إسلام ويب

شرح اعتقاد أهل السنة [14]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يؤمن أهل السنة والجماعة أهل الحديث بأن الله تعالى قد جعل لكل حي مخلوق أجلاً هو بالغه بالموت، ورزقاً هو مستكمله إلى أن يموت من حلال أو حرام، ويؤمنون بالشيطان ووسوسته، وملابسته لبني آدم، وجريانه من ابن آدم مجرى الدم، وتسلطه عليه، وأن الاستعاذة بالله منه طريق النجاة والخلاص.

    1.   

    تقدير الله تعالى للآجال

    قال الشيخ الحافظ أبو بكر الإسماعيلي رحمه الله تعالى في بيان اعتقاد أهل السنة: [ويقولون: إن الله عز وجل أجَّل لكل حي مخلوق أجلاً هو بالغه: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]، وإن مات أو قتل فهو عند انتهاء أجله المسمى له، كما قال الله عز وجل: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران:154]، وإن الله تعالى يرزق كل حي مخلوق رزق الغذاء الذي به قوام الحياة، وهو ما يضمنه الله لمن أبقاهم لخلقه، وهو الذي رزقه من حلال أو من حرام، وكذلك رزق الزينة الفاضل عما يحيا به.

    ويؤمنون بأن الله تعالى خلق شياطين توسوس للآدميين ويخدعونهم ويغرونهم، وأن الشيطان يتخبط الإنسان، وأن في الدنيا سحر وسحرة، وأن السحر استعماله كفر من فاعله معتقداً له نافعاً ضاراً بغير إذن الله].

    البحث الأول يتعلق بالآجال، وهو أن الله تعالى قدر الآجال وحدد الأعمار، وجعل لكل نفس عمراً محدداً لا يمكن أن تتجاوزه، ولا يمكن أن يزاد في عمره ولا أن ينقص، والعمر الذي كتبه الله له قبل أن يخلقه بل قبل أن يخلق الدنيا لابد أنه يصل إليه ولا يتجاوزه.

    ومعلوم أن ربنا سبحانه علم عدد الخلق قبل أن يخلقوا، علمهم بعددهم وبأوقات وجودهم وبأعمارهم وبأعمالهم ونحو ذلك، ففي الحديث: (إن الله تعالى قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة)، وفي حديث آخر: (إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب. فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة) جرى القلم بما هو كائن وحادث إلى يوم القيامة، ولا يزاد عما جرى، وذلك في اللوح المحفوظ الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.

    أنواع التقدير

    التقدير أربعة أنواع:

    تقدير عام وهو الذي في اللوح المحفوظ.

    وتقدير عمري، وهو الذي يكتب إذا كان الإنسان في الرحم، فيرسل الله الملك فيأمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، يكتب ذلك وهو في الرحم.

    وتقدير سنوي وهو ما يقدره الله في ليلة القدر إلى مثلها من الأعمال والآجال والوفيات والحوادث وما أشبهها.

    وتقدير يومي، وهو ما يحدث في ذلك اليوم نفسه، ودليله قوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29].

    وأما قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39] فالمراد المحو والإثبات لما في صحف الملائكة الموكلون بحفظ أعمال بني آدم وبكتابتها، فهم يكتبون الأعمال التي يعملها الإنسان والتي يقولها، ثم يأمرهم الله تعالى أن يمحوا ما لا ثواب فيه ولا عقاب، وما لا يترتب عليه جزاء، أو يمحوا السيئات التي تاب العبد منها وبدلها بحسنات، وأما ما في أم الكتاب -اللوح المحفوظ- فإنه لا يتغير: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39].

    علم الله المسبق بقدر كل نفس

    لكل أجل كتاب، ولكل إنسان أجل، فما من نفس منفوسة إلا وقد علم الله تعالى قبل خلقها أجلها وعملها. وسعادتها أو شقاوتها، وحياة عاجلة أو آجلة، وحياة سعيدة أو تعيسة، قد علم الله ذلك كله، ولأجل ذلك أخبر تعالى بأنه كتب الآجال والأعمار ولا يتغير ما كتبه.

    يقول الله تعالى: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران:154]، نزلت هذه الآية في غزوة أحد، وذكر الله تعالى عن المنافقين بعض الكلمات التي قالوها، كقولهم: لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا [آل عمران:154] يتلومون لما رأوا أنه قتل بعض منهم في غزوة أحد، وقالوا: لو أخذوا رأينا لجلسنا في بيوتنا ولتحصنا في دورنا ولم نتعرض للقتل، فنحن الذين فرطنا فخرجنا ولاقينا هذا العدو فقتلوا منا من قتلوا، وسفكوا دماءنا، ولو أننا امتنعنا من الخروج لسلمنا من هذا القتل. هكذا حكى الله عنهم.

