اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعــد:
فكان حق هذا المجلس أن يكون هو المجلس (109) من أمالي شرح بلوغ المرام، نسأل الله أن يعيننا وإياكم على التمام، ولكني رأيت لاعتبارات خاصة أن ألحق هذا الدرس بسلسة الدروس العلمية العامة بحيث يكون رقمه (43) وهو ينعقد في هذه الليلة الأربعاء (30/ من شهر ربيع الثاني/ من سنة 1412هـ)، وذلك بعنوان "المراجعات" وكان حقه أيضاً أن يكون في ليلة الإثنين كالمعتاد، ولكننا لاستغراقنا في هذا الأسبوع والأسبوع القادم -إن شاء الله تعالى- في الحديث عن قضية اليهود، وموقفهم من الإسلام، وما يتعلق بها، رأيت أن تأخير هذا الموضوع قد لا يكون مناسباً، وقد حاك في نفسي أن أتحدث به إليكم أيها الأحبة.. في هذه الليلة، فلترفع الأقلام إذاً، ولتطوى الصحف.
وإني لأعتذر إليكم أيها الأحبة الطلاب على مثل هذا الخلل الذي لم يكن معتاداً إلا لظرف خاص -كما أسلفت-.
والمراجعات فكرة قديمة طرحتها أكثر من مرة، أنني سوف أقدم بين الحين والآخر مجموعة من الأخطاء، والملاحظات، والأوهام، والاجتهادات، التي تبين لي أنني لم أكن فيها على حق، وأن أقدمها إليكم حال ما تتوفر عندي، وذلك لاعتبارات عدة منها:
أن الإنسان قلما يكتشف خطأه بنفسه، وإنما يساعده على اكتشاف خطئه الآخرون، من الأعداء، أو من الأصدقاء!
فأما الأصدقاء فهم كالمرآة يكتشف الإنسان فيها نفسه، ومحاسنه، وعيوبه، ولذلك قال القائل:
شاور سواك إذا نابتك نائبة يوماً وإن كنت من أهل المشورات |
العين تبصر فيها ما دنا ونأى ولا ترى نفسها إلا بمرآة |
فصديقك كالمرآة، وقد جاء في حديث فيه نظر: {المؤمن مرآة أخيه}.
أما الأعداء فهم يجهدون في البحث عن العيوب والزلاَّت، ويظنون أنهم بذلك يحطون من قدر الإنسان، وهم في الحقيقة يرفعون منـزلته، لأنهم يساعدونه على معرفة أخطائه وعيوبه، ويعينونه على التخلص منها، ولذلك دعا لهم الشاعر الحكيم فقال:
عداتي لهم فضلٌ عليَّ ومنة فلا أبعد الرحمن عني الآعادي |
هُمُ بحثوا عن سوءتي فاجتنبتها وهم نافسوني فاكتسبت المعالي |
وما رأيك بإناء يتظافر على غسله وتنظيفه العدو والصديق، والمحب والمبغض؟! لا بد أنه سينظف بإذن الله ويتطهر يوماً من الأيام.
ومن حق هؤلاء وأولئك أن تشعرهم بالامتنان على ما يفعلون، وذلك من خلال مثل هذه المجالس التي يتاح لك فيها أن تقول: نبهني أخٌ كريمٌ محب على أنني أخطأت في مسألة كذا، وأنا أستغفر الله تعالى وأتوب إليه، فيتشجع هذا الأخ على أن يعاود مراسلتك، أو مهاتفتك، أو مشافهتك بما يجد عليك من خطأ؛ لأنه رأى أنك تجاوبت معه، وأنك ممنون مسرور من ذلك الخطأ الذي نبهك عليه، أو من ذلك التنبيه الذي نبهك عليه، ولذلك كانت هذه المراجعات أيضاً.
صحيح أن هذا لا يعني أن الإنسان سيلغي شخصيته، ويوافق الآخرين على ما يقولون أو ما يرونه؛ فهذا أمر ليس مشروعاً بحال من الأحوال، ولا يجوز للإنسان أن يعترف بشيء أنه خطأ وهو يرى أنه صواب.
لكن متى ما تبين أنه على خطأ؛ فإنه لا يجد في نفسه أدنى حرج -بحمد لله- أن يقول: هذا خطأ، أستغفر الله وأتوب إليه، وجزى الله من نبهني عليه خيراً.
وذلك أننا جميعاً بشر، ويجب أن نعرف أن الخطأ من طبيعة البشر، وهي صفة ملازمة لهم مهما كانوا، فضلاً عن أن الناس العاديين تكثر أخطاؤهم، خاصة مع كثرة ما يتحدثون به في الدروس، والمحاضرات، والمجالس، وغيرها فاحتمال الخطأ منهم وارد بل هو كثير.
وجزى الله جل جلاله كل خير من أعانني على معرفة خطأ، أو التعرف عليه، أو دلني عليه، وإنني أدعو الله له الآن، وحق له علي أن أدعو الله له بظهر الغيب.
أقول هذا وأنا في انتظار كل ما يأتيني منكم أيها الإخوة سواء عن طريق المراسلة، أو عن طريق الهاتف، أو عن طريق المشافهة، من الأخطاء التي ترونها، وأعتقد أن هذا دليل على أننا بدأنا نسلك الطريق الصحيح؛ لأن الأمة ما ضلت وزلت وهلكت، إلا يوم أسلمت قيادتها لأفراد في كل مجالات الحياة، فصارت مثلاً تنظر إلى شخص تقدره من الناحية العلمية فلا تقبل إلا قوله، ولا ترتضي إلا رأيه، ولا تقبل عليه اعتراضاً، ولو كان هذا الاعتراض مصيباً.
والواقع أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهم كانوا في الذروة من العلم، والعمل، والصدق، والاجتهاد، والتجرد، وصحة القلب والعقل، وسلامة الرأي، ومع ذلك خَطَّأ بعضهم بعضاً في مسائل، وخالف بعضهم بعضاً في مسائل كثيرة جداً، وردَّ بعضهم على بعض، ولم يكن ذلك تنقصاً لمن أخطأ، ولا تضليلاً له، ولا تبديعاً، ولا تفسيقاً، ولا تكفيراً، بل هذا خطأ وقع فيه فلان يصحح له، وهذا صواب من فلان، وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله: " قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب".
وطالما رجع أهل العلم في مسائل بعد مناظرات إلى ما ذهب إليه مناظرهم وخصمهم.
فنسأل الله تعالى أن يوفق الجميع إلى معرفة الحق واتباعه، وأن يكون الحق رائدهم، وطلبهم، وبغيتهم، لا يقدمون عليه شيئاً، لا نفساً، ولا أهلاً، ولا مالاً، ولا بلداً، ولا شيئاً، إنما يعشقون الحق، فمتى ما ظفروا به فرحوا، فظهر الفرح والبشر في وجوههم، وعلى قسماتهم، وفي محياهم، فطاروا به وتحدثوا به، كالإنسان الذي ظفر بشيءٍ نادر ثمين، فهو لا يستطيع أن يخفي فرحته، بل كالطفل الذي يظهر بشيءٍ يحبه فيتحدث بوضوح، وبانبساط، وباسترسال عن فرحه الغامر بهذا الشيء الذي ظفر به!
