إسلام ويب

شرح اعتقاد أهل السنة [5]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من عقيدة أهل السنة والجماعة أهل الحديث: أنهم يثبتون لله تعالى كل ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات الذاتية والفعلية، ويثبتون ذلك إثباتاً مفصلاً، وينفون عنه النقائض نفياً مجملاً، وينكرون على المتكلمة وغيرهم من أهل البدع ما يذكرونه من النفي المفصل المشتمل على التنقص من الله سبحانه وتعالى.

    1.   

    قاعدة فيما يذكر من صفات السلب لله تعالى

    ذكر المؤلف رحمه الله أن الله تعالى موصوف بما وصف به نفسه وبما وصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم -وهذه العبارة يكررها أهل السنة في عقائدهم- ثم بعد ذلك يفصلون، فإنه هنا ذكر بعض الصفات الفعلية وبعض الصفات الذاتية، فذكر صفة اليد وهي من الصفات الذاتية، وصفة الاستواء وهي من الصفات الفعلية.

    كذلك أيضاً ذكر بعض الصفات السلبية، مثل قوله: [ولا يعجزه شيء]، فهذه من الصفات السلبية، وقوله: [ولا يوصف بما فيه نقص أو عيب أو آفة] هذا من الصفات السلبية.

    وقد ذكر العلماء أن الله تعالى بعث رسله بإثبات مفصَّل ونفي مجمل، وذلك لأن الإثبات مقصود لذاته، فلأجل ذلك فُصِّل في الإثبات، وقد أثبت الله تعالى لنفسه النفس في قوله: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:12] ، وأثبت صفة اليد في قوله: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] ، وصفة الوجه في قوله: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88] ، وأثبت العزة والحكمة والرحمة، وأثبت صفات الفعل (الفعلية) كالمجيء والإتيان، وأثبت العلم والقدرة والسمع والبصر، وأثبت الصفات الفعلية أيضاً كالمكر والكيد والعَجَب وما أشبهها، وكذلك أيضاً في الأحاديث.

    ويسمى هذا تفصيلاً، أي أن الله تعالى فصَّل في الإثبات حيث ذكر الصفات المثبتة كلها على وجه التفصيل.

    وأما صفات السلب فإنه ذكرها على وجه الإجمال، كقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً [مريم:65]، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:4]، وكقوله: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ [فاطر:44]، وكقوله: وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38]، وكقوله: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ [النحل:74] . فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً [البقرة:22] .

    وأشباه ذلك من الصفات السلبية التي نفى الله تعالى بها عن نفسه النقائص.

    وقد ذكر أيضاً شيخ الإسلام أن الله تعالى لا يوصف بالصفات السلبية إلا إذا تضمنت إثباتاً، فإن الله نفى عن نفسه الكفؤ والند والمثل والسَّمي، فذلك دليل إثبات الأَحَدية والتفرد، يعني: إذا نفينا هذه الأشياء فقد أثبتنا أنه واحدٌ أحد وفردٌ صمد، وكذلك إذا نفينا العجز، كقوله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ [فاطر:44] ، كان ذلك دليلاً على إثبات كمال القدرة، وكذلك بقية الصفات السلبية.

    ثم نقول بعد ذلك: إن المبتدعة عكسوا الأمر كالمعتزلة، فهم يفصِّلون في النفي ويجملون في الإثبات، كما هو مذكور في معتقداتهم، فيقولون: ننزِّه الله -في زعمهم أنهم ينزِّهون الله- عن أن يكون فوق أو تحت أو يمين أو يسار أو أمام أو خلف، وننزِّهه عن الحدود والأعراض والأبعاض والأجسام والحيِّز والجهة، وننزِّهه عن الجهل وعن كذا وكذا.

    فيفصِّلون في النفي، ولا يثبتون إلا إثباتاً مجملاً مطلقاً وبشرط الإطلاق، فيثبتون الوجود مثلاً وبشرط الإطلاق، ولا شك أن هذا التفصيل لا دليل لهم عليه، وهو من جملة ما ابتدعه المبتدعه كما سيأتي.

    1.   

    عقيدة أهل السنة في الصفات الذاتية والفعلية لله تعالى

    قال الشيخ الحافظ أبو بكر الإسماعيلي رحمه الله تعالى في بيان اعتقاد أهل السنة: [ولا يُعتقد فيه الأعضاء والجوارح، ولا الطول والعرض، والغِلَظ والدقة، ونحو هذا مما يكون مثله في الخلق، فإنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] تبارك وجه ربنا ذي الجلال والإكرام، ولا يقولون: إن أسماءَ الله غيرُ الله كما يقوله المعتزلة والخوارج وطوائف من أهل الأهواء، ويثبتون له وجهاً وسمعاً وبصراً وعلماً وقدرةً وقوةً وعزةً وكلاماً، لا على ما يقوله أهل الزيغ من المعتزلة وغيرهم، ولكن كما قال تبارك وتعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن:27]، وقال: أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ [النساء:166]، وقال: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة:255]، وقال: فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً [فاطر:10]، وقال: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ [الذاريات:47]، وقال: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً [فصلت:15]، وقال: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:58].

    فهو تعالى ذو العلم والقوة والقدرة والسمع والبصر والكلام، كما قال تعالى: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه:39]، وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا [هود:37]، وقال: حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6]، وقال: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164]، وقال: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40].

    ويقولون ما يقوله المسلمون بأسرهم: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لا يكون، كما قال الله تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان:30] ، ويقولون: لا سبيل لأحد أن يخرج عن علم الله، ولا أن يغلب فعلُه وإرادتُه مشيئةَ الله، ولا أن يبدل علم الله، فإنه العالم لا يجهل ولا يسهو، والقادر لا يُغلب].

    1.   

    مذهب أهل السنة في إطلاقات المتكلمين في الصفات

    قال المعلِّق جزاه الله خيراً على قول المؤلف: [ولا يعتقد فيه الأعضاء والجوارح .. إلخ] قال: هذه عبارات لم ترد في الكتاب والسنة، ولم تؤثر عن السلف الصالح، بل هي من عبارات المتكلمين، فكان الأولى بالمصنف رحمه الله الاستغناء عنها.

    وقال المعلِّق على النسخة الأخرى على قول المؤلف السابق: هذه الكلمات ليست من الألفاظ المعروفة عند أهل السنة والجماعة من سلف هذه الأمة، بل هي من الكلمات المخترَعة المبتدَعة، والتعبير عن الحق بالألفاظ الشرعية هو سبيل أهل السنة والجماعة، فلا ينبغي لطالب الحق الالتفات إلى مثل هذه الألفاظ ولا التعويل عليها، وما كان أغنى الإمام المصنف رحمه الله تعالى عن مثل هذه الكلمات المبتدَعة! فإن الله سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال، منعوت بنعوت العظمة والجلال.

    وعلى كل حال فالباطل مردود على قائله كائناً من كان، والقاعدة السلفية في مثل هذه الكلمات أنه لا يجوز نفيها ولا إثباتها إلا بعد التفصيل. وتبيُّن مراد قائلها.

    وكان على المؤلف أن يجمل في النفي، غير أنه أراد بهذا النفي أن يسد الطريق على المعطلة لئلا يكون لهم مدخل في رمي أهل الحديث بالتشبيه، ولكنه بهذه العبارات فتح الباب لهم ليُذِمُّوا من أطلقها بموافقتهم على نفي بعض الصفات الذاتية كالوجه واليدين، فلو أمسك رحمه الله عن هذه العبارات لكان أجدى. انتهى.

