إسلام ويب

شرح اعتقاد أهل السنة [8]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من عقائد أهل السنة أهل الحق: أنهم يثبتون للمولى سبحانه وتعالى كل ما أثبته لنفسه من أسماء وصفات من غير خوض في كيفية هذه الصفة أو مدلول هذا الاسم، ويقفون حيث وقف الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه رضوان الله عليهم، وينكرون على أهل البدع إنكارهم لبعض الصفات بحجة أن العقل لم يثبتها. ومن أعظم المسائل خلافاً بينهم وبين أهل البدع: مسألة النزول، ومسألة المجيء والإتيان، ومسألة الرؤية للرب عز وجل، وإثبات هذه المسائل على ما يثبته أهل السنة هو قول الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى، ومنهم الشافعي الذي ينتسب إليه الأشاعرة المنكرون لها.

    1.   

    إثبات صفة النزول لله تعالى ورد تأويلها

    قال الشيخ الحافظ أبو بكر الإسماعيلي رحمه الله تعالى في بيان اعتقاد أهل السنة: [وإنه عز وجل ينزل إلى السماء على ما صح به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا اعتقاد كيف فيه.

    ويعتقدون جواز الرؤية من العباد المتقين لله عز وجل في القيامة دون الدنيا، ووجوبها لمن جعل الله ذلك ثواباً له في الآخرة، كما قال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]، وقال في الكفار: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15]، فلو كان المؤمنون كلهم والكافرون كلهم لا يرونه كانوا بأجمعهم عنه محجوبين، وذلك من غير اعتقاد التجسيم في الله عز وجل، ولا التحديد له، ولكن يرونه جل وعز بأعينهم على ما يشاء هو بلا كيف.]

    النصوص المثبتة لصفتي النزول والإتيان

    مسألة النزول من الصفات التي يفعلها الله تعالى إذا يشاء، ومثلها مسألة المجيء والإتيان، وقد دل القرآن على الإتيان والمجيء، قال الله تعالى في سورة البقرة: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ [البقرة:210]، وقال في سورة الأنعام: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158]، وقال في سورة الفجر: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22]، وكل ذلك إنما يكون في يوم القيامة.

    ووردت الأحاديث في مجيء الله تعالى كما يشاء في يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده، وتكاثرت الأدلة عليه، واتفق سلف الأمة على إثبات هذه الصفة.

    تأويلات المبتدعة لصفتي النزول والإتيان

    ولما كان هذا المجيء وكذلك النزول الذي أثبته الله ورسوله في الأحاديث مخالفاً لما يعتقده المعتزلة ونحوهم أنكروا هذه الصفات، وقد قرأت في بعض التفاسير لبعض الأشاعرة لما أتى على الآية في سورة البقرة قال: وأما إتيان الله فقد أجمع المسلمون على أن الله منزهٌ عن المجيء والذهاب؛ لأن هذا من شأن المحدثات والمركبات. ثم ذكر أن في هذه الآية قولين: القول الأول: قول السلف، وهو إمرارها وتفويضها وعدم الخوض فيها -يزعم أن هذا قول السلف مع أن السلف قد صرحوا بالإيمان بهذه الصفات والاعتراف بمعانيها-، والقول الثاني: هو تحريفها الذي يسمى تأويلاً.

    وقد سلطوا عليها التأويلات وتكلّفوا في صرفها، فآية سورة البقرة: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ [البقرة:210] لا شك أن هذا عند قيام الساعة، يعني: أن يأتيهم الله تعالى لفصل القضاء بينهم ولعقاب من يعاقب.

    والمتأولون قالوا: المجيء هنا لأمر الله. أو قالوا: المأتي به محذوف تقديره: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بعذاب في ظلل من الغمام، أو: أن يأتيهم عذاب الله في ظلل من الغمام.

    وقرأنا في كتب التفسير عن بعض السلف أنهم قالوا: تأتي الملائكة في ظلل أو كالظلل من الغمام، ويأتي الله فيما يشاء، وهذا مذكور في تفسير ابن جرير وفي غيره من تفاسير السلف، اعترافٌ بأن الله تعالى يأتي كما يشاء.

    وتأويلهم أيضاً لآية الأنعام: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158]. فالإتيان هنا لثلاثة أشياء: الملائكة والرب وآيات الرب، فتسلطوا على (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) فقالوا: أمره.

    ولا شك أن ذلك يتعارض مع الجملة التي بعدها (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ)، لأن هذه تغني عنها إذا قالوا (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) يعني أمره. فقوله تعالى: (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ) بعض آياته من أمره، فيكون هذا تكرار غير مستساغ، وينزه كلام الله تعالى أن يكون فيه هذا التكرار الذي لا فائدة فيه.

    فلا بد أن يكون أمر الله تعالى يأتي في كل حين، وهذه الآية فيها تخويف لهم أن يأتيهم أمر الله تعالى، وأن يأتيهم الله، وأن تأتيهم بعض آياته، وأن تأتيهم الملائكة ونحو ذلك.

    وكذلك قوله في سورة الفجر: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22] لا شك أيضاً أنها صريحة في إثبات مجيء الله كما يشاء، (جَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ) يعني: وجاء جنس الملائكة، (صَفًّا) صفوفاً متتابعة صفاً وراء صف. فهذه أدلة من القرآن.

