان، ورفع دينه على سائر الأديان، فصلى الله عليه وسلم وبارك ما دار في السماء فلك، وما سبح في الملكوت ملك، وسلم تسليماً.

    أما بعد:

    عباد الله! إن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.

    روى الإمام أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم؛ إنك أنت علام الغيوب).

    قوله: (إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات)، هذه الكلمات من الباقيات الصالحات، والباقيات الصالحات ينتفع بها العبد في الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف:46].

    وقال عز وجل: مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل:96].

    فكل ما كان من الباقيات الصالحات ومن الأعمال الصالحة فهو أنفع مما يفنى ومما يذهب، فالمال والبنون من زينة الدنيا، ولكن الباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً: مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل:96].

    روي أن سليمان بن داود عليهما السلام مر ومعه الإنس والجن والطير على حراث -أي: يحرث الأرض- فقال الحراث: ما أعظم ما أوتي سليمان بن داود. فقال له سليمان: تسبيحة خير من ملك سليمان؛ التسبيحة تبقى وملك سليمان لا يبقى.

    فما عند الله عز وجل خير، فينبغي على العبد إذا تسابق الناس إلى الذهب والفضة أن يتسابق إلى طاعة الله عز وجل.

    قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: نعم كنز المؤمن البقرة وآل عمران، يقوم بها من آخر الليل، وخواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش، ولا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة. فإذا كنز الناس الذهب والفضة فينبغي على المؤمن أن يكنز طاعة الله عز وجل.

    وفي بعض الإسرائيليات: (نعم كنز المؤمن ربه). أي: أن المؤمن يكنز طاعة الله، ويكنز محبة الله عز وجل، ومن كان كنزه ربه عز وجل -أي: طاعة ربه وخشية ربه والتوكل على ربه- فإنه يأمن من العدم، ويأمن من الفاقة، ويأمن من المسكنة، ويأمن من الافتقار إلى أهل الدنيا، كما قال بعضهم: من كنز ربه عز وجل أمن من العدم، ومن لازم الباب أثبت في الخدم، ومن أكثر من ذكر الموت أكثر من الندم.

    فمن كنز ربه عز وجل أمن من العدم، أي: من الفاقة ومن الفقر؛ لأنه غني بالله عز وجل، مطمعه طاعة ربه عز وجل وطلب رضا ربه عز وجل.

    ومن لازم الباب أثبت في الخدم، أي: من داوم على طاعة الله عز وجل اصطفاه الله عز وجل فأثبت في الخدم.

    ومن أكثر ذكر الموت أكثر من الندم.

    1.   

    ذم الدنيا وعقوبة من لا يؤدي ما وجب عليه في ماله

    قال بعض السلف: بئس الرفيقان: الذهب والفضة، لا ينفعانك حتى يفارقانك. أي: أن العبد لا ينتفع بالذهب والفضة إلا إذا أنفقهما، فبئس الرفيقان هما.

    وقال بعضهم: إنما سمي الذهب ذهباً لأنه يذهب، وسميت الفضة فضة لأنها تنفض.

    ولما نزلت: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34-35] قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (تباً للذهب والفضة. فقال الصحابة رضي الله عنهم: فما يتخذ أحدنا يا رسول الله؟! قال: يتخذ قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجة صالحة).

    فهذا ما ينبغي أن يحرص عليه المؤمن: أن يملك قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجة صالحة؛ فإن ذلك خير من الذهب والفضة، فالذهب يذهب، الفضة تنفض، ولا يبقى إلا الإيمان والعمل الصالح.

    يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات). أي: إذا رأيتم الناس يكنزون الذهب والفضة.

    وما أدي زكاته فليس بكنز، ولكن الكنز الذي لا تؤدى زكاته، فالذي يجمع مالاً ولا يؤدي زكاته متوعد بهذه الآية الكريمة: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ [التوبة:34-35]، قالوا: لأنه إذا سئل حق الفقير يقطب جبينه فيكوى جبينه، ثم ينحرف قليلاً فيكوى جنبه، ثم يولي الفقير ظهره فيكوى ظهره، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:35].

    ورد في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا صفحت له يوم القيامة صفائح من نار، فيحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جبينه وجنبه وظهره، فإذا بردت أعيدت عليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى مكانه بعد ذلك إما إلى الجنة وإما إلى النار) أي: أن هذا من عذاب يوم القيامة، وله عذاب كذلك في الآخرة.

    وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من صاحب مال لا يؤدي زكاته إلا مثل له ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه، ثم يأخذ بلهزمتيه فيقول: أنا مالك، أنا كنزك، وتلا قوله عز وجل: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:180]) أي: أنه يمثل له ماله شجاعاً أقرع، أي: حية قد سقط شعر رأسها من كبر سنها وكثرة سمها.

    قوله: (له زبيبتان يطوقه) أي: يطوق رقبته أو وسطه.

    وقوله: (ثم يأخذ بلهزمتيه) أي: بشقيه.

    وقوله: (فيقول له: أنا مالك، أنا كنزك) وهذا العقاب لمن أخذ المال من الوجوه الحلال، ومنع الحقوق الواجبة، منع الزكاة الواجبة، ولم يصل في هذا المال رحمه، ولم ينفق في أوجه البر والخير، فهذه عقوبة مانع الزكاة يوم القيامة، فكيف بالذين تحصل لهم الأموال من الوجوه المحرمة، ويمنعون الحقوق الواجبة، لا شك أن عذابهم أشد من ذلك؛ لأنهم يعذبون على جمع المال من الوجوه المحرمة، ثم يعذبون كذلك على منع الحقوق الواجبة.

    (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا صفحت له يوم القيامة)، لا يعذب بها وهي بحجمها، وإنما تصفح له صفائح؛ حتى يكثر العذاب الذي يعذب به، ويحمى عليها في نار جهنم ويكوى بها جبينه وجنبه وظهره.

    وقيل: هذه الأماكن تكثر فيها مواضع الإحساس، ويغلظ فيها الجلد؛ حتى يشتد العذاب.

    1.   

    حاجة العبد إلى الثبات على الدين

    فإذا كنز الناس الذهب والفضة فما هي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما الواجب على المؤمن أن يكنزه؟ قال: (فليكنز أحدكم هذه الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد)، والثبات في الأمر أي: على الطاعة والتمسك بدين الله عز وجل.

    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب والأبصار صرف قلبي على طاعتك) فينبغي على العبد أن يسأل الله عز وجل الثبات على الأمر، والأمر هو طاعة الله عز وجل، والتمسك بدين الله عز وجل.

    والعبد يحتاج إلى الثبات على الأمر في ثلاثة مواضع: وهو في الدنيا يحتاج أن يسأل ربه الثبات على الأمر حتى يداوم على طاعة الله عز وجل.

    قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6].

    وقال الله عز وجل: مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ [العنكبوت:5].

    لم يدع الله عز وجل للمؤمن حداً دون الموت: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] فمن سار في طريق العبادة إلى الله عز وجل لا يقف، ولا يلتفت؛ لأنه لو فعل ذلك انقطع، فينبغي عليه أن يداوم على طاعة الله عز وجل، وكان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أدومه وإن قل، أحب العمل إلى الله عز وجل أدومه وإن قل، وكان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديمة، أي: إذا عمل شيئاً من الخير يداوم عليه، فالله عز وجل يحب أن يديم فضله، وأن يوالي إحسانه، فيحب من العبد أن يداوم على طاعة الله عز وجل حتى يدوم عليه الفضل من الله عز وجل، وحتى لا ينقطع عنه الخير من الله عز وجل.

    فيحتاج العبد إلى الثبات على الأمر وهو في الدنيا، قال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] قال بعض السلف: الذين قالوا: (ربنا الله) كثير، والذين استقاموا قليل.

    وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] يقول: اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة.

    فالعبد يحتاج أن يتوكل على الله عز وجل، ويحتاج معونة الله عز وجل؛ حتى يستمر على الاستقامة، فكيف يأمن من أمره بيد غيره؟ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [المائدة:17] كم هلك مثلك؟ قال أبو الدرداء : ما أهون العباد على الله عز وجل إذا عصوه.

    وكان الحسن يكثر البكاء ويقول: أخاف أن يطرحني في النار ولا يبالي، أخاف أن يطرحني في النار ولا يبالي، أخاف أن يطرحني في النار ولا يبالي: فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [المائدة:17].

    فينبغي على العبد أن يداوم على طاعة الله عز وجل، فهذا هو الثبات في الأمر، قال الله عز وجل: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا [النساء:66-70].

