إسلام ويب

شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - حقوق أولياء الأمورللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أمر الله عز وجل بطاعة ولاة الأمور من السلاطين والعلماء، لكن طاعتهم تابعة لطاعته سبحانه، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخروج على ولاة الأمور إن لم يأتوا كفراً بواحاً؛ لما في ذلك من المفاسد العظيمة، من سفك للدماء وانتهاك للأعراض، وغير ذلك.

    1.   

    حقيقة ولاة الأمور

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ما زلنا مع هذا الكتاب العظيم، كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للعلامة اللالكائي، وقد انتهينا في الدرس الماضي من الكلام عن الغيبيات، وتكلمنا عن الدجال، وعن اختلاف العلماء في تفضيل بني البشر على الملائكة، واليوم إن شاء الله سيكون الكلام عن سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في طاعة الأئمة والأمراء ومنع الخروج عليهم، ثم نختمها بالكلام على الطائفة المبتدعة وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج.

    اختلف العلماء في ولاة الأمور هل هم الأمراء أم العلماء؟ على قولين، والصحيح الراجح: أن الأمراء والعلماء هم ولاة الأمور؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، فهذه خاصة بالأمراء أو السلاطين، والآية الأخرى تدل على أن ولاة الأمور هم العلماء، قال الله تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83]. فالاستنباط هو من خصائص العلماء، فدل ذلك على أن الأمراء هم العلماء، والسلاطين: هم الذين لهم الحكم بالقوة والملك، والعلماء: لهم الحكم بالحجة والبيان.

    1.   

    السمع والطاعة لولاة الأمور وضوابط ذلك

    إن أول ما يجب على الأمة تجاه الأمراء أو العلماء السمع والطاعة.

    والسمع والطاعة من أهم واجبات هذه الأمة بالنسبة لولاة الأمور، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59].

    وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بايعنا الرسول صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعلى أثرة منا)، فالشاهد من الحديث قوله: (على السمع والطاعة) يعني: لولاة الأمور.

    وفي حديث مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه وأرضاه قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة).

    وفي السنن عن العرباض بن سارية رضي الله عنه وأرضاه قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: عليكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة) .

    وأيضاً وردت أحاديث كثيرة في السمع والطاعة من الأمة للأمراء والعلماء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عليك بالسمع والطاعة وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك).

    وعن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسمعوا وأطيعوا وأدوا الذي عليكم وسلوا الله الذي لكم).

    فالأدلة كثيرة على السمع والطاعة، لكن السمع والطاعة على هذه الأمة نحو الأمراء والعلماء ليست مطلقة بل مقيدة، صحيح أن كل هذه الأحاديث والآيات التي ذكرت السمع والطاعة مطلقة، لكنها قيدت بآثار أخرى، فمنها: ما ورد في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف). وإنما أسلوب حصر، يعني: الطاعة كل الطاعة لا تكون إلا بالمعروف، فإن كانت معصية فلا سمع ولا طاعة.

    وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) .

    وفي رواية قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرك بالمعصية فلا سمع ولا طاعة) .

    وما من خليفة راشد استلم الخلافة في عهد السلف إلا وخطب الناس أول ما خطبهم وقال: أطيعوني ما أطعت الله فيكم. فشرط الطاعة بطاعة الله جل وعلا.

    وأيضاً قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، فما قال: وأطيعوا أولي الأمر منكم، أي: لم يجعلها طاعة مستقلة، بل جعلها تابعة لطاعة الله وطاعة رسوله، فهذه دلالة على أن هذه الطاعة ليست طاعة مطلقة، بل سمع وطاعة فيما يرضي الله جل وعلا.

    أما بالنسبة للمعصية فلا، ولذلك ورد عن عمر بسند صحيح أنه قال: (عليك بالسمع والطاعة وإن أمرك بما ينقص دنياك، أما إن أمرك بما ينقص دينك فقل: دمي دون ديني).

    إذاً: فالسمع والطاعة لولاة الأمور من العلماء والأمراء مقيدة بما يرضي الله جل وعلا، فإنما الطاعة في المعروف.

    1.   

    النصيحة لولاة الأمور

    من الواجبات التي لا بد أن تؤديها الأمة نحو ولاة الأمور من العلماء والأمراء: النصيحة.

    والنصح يكون للأمراء والعلماء، إذ من الممكن أن يزل عالم أو يجهل مسألة أو يخطئ فيها فتنصح له، فالنصح للعلماء وللأمراء.