    ثم قال: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران:154]، فالله تعالى قد كتب القتل على هؤلاء الذين قتلوا، فلو تحصنوا ثم تحصنوا فإنه لابد أن يخرجوا ويقتلوا في المكان الذي حدد الله وعلم بأنهم سيقتلون فيه ولا يتجاوزنه.

    ومثله قوله تعالى في سورة النساء لما كتب الله عليهم القتال حكى الله عنهم أنهم قالوا: رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء:77]، ثم قال: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78] ولو تحصنتم بما تحصنتم به، فمن كتب الله عليه الموت في الوقت المحدد فإنه سيموت فيه، ومن كتب موته بشيء فإنه يموت به، ومن كتب الله أن موته يصير بقتل أو بضرب فلابد أن يحصل، أو بمرض كذا وكذا فلابد أن يحصل، فلابد أن يتحقق الموت الذي حقق الله تعالى وحدد أجله، يقول الله تعالى: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34].

    أمر الله للإنسان بالأخذ بالأسباب

    إن الإنسان مأمور بأن يتحصن ويحتفظ من أسباب الردى ومن أسباب الهلاك، وهذا التحصن والتحفظ مكتوب أيضاً قبل أن يخلق، مكتوب أنه سوف يعمل كذا وكذا من أسباب الحفظ والتحصن، وأنه يصاب بمرض كذا وكذا فيتعالج بالعلاج الذي يبرأ به ويزول عنه هذا المرض، ومكتوب -أيضاً- أنه سوف يتحفظ ويتحصن إذا دخل ميدان القتال أو دخل المعارك، ويكون تحصنه سبباً في وقايته، وهو مأمور بأن يأخذ حذره، ولأجل ذلك يكرر الله الأمر بالتحفظ فيقول تعالى: وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ [النساء:102]. يعني: احتياطاً ويقول تعالى: وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102]، أمرهم بأن يأخذوا أسلحتهم وأن يكونوا حذرين، ولو كان الله قد قدر أنهم يصابون بكذا وكذا فإن هذا مأمور به وهو من الأسباب.

    وكذلك يقول تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60]، فالإعداد مأمور به ولو كان قد قدر الله تعالى انهزاماً أو موتاً أو غلبة، والله تعالى قادر على أن يقتل المشركين بدون جهاد أو قتال، ولكن من حكمته أنه شرع لنا الجهاد حتى يكون ذلك سبباً من أسباب الانتصار، مع أنه قادر على أن ينصر عباده بدون قتال، وأن يخذل أعداءه بدون أن يقاتلهم المسلمون، يقول تعالى: وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد:4]، فهو قادر على ذلك، ولكن من حكمته أنه شرع هذه الشرائع وقدر فيها هذه الآجال.

    فالحاصل أنَّا إذا قلنا: إن عمرك -أيها الإنسان- مكتوب فلا تقل: ما دام كذلك فإنني لا أفعل شيئاً، بل أستسلم لأمر الله تعالى.

    نقول: أنت مستسلم لأمر الله، وأمر الله نافذ فيك ولو فعلت ما فعلت، ولكن أنت مأمور بهذه الأسباب التي تكون سبباً من أسباب حياتك ووقايتك، ومعلوم أنك مأمور بأن تأكل وتشرب، وأن تركك لذلك إضرار بنفسك، وأنه سبب من أسباب الموت، ولكن مكتوب عليك أنك تأكل وتشرب.

    ومأمور أيضاً بأن تتوقى الحر والبرد، ولا تعرض نفسك لشدة الحر الذي يكون سبباً في الموت، ولا لشدة البرد الذي يكون سبباً في القتل ونحوه، ومنهي أن تفعل سبباً يودي بحياتك، فلا يجوز لك أن تلقي بنفسك من شاهق، ولا أن تطرح نفسك في بئر، كما لا يجوز لك أن تطعن نفسك وأن تقتلها وتقول: هذا مكتوب عليَّ وهذا عمري. بل أنت مأمور بأن تتوقى الأسباب التي فيها ضرر على نفسك، وفعلك لها وتوقيك لها مكتوب أيضاً وهو مقدر.

    وقد ورد في الحديث أن رجلاً قال: (يا رسول الله! أرأيت رقىً نسترقي بها وأدوية نتداوى بها، هل ترد من قدر الله شيئاً؟ فقال: هي من قدر الله) يعني: هذه الأدوية التي تتداوى بها وتتعالج بها هي مقدرة، ومكتوب أنك سوف تصاب بمرض كذا وأنك تتعالج بالعلاج الفلاني ويكون سبباً في شفائك ولذلك ورد في الحديث الأمر بالتداوي: (تداووا عباد الله؛ فإن الله ما أنزل داءً إلا أنزل له دواء).

