أيها الإخوة: إن هذا الإقبال الكبير على طلب العلم لدى شباب الصحوة الإسلامية في كل مكان، يحتم على طلاب العلم والموجهين والعلماء وغيرهم طرق هذه الموضوعات، والحديث عنها، وتبصير الشباب بالوسائل والسبل الصحيحة المؤدية إلى تحصيل العلم والمحافظة عليه.
يروي الإمام الدارمي في سننه وعبد الله بن الإمام أحمد في زوائده على كتاب فضائل الصحابة، وابن سعد والبيهقي، والحاكم وغيرهم بسند صحيح، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه، قال: [[لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبت إلى رجل من الأنصار، فطرقت عليه بابه وقلت له: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا العلم، فإنهم اليوم كثير. فقال له هذا الأنصاري: واعجباً لك يا فأقول له: ذُكرَ لي أن عندك حديث كذا وكذا، فأحببت أن أسمعه منك، فيقول: فهلاّ أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: العلم أحق أن يؤتى إليه، قال: فتعلمت حتى مات كثيرٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحتاج الناس إليَّ، فكان ذلك الرجل الأنصاري يمر بي والناس حولي يسألونني، فيقول لي: يا
وللشاب المسلم اليوم أسوةٌ وقدوة بهذا الحبر الإمام عبد الله بن عباس رضي الله عنه، الذي لم تمنعه مكانته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يمنعه علوُّ نسبه وعلوُّ قدرهُ ولم يمنعه تقديم الخلفاء له كما كان عمر رضي الله عنه يقدمه ويُجلسه في مجالس المهاجرين والأنصار، لم يمنعه كل هذا من طلب العلم، والتواضع في سبيل ذلك.
زاد في نسخ القاموس نسخة!!
إذاً: من الخطأ أن يكون همنا اليوم مجرد جمع المعلومات وخزنها وتحصيلها، وإذا كان هم الشاب اليوم مجرد جمع المعلومات، فإنه يُخشى أن يكون هذا لغير الله -نسأل الله السلامة- لأن الشاب يحب أن يفاخر في المجالس بمحفوظاته، أو أن يدل بها على غيره، أو أن يباهي بها العلماء، أو يماري بها السفهاء، أو يصرف بها وجوه الناس إليه، فيكون همه جمع هذه المعلومات، وأنت إذا قرأت في القرآن والسنة وكتب أهل العلم وجدت أن العلم عند السلف يختلف كثيراً عن مفهوم العلم عندنا اليوم، وفى أذهان الكثير منَّا ليس مفهوم العلم في القرآن والسنة، وعند العلماء هو مجرد كثرة المعلومات، والمحفوظات في ذهن الإنسان.
بل العلم في القرآن والسنة، وفي كتب السلف مفهومٌ واسعٌ يشمل تعلم علوم الكتاب والسنة، والتفقه فيها، والعمل بها، والخشوع والدعوة إليها، كل هذه الأشياء داخلةٌ في مفهوم العلم، ولو أردتُ أن أذكر لكم بعض الأمثلة من الآيات والأحاديث وأقاويل الصحابة والتابعين في هذا الباب لطال بنا المقام، ويكفي أن ترجع إلى كتاب من كتب أهل العلم لتجد هذا واضحاً جلياً: اقرأ -مثلاً- المقدمة التي وضعها الإمام الدارمي لكتابه الموسوم بـالسنة، واقرأ كتاب جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله للإمام ابن عبد البر، وغيرها من الكتب الكثيرة التي تتحدث عن العلم والتعلم والفقه والتفقه، تجد أن العلم في القرآن والسنة وعند السلف لا يعني مجرد تحصيل المعلومات؛ بل يشمل معنى أوسع من ذلك، ومع الأسف الشديد كثير من الشباب اليوم حين يطلقون كلمة العلم لا يقصدون بها إلا مجرد حقن المعلومات في الأذهان.
يقول الشاب -مثلاً-: أنا لم أحصل من العلم على شيء، فإذا جئت إليه وجدته قد حفظ القرآن، ويقول: لم أحصِّل من العلم شيء، إذاً فما هو العلم إن لم يكن القرآن هو أساس العلم وأصله، وماذا يكون القرآن إن لم يكن علماً، ألم تقرأ قول الله عز وجل عن القرآن: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49].
