إسلام ويب

شرح اعتقاد أهل السنة [3]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جرى أهل العلم من أصحاب العقيدة السليمة على نسبة اعتقادهم إلى أهل الحديث باعتبارهم أهل السنة والجماعة: ومن عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بوجود الله تعالى والإقرار بذلك، وأنه الخالق لكل شيء المبدع له عز وجل. ومن عقيدتهم: الإيمان بالملائكة وما لهم من وظائف، وما ذكر من صفاتهم، والإيمان برسل الله كلهم من دون استثناء، كما أنهم يقبلون كل ما نطق به الكتاب والسنة على أنهما الأدلة التي يجب الأخذ بها.

    1.   

    مذهب أهل السنة والجماعة في العقيدة

    قال الشيخ الحافظ أبو بكر الإسماعيلي رحمه الله تعالى في بيان اعتقاد أهل السنة:

    [بسم الله الرحمن الرحيم، اعلموا -رحمنا الله وإياكم- أن مذهب أهل الحديث -أهل السنة والجماعة- الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وقبول ما نطق به كتاب الله تعالى وما صحت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نعدل عما ورد به ولا سبيل إلى رده؛ إذ كانوا مأمورين باتباع الكتاب والسنة مضموناً لهم الهدى فيهما، مشهوداً لهم بأن نبيهم صلى الله عليه وسلم يهدي إلى صراط مستقيم، محذرين في مخالفته الفتنة والعذاب الأليم.

    ويعتقدون أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسنى، موصوف بصفاته التي سمى ووصف بها نفسه ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم، خلق آدم بيده، ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بلا اعتقاد الكيف.

    وأنه جل وعلا استوى على العرش بلا كيف، فإن الله تعالى أنهى إلى أنه استوى على العرش، ولم يذكر كيف كان استواؤه.

    وأنه مالك خلقه، وأنشأهم لا عن حاجة إلى ما خلق، ولا لمعنى دعاه إلى أن خلقهم، لكنه فعال لما يشاء ويحكم ما يريد، لا يسأل عما يفعل والخلق مسئولون عما يفعلون، وأنه مدعو بأسمائه الحسنى، وموصوف بأسمائه التي سمى ووصف بها نفسه وسماه ووصفه بها نبيه عليه السلام، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يوصف بما فيه نقص أو عيب أو آفة؛ فإنه عز وجل تعالى عن ذلك، وخلق آدم عليه السلام بيده، ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بلا اعتقاد كيف يداه؛ إذ لم ينطق كتاب الله تعالى فيه بكيف].

    هكذا ابتدأ رحمه الله، وكأن الراوي حذف المقدمة ؛ لأن عادة المؤلفين البدء بمقدمة فيها حمد الله والثناء عليه والشهادتان، والدوافع التي تدفع إلى ذلك الموضوع، وبيان الموضوع، ولم يذكر في هذه الرسالة، فإما أن يكون المؤلف اقتصر على العقيدة بنفسها ولم يذكر المقدمة، وإما أن يكون بعضهم اختصر المقدمة وترك ما لا حاجة إليه وذكر ما إليه حاجة.

    والخطاب بقوله: [اعلموا] عام للمسلمين الذين يقبلون الإرشادات والتعليمات والنصائح التي توجه إليهم؛ فإنهم هم الذين ينتفعون بما أمروا به، فالأمر بقوله: [اعلموا] أمر إرشاد وتوجيه ونصيحة، ومعناه أنه يأمركم، فإذا أردتم الخير وامتثلتم فإنكم مفلحون، ومن خالف ذلك وصد عنه فإنه يعتبر مخالفاً للنصيحة راداً لها.

    دعا المصنف في أول هذه العقيدة بالرحمة، فقال: [رحمنا الله وإياكم]، وبدأ لنفسه فدعا بالرحمة ثم دعا بعد ذلك للمخاطبين بالرحمة، وهو دليل أيضاً على أنه يعترف بصفة الرحمة، أن الله تعالى واسع الرحمة، وأنه رحيم بعباده، والرحمة صفة فعلية يرحم الله بها من يشاء من خلقه، وقد اشتق منها لله سبحانه وتعالى أسماء كالرحمن والرحيم، وهما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر، فالرحمة صفة لله تعالى ثابتة يرحم بها من يشاء من خلقه، وكذلك وضع الرحمة في قلوب عباده، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله جعل الرحمة مائة جزء، وأنه وضع حزءاً منها بين العالمين يتراحمون به حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه، وتلك الرحمة وضعها الله تعالى في قلبي الأبوين ونحوهما.

    والرحمة في حق المخلوق رقة وشفقة على من يرحمه، فهو يرق قلبه أيضاً، أشفق عليه حتى حرص على إيصال الخير إليه ودفع الشر عنه، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال : (من لا يَرحم لا يُرحم)، وقال لمن رأى قلبه قاسياً : (أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟!)، فأفاد بأن الله يضع الرحمة في القلوب، والكلام هنا في أن الله رحيم بالعباد وأنه يرحم من يشاء، كما في قوله تعالى: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ [العنكبوت:21]، وأن من رحمه فقد سعد، كما في قوله : كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:54]، وقال : وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [الأعراف:156] .

    معنى المذهب لغة واصطلاحاً

    قول المصنف رحمه الله: [أن مذهب].

    المذهب هو المسلك الذي يسلك، يقال : هذا مذهب فلان. أي: طريقه الذي ذهب منه وسلكه. ويقال: فلان ذهب في مذهب فلان. بمعنى: في طريقه الذي سلكه. ولكن اصطلح على أن المراد بالمذهب القول الذي يقتدى به بعده، أو الذي يختاره ويرجحه، ويسمى مذهباً له، أي: مسلكاً سلكه وقولاً رجحه على غيره بدليل اقترن به.

    أما المذاهب فيراد بها الأقوال التي تنسب إلى أربابها، ويطلق المذهب على كل قول قاله إمام مجتهد مات وهو مجتهد ومتمسك به، سواءٌ اقتدي به فيه أو لم يقتد به، وهو هنا أضاف المذهب إلى أهل الحديث.