    وقد ذكرنا أن الأشاعرة والمعتزلة سلطوا عليها التأويلات لأنهم ينكرون صفات الأفعال، ويقولون: إن المجيء والذهاب من شأن المحدثات والمركبات. ولا ندري ماذا يريدون بالمحدثات؟! فمعلوم أن إتيان ومجيء كل شيءٍ بحسبه، فلا يجوز أن نحكم فيها الآراء ونسلط عليها التقديرات ونتخرص بها تخرصاً لا موقع له ولا مستند، بل نعترف ونتحقق بأن كل ما ذكره الله عن نفسه فإنه حق ويقين.

    فنقول: يأتي الله تعالى لفصل القضاء بين عباده، ولكن لا ندري ما كيفية إتيانه، كما أننا لا نكيف ذاته.

    وأما النزول فهو وارد في الأحاديث مشهور، ذكر ابن كثير وغيره أنه مروي عن عشرة من الصحابة، وقد يكون لأكثر من العشرة، وحديث النزول روي بلفظ (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا)، وبلفظ: (إذا كان في آخر الليل)، أو: (نصف الليل)، أو: (إذا كان ثلث الليل)، أو: (يهبط الله عز وجل إلى السماء الدنيا)، أو ما أشبه ذلك من العبارات والألفاظ، وقد أورد الأحاديث ابن القيم رحمه الله في كتابه (الصواعق) واستوفى ما ورد فيها مع الاقتصار على بعضها لا كلها، وتبعه حافظ الحكمي في (معارج القبول) فأورد الأحاديث التي وردت في النزول في آخر الليل بلفظ: (ينزل) أو (نزل) أو (يهبط) أو (هبط) أو ما أشبه ذلك، وهي أحاديث كثيرة يدل مجموعها على أنه مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه حق ويقين.

    ولما كان هذا مما يخالف معتقد المعتزلة والأشعرية ونحوهم الذين ينكرون صفات الأفعال كثُر خوضهم في ذلك فقدروا فيه التقديرات، فمنهم من قال: ينزل أمره. تفسيراً بالتحريف.

    ومنهم من قال: لا نقبل هذه الأحاديث ولو كانت صحيحة لأنها تخالف المعقول، فعقولنا تنزه الله عن مثل هذه التقديرات. فردوها وسلطوا عليها التأويلات أو كذبوا بها.

    رد أهل السنة على منكري النزول والمجيء

    ولما اشتهر ذلك عندهم صرّح أهل السنة بمدلولها، وقالوا: نقول بها لأنا إذا رددناها لزمنا أن نرد شطر الدين؛ لأن الذين جاؤوا بهذه الأحاديث هم الذين جاؤوا بأحاديث الصلاة والصوم والصدقات والجهاد والمحرمات والمحللات.

    فكيف نرد بعض حديثهم ونقبل بعض حديثهم، لا شك أن في هذا طعناً فيهم أنهم ليسوا بثقات؛ حيث إنه رُدّ قولهم، فإما أن نقبل أقوالهم كلها وإما أن نردها كلها.

    ولهذا يقول الكلوذاني في عقيدته:

    قالوا النزول فقلت ناقله لنا قوم هم نقلوا شريعة أحمد

    قالوا فكيف نزوله فأجبتهم لم ينقل التكييف لي في مسند

    وهكذا أخبر بأنه نقلة لنا من نقل الشريعة، وأننا نقبله ولا نكيفه فقال: لم ينقل التكييف لي في مسند. وهذا معنى ما ذكره الإسماعيلي : أنه ينزل إلى سماء الدنيا على ما صح به الخبر بلا اعتقاد كيف، يعني: لا نكيف النزول. وذلك لأن الذين أنكروا ذلك أخذوا يكيفون: كيف ينزل؟ وهل يخلو منه العرش؟ وهل ينزل بعرشه؟ وهل تكون السماوات فوقه؟ وهل يحصل كذا وكذا؟

    ولا دخل لنا في ذلك، ينزل كما يشاء، ونؤمن بذلك، ونعرف أن النزول حق يستدل به على صفة العلو، وذكر ذلك ابن عبد البر في (التوحيد) وقال: هذا دليل على إثبات صفة العلو لله؛ لأن النزول لا يكون إلا من أعلى.

    ورُفع إلى شيخ الإسلام ابن تيمية سؤال عن هذا النزول فأنكره أحد السائلين، وادعى أن الليل يختلف باختلاف البلاد، فإذا كان الليل عندنا كان النهار في البلاد الأخرى وإذا كان الليل في البلاد الأخرى كان الليل عندنا، يقول: على هذا يستلزم أن الله تعالى دائماً ينزل! فأجاب على هذا السؤال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والجواب مطبوع في رسالة بعنوان شرح حديث النزول، فتوسع في أحاديث النزول وفي أدلتها وفي ألفاظها، ثم بيّن حقيقة النزول وتوقف عن الكيفية، ثم أجاب عما ذكروه من أن الليل يختلف باختلاف البلاد، واعترف بذلك وقال: نحن نقول: ينزل ولا يشغله شأن عن شأن، فإذا نزل على هؤلاء فلا يشغله شأنه ألا ينزل على الآخرين، ثم ينزل على الآخرين كما يشاء فالحاصل أنه لا مانع من أن ينزل على كل قوم في ثلث ليلهم الأخير كما يشاء، هذا جواب.

