إسلام ويب

تيسير أصول الفقه للمبتدئين - الدليل الرابع: القياسللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يعتبر القياس دليلاً شرعياً على الراجح من أقوال أهل العلم، وقد تناوله العلماء ضمن مواضيع أصول الفقه، فأوضحوا معناه، وبينوا حجيته بالكتاب والسنة والنظر، وتناولوا أيضاً أركانه وشروطه بشيء من الإسهاب، وذلك لما له من أهمية في أخذ الأحكام الشرعية منه.

    1.   

    تعريف القياس

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعد:

    فالدليل الرابع من أدلة الأحكام هو: القياس، وفيه خلاف خفيف.

    القياس لغة: التقدير والمساواة. يقال: قست الأرض بالمتر، أي: قدرتها به.

    ومن معاني القياس: التسوية بين شيئين، ويأتي أيضاً في بمعنى: الميزان، أي: الذي توزن به الأمور، كما قال الله تعالى: وَوَضَعَ الْمِيزَانَ [الرحمن:7] أي: الذي توزن به الأمور.

    والقياس في الاصطلاح: إلحاق فرع بأصل في حكم بجامع بينهما، أو لاشتراك علة بينهما.

    قوله: (إلحاق) أي: سأسوي الفرع بالأصل.

    (إلحاق فرع بأصل في حكم) بمعنى: إذا كان الأصل حكمه الوجوب فسيكون الفرع حكمه الوجوب، وإذا كان الأصل مستحباً فالفرع سيكون مستحباً، وإذا كان الأصل محرماً فالفرع يكون محرماً.

    فمثلاً: أقول: إن الذهب ربوي، يعني: أن الذهب بالذهب يحرم إلا بشرطين اثنين:

    الأول: التقابض في المجلس.

    الثاني: المساواة.

    فأقول: بالنسبة للدولار أو الجنيه، أو بالنسبة للدرهم أو الدينار يلحق بالذهب، فالدرهم والدينار فرع، والذهب والفضة أصل، لكن كيف أعرف أن هذا أصل؟ أعرف ذلك أن الأصل هو: الذي ثبت بالكتاب والسنة أو الإجماع، أما الذي يثبت بالقياس فليس بأصل، فثبت في السنة أن الذهب بالذهب ربا إلا بالشرطين السابقين، وأما الدرهم والدينار والورق أو الدولار أو الجنيه فلم يذكر أي واحد من هؤلاء في النص، فنقول: إن الدولار بالدولار أو الجنيه بالجنيه هذا فرع، فهل نلحقه بالأصل؟ الجواب: نعم، فنقول: يلحق الدولار بالدولار على الذهب بالذهب الذي هو الأصل، وهذا يعني أنه ربوي، ولا بد أن يتوفر فيه شرطان:

    الشرط الأول: المساواة، فيكون الدولار بدولار، وألف بألف، ولو كان ألف دولار بألف وواحد دولار فهذا ربا؛ لأنه لا بد المساواة.

    الشرط الثاني: التقابض في المجلس.

    إذاً: الفرع الذي هو العملة الورقية فرع ألحقته بالأصل، وهو الذهب بالذهب الذي ثبت في السنة.

    قال: (إلحاق فرع بأصل في الحكم) فحكم الذهب بالذهب حرام إلا بالمساواة والتقابض في المجلس.

    إذاً: يبقى حكم الدولار بالدولار حرام إلا بالمساواة والتقابض في المجلس، لكن لماذا يلحق الفرع بالأصل؟ الجواب: يلحق لاشتراكهما في العلة.

    وقد اختلف الفقهاء في علة الربا بالنسبة للذهب: فجمهور أهل العلم يرون أن العلة الثمنية أو غالب الثمنية؛ لأن هناك خلافاً طفيفاً بين أهل العلم؛ فالشافعية والحنابلة أو الشافعية والمالكية يرون أن هذه العلة قاصرة لا تتعدى إلى غيرها.

    بينما قال الأحناف والحنابلة: العلة في الذهب الوزن.

    والرأي الصحيح هو رأي الجمهور: أن العلة في الذهب أنها الثمنية أو غالب الثمنية.