    قال بعض العلماء: إن النصح واجب على كل امرئ لولاة الأمور.

    والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب ومن السنة، قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، والتعاون على البر والتقوى: أن تنصح في الله فيما ينفع وتحذر مما يضر.

    وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).

    وأيضاً في صحيح مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه وأرضاه قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، والنصح لكل مسلم).

    إذاً: فالنصح يكون للعلماء والأمراء ولآحاد المسلمين، وهو من باب الإرشاد والتعاون على البر والتقوى.

    وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم، وذكر منها: والنصح لولاة الأمور).

    آداب النصيحة وهدي السلف في ذلك

    من الواجبات على هذه الأمة أن تنصح لولاة الأمور، وهذا النصح له آداب لا بد أن يتحلى بها الناصح.

    أولاً: أن يكون عالماً بهذه النصيحة التي سيؤديها من الكتاب أو من السنة، وعنده الإتقان في هذه المسألة التي سينصح فيها.

    ثانياً: أن يكون هذا النصح سراً لا علانية وجهاراً؛ لدرء المفاسد، وهذا من هدي السلف، أي: أنهم كانوا يناصحون ولاة الأمور في السر لا في العلن، دليل ذلك: حديث ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه قال: (من أراد منكم أن ينصح أميره أو ذي السلطان فلا يبديه علانية، وليمسك بيده، فإن سمع منه، فهذا المحمود المطلوب، وإلا فقد أدى الذي عليه) يعني: أدى الناصح الذي عليه.

    وأيضاً في الصحيح: (أن أسامة بن زيد رضي الله عنه وأرضاه جاءه الناس، فقالوا: يا أسامة ألا تدخل على عثمان فتكلمه، أي: في أشياء تأول فيها وأنكرها بعض الناس، فالإنكار هنا كان للتأويل وعثمان رضي الله عنه وأرضاه في خلافته هو سيد الأمة بالإجماع وبالاتفاق، ولم يخالف هذا الأمر إلا أهل البدع الذين أنكروا ذلك، فـعثمان تأول بعض التأويلات أنكرت عليه، فقالوا: (يا أسامة ألا تدخل عليه تكلمه -يعني: تنكر عليه- قال: أو كلما كلمته تسمعون؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه، ولا أحب أن أفتح باباً أكون أنا أول من فتحه). يعني: لا أريد أن أكون أول من فتح باب الإنكار علناً على ولاة الأمور؛ فتحصل المفاسد العظيمة والشر المستطير، وانقلاب الناس على ولي الأمر والخروج عليه.

    فهذا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينصح ولي الأمر سراً بينه وبينه.

    كان الإمام مالك يقول: إذا دخلت على ولي الأمر ولك كلمة عنده فانصح، وإلا فلا تذهب إليه، إلا أن تعلم أنه سيسمع لقولك فتنصح لله سراً.

    وكان الإمام الأوزاعي يكتب إليهم بالرسائل، وكذا ابن المبارك والنووي كانا يكتبان لولاة الأمور بالنصح بالكتاب والسنة قال الله قال الرسول، سراً، ويبعثان إليهم بهذه الرسائل لعل الله جل وعلا أن ينفع بها.

    إذاً: فالنصح لهم بالسر.

    النصح لولاة الأمور بالدعاء

    إذاً: فالنصح نوعان: النصح سراً وبالرسائل، والثاني: بالدعاء. هذا هو فعل السلف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعوة المستجابة دعوة الأخ المسلم لأخيه بظهر الغيب).

    وكما ورد بسند صحيح عن الإمام أحمد قال: لو كانت لي دعوة مستجابة لخبأتها لولي الأمر.

    لم؟ لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. فالناس كما يقولون تبع لملوكهم، إن كان شرقاً كانوا في المشرق وإن كان غرباً كانوا في المغرب.

    فالمرء المخلص إن علم أن له دعوة مستجابة عند الله جل وعلا ورفع يده لله جل وعلا سراً أو سحراً فيقول: اللهم أصلح ولاة الأمور، واجعل أمرهم لنصر دين الله جل وعلا، ولإعلاء كلمتك، فإن كان مخلصاً واستجاب الله له فإن الدين ينصر بمثل هؤلاء، والله جل وعلا ينصر الدين بكل واحد نصبه، ودلالة ذلك: أن الخلافة الأموية حدث فيها ظلم وفسق استشرى، ومع ذلك كانت الانتصارات على أيدي هؤلاء، فهذا الحجاج فيه من الظلم والفجور والفسق ما فيه، حتى اختلف العلماء في حكمه هل هو كافر أم لا؟ ومع ذلك جعل الله الانتصارات على يديه.