    وجواب ثان أنه يمكن أن يخص النزول بالجزيرة التي نزل فيها الوحي، والتي هي منبع الرسالة، أي: يكون النزول خاصاً بهم، وأن أولئك إذا نزل في هذا الوقت فلهم أن يجتهدوا في ذلك الوقت ولو كان عندهم نهاراً.

    هذا ونحوه قول أهل السنة في إثبات هذه الصفة، وأنها من صفات الأفعال.

    1.   

    إثبات رؤية المؤمنين لله في الآخرة والرد على من أنكرها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويعتقدون جواز الرؤية من العباد المتقين لله عز وجل في القيامة دون الدنيا، ووجوبها لمن جعل الله ذلك ثواباً له في الآخرة].

    فرّق في أول الأمر بقوله (جواز الرؤية) ثم بعد ذلك قال: (ووجوبها)، فيعتقدون الجواز ويعتقدون الوجوب، فالوجوب هو أن الله تعالى وعد المتقين بأنهم يلقون ربهم، وبأنهم يرونه ويكون ذلك من ثوابهم، ولا بد أن يحصل ذلك كما أخبر الله به وكما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.

    ومسألة الرؤية هي أيضاً من المسائل التي عظم فيها الخلاف فأنكرها المعتزلة إنكاراً بليغاً وشددوا في إنكارها، وقالوا: لأنها -أولاً- تستلزم المقابلة، وثانياً تستلزم الجهة، وثالثاً تستلزم التجسيم -على حد تعبيرهم-. وغير ذلك من التقديرات، فلذلك أنكروها.

    وهذا مبني على معتقدهم الضال الذي يدينون به أن الله تعالى ليس في جهة، لا فوق، ولا تحت، ولا يمين، ولا يسار، ولا أمام، ولا خلف، ومعتقدهم أيضاً أن الله ليس بعرض ولا بجوهر.

    وإذا نظرنا في معتقدهم في ذات الله تعالى رأينا أن حقيقة قولهم أنهم لا يثبتون ذاته، فلا جرم كان قولهم في هذا الباب مبنياً على عقيدتهم، وهي اعتقاد أن الله ليس في جهة، فإذا لم يكن في جهة فكيف يتمثل أمام الرائين، الرؤية لا بد أن تكون أمام الرائي، وأن تكون عن مقابلة ونظر، فأنكروها إنكاراً بليغاً.

    ثم جاء الأشاعرة وهم أكثر وجوداً وأشد تكاثراً في البلاد، ومذهبهم هو المذهب المنتشر والمتمكن في كثير من البلاد الإسلامية، ولما كان أكثرهم على مذهب الشافعي في الفقه والأحكام، وكان الشافعي رحمه الله يصرح بإثبات رؤية الله تعالى ويستدل بقوله للكفار: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15]، ويقول: إن هذا من عقيدة المسلمين. حينها لم يتجرؤوا على إنكار الرؤية إنكاراً واضحاً، بل أقروا بها إقراراً ظاهراً، ولكن في الحقيقة لا يثبتونها، فيقولون: نثبت رؤية الله، ولكن الرؤية التي نثبتها هي مكاشفات للقلوب وتخيلات ليست حقيقة. فينكرون أن تكون الأحداق تقابل ذات الرب تعالى، ويقولون: ليس المراد من تلك الرؤية تقليب الأحداق نحو ذات الرب تعالى؛ فإن هذا محال -في زعمهم- لأنه يستلزم إثبات الجهة. هذا هو معتقدهم.

    فنقول: نحن نثبت الرؤية الحقيقية، ونثبت أن الله تعالى في جهة العلو فوق عباده، ونثبت أنه يتجلى لعباده كما يشاء، كما أننا وأنتم نثبت لله تعالى ذاتاً حقيقية، وإذا كان كذلك فلا بد أن تكون الذات تُرى، يراها عباده كما يشاء ويتجلى لعباده، وكما أنه تعالى يُسمع كلامه فلا بد أيضاً أن يكون يُرى كما يشاء ويتجلى لعباده، وهذا هو القول الذي تؤيده الأدلة.

    وقد استُدِل على ذلك بأن موسى عليه السلام سأل الرؤية بقوله: رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف:143]، ولا بد أن موسى عالم بأنه يمكن أن يرى ربه، ولكن الله تعالى أخبر موسى بأنه لا يستطيع أن يتماثل وأن يثبت أمام عظمة الرب تعالى، ولهذا قال: وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا [الأعراف:143].