    قوله: [ولا يُعتقد فيه الأعضاء والجوارح، ولا الطول والعرض، والغِلَظ والدقة، ونحو هذا مما يكون مثله في الخلق، وأنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] تبارك وجه ربنا ذي الجلال والإكرام].

    إنه في القرن الرابع تمكنت مذاهب المعتزلة وأقوالهم، وكذلك من قاربهم كالكرَّامية والكُلَّابية والأشعرية ونحوهم، ولما كان لهم تمكُّن صار الذين يتتلمذون عليهم يولدون مثل هذه العبارات، فيرون أننا إذا أثبتنا الصفات استلزم من إثباتها هذه الأشياء، فلذلك قالوا: لا بد أن نصرح بنفيها، وأن نتبرأ ممن ينفيها حتى لا يرمينا النفاة أو المعتزلة ونحوهم بأننا مجسِّمة أو مشبِّهة أو نحو ذلك، فالتزموا بنفي هذه الأشياء، وإلا فهي عبارات لم يرد لها دليل ولم يستعملها السلف نفياً ولا إثباتاً.

    فالسلف ما كانوا يدخلون في هذه الأمور، فلا يقولون: ننزِّه الله تعالى عن الحدود والأعراض والأبعاض والأجزاء والجهات والجسم والحيز. بل كانوا يقتصرون على الوارد في نصوص الكتاب والسنة، ويقولون: الصفات التي ورد دليلها نقول بها ونثبتها لفظاً ومعنىً، ونتوقف عن الكيفية التي هي عليها، وكذلك أيضاً نتوقف عن التعليل الذي تُعَلَّل به أفعال الله تعالى، ونقول: هكذا وردت فنثبتها ونثبت لفظها ومعناها، ونتوقف عن تكييفها وتعليلها، ولا نقول: لماذا وُصف بكذا دون كذا؟ ولا لماذا فعل كذا دون كذا؟ فالتعليلات مرجعها إلى الله، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23].

    وكذلك الصفات والكلمات المبتدعة التي لم يتكلم بها السلف نقول: إنها بدعة إثباتاً ونفياً.

    فمن قال: إن الله جسم. قلنا: أنت مبتدع.

    ومن قال: إن الله ليس بجسم.

    قلنا: أنت مبتدع. ومن قال: لله أعضاء وأجزاء. قلنا: هذا بدعة. ومن قال: ليس لله أجزاء ولا أعضاء ولا أبعاض. قلنا: هذه بدعة، فلا تقل هذا ولا تتكلم فيه؛ لأن هذا لم يرد، فما دليلك على النفي؟! وما دليلك على الإثبات؟! قف حيث وقف القوم، وتوقف عن التكلفات، فإن الله تعالى يقول لنبيه: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص:86]، فالتكلف هو أن يكلف الإنسان نفسه فيقول بما ليس له به علم، ويتخرص في الاعتقاد، ويتخرص في الأسماء والصفات، ويقول شيئاً من قبل نفسه.

    سبب استخدام أهل السنة لبعض كلمات المتكلمين

    إن بعضاً من أهل الحديث والعقيدة لما ظنوا أن إثبات هذه الأشياء يستلزم أن المعتزلة يعيبون مَن أثبت الصفات في كذا وكذا صرَّحوا بمثل هذا النفي، كأنهم يقولون: إذا أثبتم لله تعالى الاستواء والمجيء والنزول فإن هذا إثبات أجسام؛ لأنَّا لا نعرف من ينتقل من فوق إلى تحت، أو من يجيء أو من يستوي ويرتفع إلا الأجسام والأعراض، فقد أثبتم جسماً، أو عَرَضاً، أو أجزاءً وأبعاضاً أو نحو ذلك. هكذا يقولون.

    فهم إذا قيل لهم: إن الله تعالى مستوٍ على عرشه قالوا: هذا يستلزم أن يكون جسماً؛ لأن الاستواء الذي هو الاستقرار على العرش لا بد أن يكون جسماً، فقد جسَّمتم وأثبتم لله تعالى جسماً.

    فنقول: لا ترمونا بإثبات شيء لم نقله، نحن لا نقول: إن الله جسم أو غير جسم، بل الله تعالى وصف نفسه بهذه الصفات، ونتوقف عما زاد عليها.

    كذلك إذا قدَّروا التقديرات وقالوا: إذا استوى على العرش فإما أن يكون مثل العرش أو دون العرش أو فوق العرش أو أكثر أو أوسع منه فإنا نقول: هذا هو التكلف، فلا تدخلوا في هذا، وأثبتوا ما أثبته الله ووكِّلوا الكيفية إليه سبحانه، كما قال السلف: الكيف مجهول.

    وإذا قالوا -مثلاً-: إن مجيئه ونزوله من شأن المحدثات والمركبات، ويلزم من هذا أن يكون حادثاً مركباً من أعضاء وأجزاء وما أشبه ذلك. -تعالى الله عن ذلك- قلنا: هذا أيضاً من التكلف، ولا حاجة بنا إلى أن نخوض في مثل هذا.

    إن الله تعالى ربنا نؤمن به وأنه خالق الخلق وهو مدبِّرهم، وأما الخوض في تكييف صفاته وتنزيهه عن أشياء قد سكت عنها وسكت عنها السلف وأئمة الصحابة والتابعين لهم بإحسان فإن الدخول فيها تكلُّف.

    فـشيخ الإسلام لما ناظرهم في دمشق في الصفات وأثبتها، عند ذلك كان يقول: لله تعالى وجه ولا يشبه خلقه، ولله يدان من غير تشبيه ليست كيد المخلوق، والله تعالى يضحك ويعجب لا كعجب المخلوق، والله تعالى يرحم لا كرحمة المخلوق. فعند ذلك قال بعض الحاضرين: إذاً سنقول: إن لله تعالى جسماً لا كأجسام المخلوقين! فقال شيخ الإسلام : كلا. لا نقول هذا؛ لأن هذا لم يرد، ونحن إنما نقول بما ورد، وأنتم توافقون على أن الله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله، فأين في الصفات إثبات الجسم أو نفيه؟! وأين في صفات الله أو الآيات والأحاديث إثبات العَرَض أونفيه؟! أو إثبات الأبعاض والأجزاء أو نفيها؟! أو إثبات التركيب وحلول الحوادث أو نفيها؟! أو إثبات المقدار -أو ما يقولونه من الغِلَظ والدقة- وما أشبه ذلك أو نفيه؟! ولَمَّا لَمْ ترد مثل هذه لم يَجُزِ استعمالها نفياً ولا إثباتاً، فهذا هو حقاً القول الصحيح الثابت، أن الله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، وأن مثل هذه الأعراض والكلمات التي توسع فيها هؤلاء إنما هي مبتدَعة.

    ثم ذكر المعلِّق عذر المؤلف في ذكره مثل هذه الكلمات، يقول: غير أنه أراد بهذا النفي أن يسد الطريق على المعطلة لئلا يكون لهم مدخل في رمي أهل الحديث بالتشبيه.