ينبغي أن نفرح بالحق متى عرفناه، ولا نجامل في هذا الفرح أو نستره، بل نعلنه لأنه من نعمة الله تعالى التي تحدث بها وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11].
أيها الأحبة.. وبعد هذا التمهيد لا أزعم أنني سوف أقدم لكم الآن كبير شيء من الملاحظات، أو المراجعات، أو التصحيحات، وذلك بأنني أعدكم إن شاء الله وعداً أرجو أن لا أخلفه أنه خلال شهرين سوف أقدم لكم الحلقة الثانية من المراجعات، وسوف تكون مخصصة لذكر ما وقفت عليه، أو نبهت إليه من اجتهادات لم يحالفها الصواب، أو أحاديث استشهدت بها وليست صحيحة إما أن تكون ضعيفة أو غير ذلك، أو أقوال، أو أشياء أرى أن من الضروري التنبيه عليها.
إن الكلام الذي يقوله زيد أو عبيد من الناس، ينبغي أن يفهم في إطاره العام، فالكلام خاصة حين يكون شفهياً، قد يعتريه زيادة أو نقص، وقد تدخل كلمة بدلاً من أخرى، وقد يسارع الإنسان إلى قول وهو يعني قولاً آخر، هذا من طبيعة الإنسان البشر، أنه يقع منه مثل ذلك، خاصة إذا كان يتكلم بكلام شفهي بخلاف أن يكون مكتوباً.
والحقيقة أني أحرص على أن أكتب ما أقول في حالات كثيرة جداً، لكن هذا لا يتسنى في حالات أخرى كثيرة بسبب ضيق الوقت، وعدم سعة المجال للكتابة، كما لا يسعنا بسبب صعوبة القراءة، وأنها قد تورث عند المستمعين تثاقلاً ومللاً، إلى غير ذلك، فيلجأ الإنسان إلى كتابة نقاط، أو عناصر، أو عموميات، ويشرحها في ما بين ذلك.
فربما وقع الإنسان في ما وقع فيه، ولذلك كان أهل العلم من السابقين واللاحقين حين يريدون أن يفهموا كلام فلان وعلان، لا يراعون حروفه وألفاظه، لأن حروف وألفاظ البشر ليست وحياً، ليست كلام المعصوم عليه الصلاة والسلام، الذي يكون له منطوق ومفهوم، وله دلالة مطابقة، ودلالة تضمن، ودلالة التزام، وينبغي أن يأخذ كله بالاعتبار! لا. هذا كلام إنسان يفهم في إطاره العام، يفهم في عمومه، يأخذ منه الفحوى والمقصود، ولا تتوقف عند حروف، أو ألفاظ، أو كلمات معينة.
إذاً: يغلط الناس على المتكلمين أحياناً بأسباب منها:
الأول: أنهم يعتنون باللفظ لا بالمعنى، والذي ينبغي أن يعتني الإنسان بالمعنى ولا يتوقف عند الحروف والألفاظ متى ما كانت محتملة.
الأمر الثاني: أنهم قد يقعدون ويقصرون بهذه الألفاظ عن عمومها، ويهضمونها عن ما تدل عليه، وعن ما يراد لها.
الأمر الثالث: أنهم قد يحملونها فوق ما تحتمل، وفوق ما تريد، ويفهمون من الكلمات فوق معانيها، فيجعلون للكلام منطوقاً ومفهوماً، ودلالة تضمن، ودلالة اقتضاء، ودلالة كذا، بل أكثر من هذا كله أنهم يجعلون كلمات ما وراء الكلمات، ويفهمون ما وراء السطور، وما وراء الحروف، وما بين السطور، وما أمامها، وما خلفها، ويضيفون إلى كلام المتكلم أنه يقصد كذا، ويريد كذا ويعني كذا.
وكلمة يقصد، ويريد، ويعني، ليست من المتكلم إنما هي من المتلقي، ولا يجوز أبداً أن يُحمل المتكلم وزر المتلقي، دع ما في قلوب العباد لله عز وجل، فإن الله عز وجل لم يتح لأحد من البشر أن يعرف ماذا في قلوب العباد، إلا إذا باحت ألسنتهم، أما دخائل القلوب فإنه لا يعملها إلا الله عز وجل.
ولا ينبغي للعبد أن يسترسل مع نفسه في تصور ما في قلوب الآخرين، فربما يخطئ، وربما تظلم، وربما تظن بإنسان ظناً وهو غير ذلك، فأولى بك ثم أولى أن تتقي الله عز وجل وأن تبتعد عن محاكمة قلوب الناس.
فليس هناك نظام في الدنيا، من الأنظمة البشرية، ولا أَذِنَ دين من الأديان السماوية أن نحاكم ما في قلوب الناس، حتى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، كانوا يأخذون الناس بظواهرهم ويكلون سرائرهم إلى الله عز وجل.
فهذه نقطة هامة: أن يفهم الكلام على عمومه، وعلى ظاهره، وعلى ما يقتضيه السياق العام، وعلى ما تدل عليه القرائن، وعلى ما عهد من قائله، دون أن تؤخذ الكلمات أو الحروف، ويجعل لها مفهوماً، ومنطوقاً، ودلالات ظاهرة وغير ظاهرة، ومعاني إلى ما سوى ذلك، فضلاً عن أن يدخل الإنسان إلى محاكمة ما في القلوب، فدع القلوب لربها جل وعلا، فهو الذي سوف يوقف العباد بين يديه: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89] ويحاسبهم على الظاهر والباطن، والسر والعلانية.
فهذه نقطة، ولذلك أقول: إن الكلمات التي قد تكون أحياناً في دروسٍ، أو محاضرات، أو غيرها؛ ينبغي أن يفطن فيها إلى ذلك، ويعرف: أنه حتى جهابذة أهل العلم في هذا العصر، وفي كل عصر، يعلمون أن الخطأ في اللفظ وارد؛ سواء كان خطأً نحوياً، أم خطأً لغوياً، أم خطأً علمياً، لكن المعنى واضح، ومراد المتكلم واضح، لكنه أبدل كلمة بكلمة، وهذا كثير جداً لا يأتي عليه الحصر، في كلامي وفي كلام غيري.