    فنحن مأمورون بالتداوي والمرض والعلاج مكتوب، ومكتوب أن هذا يتداوى بكذا حتى يسلم، وهذا يصاب بكذا ولا يؤثر فيه العلاج وما أشبه ذلك، كل هذا داخل في تقدير الآجال، وأن الله تعالى أجل لكل حي ومخلوق أجلاً فهو بالغه، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]، فإذا مات أو قتل فإنه مات عند انتهاء أجله، فالمقتول ميت بأجله، سواء قتل في الجهاد، أو ظلماً، أو بحادث أو نحو ذلك، كل ذلك مكتوب، وليس له أن يتجاوزه، وهو مع ذلك مأمور بالتحفظ وبالتحصن حتى لا يلقي بنفسه إلى التهلكة.

    1.   

    تقدير الله لأرزاق العباد

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأن الله تعالى يرزق كل حي مخلوق رزق الغذاء الذي به قوام الحياة، وهو يضمنه الله لمن أبقاهم من خلقه، وهو الذي رزقه من حلال أو من حرام، وكذلك رزق الزينة الفاضل عما يحيا به].

    تيسير الله الرزق لعباده

    الرزق من الله تعالى، فهو الذي يسر أسبابه وجعلها في متناول الأيدي، وهو الذي سهلها ويسرها ولو شاء لما قدر العباد عليها، ولكن العبد أعطاه الله تعالى قوة وفكراً وعقلاً وذهناً، ثم أمره بأن يستعمل هذه القوة حتى يتكسب بها، ونهاه عن الإخلاد إلى الأرض، وأمره بأن يطلب المعيشة والرزق ويحرص على الرزق الحلال، فإذا أصابه فليعتقد أنه من الله تعالى، فهو الذي يسر أسباب هذا الرزق وسهلها.

    فالرزق من الله تعالى، والحلال والحرام كله رزق، ولكن معلوم أنه إذا اكتسب حراماً متعمداً ولو كان بتقدير من الله تعالى فإنه يعاقب على ذلك، وإذا تغذى بهذا الرزق الحرام فإنه يعاقب على ذلك (فكل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) كما ورد، ولو كان مقدراً، فلو قال الإنسان: والله قدر أني آكل الربا، الله قدر أني أتغذى بهذا السحت أو بهذه السرقة أو بهذا المال المختلس أو ما أشبه ذلك نقول: نعم. هو تقدير من الله تعالى، ولكن الله تعالى أعطاك قوة وقدرة تتمكن بها من أن تكتسب الحلال، وبين لك الحلال وفصل ما حرمه وفصل ما أحله، فقال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ [البقرة:29] يعني: كل ما في الأرض خلقه لكم. وقال تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119]، فصل لكم المحرمات وبينها فما بقي فإنه حلال.

    فعلينا أن نعتقد أن الرزق من الله تعالى، ومن أسماء الله الرزاق، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:58] يرزق عباده، ويقول الله تعالى: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، ويقول الله تعالى بعدما أمر عباده ببعض الأوامر: قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [الجمعة:11]، فالله هو الرازق وحده، ولكن العباد قد يكون على أيديهم أو بواسطتهم شيء من الرزق يسخره الله تعالى، فيسخر هذا لهذا حتى يعطيه ويمد له ما يقتات به وما يتغذى به، فيقال: هذا رزق من فلان. أو تقول: هذا رزق رزقنيه الله بواسطة فلان. فالله تعالى خير الرزاقين، فهو الذي يرزق وحده، وهو الذي يسخر قلوب هؤلاء لأن يعطفوا على الفقراء فيرزقوهم ويعطوهم ويكسوهم ويتصدقوا عليهم، فالرزق أصلاً من الله تعالى وحده، ولكن يجعله على أيدي بعض الناس ويجعلهم سبباً فيه.

    ولهذا ذكروا عن بعض الصالحين أنه اشتكى إليه أحد تلامذته الفقر والجوع، فكتب له أبياتاً وقال: اعرضها على أول من تجده.

    البيت الأول يقول فيه:

    أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر أنا جائع أنا حاسر أنا عاري

    ثم قال:

    هي ستة وأنا الضمين بنصفها فكن الضمين بنصفها يا باري

    فلما خرج بهذه الورقة رأى فارساً مقبلاً فمدها إليه، فبمجرد ما قرأها استتبعه وعطف الله قلبه عليه وأعطاه ما يقتات به، ولا شك أن هذا وسيلة من الوسائل، أن الإنسان يطلب الرزق ولو بواسطة بعض الخلق الذين جعل الله تعالى على أيديهم شيئاً من المال، وليس في ذلك غضاضة.