    هكذا استعمل هذه الكلمات حتى يسد الباب على المعطلة الذين هم المعتزلة، فإنهم إذا قلنا: إن لله وجهاً قالوا: الوجه موجود في المخلوقين فقد شبَّهتم. وإذا قلنا: إن لله يداً قالوا: قد شبَّهتم. وإذا أثبتنا هذه الصفات قالوا: قد جعلتم الله تعالى أعراضاً وجعلتم له أبعاضاً وأجزاءً وجعلتم وجعلتم.

    فلأجل ذلك رأى بعض أهل السنة من المتأخرين في القرن الرابع وما بعده استخدامها، أمثال المؤلف والطحاوي في عقيدته أيضاً فإنه استعمل مثل هذه الكلمات وناقشه الشارح وبين أيضاً أنها مما لم يرد، وكان عذره أن يسد الباب على المعطلة والمعتزلة ونحوهم، لكن ذكر أنه فتح الباب لهم؛ إذ قد يلزم من أطلقها بموافقتهم على نفي بعض الصفات الذاتية، كأنهم يقولون: ما دام أنكم تنفونها وتقولون: ليس لله أعراضٌ وأجزاءٌ فعليكم أن تنفوا صفة الوجه والرجل واليدين وما أشبه ذلك مما ورد دليله. فيقول: إن استعمال هذه الكلمات فتح لهم الباب، وكان الأولى الإمساك عنها، والاقتصار على الوارد.

    فنحن نعتقد وننفي النفي المجمل، كقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] ، فيكفينا فيها النفي، ويكون هذا عاماً في الذات والفعل، فإذا أثبتنا لله الصفات الذاتية كالسمع والبصر والكلام والوجه وما أشبهها قلنا: ليس كمثله شيء في ذاته ولا في صفاته.

    وإذا أثبتنا له الأفعال أنه يشاء ويريد ويحكم ويرحم ويحب ويكره ويبغض قلنا: ليس كمثله شيء في هذه الأفعال. وهكذا طريقة أهل السنة في مثل ذلك.

    اختلاف العلماء في الاسم والمسمى

    قال رحمه الله تعالى: [ولا يقولون: إن أسماء الله عزَّ وجلَّ -كما تقوله المعتزلة والخوارج وطوائفهم من أهل الأهواء- مخلوقةٌ].

    وفي نسخة: [ولا يقولون: إن أسماءَ الله غيرُ الله].

    ولعل الصواب: [ولا يقولون: إن أسماءَ الله غيرُ الله]، وذلك لأن المبتدعة زعموا أن أسماءَ الله غيرُه، ولا شك أن الاسم يدل على المسمى، ولأجل ذلك يأمر الله تعالى بذكره بأسمائه، فقوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] المعنى: سبح ربك. فالاسم دليل على المسمى، وليس الاسم زائداً عليه، وإن كان يمكن أن يقال: إن الاسم كلمة تدل على المسمى. وذلك في حق المخلوق ممكن، فالإنسان قد يتسمى باسم ثم يتسمى باسم آخر.

    ثم أيضاً اسمه قد لا يكون ظاهراً أثرُه في حق المخلوقين، فليس كل من سمِّي صالحاً يكون من أهل الصلاح، ولا من سمي صادقاً يكون من أهل الصدق دائماً، ولا من سمي طاهراً يكون مطهراً، ولا من سمي راشداً يكون من أهل الرشد. فدل ذلك على أن الاسم ليس هو عين المسمى.

    والكلمة أو الجملة قد توسع فيها العلماء واختلفوا في ذلك:

    فمنهم من يقول: الاسم عين المسمى.

    ومنهم من يقول: الاسم غير المسمى. ومنهم من يتوقف فيقول: لا نقول الاسم عين المسمى ولا الاسم غير المسمى.

    والصحيح من حيث الواقع أن الاسم دليل على المسمى وليس هو عين المسمى، ولأجل ذلك قد يُسمى الإنسان باسم ثم يغيَّر اسمُه، وكثير من الصحابة مضى عليهم قبل أن يسلموا أربعون أو خمسون سنة ثم غيِّرت أسماؤهم بعدما أسلموا، فـعبد الرحمن بن عوف كان اسمه: عبد عمرو، ولما أسلم تسمى بـعبد الرحمن ، وأبو هريرة كان اسمه عبد شمس -على الصحيح-، ولما أسلم تسمى بـعبد الرحمن، وكذا كثير من الصحابة غير النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم، فذلك دليل على أن الاسم ليس هو عين المسمى.

    ما يلزم منه إثبات أسماء الله

    أسماء الله تعالى دالة عليه، ولا نقول: إن أسماءَ الله غيرُ الله. بل نقول: أسماءُ الله دالةٌ عليه، ثم أيضاً أسماؤه دالة على صفاته، فاسمه (الرحمن) دليل على الرحمة، واسمه (العزيز) دليل على العزة، وهكذا بقية الأسماء.

    يقول العلماء: إن كل اسم من أسماء الله تعالى له ثلاث دلالات:

    دلالة على الذات، ودلالة على الصفة المشتقة من ذلك الاسم، ودلالة على بقية الصفات.

    فدلالته على الذات تسمى دلالة المطابقة.

    ودلالته على الصفة المشتقة منه تسمى دلالة تضمُّن.

    ودلالته على بقية الأسماء تسمى دلالة التزام.

    فإذا ذُكر اسم الرحمن قلنا: هذا الاسم (الرحمن) ينطبق على الله تعالى، ولا يسمى به إلا الله على الإطلاق، فهو يدل كلَّ مَن سمعه على ذات الله تعالى. ثم نقول: هذا الاسم يدل على إثبات الرحمة، ويتضمن إثبات الرحمة لأنه مشتق منها، فهو دليل على إثبات الرحمة دلالة تضمُّن.

    كذلك إذا أثبتنا الرحمن وأثبتنا الرحمة قلنا: إثبات الرحمة يستلزم بقية الصفات، فيستلزم إثبات المحبة، والغنى، والقوة والقدرة، والسمع، والبصر، والعلم، والإرادة، والغنى، وكمال التصرف، والقوة، والقدرة؛ لأن الرحمن واسع الرحمة، فلابد أن يكون غنياً سميعاً بصيراً مريداً ونحو ذلك، فنسمي دلالتَه على بقية الصفات دلالةَ استلزام أو التزام، أي: يلزم من إثبات هذه الصفة إثبات بقية صفات الكمال.

    فالحاصل أن هناك من يقول: إن أسماء الله غير الله وهناك من يقول: إن أسماء الله مخلوقة. ولعل هؤلاء ما حملهم على ذلك إلا اعتقاد أن الأسماء إذا تعددت تعددت الموجودات -كما يعبرون بذلك-، وهذا قول خاطئ، فلا يلزم إثبات تعدد القدماء كما يقولون، فالصفة الخاصة عند المعتزلة هي صفة القِدَم، أي أن الله قديم لم يُسبَق بعَدَم، فهم يقولون: إن أسماء الله حادثة، وإذا كانت حادثة فإنها ليست قديمة ويقولون: لو أثبتنا أنه موصوف بها أزلاً لأثبتنا تعدُّد القدماء، فيلزم بذلك إثبات التعدُّد.