    يقول أهل السنة: إن الله تعالى علّق رؤيته على ثبات الجبل واستقراره، ولا شك أنه ممكن، والتعليق على الممكن ممكن، وأيضاً فإن الله تجلّى للجبل والجبل جماد، فإذا جاز أن يتجلى للجبل فكيف لا يتجلى لعباده؟! ولكن عباده في الدنيا خلقتهم ضعيفة لا يمثلون ولا يثبتون أمام رؤية الله تعالى الذي هذه عظمته؛ لأنه ورد في الحديث: (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، فقد أخبر في هذا الحديث بأنه احتجب بالنور، وأن هذا النور لو كشفه لاحترق ما انتهى إليه من الخلق من جماد أو من حيوان أو نحو ذلك، فإذا كان في يوم القيامة أمد عباده المؤمنين في الجنة بقوة في أجسادهم وأنظارهم يثبتون بها لرؤية الله إذا تجلى لهم، ويكون ذلك من أعظم ثوابهم وأجرهم عند ربهم.

    فنعتقد أن رؤية الله تعالى في الآخرة ممكنة، وأنها واقعة في الجنة، وقد ورد في حديث الشفاعة أن الله تعالى ينزل لفصل القضاء بين عباده كما يشاء، وأنه يقول: (لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ومن كان يعبد القمر القمر، ومن كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الرب تعالى في صورة غير التي يعرفونها، فيقول: ماذا تنتظرون؟ فيقولون: فارقنا الناس أحوج ما كنا إليهم، فلا نزال هاهنا حتى يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه. فعند ذلك يكشف عن ساق فيسجد من كان يسجد لله تعالى في الدنيا اختياراً، ويتعذر السجود على من كان لا يسجد في الدنيا، وذلك معنى قوله: وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ [القلم:42])، فالحاصل أن في هذا دليلاً على أنه يتجلى لعباده في يوم القيامة ويرونه ويعرفونه، هذا في يوم القيامة، وأما في الجنة فالأحاديث صريحة في إثبات أن الله تعالى يتجلى لعباده، وأنهم يزورون ربهم إما في كل أسبوع وإما في كل يوم مرة أو مرتين.

    وفُسِّر قول الله تعالى: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم:62] قالوا: ليس في الجنة شمس ولا ليل ولا نهار، بل كل وقتهم ضياء، ولذلك فلا بد أن يكون قوله (بُكْرَةً وَعَشِيًّا) له معنى. ففسِّر بأن ثوابهم الذي منه رؤية الله تعالى يكون بمقدار الغدو في الدنيا والعشي فيها.

    ويدل أيضاً على ذلك حديث جرير في الصحيحين عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا)، ويريد بهاتين الصلاتين العصر والفجر.

    فقيل: الحكمة في ذلك أن الذين يواظبون على هذه الصلوات يكون من ثوابهم أن الله تعالى يتجلى لهم ويرونه بكرة وعشياً، أي: في وقت صلاة العصر والفجر.

    فهؤلاء هم أعظم أهل الجنة ثواباً، وأما البقية من أهل الجنة فإنهم يرون ربهم بمقدار يوم الجمعة، ويسمى يوم المزيد، وبذلك فُسِّر قوله تعالى: وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35] أن المزيد هو النظر إلى رؤية الله تعالى، وأن ذلك يكون بمقدار يوم الجمعة، أي: بعدما يمضي عليهم قدر سبعة الأيام، ففي يوم الجمعة يزورون ربهم، فقد ورد في الأحاديث أنهم ينصب لهم منابر من نور -أي: كراسي- ومنابر من لؤلؤ وذهب وفضة، ويجلس أدناهم -وما فيهم دني- على كثُب من اللؤلؤ لا يرون أن أهل المنابر أفضل منهم، لا يحصيهم إلا الله تعالى، يجلسون كما يشاء، ثم يتجلى لهم، فإذا تجلى لهم الرب تعالى لم يلتفتوا إلى غيره ماداموا مقابلين له، ويخاطبهم ويخاطبونه كما يشاء كذلك حتى يحتجب عنهم، فإذا رجعوا إلى أهليهم وزوجاتهم من الحور العين قالوا: لقد ازددتم بعدنا نعيماً. فيقولون: وكيف لا وقد لقينا ربنا أو رأينا ربنا. وفسِّر بذلك قول الله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ [يونس:26]، فالزيادة فسِّرت بأنها النظر إلى الله تعالى، (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى) يعني الجنة، (وَزِيَادَةٌ) يعني النظر إلى وجه الله تعالى، فسّرها بذلك كثير من السلف، وروي ذلك مرفوعاً، وفسّرها بذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه وغيرهم.

    ثم قال: (وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ)، يعني: ومتى نظروا إلى ربهم فلا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة. والقتر: هو الغبرة التي تكون على الوجوه، لقوله تعالى: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ [عبس:40-41]، فالحاصل أن هذا أكمل وأشرف نعيم أهل الجنة.