    وعلى كل حال فالرزق أصله من الله تعالى، وهو المسبب له، سواءً فعل العبد الأسباب فنجحت أو فعلها ولم تنجح، فعليه أن يفعل الأسباب، ثم بعد ذلك يثق بأن الله تعالى هو المسبب.

    قال الله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا [الواقعة:63-65]، فلو شاء الله تعالى لجعل هذه الزروع حطاماً، فقد أخبر بأنهم يحرثون الأرض وينثرون فيها هذه البذور، ثم يسقونه بالماء، ثم ينبت، ثم يصير زرعاً، ثم يحصدونه ويجمعون منه هذا القمح وهذه الأقوات، فلو شاء الله تعالى لما أنبتت هذه الأرض، ولو شاء لسلط عليه ريحاً أو مرضاً أو ظمأً فأصبح حطاماً، لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا .

    إذاً فالأصل أن الله تعالى هو الذي يرزق من يشاء بغير حساب، فنؤمن بأن الله يرزق كل حي مخلوق رزق الغذاء الذي يقتات به، وهو مع ذلك مأمور بأن يبذل السبب، ويطلب الرزق، فيبذل الأسباب، فإذا بذلها فالله تعالى يتكفل له بالرزق.

    الأمر بالاكتساب مقيد بالأخذ بالأسباب

    الآيات التي فيها الأمر بالاكتساب مقيدة بالآيات التي فيها أن الله تعالى هو مسبب الأسباب، فإذا قرأت قول الله تعالى: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [المزمل:20] فهذا مدح لهم، أو إقرار لهم أنهم يسافرون في الأرض (يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) يتطلبون الرزق.

    وكذلك إذا قرأت قول الله تعالى: وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ [الفرقان:20]، فلماذا يمشون في الأسواق؟ يطلبون الرزق يقتاتون به، فالله تعالى هو الذي أباح ذلك لهم وأمرهم به.

    وإذا قرأت قول الله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا [الملك:15] امشوا واطلبوا الرزق بما أقدركم الله تعالى، فهو سبحانه أعطاكم الأيدي والأرجل، فتتمكنون من المسير والتنقل من بلد إلى بلد، وكذلك أيضاً الأيدي تتمكنون بها من الصناعة والحرفة والعمل اليدوي الذي تحصلون منه على رزق تقتاتون به وتقوتون به من تحت أيديكم، فالإنسان ما دام طفلاً صغيراً فإن الله يحنن عليه قلبي أبويه حتى يعطفان عليه ويعطيانه ويغذيانه، فإذا ترعرع وكبر وقوي عند ذلك هو مأمور بأن يتطلب لنفسه ويتكسب، والله تعالى يعينه إن استعان به.

    وهكذا الآيات التي فيها الإخبار بأن الرزق من الله مقيدة بالآيات الأخرى، فمثل قوله تعالى: وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ [العنكبوت:60] يعني: الله يرزقها ويؤتيها رزقها. فما رأينا دابة ماتت من الجوع إلا أن تحبس، فالدواب والحشرات والطيور كلها تعيش، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنها سيأتيها رزقها، يقول في الحديث: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً)، فالطيور لا تجلس في أوكارها، بل تذهب وتطلب الرزق وتقع عليه، ولكن جعل الله تعالى لها رزقاً يناسبها تجده، والوحوش ما رأينا شيئاً منها ولا من السباع ولا الحشرات يموت جوعاً، بل يسهل الله تعالى له رزقه ويرزقه إلى أن يتغذى ويقتات، كلها جعل الله من طبعها أنها تطلب الرزق، والله تعالى هو الذي يرزقها: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6] يعني أن الله خلق لها رزقاً وأوجده، ولكن من طبعها أنها تذهب وتأكل ما تجده، وتتقلب في الأرض، ويسهل الله لها الرزق الذي ييسره وتتقوت به وتتغذى.

    فعرف بذلك أن رزق الله تعالى الذي فيه قوام الحياة ميسر لكل مخلوق ، وهو الذي يضمنه الله لمن أبقاه الله من خلقه، كما قال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6] تضمن الله أنه يرزق الدواب كلها، وكلمة ( دابة ) تعني كل ما يدب على الأرض، ويدخل فيه الطيور، ولو كانت قد تسمى طيوراً في الآيات الأخرى، كما قال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ [الأنعام:38]، فقد قسمهم إلى قسمين: دابة، وطير، ولكن معلوم أن الطير لا يستغني عن الوقوع على الأرض؛ لأن رزقه يكون في الأرض أصلاً، فهو يدب على الأرض فيدخل في الآية: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6]، إذاً تضمن الله تعالى بالرزق لمن أبقاه.

    وقد اختلف هل يسمى الحرام رزقاً؟

    والصحيح أنه رزق؛ لأن الله هو الذي يسره، ولكن حرم تعاطيه، وحرم التعاطي والتكسب بالحرام، ومع ذلك هو رزق من تغذى به فقد تغذى بما وصل إليه، ولكنه منهي عن أن يتعاطاه، وهو الذي رزقه من حلال أو حرام.