    فلو قلنا بقول الأحناف والحنابلة فمعنى ذلك: أن الحديد بالحديد لا يجوز، إلا وزناً بوزن مثلاً بمثل، لأن الأحناف يرون أن الوزن هو العلة، فأي شيء موزون عندهم يكون ربوياً، ولا يجوز إلا مثلاً بمثل مع التقابض في المجلس.

    والصحيح الراجح: أن العلة هي الثمنية، فالعلة التي في الذهب الثمنية، والعلة في الجنيه والدولار الثمنية؛ لأنه ثمن للأشياء؛ إذ لا تشتري إلا بها، فالعلة اتفقت هنا، فالجامع بينهما علة الثمنية، فألحقنا حكم الدولار بالدولار بحكم الذهب بالذهب، ويشترط فيه شرطان حتى يصح: التقابض في المجلس، وأيضاً التساوي في العدد.

    1.   

    أركان القياس

    القياس له أركان أربعة:

    الركن الأول: الأصل.

    الركن الثاني: الفرع.

    الركن الثالث: الحكم.

    الركن الرابع: العلة.

    فالركن الأول: الأصل، وهو المقيس عليه، ويشترط في الأصل: أن يثبت بالنص، والنص: كتاب أو سنة أو إجماع.

    الركن الثاني: الفرع، وهو المقيس الذي نقيسه على الأصل.

    الركن الثالث: الحكم، والمراد به الأحكام الخمسة: واجب أو محرم...، فالمراد الحكم الذي اقتضاه الدليل الشرعي، فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب ربا إلا مثلاً بمثل يداً بيد) فهذا معناه: أن الذهب بالذهب مع التفاضل أو عدم التقابض ربا.

    فيكون حكمه هنا أنه حرام، فيكون الحكم هو: ما اقتضاه الدليل الشرعي من إباحة أو استحباب أو تحريم أو وجوب.

    الركن الرابع: العلة، وهي الوصف المناسب الذي من أجله وجد الحكم طرداً وعكساً.

    كأن تقول مثلاً: حرمت الخمر للونها الأصفر، يعني: لو وجدت خمر لونها أحمر أو أبيض فهل تحل؟ لا تحل، بل هي محرمة، إذاً: هذه ليست علة؛ لأن العلة تكون وجوداً وعدماً طرداً وعكساً، والوصف المناسب هو الإسكار، فالإسكار هو العلة لتحريم الخمر.

    ومعنى: (طرداً وعكساً) أي: إذا وجد الإسكار وجد التحريم، وإذا انتفى الإسكار انتفى التحريم.

    فمثلاً: الخمر محرمة بالنص، قال تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90] إلى أن قال: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91] إذاً: ثبت التحريم بالكتاب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (سيأتي زمان على أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)، وقال صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر حرام وكل مسكر خمر). فالمقصود: أن الخمر أصل ثبت تحريمه بالكتاب والسنة.

    والفرع: البيرة، إذ أنها ليست ثابتة لا بالكتاب ولا بالسنة، فهذا الفرع نريد أن نلحقه بالأصل، ونسويه به في الحكم، وهو الحرمة، فيكون حكم بيع البيرة أو شرب البيرة أو شراء البيرة حرام.

    فاستنتجنا هذا الحكم بجامع العلة، وهي الإسكار.

    فإن قيل: قد يشرب رجل زجاجة كبيرة فلا يسكر؟ فالجواب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيرة فقليلة حرام) إذاً: قليله حرام؛ لأن كثيره مسكر؛ فهذا تطبيق عملي للأركان الأربعة، وكيفية إلحاق الفرع بحكم الأصل.

    فإذا قيل: الخمر أصل، وعصير الموز فرع، فهل يلحق به؟ فنقول: إن عصير الموز لا يسكر، فالعلة منتفية فلا يلحق به.

    وإذا قلنا: الخمر أصل، وماء الشعير فرع، فهل يمكن أن ألحق هذا الفرع بالأصل؟

    فالجواب: لو تحققت علة الإسكار نلحقها بالخمر، فإن لم تحقق فإن الأصل في الأشياء الحل؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا [البقرة:168] فـ(ما) صيغة من صيغ العموم، فكل ما في الأرض حلال طيب، إلا ما فصل لكم وحرم عليكم فإنه يكون حراماً.

    1.   