وكذلك تجد الشاب مقبلاً على العبادة، والخشوع، والصلاة، وقيام الليل، ويقول: لم أحصل على شيء من العلم.
وتجد شاباً ثالثاً يعيش في وسط مجموعة من قرنائه، وأصحابه الفضلاء يتلقى معهم التربية، وفن المعاملة، وأسلوب التخلق بالخلق الكريم، فيقول: لم أحصل على شيءٍ من العلم.
هذا السؤال أرجو أن يوجهه كل فردٍ منكم إلى نفسه، تعلُّم الحلال والحرام، والحق والباطل، والخير والشر، ماذا يقصد من ورائه؟
إن كان يقصد من ورائه العمل والتعليم، من تعلِّمه أن تُعلِّم نفسك وتقبل على العبادة، وعلى الخلق الفاضل والتربية، فهذه ثمرة عظيمة من ثمرات العلم، فيجب ألاّ تشتط بنا النظرات وردود الفعل، فيصبح الإنسان أحياناً ينساق وراء بعض الأشياء دون تأمل، ولا تدبر، فالعلم معنى واسعٌ شامل.
فالتربية من العلم، وتعلم الخلق الفاضل، وتعلم العبادة والخشوع، وتعلم الحلال والحرام، وحفظ القرآن كل ذلك من العلم، والعمل بهذه الأشياء من العلم، والدعوة إليها من العلم.
ولو تأملت أسلوب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في تلقي العلم وتعليمه والعمل به لوجدت أمراً عجباً، يأتي الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، أو إلى مكة قبل الهجرة، فيجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً فيسمع منه الآيات والأحاديث المعدودة ويحفظها ويفهم معناها، ويعمل بها، ثم يرجع إلى قومه منذراً لهم معلماً داعياً، ولا يعني هذا أنه توقف عند هذا الحد، بل يعود مرةً أخرى، وثالثة، ورابعة، ويتزود من العلم، ومنهم من يوقف نفسه على طلب العلم تعلمه وتعليمه، لكن لم يكن في ذهن هؤلاء الصحابة أن العلم شيءٌ والتعليم شيءٌ، والتربية شيء! لا، كل هذه الأشياء كانت عندهم شيئاً واحداً.
ولذلك تحفظون -جميعاً- كلمة أبى عبد الرحمن السلمي رحمه الله التي قال فيها: [[كان الذين يقرئوننا القرآن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يتجاوزون بنا عشر آيات حتى نتعلم معانيهن، والعمل بهن، فتعلمنا العلم والعمل جميعاً]].
إذاً: العلم والعمل شيءٌ واحد، والعلم أصلاً ما شرف إلا من أجل العمل، خاصةً العلم العملي الذي يعمل به، وكذلك علوم العقائد شرفت بشرف المعلوم، ولأجل أن يعتقدها الإنسان، أما لو تعلم إنسان هذه العلوم فلم يعتقدها، ولم يؤمن بها، لكانت وبالاً عليه.
يروى عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه كان يقول:
أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان |
ثم يذكر هذه الست، ويقول:
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان |
وهذه الأشياء الستة ذكرها الإمام أبو هلال العسكري في كتابه الحث على طلب العلم بصيغة أخرى فنسب إلى بعض القدماء، أو بعض الأوائل، أنهم قالوا: لا ينال العلم إلا بستة أمور.
وذكر من هذه الأمور: الذهن الثاقب، وكثرة العمل، وطول الزمان، والأستاذ الحاذق.. وذكر بقية الستة المتعلقة بالبلغة، وشهوة العلم، هذه الأمور الستة المنقولة عن الإمام الشافعي، وعن الإمام علي بن أبي طالب أيضاً، والتي نسبها الإمام أبو هلال العسكري لبعض الأوائل يمكن أن نقسمها إلى قسمين:
أشياء فطرية موهوبة، بمعنى أنها أشياء موجودة في فطرة الإنسان، تُخلق مع الإنسان وهي محض مِنَّةٍ، وهبة إلهية، وإن كان الإنسان قد يستطيع أن ينميها، لكن لا بد أن يوجد أصلها في فطرة الإنسان، وجبلته، وهي الذكاء، وقوة الذاكرة، والحرص، فهذه الأشياء الثلاثة هي في الغالب موهوبة.