    وقوله: [وكذلك رزق الزينة الفاضل عما يحيا به] يعني الزائد عن حاجته، يقول الله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32]، فهذه الطيبات للذين آمنوا في الحياة الدنيا ولكنها مشتركة بينهم وبين غيرهم، وأما في الآخرة فإنها خاصة بأهل الإيمان خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32].

    ويدخل في الزينة الأكسية والألبسة والكماليات التي تكمل بها الحياة من المساكن والمراكب والفرش والأواني والأدوات التي تستعمل كلها من زينة الدنيا التي زينها الله تعالى للناس، كما قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ [آل عمران:14]، كل هذه من زينة الدنيا التي زينها الله تعالى للناس وأباح لهم أن يستعملوا منها ما هو حلال، ولكن هذا كله متاع يأخذون منه ما يتمتعون في هذه الحياة ويعبرونها إلى أن تنتهي أعمارهم.

    1.   

    وسوسة الشياطين لبني آدم وملابستهم

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويؤمنون بأن الله تعالى خلق الشياطين توسوس للآدميين ويخدعونهم ويغرونهم، وأن الشيطان يتخبط الإنسان].

    أي: يؤمن أهل الحديث بأن الشياطين مسلطون على الإنسان، وأن الله تعالى هو الذي سلطهم ولو شاء لأهلك الشياطين، فأولهم إبليس اللعين الذي امتنع عن السجود لآدم وتكبر، قال الله: أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة:34].

    ولما طرده الله ورجمه وقال: فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ [الحجر:34-35]، سأل النظرة فقال: رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الحجر:36] (أنظرني) يعني: أخرني وأمهلني فأمهله الله وأنظره قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ [الحجر:37-38]، فبقي معمراً هو وذريته، فصاروا يتسلطون على نوع الإنسان، وأقسم إبليس بأن يضل نوع هذا الإنسان وأن يخرجهم من النور إلى الظلمات، أقسم على ذلك كما قال تعالى: وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:118-119]، هكذا التزم بأنه يتسلط عليهم ويوسوس لهم ويحاول إغواءهم وإغراءهم، قال الله تعالى له: فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ [ص:77-78]، ومع ذلك التزم بأنه سيغويهم حتى إنه لما قال الله تعالى له: إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ [الأعراف:15]، قال: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:17].

    سلطه الله تعالى على نوع هذا الإنسان، كما قال تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20]، فالله تعالى هو الذي سلط على الإنسان هذا العدو من الشياطين الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يجري من الإنسان مجرى الدم: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)، ينفذ في جسد الإنسان مع العروق، ويصل إلى ما يصل إليه الدم، والدم معروف أنه في كل جزء من أجزاء البدن، فمعناه أنه يلابس الإنسان.

    ولكن يقول العلماء: إن الله تعالى أعطى الإنسان سلاحاً يتقوى به، فالأمور التي تحرز من الشيطان عشرة ذكرها ابن القيم في تفسير سورة الناس في بدائع الفوائد عند قوله تعالى: مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس:4] فبدأها بالاستعاذة، أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. كما أمرنا الله تعالى بذلك.

    ثم منها الذكر؛ لأن ذكر الله تعالى يطرد الشياطين، وذكر العمل الصالح أنه يطرد الشياطين، ودعاء الله تعالى وسؤاله سبب لطرد الشياطين.

    ومنها القراءة، وبالأخص قراءة آية الكرسي؛ فإنها وسيلة من وسائل طرد الشيطان كما ورد ذلك في الحديث.

    وكذلك مجالس العلم والخير سبب لطرد الشياطين، وسبب لنزول الملائكة.

    وكذلك حماية الإنسان نفسه من المعاصي سبب لطرد الشياطين، ذلك لأن المعاصي يتسلط بواسطتها الشيطان على الإنسان.

    وهكذا ختم اليوم أو الليل بخاتمة حسنة بذكر أو بدعاء سبب أيضاً لطرد الشياطين.

    فالشيطان عدو للإنسان، قال تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6]، فإذا عرفنا أنه عدو لنا فإن علينا أن نتحصن منه حتى لا يتسلط علينا، وقد أخبر الله تعالى بأنه يوسوس في صدور الناس فقال: الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ [الناس:5]، وأخبرنا باسمه: مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس:4] فالوسواس: هو الذي يقذف الوسوسة في القلب. والخناس: هو الذي ينخنس ويصغر وينقبض. يعني: إنه وسواس عند الغفلة وخناس عند الذكر. فإذا ذكر العبد ربه واستعاذ به خنس الشيطان وهرب وذل وهان وابتعد عنه، وإذا غفل العبد وسوس إليه وألقى في صدره الوساوس والأوهام.