    فالعبد إذا فعل ما أمر الله عز وجل به وما أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم فهو على خير، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا [النساء:66]، فالعبد إذا أطاع الله عز وجل ثبته الله عز وجل على طاعته، ومن أدخل أسباب الفتنة على نفسه أولاً لم ينج آخراً وإن كان جاهلاً، فمن تهاون في تنفيذ أوامر الله ومن عصا الله عز وجل فقد أسباب الثبات.

    قال عز وجل : وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [النساء:66] أي: في الدنيا والآخرة، وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا [النساء:66] على طاعة الله عز وجل وعلى طريق الله عز وجل.

    وقال عز وجل: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى [مريم:76].

    وقال سبحانه: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد:17].

    فالله عز وجل يزيد أهل الإيمان إيماناً إذا اجتهدوا في طاعة الله عز وجل: وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [المدثر:31].

    قال عز وجل: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:66-68] والصراط المستقيم أن توفق إلى العلم النافع والعمل الصالح، أن توفق إلى معرفة ما يحبه الله عز وجل ويرضاه، وأن تفعل ما يحبه الله عز وجل ويرضاه: وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:68].

    ثم قال عز وجل: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69] لأنه كان معهم بالمحبة في الدنيا وبالموالاة في الدنيا، عمل عملهم وأحبهم واقتفى أثرهم فهو معهم كذلك في الآخرة.

    فهذا هو الفضل العظيم، ليس كنز الفضة، وليست المسابقة إلى شهوات الدنيا الدنية وأعراضها الفانية.

    فينبغي على العبد أن تكون همته عالية، لا يرضى بالدون، ولا يبيع الأعلى بالأدنى بيع الخاسر المغبون، المؤمن ليس له همة دون الآخرة، قال تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].

    فالمؤمن ليس له آمال في الدنيا، بل آماله كلها في الآخرة، ويرجو رحمة الله، ويرجو جنة الله، ويرجو صحبة النبيين والشهداء والصديقين والصالحين في الآخرة، همته أعلى من الدنيا، كما نصح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فقال: (من سأل الله الجنة فليسأله الفردوس؛ فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وسقفه عرش الرحمن).

    فهذا الثبات في الدنيا عباد الله! أن يثبت المؤمن على طاعة الله عز وجل، يحتاج إلى الثبات كذلك عند الموت: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] يحتاج أن يوفق إلى لا إله إلا الله، أن يموت على عمل من أعمال الجنة، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما الأعمال بالخواتيم) كما قال: (إن الأعمال بالنيات) أي: أن الأعمال مهما كانت صالحة فإنه لا ينتفع بها العبد في الآخرة حتى تتوفر النيات الصالحة.

    قال: (إنما الأعمال بالخواتيم) فمهما كان عملك صالحاً فإنك لا تنجو في الآخرة حتى يختم لك بخير، وحتى يختم لك بعمل من أعمال أهل الجنة، فالرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. فما أصعب العمى بعد البصيرة! وأصعب منه الضلالة بعد الهدى! والمعصية بعد التقى!

    كم من وجوه خاشعة عاملة ناصبة، تصلى ناراً حامية! وكم من قارب مركبه ساحل النجاة، فلما هم أن يرتقي لعب به موج فغرق، كل العباد تحت هذا الخطر، قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فكيف يأمن من قلبه بين أصبعين؟ وكيف يأمن من أمره بيد غيره؟ وكيف يأمن من لا يدري بما يختم له؟ هل يختم له بعمل من أعمال أهل الجنة، أو عمل من أعمال أهل النار؟ والعياذ بالله!

    يحتاج العبد كذلك إلى الثبات بعد الموت وهو في قبره إذا أتاه الملكان ينتهرانه ويجلسانه، وهذان الملكان أسودان أزرقان بيدهما المطارق فيقولون: من ربك؟ ما دينك؟ ما قولك في الرجل الذي بعث فيكم؟ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما أحد يقف عليه ملك إلا هيل) أي: يفزع فلا يستطيع أن يجيب، فالعبد في قبره يأتيه هذان الملكان فيجلسانه فيسألانه في قبره. قال عز وجل: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27].