ولعلي أذكر لكم أن سماحة الوالد الإمام الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله قال قبل فترة في محاضرة في الرياض، حينما سئل بعض الأسئلة، سئل عن إيراد الحديث الضعيف في المواعظ والرقائق قال ما نصه، وقد نقلت هذا من الشريط وأنا حين أنقل ذلك أرى أنه كلام للشيخ ولغيره يقول -سماحته-: " قبل الإجابة على الأسئلة أخبر الجميع أنني لا أسمح لأحد أن يكتب المحاضرة التي صدرت مني، هذه أو غيرها، أو ينشرها، إلا بعد عرضها علي، لأن النقل من الأشرطة قد يقع فيه بعض الأخطاء، فلا أسمح لأحد أن يطبعها، أو ينشرها في الصحف، إلا بعد عرضها علي لتصحيح بعض الأخطاء، ثم السماح بنشرها، فهذه وغيرها من المحاضرات، لأن بعض الناس قد ينشرون عني، أو عن غيري، بعض المحاضرات، يكون فيها أخطاء مطبعية، أم أخطاء ما فهمها من الشريط، فأرجو من جميع إخواني ألا ينشروا عني شيئاً، من محاضرة، أو تعليق على الندوة في جامع الملك خالد، أو غير ذلك مما يؤخذ من الأشرطة، إلا بعد عرضه عليَّ مكتوباً حتى يصحح، ثم ينشر بعد ذلك سواء كان مستقلاً، أو في الصحف " انتهى كلامه.
وصحيح نحن لن ننشر كلام الشيخ الآن، وإنما نقلته وقرأته عليكم فأنتم تسمعونه الآن كما يمكن أن تسمعوه في الشريط الذي تكلم فيه الشيخ، لتعلموا أن كل إنسان يعلم أن الحديث الشفهي قد لا يكون منضبطاً دقيقاً بالحروف والألفاظ، ولذلك جرت العادة أن كل كلام قبل أن يطبع، أو ينشر، بل حتى مذكرات بلوغ المرام، أنتم تعلمون جميعاً أنه حين لم يتح لي الوقت لمراجعتها، وتصحيحها أولاً بأول، وكلت إلى مجموعة من خيرة الطلاب أن يقوموا بمراجعتها وقراءتها، ومراجعتي فيما يشكل عليهم منها، حتى نصححه جميعاً، فهذه مسألة.
وإنني أجد نفسي مضطراً أن أقول لكم ما أعلمه من نفسي: إني لا أعلم من نفسي الآن أنني أسعى في نصرة مذهب فقهي معين، على مذهب فقهي آخر، ولا اتجاه دعوي معين على اتجاه دعوي آخر، ولا شخص، ولا بلد، ولا طائفة، ولا غير ذلك.
وإنما يشهد الله أن الذي أعلمه من نفسي أنني عاشق للحق، متى ما عرفته فرحت به، وقلت به، ودعوت إليه، وأنني لا أسعى في قول، ولا فعل، لا في مجلس عام، ولا في خاص إلى نصرة مذهب، أو فريق، أو طائفة، أو شخص على آخر.
إنما أسعى إلى نصرة الحق الذي أعلمه، وكوني أخطأت في معرفة الحق، هذا وارد، بل هو واقع، وإن لم أستطع أن أحدد متى وأين أخطأت، إلا بتوفيق من الله تعالى، أو بمساعدة من إخواني، إلا أنني أعلم على سبيل العموم والإجمال أن هذا واقع لا شك فيه، بل هو كثير، ونسأل الله تعالى أن يعيننا على معرفة الحق واتباعه، ومعرفة الباطل واجتنابه.
هذا ما أعلمه من نفسي، ومع ذلك فقد يكون في القلب مسارد، وخفايا، وأسرار، وأمور، حتى الإنسان قد لا يكتشفها من نفسه، لكن الإنسان إذا لم يألُ نصحاً، وبذل وسعه فإنه لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7].
فينبغي ألا تحمل من الكلام ما لا يدل عليه، فإن هذا داء طالما شكا منه أهل العلم، وإنني أعجب أن أقرأ كلاماً للشاطبي في كتابه القيم العظيم الاعتصام نقله، ثم نقل كلاماً آخر يشبهه للإمام ابن بطة -رحمة الله على الجميع- يقول بعد كلام طويل...
" وتارة أضيف إلي القول بجواز القيام على الأئمة، وما أضافوه إلا من عدم ذكري لهم في الخطبة -يقوله الشاطبي- وذكرهم فيها محدث، لم يكن عليه من تقدم.
وتارة أُحْمَلُ على التزام الحرج، والتنطع في الدين -يعني: أنه ينسب إلى هذا- وإنما حملهم على ذلك أني التزمت في التكليف والفتيا الحمل على مشهور المذهب الملتزم، لا أتعداه، وهم يتعدونه، ويفتون بما يسهل على السائل ويوافق هواه، وإن كان شاذاً في المذهب الملتزم، أو في غيره، وأئمة أهل العلم على خلاف ذلك وللمسألة بسط في كتاب الموافقات ".
على كل حال لا يلزم أن يكون ما يذكره الشاطبي من هذه المسائل موافقاً عليه، لكني أذكر الكلام للغرض الذي تعرفونه، ولا داعي لأن نتعقب كلامه في موضوعات لا تتعلق بالهدف المقصود.
قال: "وتارة نُسبت إلى معاداة أولياء الله، وسبب ذلك أنني عاديت بعض الفقراء المبتدعين المخالفين للسنة، المنتصبين بزعمهم في هداية الخلق، وتكلمت للجمهور على جملة من أحوال هؤلاء الذين نسبوا أنفسهم إلى الصوفية ولم يتشبهوا بهم.
وتارة نسبت إلى مخالفة السنة والجماعة، بناءً منهم على أن الجماعة التي أمر باتباعها، وهي الناجية، ما عليه العموم ولم يعلموا أن الجماعة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان، وسيأتي بيان ذلك بحول الله، وكذبوا عليَّ في جميع ذلك، أو وهموا، والحمد لله على كل حال ".
" فكنت على حالة تشبه حالة الإمام الشهير عبد الرحمن بن بطة الحافظ مع أهل زمانه، إذ حكى عن نفسه فقال: عجبت من حالي وسفري وفي حضري، مع الأقربين مني والأبعدين، والعارفين والمنكرين، فإني وجدت في مكة وخراسان وغيرهما من الأماكن، أكثر من لقيت بها، موافقاً، أو مخالفاً، دعاني إلى متابعته على ما يقوله، تصديق قوله والشهادة له، فإن كنت صدقته فيما أقول، وأجزت له ذلك، كما يفعله أهل هذا الزمان، سماني موافقاً -إذا وافقته على كل اجتهاداته وآرائه، خطئها وصوابها، قال: هذا موافق، وهذا جيد، هذا معنى كلامه: سماني موافقاً- وإن وقفت في حرف من قوله، أو في شيء من فعله، سماني مخالفاً.
وإن ذكرت في واحد منها أن الكتاب والسنة بخلاف ذلك وارد، سماني خارجياً، وإن قرأت عليه حديثاً في التوحيد سماني مشبهاً، وإن كان في الرؤية سماني سالمياً، وإن كان في الإيمان سماني مرجئاً، وإن كان في الأعمال سماني قدرياً، وإن كان في المعرفة سماني كرامياً، وإن كانت في فضائل أبي بكر وعمر سماني ناصبياً، وإن كان في فضائل أهل البيت سماني رافضياً، وإن سكت عن تفسير آية أو حديث فلم أجب فيهما إلا بهما سماني ظاهرياً، وإن أجبت بغيرهما سماني باطنياً، وإن أجبت بتأويل سماني أشعرياً، وإن جحدتهما سماني معتزلياً، وإن كانت السنن مثل القراءة -كأنه يعني: القراءة في الصلاة، الجهر أو نحو ذلك- سماني شافعياً، وإن كان في القنوت سماني حنفياً، وإن كان في القرآن سماني حنبلياً، وإن ذكرت رجحان ما ذهب إليه كل واحد من الأخيار إذ ليس في الحكم والحديث محاباة، قالوا: طعن في تزكيتهم.