    هكذا عللوا، وهو تعليل ضعيف، فإنا إذا قلنا: إن الله تعالى قديم بصفاته لم يلزم تعدد، وذلك لأن الصفات تابعة للذات، ولا يلزم من إثبات الصفات للذات أن يكون هناك عدد، كما في المخلوق، فإذا قلت -مثلاً-: جاءنا زيدٌ فلا حاجة إلى أن تقول: جاءنا زيدٌ وسمعُه وبصره وأذناه ويداه ورجلاه وبطنه وظهره ورأسه ولسانه وشفتاه. يكفي أن تقول: جاء زيد. فهو واحد.

    فإثبات المسمى يتبعه إثبات الصفات وإثبات الذات.

    فإذا قلنا: إن الله تعالى قديم. فلا حاجة إلى أن نقول: الله قديم وعلمُه وقدرته ويداه ووجهه وإرادته قديمة. بل الله قديم بصفاته، فلا يحتاج إلى تعدد القدماء كما يقولون.

    1.   

    المعتزلة رموزهم وعقيدتهم

    المعتزلة يعرفون بأنهم ينكرون الصفات، وكان أول خروجهم في عهد الحسن البصري، وذلك لما جاءه رجل يسأله عن رجل عمل ذنوباً وارتكب خطايا هل يُكفَّر أو يفسق؟ وهل يسمَّى مؤمناً أو كافراً، وكان في مجلس الحسن رجل من تلامذته، ولكنه لسِنٌ جريء بليغ فصيح، فنطق وقال: أنا أقول: إن العاصي ليس بمؤمن ولا كافر، بل هو بمنزلة بين المنزلتين، فلا نخرجه من الإسلام ولا ندخله في الكفر، بل هو بينهما. فأراد أن يقنعه الحسن فأصر على كلامه، ولما أصر على ذلك اعتزل مجلس الحسن وانفرد في حلقة من زاوية المسجد، وصار يقرر على تلامذة له أُعجِبوا بفصاحته هذه العقيدة، فعند ذلك قال الحسن رحمه الله: اعتزلنا واصل .

    ثم كان بعد ذلك كلما أحس من إنسان شيئاً من البدعة قال: هذا قول أولئك المعتزلة، إن كنت كذلك فاذهب إلى أولئك المعتزلة. فلُقِّبوا بالمعتزلة، واستمروا على هذا اللقب، وصاروا يعترفون بذلك ويفتخرون بأنهم بهذا الاسم، ولكنهم مع ذلك يدَّعون أنهم على حق وصواب.

    ومبنى مذهبهم على خمسة أصول يسمونها بأسماء حسنة، وهي:

    العدل، وإنفاذ الوعيد، والتوحيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمنزلة بين المنزلتين.

    هذه أصولهم الخمسة، ولها أسماءٌ حسنة، ولكن إذا شرحتَها أو طلبتَ شرحَها وجدتَ فيها مخالفات.

    فمرادهم بالعدل عدم قدرة الله على أفعال العباد، وينكرون أن يكون الله تعالى قد خلق أفعال العباد، ويقولون: إذا خلق الله المعصية في العاصي وعذَّبه فهذا جَور وظلم، وليس عدلاً فيجعلون العباد هم الذين يخلقون أفعالهم مستقلين بها، وينكرون قدرة الله على أن يهدي أو يضل، ويقولون: لو أراد الإنسان أمراً وأراد الله غيره لغلبت قدرة العبد على قدرة الخالق.

    وهذا بغير شك تنقُّصٌ لله، فهذا مرادهم بالعدل، ولعله يأتينا ما يبينه أكثر.

    وأما مرادهم بالتوحيد فهو في الصفات، فهم يقولون: إن الله تعالى واحد. وينكرون أن يكون معه صفات، فيقولون: إذا أثبتنا الذات والعلم والقدرة والرحمة والكلام والوجه واليد والمشيئة فما أثبتنا واحداً بل أثبتنا عدداً، فلا نكون موحِّدين، ولا نكون موحِّدين إلا إذا أثبتنا ذاتاً مجردةً عن الصفات. هذا مذهبهم ومرادهم بالتوحيد.

    أما المنزلة بين المنزلتين فمرادهم أن العاصي لا مؤمن ولا كافر، بل بينهما، فهم لا يقاتلون العصاة في الدنيا كالخوارج، ولا يعاملونهم معاملة المسلمين.

    ومرادهم بإنفاذ الوعيد أن آيات وأحاديث الوعيد التي وردت في حق العصاة لا بد من إنفاذها، فلأجل ذلك يحكمون بخلودهم في النار، وينكرون شفاعة الشافعين، وينكرون أن يُخرَج أحد ممن دخل في النار.

    ومرادهم بالأمر والنهي جواز الخروج على الأئمة إذا أظهروا معصية، ويستبيحون ذلك.

    وذكر المعلِّق أن مِن أشهر رجالهم: واصل بن عطاء ، وهو الذي ذكرنا أنه أول من اعتزل مجلس الحسن ، وعمرو بن عبيد ، وهو عالم ولكنه ضال، كما أن واصل بن عطاء عالم وفصيح، حتى ذكروا أنه كان ألثغ بـ(الراء)، فكان إذا خطب يتجنبها في كلامه حتى لا يُعاب؛ لأنه كان يقلبها (غيناً)، حتى في القرآن، فإذا قرأ -مثلاً-: الصِّرَاطَ [الفاتحة:6] يقول: الصغاط. كاللكنة التي تكون في بعض الناس.

    أما عمرو بن عبيد فكان عالماً ولكنه مبتدع ضال، ومع ذلك فقد انخدع به بعض الولاة، مثل الخليفة المنصور ، فقد كان يقرِّبه، وذلك لأنه يرى أنه زاهد في العطاء لا يطلب شيئاً من المال ولا يرغب في شيء لنفسه، حتى إنه كان يقول للذين يأتون إليه:

    كلكم يمشي رويد، كلكم يطلب صيد، غير عمرو بن عبيد

    يريد: كلكم يطلب شيئاً من المال إلا عمرو بن عبيد .

    وبيَّن ابن كثير في ترجمته في البداية والنهاية أنه وإن اشتهر بالزهد فإنه مبتدع.

    وأما أبو الهذيل العلاف فهو أيضاً مشهور بأنه من جهابذتهم وأكابرهم، ولكنه من المنهمكين في هذه العقيدة ومن الغلاة فيها.

    وإبراهيم النظام كذلك أيضاً اشتهر بمخالفاتٍ عجيبة، وكذلك الجاحظ .

    والحاصل أن هؤلاء من مشاهيرهم.

    وكذلك أيضاً ما ذكر عن: بشر بن المعتمر ، والمردار ، وثمامة بن أشرس ، وابن أبي دؤاد وأشباههم.

    أما الخوارج فهم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه، والذين وردت فيهم الأحاديث.

    ثم هم يُطلقون على كل فرقة تخرج عن طاعة الأمير أو الخليفة ويكون عندهم نفوذ ولهم قوة، فيسمَّون خوارج لخروجهم عن ولاية الولاة، وأول ما خرجوا كانوا في عهد علي رضي الله عنه، ثم استمر خروجهم في عهد بني أمية، ولما استُخلِف عمر بن عبد العزيز وسار سيرة حسنة أرادوا أن يدخلوا في ولايته، فجاؤوا إليه وبحثوا معه فلم يجدوا عنده شيئاً من المخالفات فقالوا: ما ننقم عليك إلا واحدة، وهي أنك استخلفت بعدك أحد بني أمية. ولم يستخلفه ولكن استخلفه غيرُه، وهو سليمان بن عبد الملك، فقد استخلف بعد عمر أحد بني أمية، فعند ذلك أراد أن يعزله، فخاف بنو أمية أن يعزله من الولاية، قيل: إنه أُرْسل إليه مَن سقاه سُماً حتى مات. والله أعلم.