    أهل الحديث وسبب تسميتهم بذلك

    قوله: [مذهب أهل الحديث أهل السنة والجماعة]، وخصهم لأنهم القدوة، فمن يريد أن يقتدي بهم ويسير على نهجهم فليسلك هذا الطريق وليتمسك بهذا المذهب، ولأنهم أقرب إلى الصواب والنجاة والفلاح، ومعلوم أن أهل الحديث هم الذين تمسكوا به ؛ لأن الأصل أنهم رووا الأحاديث ودونوها واشتغلوا بها وفتشوا في صحيحها وضعيفها، ونقبوا فيما يصلح أن يقبل وما لا يصلح أن يقبل، فصار ديدنهم وشغلهم الشاغل هو الاشتغال بالحديث .

    وما المراد بالحديث ؟ لا شك أنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يتناقلونه.

    وكان الصحابة رضي الله عنهم في أول أمرهم يقبلون الحديث ممن رواه وممن نقله، ولكن بعدما دخل في الإسلام من ليس بمسلم إسلاماً صحيحاً وأخذ يختلق أحاديث وأقوالاً وينسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فعند ذلك اهتم المسلمون بهذه الأحاديث، فألزموا كل من روى حديثاً أن يذكر من حدثه به.

    قال مسلم في مقدمة صحيحه: كانوا لا يسألون عن الإسناد، فلما ركب الناس الصعب والذلول قالوا : سموا لنا رجالكم. أي: حتى نعلم من يقبل ومن لا يقبل. فصاروا لا يأخذون الحديث ولا يتقبلونه إلا إذا عرفوا سنده، فصاروا يروونها بالأسانيد، فعند ذلك بحثوا في رجالها الذين نقلوها وترجموهم، وذكروا ما يقال فيهم، ومن هو أهل أن يكون محدثاً حافظاً، ومن ليس كذلك، فاشتغلوا بهذا، مثل الإمام البخاري ، فقد كان شغله بالحديث طوال حياته ومثل الإمام أحمد ويحيى بن معين وهو رفيق للإمام أحمد وله تاريخ وتراجم مطبوعة، وعلي بن المديني وله كتب مطبوعة، والإمام مسلم، وأصحاب السنن الأربعة وغيرهم، وكذلك مَنْ قبلهم اشتغلوا بالأحاديث وبنقلها وبتتبعها، ورد ما ليس بثابت منها وما ليس بصحيح، وتثبيت الثابت الصحيح، وقبول رواية هذا وقبول رواية هذا، فصار شغلهم الشاغل دائماً في الأحاديث، فإذا جلسوا في مجلس إنسان فليس لهم إلا أن يقولوا: ماذا تحفظ -يا فلان- من الأحاديث؟ ما عندك من الأحاديث؟ هذا الحديث رواه فلان عن فلان، فماذا تعرفون عن الراوي الفلاني؟ وماذا تعرفون عن شيخه وشيخ شيخه؟ وهكذا يكون دائماً شغلهم في التنقيب عن الأحاديث، فلذلك سموا أهل الحديث وكفى بهذا الاسم شرفاً، وذلك لأنه الحديث الذي أضيف إليه صلى الله عليه وسلم.

    تعريف السنة وسبب تسمية أهل السنة بذلك الاسم

    تطلق السنة على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وتقابل القرآن، فأنت تقول : أعطني دليلاً من الكتاب ومن السنة ومرادك بالسنة الأحاديث، فجعلت الأحاديث هي السنة ؛ لأنها الطريقة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم، والسنة: اسم للطريقة التي يسار عليها كما روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه قال : سَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، وسَنَّ الخلفاء الراشدون بعده سنناً ..إلى آخره. ومراده بالسنن الطرق التي سنوها وشرعوها لمن بعدهم.

    فالنبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته هذه الطرق التي يسيرون عليها، ألا وهي الأوامر والنواهي والأقوال والإرشادات، فسميت سنة لأنه بينها ووضحها، فكأنهم يسيرون عليها، فالسَنَن هي الطرق، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سَنَنِ من كان قبلكم) يعني : طرقهم. ولما قال له أصحابه: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. قال: (الله أكبر ! إنها السنن) يعني : الطرق المسلوكة قبلكم. فسماها سنناً، يعني: طرقاً ومماهد يسار عليها .

    ثم أطلقت السنة على العقيدة السليمة، فيقال: السنة جاءت بكذا وكذا وكثيرٌ من العلماء سموا كتبهم بالسنة، فللإمام أحمد كتاب اسمه (السنة)، ولولده عبد الله كتاب اسمه (السنة)، ولتلميذه أبي بكر الخلال (السنة)، ولـابن أبي عاصم كتاب (السنة)، والمراد بالسنة هنا ما يعتقد، فلا تدخل في سنن الأفعال، أما كتاب المروزي -واسمه محمد بن نصر المروزي- فهو يتعلق بالأحاديث والذب عنها وتصحيحها وما يقال فيها، ولا يتعلق بالعقيدة، بخلاف كتاب (السنة) لـعبد الله ولأبيه ولتلميذه فإنها تتعلق بالعقيدة، ولبعض المتأخرين -وهو عالم يماني اسمه: ابن الوزير- كتاب مطبوع اسمه (الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم)، فيراد بالسنة هنا الأحاديث، وكذلك أيضاً الأعمال.

    والحاصل أن أهل العقيدة السلفية يسمون (أهل الحديث)، و(أهل السنة)، و(أهل الجماعة)، ويراد بالجماعة: المجتمعون على الحق والخير، والذين تجمعهم عقيدة سليمة ولو كان غيرهم أكثر منهم .

    ولقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على لزوم الجماعة،ففي حديث أبي ذر المشهور قال النبي صلى الله عليه وسلم : (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، وفي أحاديث كثيرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : (عليكم بالجماعة)، فهو يحث على لزوم جماعة المسلمين؛ فإن دعوتهم تحيط بهم من ورائهم .

    المراد بالجماعة وعلى من تطلق

    أطلقت الجماعة على أهل العقيدة السليمة ولو قلوا في بعض الأزمنة، والأصل أنهم السواد الأعظم والأكثرية، ولكن قد يقلون في بعض الأزمنة، ولـابن الجوزي كتاب اسمه (تلبيس إبليس)، وفي بعض الطبعات (نقد العلم والعلماء)، بدأه بمقدمة على الحث بلزوم الجماعة، وكأنه يشير إلى أن الأكثرين غالباً الأقرب إلى الصواب، ولكن لو قدر أن الصواب صار مع غيرهم فإنا نأخذ بمن معه الصواب ولو كانوا قليلاً، فالحق حق وإن قل أهله، والباطل باطل وإن كثر أهله.