ثم أعجب من ذلك أنهم يسمونني فيما يقرءون عليَّ من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشتهون من هذه الأسماء، ومهما وافقتُ بعضهم عادني غيره، وإن داهنت جماعتهم أسخطت الله تبارك وتعالى، ولن يغنوا عني من الله شيئاً، وإني مستمسك بالكتاب والسنة، وأستغفر الله الذي لا إله إلا هو وهو الغفور الرحيم ".
ما أعجب ما يقوله ابن بطة! كأنه يتكلم عن أهل زماننا ما عندهم إلا حكم بالجملة، ما عندهم حكم بالتقسيط.
ليس عندهم حكم على المسألة، إنما عندهم حكم على قائلها، وعلى معتقدها، وعلى من ذهب إليها، وعلى وعلى... نسأل الله العفو والعافية والمسامحة!
قال الإمام الشاطبي رحمه الله: " هذا تمام الحكاية ".
فكأنه رحمه الله تكلم على لسان الجميع، فقلما تجد عالماً مشهوراً، أو فاضلاً مذكوراً، إلا وقد نُبز بهذه الأمور، أو بعضها، لأن الهوى قد يداخل المخالف، بل إن سبب الخروج عن السنة الجهل بها والهوى المتبع الغالب على أهل الخلاف، فإذا كان كذلك حمل على صاحب السنة أنه غير صاحبها، ورجع بالتشنيع عليه، والتقبيح لقوله وفعله، حتى ينسب هذه المناسب، فهذه مسألة أخرى ينبغي التفطن لها.
وهذا غير سائغ وليس من الإنصاف في شيء، فإننا نجد السلف رضي الله عنهم ينقلون البدعة ويشرحونها ثم يردون عليها.
وإني أجد كلاماً كثيراً في كلام الإمام ابن تيمية -رحمه الله- خاصة، وفي كلام ابن القيم رحمه الله أيضاً، أنه قد ينقل في صفحات كلام القوم، بل قد يعقد مناظرة بين صاحب مذهب وصاحب مذهب آخر، فيستعرض المذهب الأول في صفحات وهو يقول: قال الأول، ثم إذا انتهى رجع وقال: قال الثاني، وأتى على كل ما ذكره الأول بالنقض، والتغيير، والرد.
فلو أنَّ إنساناً نقل الكلام الأول وقال: هذا كلام ابن القيم، أو نقل الكلام الثاني وقال: هذا كلام ابن القيم لكان مخطئاً في ذلك خطأً عظيماً.
والذي ينبغي للإنسان أن يتقي الله تعالى، فلا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا ينقل كلام الناس على وفق ما يريد وما يشتهي!
وإني ذاكر لكم الآن مثالاً واحداً سئلت عنه في أكثر من مناسبة، منها مناسبة لعلكم جميعاً اطلعتم عليها، سألني عنه أخي الكريم الأستاذ الشاعر: عبد الرحمن العشماوي في المقابلة التي أجراها معي، ونشرت بعنوان (
ولكنني بعد ذلك رجعت إلى الكلام الذي قلته، وكتبته في هذه الورقة، كتبت السؤال والجواب، حتى تفهموا وتعلموا كم يجني الناس على الكلام الذي ينقلونه، وتعرفون مصداق ما قيل:
وما آفة الأخبار إلا رواتها |
مع أنه كلام مسجل في شريط سمعه الداني والقاصي، الخاص والعام، ومع ذلك يقع اللبس!
وأنا أقرأ عليكم الآن نص السؤال، ونص الجواب.
السؤال: ماذا يكون علينا إذا قامت الحرب على العراق؟
هل نذهب إلى الجبهة ونترك النساء والأطفال، ونذهب إلى الحرب إذا لزم الأمر؟
الجواب: الذي أعتقده، أن الحرب مع العراق -والله تعالى أعلم- لن تقوم بشكل حرب مع العراق، لأن قوى الدول الغربية أحضرت أسلحة وقوىً هائلة تستخدم لأول مرة في العالم، وهذه القوى أحضرت من أجل ألا تكون حرب بين أمريكا والعراق، وإنما من أجل أن تضرب أمريكا ضربتها على العراق، وتنهي وجوده خلال 7دقائق -كما تقول التقارير- أي: تنهي قوته خلال 7دقائق، ولا يكون هناك حاجة للحرب أصلاً، هذه خطتهم، وهذا تفكيرهم، وعلى حسب إمكانياتهم، فإن هذا الأمر ليس مستبعداً، ويكفي أن عندهم من الطائرات ما يسمونها: بطائرات الشبح، التي خلال حركة بسيطة -وهي لا يمكن أن تكشف بالرادار- تستطيع أن تدمر وسائل الاتصالات بالدولة المحاربة، من الهاتف، والخطوط، والكهرباء، وغيرها، وبذلك تنشل حركة الدولة ويسهل القضاء عليها.
فلا أعتقد أن هناك حرب حقيقية نحتاج أن نجند أنفسنا في هذه الحرب، لكن المؤمن يجند نفسه في كل وقت، لأن الخطر ليس معناه خطر العراق فحسب، فإذا ذهب العراق ذهب الخطر، لكن قد يكون الخطر من النصارى أنفسهم، من اليهود، لماذا نستبعد هذا؟!
فالمؤمن يجب أن يستعد ويتدرب على التسلح، ويربي نفسه تربية عسكرية.
أما هذا السؤال فإني أقول: أبشر بطول سلامة إن شاء الله! انتهى الكلام.
مقصودي من هذا الكلام أن أقول: ظاهر من السؤال ومن الجواب، إذا فهمناه بالصيغة التي ذكرته لكم قبل قليل، أن السائل يتساءل هل يذهب هو ويترك أطفاله وزوجته في البيت، بدون أحد يقوم عليهم؟
لأنه تصور أنه سوف تقوم حرب تحتاج إلى استنفار، وإلى تجنيد الأمة بكاملها، وإلى أن يخرج الرجل ويترك أهل بيته ويترك أطفاله، ويترك عمله.
فكان الجواب: أبشر بطول سلامة إن شاء الله، لن يحتاج إلى مثل هذا الأمر، لماذا؟
لأن هناك قوى كبيرة، وكثيرة مدججة، ستجعل إمكانية القضاء على قوة العدو -وهو العراق آنذاك- أمراً لا يحتاج معه إلى حرب بالمعنى الصحيح، بقدر ما هي ضربة موجعة تنهي قوة العدو.
وهذا الكلام نستطيع أن نقول: إنه بهذا الإجمال هو الذي حصل فعلاً.