    والذين أنكروا ذلك كأنهم حرموا أنفسهم أعظم لذة وأعظم نعيم يتنعم به أهل الجنة، وادعوا أن ذلك يكون تنقصاً لله تعالى، وأنه وصف له بوصف الحوادث أو المركبات أو ما أشبه ذلك، فالحاصل أنا نؤمن بجواز الرؤية من العباد لله تعالى في يوم القيامة، يرونه إذا نزل لفصل القضاء، ووجوبها لمن جعل الله ذلك لهم ثواباً في الآخرة، على أن ذلك من نعيم أهل الجنة، واستدل بهاتين الآيتين، الأولى: قول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]، فاللفظة الأولى كُتبت بالضاد (نَاضِرَةٌ) من النضارة التي هي البهاء والسرور، كما في قوله تعالى: وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا [الإنسان:11] أي: بهاءً وزينة وجمالاً، لماذا؟ لأن تلك الوجوه نظرت إلى ربها فازدادت نضارة وحسناً، ولهذا قال: إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وهذه الأخيرة كتبت بالظاء أخت الطاء من النظر الذي هو المعاينة، أي: تنظر إلى ربها. فهي دليل واضح، فالله تعالى ذكر الوجوه لأن أثر النضارة يظهر على الوجه من إشراق الوجه وسروره، فإذا لقي ما يسره أشرق الوجه وأسفر، والأعين لا شك أنها في الوجه، أي: بالوجه حقاً، لهذا وصف الله تعالى وجوههم بأنها ناضرة إلى ربها ناظرة.

    ثم استدل أيضاً بالآية الأخرى كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15]، وعيد للكفار أنهم يوم القيامة وفي النار محجوبون عن ربهم، والحجاب عذاب لهم، ولا شك أن هذا دليل على أن المؤمنين ليسوا بمحجوبين، فلو كانوا لا يرون الله تعالى لكان كل الخلق محجوبين عن ربهم، فلما حجب الكفار لكونه غضب عليهم دلّ على أن المؤمنين لا يحجبون عنه لكونه رضي عنهم.

    قال المصنف رحمه الله: [فلو كان المؤمنون كلهم والكافرون كلهم لا يرونه كانوا بأجمعهم عنه محجوبين]، وهذا هو اعتقاد أهل السنة، وهذه الآية استدل بها الإمام الشافعي على ذلك، قال: إذا حجب الله تعالى الكفار في حال الغضب دلّ على أنه لا يحجب المؤمنين في حال الرضا، فقد حجب الكفار لأنه سخِط عليهم فلا يحجب المؤمنين لأنه رضي عنهم.

    حكم استخدام لفظ التجسيم ونحوه في العقيد

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وذلك من غير اعتقاد التجسيم في الله عز وجل، ولا التحديد له، ولكن يرونه جل وعز بأعينهم على ما يشاء هو بلا كيف].

    كلمة (التجسيم) من الألفاظ المبتدعة التي لم ترد في الشرع إثباتاً ولا نفياً، وكان الأولى بالمؤلف أن لا يذكرها لأنها من جملة ما يحتجون به، حيث إنهم يقولون: إن الله تعالى ليس بجسم، وإذا لم يكن جسماً فكيف يُرى. ويقولون: إن إثبات الرؤية يلزم منه أن يكون جسماً. ويقسمون الموجودات إلى جواهر أو أعراض، والعرض هو ما ليس له جُرْم، والجسم ما له جُرْم، ونحو ذلك.

    والصحيح أن كلمة التجسيم لا يجوز استعمالها، فمن قال: إن الله جسم فهو مبتدع، ومن قال: إن الله ليس بجسم فهو مبتدع.

    يقول المعلق هنا: (التجسيم من الألفاظ المجملة المحدثة التي أحدثها أهل الكلام لم ترد في الكتاب والسنة، ولم تعرف عن أحد من الصحابة والتابعين وأئمة الدين، وما كان أغنى المؤلف رحمه الله عن مثل هذه الكلمات المبتدعة، لذلك لا يجوز إطلاقها لا نفياً ولا إثباتاً، فإن الله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله نفياً أو إثباتاً).

    يُنكر على من استعمل لفظة التجسيم إثباتاً أو نفياً.

    وقد تكلم على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في (المنهاج) وفي غير ذلك من كتبه، وأنكر على من يستعمل هذه الكلمات، ولما جادله بعض الأشاعرة قالوا له: يلزمك إذا قلت: إن الله يسمع لا كسمع المخلوق، وأن لله حياة لا كحياة المخلوقين، وإن لله علماً لا كعلم المخلوقين، وإن لله وجهاً لا كوجوه المخلوقين يلزمك أن تقول: إن لله جسماً لا كأجسام المخلوقين. فاعتَرضَ على ذلك وقال: لفظة التجسيم ليس عليها دليل في الكتاب ولا في السنة، فلأجل ذلك ننكرها ولا نقول: إن الله جسم ولا إنه غير جسم، كما لا نقول: عرض ولا غير عرض، وكما لا نقول: جوهر ولا غير جوهر.

    وكذلك كلمة (الحد) فالتحديد من العلماء من أطلقه وقال: إن لله تعالى حَداً. ومنهم من قال: ليس لله حد. والأولى التوقف في الأشياء التي لم يرد عليها دليل، والذين أثبتوا الحد لله أرادوا بذلك الرد على من ادعى أن الله تعالى في كل مكان وقالوا: ليس لله حد ولا منتهى. فمن أجل أن يبطلوا قول هؤلاء الملاحدة الذين يدعون أو يصفون الله تعالى بأنه في كل مكان، أو بأنه عين وجود الموجودات صرّح أهل السنة أو بعضهم بأن الله تعالى له حد، أي: له منتهى، ولكن الكلمات التي لم يرد عليها دليل الأولى عدم إطلاقها.