    هو عند ذلك لا إرادة له ولا عزيمة له على الرشد؛ لأنه في قبره مرتهن بعمله، فالله عز وجل يثبت عند ذلك من يشاء بالقول الثابت، يثبت الله عز وجل الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فمن كان له في الدنيا عمل صالح وسعي في طاعة الله عز وجل يثبت عند ذلك، فكيف تثبت المتبرجة المتهتكة التي تفتن غيرها؟ كيف تثبت في قبرها؟ وكيف يثبت من يسب دين الله عز وجل؟ وبم يثبت من يجلس أمام لوحة النرد أو الشطرنج؟ وكيف يثبت من يقضي عمره أمام الفيديو أو التلفاز أو استقبال البث المباشر؟ وكيف يثبت من أنفق حياته في غير طاعة الله عز وجل؟ والعبد ليس له عند ذلك إرادة، ولكن الله عز وجل يثبت من يشاء، يثبت أهل الإيمان بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

    فيحتاج العبد إلى الثبات وهو في قبره بعد أن تفارق روحه بدنه، ولكن الذي يثبته الله عز وجل هو الذي يثبت، والذي لا يثبته الله عز وجل أين يجد الثبات؟ ومن يثبته إذا لم يثبته الله عز وجل؟. نزل في سؤال القبر: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27].

    نسأل الله عز وجل أن يثبتنا بالقول الثابت، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    1.   

    العزيمة على الرشد

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً، وأسألك لساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب).

    تكلمنا عن الثبات في الأمر، فما هي العزيمة على الرشد؟ العزيمة هي القصد الجازم والإرادة الجازمة على الرشد، والرشد هو طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى) فالرشد طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    وقال عز وجل: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ [الحجرات:7] وعكس الرشد عباد الله! هو الغي، فالرشد أن تعلم الحق وأن تقوم به، وأن تعمل به، وأن يكون عندك عزيمة على العمل بالرشد، والغي أن تعرف الحق الحق ولكنك لا تفعل الحق وتقصد غيره.

    أما الضلال فأنت لا تهتدي إلى الحق ولا تعرف الحق أصلاً.

    فالرشد هو أن تعرف الحق وتعمل به، والغي أن تعرف الحق ولا تعمل به، والضلال ألا تعرف الحق أصلاً.

    فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمرنا أن نسأل الله عز وجل الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، أي: العزم الجازم على طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    والعزيمة على الرشد عزيمتان: عزيمة في البدايات، وعزيمة في النهايات.

    أما عزيمة البداية فأن يعزم العبد على الرشد فيترك الكفر إلى الإيمان، أو يترك المعصية إلى التوبة والمداومة على طاعة الرحمن عز وجل.

    أما النوع الثاني من العزيمة على الرشد: أن يعزم أن يترقى من حال كامل إلى حال أكمل، فهو دائماً عازم على الرشد، عازم على أن يزداد طاعة لله عز وجل واستجابة لأمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

    فهذه عزيمة النهايات، وإذا عزم العبد على ترك المعاصي أتته الفتوح من الله عز وجل، وأتته الإمدادات من الله عز وجل، وأتاه العون من الله عز وجل على قدر عزيمته.

    على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم

    فينبغي على العبد أن يعزم على طاعة الله عز وجل، وأن يكون له منهجاً تربوياً يترقى به من تلاوة القرآن، ومن قيام الليل، ومن المحافظة على الأذكار.. وغير ذلك، يترقى من حال كامل إلى حال أكمل، يصطحب معه العزيمة على الرشد يترقى بها في طاعة الله عز وجل.

    ومن كنز ربه عز وجل أمن من العدم، ومن لازم الباب أثبت في الخدم، ومن أكثر ذكر الموت أكثر من الندم. فلابد من العزيمة على الرشد، وأفاضل رسل الله عز وجل جعلهم أولي العزم من الرسل؛ لأن عندهم عزيمة في الدعوة إلى الله عز وجل، وفي القيام بطاعة الله عز وجل، وفي ترك معصية الله عز وجل.

    صور من عزيمة عمر بن عبد العزيز رحمه الله

    هذا عمر بن عبد العزيز ولي الخلافة سنتين وبضعة أشهر فغير وجه الأرض؛ لأنه عزم على الرشد منذ تولى الخلافة، فلما فرغ من دفن سليمان بن عبد الملك قربت له مراكب الخلافة والموكب من أجل أن يرجع به، فقال: ما هذا؟ فقيل له: مراكب الخلافة، فقال لهم: نحوها عني، ائتوني ببغلتي. فركب بغلته.