وأما مسألة أنه لن تقوم حرب، أو لن يكون هناك حرب أصلاً، فلا أذكر أني قلت ذلك، وهذا هو الموضع الوحيد الذي اعتمد عليه البعض في ما ذكر.
ثم لنفترض أنني أو أن غيري من الدعاة قال: إنه يتوقع ألا تقوم حرب، ثم حصل الأمر خلاف ما ظن وخلاف ما توقع، فماذا كان يعني هذا؟
نحن نعلم أن كثيراً من التحاليل الغربية، بل (60%) منها كانت تتوقع أن لا تقوم حرب، والمحللون أناس مختصون، وعلى أرقى المستويات، وبعضهم في مواقع المسئولية.
وقد قرأت لوزير الخارجية في الاتحاد السوفيتي آنذاك، بالخط العريض، أنه لن تقوم الحرب، وهو رجل في موقع المسئولية في دولة كبرى، فضلاً عن المحلليين الذين توقعوا ذلك وهم كثير، فماذا يضير هذا!
بل قرأنا جميعاً في صحيفة سيارة لكاتب وأديب معروف، وهو يشغل منصباً دبلوماسياً أيضاً في بلد ما، أنه قال بالخط العريض، أنه لن تقوم حرب، وأنه سينسحب العراق في اللحظات الأخيرة، واضطر بعدما قامت الحرب إلى أن يكتب في الصحيفة اعتذاراً عن ذلك، وبياناً أنه أخطأ في التوقع، ولن يكون له بد في أن يكتب اعتذاراً لأن الكلام كتب في الجريدة ولا يمكن أن يتناساه أو يتجاهله.
فماذا كان بعد هذا؟
ولماذا تكون الكلمات التي يقولها الدعاة هي التي في المحك؟
صحيح أننا نفرح باهتمام الناس بكلام طلبة العلم والدعاة، وعنايتهم به، لكن أيضاً ينبغي أن يفهم هذا الكلام في إطاره العام، وأن يوضع في موضعه، فهذا ظن إنما ظننت ظناً، حتى الذي توقع أن لا تقوم الحرب يقول: إنما ظننت ظناً.
وَهم ليس بنص، ولا مبني على نص، وإنما هو احتمال وتوقع قابل للخطأ وللصواب، وأثبتت الأيام أنه غير صحيح وأنه خطأ.
وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الإمام العالم الفذ، لما ضايقوه، وآذوه، ونسبوا إليه ما هو منه براء، ونسبوه إلى مخالفة السنة، ومخالفة الجماعة، وسب الأئمة، والخروج عليهم، وغير ذلك، اضطر إلى أن يقول كلاماً كثيراً، حتى أنني أتعجب كلما قرأت هذه الكلمة التي قالها! وهو يتكلم عن عقيدته العقيدة الواسطية يقول: " قلت قبل حضورها كلاماً، قد بعد عهدي به، وغضبت غضباً شديداً! لكن أذكر أني قلت: إن أقواماً كذبوا علي، وقالوا للسلطان أشياء، وتكلمت بكلام احتجت إليه، مثل أن قلت: من قام بالإسلام أوقات الحاجة غيري، ومن الذي أوضح دلائله وبينه؟!
وجاهد أعداءه، وأقامه لما مات، حين تخلى عنه كل أحد، ولا أحد ينطق بحجته، ولا أحد يجاهد عنه؟!
وقمت مظهراً حجته، مجاهداً عنه، مرغباً فيه.
فإذا كان هؤلاء يطمعون في الكلام فيَّ فكيف يصنعون بغيري؟!
ولو أن يهودياً طلب من السلطان الإنصاف لوجب عليه أن ينصفه، وأنا قد أعفو عن حقي وقد لا أعفو، بل قد أطلب الإنصاف، وأن يحضر هؤلاء الذين يكذبون ليوقفوا على افترائهم، وقلت كلاماً أطول من هذا الجنس، لكن بعد عهدي به، فأشار الأمير إلى كاتب الدرج محي الدين أن يكتب ذلك ".
وقلت أيضاً: [[كل من خالفني في شيء مما كتبته فأنا أعلم بمذهبه منه، ولا أدري هل قلت هذا قبل حضوري أو بعده! لكنني قلت أيضاً بعد حضورها وقراءتها: ما ذكرت فيها فصلاً إلا وفيه مخالفاً من المنتسبين إلى القبلة، وكل جملة فيها خلاف لطائفة من الطوائف، ثم أرسلت من أحضرها، ومعها كراريس بخطي من المنـزل، فحضرت العقيدة الواسطية]].
فقد يحتاج الإنسان أن يقول كلاماً لا يخطر بباله، لكن بياناً لمن طلبه الحق، ومراده الصدق، وكشفاً للتلبيس عند بعض أصحاب القلوب الصحيحة.
نقطة أخرى أيضاً:
هناك الحاسدون والحاقدون هؤلاء لا كلام لي معهم، ولا ينتظروا يوماً من الأيام أي رد عليهم، فالموقف معهم أكبر، وأشمل، وأخطر من أن يتصوروا أنه يحل بكلمة، أو بجلسة، إنه أخطر بكثير مما يظنون ويتصورون، لكنه ليس هنا إنما هو في موقف آخر، وفي مجلس آخر، وفي دار أخرى.
وقد كنت وعدتكم منذ زمن بدرس عنوانه: (
وأنا -والله- من عشاق هذا، وأتطلع إلى اليوم الذي تصبح الأمة فيه تفرح بأن تنقد، أو على الأقل لا تضيق بالنقد، ولا تنـزعج منه، بل تتقبله بصدر رحب، وإذا لم ننتقد أنفسنا فسوف ينتقدنا عدونا.
فبضاعتنا اليوم هي للناس كلهم، بضاعتنا معلنة بالمزاد العلني؛ كتاب، أو شريط، أو مقالة، أو محاضرة، أو درس، أو فعل، أو تصرف، أو قرار، أو أي شيء، هي للناس كلهم فإذا لم ينتقدك العدو فتقبل من انتقاد الصديق، وإذا لم ينتقدك الصديق انتقدك العدو، وإذا لم تقبل من صديقك معناه أنك فتحت الباب على مصراعيه لعدوك، حتى يتشفى منك ويشهر بك!
الجواب: أقول أولاً: لنفترض أن ما قلته خطأ، وأن الفرقة الناجية هي الطائفة المنصورة من غير فرق بينهما.
فهذا الاجتهاد مني إن كان خطأ فأنا أستغفر الله عز وجل منه وأتوب إليه، وأبرأ إلى الله تعالى من كل ما لا يوافق الكتاب والسنة، علمت ذلك أم لم أعلمه.
وهذا الخطأ لا يخل بأصل الاعتقاد والحمد لله، ولا يخرج الإنسان من مسمى أهل السنة والجماعة، ولا يترتب عليه شيء.
إنسان اجتهد فأخطأ، وإن شاء الله أنه باجتهاده لم يقصد إلا الصواب.
أما كلمة يقصد، ويعني، ويريد، فهذه نرجو أن نتفق على استبعادها، ونتركها للدار الآخرة، ونتركها لرب العالمين.