    فالحاصل أن الخوارج كل من خرج عن طاعة الولاة.

    ولا شك أن القول بأن أسماء الله تعالى مخلوقةٌ قولٌ مبتدَع، وذلك لأن الله تعالى بذاته وبصفاته ليس منه شيء مخلوق.

    وقد تكلفوا في تصوير هذا الشيء الذي ادعوا أنه مخلوق وأطالوا في ذلك، ولكن لم يأتوا بحاصل، وعباراته التي ولَّدوها لم تدل على شيء.

    1.   

    الأدلة على صفات الله الفعلية والذاتية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويثبتون له وجهاً وسمعاً وبصراً وعلماً وقدرةً وقوةً وعزةً وكلاماً]:

    هذه الصفات التي ذكَرَ منها: الوج والسمع والبصر والكلام صفات ذاتية.

    والعلم والقدرة والقوة والعزة صفات فعلية.

    ولا شك أن أهل السنة يثبتون كل ما أثبته الله تعالى لنفسه، ولكن هذه الأشياء ذُكرت على وجه التمثيل، ولعله خصها للرد على أهل الزيغ من المعتزلة ونحوهم، فإن المعتزلة ينكرون مثل هذه الصفات، الوجه والسمع والبصر.

    أدلة إثبات الوجه لله تعالى

    مما دل على إثبات الوجه من القرآن والسنة:

    قول الله تعالى: [وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن:27]]، وقال تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88]، وقال تعالى: إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى [الليل:20]، وقال تعالى: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان:9]، وقال تعالى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الأنعام:52] والآيات كثيرة في إثبات الوجه.

    وكذلك الأحاديث، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبُحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه) ، وقوله: (وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن) ، وقوله في الدعاء المشهور: (أسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة) ، وغير ذلك من الأحاديث الواضحة الدلالة في إثبات صفة الوجه.

    والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب (التوحيد) في (باب: لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة)، قال في المسائل:

    المسألة الأولى: أنه لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة لشرفها.

    المسألة الثانية: إثبات صفة الوجه. فيثبتها لله تعالى.

    وإذا أثبتنا فإننا ننزه الله تعالى عن أن يكون كالمخلوق، أما الذين نفوا هذه الصفات فما موقفهم من هذه الآيات والأحاديث؟

    إنهم يتأولونها فيقولون: المراد بـ(الوجه) ما يقابل النظر أو نحوه فيقولون: إنه يُطلق الوجه على ما لا وجه له. فيقولون -مثلاً-: إن العالم إذا أشكلت عليه مسألة قال: وجه هذه المسألة كذا وكذا. فوجهُها معناه ما يُنظر فيه إليها. فيصرفون هذه الأدلة مصارف بعيدة.

    أدلة إثبات السمع والبصر لله تعالى

    أهل السنة يثبتون لله عز وجل السمع والبصر، ويفسرونهما.

    ويعرفون باللغة أن السمع هو إدراك الأصوات، وأن البصر هو إدراك المرئيات، ويقولون: نثبت لله تعالى سمعاً. ونقول: إنه يسمع كل شيء من جهر القول وخفي الخطاب، ولا تشتبه عليه اللغات، ولا تغلطه كثرة المسائل مع اختلاف اللغات وتفنن المسئولات، فلا يشغله سمع عن سمع، لا يشغله سمع هذا الداعي عن هذا الداعي، يسمع الجميع ولا يشغله صوت هذا عن هذا، أما المخلوق فإذا تكلم عنده اثنان اشتبه عليه كلام هذا بهذا، فلا يزال يسكِّت أحدَهما حتى يسمع الآخرَ، أما الرب تعالى فإنه يسأله الملائكة والمخلوقات كلها بآن واحد، ومع ذلك يسمع أصواتهم جميعاً ويجيب من يستحق الإجابة.

    أما البصر فورد إثباته في آيات كثيرة لا تُحصى، كقوله تعالى: وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً [النساء:134].

    والبصر هو إدراك المبصَرات، ويُطلق عليه أيضاً: الرؤية في قول الله تعالى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46] ، فأثبت لنفسه أنه يرى، وذلك هو إثبات الرؤية.

    وقد وصف نفسه بالسمع والبصر في مثل قوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة:1] ، فجمع بين السمع والبصر في عدة آيات.

    فنصف الله تعالى بأنه يبصر، وأنه لا يستر بصرَه حجاب، ولا يحجزه مخلوق عن أن يبصر ما وراءه، فينفذ بصره في جميع المبصَرات، ولا يحتجب شيء عنه من المخلوقات.

    وقد ورد في تفسير قول الله تعالى في سورة الملك: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [الملك:13] ورد أن ثلاثة من المشركين اجتمعوا فقالوا: أتظنون أن الله يسمع كلامنا ويرانا؟! فقال بعضهم: يسمع إذا جهرنا ولا يسمع إذا أخفينا. وقال آخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا. فنزلت الآية: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [الملك:13].

    أدلة إثبات العلم لله تعالى

    صفة العلم أثبتها الله تعالى بقوله: [أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ [النساء:166]، فأثبت لنفسه أنه أنزل القرآن بعلمه، وذلك -بغير شك- دليل على إثبات هذه الصفة، وهي أنه عالم، أما المعتزلة ونحوهم فلا يثبتونها، وإنما يصفونه بالصفات السلبية.

    فإذا جادلتَ بعضَهم يقول: نحن نقول: إن الله لا يجهل. فإذا قلتَ: أثبتْ أن الله يعلم. يقول: ما أثبتُ أن الله يعلم، ولكن أقول: لا يجهل. ولا يكفي هذا.

    يقول الله تعالى: [وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة:255].

    فقد أثبت لنفسه أنه له علم، وأنهم لا يحيطون بعلمه إلا بما شاء.

    كذلك قوله: [فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً [فاطر:10]، فأثبت لنفسه صفة العزة، والعزة هي القدرة والقوة على كل شيء، فهو دليل على إثبات صفة القوة.

    أدلة إثبات اليد والكلام لله تعالى

    قوله تعالى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ [الذاريات:47] فسر الأيدي بالقوة، وليس هو جمع يد، قال تعالى عن داود عليه السلام: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ [ص:17] أي: صاحب القوة. فكذلك وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ أي: بقوة.

    وأثبت الله أيضاً صفة القوة في قوله تعالى: مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً [القصص:78]، والقوة هي القدرة التامة على كل شيء وأثبتها أيضاً في قوله: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ [الذاريات:58] أي: القوة التامة. ولهذا قال: ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:58]، فهو تعالى موصوف بالعلم والقدرة والقوة والسمع والبصر والكلام، فكل هذه صفات ثابتة لله تعالى.

    وأثبت لنفسه صفة العين فقال: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه:39] وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا [هود:37]، ولا شك أن هذا أيضاً دليل على أنه موصوف بهذه الصفات، وصفة العين أثبتها بلفظ مفرد، وأثبتها بلفظ جمع، فيراد بالمفرد الجنس، كما يقال في صفة اليد، ويقال في الجمع (بأعيننا): يراد به التعظيم. كما قلنا في قوله تعالى: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [يس:71]: إن المراد التعظيم، وصف نفسه بالجمع.