    ولما أرادوا أن يمشوا من أمامه ومن خلفه قال: إنما أنا رجل من المسلمين، تنحوا عني، ثم أراد أن يقسم المظالم، وكان قد دخل في القائلة وكان قد سهر مع مرض سليمان وشغل بدفنه، فأراد أن يقسم المظالم فقال: أبقى إلى الظهر وأقسم المظالم بعد صلاة الظهر، فلما كان في وقت القائلة دخل عليه ولده عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ، وابنه هذا قيل فيه: لو عاش هذا الرجل لكان خيراً من أبيه، فقال له عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز : لماذا لا ترد المظالم؟ فقال: إذا صليت الظهر رددت المظالم. فقال: وكيف لك أن تعيش إلى صلاة الظهر؟ وقال له: وإن عشت إلى صلاة الظهر فكيف لك أن تبقى نيتك. أي: أن العبد إذا أراد خيراً فينبغي عليه أن يبادر بالخير؛ لأنه قد يحال بينه وبينه، أو يفقد العزيمة على الرشد ويفقد النية على الطاعة فيفقد الخير؛ فالتأني في كل أمر خير إلا ما كان من أمر الآخرة، فينبغي على العبد أن يسارع ويبادر.

    فنادى: الصلاة جامعة، ورد المظالم في وقت القيلولة وقبل صلاة الظهر، فاستقام على طاعة الله عز وجل وزهد في الدنيا وأقبل على الآخرة، وكان قلبه يمتلئ بالخوف من الله عز وجل، لم يرغب في أموال الرعية، ولم يفتح الحسابات في البنوك، وفي مرض وفاته دخل عليه مسلمة بن عبد الملك ابن عمه فقال لأخته فاطمة بنت عبد الملك -وهي زوجة عمر -: غيروا قميص أمير المؤمنين. فقالت: نفعل إن شاء الله، ثم أتى مسلمة في اليوم التالي فقال: ألم آمركم أن تغيروا قميص أمير المؤمنين؟! فقالت: والله! ما له قميص غيره! ينطبق عليه قول القائل:

    قوم إذا غسلوا الثياب لبسوا البيوت وزرروا الأبواب

    طلب غلام لـعمر بن عبد العزيز من مولاته فاطمة بنت عبد الملك أن تطعمه، فأطعمته عدساً، ثم في اليوم التالي طلب أن تطعمه فأطعمته عدساً، فقال: كل يوم عدس؟ فقالت له: هذا طعام مولاك أمير المؤمنين!

    بلغ عمر بن عبد العزيز أن أحد أولاده اشترى فصاً بألف درهم من أجل أن يجعله خاتماً، فأرسل إليه عمر يقول له: عزمت عليك لما بعت هذا الفص واشتريت فصاً بدرهم وكتبت عليه: رحم الله امرأً عرف قدر نفسه.

    في السلف أسوة وقدوة في العزيمة على الرشد، والعزيمة على طاعة الله عز وجل والاستمرار على طاعة الله عز وجل، فمهما عزم العبد على الاستمرار على طاعة الله عز وجل أتته الأمداد من الله عز وجل، وأعانه الله عز وجل.

    1.   

    شكر الله عز وجل

    قوله: (وأسألك شكر نعمتك) الشكر هو: الثناء على المنعم بما أولاكه من معروف. والشكر يدور على ثلاثة أركان: على القلب واللسان والجوارح. فالقلب لمعرفة النعمة ومعرفة المنعم عز وجل بهذه النعمة، واللسان للتحدث بالنعمة: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11].

    والجوارح للقيام بطاعة الله عز وجل: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم ساقاه وحتى تتفطر قدماه، (فيقال له: أتفعل ذلك وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً؟) فكان هذا العمل شكراً لله عز وجل.

    من الشكر كذلك أن تشكر من أتت النعمة على يديه، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله عز وجل.

    1.   

    حسن العبادة

    قوله: (وحسن عبادتك) وحسن العبادة يكون نتيجة للوصول إلى درجة الإحسان، فالإحسان هو: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. ومن حسن إسلامه غفر الله عز وجل له ما مضى وما سلف من الذنوب، ومن لم يحسن إسلامه أخذ بما مضى وما بقى، يؤاخذ بالأول والآخر، ومن حسن إسلامه يكافأ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، ولا يكافأ بالسيئة إلا بمثلها.