ومع ذلك أقول: لم أكن فيما أعتقد، وفيما أعلم، لم أكن أول من قال بذلك، بل الذي أظنه أن التفريق بينهما شائع معروف، وخذ على سبيل ذلك أمثلة:
في صحيح البخاري في حديث الطائفة المنصورة لما تكلم معاوية رضي الله عنه مع أهل الشام في ذكر الطائفة المنصورة إنه: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين} قام مالك بن يخامر -من التابعين- فقال: [[إنه سمع
قوله: وهم بـالشام من المقصود؟ أليس المقصود الطائفة المنصورة؟!
نعم. المقصود الطائفة المنصورة.
إذاً: معاذ بن جبل ينقل أنهم بـالشام، وينقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مالك بن يخامر يقول: وهم بـالشام، معاوية رضي الله عنه لما احتج بهذا الحديث، ماذا كان يعني؟!
كان يعني أن أهل الشام الذين كانوا معه هم الطائفة المنصورة في مقابل من؟!
في مقابل أهل العراق؛ علي رضي الله عنه ومن معه بـالعراق.
فهل تظنون بـمعاوية رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يعتقد أن علياً ومن معه، من الفرق الضالة الهالكة أهل النار!؟
حاشاه وحاشاه، وإنما كان يقول: نحن المنصورون وهم لن ينصروا.
وهكذا كان، لقد نصر أهل الشام كما هو معروف وآلت الدولة إلى بني أمية، فكانوا كما ذهب إليه معاوية رضي الله تعالى عنه أنهم كانوا هم المنصورين في تلك الفترة.
ولا يعني أنهم أولى بالحق من غيرهم، بل كان علياً -رضي الله تعالى عنه- ومن معه أولى بالحق من جوانب كثيرة.
لكن لله في خلقه شئون وحكم، والأمر لله من قبل ومن بعد.
فهذا أمر ظاهر أن معاوية رضي الله عنه لم يكن يريد أن يقول: إن علياً وأهله ومن معه وأهل العراق أنهم فرقة ضالة، وأنهم من أهل النار، وإنما كان الأولى أن يظن أنه كان يقول: إن الله سوف ينصر أهل الشام.
وقد استدل بعضهم بقول الله تعالى: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً [الإسراء:33] على انتصار أهل الشام وغلبتهم، وذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وقرره في مواضع فيما لا مزيد عليه.
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تكلم في هذه المسألة، وأشار إلى هذا المعنى، بكلام ظاهره أنه فعلاً يرى أن الفرقة الناجية شيء والطائفة المنصورة شيء آخر.
فالفرقة الناجية هي أهل السنة والجماعة، الذين التزموا العقيدة الصحيحة حين انحرف أهل البدع عنها وضلوا فهم ناجون.
أما الطائفة المنصورة فهي فئة جادلت، وحاربت وقاتلت.
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نص في الحديث -ونحن ينبغي أن نكون من أهل الحديث- أن الطائفة المنصورة يقاتلون أو لا؟
ما قال: يقاتلون.
والنصر يحصل لمن؟
يحصل للمقاتلين، لكن الذين ما قاتلوا، الذين تركوا القتال وقعدوا عنه، أو اعتزلوا باجتهاد منهم، أو لسبب أو لآخر، أو اشتغلوا بأي أمر من الأمور، وهم على عقيدة صحيحة، ومن أهل السنة والجماعة، لكنهم لم يقاتلوا، يجدر أن لا يكونوا من الطائفة المنصورة، وإن كانوا من الفرقة الناجية.
أرأيت إنساناً سليم الاعتقاد، صحيح العقل، صحيح العبادة، نقي السريرة، على مذهب أهل السنة في كل شيء، لكنه رأى فساد الزمان فقال: أنا أرى أن أعتزل الناس وأتركهم! فاعتزل في شعب من الشعاب، يعبد ربه ويدع الناس من شره، هل تستطيع أن تقول: إن هذا من الطائفة المنصورة؟!
لا تستطيع، لأنه لا يقاتل، ولا يقاوم أصلاً، حتى يتحقق له النصر، لكنك تستطيع أن تقول: إنه من الفرقة الناجية؛ لأنه لم يأت بما يخشى أن يعوقه عن النجاة، وعندي على ذلك بعض الأدلة:
منها أن الأصل أنه إذا اختلف الاسم؛ اختلف المسمى، فالرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الطائفة المنصورة باسمها، وذكر في الحديث الآخر {أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة} فإذا اختلف الاسم دل على اختلاف المسمى، والقول بتوحد المسمى مع اختلاف الاسم يحتاج إلى دليل ظاهر، خاصة وهذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا اختلف الاسم، واختلف الوصف، فهنا النجاة، وهنا النصر، وهناك سماها فرقة وهنا سماها طائفة، والطائفة في الغالب أقل من الفرقة عدداً.
هناك كلام يطول، لكن هذا بعض ما حضرني، ومع ذلك لست أقول: إن هذا الكلام اجتهاد يجب على الجميع اتباعه، أنا مطمئن قلبي بذلك، وعندي أدلة من القرآن والسنة، وقد بسطتها أو شيئاً منها في كتاب صفة الغرباء لكن يمكن أن يكون اجتهاد في غير محله، ليس في الأمر ما يستدعي أن س
يضخم هذا الأمر.
الآن أنت عندما تريد أن تتكلم عن صفات الداعية، ماذا سوف تفعل؟ سوف تحشد كل ما في رأسك من الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الداعية، بمعنى أنك سوف تذكر الصورة المثالية التي يتحلى بها الداعية، وهذا يعني أن لا أحد يدعو إلا إذا تحلى بهذه الصفات كلها! ما أحد قال هذا، لا. لكن أنت تذكر كل الصفات على سبيل الاستقصاء ومع ذلك يدعو الإنسان ولو أخل ببعض هذه الصفات، فكذلك ما قلته لا يعني أنني أقول: لا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر، ولا تغير، ولا، ولا، إلا إذا كنت بهذه المنـزلة، لا،غَيَّر بقدر ما تستطيع.
لكن إذا سألتنا عن الأسلوب الأمثل، والطريق الذي نعتقد أنه أكثر جدوى، وأعظم نفعاً ووقعاً، فهو ذاك الذي شرحناه ووصفناه، ولا يعني أن الإنسان لا يأمر ولا ينهى ولا يدعو إلا إذا كان بهذه المثابة، بل يأمر وينهى بقدر ما يستطيع حتى ولو لم يستجب له فإنه يأمر وينهى، فليتفطن لذلك.
وقد فهم منه بعض الإخوة خلاف ما أردت!
مثلاً: هل يعني حديثي عن بعض الجزئيات، أو ذكري لبعض الأمثلة، أنني أقصد بحديثي هذا فئة معينة، أو أستهدف طائفة معينة، أبرء إلى الله عز وجل من ذلك، ويشهد الله على ما في قلبي، أنه لم يكن في ذهني -وأنا أتحدث- فئة معينة، ولا طائفة معينة، ولا بلد معين، ولا إقليماً، ولا شيئاً، وإنما كنت ولا زلت أشعر أن هذا داء عند العام والخاص، وعند طلاب العلم، وعند الدعاة، وعند الجماعات الإسلامية، وعند الناس كلهم إلا من رحم الله، ولا أقول بأفرادهم لكن في مجمل المجتمع أنه موجود.