    ذكر أدلة من قال بالقياس

    القياس حجة ودليل من أدلة الأحكام، وقد ثبتت حجية القياس بالكتاب والسنة والنظر.

    أما بالكتاب: فقد قال الله تعالى: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ [الحشر:2] فعندما ألحق الله العذاب ببني النضير قال لأهل الإسلام: اعتبروا يا أولي الأبصار! يعني: اعلموا أنكم لو فعلتم مثل فعلهم فسيكون العقاب نفس العقاب.

    فالأصل: بنو النضير، والفرع: المسلمون، والعلة: التعدي.

    وقال الله تعالى: وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ [الحج:5] ثم قال: إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى [فصلت:39]، فهنا قياس البعث في اليوم الآخر بإحياء الأرض بعد موتها، فالأصل: الأرض الميتة، نزل عليها الماء فاهتزت وربت؛ لأن الله أحياها بهذا الماء، والفرع: الإنسان، يموت فيبلى ويبقى عجب الذنب، فهذا الفرع نلحقه بالأصل، فيحيا كما أحيا الله الأرض، فإن السماء تمطر مطراً كالمني، فيأتي على عجب الذنب، ثم يقوم حياً مبعوثاً من قبل الله جل وعلا، فيبعثه الله ويحييه كما يحيى هذه الأرض.

    وأما الأدلة من السنة على إثبات القياس فهي كثير منها:

    ما ورد في الصحيحين عن ابن عباس : (أن امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج، أفأحج عنها؟ قال: أرأيت إن كان على أمك دين أكنت قاضية إياه؟ فقالت: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى).

    فقوله: (أرأيت) فيه ضرب مثل، وضرب الأمثال قياس، فالأصل: دين الآدمي على الآدمي، والفرع: دين الله، والحكم: وجوب قضاء الدين، والعلة: وجود الدين، والدين للآدمي فيه مطالبة، فلا بد أنك تقضي الدين، وأيضاً حق الله لابد من قضائه، وهذا قياس اسمه: قياس الأولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فدين الله أحق أن يقضى) أي: من باب أولى، وهذا اسمه قياس جلي.

    وفي حديث آخر: (جاء رجل مغضباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن امرأتي ولدت ولداً أسود) هو أبيض وامرأته بيضاء، وأتت بولد أسود، فالأمر فيه ريبة، فجاء يعرض بامرأته، وفيه دلالة على أن التعريض لا يقام بموجبه الحد؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات.

    فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ألك بعير؟ قال: نعم، قال: ما لونها؟ قال: حمر، فقال: أفيها أورق؟ - يعني: لونه مختلف- قال: إن فيها أورقاً، فقال: من أين هذا؟) يعني: إن كان هؤلاء حمراً، وهذا جاء: لون رصاصي، ولون مختلف عن اللون الأحمر، فمن أين جاء هذا اللون؟ (فقال: يا رسول الله! لعله نزعه عرق) يعني: جد البعير الكبير له نفس اللون، فنزع العرق منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وولدك لعله نزعه عرق) فهذا أيضاً قياس، فالأصل: الإبل المختلفة الألوان، والفرع: الآدمي، والحكم: أن الاختلاف في اللون لا يدل على الزنا، ولا يدل على أنه أصلاً أدخل عليه ما ليس منه.

    وعلة الإلحاق: العرق الموجود في الجلد أو في غيره.

    والمقصود: أنه بين له وضرب له مثلاً يجعله يعرف أن هذا ليس بزنا، وهذا من باب القياس.

    والصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقيسون الوقائع التي تنزل عليهم.

    مثال ذلك: ما ورد في الصحيحين عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه). فـابن عباس نظر فجعل العلة عدم القبض، فقال ابن عباس : (وأحسب كل شيء مثل الطعام، أو قال: أحسب كل شيء ينزل منزلة الطعام)، فقاس غير الطعام على الطعام.

    فلو أن رجلاً اشترى سيارة من معرض سيارات، فلما اشتراها تركها اتصل بوكالة، فباع لها السيارة، وصاحب الوكالة قال له: الشيكات عندي فابعث الوكيل أو الأجير الذي عندك ليأخذها، فبعثه فأخذ الشيكات والرجل في بيته، فذهب الرجل وأخذ السيارة، فهذا البيع لا يصح لعدم القبض.