    ووصف نفسه بالكلام فقال تعالى: حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6]، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164].

    ووصف نفسه بالقول فقال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] والقول هو: كلام.

    إذاً: فهذه صفات أثبتها الله تعالى، فنثبتها له كما يشاء، ونتوقف عن تكييفها، ونعلم أنها صفات حقيقة.

    1.   

    الأسئلة

    حكم حضور المآتم واجتماعات العزاء

    السؤال: ما حكم حضور المآتم واجتماعات القراء أو واجتماعات العزاء، وكيف يكون موقف طالب العلم مع أهله عند وفاة أحد أفراد الأسرة، وهم يعملون له اجتماعاً لأيام في مسجد أو بيت معد لذلك؟

    الجواب: بعض الأمور يكون فيها محذور في بعض الأحيان، فمعلوم أنه إذا توفي والد عائلة كبيرة وكانوا متفرقين في المدينة، فأحد الأولاد يسكن في شرقها والآخر في غربها والثالث في شمالها والرابع في جنوبها فمن المشقة أنك تذهب إلى كل واحد منهم تعزيه في الجهة التي هو فيها؛ لأن لكل منهم حقاً في التعزية، وفي الحديث: (من عزى مصاباً فله مثل أجره)، والتعزية تسلية للمصابين، وحث لهم على الصبر، ودعاء لميتهم، فلأجل ذلك قالوا: لا بأس أن يجتمع أهل الميت -أولاده وإخوته_ في بيت أحدهم حتى يقصدهم المعزي ويعزيهم جميعاً، ولكن اجتماعهم يكون جلوساً عادياً، فلا يكون هناك نياحة، ولا صياح، ولا بدع محدثة، ولا اختلاط رجال ونساء، ولا غير ذلك، وإذا لم يكن عندهم منزل يكفيهم ويكفي من يجتمع إليهم أو من يزورهم فلا بأس أن يستأجروا بيت أحد أقاربهم، أو إذا كانوا في بادية مثلاً فلا بأس أن يبنوا لهم خيمة أو خدراً يجتمعون فيه للعزاء.

    أما المحدثات التي تفعل من كون أهل القرى النائية إذا مات لهم ميت في القرية اجتمع أهل الميت كلهم، وهذا الاجتماع قد يكون فيه شيء من النياحة، ولابد أنه يصدر منهم بعض الأشياء التي فيها شيء من الصياح أو النياحة أو ضرب الخدود أو شق الجيوب أو دعوى الجاهلية أو رفع الأصوات بالنياحة أو ما أشبه ذلك.

    كذلك أيضاً مما أنكر أنهم إذا جاؤوا واجتمعوا عند أولاد الميت كلفوا أولاد الميت بالأغذية، فيتكلفون لهم بأن يصلحوا لهم طعاماً في عدة أيام وهم أعداد كثيرة، وذلك مما يكلفهم، وربما يكون في الأولاد أيتامٌ، واليتيم لا يحل أن ينفق من ماله، وذلك لقصوره، والأمر جاء بحفظ ماله له، فهذه من المنكرات، فمثل هذه المآتم ننصح بعدم حضورها؛ لأن الاجتماع الكبير الذي يطول ويكلف أولاد الميت، أو الذي يكون فيه شيء من الصياح والنياحة وتعداد المحاسن لا يجوز حضوره.

    حكم توزيع المورث التركة قبل موته

    السؤال: بعض الناس يقوم بتوزيع تركته على أولاده قبل موته، فهل له ذلك؟

    الجواب: ننصح بأن لا يفعل، والغالب أن هؤلاء الذين يوزعون أموالهم قبل موتهم منهم من يريد بذلك حرمان بعض الورثة كالزوجات أو أحد الوالدين إن كان له أبوان، أو نحو ذلك، فيوزعها بين أولاده، وربما يحرم البنات، فمثل هذا أرى أنه لا يجوز.

    وقد ورد في قصة غيلان - رجل أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان تحته عشر نسوة؛ فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسك أربعاً ويفارق سائرهن -أنه لما كان في عهد عمر طلق نساءه الأربع، وفرق أمواله بين أولاده الذكور، فسمع بذلك عمر وقال له: ( إني أظن الشيطان فيما يسترق من السمع أوحى إليك قرب أجلك, والله لتراجعن نساءك ولتستعيدن أموالك أو لآمرن بقبرك أن يرجم كما رجم قبر أبي رغال)، فحكم عليه أن يسترجع أمواله التي كان قسمها حتى يحرم نساءه، فهذا دليل على أن هذا الفعل لا يجوز.

    أما إذا احتاج بعض الأولاد إلى مال فإنه يعطيهم بقدر حاجتهم، وأما إذا كان عنده فائض مال فله أن يوزعه عليهم على السواء بقدر إرثهم للذكر مثل حظ الأنثيين، فإذا وزع عليهم قطع أراضٍ أعطى الرجل مثلي المرأة، وإذا وزع عليهم نقوداً فكذلك، وإذا أعطى المرأة ألفاً أعطى الابن ألفين؛ لقول بعض الصحابة: (كانوا يقسمون على كتاب الله تعالى).

    حكم من فرط في ذبح الهدي

    السؤال: ذهبت مع أهلي إلى الحج، وأبلغ من العمر خمسة عشر عاماً، فذهبت مع أخي الكبير لنحر الهدي، وكان معي دراهم، فلما أتينا المكان الذي يباع فيه الهدي ضعت من يد أخي قبل شراء الهدي، فرجعت إلى أهلي في المكان الذي في منى، فخفت من أهلي فقلت لهم: إني نحرت الهدي. فماذا يجب علي؟

    الجواب: الظاهر أنه يبقى الهدي في ذمتك؛ فإن من لم يذبح في الأربعة الأيام مفرطاً لزمه أن يذبح كالذبيحة التي تركها، وأن يذبح أخرى عن التأخير لكونه ترك نسكاً، ولقول ابن عباس (من ترك نسكاً فعليه دم). ويكون الجميع بمكة.

    حكم استخدام العطور المحتوية على الكحول

    السؤال: ما حكم العطورات التي يخالطها شيء من الكحول؟

    الجواب: الأصل أن هذه العطورات أطياب تستعمل لتطييب الرائحة ونحوها، ثم تحتاج إلى أن يجعل معها شيء من الكحول- المادة المعروفة- لكي تحفظها من التعفن وانقلاب الروائح، ثم أيضاً الأصل أنها نسبة قليلة، فعلى هذا لا بأس باستعمالها، مع أن في استعمال الكحول خلاف بين العلماء هل هو نجس أم لا، وأكثرهم على أنه ليس بنجس، وأنه لا يطلق عليه أنه خمر ولو كان مسكراً؛ لأنه ليس من المشروبات، وليس مما يتلذذ به.

    وعلى كل حال فالعطورات التي صنعت للطيب لا بأس بها، ولكن هناك أنواع من الأطياب كمية الكحول التي فيها كبيرة، فما كانت الكمية التي فيها من الكحول أكثر من الحاجة فإنا ننصح بتجنبها.

    الفرق بين النفس والذات

    السؤال: ما الفرق بين النفس والذات؟

    الجواب: الظاهر أنه لا فرق بينهما، وإن كانت النفس قد تطلق على الروح، وذلك لما ذكر في الحديث: (اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب)فأطلق على الروح نفساً.