ولو استصحبت هذا، وتأملت الناس، لوجدت ذلك جلياً، أحياناً أقوم بفرز بعض الأسئلة التي تأتيني في المحاضرة، فأجد أن أكثر من (90%) من الأسئلة تدور حول قضايا جزئية، إذاً أين الاهتمام بالقضايا الكلية؟!
هل معنى ذلك أن الناس فهموا هذه الكليات؛ كليات العقيدة مثلاً، أصول الدين، معانيه العظام، هل فهموها حتى لا يسألوا عنها؟!
معرفة سبل المجرمين وأعداء الدين، مقاومتهم، حربهم، هل المعنى أنهم فهموا ذلك كله، فلم يعودوا يسألون عنه؟!
كلا. بل ربما يكون الغالب أنهم غفلوا عنه فلم يكن لهم في حساب أو في اعتبار!
إن حديثي في
وربما استغرقت أحياناً درساً كاملاً في مسألة واحدة، مثل مسألة الصلاة في النعلين، أو مسالة وضع اليدين على الصدر في الصلاة، تستغرق درساً كاملاً نذكر كل أدلتها، وكل الأقوال فيها، والراجح في ما يظهر، ليس هذا يعني ترك العلم الشرعي وعدم طلبه!
وكيف أدعو إلى ترك العلم الشرعي وهو بضاعتنا؟!
وأنتم أيضاً بحمد لله تعرفون، وهذا مما قلت: إن الإنسان قد يضطر إلى أن يقوله: إننا منذ أكثر من ست سنين نعقد درساً يومياً بعد صلاة الفجر، لا هم لنا فيه إلا دراسة صحيح البخاري وصحيح مسلم وكتب العقيدة مثلاً كـالأصول الثلاثة، القواعد الأربع وكتاب التوحيد والعقيدة الواسطية، وكتب المصطلح، وكتب أهل العلم كـزاد المعاد وغيرها، وهذه بضاعتنا، وإذا انفض الناس عن طلب العلم الشرعي، فسينفضون -في جملة من يفضون عنه- سينفضون عنا أيضاً، فكيف يتصور هذا وثمة محاضرات كثيرة ألقيتها في مناسبات شتى، تدور حول حث الشباب، وشباب الصحوة، والناس عامة، على طلب العلم الشرعي! منها: محاضرة "
فهذا ليس وارداً، ونحن نعتقد أنه لا قوام، ولا قيام، ولا صلاح للأمة، وللدعوة، إلا بطلب العلم الشرعي الذي يصحح مسيرتها.
ولا يعني الحديث في هذه المسائل عدم العمل بالسنة مثلاً، وكيف ونحن نتعلم السنة، ونعلمها، ونعمل بها، وماذا يفعل واحد منا إذا صلى، أو صام، أو حج، أو فعل شيئاً؟!
إلا أن يفعل هذه السنن التي يتعلمها ويُعلمها، ولا مانع أبداً أن تبحث هذه السنة، وتعرف الراجح والمرجوح، ولكن لا يعني هذا أن هذه السنة صارت هي كل همك، فلا تتكلم إلا بها، ولا تبحث إلا عنها، ومعظم مجالسك وأحاديثك واهتماماتك تدور حولها، أو حول مسألة أو مسألتين تشبهها!
وكيف يظن ذلك؟!
وفي مناسبات عدة تكلمت عن السنة، وحاولت أن أدافع عنها، ومحاضرة في "
لماذا لا تفهم الكلام على ضوء ما تعلمه من المتحدث؟!
كيف تفهم أن طرق مثل هذه المسائل يعني: أننا ندعوك إلى الاشتغال بالواقع؟!
لا يا أخي! نحن لا نقول: اشتغل بالواقع، قلنا: اشتغل بالدين عافاك الله! ما تكلمت قلت: اتركوا العلم، وتعالوا انـزلوا للواقع، نحن نقول: ابحثوا مسائل العقيدة، وأصول الدين، وقضاياه الكلية، وكذلك قضايا الواقع هي جزء منها أيضاً.
نحن لا ندعو إلى الغفلة عن الواقع، ولا يمكن تطبيق الدين إلا بفهم الواقع، حتى تنـزل الدين عليه، وتعرف أن هذا خطأ وهذا صواب، وهذا حق وهذا باطل، وهذا حلال وهذا حرام، وهذه من الأحكام الوضعية التي ينبغي أن يعلمها الناس، بل نحن ندعو إلى فهم أصول الدين وكلياته، ومقاصده العظام، وندعو أيضاً إلى بحث هذه المسائل الفرعية، والاهتمام بها، لكن دون إغراق.
فأنصفونا بارك الله فيكم!
وكيف يظن أننا نتغافل، أو نتجاهل -مثلاً- عن قضية العقيدة، وقد ذكرت لكم قبل قليل أنني شرحت منها عدداً من الكتب، وعدداً من المتون كـالقواعد الأربع، والأصول الثلاثة، وكتاب التوحيد والعقيدة الواسطية وفي النية شرح أشياء أخرى، وثمة محاضرات كثيرة في العقيدة، "
أم كيف يظن -مثلاً- أننا ندعو إلى ترك دراسة علم المصطلح، وهو جزء من بضاعتنا التي نهتم بها، وقد وفقنا الله تعالى إلى شرح "نخبة الفكر" للإمام الحافظ ابن حجر، وقطعنا فيها شوطاً بعيداً، وبقي منه جزء يسير، وثمة محاضرات أيضاً في المصطلح، كـ"
فلا يعني هذا إلى بحث المسائل المذكورة، ولا عدم الاشتغال بها، إنما يعني: عدم الإغراق فيها، كما أنني أود أن أشير إلى أن كثيراً من الأجزاء الحديثية، التي ألفت في مسائل أشرت إليها في المحاضرة السابقة، أنها عندي وأستفيد منها بحمد لله، وأشكر الله تعالى، ثم أشكر من ألفوها، فقد وفروا على طلبة العلم جهداً كبيراً، ومن يستطع -مثلاً- أن يتجاهل حين يبحث مسألة من تلك المسائل الأجزاء الحديثية النفيسة، التي كتبتها براعة العالم الفاضل الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، في قوة بحثه، وسلاسة عبارته، ومكانة أسلوبه، وسعة علمه.
وإنني لا أمر بمسألة أبحثها، وأعلم له فيها كتاباً، إلا رجعت إليه، أفدت من عنده، سواء أشرت إلى ذلك كما حصل في مواضع أم لم أشر إليه.