    وعلى كل حال فهذه المسائل -أي: مسألة النزول والرؤية- من المسائل الاعتقادية التي يدين بها أهل السنة، ويعتقدون أنها على الحقيقة وإن لم يكيفوها، فيتوقفون عن التكييف ويثبتون المعاني ويثبتون الدلالات.

    ملخص اعتقاد أهل السنة في الرؤية

    مسألة رؤية المؤمنين لربهم في القيامة وفي الجنة من المسائل التي طال الجدال فيها والنزاع مع المعتزلة ومن على طريقتهم، وذلك لأن سلف الأمة وأئمتها عملوا بالسنة وبالأحاديث التي ثبتت عندهم في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة، واعتقدوا ذلك اعتقاداً صحيحاً، واعتقدوه ديناً، واستدلوا عليه بالآيات وبالأحاديث الصريحة، وبالنقول عن السلف الصالح، وذكروا ذلك في معتقداتهم.

    فذكره الإمام الشافعي واستدل له بقوله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15]، وذكر الرؤية الإمام أحمد واستدل له بقوله تعالى: إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:23]، وبالأحاديث، وذكرها الطحاوي في عقيدته، والإسماعيلي في هذه العقيدة، والدارمي في مقدمة سننه، وعثمان بن سعيد في رده على الجهمية، وأكثر أئمة السلف الذين لهم مؤلفات نصوا على الرؤية وأثبتوها، وخالفهم في ذلك المعتزلة ومن على شاكلتهم.

    وكان من جملة ما استدلوا به قول الله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ [الأنعام:103]، فيرددون هذه الآية دليلاً على أنه لا يُرى، وقد استدل بها أهل السنة على أنه يُرى، حتى الأشاعرة جعلوها دليلاً على إثبات الرؤية، وقالوا: إن الإدراك شيء زائد على الرؤية، فإنه لم يقل: لا تراه. بل قال: (لا تدركه)، والإدراك هو إدراك الماهية وليس هو الرؤية.

    وذكر عن ابن عباس أنه سُئل عن هذه الآية فقال: ألست ترى القمر؟ قال: بلى. قال: أكله؟ قال: لا. قال: فذلك الإدراك.

    فنحن نرى القمر ولكنا نرى ما يقابلنا منه، ونراه أيضاً صغيراً مع أنه كبير، ومع ذلك لا ندرك ماهيته، ولا ندرك من أي شيء هو، هل هو تراب أو حجارة؟ لا ندري ما هيته، فذلك هو الإدراك.

    والمعنى أن الأبصار إذا رأته فإنها لا تحيط به.

    الحاصل أن الآية دليل على إثبات الرؤية، كأنه يقول: متى رأته الأبصار فإنها لا تحيط به، وذلك دليل على عظمته وكبريائه، فأصبحت الآية دليلاً لأهل السنة لا دليلاً عليهم.

    وأكثر ما يتشبث به المعتزلة ونحوهم دليل العقل، حيث جعلوا العقل دليلاً، وقالوا: إن إثبات الرؤية يستلزم المقابلة، ويستلزم تحديق الأبصار وتقليبها نحو الخالق، أن يكون في جهة مقابلاً للناظرين، وهذا -في زعمهم- من المحال. وليس فيما أخبر الله شيء تحيله العقول، بل كل ما أخبر الله به فإنه تقره العقول السليمة.

    فالحاصل أن إثبات رؤية الله تعالى في الدار الآخرة هو قول أهل السنة ولا عبرة بقول أهل البدع.

    1.   

    الأسئلة

    عقيدة أهل السنة في رؤية النبي لربه

    السؤال: هل رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ربه أم لم يره؟

    الجواب: هذه من المسائل التي اختلف فيها السلف؛ فروي عن ابن عباس إثبات الرؤية، وروي عن عائشة إنكارها بشدة، ولما سألها بعض التابعين: هل رأى محمد ربّه قالت: (لقد وقف شعري مما قلت)، ثم ذكرت أنه ما رأى ربه في الدنيا، ثم استدل عليها بآية في سورة النجم وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى [النجم:13]، وآية في سورة التكوير وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ [التكوير:23] فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين)، فالضمير في وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ [التكوير:23] يعود إلى ملك الوحي، وهذا هو القول الصحيح أنه ما رآه في الدنيا، وذلك لأن الله تعالى منع موسى من الرؤية، وأخبر أنه لا يثبت أمام رؤيته كما لم يثبت الجبل، وأن خِلقة الإنسان في الدنيا لا تمكنه من الثبوت لجلال الله تعالى وعظمته.

    وورد أيضاً في صحيح مسلم حديث أبي ذر : (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنى أراه)، وفي رواية: (رأيت نوراً).

    فأثبت أن هناك نوراً يمنع أن يتمثّل الإنسان أمام هذا النور، وقد ذكرنا قوله عليه الصلاة والسلام: (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه).

    فالراجح أنه ما رأى ربه، والأحاديث التي فيها أنه رآه محمولة على أنها رؤيا منامية، والرؤيا المنامية لا تدل على أنها رؤيا حقيقية.