    ثم قد يراد بالجماعة أهل القرون المفضلة وبالأخص الصحابة، فكلهم على الحق لم يذكر فيهم مبتدع، والقرن الثاني وهم التابعون- الأصل فيهم أنهم على الحق؛ لأن فيهم الذين قرؤوا العلم وأخذوه عن الصحابة، وتلامذتهم تابعوا التابعين الأصل فيهم أنهم على الصواب والحق، وأما القرن الرابع وما بعده فهو الذي كثرت فيه البدع وكادت السنة أن تختفي.

    إذاً فقد يقال: إن الجماعة هم السلف الصالح، والجماعة هم أهل القرون الثلاثة المفضلة الذين زكاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه عقيدتهم.

    1.   

    الإقرار بالله أصل من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الإقرار بالله...].

    هكذا عبر بالإقرار، والمراد الاعتراف، تقول: أقر بالشيء: أي: اعترف به.

    وقد تقول: لماذا لم يعبر بالإيمان كما ورد في حديث جبريل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له (الإيمان : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وأن تؤمن باليوم الآخر وتؤمن بالقدر) فقال: (تؤمن) ولم يقل: تقر؟

    والجواب: كأن المؤلف هنا اختار لفظ الإقرار ؛ لأنه يريد به الاعتراف الظاهر الذي يسمع من المعترف بذلك على رؤوس الأشهاد، والإيمان كأنه خفي؛ لأنه تصديق القلب ويقينه وعقيدته، والإقرار: إظهار للشيء الذي أقر به وإعلان له على رؤوس الأشهاد وتمسك به ولا شك أن من أظهر هذا الاعتراف وقال: أنا أقر وأعترف بأن الله هو إلهنا، وأنه أنزل الكتب وأرسل الرسل وخلق الخلق، وله ملائكة كرام كاتبون. ويعترف بذلك نقبل ذلك منه.

    لوازم الإقرار بالله

    لم يذكر المصنف هنا إلا أربعة أركان: الإقرار بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، ولم يذكر اليوم الآخر ولا القدر، ولكنه سيذكر ذلك فيما بعد وإن لم يفصل فيه تفصيلاً.

    ولا شك أن الإقرار بهذه الأربعة يستلزم الإقرار بغيرها، فمن أقر بالله لزمه أن يقر بوجوده وبقدرته وبتصرفه وبتدبيره وبخلقه وبعلمه وبسائر صفاته التي وصف بها نفسه، وهذا هو الأصل، ولأجل ذلك تجد كثيراً من الأحاديث ذكر فيها الإقرار أو الإيمان بالله واليوم الآخر دون بقية أركان الإيمان، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) ، وكقوله: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تَحدَّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج)؛ اقتصر على ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر، فالإيمان بالله يدخل فيه التوحيد بأنواعه وأخبار الله تعالى والإيمان برسله؛ لأنهم جاؤوا بما أرسلهم به، ويدخل فيه الإيمان بكتبه؛ لأنها اشتملت على كلامه ووحيه وإرشاده، ويدخل فيه الإيمان بوعده وبوعيده ونحو ذلك، فهو الأصل، فمن آمن بالله أتبع إيمانه كل ما أخبر الله به وكل ما جاء عن الله تعالى.

    الإيمان بوجود الله فرع عن الإيمان به

    معلوم أن الإنسان إذا آمن بالله فأولاً يؤمن بوجود الله تعالى، ويرد بذلك على الشيوعيين والفلاسفة الدهريين والطبائعيين، وذلك لأن هؤلاء جميعاً لا يعترفون بخالق بل الأمر عندهم مسند إلى الطبائع، والطبائع هي التي تؤثر في هذا الكون، وفي منظومة لبعض المتأخرين يقول فيها:

    ولا نصغي لعصري يفوه بما يناقض الشرع أو إياه يعتقد

    يرى الطبيعة في الأشياء مؤثرة أين الطبيعة يا مخذول إذ وجدوا؟!

    فأين الطبيعة قبل أن يوجدوا؟ وأين الطبيعة بعدما وجدوا؟ فهؤلاء الطبائعيون لا يؤمنون بوجود الله تعالى، والمسلم الذي يعتقد وجود الله تعالى يعترف بوجوده، وفي ثلاثة الأصول قال الشيخ رحمه الله: (إذا قيل لك: بم عرفت ربك فقل: بآياته ومخلوقاته)، يعني: عرفته بآياته التي منها الليل والنهار والشمس والقمر، وبمخلوقاته التي منها السموات والأرض وسائر المخلوقات، وهذه المخلوقات دالة على أن لها خالقاً.

    ولقد تكلم ابن كثير رحمه الله على أول آية فيها أمر في تفسيره، وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ [البقرة:21-22] فقال: هذه ست دلالات نصبها الرب تعالى ليعرفه العباد ويعترفون أنه ربهم الذي خلقهم، أي: أوجدهم وقد كانوا معدومين: وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [البقرة:28]، (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ): الآباء والأجداد والأسلاف؛ فإن النعمة على الوالدين نعمة على الأولاد.

    (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً) أي: غطاء وبساطاً ليناً تجلسون وتتقلبون عليه كما تشاؤون، وكما فيها من آيات عظيمة، (وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) وجعلها سقفاً محفوظاً وبناء فوقكم (وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً) لا يقدر الخلق على أن ينزلوه، (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ) جعل هذه الأرض لينة تقبل أن تنبت النبات الذي يكون به غذاؤكم وبه تتم حياتكم.