    والخلافة العباسية حدث فيها ما حدث من الفسق والظلم والفجور، ومع ذلك كانت فيها فتوحات وانتصارات.

    فكان هارون الرشيد يقول للسماء: أمطري حيث شئتِ فيأتيني خراجكِ.

    وكان يحج عاماً ويجاهد عاماً، وتكلم مع ملك الروم بكلمات تبين عزة الدين، قال: من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى كلب الروم الأمر ما ترى لا ما تسمع.

    فولاة الأمور إذا صح دينهم ودعوت الله مخلصاً أن يجعل الله عملهم نصرة للدين، فهذا من أفضل الأعمال التي تقدمها لله جل وعلا، ومن أفضل النصح لولاة الأمور، فكونك تدعو لهم سحراً: اللهم اجعلهم نصراً للدين، وارفع بهم راية لا إله إلا الله، فهذا نصراً للأمة، وإن كانوا على فسق أو على فجور أو على عدالة أو ضبط وحسن دين، فدعاؤك لهم لو كنت مستجاب الدعوة سيكون سبباً في هذا الانتصار.

    1.   

    عدم الخروج على ولاة الأمور

    الثالث من الواجبات لولاة الأمور: عدم الخروج عليهم، وإن استشرى شرهم، وظهر فسقهم، وعلا ظلمهم، إذ الخروج عليهم يحدث بسببه خراب الدنيا بأسرها، من إراقة الدماء، مع المفاسد العظيمة التي لا يمكن للإنسان أن يحجمها، فيكاد الخروج على ولاة الأمور من أفسد ما يكون، والله جل وعلا أمر الأمة بالتآلف والتحابب، والخروج على ولاة الأمور يقطع هذا التآلف والتحابب.

    لقد جاءت السنة الصريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بما يمنع الخروج على ولاة الأمور.

    أما بالنسبة للآيات: فكقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] ، فهذا على الإطلاق، وينافيه الخروج عليهم، إذ الخروج على ولاة الأمور ليس فيه طاعة، والله جل وعلا أمر بالطاعة لولاة الأمور.

    أما من السنة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مصرحاً في ذلك كما في حديث أنس: (لا تسبوا ولاة الأمور، أو لا تسبوا أمراءكم، ولا تبغضوهم، ولا تغشوهم، واصبروا) فأمر بالصبر وهو مناف للخروج عليهم.

    وأيضاً في حديث ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه مرفوعاً: (من رأى منكراً من سلطانه فلينكر عليه سراً).

    وفي السنن أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رأى من أميره منكراً فليصبر؛ فإنه من فارق الجماعة فمات فميتته ميتة جاهلية). يعني: إذا خرج على الأئمة واستشرى الفساد بخروجه مات ميتة جاهلية.

    وأيضاً ورد موقوفاً عن ابن عباس رضي الله عنهما: (من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية) يعني: بخروجه على الأمراء.

    وقيل لـابن عمر : (بويع لـيزيد بن معاوية -يعني: استخلف معاوية ابنه- فقال ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه: إن كان خيراً رضينا وإن كان شراً صبرنا) أي: لم نخرج عليه.

    وأيضاً في الصحيحين عن عبادة بن الصامت ، قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة -إلى آخر الحديث، فقال:- وألا ننازع الأمر أهله) هذا نص صريح.

    وفي رواية قال: (إلا أن تروا منهم كفراً بواحاً) .

    وفي رواية: (قالوا: يا رسول الله، أفلا نقاتلهم؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا، ما صلوا، أو قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة).

    وفي رواية قال: (لا، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) .

    فمنع النبي صلى الله عليه وسلم الخروج على ولاة الأمور، إلا أن نرى كفراً بواحاً، حتى إذا رأيت كفراً بواحاً وقد كفر بالله مثلاً والعياذ بالله جهاراً أمام الناس علناً دون استحياء، فإنك لا تخرج عليه إلا بضوابط، هذه الضوابط أن تتأكد وتستيقن أن مصلحة الخروج تكون أكبر من المفسدة التي تحدث، أما إذا أتيت بمفسدة أعظم فلا يجوز لك ذلك، حتى مع الكفر الذي أباحه النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز الخروج إلا مع ضمان عدم المفسدة، ولذلك قيل للحسن البصري : أما رأيت فلاناً قد خرج على الإمام؟ قال: مسكين، رأى منكراً فأراد أن ينكره فأتى بما هو أنكر منه.