    أما الذات فهي ماهية الشيء التي يتكون منها، فنقول مثلاً: ذات هذا المسجد ماهيته التي هي العمد والجدران وما فيها، وذات الإنسان ماهيته التي هي الجسد الذي يتكون منه، كما أننا نقول: ذات السيارة هي ماهيتها التي تركبت من الحديد ومن الأدوات، والقطع التي اجتمعت حتى أصبحت بهذه الصفة. وهكذا.

    وعلى كل حال الفرق بينهما يسير.

    التعريف بالإباضية ومعتقداتهم

    السؤال: ما حكم الإباضية، ومن أي طائفة هم؟

    الجواب: الأصل أن الإباضية كانوا طائفة قديمة منذ عهد الصحابة، وهم منسوبون إلى رجل من الخوارج، وكانوا في ذلك العهد لا ينقم عليهم إلا أنهم من الخوارج يكفرون بالذنوب ويقاتلون من وجدوه من غيرهم وممن ليس على معتقدهم، وهذه عقيدة الخوارج وإن اختلفت وجهاتهم، وكان لهم رئيس يقال له: ابن إباض. وكانت هذه الطائفة تنتمي إليه وتسير على طريقته ومنهجه، ولم يزالوا كذلك، ومع تطاول القرون خفت حدتهم في التكفير بالذنوب، وخفت ثوراتهم على أهل السنة وقتلهم وقتالهم، وذلك لأنهم داخلوا الناس، ولابد أنهم تأثروا بما تأثروا به، ورأوا أن قتالهم ليس فيه مصلحة، وأنهم يتعرضون للأخطار، ولكن مع تداخلهم مع أهل البدع الأخرى دخلت عليهم أنواع من البدع زيادة على بدعة التكفير، وربما تكون بدعة التكفير قد خَفَّتْ، لكن دخلت عليهم بدع المعتزلة، فمنها -مثلاً- إنكار كثير من الصفات الفعلية والذاتية، كما يعتقد ذلك المعتزلة ويسمونه تنزيهاً أو توحيداً.

    ومنها أنهم لما أنكروا أن الله تعالى متكلم اعتقدوا أن القرآن مخلوق، وأصبح ذلك ديدنهم وعقيدتهم.

    ومنها أنهم اعتقدوا أن الله تعالى ليس فوق العرش، وليس هو في جهة العلو.

    وأنكروا رؤية الله تعالى في الآخرة، فدخلت عليهم هذه الأمور من المعتزلة.

    وعلى كل حال فالأصوب في الإباضية أنهم فرقة من الخوارج يكفرون بالذنوب، وآل بهم الأمر إلى أن صاروا من المعتزلة، وبقي أصل معتقدهم الذي هو معتقد الخوارج، ولكنهم لا يعملون به ولا ينفذونه في هذه الأزمنة، ولهم أقوال ومؤلفات يستندون إليها، ولهم كتب يرجعون إليها.

    ولا شك أن كل من اعتقد معتقداً وتلقاه عن مشايخ يثق بهم فإنه يصد عن غيره، ولا ينيب ولو أتي بكل دليل، ولا يتقبل إلا ما يوافق معتقده.

    حكم وصف الله تعالى بصفة القديم

    السؤال: هل لنا أن نصف الله عز وجل بصفة القديم؟

    الجواب: الأولى أن يوصف بما وصف به نفسه، فالله تعالى وصف نفسه بالأول، قال تعالى: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ [الحديد:3]، وفسر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء)، فنصف الله بما وصف به نفسه.

    أما كلمة (القديم) فإنها لا تدل على الأزل، ولكن اصطلح المعتزلة على أنها أخص أوصاف الله تعالى، والصحيح أن يوصف بالأول، أي: الذي لم يسبق بعدم.

    مدى صحة القول بفناء النار عن ابن تيمية

    السؤال: شيخ الإسلام لم يعرف عنه قول خطأ في العقيدة، فما صحة ما نسب إليه من أنه قال بفناء النار؟

    الجواب: الظاهر أن الذين قالوا ذلك عنه هم أعداؤه، ويمكن أنه قال ذلك في كلمة أو محاضرة ظهر له بعض الأدلة فيها، ولكن إذا نظرنا في كتبه لم نجد تصريحاً له بهذه المقالة، ولا اشتهرت عند أعدائه وعند المخالفين له.

    وأما تلميذه ابن القيم فقد تكلم عن المسألة في كتابه (حادي الأرواح)، وذكر أدلة هؤلاء وأدلة هؤلاء، ولم يظهر منه ترجيح ولا اختيار، ولو أنه مثلاً أورد أدلة هؤلاء وبالغ فيها فإن ذلك لا يدل على الاختيار.

    تعريف الصفات الفعلية وأمثلة لها

    السؤال: هل القدرة والقوة والعلم صفات فعلية، وما تعريف الصفات الفعلية؟

    الجواب: لا شك أنه يصح أن تكون القدرة صفة ذاتية، أي أن الله تعالى موصوف بصفة القدرة دائماً، ولذلك وصف نفسه بأنه لا يعجزه شيء، فالقدرة هي كمال القوة والاستطاعة، حيث لا يخرج شيء عن قدرته، كما يخبر في قوله تعالى: عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26]، فيدخل في ذلك كل الأشياء، فالقوة هي الاستطاعة، فهو قوي على كل شيء، ولا يخرج شيء عن قوته، فالقوة والقدرة يصلح أن تكونا من الصفات الذاتية ومن الصفات الفعلية، ولكن الأصل أنها ذاتية.

    كذلك أيضاً صفة العلم، الصحيح أنها صفة ذاتية، ولذلك فإن الله تعالى لا يتصف بغير العلم في وقت من الأوقات، بل هو موصوف بالعلم في كل الأزمنة، ولا يكون في حالة من الحالات غير عالم، بل هو عالم بكل شيء في كل الحالات.

    فالصفات الذاتية هي التي لا تنفك عن الموصوف.

    والصفات الفعلية هي التي يفعلها إذا شاء، مثل صفة الغضب والرضا صفتان فعليتان، فليس هو غضبان دائماً، وليس الله عز وجل دائماً راض عن كل أحد، ولكن يرضى عن هؤلاء ويغضب على هؤلاء، فهي صفة فعلية.

    حكم التمثيل بالأنعام

    السؤال: ما حكم قطع آذان الغنم وكي القرون، علماً بأن الهدف من ذلك تزيينها لرفع سعرها؟

    الجواب: نرى كراهة ذلك إذا كانت مؤذية لها، ويعلل بعضهم ذلك بأن في الأغنام أنواعاً آذانها طويلة، حيث إنها تعترض لها في الشرب، وإذا رعت فإنها تجرها لطولها على الأرض، وربما كانت هذه الآذان لطولها تتعرض للشوك، وللحجارة الحامية إذا أخذت ترعى، فيمكن أن يرخص في قطع جزء منها بقدر ما ينقطع الذي تتأذى بطوله؛ فأما قطعها القطع الكثير للزينة فأرى أن ذلك ليس يسوغ.