    فالأعمال تتفاضل بحسب ما في قلوب أصحابها من تقوى لله عز وجل، فكم من قائم محروم! وكم من نائم مرحوم! هذا قام وقلبه كان فاجراً، وهذا نام وقلبه كان عامراً.

    يقول أبو الدرداء : يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم، كيف يغبنون به قيام الحمقاء وصومهم؟ والذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال من عبادة المغترين، والرجلان يكونان في صف واحد يكبران خلف إمام واحد في وقت واحد ويسلمان في وقت واحد وما بين صلاتيهما كما بين السماء والأرض.

    كم بين أن تضرب الصلاة في وجهه وتقول له: ضيعك الله كما ضيعتني، ومن يقبل الله عز وجل صلاته ويرفعه الله عز وجل بها درجات.

    1.   

    القلب السليم واللسان الصادق

    وقوله: (وأسألك قلباً سليماً) كما مدح الله عز وجل إبراهيم عليه السلام فقال: إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الصافات:84] أي: سليم من الشرك، سليم من البدع، سليم من الشهوات ومن الشبهات، سلم مما سوى الله عز وجل، وسلم من محبة غير الله عز وجل، فهو منقاد لما يحبه الله عز وجل ويرضاه، فلا يدخل أحد الجنة إلا من أتى الله بقلب سليم، كما قال عز وجل: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].

    وقوله: (ولساناً صادقاً) كما نصح النبي صلى الله عليه وسلم بالصدق وقال: (فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار) وإذا ملك العبد قلباً سليماً ولساناً صادقاً فهذا هو المسلم الذي سلم المسلمون من لسانه ويده.

    والكذب أصل النفاق، ولذلك عندما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صفات المنافقين قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب) فبدأ بصفة الكذب؛ لأنه كاذب في ادعائه الإيمان، كاذب في إظهار أن في قلبه إيماناً، وكاذب في عمله وفي أقواله. فالكذب أصل النفاق.

    وقوله: (وأسألك قلباً سليماً ولساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم) كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الدعاء الذي يجمع كثيراً من الخير، كما قال: (اللهم إني أسألك فواتح الخير وخواتمه) فكان يسأل الله عز وجل فواتح الخير وخواتمه، فيسأل الله عز وجل من خير ما يعلم، لأن ما يعلمه الله عز وجل أكبر مما يعلمه العبد، فأنت قد تعلم أشياء وتظن أنها من الخير، والله عز وجل يعلم أن الخير أكثر من ذلك.

    فهذه الوصية الجامعة من عمل بها واستقام عليها عاش حياة الرضا وحياة الإيمان، وعاش حياة طيبة ينقلب منها إلى سعادة أبدية سرمدية، بخلاف من يكنز الذهب والفضة، فمن كنز هذه الكلمات نجا في الدنيا والآخرة، وسعد في الدنيا والآخرة.

    1.   

    فضل الاستغفار

    قوله: (وأستغفرك لما أعلم) ختمها بالاستغفار، كما قال الله عز وجل: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3].

    وقال: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:199].

    وقال صلى الله عليه وسلم في كفارة المجلس: (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك) فالعبد المؤمن دائماً يختم دعاءه ويختم أعماله الصالحة بالاستغفار، فهو لا يمن على الله عز وجل وعلى عباد الله، فبعد أن يقضي عمله في طاعة الله عز وجل يجلس على بساط الذل والاستغفار.

    اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، ونسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، ونسألك قلباً سليماً ولساناً صادقاً، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب.

    اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، وأعل راية الحق والدين.

    اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بعز فاجعل عز الإسلام على يديه، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بكيد فكده يا رب العالمين، ورد كيده إلى نحره، واجعل تدبيره في تدميره.

    اللهم عجل بنصرك للمسلمين، اللهم أرنا في الكافرين عجائب قدرتك يا رب العالمين.

    اللهم عليك بالذين يصدون عن سبيلك، ولا يؤمنون برسلك، ويكذبون بوعدك، اللهم أنزل عليهم رجزك وغضبك وعذابك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

    اللهم عليك بالمنافقين والعلمانيين، اللهم طهر منهم البلاد، وأرح منهم العباد.

    اللهم ارفع عن بلاد المسلمين الغلاء والوباء والربا والزنا، وردهم إليك رداً جميلاً.

    وصلى الله وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756433681