والمقصود بالذكاء، أو ما عبر عنه بعض الأوائل بالذهن الثاقب: هو ما يمكن أن نعبر عنه بقوة الاستنباط، وسعة العقل، فإن الإنسان الذي يريد أن يحصل على العلم لابد أن يكون لديه قوة في عقليته، وقدرة على الاستنباط، هذه الأولى.
الثانية: هي ما عُبِّرَ عنها بالذاكرة، ويقصدون بها قوة الحفظ، وقد عبر عنها أبو هلال بكلمة الطبيعة -أي: الشيء الذي يطبع عليه الإنسان- فقوة الذاكرة لابد منها لطالب العلم، والفرق واضحٌ جداً بين قوة الاستنباط، وبين قوة الذاكرة، فقد يستطيع طالب العلم أن يحفظ نصوصاً كثيرة، وأن يستظهرها؛ ولكن ما لم يكن لديه قوة في الاستنباط، والفهم، والعقلية، بحيث يستطيع أن يجمع بين هذه النصوص، ويستخرج منها معنىً كلياً عاماً ويوفق بين مظاهره، وما تعارض منها ويستخرج منها معانٍ دقيقة قد لا يتفطن لها غيره، فإن هذه الأشياء التي حفظها لا تكون كافيةً في تحصيله.
والعكس بالعكس.... فقد يكون لدى الإنسان قوةً في استنباطه، لكن لا يكون لديه النصوص التي يستطيع أن يستنبط منها ويستخرج منها المعاني والأحكام، ويجمع بينها، ومع أن الذاكرة، أو قوة الحفظ هي محض امتنان، وتفضل من الله عز وجل، إلا أن الإنسان يستطيع أن ينمي ذاكرته.
هل تظن أيها الشاب أن قراءتك -مثلاً- لكتاب ما مرة واحدة يكفي لتفهم ما في هذا الكتاب!
أقول: من الخطأ أن تظن ذلك وكبار العلماء والأدباء وغيرهم يؤكدون أن الشيء لا يُحفظ أو يُضبط بمرة أو مرتين أو ثلاث.
كان العقاد الأديب المشهور يقول: " لأن أقرأ كتاباً واحداً ثلاثة مرات أحب إلي من أن أقرأ ثلاثة كتبٍ مرة واحدة " لأن تكرار قراءة الكتاب أو النص تُعين على ضبطه، أو حفظه، ولا بد أن تدرك أن من أهم وسائل الحفظ تكرار ما يراد حفظه، والتكرار يختلف، فبعضنا قد يحفظ من عشر مرات، وبعضنا قد يحفظ من عشرين، وبعضنا يحفظ من أكثر من ذلك، وكل إنسانٍ عليه أن يكرر الشيء الذي يريد أن يحفظه حتى يحفظه.
فبماذا أجاب أبو حنيفة؟
القدماء كان يشيع عندهم أقاويل قد لا تثبت للنقد الصحيح أنَّ -مثلاً- شُرب العسل، يقوي الذاكرة، وكذلك أكل ألوان معينة من الطعام، وأن ترك أشياء معينة من الطعام والشراب -أيضاً- يساعد على الحفظ، فيقولون: إن أكل التفاح -مثلاً- يضعف الذاكرة وكل هذه الأشياء تحتاج إلى دراسة طبية صحيحة، تثبت إن كانت هذه الأشياء حقيقية أم لا وقد تكون هذه الأمور نسبية، وقد يكون بعضها غير صحيح، فـأبو حنيفة رحمه الله لما سُئِلَ ما الذي يقوي الذاكرة؟
أجاب بجواب طريف قال: الذي يقوي الذاكرة هو: البزر، والبزر هو نوع معين من النبات يستخرج منه الدهن، ويقصد أبو حنيفة رحمه الله هذا الدهن الذي توقد عليه السرج في الماضي، أي: الذي يقوي الذاكرة، هو السهر في طلب العلم، ولعله يقصد بهذا الجواب أمرين:
أولاً: أن التكرار والتفرغ للقراءة يقوي الذاكرة.