    فقاعدة المصالح والمفاسد قاعدة معروفة.

    قوله: (وأن لا ننازع الأمر أهله) هذا هو فعل السلف، ابن عمر وأبو هريرة وأنس رضوان الله عليهم أجمعين فهؤلاء الصحابة كانوا متوافرين في عصر الحجاج الظالم الذي قلت: اختلف العلماء هل يكفر أم لا، ومع ذلك لم يخرجوا ولم يأمروا بالخروج، ولم يقروا بالخروج بحال من الأحوال، بل صلى خلفه ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه.

    فالخروج على الأئمة أفسد ما يكون، فإذا اجتمعت طائفة وكانت لهم شوكة وقالوا: نخرج على الإمام فهذا أمر باطل في الشرع لا يجوز بحال من الأحوال، وهو باطل بالكتاب وبالسنة وبفعل السلف رضوان الله عليهم.

    هذا آخر ما نتكلم عليه من باب وجوب طاعة الأئمة وعدم الخروج عليهم.

    1.   

    الخوارج النشأة والمسميات والسمات والحكم

    أسماء طائفة الخوارج

    لقد ثنى المصنف بالخوارج وحكم الخوارج الذين يخرجون على الأئمة.

    هذه الطائفة سنتكلم عن اسمها ومسمياتها ومتى أنشئت، وكفر هذه الطائفة من عدمه، وحكمها عند أهل السنة والجماعة.

    أما طائفة الخوارج فلها أسماء عدة، فمن مسمياتها: الخوارج، والحكمية، والنواصب، والحرورية، فلها أسماء أربعة.

    فسموا بالخوارج؛ لأنهم خرجوا على علي رضي الله عنه وأرضاه، وعلى معاوية، ويقاتلون أهل السنة والجماعة.

    وسموا الحكمية؛ لأنهم قالوا: لا حكم إلا لله وهي كلمة حق أرادوا بها باطلاً.

    وسموا حرورية؛ لأنهم خرجوا من منقطة حروراء.

    وسموا نواصب؛ لأنهم نصبوا العداء لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فأسماء هذه الطائفة الضالة المبتدعة الخوارج: خوارج، حكمية، حرورية، نواصب.

    ظهور الخوارج

    ظهرت هذه الطائفة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم حين قسم الغنائم كما في الحديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم الغنائم فجاء رجل غائر العينين محلوق الرأس، فقال: يا محمد اعدل أو قال: اتق الله واعدل). وفي رواية قال: (هذه القسمة ما أريد بها وجه الله جل وعلا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ومن يعدل إن لم أعدل، فقام خالد فقال: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق. فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ثم لما استدار الرجل وولى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج من ضئضئ هذا الرجل أناس أو أقوام يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان، لو أدركتهم لقتلتهم قتل عاد وإرم).

    فبين النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه يخرج من عقب هذا الرجل هذه الطائفة، فهذا الرجل هو أصل المنبع لطائفة الخوارج.

    ثم ظهرت بقوة وبشوكة وبكثرة زمان الفتنة بين علي بن أبي طالب وبين معاوية بن أبي سفيان رضوان الله عليهم أجمعين.

    ولما ظهرت الفتنة بينهما قامت قائمة الخوارج، فقالوا: حكموا الرجال ولا حكم إلا لله، فنصبوا العداء لـعلي بن أبي طالب ونصبوا العداء لـمعاوية ، وقاتلهم علي وهو أولى الطائفتين بالحق.

    هذه بداية نشأة أو ظهور قوة للخوارج أو النواصب.

    صفات الخوارج

    من مواصفات هذه الطائفة، أولاً: أنهم يحلقون رءوسهم، ولذلك ترى في الحديث: (جاء الرجل غائر العينين محلوق الرأس) وقال النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات تصريحاً: (سيماهم التحليق). يعني: الصفة التي تعلوهم التحليق.

    وأيضاً في بعض الروايات في السنن أنه جاء أبو موسى يناقش ويناظر بعض الصحابة، فقال: (أتراني من الذي يحلقون) يعني: من الحرورية.