    ثم إنه -رحمه الله- ذكر أقوالاً ونقولاً عن السلف رحمهم الله يستدلون بها على وجود الخالق، فذكر أن أبا حنيفة جاءه قوم من الدهريين وسألوه عن وجود الله -يريدون أن يشككوه في وجود الرب تعالى- فقال لهم: إني منشغل بأمر رهيب. قالوا: وما هو؟ قال: ذكر لي أن هاهنا سفينة ليس فيها أحد، وأنها تسير وحدها في البحر، وترسي على الساحل، وتحمل نفسها أمتعة حتى تمتلئ، ثم تسير سيراً مستقيماً حتى تصل إلى بلاد أخرى، ثم تنزل ما فيها من الأمتعة مع اختلافها، وتعزل التمر والأكسية وغيرها كل بمفرده، ولا يختلط هذا بهذا، ومع ذلك ليس فيها أحد، وليس فيها من يسيرها ولا من يرسلها. فقالوا: وهل تصدق بهذا؟ لا يصدق بهذا إلا مجنون! السفينة خشبة، وكيف تحرك الخشبة نفسها؟ وكيف تسير بنفسها؟ وكيف تحمل نفسها وهي خشبة؟ فعند ذلك قال لهم: خصمتم، فأنتم تشاهدون هذا الكون، فهذه النجوم التي تسير من الذي خلقها وأوجدها؟ وهذان النيران -الشمس والقمر- من الذي سيرهما هذا السير المحكم؟ وهؤلاء الخلق من الذي بثهم في هذه الأرض؟ وهذه الأفلاك التي تسير في هذا الكون، وهذه الرياح من يصرفها كما يشاء، وهذه السحب من ينشئها؟! فعند ذلك انقطعوا وتابوا على يديه، فهذه حجة قوية.

    وسئل الإمام أحمد رحمه الله عن هذا السؤال فقال: ها هنا قصر مشيد محكم ليس له منفذ ولو كان رأس الإبرة، ظاهره فضة بيضاء وباطنه ذهب أصفر، محكم البناء، لا يصل إليه تصرف، ولا يصل إليه أدنى تدبير، بقي هذا القصر على ما هو عليه، وبينما هو كذلك إذ انكسر جداره فخرج من وسطه حيوان حي سميع بصير يأكل ويشرب ويتقلب ويتصرف لنفسه فيه جميع الحركات، كيف ولد في وسط هذا القصر؟

    يشير بذلك إلى بيض الطير، هذا البيض يخرج ميتاً ليس فيه أدنى علامة للحياة، ومع ذلك يتكون فيها هذا الفرخ، ويتغذى من وسط، ثم بعد ذلك يخرج بإذن الله، فالله تعالى هو الذي كونه حيواناً صغيراً، ثم بعد ذلك أكل ونما إلى أن خرج وهو حيوان كبير يستطيع أن يطير ويتقلب، أليست عناية الله تعالى بهذا الطائر في هذه البيضة تدل على أنه كونه وقدره كما يشاء؟

    والآيات والعلامات كثيرة، وقد تكلم ابن القيم رحمه الله في أول كتابه الذي سماه (مفتاح دار السعادة) بنحو أكثر من ستين صفحة كلها في التفكر والتأمل في المخلوقات والاستدلال بها على قدرة الخالق، فجعل ذلك في فصول.

    فهو يقول -مثلاً-: فصل: تأمل خلق الإنسان كيف خلق من كذا وركب فيه كذا وكذا، ثم تأمل خلق هذا الحيوان -وأخذ يفصل في الحيوانات-، ثم تأمل خلق الأرض وفيها كذا وكذا، وتأمل خلق كذا. نحو ستين صفحة كلها في الأدلة، وفي أثناء كلامه يقول: فسل المعطل: من الذي جعل النور في هاتين العينين، هذا النور الذي يمتد ويبصر القريب والبعيد؟ سل المعطل: من الذي فتح هاتين الأذنين وجعلها مدخلاً للصوت حيث إن الصوت يصل إلى الدماغ ويتصور السامع ما يقول من إنسان وحيوان وطير؟ سل المعطل: من الذي ركب هذا الفؤاد وجعل فيه هذا العقل الذي يميز بين الأشياء وفرق به بين الإنسان وبين غيره من الدواب؟ سل المعطل: من الذي ركب لهذا الطير هذه الأجنحة حتى يطير بها ويتصرف بها كما يريد؟

    وتكلم في كتاب له آخر اسمه (التبيان) -أكثره من القرآن- عندما أتى على تفسير سورة الذاريات في قوله تعالى: وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:20-21] فأطال في قوله: (وَفِي أَنفُسِكُمْ) حيث شرح ما في الإنسان من العجائب حتى كأنه أعلم من المشرحين الذين يشرحون المخلوقات، ويصف الإنسان من رأسه إلى إبهامه، يصف كل عضو ويقول: مادته من كذا وكذا. لا شك أنها آيات بينات عظيمة.

    الإقرار بأن الله الخالق

    إذا آمنا بالله تعالى أنه موجود آمنا أيضاً أنه الخالق الذي تفرد بالخلق فلا خالق غيره، ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الأنعام:102]، فهو الذي انفرد بخلق المخلوقات، ولا يكون في الوجود إلا ما يريد، قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50]، الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21].

    ولا شك أن الاعتراف لله سبحانه وتعالى بأنه الخالق يفيد الإنسان عظمة الله تعالى؛ وذلك إذا اعترف بأن الخلق كله خلق الله، وأن كل ما في الوجود بإيجاده، وأنه ليس فيه ذرة من خلق أحد، وأن الإنسان مهما اخترع وخلق لا يقدر على خلق مثل ما خلق الله، قال الله: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [لقمان:11]، فلو حاول الإنسان -مثلاً- أن يخلق ذباباً أو ذرة يجعلها متحركة بطبعها ويركب فيها عينيها وأذنيها وأقدامها ومفاصلها ونحو ذلك لا يستطيع، ولو اجتمع الخلق على أن يخلقوا ذرة أو بعوضة فيها نفس وروح وحركة طبعية اختيارية لم يقدروا على ذلك، أما التصوير فإنه يسمى تصويراً، وقد توعد الله أيضاً الذين يصورون، كما في الحديث القدسي: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا برة، أو ليخلقوا شعيرة) .