    والقبض في المنقول أن ينقله، وفي الذي لا ينقل يكون القبض بالتخلية.

    ومعنى ذلك: أن المنقول -وهو الشيء الذي يحمل- يؤتي به إلى مجلس العقد، والسفن منقولة أيضاً لكن لأنها كبيرة جعلوها كغير المنقول، والعمارات والبنايات والشقق يكون القبض فيها بالتخلية، وذلك بأن تعطيه المفتاح.

    ففي المثال السابق لم يقبض السيارة فلا يصح البيع، فأنا أعرج على كلام ابن عباس : (أحسب كل شيء كالطعام)، إذاً: كل شيء يشترى -سيارة، حديد، مكينة- لا يباع حتى يقبض وحتى ينقل، وهذا قياس من ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه.

    وكذلك كثير من الصحابة كانوا يقيسون، وبعث عمر بن الخطاب بكتاب تلقته الأمة بالقبول إلى أبي موسى الأشعري ينصحه ببعض النصائح، ثم بين له القياس، فقال: (وعليك بالفهم).

    وكان بعض علمائنا يقول: الفهم كل العلم، أو الفهم شطر العلم.

    والفهم هو دقة النظر في الأدلة، وهذا هو الذي ينبغي على طالب العلم، ولذلك تجد في هذا العصر علماء يعلمون الحلال من الحرام لكنهم ليسوا بفقهاء، فهم علماء لكنهم ليسوا بفقهاء؛ لأنهم لا يدققون النظر، فالفهم عال جداً، فيرتقي به العالم عن العلماء أجمعين بدرجات، أما رأيت أن الله قد قدم سليمان عليه السلام على داود عليه السلام بسبب الفهم مع أنه قال: وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [الأنبياء:79].

    فقال عمر لـأبي موسى : (الفهم الفهم فيما يأتيك، وعليك بالنظير والنظير، يعني: إذا أتتك المسألة ولا تعرف لها دليلاً، فانظر إلى نظيرها من الشرع ثم قف عليه.

    و المزني تلميذ الشافعي صاحب (المختصر على الأم) قال: أجمع الفقهاء الذين رأيناهم على أن نظير الحق حق، ونظير الباطل باطل.

    فهذه أدلة من يقول بالقياس من الكتاب والسنة وآثار الصحابة ومن بعدهم.

    ومن النظر نقول: إن الله جل وعلا خلق الخلق، وشرع الشرائع من أجل التسهيل عليهم، ومن أجل تكميل مصالحهم، فمقاصد الشريعة جاءت بإكمال المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، فهذا مقصد من مقاصد الشريعة، والقياس يحقق هذا المقصد.

    ومن النظر أيضاً هناك مسائل كثيرة جداً لم تذكر في الكتاب ولا في السنة، فألمح الله للمجتهدين أن يقيسوا فقال: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83] فهذا الاستنباط هو من باب القياس.

    1.   

    ذكر أدلة من أنكر القياس

    لكن الإمام ابن حزم الظاهري سل السيوف وسن الرماح ليقطع رقاب من يقولون بالقياس، ومنهجه هو مثل منهج داود الظاهري ، لكن ابن حزم في كتابه (الإحكام) شد الحرب، وشنع على كل من يقول بالقياس، وهذا الرجل له حجة باهرة قوية جداً، لكن عند تدقيق النظر يعلم بطلان هذا القول، والمقصود: أن الذين ينكرون القياس يشنعون على من يقول بالقياس.

    ومن الأدلة التي استدلوا بها على رد القياس:

    الدليل الأول: قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1] فالله جل وعلا لم يقل في البيرة قولاً، والرسول لم يقل في البيرة قولاً، فإذا تكلمت في ذلك فأنت متقدم بين يدي الله ورسوله.

    الدليل الثاني: قال الله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:36] فأي شيء ستتكلم فيه بدون علم - والعلم عندهم هو: العلم اليقيني، أي: الكتاب أو السنة- فقد تكلمت من غير كتاب وسنة، فأنت ستقفو ما ليس لك به علم.

    الدليل الثالث: أن الصحابة ذموا القياس، ومنهم عمر بن الخطاب فإنه قال: (إياكم وأصحاب الرأي؛ فإنهم أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فتكلموا بالرأي). فذموا الرأي، وأهل الرأي هم أهل قياس.

    وأيضاً عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (إياكم والمكايلة)! قيل: وما المكايلة؟ قال: المقايسة. فحذرهم من القياس.

    وورد بسند صحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى بالمسح من ظاهره) لكننا نقف على الأثر، فهذا علي بن أبي طالب رفض القياس، مع أن الشافعي يرى مسح الأسفل والأعلى، ويقيس الأسفل على الأعلى.

    فالمقصود: أن علي بن أبي طالب أيضاً رفض القياس.

    ثم قالوا: أنتم تدندنون حول القياس، وتقولون: إن الشريعة جاءت بعدم التسوية بين المختلفين، وبالتسوية بين المتماثلين، لكننا نجد الشرع جاءنا بمتماثلين وفرق بينهما، قلنا: كيف هذا؟ قالوا: المرأة تحيض فلا تصلي ولا تصوم، لكن بعد طهرها تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، وهما متماثلان في الوجوب، فلم فرقتم بين المتماثلين؟ إذاً: أنتم أصلكم باطل، فالشريعة جاءت تفرق بين المتماثلين.

    وذكروا أمثلة كثيرة منها: أن السارق تقطع يده، والغاصب لا تقطع يده.

    وهم أيضاً يحتجون بأن أول من قاس هو إبليس، فيقولون: إذاً: أنتم تتبعون إبليس، فإبليس هو قائدكم ومعلمكم؛ لأن إبليس هو أول من قاس، فإنه قال كما حكى الله عنه: قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12].

    قالوا: فأنتم تتبعون خطوات إبليس، والله يحرم هذا، كما قال سبحانه: لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [النور:21].

    فنقول: الراجح الصحيح مع الجمهور، وأن القياس دليل من الأدلة الشرعية، وكفى بالأدلة التي سردتها من الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة والنظر على أن القياس حجة ودليل شرعي.

    والله جل وعلا بين لنا القياس بقوله: كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ [الزخرف:11] فهو بين أنه يثير السحاب في السماء، ثم ينزل من السماء ماءً فيحيي به الأرض بعد موتها، وأنه يحيي الموتى كما أحيا هذه الأرض البوار الميتة، فبين هذا بالقياس، والنبي صلى الله عليه وسلم قاس، والصحابة فعلوا ذلك، فلا نعدو الكتاب ولا نعدو السنة ولا نعدو هؤلاء الذين قاسوا، وهم أفضل الأمة، وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وأما الرد على المخالف فنقول:

    إن استدلاله بقوله تعالى: لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1] وأن القائس متقدم بين يدي الله ورسوله، نقول: إن القياس ليس تقدماً بين يدي الله ورسوله، فإن الله بين لنا القياس في كتابه، والرسول قد قاس، فهذا ليس تقدماً بين يدي الله ورسوله.

    وأما استدلالهم بقوله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:36] وأنك لو عملت بالقياس عملت بالظن، وظنك هذا قد يكون مخطئاً، إذاً: ستقفو ما ليس لك به علم.

    فنقول: إن الأدلة القطعية شرعت لنا الاجتهاد؛ ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر) فهذا ليس بأنه يقفو ما ليس له علم، ولذلك اشترط العلماء أن الذي يقيس لا بد أن تتوفر فيه آلة الاجتهاد وأدواته، وهذا الكلام يقال لمن لا يملك آلة الاجتهاد، لكن المجتهد قد أحال الله العلم عليه، كما قال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]؛ لأن أهل الذكر يتدبرون الأمر، ويتدبرون المسألة ويأتون بالنتيجة.

    وأما كلام عمر فيحمل على الرأي الذي يصادم النص؛ لأن عمر نفسه أصل القياس، وقال لـأبي موسى : وعليك النظير بالنظير. ثم إن في الأثر ما يؤيد هذا التأويل، وهو أنه قال: أعيتهم الأحاديث، فإذاً: هو يذم الذين يأخذون بالرأي مصادمين به النص.