وكذلك كُتُب أخينا الشيخ فريح البهلال له عدد من الأجزاء الحديثية المفيدة، وعدد كبير لا أحصيهم، ولا يأتي عليهم الحصر من إخواننا، من هنا، ومن الكويت، ومن مصر، ومن سواها، كتبوا أجزاءً حديثية في مسائل كثيرة، في زكاة الحلي مثلاً، في صفة الصلاة، في وضع اليدين، كلنا نستفيد منها، ونتعبد الله بقراءتها ودراستها، ونشهد الله على محبة الذين كتبوها، وعلى شكرهم على ما يسروا لنا من العلم.
ففرق بين الاستفادة من هذه الأشياء، وبين كوننا نجعل هذه المسائل المطروحة هي كل همنا، وهي سبب الاجتماع بيننا أو التفرق، وهي الفيصل.
حتى ربما قال إنسان: أشهد الله على بغض فلان، لأنه خالفه في مسألة! والله فلان ربما أني أبغضه في الله، وربما أشن عليه الحرب، لماذا؟
لأنه خالفه في مسألة أو مسائل، متى كان هذا؟!
على كل حال الأمثلة التي ذكرتها هنا، أو ذكرتها في تلك المحاضرة، أو في غيرها، ليست مقصودة لذاتها، احذف الأمثلة، الأمثلة لا تعنينا، لأن الاهتمام بالأمثلة من
خذ القاعدة العامة وهي: أننا ندعو الأمة أن تهتم بالكليات أكثر من الجزئيات، ولا تغفل الجزئيات.
فجاءوا بكلام غريب، وبعد التتبع عرفت أنهم أخذوا قطعة من كلامك في شريط "
الجواب: جزاك الله خيراً، على كل حال، والمهم أن هذا جيد، مسألة: تكفير مرتكب الكبيرة.
ماذا يحتاج منك حتى تعرف عقيدتي في مرتكب الكبيرة؟ لا يحتاج أنك تلتقط كلمة من شريط، فهذه قضية واضحة، يمكن أن تفهم من عموميات الكلام، وكما ذكرت لكم سبق أنه شرحت كتباً بأكملها، وجاءت محاضرات كثيرة، وهناك محاضرة عنوانها "مفهوم لا إله إلا الله" تكلمت فيها عن هذه المسألة.
كما أني رددت على الخوارج في مواضع لا تحصى كثرة، ومنها محاضرات عنوانها الصحوة بين الإفراط والتفريط" أو"
تكلمنا على الخوارج بالاسم، فما تحتاج حتى تعرف عقيدة فلان في الخوارج، أن تلتقط كلمة يمكن ألا تكون العبارة فيها محبوكة مسبوكة، إلا إن كنت صاحب هوى!
أما الكلمة التي في الشريط، فيكفيك أنك ترجع إلى الكتاب، لأنه كما قلت لكم قبل قليل، الشريط يحول إلى كتاب فيصحح، وتحبك عبارته، بما لا يتسنى للمتكلم الذي قد لا يتفطن أحياناً لما يقول.
فارجع إلى الكتاب، لأن الشريط تحول إلى كتاب، وانظر تلك العبارة، كيف بينتها وأشرت إلى أن مقصودي الذين يستخفون بأحكام الله عز وجل، ويفتخرون، لأن الكلام كان عن مغني معين، وكنت أقصد في جلسة على الرصيف في الشريط، كنت أقصد مغنياً معروفاً لا داعي لذكر اسمه، له أشرطة متداولة، هذه الأشرطة وقفت عليها، فرغها لي بعض الشباب في أوراق، ووجدته يفتخر بالزنا، ويعير من لا يزني، ويسخر به، ويتمنى أن تمطر السماء مجرمين ولوطية والعياذ بالله! وأن وأن، ويبين كيف غرر بفتاة، وكيف جرها، وكيف وكيف! بكلام يعلم يقيناً ممن قرأ ذلك الكلام، أو سمعه، يعلم أن هذا الإنسان لا يعتبر الزنا فاحشة كما ذكر الله تعالى، ولا يؤمن، وإنما يعتبره رجولة، وفتوة وكمالاً، وينتقص من لا يفعله! ونحن نعلم أن الأنبياء، والصالحين، وغيرهم، كلهم على هذا منتقصين عند هذا الإنسان؛ لأنهم أطهار نـزيهون عن مثل ذلك! فكان هذا مقصودي، فلا شك أنه قد تكون العبارة ليست محبوكة مسبوكة بشكل واضح، والمعنى واضح إذا فهمته بالكلام الذي ذكرناه قبل قليل، على طريقة ابن القيم التي أشار إليها.
لكن مع ذلك جاء الكتاب، والكتاب لعلني أقول: طبع منه بحمد لله أكثر من (250.000) نسخة، ووزعت في كل مكان.
فلم يكن هناك مجال للاتهام، إلا إنسان يريد التشويه ونقول: سامحه الله، ولكن لا بد من بيان الحق لمن أحب أن يعرفه، أما من أحب أن يبقى على ما هو عليه فهو وما يشاء.
الجواب: جزاك الله خيراً. هذا من الاهتمام بأمور المسلمين، وبالأمس أعطاني أحد الشباب قصاصة من مجلة اليمامة، يعتبون فيها على بعض الذين يبيعون الدش الذي يستقبل البث، يقولون: يباع أحياناً بـ (100000) وهذا سعر غالي، وهو يباع في الدول المجاورة بـ (20000) وبـ (25000) وبأقل من ذلك، ولا ندري من هي الجهة المسئولة عن هذه التجارة، حتى نرفع إليها الشكوى.
وقبل أسبوعين ذكرت لكم في بعض الدروس إعلان في بعض الجرائد المحلية، عن بيع جهاز صغير صنع خصيصاً لاستقبال هذه الأمور.
المسلمون بشكل عام يواجهون غزواً مركزاً وقوياً، وبعض الإخوة من طيبة قلوبهم يقول: لا تقرءوا مثل هذه الأشياء ولا تخبروا الناس بها.
الناس عارفون، الذين يقرءون الجريدة أحياناً مئات الألوف، وحتى لو لم ينشر في الجريدة، فهذا أمر معروف في كل مكان، وإذا ما عرفوا اليوم عرفوا غداً، وإذا ما عرفوا الساعة عرفوا العام القادم.
لكن الشيء المهم هو أن نعرف نحن في أي أرضية نتحرك، وما هو العدو الذي نواجهه؟!
وما هي الجهة التي ينبغي أن نصب تركيزنا عليها، ونبذل وسعنا في محاربتها، وحماية المجتمع والأمة منها؟!
لأن هناك بلا شك خطة قوية لإغراق المجتمع، وأقول: بالذات في هذه البيئات التي لا زالت محافظة أكثر من غيرها.
إغراق المجتمع في ألوان من المشاهدات، والمسموعات، والمطبوعات، التي سوف تغير عقليات الناس زيادة على ما هم عليه.
نسأل الله أن يوفقنا لصالح القول والعمل، وأن يكفينا شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، وأن يهدي قلوبنا، ويصلح نياتنا، وذرياتنا، وسرائرنا، وظاهرنا وباطننا، إنه على كل شيء قدير، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى.
اللهم اهدنا إلى سواء السبيل، اللهم وفقنا لمرضاتك، اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك.
اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر