إسلام ويب

تيسير أصول الفقه للمبتدئين - الندب والمحرمللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الندب من الأحكام التكليفية الخمسة، وهو: ما أمر به الشرع أمراً غير جازم، وللندب أحكام عدة بحثها العلماء، منها: حكمه في الشريعة، والفرق بينه وبين الواجب، ومراتبه وأسماؤه، وحكم المواظبة على تركه، وغيرها من المسائل والأحكام المتعلقة بالندب. وأما المحرم فهو: ما نهى الشرع عنه نهياً جازماً، وهو أيضاً من الأحكام التكليفية الشرعية، وله أحكام ذكرها العلماء، منها: حكمه في الشريعة، وأقسامه باعتبارات عدة، وغير ذلك من الأحكام المتعلقة به.

    1.   

    الكلام على المندوب

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعد:

    فقد جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ولكن ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر).

    فليس هناك علم شرفه الله تعالى ومدح أصحابه إلا علم الشرع، فهو سمو لأهل العلم ولطلبة العلم، فمرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تعريف المندوب

    الندب لغة: الدعاء إلى الفعل، والمندوب: هو المدعو إليه.

    وفي الاصطلاح: طلب الفعل لا على وجه اللزوم، على جهة الاستعلاء.

    الفرق بين المندوب والواجب

    والفرق بينه وبين الواجب: أن الواجب هو: طلب الفعل على وجه اللزوم، على جهة الاستعلاء، وأما بالنسبة للندب فهو: طلب الفعل لا على وجه اللزوم، فأي خطاب سيأتينا في المندوب فهو أمر وطلب، والأصل في صيغة الأمر أنها على الوجوب، لكن قد تأتي قرينة تصرفها من الوجوب إلى الاستحباب.

    إذاً: فهو طلب الفعل لا على وجه اللزوم، بقرينة تبين لنا أن الشرع مثلاً قد خيرك أن تصلي ركعتين بين كل أذانين أو لا تصل.

    وكذلك: إذا دخلت المسجد فلك أن تجلس دون أن تصلي أو تصلي ركعتين ثم تجلس, وهذا عند من يقول بسنية تحية المسجد.

    وقولنا: (على جهة الاستعلاء)، أي: أن الأمر جاء من الأعلى إلى الأدنى, والأعلى هو الرب جل وعلا، والأدنى هو العبد.

    وقد ذكرنا أن الطلب ثلاثة أنواع: من الأعلى للأدنى، ومن الأدنى للأعلى، ومن القرين إلى قرينه، وشرحناها سابقاً.

    حكم المندوب

    حكمه: يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، أي: أن من ترك السنن فلا يعاقب, ويتفرع عليه أنه لا إنكار على ترك السنن. فمثلاً: لو لقيت رجلاً أتى إلى صلاة الظهر، فجلس ولم يصل السنن حتى يقيم المؤذن الصلاة فيصلي الفرض ولا يصلي بعده السنة، فلا تنكر عليه.

    وإن وجدت رجلاً مثلاً لا يمشي بغطاء الرأس أو الغترة أو العمامة -وهذا له بابه في التأصيل الفقهي- ويقول: إنها سنة، فلا يجوز لك أن تنكر عليه، وإنما فيها المناصحة.

    وأصل هذه المسألة قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عندما جاءه الأعرابي فقال: (هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع، ثم سأله عن الصدقة فبين له الزكاة، ثم قال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع, إلى أن قال: هل علي غيرها في الحج وفي غيره، قال: إلا أن تطوع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم -بعد أن قال: والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص- أفلح وأبيه إن صدق) وفي رواية: (دخل الجنة إن صدق).

    فهذا الحديث يدل على أن المندوب لا يعاقب تاركه.

    والدليل على أن المندوب مأمور به شرعاً قول الله تعالى: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ [الحج:77]، فقوله: (وافعلوا): فعل أمر يقتضي الوجوب.

    (فالخير) اسم جنس معرف بالألف واللام فيفيد العموم, أي: كل الخير سواء كان واجباً أو كان مستحباً.

    أمثلة للمندوب

    وللمندوب أمثلة كثيرة نذكر منها ما يعضد ما نحن فيه:

    قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282].

    قوله: (فاكتبوه): فعل أمر يقتضي الوجوب ما لم تأت قرينة تصرفه عن الوجوب إلى الاستحباب، لكن جاءتنا قرينة صرفت هذا الوجوب إلى الاستحباب، وهي: قوله تعالى: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ [البقرة:283] فلم يذكر الكتابة للقرض، ومفهوم المخالفة في الآية الأخيرة أنه إذا لم يأمن بعضكم بعضاً فلابد من الكتابة، فتكون واجبة عند عدم الأمن، وإذا أمن بعضكم بعضاً فالكتابة مستحبة.

    وأيضاً: يقول الله تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:10] والانتشار في الأرض مستحب وليس بواجب، وهذا بالاتفاق, وهذا يرجع إلى قاعدة: الأمر بعد الحظر هل هو على الإباحة أم لا؟ وهذا مبحثه في مبحث الأمر، لكن المتفق عليه أن الانتشار في الأرض ليس واجباً، فلو أن رجلاً بعدما صلى الجمعة جلس في بيته ولم ينتشر، فلا نقول له: أنت آثم؛ لأنك لم تنتشر في الأرض! لا؛ لوجود قرينة وهي الإجماع على أن الانتشار ليس واجباً.

    وأيضاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، فـ(بالغ) فعل أمر، والأمر على الوجوب، لكن جاءتنا قرينة تصرف هذا الأمر إلى الاستحباب، وهي ذكر الصوم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بالغ في الاستنشاق ما لم تكن صائماً)، وهذا يدل أنه على الاستحباب، وقد يقول بعضهم: هو واجب على غير الصائم، ولا يجب على الصائم.

    فنقول: إن القرينة الصارفة عن الوجوب مطلقاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (توضأ كما أمرك الله)، وأمر الله هو قوله: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6].

    فذكر أربعة فروض ولم يذكر غيرها، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم هذا الرجل الذي قال له: (توضأ كما أمرك الله)أن الاستنشاق واجب، بل أحاله على الآية، ولو كان واجباً لذكره له؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فلما لم يفعل ذلك دل على أنه مستحب.

    وأيضاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: (صلوا قبل المغرب, صلوا قبل المغرب, صلوا قبل المغرب)، والأمر يدل على الوجوب إلا أن تأتي قرينة تصرفه إلى الاستحباب، والصارف هنا قوله في آخر الحديث: (لمن شاء) فـ(لمن شاء) هنا للتخيير، وطالما خيره فهو مستحب.

    وأيضاً: قول الله تعالى: فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور:33]، فالعبد هو الذي أخذ في جهاد المسلمين مع الكفار، فأخذوه أسيراً فصار عبداً، فإذا أسلم فإن الله جل وعلا حث وأمر أن تكاتب هذا العبد، والمكاتَب هو يكتب على نفسه بالنجوم، فمثلاً يعتق إذا دفع ألف دولار، فيعطى ألف دولار منجمة, أي: في كل شهر قسطاً، فيسقط عليه المبلغ.

    فهذا الأمر على الأصل هو للوجوب، وهو مصروف بالقرينة إلى الاستحباب، والقرينة في ذلك: كل مالك أنت حر التصرف فيه بالضوابط الشرعية، والشارع متشوف للعتق؛ ولذلك حث عليه وندب إليه.

    وأيضاً: قول الله تعالى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141] فالأكل هنا ليس على الوجوب بالاتفاق، لكنه مستحب أن يأكل من ثمره، وهذا له حكم بليغة، فهو عندما يأكل من هذا الطعام فإنه يحمد الله جل وعلا، ويرى نعمة الله عليه، وينفق منه على القريب.

    أسماء المندوب ومراتبه

    المندوب في لسان الفقهاء يسمى مندوباً ويسمى مستحباً، والسنن بينها تفاوت، فأعلاها منزلةً السنن الرواتب، وهي: التي واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلاها منزلةً الوتر وسنة الفجر.

    وقد اختلف العلماء كما بين ذلك ابن رشد في (بداية المجتهد) أيهما أفضل الوتر أم سنة الفجر؟ على قولين، والراجح الصحيح أن كلا العبادتين يستحب المواظبة عليهما، فـعائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: (ما ترك النبي النبي صلى الله عليه وسلم الوتر وركعتي الفجر لا سفراً ولا حضراً)، والسنن الرواتب جاء فيها حديث أم سلمة أن النبي صلى قال: (من صلى لله ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى الله له قصراً في الجنة: ركعتان قبل الغداة، وأربع قبل الظهر، وركعتان بعد الظهر، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء)، والصحيح أن الأجر المذكور في الحديث لا يكون إلا بالمداومة عليها؛ فلو صلاها الرجل مرة ثم تركها مرة ثم صلاها مرة أخرى فليس له هذا الثواب، فالثواب على الديمومة عليها.

    حكم المواظبة على ترك المندوب

    الذي يواظب على ترك المندوب في لغة الفقهاء يفسق، قال أحمد : من واظب على ترك الوتر ترد شهادته، وتسقط عدالته. فالذي يواظب على ترك السنن قد يصل إلى الفسق، ويعلل الفقهاء ذلك أنه ذريعة إلى ترك الواجبات والفرائض، وهذا الرجل الذي قال: (لا أزيد على ذلك ولا أنقص) جاء الوحي من السماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفلح إن صدق).

    وأيضاً: إذا اجتمع جماعة فتركوا شعيرة أو سنة عمداً فإنهم يقاتلون عليها، مثل: الأذان سنة على قول الجمهور، وإلا فإن الراجح فقهياً أنه واجب؛ لكن على قول الجمهور أنه سنة، فلو اجتمع جماعة فلم يؤذنوا وجب قتالهم على ذلك؛ لأنهم تركوا شعيرة من شعائر الإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر على قوم لا يغير عليهم كي يسمع الأذان، فإذا سمع الأذان كف عنهم وإلا أغار عليهم.

    1.   

    الكلام على المحرم

    تعريف المحرم

    ننتقل إلى حكم ثالث من الأحكام التكليفية، وهو المحرم، والمحرم عكس الواجب.