    قد تقول: إنهم الآن يصنعون حب الأرز الصناعي وما أشبهه؟! لكنه ليس مثل البر الذي هو خلق الله تعالى، حيث إنه ينبت إذا بذر، فالبر الطبيعي أو نحوه إذا دفن في الأرض وسقي نبت فوق الأرض وأزهر، وأما هذا فإنهم يأخذون شيئاً من الأرز ثم يطبخونه، ثم بعد ذلك يدخلونه في ماكينات ويقسمونه إلى حبات يسيرة، ثم يجعلونه طعاماً، فما أخذوا إلا من كخلق الله تعالى، أما خلق الله فلا يستطيعون أن يخلقوا ذرة كما هي أو برة أو شعيرة طبيعية بطعمها وبطبعها.

    وكذلك أيضاً إذا عرفنا أن الله تعالى هو الخالق فإننا نؤمن بأنه المعبود، وذلك كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ [البقرة:21] كأنه قال: أذكركم بأني خلقتكم، وإذا كنتم خلقي فأنتم عبيدي وملكي، والعبيد يطيعون خالقهم ومالكهم، ولا يخرجون عن طواعيته، ولا يتعبدون لغيره، بل يعبدونه وحده، فكيف تتعبدون لمن لم يخلقكم وتتركون الذي خلقكم؟

    فالكلام الذي يتعلق بالإيمان بالله يدخل فيه جميع ما يأتي من الإيمان بالصفات ونحوها.

    1.   

    الإيمان بالملائكة

    أما الإيمان بالملائكة فإنه ركن من أركان الإيمان الستة، فنؤمن بأن الله تعالى خلق الملائكة، وأنهم كما وصفهم الله تعالى: لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ [الأنبياء:19] أي: لا يتعبون، بل يسبحون الليل والنهار لا يصيبهم الفتور. بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء:26-28]، لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [فصلت:38]، لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ [الأعراف:206]، والآيات في صفاتهم كثيرة، فلا بد أن نؤمن بأن الملائكة خلق لله تعالى، وذكر العلماء أنهم أرواح مستغنية عن أجساد تقوم بها، كما ذكر ذلك ابن القيم في كتاب (الروح)، ولأجل ذلك لا نراهم، وكان ينزل الملك على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يراه من حوله، وذلك لأنهم أرواح لا يطالها البصر، ولكن لهم القدرة على التشكل والظهور بصور مختلفة.

    وقد ورد ذكر كثرتهم، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أطت السماء وحق لها أن تئط؛ ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك قائم أو راكع أو ساجد)، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم دائماً يسجدون لله ويعبدونه، ففي حديث النواس رضي الله عنه: (إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك) فهذا خضوعهم لله تعالى، وتواضعهم لله، (إذا أراد الله أن يوحي بالأمر -تكلم بالوحي- أخذت السموات منه رجفة أو رعدة شديدة، فإذا سمع ذلك أهل السماء صعقوا وخروا لله سجداً) كل ذلك دليل على أنهم خلقوا للعبادة، ولذلك يقولون: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [البقرة:30].

    وذكر أن منهم خزنة النار وخزنة الجنة، ففي قوله: وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا [الزمر:71] يعني: الذين يحمونها أو يحفظونها أو نحو ذلك.

    وقد ذكر أن الإنسان موكل به ملائكة؛ لقوله تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11]، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار).

    1.   

    الإيمان بالكتب والرسل

    وأما الإيمان بكتبه فهو بأن نؤمن بأن لله تعالى كتباً أنزلها على أنبيائه، والكتب هي التي تكتب في صحف، سواءٌ أنزلها مكتوبة، أو مقروءة ثم كانت نهايتها أن كتبت وضبطت، وورد في بعض الأحاديث: (أن الله أنزل مائة كتاب وأربعة كتب، ثم إنه ضمن هذه المائة في الأربعة: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، ثم إن معاني هذه الأربعة ضمنها القرآن)، فأصبح القرآن متضمناً لمائة كتاب وأربعة كتب، ولهذا وصفه الله تعالى بقوله: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ [المائدة:48] يعني: محتوياً على الكتب التي قبله. أي: على معانيها ومفادها ومدلولها. فكتاب الله الذي أنزله هو خاتمة كتبه التي أنزلها على أنبيائه وهو أفضلها؛ حيث إنه وصفه بقوله: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42] وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82]، ولعله يأتينا كلام في الكتب.

    أما الإيمان بالرسل أو الإقرار بهم فهو اعتقاد أن الله تعالى أرسل رسلاً من البشر ورسلاً من الملائكة، كما في قول الله تعالى: جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [فاطر:1]، فالملائكة رسل إلى الأنبياء، يرسل الله الرسول الملكي إلى الرسول البشري بالوحي الذي يأمره أن يبلغه، فمن الملائكة رسل ومن البشر رسل، فالرسل من البشر واسطة بين الله تعالى وبين البشر رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [النساء:165]، وهناك حديث طويل ذكره ابن كثير عند قوله تعالى: وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ [النساء:164]، وهو حديث أبي ذر أنه قال: (يا رسول الله ! كم الأنبياء؟ فقال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً جم غفير) جم غفير، فالرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر، والأنبياء هذا عددهم، وإذا لم يصح هذا الحديث فإن الآية تصرح بكثرتهم وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ [النساء:164].

    وإيماننا بالرسل إيمان مجمل، فنصدق بأنهم صادقون مصدَّقون، وأنهم لا يقولون إلا بما أوحي إليهم، ولا يبلغون إلا ما أرسلوا به، ولا يقولون شيئاً من قبل أنفسهم.

    1.   

    عقيدة أهل السنة فيما نطق به القرآن

    قال المصنف رحمه الله: [من عقيدة أهل السنة والجماعة قبول ما نطق به كتاب الله تعالى].

    قوله: [قبول] دل على أن كتاب الله تعالى هو حجتنا وهو دليلنا، فكتاب الله هو الذي أورثناه الله تعالى، كما قال تعالى:ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [فاطر:32]، فالذين ورثوه هم المصطفون، وهم خيرة الله من خلقه، وصفوته، فمن عقيدتهم أنهم يقبلون كل ما نطق به، وأنهم لا يردون شيئاً، سواءٌ أكان رداً صريحاً بالتكذيب به بأن يقولوا: هذه السورة ليست من القرآن، وهذه لم يتكلم بها الله، وهذه مكذوبة، وهذه الآية زائدة ليست من القرآن بل أضافها إليه الكتاب أم نحو ذلك؛ فإن من كذب بكلمة من القرآن فقد كذب به كله، أي: حكمه حكم من كذب به؛ لأن كل كلمة متحققة الثبوت، والقرآن كله نقل نقلاً متواتراً، فلا يحق لأحد أن يرد منه كلمة، كما لا يحق لأحد أن يزيد فيه حرفاً أو يضيف إليه كلمة، وقد تكفل الله تعالى بحفظه فقال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، فمن عقيدة أهل السنة الإقرار والاعتراف والقبول بكل ما جاء في كتاب الله تعالى.

    وعبر بالنطق وكأن القرآن ينطق، فهم يقولون بأن كتاب الله ينطق بكذا وكذا وقد تقول: إننا نمسك القرآن الذي هو المصحف ومع ذلك لا يتكلم! ولكن الموجود في داخله مكتوب بالحروف العربية الواضحة، فإذا قرأتها فكأنه نطق لك القرآن وأوضح لك، فيقال: نطق القرآن بكذا. أي: احتوى على كذا واشتمل على كذا وكذا. فذكر -مثلاً- أركان الإسلام، وذكر في القرآن الحدود، والبعث والنشور، والأسماء والصفات، هذا كله مما نطق به القرآن، ووظيفتنا أن نقبل ذلك.

    قال رحمه الله تعالى: [وما صحت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم].

    خص ما صحت به لأن هناك أحاديث لم تصح ولا رويت بأسانيد ولكن فيها ضعف فلا ندخلها في العقيدة، ولا ندخلها في الشريعة إذا كانت غير صحيحة أو غير مقبولة، إنما نقبل ما صحت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ولم يشترط الإسماعيلي رحمه الله أن تكون متواترة بل أجمل ذلك، وإن لم تبلغ حد التواتر، فلو صحت وكانت من الآحاد فإنها مقبولة ونقول بها إذا ثبتت وصحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ثم يقول: [ولا نعدل عما ورد به، ولا سبيل إلى رده].

    قوله: [لا نعدل] ضبط بلفظ [لا معدل] يعني: لا عدول. أي: لا يجوز لك أن تعدل عما ورد في القرآن والسنة، ولا يحق لك أن تتركه جانباً، بل إذا عرفت أنه ثابت في كتاب الله تعالى وصحيح في سنة رسوله فإن عليك أن تقول به وأن تنطق به وأن تعتقده ولو خالفك من خالفك، ولو كثر الذين ينكرون عليك، فإن دليلك دليل قوي، دليلك كتاب الله الذي هو أصح ما جاء عن الله تعالى فيما بين أيدينا، ودليلك أيضاً سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة القوية، فلا تعدل عما ورد به ولا سبيل لك إلى رده.

    قوله: [لا سبيل إلى رده] بمعنى أنه ليس لأحد مسلك أو سبيل إلى أن يرد شيئاً مما جاء في هذه السنة أو الآيات، بل من رد شيئاً منها فكأنه رد الجميع.

    قال: [إذ كانوا مأمورين باتباع الكتاب والسنة] في قوله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الأعراف:3]، والسنة منزلة كما أن القرآن منزل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) يعني السنة. فهم مأمورون باتباع الدليلين: الكتاب والسنة.

    والأمر من الله، فإذا كان الأمر من الله تعالى فإنه يجب امتثاله.

    1.   

    الأمر باتباع الكتاب والسنة ونبذ ما خالفهما

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذ كانوا مأمورين باتباع الكتاب والسنة].

    نعرف أن الله تعالى يأمرنا دائماً باتباع كتابه، ويحثنا على اتباع سنة نبيه، ويذكر عاقبة من اتبع هذا النبي وحسن العاقبة له، مثل قول الله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف:3].

    والاتباع هو السير على نهجه، أي: سيروا على منهجه وطبقوه واعملوا به. والأصل في الاتباع أنه اتباع الآثار، فإذا سار رجل على طريق ثم سرت عليه تقول: اتبعت أثر فلان. واتبعت فلاناً في مذهبه أي: ذهبت إلى ما ذهب إليه.

    ثم أطلق الاتباع على التطبيق للأعمال، فالله تعالى أمرنا باتباع الكتاب والسنة، وأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن الاتباع هنا هو الاتباع بالأعمال الصالحة، بمعنى: السير على نهجه وتطبيق سنته والعمل بما أمر به. هذا معنى قوله: [إذ كانوا مأمورين باتباع الكتاب والسنة].

    وقد وردت الأدلة باتباع الكتاب والسنة في آيات كثيرة، مثل قول الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ [آل عمران:31]، (اتبعوني) بمعنى: أطيعوني. والاتباع معناه: الاقتداء به. وهو أيضاً التأسي، كما هو في قول الله: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، وكذلك قال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158]، فرتب الاهتداء على الاتباع، ويفهم منه أن ترك الاتباع له ضلال، فالاهتداء ضده الضلال، فمن اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم اهتدى، ومن ترك اتباعه واتبع هواه ضل.

    وكثيراً ما يذكر الله تعالى ضلال من اتبع هواه، كما في قوله تعالى: وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ [محمد:14] أي: اتبعوا ما تهواه أنفسهم، أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الفرقان:43] أي أنه لا يهوى شيئاً إلا ركبه. فالذين يتبعون أهواءهم هم الضالون، والذين يتبعون السنة والكتاب هم المهتدون، وهذا معنى قوله: [مضموناً لهم الهدى فيهما].

    يعني: ضمن الله الهدى لمن اتبع كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158]، والأدلة كثيرة في ذلك.

    قال المصنف رحمه الله: [مشهوداً لهم بأن نبيهم صلى الله عليه وسلم يهدي إلى صراط مستقيم].

    يعني: يدل على الصراط ويحث على سلوكه، قال الله تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [الشورى:52-53]، وصراط الله الذي أمر بسلوكه بينه النبي صلى الله عليه وسلم، فصراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض بينه النبي صلى الله عليه وسلم وهدى إليه، فمن سار عليه فإنه من المهتدين، ومن أخطأه فإنه من الضالين.

    والأصل أن الصراط هو الطريق الواسع الذي يسلكه الناس ولا يضيق بهم، ومنه سميت السبل طرقاً وسبلاً يسار عليها، فسبيل الله واحد، وهو الذي بينته الرسل وبينه النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153]، وفي الحديث الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطاً مستقيماً، ثم خط خطوطاً عن يمين ذلك الخط منحرفة يميناً ويساراً، فأشار إلى الخط المستقيم ثم قال: هذا صراط الله -يعني الصراط المستقيم- وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، وقرأ هذه الآية من سورة الأنعام: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [الأنعام:153]).

    والصراط الذي يهدي إليه النبي صلى الله عليه وسلم هو دين الله الذي جاء به وبلغه، فمن سار عليه فإنه على الهدى المستقيم، ومن اتبع بنيات الطريق هلك وضل.

    وقوله صلى الله عليه وسلم: (على كل سبيل منها شيطان) هذه السبل هي البدع والمحدثات التي أحدثت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الذين يدعون إليها إما شياطين الجن وإما شياطين الإنس، فهؤلاء شياطين يدعون إلى طريق الروافض، أو المعطلة، أو الجبرية، أو الخوارج، أو المرجئة، وهكذا.

    وكذلك أيضاً الطرق والمناهج المحدثة، فهؤلاء يدعون إلى الكفر، وهؤلاء إلى النفاق، وهؤلاء إلى الشيوعية، وهؤلاء إلى البعثية، وهؤلاء إلى العلمانية، وهكذا.

    قال المصنف رحمه الله: [محذرين في مخالفته الفتنة والعذاب الأليم] أخذ هذا من الآية التي في آخر سورة النور: فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] بعد أن أمر الله تعالى بطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم وبعدم الخروج إلى شيء إلا بإذنه، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ [النور:62]، ثم قال: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، وقد يكون سبب النزول خاصاً، وهو أنه ينهاهم فيقول: اجلسوا هاهنا فيخالفونه ويجلسون في غيره، يقول لهم: الزموا هذا المكان، واحفروا هنا في الخندق فيتركون أمره ويخالفونه، ولكن الآية عامة يدخل فيها كل من خالف سنة جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    ومما هو مشهور عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله قوله: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان ، والله تعالى يقول: فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك).

    وهكذا يمثل رحمه الله في زمانه أناساً يقلدون سفيان الثوري ويتبعون رأيه -مع أنه مجتهد ومحدث- وهم يعرفون الأحاديث، فيتعجب منهم الإمام أحمد: كيف تعرفون الأحاديث وتقلدون الرجال؟ ألستم بذلك مخالفين للنبي صلى الله عليه وسلم؟! تعرفون أمره ثم تتركونه لرأي فلان وفلان، هذه هي المخالفة، وإذا خالفتموه فلا تأمنوا أن تصيبكم فتنة أو يصيبكم عذاب أليم.

    1.   

    الأسئلة

    كيفية زكاة مشاغل الخياطة

    السؤال: مشاغل الخياطة كيف تكون زكاتها؟ وهل تزكى بما فيها من مواد خياطة، وكذلك لوازم مستخدم الخياطة وماكينة الخياطة وغيرها؟

    الجواب: لا زكاة فيما يستعمل، فالماكنة التي يخيط عليها لا تقدر؛ لأنها ليست للبيع وإنما هي للاستعمال، وكذا جميع ما يشترى للاستعمال، إنما الزكاة في الأجرة التي يأخذها ويحصل عليها إذا حال عليها الحول، فالخياط إذا كان يخيط بالأجرة فإنه يجمع الأجرة، فإذا تم نصابها وحال عليها الحول زكاها.

    أما إذا كان عنده أقمشة يبيع ويخيط فإنه إذا حال عليها الحول يقدر ما عنده من الأقمشة التي يبيع منها ويضيفها إلى ما عنده من النقود ويزكي الجميع.

    والغسال -مثلاً- عنده مكائن التغسيل وما أشبهها لا زكاة فيها، والأجرة التي يجمعها من هذا ومن هذا إذا حال عليها الحول فإنه يزكيها، وهكذا أهل الحرف والصناعات، فالأدوات التي يستعملونها للصناعة لا تقدر، وهكذا أيضاً ما ليس معدوداً للبيع، فصاحب البقالة -مثلاً- عنده ثلاجات تحفظ الفواكه والأشربة وما أشبهها، وعنده صناديق تحفظ الأمتعة، فهذه لا تقدر ولا تزكى إنما يزكي الشيء الذي للبيع.

    الجمع بين تصور الملائكة بالأجساد وحقيقة شكلها

    السؤال: أشكل القول بأن الملائكة أرواح بغير أجساد، فكيف الجمع بين ذلك وبين ما ورد أن جبريل عليه السلام رآه النبي صلى الله عليه وسلم وله ستمائة جناح، وأن صاحب الصور قد التقم الصور؟

    الجواب: لا منافاة بين ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم يراه وغيره من الحاضرين لا يرونه، جعل الله في النبي صلى الله عليه وسلم قوة إبصار يبصره وإن لم يكن له شبه ظاهر، ولهذا في حديث جبريل أنه لما تصور بصورة رجل ثم سأل عن تلك الأسئلة ثم قام قال لهم: (ردوه)، فذهبوا فلم يروا شيئاً مع أنه قريب عهد بهم، مما يدل على أن الله أعطاهم قدرة على التشكل، والله تعالى خلق الجن أرواحاً بلا أجساد، وكذلك الشياطين أرواح بلا أجساد، وخلق البشر أرواحاً وأجساداً، فالروح التي في الإنسان هي التي بها حياته، فإذا نزعت الروح من الإنسان مات وبقي جسداً بلا روح، والروح إذا خرجت من هذا الجسد لا نبصرها ولا نراها، وورد في الأحاديث أن الملائكة يحضرون عنده، كما في قوله تعالى: (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ [الأنعام:61]، فهل نحن نراهم إذا حضروا عند الميت؟ وورد في الحديث حديث البراء المشهور: (إن العبد المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا نزلت إليه ملائكة بيض الوجوه، معهم أكفان من الجنة، وحنوط من الجنة، فيجلسون منه مد البصر، ويأتيه ملك الموت، فيقول: أيتها الروح الطيبة كانت في الجسد الطيب ! اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان. فتخرج منه تسيل كما تسيل القطرة من السقاء، أو يسلها منه كما تسل الشعرة من العجين).