    فأخبر الله بأنهم يخدعونهم ويغرونهم، كما في قوله تعالى عن الشيطان أنه قال لما قال الله له: قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ [الإسراء:63-64] قيل: إن من أصواته الغناء وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ [الإسراء:64]، يعني: بقواتك وبما تملكه وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [الإسراء:64]، يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [النساء:120]، فهذه المواعيد تكون في قلب الإنسان، بأن يلقي في قلبه أنك إذا فعلت كذا حصل لك وحصل لك. وأول ذلك وسوسته للأبوين، قال الله تعالى عنه: هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى [طه:120] هذه حيلة من الشيطان وَمُلْكٍ لا يَبْلَى [طه:120]، الشجرة التي نهيا عنها، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ [الأعراف:21-22]، فهذه حيل الشيطان.

    وذكر الله أيضاً أنه يتخبط الإنسان، فقال تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275]، كأنه يتسلط عليه حتى يغلب عليه فيقوم ويسقط ويقوم ويسقط، مثل الذي تسلط عليه جني فصار يصرعه، فالشيطان يتسلط علي الإنسان ويلابسه ويصرعه ويتقوى عليه، ولكن عليه أن يستعيذ بالله من شره، وأن يتحفظ بالله تعالى منه حتى يحفظه، ومن اعتصم بالله تعالى عصمه وأعانه.

    كذلك أيضاً من عقيدة أهل السنة وأهل الحديث أن في الدنيا سحراً وسحرة، وأن السحر واستعماله كفر من فاعله إذا كان معتقداً له نافعاً ضاراً بغير إذن الله.

    وعمل السحرة معلوم أنه قد سماه الله تعالى كفراً، ووصف أهله بما يقرب من الكفر؛ فلأجل ذلك يحذر منه العلماء، ثم يعتقدون أن الضرر الذي يصير بسببه إنما هو بقدر الله تعالى وبقضائه. والله أعلم.

    1.   

    الأسئلة

    الجمع بين كون الأجل محدود وتزيده الأعمال الصالحة

    السؤال: كيف نجمع بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه)، وكون الآجال محددة لا يزاد فيها ولا ينقص؟

    الجواب: الله تعالى جعل أسباباً، وتلك الأسباب مقدرة في الأزل، فصلة الرحم من الأسباب التي يطول بها العمر، فأنت مأمور بأن تصل رحمك، وصلة الرحم تزيد في العمر: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه)، ولكن مع ذلك فإن هذه الزيادة التي في الرزق والأجل مكتوبة في الأزل قبل أن تخلق السماوات والأرض، وقبل أن يخلق الخلق مكتوب أن هذا يوفق بصلة الرحم فيزاد في رزقه ويبسط له فيه، ويكون سبباً في زيادة وطول عمره وحياته، إذاً فهذا من الله تعالى أزلاً، فأنت مأمور ولك قدرة على ذلك، أعطاك الله تعالى هذه القدرة على أن تصل رحمك وتحسن إلى أقاربك ونحو ذلك، ووعدك بأن هذا سبب أزلي في زيادة الأعمار.

    الجمع بين ضمان الله لرزق العباد وبين حصول المجاعات

    السؤال: كيف نجمع بين قول الله تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6] وما نراه اليوم في بعض الدول من المجاعات وغيرها ؟

    الجواب: لا شك أن الله تعالى يسلط على من يشاء ما يشاء، هذا تصرفه في عباده، فإذا سلط على بعض منهم الجوع والجهد الذي يموت به خلق كثير فذلك من تصرفه في خلقه، وإذا وسع على آخرين وبسط لهم الرزق فذلك من تصرفه في خلقه، فرزق الدواب والمخلوقات ونحوها من الله تعالى، ولكن إذا حبس الرزق فلحكمة يريدها الله تعالى، فأحياناً يحبس المطر من السماء وذلك يكون سبباً في جفاف الأرض ويبسها، ولعلهم يعتبرون ويعرفون أن المسبب هو الله تعالى فيقبلون على العبادة ويعرفون حق الله تعالى عليهم، ويعتبرون بما يحدث لهم في هذه الأرض، كذلك أيضاً قد ينزل مطراً وماء من السماء ولكن ينزع منه البركة التي يكون من أثارها كثرة النباتات والخير ونحو ذلك فلا يستفيدون منه شيئاً، فليعتبروا وليعرفوا أن قدرة الله فوق كل شيء، هذا هو الأصل.

    فالحاصل أن ما يحدث من العقوبات هو بتقدير من الله تعالى ليعتبر الآخرون وليأخذوا حذرهم.