    أو نقول: إنه يقصد أهل الأهواء الذين لا يريدون الحق في حال من الأحوال، لكن يضربون بالأحاديث عرض الحائط، وينظرون إلى رأيهم، ويقولون: نقدم العقل على النقل، وهؤلاء هم أهل الأهواء من المعتزلة والجهمية وغيرهم.

    أما قول علي بن أبي طالب : (لو كان الدين بالرأي لمسحنا الأسفل، لكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح أعلى الخ)، فنقول: أنه أسند الفعل للرسول، وإذا جاء النص بطل الرأي وبطل القياس، فلا قياس مع النص بحال من الأحوال.

    وبهذا تسلم لنا أدلة حجية القياس، وتكون الأدلة المعارضة كلها أدلة ضعيفة لا تنتهض لنفيه.

    أما الإشكال الذي أوردوه على قضاء الصوم وعدم قضاء الصلاة فنقول: نحن أصلنا أصلاً وهو: كل قياس صادم النص فهو فاسد الاعتبار، فعندنا نص قال: (كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) فندور مع النص حيث دار، إذاً: قياس الصلاة على الصوم قياس فاسد الاعتبار؛ لأنه مصادم النص. فهذا وجه.

    الوجه الثاني: المشقة؛ فالصوم شهر واحد في العام، فكان أيسر في القضاء، لكن الصلاة كل يوم، فيشق عليها القضاء، والله جل وعلا يقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] فكل ذلك يدل على أن المشقة تجلب التيسير؛ لأن من مقاصد الشريعة التيسير على البشر، فلما خالف القياس هنا مقاصد الشريعة طرح أرضاً ولم نأخذ به.

    أما قياس إبليس، فنقول: إنه قياس فاسد الاعتبار؛ لمصادمته النص.

    أيضاً لو تنزلنا معه فيكون قياساً مع الفارق؛ لأن الماء أفضل من النار.

    ومن النظر أيضاً هناك مستجدات كثيرة جاءت لو لم يكن فيها قياس لضاعت الأمة؛ ولذلك نحن نرى أن الله جل وعلا أراد أن يرفع ويبين لهذه الأمة قدر العلماء بالقياس وبالاجتهاد والنظر، فكل نازلة تنزل ترى العالم يأخذ بالكتاب والسنة ويجتهد حتى يستنبط الحكم من هذا الدليل، ولذلك قال الشافعي : وما من نازلة إلا في كتاب الله جل وعلا، قال تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89] لكن علمها من علمها، وجهلها من جهلها، والعلم يتفاوت، فمنه علم مستنبط، ومنه علم صريح.

    1.   

    شروط القياس

    والقياس له شروط، ومن شروط القياس:

    أولاً: أن يكون الأصل قد ثبت بنص: كتاب، أو سنة، أو إجماع، إلا أن الإجماع ليس نصاً، لكنه دليل على النص، وهذا على قول الجمهور.

    ومثاله: الإجماع على أن الإسورة والطوق حلال، وبناءً عليه نقول: إن الإسورة أصل؛ لأنها تحل بالإجماع، فيلحق بها الفرع وهو: الخلخال، فيكون حلالاً.

    ومن الأمثلة أيضاً: (الورق بالورق ربا) والورق هو: الفضة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الفضة بالفضة ربا إلا أن تكون يداً بيد مثلاً بمثل) أي: يشترط التقابض في المجلس، والمساواة.

    فالفضة أصل؛ لأنها ثبتت بالنص، والدولار فرع، فيلحق بها.

    ثانياً: أن يكون الأصل له علة، والعلة لها صفات سيأتي الكلام عنها، ولما أقول: لا بد أن يكون الأصل معللاً، يخرج بذلك: الأمر التعبدي، مثل: وضع اليد اليمني على اليسرى في الصلاة، فلا نقول لمن كان خارج الصلاة: لا بد أنه يمشي وهو واضع يده اليمنى على اليسرى تحت الصدر كما في الصلاة؛ لأن الأمر هنا تعبدي، ولا توجد علة للإلحاق.

    فإن قيل: إذا أصاب لعاب الكلب الثوب فهل يقاس على ولوغه في الإناء؟

    نقول: غسل الإناء عند جمهور أهل العلم أمر تعبدي، لكن الشيخ أحمد شاكر بين أن له علة، إذ أن لعاب الكلب يسبب الدودة الشريطية، ولا يميتها إلا الغسل بالتراب مع السبع الغسلات، فالثوب إذا وقع فيه لعاب الكلب يغسل سبعاً ويعفر الثامنة بالتراب.