    الدراسة في الجامعات المختلطة

    السؤال: نحن ندرس في بلد الطالبات فيه في الجامعات متبرجات ومختلطات بالرجال، والحجاب راجع إلى الطالبة نفسها، إن شاءت لبسته وإلا فلا، وهو غير مفروض بالأنظمة، فما موقفي من قريباتي، هل أنصحهن بعدم دخولهن، أم بالالتزام بالحجاب الساتر وعدم التطيب ونحو هذا من الواجبات، علماً أن هذا الأخير هو الأقرب أن أُجَاب إليه؟

    الجواب: يفعل هذا الأقرب، ما دام أنك تقدر عليه، فتلزمها بأنها تدخل متحجبة وتستر وجهها وزينتها، وتتجنب الطيب وإظهار الجمال، وتبتعد ما استطاعت عن مخاطبة الرجال أو مقابلتهم، وتكون في أطراف الفصول مختفية ما استطاعت، ولاشك أن الطالبات أصبحن يزاحمن أو يسابقن إخوانهن من الطلاب، ويصير بينهم منافسة، فما دام أنها أصبحت الدراسة شبه ضرورية فلا تمنعها إذا لم تجد جامعة سالمة من الاختلاط، فلا أقل من التحفظ والتحجب.

    حكم رفع اليدين عند القيام من التشهد الأوسط

    السؤال: يلاحظ على بعض الإخوة أنه يرفع يديه بعد التشهد الأول للقيام وهو جالس، فما حكم هذا العمل؟

    الجواب: الأصوب في الرفع أنه عند الحركة للقيام، أو إذا تم قائماً رفع يديه، والأولى أن يكون عند نهوضه وقيامه يرفع يديه ويتم رفعه إذا استتم قائماً، فأما رفعها قبل الحركة وقبل الرفع من الجلوس فلا يسمى رفعاً، ولا يأتي بالسنة؛ لأن الحديث: (إذا قام من الركعتين رفع يديه)، فلم يقل: إذا أراد القيام.

    كيفية التخلص من الأموال الربوية

    السؤال: رجل لديه مال ربوي ويريد أن يتخلص منه، فهل له أن يعطيه لرجل عليه دين أو رجل فقير وصاحب حاجة؟

    الجواب: أرى أن ذلك جائز، وذلك لأن المال في نفسه طاهر، وإنما إثمه على المكتسب، فإذا تخلص منه وسلم منه فإنه إذا صرفه على هذا الفقير فهو مال طيب في حقه إن شاء الله.

    إثبات صفة البصر لله

    السؤال: في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره) هل نثبت صفة انتهاء البصر لله عز وجل؟

    الجواب: إن الله تعالى لا يستر بصره شيء، فمعنى هذا أنه تحرق السبحات كل شيء من المخلوقات التي يبصرها بصره ولا يستر بصره حجاب، فنثبت ذلك على ما ورد في الحديث.

    حكم تسمية الله بالنور

    السؤال: في قول الله عز وجل: اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [النور:35] هل نقول: إن (النور) اسم من أسماء الله؟

    الجواب: ذكر اسم النور في الأسماء التسعة والتسعين، وأخذ من الآية الكريمة: اللَّهُ نُورُ السَّمَوَات وَالأَرْضِ [النور:35]، وكذلك من قوله: (حجابه النور)، وحديث: (نور أنى أراه)، وحديث: (رأيت نوراً)، فإذا سمي بالنور فإن هذا الاسم كأنه أشبه بالصفة، فنقول: من صفات الله أنه النور، وأنه ذو النور الذي خلق الأنوار، وكل ما في الوجود فهو من نوره.

    إثبات صفة الوجه لله من قوله تعالى: (إنما نطعمكم لوجه الله)

    السؤال: في قوله جل وعلا: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان:9] ألا نستطيع أن نقول: إن المقصود بالوجه هاهنا ابتغاء مرضاة الله، مع إيماننا بأن لله عز وجل وجهاً يليق بجلاله؟

    الجواب: وكذلك قوله: يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الأنعام:52]، فهي عبارة عن إخلاص العمل، فإذا قلت: إن فلاناً يريد بعمله وجه الله فالمعنى: يلتمس رضاه، ولا يريد غيره. ففيها دلالة على إثبات صفة الوجه، وحث على إخلاص العمل لله، وأن لا يخالطه شيء من الرياء والسمعة، فإذا كان العمل خالصاً لله فإنه مما أريد به وجه الله، كأنه يقول: أريد به الله تعالى، أو: أريد به رضا الله.

    وأطلق الوجه لأنه الذي تحصل به المواجهة، أو لأنه أطلق على الذات، وعلى الإخلاص في العمل.

    الرد على منكري الجهاد بعد الرسول

    السؤال: بماذا نرد على من ينكر الجهاد في سبيل الله ويقول: إن الجهاد خاص بزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويقول: إن جميع آيات الجهاد منسوخة خصوصاً آية السيف. ويستدل بقول الله عز وجل: وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]، ويقول: لم يقل الله تعالى: أن أكرهوهم وارفعوا عليهم السلاح؟

    الجواب: هذا السؤال قد يستدعي شرحاً طويلاً، ولكن نقول له: تأمل فعل الصحابة، فهل توقفوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم أم استمروا على الجهاد والقتال؟ بل ما فتحوا الفتوح إلا بعده صلى الله عليه وسلم، مثل العراق، ومصر، وخراسان، والهند والسند، وما وراء النهر، وأفريقيا بأكملها، ووصلوا إلى الأندلس، كل ذلك بعده صلى الله عليه وسلم، هذا من جهة.

    من جهة ثانية: الأدلة من السنة على عموم الجهاد، ولم يذكر أنه خاص، فإنه صلى الله عليه وسلم لما سئل: (أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها، قيل: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله)، وكذلك قوله: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)،وكذلك عموم الآيات التي فيها الأمر بالجهاد، والتي فيها ثوابهم، كقوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، وقوله: وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ [آل عمران:195]، وكذلك قوله: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:111]، وقوله: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ [التوبة:123]، والآيات والأحاديث في ذلك معلومة.

    قضاء الصيام لمن تأخر فيه

    السؤال: امرأة كان عليها قضاء بعض الأيام منذ اثني عشر عاماً مضت، فكيف تقضي ذلك؟

    الجواب: لابد مع القضاء من كفارة، وتقضي ولو متفرقاً، ثم عن التفريط والتأخير كفارة إطعام مسكين عن كل يوم.

    تعلم معتقدات الفرق الأخرى

    السؤال: لماذا نتعلم أقوال الفرق ومعتقداتهم، ولماذا لا نكتفي بتعلم عقيدة أهل السنة؟

    الجواب: الإنسان يبتلى غالباً بمجالسة أولئك المعتزلة والضلال والمبتدعة، وإذا ابتلي بمجالستهم فالغالب أنهم يلقون شيئاً من شبهاتهم وأدلتهم التي يشوهون بها ويموهون، فإذا كان الإنسان عنده أسلحة قوية وأدلة متمكنة استطاع أن يرد عليهم أقوالهم، فمعرفتها لأجل الحذر منها، ولذلك يقول حذيفة : ( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه)، فأنت عليك بمعرفة مذهب أهل السنة ومعتقدهم، وإذا كنت تخشى أنك تبتلى بمجالسة أولئك المبتدعة فإن عليك أن تسأل عن مذهبهم وشبهاتهم، حتى إذا عرفتها وعرفت كيف تردها استطعت إبطالها والرد عليهم حتى لا تصل إلى فكرك ويصعب بعد ذلك تخليصها من ذاكرتك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756189629