    والمحرم في لغة الحبشة كما قال ابن عباس معناه: الواجب، ومنه قول الله تعالى: وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ [الأنبياء:95] أي: وجب على قرية أهلكها الله أنها لا ترجع إلى الدنيا مرة ثانية.

    وفي اصطلاح الفقهاء: هو طلب الكف على وجه اللزوم.

    والواجب هو: طلب الفعل، والمحرم هو: طلب الكف، أي: لا تعمل، فإذا قال الله جل وعلا: لا تأكل من الشجرة، فيحرم عليك الأكل من الشجرة، قال تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23] فهنا طلب الكف على الفعل على جهة اللزوم على وجه الاستعلاء.

    حكم المحرم

    حكمه: يثاب تاركه ويعاقب فاعله، فالله حرم أكل الميتة، فمن أكل الميتة فهو يستحق العقاب، ومن ترك أكل الميتة فإنه يثاب.

    وحرم الله أكل الخنزير، فمن أكل الخنزير فإنه يستحق العقاب، ومن تركه فإنه يثاب على تركه.

    قال الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ [المائدة:3] إلى آخر الآية، وقال: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ [البقرة:173]، وقال جل وعلا: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ [النساء:23].

    وقد يأتي المحرم بصورة الأمر، كقوله تعالى: فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90]، وقال: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ [الحج:30]، فهذه الصيغ تدل على التحريم.

    أقسام المحرم

    تنقسم المحرمات إلى قسمين: كبائر، وصغائر.

    قال الله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، فيستدل بهذه الآية على أن المحرمات كبائر وصغائر.

    وقال تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32]، فـ(اللمم) هنا مستثناة، إذاً ليست من الكبائر، فتكون من الصغائر.

    من علامات الكبائر

    وقد ذكر العلماء للكبائر علامات منها:

    أولاً: ذكر العقوبة الشديدة في الآخرة، كقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10]

    إذاً: فذكر العقوبة الشديدة في الآخرة تدل على أن أكل أموال اليتامى ظلماً من الكبائر.

    ثانياً: أن يستحق فاعلها العقوبة في الدنيا، قال الله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، فقطع اليد عقوبة في الدنيا تدل على أن هذا الفعل محرم وهو من الكبائر.

    ثالثاً: لعن فاعلها، مثل: (لعن النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة وذكر منهم: شاربها) إذاً: فشارب الخمر ملعون.

    وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا اللعانين: الذي يتبول في طريق الناس وظلهم) فكثير من الناس يأتي إلى شجرة فيتبول أمام الناس، ويفعل محرمات جمة.

    فالمحرم الأول: أنه قد تبول في طريق الناس.

    الثاني: أنه لم يستتر.

    الثالث: أنه لم يستنزه من بوله.

    أقسام المحرم من حيث الحرمة

    والمحرم أيضاً ينقسم إلى قسمين: محرم لذاته، ومحرم لغيره.

    الأول: المحرم لذاته، وهو: ما كان نجساً أو ضاراً، كتحريم أكل الخنزير، فإنه نجس وضار، وأيضاً تحريم أكل الميتة، وتحريم شرب الخمر: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219].

    فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الدم، فبيع الدم حرام لذاته، إذاً فالعقد فاسد، ولا يمكن أن يترتب عليه آثاره.

    فلو ذهب رجل إلى المستشفى كي تستأجر دمه، فتأخذ منه مثلاً نصف كيلو أو تأخذ منه نصف لتر وتعطيه أجرة على ذلك، فهذا تعاقد بين المستأجر (المستشفى) والأجير، وهذا العقد باطل لا تترتب عليه آثاره، أي: لا ينعقد هذا العقد، فالإنسان يتبرع بالدم إن كان مستطيعاً ولا يجوز له بيعه.

    إذاً: فالمحرم لذاته إذا عقد عليه فالعقد باطل، وإذا أخذه أو عمل به الذي حرم عليه فإنه يأثم على ذلك.

    الثاني: المحرم لغيره لا لذاته، فالمحرم لغيره الأصل فيه الحل والمشروعية، لكن حرم لغيره.

    مثال ذلك: بيع العنب لمن يعتصره خمراً، ولا يجوز لك أن تبيع العنب لرجل تعلم أنه سيجعله خمراً.

    فأصل بيع العنب حلال، والأصل في المعاملات الحل؛ لقول الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، فالأصل في البيع الحل، فبيع العنب أصله حلال، لكن حرم لأنه وسيلة إلى المحرم، فالرجل سيأخذه ويعتصره خمراً.

    وكذلك الأصل في بيع الذهب أنه حلال، لكن لو باعه لرجل يلبسه فهو حرام؛ (لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم لبس الذهب والحرير على الرجال).

    إذاً: فهذا لم يحرم لذاته وإنما حرم لغيره، فالمحرم لغيره هو حلال في أصله، لكنه حرم لأنه وسيلة للمحرم.

    وهذا المذهب سأزيده تفصيلاً في مبحث النهي، وهل مطلق النهي يقتضي الفساد إذا كان محرماً لذاته أو محرماً لغيره؟

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756225283