    ومن الأمور التعبدية: الركوع قبل السجود، وتقبيل الحجر الأسود، ولهذا قال عمر : (إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك).

    ومن الأمور التعبدية: الغسل من خروج المني بشهوة، فلا يلحق به خروج المذي أو الودي، فلا نقول: عليه الغسل، إلحاقاً للفرع بالأصل الذي هو: نزول المني من مكان معلوم، ونزول المذي من مكان معلوم، والمني ينزل بشهوة والمذي ينزل بشهوة، فيلحق المذي بالمني؛ لجامع الشهوة؛ لأن هذا الحكم تعبدي غير معلل.

    وضرب بعض المشايخ أيضاً مثالاً آخر وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء من لحم الجزور، وهذا هو قول الحنابلة وهو الراجح، مع أن جمهور الفقهاء على أن الوضوء مما مست النار كان أول الأمر ثم نسخ. والنووي رجح القول بالوضوء، والعلماء يقولون: إنه لا يخرج عن الشافعية قيد أنملة، لكن لا يجبره على الخروج إلا الدليل، وقد خالفهم أيضاً في مسألة سجود السهو، فقال: الحجة مع الشافعي والأقوى مع مالك ، فأقوى الكلام على سجود السهو للمالكية ثم الشافعية.

    فبعض العلماء قال: يجب الوضوء من لحم الجزور؛ لأنها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خلقت مما خلق منه الجان) فبعضهم علل الأمر بالوضوء بهذا، لكن الصحيح الراجح أن الأمر تعبدي وليس بمعلل، فمن قال مثلاً: إذا أكل الرجل لحم النعامة توضأ منه، قياساً على لحم الجزور، نقول له: قياسك باطل؛ لأنه فقد شرط: العلة.

    ثالثاً: أن تكون العلة مناسبة للحكم، أي: أن الحكم يوجد معها حيث وجدت، وينتفي حيث انتفت، فتكون العلة موجودة طرداً وعكساً، ففي الدولار العلة الثمنية، إذاً: لابد فيه من المثلية والتقابض في المجلس، والعلة هي الثمنية، فإذا وجدت وجد الحكم الذي هو وجود التقابض في المجلس والمساواة، فالدولار بالجنيه يصح بشرط التقابض في المجلس؛ لأن العلة هي الثمنية فهي متفقة، فالدولار بالجنيه لابد أن يكون في المجلس ولا يصح أن يكون نسيئة، وجوداً وعدماً.

    فدولار بدولار لا بد من شرطين: أن يكون هناك مساواة، ولا بد من التقابض في المجلس، ودولار بجنيه أو بألف جنيه يصح لكن بشرط التقابض في المجلس للعلة التي بيناها.

    أيضاً: إذا وجد الإسكار أصبح خمراً وأصبح محرماً، وإذا انتفى الإسكار انتفى التحريم، فشراب الموز حلال؛ لأن علة الإسكار منتفية فانتفى الحكم، وإذا وجد الإسكار في البيرة يوجد الحكم وهو التحريم؛ لأن العلة إذا وجدت وجد الحكم.

    إذاً: لا بد أن تكون العلة موجودة طرداً وعكساً، أي: وصفاً مناسباً.

    فمثلاً: لو قلت: العبد إن كان أسوداً فتخير امرأته الحرة إما أن تتركه وإما أن تبقي معه، فـبريرة لما أعتقتها عائشة رضي الله عنها وأرضاها سعى خلفها مغيث من شدة الوجد والغرام والعشق، فكان يبكي، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إليه فتعجب، فقال: (يا عباس ! ألا تعجب من حب مغيث لـبريرة ، وبغض بريرة لـمغيث !) فلما أشفق النبي صلى الله عليه وسلم على مغيث ذهب إلى بريرة فقال لها: (تزوجيه أو قال: اقبليه) يعني: لا تختاري العتق، فقالت: (يا رسول الله! تأمرني؟ قال: لا، إنما أنا شافع، فقالت: إذاً لا أريده) فهي لم ترده لأنه أسود؛ ولو كان أبيض لكانت تجبر عليه؛ بل السواد والبياض لا يؤثر في الحكم، فلابد أن العلة تكون وصفاً مناسباً، وجوداً وعدماً، لا أن تكون وصفاً غير مناسب، كالسواد مثلاً في العبودية.