    حكم فك السحر بالسحر

    السؤال: ابتليت عائلة كاملة بالسحر على يد أحد المقيمين، فقد سلط عليهم الجن بسبب حب الساحر لإحدى الفتيات، ولقد جربت الرقية الشرعية ولكن لم يكتب الله لهم الشفاء، وأخيراً عرض على هذه العائلة الذهاب إلى إحدى البلاد لفك هذا السحر على يد ساحر عظيم في تلك البلاد، فهل يجوز فك السحر بالسحر إذا كان في مثل هذه الحالة، ولقد مضى على هذه العائلة أكثر من ست سنوات وهم في معاناة؟

    الجواب: لا يسلط على أحد عقوبة أو شيء من هذه الأمور إلا بذنب، كما ورد في الحديث: (ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة)، وقد يكون التسليط من الله تعالى ابتلاء وامتحاناً، وقد يكون التسليط لرفع المقام ولرفع الدرجات، فنقول لهؤلاء: لابد من أحد ثلاثة أمور:

    الأول: إما أنكم قصرتم في أمر الله وارتكبتم معاصي وسيئات، فكانت هذه العقوبة عقوبة عاجلة على ما اقترفتم من السوء والذنوب، فتفقدوا أنفسكم وأصلحوها وتوبوا إلى ربكم، وبدلوا السيئات بالحسنات، وأصلحوا أعمالكم إصلاحاً جذرياً حتى يشفيكم الله تعالى ويزيل ما بكم من بأس.

    الثاني: وإما أن تعتقدوا أن هذا ابتلاء من الله وامتحان، فإن الله قد يبتلي بعض عباده الصالحين، ويكون من آثار هذا الابتلاء ابتلاؤهم في الصبر أو عدمه، فالله تعالى يقول: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ [الحج:11]، فإذا أصبتم بهذا وعرفتم أنه ابتلاء لضعف الإيمان أو لقوة الإيمان فصبرتم وصابرتم واحتسبتم، ولم يكن في ذلك شيء من الجزع ولا التشكي ولا إظهار شكاية الله على عباده أو خلقه فإن هذا دليل على الصبر، و(من تصبر يصبره الله تعالى).

    الثالث: أن يكون لرفع الدرجات، فإذا قلتم: نحن مستقيمون، وليس عندنا معاصٍ، وبيوتنا مطهرة، وليس فيها آلات لهو، ولم يكن عندنا في بيوتنا من يعصي الله تعالى طرفة عين، ونحن من أفضل الناس وأشدهم طواعية وأكثرهم أعمالاً حسنة، ومع ذلك كيف يسلط علينا ذلك؟! فنقول: هذا لرفع درجاتكم، فاصبروا واحتسبوا إلى أن يجعل الله لكم مخرجاً.

    ثم نقول بعد ذلك: عليكم بفعل الأسباب المباحة، وهي كثيرة، فإذا لجئوا إلى كثرة الذكر قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم. فهذا من أساب إزالة هذا البأس وإبطال هذا العمل، كذلك أيضاً إذا أكثروا من قراءة كتاب الله تعالى ولهجوا بقراءته كان هذا من الأسباب في إبطال هذه الأعمال الشيطانية، كذلك أيضاً إذا أكثروا من دعاء الله تعالى في ليل ونهار، ورفعوا أكف الضراعة إلى الله تعالى كان هذا من أساب الشفاء وإزالة هذه الأشياء، وأما أنهم يلجئون إلى السحرة ويقولون: نريد أن نذهب إلى ساحر حتى يبطل عمل هذا السحر فإن هذا مما لا تقره الشريعة، وإنما لم يحصل الشفاء لبعض الموانع.

    كيفية الجمع بين السعي في طلب الرزق وطلب العلم

    السؤال: عندما أسمع الكلام حول فعل أسباب جلب الرزق أتمنى أن أشرع في العمل لاكتساب الرزق، ثم أشعر أن هذا سيشغلني عن طلب العلم والدعوة وأنني سأتعلق بالدنيا، فما نصيحتكم لي حفظكم الله؟

    الجواب: لا تنقطع من طلب الرزق ولا تنقطع من العمل ولا من التعلم، ففي الإمكان الجمع بينهما؛ فطلب الرزق له وقت وطلب العلم له وقت، والليل والنهار فيهما وقت واسع، فبإمكانك أن تجعل وقتاً لطلب العلم كالليل مثلاً في مثل هذا الوقت ونحوه، ووقتاً لطلب الرزق بقدر ما تيسر.