    وأيضاً من مواصفاتهم: أنهم يجتهدون اجتهاداً عظيماً في الطاعة، كما قال الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً [الغاشية:2-4]. نعوذ بالله أن نكون منهم.

    وكما جاء أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر على قسيس يجتهد اجتهاداً كبيراً في عبادة الله جل وعلا عبادة باطلة، فنظر إليه فبكى فقال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً [الغاشية:2-4] فهم كذلك.

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم عنهم: (تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم) . يعني: يجدون في قراءة القرآن، لكنه لا يجاوز حناجرهم، من الجهل العميق الذي هم فيه.

    وأيضاً لما جاءت المرأة تسأل عائشة رضي الله عنها وأرضاها: إذا حاضت المرأة فلا صلت ولا صامت، فتسألها عن قضاء الصلاة. فقالت لها: أحرورية أنت؟ وذلك لأن الخوارج يجتهدون في العبادة حتى أوجبوا على المرأة الحائض أن تقضي الصلاة التي عليها، وهذا من التنطع والغلو في الدين والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (هلك المتنطعون) .

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين عن علي رضي الله عنه وأرضاه قال: (تخرج أقوام حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون بقول خير البرية) . يعني: يتكلمون بخير الكلام كلام الله وكلام الرسول ومع ذلك يضعونه في غير موضعه، فهذه أيضاً من صفاتهم أنهم يجهلون الشرع مع أنهم يجدون في الطاعة.

    أيضاً من السمات التي وسمهم بها النبي صلى الله عليه وسلم: أنهم يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان، والقصة المشهورة: أنه مر عليهم عبد الله بن خباب بن الأرت رضي الله عنه وأرضاه فأخذوه فقتلوه وهو صحابي ابن صحابي، وبقروا بطن زوجته، فهم يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان من جهلهم العميق.

    وأيضاً من جهلهم: أنهم يضعون الآيات في غير موضعها أو يستدلون بغير دليل صحيح، كما قاموا على علي وقالوا: حكَّم الرجال. فقال علي: حق أريد به باطل. فبين لهم وقال: قال الله تعالى عن المرأة إذا نشزت أو تخاصمت مع زوجها: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا [النساء:35] ، وهذا نص كتاب الله جل وعلا وجعل تحكيم الرجال جائزاً بنص كلام الله جل وعلا، فقال: أما يقرءون هذه الآيات، فبعث إليهم ابن عباس فناظرهم، ونصحه علي نصيحة، فقال: لا تناظرهم بكتاب الله، فعليك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب فناظرهم فرجع بالنصف منهم وبقي النصف الآخر على ما هم عليه، ثم قاتلوا علياً فقتلهم علي ، وكانت هذه بشرى من النبي صلى الله عليه وسلم أن أولى الطائفة بالحق هم الذين يقتلون الخوارج.

    الحكم على الخوارج

    حكم هذه الطائفة، أو حكم الخوارج، أو النواصب، أو الحرورية، أهم كفار أم هم مسلمون؟

    اختلف العلماء في ذلك على قولين:

    طائفة قالوا: هم كفار خرجوا من الدين، وهي رواية عن أحمد والشافعي ومالك ، ويستدل لهم بأمور: أولاً: بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية). يعني: إذا خرج السهم من القوس فلا يرجع إليه.

    ثانياً: يستدل لهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأقتلهم قتل عاد وإرم). فشبههم بعاد وإرم وهم كفار.

    أما دليلهم من النظر: فهم قتلوا علياً استحلالاً، وأرادوا قتل معاوية استحلالاً، وقتلوا كذلك المسلمين استحلالاً، ومن استحل دم المسلم كفر بذلك.

    والدليل على أن الاستحلال محرم ويكفر بذلك المرء قوله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ [النحل:116] ، فهذا الاستحلال من باب الافتراء على الله الكذب.

    وحديث عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (أما كانوا يحلون لكم الحرام فتتبعونهم، ويحرمون عليكم الحلال فتتبعونهم؟ قال: نعم، قال: تلك عبادتهم) .

    القول الثاني: عدم كفرهم وإنما هم ظلمة وجهلة وليسوا بكفار، وهذا رواية عن أحمد ورواية عن الشافعي ورواية عن مالك ، وأدلتهم في ذلك: أن الصحابة أجمعوا على عدم كفر الخوارج، وهم كانوا متوافرين موجودين في عصر علي بن أبي طالب، فسئل علي بن أبي طالب : (أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا، قالوا: أمنافقون هم؟ قال: المنافق لا يذكر الله إلا قليلاً). يعني: هم يذكرون الله كثيراً ليسوا منافقين.