    فنحن لا نرى ملك الموت ولا نرى الملائكة، إذاً فهذا دليل على أنهم خلق من غير جنس هذا الخلق.

    الجمع بين سبق القدر ورد الدعاء له

    السؤال: كيف نجمع بين قولي النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب مقادير العباد قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة)، وقوله صلى الله عليه وسلم (لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر

    الجواب: لا منافاة بينهما، فالله تعالى كتب مقادير الخلائق ولا يتغير شيء عما خلقه، ولكنه جعل أسباباً أزلية في هذا الكون، كما أن الأعمال الصالحة أسباب أزلية في السعادة والأعمال السيئة أسباب أزلية في الشقاوة، فكذلك من جملة الأسباب الأزلية البر وحسن الخلق وصلة الرحم وما أشبه ذلك، فقال: (من أحب أن يزاد له في أجله، وأن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه) جعل ذلك سبباً، ولكن ليس مغيراً لقدر الله الذي كتبه قبل أن تخلق المخلوقات، ولكنه مكتوب في الأزل أن هذا يزاد عمره بسبب الصلة، ولو كان عاقاً لكان عمره ناقصاً، وهذا يزاد في رزقه بسبب الدعاء، ولو لم يدع لكان رزقه ناقصاً، فكتب الله أن هذا يدعو، وهذا يعصي، وهذا يطيع، وهذا يعمل صالحاً فيسعد، فكل ذلك مكتوب في الأزل وليس أمراً حادثاً، بل هو أمر أزلي يصدق بذلك كله، ولذلك الصحابة لما قالوا: (يا رسول الله ! أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له).

    الله تعالى يسر الإنسان وهداه: فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النحل:36]، والكل يحيا موافقاً للقضاء والقدر، لكن الإنسان مأمور بأن يعمل ويجتهد في العمل، ويعرف أن هذا لا يخالف القضاء والقدر.

    أقل ما يكون زمناً للاعتكاف

    السؤال: من دخل المسجد لطلب العلم ومكث فيه من بعد صلاة العصر ولم يخرج إلا بعد العشاء هل له أن ينوي الاعتكاف في ذلك الوقت؟

    الجواب: له أجر على هذه المراقبة وهذه الملازمة إن شاء الله، أما الاعتكاف فالذي نعرف أن أقله يوم كامل أو ليلة كاملة، أي: من طلوع الشمس إلى غروبها نهاراً كاملاً، أو من غروبها إلى طلوعها ليلاً كاملاً؛ لأن أقل ما ورد فيه يوم أو ليلة.

    ولكن الذي يلازم المسجد ويجلس فيه بالنية له أجر الملازمة، وله أجر النية الصادقة وأجر انتظار الصلاة، كما في الحديث: (فإن أحدكم في صلاة مادامت الصلاة تحبسه) أو (هو في صلاة ما انتظر الصلاة، والملائكة تستغفر له)، فله أجر إن شاء الله.

    الفرق بين رحمة المخلوق ورحمة الخالق

    السؤال: في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق مائة رحمة..)، فهل الرحمة التي هي صفة من صفات الله مخلوقة؟

    الجواب: الرحمة التي قذفها الله في قلوب العباد لا شك أنها مخلوقة، فقد جعل الله لقلب الإنسان رقة يرحم بها ولده أو يرحم بها من يستحق أن يرحم، وأما وصف الله بأنه رحيم وبأنه يرحم العباد فهذا صفة من صفاته، فالرحمة التي خلقها هي التي يرحم بها عباده، وأما الرحمة التي في مثل قوله: (خلقت الرحم، وشققت لها اسماً من اسمي) فهذه صفة من صفاته، وصفات الله ليست مخلوقة.

    موقف طالب العلم من اختلاف أهل السنة في المسائل

    السؤال: ما هو الموقف حين يختلف علماء السنة في مسألة من المسائل؟

    الجواب: إذا كان الاختلاف في الفروع فالأمر يسير، مثلاً: اختلفوا في الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية، ولك أن تنظر في أدلتهم وتفعل بما يترجح عندك، واختلفوا في وجوب القراءة خلف الإمام في الصلاة الجهرية والأمر في ذلك أيضاً يسير، واختلفوا في وضع اليدين في الصلاة على الصدر بعد الرفع من الركوع، فمنهم من يسدل ومنهم من يرفع، والأمر في ذلك يسير ولك أن تختار ما يوافق الدليل، فهذا الاختلاف في الفروع، وإن عرف الإنسان الدليل فإنه يتبعه.

    أما في مسائل العقيدة فالأصل أنك تختار ما كان عليه الصدر الأول الذين هم سلف الأمة وأئمتها وأهل الحديث، هؤلاء هم الذين يقدمون، فإذا وجدت أقوال مخالفة لأقوالهم كأقوال الكرامية والكلابية والجاحظية والهذلية مثلاً، فنقول: هذه أقوال حادثة بعد الصحابة والتابعين وتابعيهم وبعد سلف الأمة، وهذه أقوال لا مستند لها وليس عليها دليل من الكتاب أوالسنة، فلا نقبلها، وفي الأقوال الصحيحة غنية عنها.

    حكم الجمع بعد دخول المدينة

    السؤال: مجموعة من المدرسين يذهبون من بلدتهم إلى قرية تبعد مائة كيلو، فيخرجون بعد صلاة الفجر ويرجعون بعد الدوام، فلا يصلون إلا قبيل العصر بربع أو بثلث ساعة، وعندئذٍ يكونون مجهدين تماماً، فإذا ناموا لا يستطيعون القيام للصلاة، فهل لهم أن يجمعوا الظهر مع العصر؟

    الجواب: ليس لهم ذلك مادام أنهم يصلون قبل العصر، وننصحهم بأن يُصلوا في الطريق وأن لا يُسرعوا في السير، فيصلون بالطريق، وبعدما يُصلون لهم أن يناموا لراحة أجسامهم، فمادام أنهم يُصلون قرب الوقت فليس لهم ذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756362106