    عدم منافاة التداوي لكمال التوحيد

    السؤال: ما صحة قول من يقول: إن التداوي والعلاج ينافي كمال التوحيد؟

    الجواب: لا ينافي ذلك إذا عرف أنها أسباب، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تداووا عباد الله ولا تداووا بحرام)، وقال: (كل داء له شفاء إلا داء السام) يعني: إلا داء الموت، فإذا عرفنا أن كل الأمراض لها علاج وعالجناها واعتمدنا على الله، وعرفنا أنه الذي يسهل ويسبب الشفاء؛ فلا يكون ذلك منافياً لكمال التوحيد لاعتقاد المتداوي بأن الله هو الذي أمر بهذا، وهو الذي أنزل هذا.

    حكم تقليد النساء الكافرات في قصات الشعر

    السؤال: انتشرت في هذا الزمان قصات الشعر بين أوساط النساء مما يقلدون فيه أعداء الله وأعداء رسوله من الكافرات بموضات تأتي من الشرق أو الغرب، ويدعين أن هذا من باب التجمل لأزواجهن؛ فهل هذا صحيح؟

    الجواب: ليس بصحيح بل هذا من التقليد لنساء الغرب، وهذا مما يشوه بالمنظر والخلقة ولو ادعت النساء أنه جمال وزينة، ويحسن المظاهر ويجملها فإن هذا ليس بصحيح، ولو زين إلى بعض الأزواج أنه جمال فلا يجوز أن يتجاوب على هذا، فنحن نقول: إن الجمال الحقيقي هو في بقاء المرأة على هيئتها وخلقتها دون أن تغير شيئاً من خلق الله تعالى، كذلك أيضاً في تربية شعر رأسها على هيئته، وتظفيره ظفائر دون أن تقص منه أو أن تجعله قصاصات متفاوتة، أو أن تغيره بأصباغ ملونة متعددة، أو نحو ذلك من التقليد فكل ذلك تقليد للغرب وتغيير للخلقة، ولا يغتر بمن يطلب ذلك من امرأته؛ فإن هؤلاء ممن انخدعوا بتقليد الغربيين .

    فالمرأة عليها أن ترضى بما كان عليه أسلافها، وما عرفت هذه الأشياء إلا بعدما ابتلوا بالاختلاطات الغربية التي جاءت من قبل أناس يريدون بذلك الفتنة، ولا شك أن النساء إذا تعاطين ذلك فإنهن لابد أن يندفعن ويخرجن إلى الأسواق ويتحلين بهذه الحلي حتى يلفتن الأنظار، ويكون ذلك سبباً لفتنة كثير من الناس.

    حكم تحويل الأرض الزراعية إلى مساكن

    السؤال: لدي أرض زراعية يوجد بها عدد كبير من النخيل المثمر، فهل لي أن أزيل النخيل وأجعلها استثماراً، أي: أرضاً سكنية، علماً بأن المجاورة لها أصبحت أراضي سكنية الآن؟

    الجواب: لك ذلك مادام أنها ملكك، فلك أن تبيع أرضها وتبيعها مساكن مثلاً، أو تبيعها على من يعمرها، أو تعمرها بنفسك مساكن إذا رأيت أن المساكن أكثر غلة من النخيل، ولا شك أن النخل فيه فائدة حيث هذه التمرة التي هي من أحسن الأغذية، ولكن إذا قلت الثمرة أو رؤي أن غيرها أكثر منها منفعة جاز استبدالها.

    ولا عبرة بما اشتهر عند العوام من أن قطع النخل لا يجوز، والأصل أن الإنسان يتصرف في ماله بما يراه الأصلح.

    حكم من صلى على غير طهارة

    السؤال: أحياناً ينتقض وضوئي وتأتي الصلاة وأصلي على غير طهارة، فإذا سلمت من الصلاة تذكرت أني لم أتوضأ وأنني صليت على غير طهارة فماذا عليّ؟

    الجواب: من صلى على غير طهارة فعليه الإعادة إذا كان متحققاً أنه صلى وهو لم يتوضأ، أو انتقض وضوؤه بعدما توضأ ولم يجدد الوضوء، فلابد أن يعيد ذلك الوضوء وأن يصلي وهو على طهارة.

    ساكني الجنة ممن مات في الدنيا

    السؤال: هل يدخل الله أحداً الجنة قبل يوم القيامة، وما حقيقة الحساب الوارد في الحديث للرجل الذي قال (إنه يدخل الجنة بعمله) هل وقع أم أن الله أطلع نبيه على الغيب؟

    الجواب: الجنة علمها عند الله تعالى، والذين يستحقونها هم أولياء الله الذين خصهم بكرامته وبفضله، وأما الآن فإنها حيث لا يعلم مكانها إلا الله تعالى، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (بأن أرواح الشهداء في الجنة في أجواف طير خضر تعلق في شجر الجنة)، وكذلك أيضاً أطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على أفراد من أهل الجنة، ومنهم بعض الصحابة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة كالعشرة ونحوهم؛ لأن الله تعالى جعلهم مستحقين لدخول الجنة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756539195