    وفي رواية عن ابن عمر أنه صلى خلف خارجي.

    وأيضاً: عن علي بن أبي طالب لما قتله ابن ملجم ، قال: (دعوه أو احبسوه فإن برئت فالجروح قصاص، وإن أنا مت فاقتلوه قصاصاً). فأمرهم أن يقتلوه قصاصاً أي: حداً لا ردة ولا كفراً. فهذه دلالة أيضاً على عدم تكفيرهم.

    وأيضاً قيل لـعلي بن أبي طالب: (فلم تقاتلهم؟ قال: أمرنا الرسول. أو قال: إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم).

    فدل على أنهم من البغاة أو على الترجيح الصحيح: أنهم قوم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم، ورتب لمن قتلهم الأجر الكبير والعظيم.

    وأيضاً ورد عن علي أنه قال: (أنتم إخواننا لا نمنعكم مساجدنا، ولكم ما لنا من الفيء، فإن قاتلتمونا قاتلناكم). أرسل إليهم بهذا، فهذه دلالة على عدم كفرهم، وهذا فيه إجماع الصحابة وإجماعهم يؤول قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الدين). يعني: لا يمرقون كلية من الإيمان، لكن يبقى معهم أصل الإيمان وأصل الإسلام.

    أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأقتلنهم قتل عاد وإرم) . فإن القتل لا يدل على الكفر، بل شرع لنا قتال المسلمين من البغاة، قال الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9]. فقال: من المؤمنين، ثم قال: فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا [الحجرات:9]. فالبغاة أمرنا بقتالهم حتى يرجعوا إلى الحق.

    وأيضاً الذين منعوا الزكاة قاتلهم المسلمون على أنهم منعوا الزكاة فقط، وإطلاق الردة عليهم لغة فقط، هم منعوا الزكاة فقاتلهم أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه.

    فالقتل بالإطلاق لا يستلزم الكفر، والخوارج قوتلوا على استحلالهم دماء المسلمين.

    نقول: القاعدة التي لا بد أن يضبطها طالب العلم هي: أن الاستحلال كفر، لكن أن تسقط عليه عيناً أنه كافر لا يجوز لك ذلك؛ إذ أنه قد تعرض له الشبه والتأويلات التي لا تجعلك تكفره.

    وقبل أن أسرد الكلام على هذه القاعدة المهمة جداً أقول: الصحابة لم يكفروا هؤلاء، واعتذروا لهم بتأويلهم استحلال الدماء بما حدث من الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن بعض الصحابة كفر بعضاً من أجل الإتيان بالكفر تأويلاً، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكفر الذي كفر أحد الصحابة، يعني: الصحابي الأول كفر الصحابي الثاني، والثاني أتى بفعل كفر لكنه في هذا الفعل كفر شبهة أو تأويل، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكفر الصحابي الأول من أجل هذه الشبهة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها وإلا حارت عليه). إلا أن يكون هناك ثمة تأويل وشبهة.

    فالشبهة عند الأول: أن هذا فعل فعلاً كفرياً، والشبهة عند الثاني: أن هذا الفعل ليس بكفر.

    وإليكم الأدلة على ذلك:

    الدليل الأول: حادثة حاطب بن أبي بلتعة لما بعث إلى قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم يجهز الجيش ليغزوكم، قام عمر لما عرف الأمر وقال: (يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق) رماه بالنفاق. وقال الله عن المنافقين: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]. فكان عمر له هذه النظرة ألا وهي إظهار عورة المسلمين للكافرين: (فجاء حاطب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والله ما فعلت ذلك ردة، ولكن رأيت أن لكل واحد منكم يداً في قريش وليس لي يد، ولي أهلون هناك أخاف عليهم، ففعلت ذلك من أجلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـعمر : لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: افعلوا ما شئتم قد غفرت لكم). يعني: ليس بكافر من أجل هذه الشبهة، أي: من أجل هذا المسوغ الذي جعله يفعل هذا الفعل الكفري، فلم يكفر عيناً به.