    رؤية الله في المنام

    السؤال: هل من الممكن رؤية الله في المنام، وهل ثبت أن أحداً السلف رأى الله؟

    الجواب: الرؤية في المنام واقعة، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بقوله: (رأيت ربي في أحسن صورة)، وذكر أنه وضع يده على صدره وقال: (حتى وجدت برد أنامله بين صدري)، وهذا تمثيل، والرؤيا المنامية إنما هي خيال، ولا يلزم منها أن يكون ذلك الذي رؤي مشابهاً لله تعالى، فالإنسان يتخيل أنه رأى في المنام ربه وأنه تهيأ له بكذا وكذا، ولكن لا يلزم أن يكون الرب مماثلاً لتلك الرؤيا أو لذلك الشيء الذي تمثّل أمام ذلك الرائي.

    رد الاستدلال بحديث: (رداء الكبرياء على وجهه) على منع الرؤية

    السؤال: يستدل منكروا الرؤية بهذا الحديث: (جنتان من فضة..) إلى أن قال: (وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه).

    الجواب: الحديث صحيح، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن).

    فما بينهم وبين أن ينظروا إليه إلا هذا الرداء، ولكن لا شك أنه يكشف هذا الرداء إذا شاء لعباده ويتجلى لهم كما يشاء فينظرون إليه.

    وجاء في الأحاديث أنه يتجلى لهم وأنه يكشف عنه الحجب، فهذا دليل واضح، وفيه أنه يتجلى لهم، وأن هذا الحجاب الذي هو رداء الكبرياء يكشفه إذا شاء.

    رؤية الرجال والنساء لله في الجنة

    السؤال: ذكر في الحديث أن أهل الجنة يرون الله تعالى، ثم يرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا جمالاً، فهل معنى هذا أن أهليهم لا يرون الله تعالى؟ وهل يعني هذا أن الرؤية خاصة بالرجال دون النساء؟

    الجواب: الحديث ورد في ذكر الحور العين اللاتي خلقن في الجنة، ولكن نساء الجنة لهن أيضاً حظ من النعيم، فلا بد أن يكون لهن رؤية كما يشاء الله، وإن لم تكن محددة، وعلى كل حال فأهل الجنة رجالهم ونساؤهم لا بد أنهم يتنعمون بما يكون لذة لهم كما يشاء الله.

    الجمع بين حجب الله للكافرين وبين حسابه لكل الخلق

    السؤال: كيف نجمع بين قوله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15]، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان

    الجواب: الخطاب للمؤمنين، أخبر -أنكم أيها المؤمنون الذين يخاطبهم- سيحاسبكم ربكم ويكلمكم ولا يحتجب عنكم، فإما أن يكون المراد أنه يخاطب العباد ويكلمهم دون أن يحتاج إلى مترجم يترجم كلامه بل يكلمهم بما يفهمونه، وإما أنه يكلم كلاً منهم، فإن كان عاماً بمعنى: ما منكم من أحد -أيها الخلق- إلا سيكلمه فلا يلزم أن يكون متجلياً لهم، بل يكلمهم ولو كان محتجباً عنهم، وإن كان الخطاب للمؤمنين فلا يبعد أنه يكشف الحجاب لهم ويخاطبهم، ويراهم ويرونه كما يشاء.

    أجر احتساب الولد الواحد عند الله تعالى

    السؤال: من مات له ولد هل يدخل تحت حديث جابر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من مات له ثلاثة من الولد فاحتسبهم دخل الجنة. قال: قلنا: يا رسول الله! واثنان؟ قال: واثنان)، قال أحد رواة الحديث لـجابر : أراكم لو قلتم: وواحد لقال: وواحد. قال: (وأنا والله أظن ذاك)، فهل يدخل ذلك في هذا الحديث؟

    الجواب: لا شك -إن شاء الله- أن من ولد له أولاد ذكور أو إناث ثم ماتوا أن الله تعالى يجزيه على صبره واحتسابه، حيث إن الله ركز حب الولد ذكوراً وإناثاً في قلوب الأبوين، فإذا مات وأحس بالمصيبة وصبر واحتسب أجره الله تعالى على قدر ما أصابه، ولو كان واحداً؛ لقولهم في الحديث: (ثم لم نسأله عن الواحد).

    فليصبر المصاب وليحتسب فيجد أجر المصيبة عند الله تعالى.

    موقف أهل السنة من بدعة المولد

    السؤال: نحن أهل بلد يكثر فيه بدعة الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم وإلقاء القصائد مع ذلك، ونحن نعلم قبح هذا العمل، ولكن لا نستطيع فعل شيء، فما موقفنا من هذا؟

    الجواب: لا شك أنها بدعة منكرة ابتدعت في القرن الرابع، والذين ابتدعوها هم الرافضة، ثم استمر العمل بها في الجهلة من غير الرافضة ممن يتسمون بالسنة، وسبب ذلك الجهل بالسنة الحقيقية، حتى استحسنها كثير ممن ينتمي إلى العلم، ولكن في القرون المتأخرة في القرن التاسع وما بعده تمكنت، ولا تزال متمكنة في كثير من البلاد، يحتفلون في ليلة الثاني عشر من شهر ربيع الأول، ويجتمعون ويقرؤون سيرة الرسول، ويدعي بعضهم أنه يحضرهم ويسمع كلامهم ويقرهم على ذلك، ثم ربما فعلوا شيئاً من المنكرات كالاختلاط بين الرجال والنساء، أو شيئاً من الأشعار واللهو الذي قد يكون فيه مبالغة في المدح والإطراء والغلو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.

    فنقول: عليكم أن تنكروا على هؤلاء بحسب ما تستطيعون، فتسألونهم: هل هذا الاجتماع وإحياء هذه الليلة فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لم يفعله؟ فلا بد أن يقولوا: ما فعله فهل فعله الخلفاء الراشدون الذين أُمرنا بالاقتداء بهم؟ فلا بد أن يقولوا: ما فعلوه فهل فعله السلف الصالح من أهل القرون المفضلة؟ فلا بد أن يقولوا: ما فعلوه.

    فإذاً لا بد أن يكون بدعة؛ حيث إنه ما فعل إلا بعد القرون المفضلة.

    ثم لا شك أنه ولو كان عملاً صالحاً، ولو كانوا يقرؤون القرآن والسيرة النبوية ويصلون على النبي ونحو ذلك فإنهم إما أن يقولوا: إنهم خير من السلف. أو: إن السلف خير منهم. فإذا اعترفوا بأن السلف خير منهم فكيف فاتتهم هذه العبادة التي جئتم بها بعدهم بعدة قرون، لعلكم بذلك تخالفونهم.

    وإذا لم تقدروا على نصحهم فعليكم أن تعتزلوهم في تلك الليلة وتشتغلوا بشيءٍ ينفعكم إما بتعلم علم أو نحو ذلك، أو تتفرقوا وتتركوهم حتى يشعروا بذلك، ولعلكم أيضاً تقرؤون عليهم بعض ما كُتِب في هذا الموضوع.

    حكم دخول المقبرة بالنعال

    السؤال: هل يجوز دخول المقبرة بالنعال، وكيف نوفق بين ذلك وحديث: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم

    الجواب: ورد فيه حديث بشير بن الخصاصية يقول: إنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يمشي وعليه سبتيتان -نوع من النعال- فقال: (يا صاحب السبتيتين اخلع سبتيتيك)، رواه أبو داود وغيره.

    فاستُدل بهذا على أنه لا يجوز المشي بالنعال بين المقابر، ولكن يظهر أن تلك النعال السبتية لها خصوصية، وهي نوع من النعال، وأنه ما أمره بخلعها إلا لشيءٍ خاص، إما أن فيها نجاسة، وإما أنها صنعت من جلد ميتة أو نحو ذلك، فالحاصل أن هذا وإن أخذه بعض العلماء على ظاهره فالأظهر أنه لا يدل على المنع، والدليل الحديث المشهور عن البراء في قوله صلى الله عليه وسلم لما ذكر الميت وأنه يعذب وأنه يأتيه الملكان ونحو ذلك قال: (فإذا انصرفوا عنه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان)، فذكر أنه يسمع قرع نعالهم، فدل على أنهم يلبسون النعال، وهذا هو المشهور، أنه لا بأس بلبس النعال والأحذية ما عدا الأحذية التي فيها نجاسة أو ما أشبه ذلك مما يشبه السبتية.

    حكم اختلاء عدة نساء بسائق السيارة

    السؤال: ما حكم ذهاب المرأة لوحدها مع سائق أجنبي داخل المدينة؟ وما الحكم إذا كان عدد النساء اثنتين فما فوق، وما حكم ذهاب النساء إلى الحفلات التي تقام في الفنادق؟

    الجواب: يكاد يستدعي هذا توسعاً، ولكن نقول: على المرأة أن تتحفظ وتتثبت وتعمل بما أمرها الله، قال الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33]، فلا تذهب إلا لأمر ضروري، وكونها -مثلاً- تضطر وتذهب إلى الأسواق إذا كان هناك ضرورة ولم تجد من يقوم مقامها ولا من تبعثه لقضاء أو لشراء غرض تحتاجه فلا بأس بدخولها الأسواق، أما ركوبها مع السائق فلا يجوز ذلك على الإطلاق؛ لحديث النهي عن الخلوة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان)، فإن كان هناك ضرورة كذهابها إلى المستشفى لمرض أو نحو ذلك فيكون بقدر الحاجة، والأولى أن تركب معها امرأة أخرى، ولو إحدى جيرانها أو قريباتها، فإذا ذهبت إلى السوق أو المستشفى ولم تجد محرماً وكان ذلك لضرورة تستصحب معها امرأة أخرى حتى لا يحصل الانفراد ولا تحصل الخلوة، ولأنه إذا كانتا اثنتين أو ثلاثاً كان ذلك أبعد عن الريبة والتحدث مع السائق أو تحدث السائق معها أو نحو ذلك.

    وأما ذهابها إلى بيوت الحفلات فلا يجوز إذا كان فيها منكر، وأما إذا لم يكن فيها منكر فلعل ذلك مباح وجائز، وهو مما اعتيد عليه إذا كانت بيوت الحفلات والأعراس ونحوها فيها اجتماع نساء وليس فيها رجال، والأغاني التي فيها ليست أغاني تشبيب ونحو ذلك، وليس فيها طبول وإنما فيها الدف الذي أمر بضربه، فلعل ذلك مما يتسامح فيه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755931207