    رابعاً: ألا يصادم القياس نصاً؛ لأنه إذا صادم النص يصبح قياساً فاسد الاعتبار، فلا بد أنك إذا أردت الاجتهاد في المسألة أن تبحث عن النص في الكتاب أو في السنة، فإذا لم تجد فلك أن تقيس، أما أن تقيس والنص موجود فهذا فساد في العقل وفي الاعتبار، فلا قياس مع النص.

    والأمثلة على ذلك كثيرة، نذكر منها مثالين:

    المثال الأول: قول الأحناف: إن للمرأة البالغة الرشيدة أن تزوج نفسها؛ لأن لها ذمة مستقلة قياساً على البيع، فإن لها أن تشتري وتبيع بالاتفاق، فقد جعلتم لها تصرفاً وصححتم هذا التصرف ولها ذمة مالية، فلها أن تأخذ المهر وتزوج نفسها من رجل، والمهر كأنه هبة لما استحل من فرجها، فهي أشبهت البيع والشراء، فلها أن تزوج نفسها، وهذا قياس بديع وقياس قوي، لكن الرد عليهم أننا نقول: هذا قياس فاسد الاعتبار؛ لمصادمته للنص، وهو حديث: (لا نكاح إلا بولي) أما زيادة: (وشاهدي عدل) فقد ضعفها كثير من أهل العلم وإن صححها بعضهم، وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل، وإذا اختلفوا أو تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له).

    المثال الثاني: قال النبي صلى الله عليه وسلم في بيع المصراة: (فليردها وصاعاً من تمر) فأنت أخذت لبناً، فالقياس أنك إذا رددت ترد المثل، والدليل: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [النحل:126] وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (طعام بطعام وإناء بإناء) فطعام بطعام أي: إما هو أو مثله؛ ولذلك ابن حزم تمسك وقال: لا بد أنه يرد اللبن أو يرد مثله، وإن لم يستطع فقيمة اللبن، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (وصاعاً من تمر). فمن قاسها على المثليات نقول له: هذا قياس فاسد مصادم للنص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بردها وصاعاً من تمر.

    خامساً: أن يكون وجود العلة في الفرع كوجودها في الأصل، مثل أن تقول: قال الله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا [الإسراء:23] فالعلة هنا: الإيذاء؛ ولذا حرم كل قول أو فعل تجاه الوالدين اشتمل على الإيذاء.

    1.   

    تمارين على القياس

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يبع أحدكم على بيع أخيه، ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) فالأصل هنا، البيع على بيع الأخ، وحكمه: حرام، للنهي الوارد، والعلة هي: التباغض والتحاسد، والفرع: أن يستأجر أحد على أحد، كأن يأتي رجل يستأجر شقة بمائة، فيأتي آخر حاسد مبغض فيستأجرها بمائة وعشرة، فيكون قد استأجر على استئجار أخيه، فهذا لا يصح؛ فهو فرع يلحق بالأصل؛ بعلة التدابر والتشاحن والتباغض والتحاسد.

    مثال آخر: النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يرث القاتل) يعني: أن القاتل لا يرث، فالأصل هو: القتل، والحكم هو: تحريم التوريث، والعلة هي: الاستعجال لكي يأخذ الميراث.

    ومن الأمثلة: ابن الابن يحجب الأخ حجب حرمان، فالأصل: أن ابن الابن يحجب الأخ، وحكمه: الحجب، والعلة: وجود الفرع الوارث، ويقاس على الفرع: الجد، أي: أب الأب، ولذلك قال ابن عباس : (ألا يتقي الله زيد ؟! أما يقول: إن ابن الابن يحجب الأخ؟! فلم لا يقول: إن أب الأب يحجب الأخ؟!) يعني: لأن العصبة، وهو: الأصل مثل الفرع، وإن لم يكن أقوى منه فهو مثله.

    فإذاً: يقاس أب الأب على ابن الابن في حجب الأخ.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755955318