    الدليل الثاني: حادثة الإفك، قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً: (من يعذرني في رجل أساءني في أهلي، فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله! إن كان منا فعلنا به وفعلنا، وإن كان من إخواننا الخزرج فعلنا به ما أمرتنا، فقام سعد بن عبادة حمية فقال: والله لا تفعل معه شيئاً، فقال أسيد بن حضير لـسعد بن عبادة : والله لنقتلنه وإنك لمنافق تجادل عن المنافقين). فـسعد بن عبادة سيد من سادات الأنصار، وقال له أسيد بن حضير : والله إنك لمنافق تجادل عن المنافقين، رماه بالنفاق، والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أسيد ولم يقر هذا الحكم على سعد ، بل قام يسكت الناس؛ لأنه قام الحيان ليتقاتلا، فلم ينكر على أسيد للتأويل الذي تأوله بما رآه من الظاهر، وأيضاً لم يطبق الحكم على سعد لأن سعداً عنده تأويل أو عنده شبهة أو جاءته حمية دون أن يرتضي بهذا الفعل.

    الدليل الثالث: أسامة بن زيد رضي الله عنه وأرضاه، قال: (أرسلني النبي صلى الله عليه وسلم في سرية، قال: فصبحنا القوم قال: فتعقبت رجلاً أنا وأنصاري، فقام الرجل فقال: لا إله إلا الله فكف عنه الأنصاري، فأخذته فطعنته برمحي فقتلته، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟ فقال أسامة : يا رسول الله، والله ما قالها إلا تعوذاً). فهذه الشبهة جعلت أسامة يستحل قتل المسلم الذي قال: لا إله إلا الله، وهو ظاهره الإسلام. (قال: يا رسول الله، والله ما قالها إلا تعوذاً. أو ما قالها إلا متعوذاً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا أسامة ماذا تفعل بلا إله إلا الله يوم القيامة، فما زال يكرر: أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله، حتى ندم أسامة وقال: تمنيت أن لا أكون أسلمت إلا بعد هذا اليوم).

    الشاهد من هنا ما استدل به شيخ الإسلام قال: فإن النبي صلى الله عليه وسلم عذر أسامة للتأويل الذي استباح به دم هذا المسلم الذي قال: لا إله إلا الله؛ لأنه لما قال: لا إله إلا الله أسلم ظاهراً.

    وهذا التأويل والشبهة التي جعلت أسامة يقتله: أنه ظن أنما قال الرجل: لا إله إلا الله متعوذاً، فعذره النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بالقصاص أو بالدية.

    فهذه فيها دلالة أنه عذره بهذا التأويل، وهذه الشبهة أسقطت الحكم عنه.

    فهذه دلالات كثيرة تبين أن المتأول بفعل كفري أو الذي له شبهة بالفعل الذي جاء النص بأنه كفري أنك لا تطبق عليه حكم الكفر، فهؤلاء الخوارج استحلوا دم علي واستحلوا دم معاوية واستحلوا دم الكثير من المسلمين وكفروهم ومع ذلك لم يكفرهم الصحابة؛ للتأويلات والشبه التي كانت عندهم، فهم قالوا: قال الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] . وقال الله تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [الأنعام:57] . وعلي حكم أبا موسى ومعاوية حكم عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين، فهؤلاء حكموا الرجال والحكم لا يكون إلا لرب الرجال، فهذه دلالة على أنهم يكفرون عندهم؛ لأنهم حكموا الرجال فيما لا يكون الحكم فيه إلا لله العلي الجليل. فتأولوا بهذه الآية وكانت شبهة لهم، فلذلك لم يحكم عليهم الصحابة بأنهم من الكافرين.

    فالصحيح الراجح: أن هذه الطائفة طائفة مبتدعة ضالة وليست بكافرة.

    عقيدة الخوارج

    عقيدة الخوارج كالمعتزلة تماماً ولكنهم أرقى منهم.

    هم في باب الإيمان يرون أن الإيمان كل متكامل، إذا سقط سقط كلية وإذا قام قام كلية، بمعنى أن المعصية تجعل كل الإيمان يضيع، فيكفرون بالكبيرة، وفاعلها عندهم كافر خالد مخلد في نار جهنم كالمعتزلة.

    وأيضاً لهم تأويلات أخرى في رؤية الله جل وعلا، لكن الأهم عندنا: أن الخوارج أهم ما يعتقدونه التكفير بالكبيرة، فهم يرون أن أي امرئ قد عصى الله فهو كافر من الكفار، ولا بد أن يتوب ويرجع إلى الإسلام؛ لأنه مرتد، وإن لم يرجع بالتوبة يقتل ردة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756523124