ثانياً: ما أشرنا إليه قبل قليل أن استمرار الإنسان في الطلب يوسع من ذاكرته وعقليته كما أشار إلى ذلك الزهري، في كلمته السابقة.
إذاً: قوة الذاكرة، من الوسائل الموهوبة لتحصيل العلم.
فتجد أن:
الشرط الأول: موجود عنده، وهو: قوة الاستنباط ووجود عقلية ممتازة لديه.
والشرط الثاني: وهو الذاكرة القوية موجودة عنده أيضاً. ولكن اختفى عند هذا الشخص الشرط الثالث: وهو الحرص أو شهوة العلم.
والمقصود بشهوة العلم أن يكون لدى الإنسان رغبةً نفسية في الطلب والتحصيل، ولا شك أن الإنسان يستطيع أن يُنمَّي هذه الرغبة، وخاصة المسلم حينما يقرأ النصوص الواردة في فضل العلم والعلماء، ومكانتهم في الدنيا والآخرة، فتنمو لديه هذه الرغبة؛ لكن ما لم توجد الرغبة أصلاً فإن هذا الإنسان قد لا يواصل في طلب العلم، وقد لا يبلغ فيه مبلغاً عظيماً، فوجود رغبة فطرية في طلب العلم، شرطٌ أساسيُ وهذا الشرط يحقق لك فوائد عديدة منها:
أنه يحقق لك سرعة التحصيل، لأن الإنسان إذا كان لدية شهوةً في تحصيل هذا الأمر، فإنه يصل إلى ذهنه سريعاً.
وأضرب لذلك مثلاً: لو اُفترض أن مسألة ما أشكلت عليك وأنت -مثلاً- تؤدي عبادة من العبادات، وقعت في خطأ أو في مشكلة لا تعرف كيف الخلاص منها، ولا تعرف حكم الله وحكم الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، فهنا وجد ما يسميه علماء التربية، وعلماء النفس المعاصرون " بالدافع " وجد دافعٌ نفسي عندك للتحصيل ومعرفة الحكم؛ فهذه الشهوة لتحصيل العلم، تجعلك حين تعرف الحكم تحفظه، ولا تنساه؛ لكن لو سمعت كلاماً طويلاً عريضاً في موضوع لا يهمك فسرعان ما تنسى هذه المعلومات، وتضيع منك.
إذاً: فشهوة العلم والحرص الحقيقي للعلم يحقق لك أولاً: سرعة التحصيل.
ثانياً: ضبط وحفظ المعلومات الموجودة لديك، ولذلك فإن المعلم الناجح هو من يثير لدى الطالب الدافع الفطري للتحصيل، وأنتم تعرفون أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستعمل هذا الأسلوب كثيراً، من ذلك ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: {أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ، وصيامِ، وصدقةٍ، وحجٍ، ويأتي وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار
مثال آخر حديث: {ألا أنبئكم بأكبر الكبائر} وهناك مثال آخر مشهور، وهو ما رواه الشيخان في صحيحيهما في قصة عبد الله بن عمر، لما كان النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه وسألهم قائلاً: {إن من الشجر شجرةً لا يسقط ورقها مثلها مثل المسلم، أخبروني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، قال
المهم أن إثارة الدافع لدى المتعلم من أهم الوسائل في التحصيل، فهذا من فوائد وجود شهوة العلم، والرغبة في التحصيل.
ومن الفوائد أيضاً: قدرة المتعلم على تجاوز العقبات، لأن العلم يعترض تحصيله عقبات كثيرة، منها: عقبات من داخل النفس، وعقبات من البيت، وعقبات من المجتمع، وعقبات كثيرة، فالإنسان يتحرك بقدر الدافع، فإذا كان الدافع قوياً يمكن أن يتحرك الإنسان في طلب العلم إلى الموت، ولذلك سُئل عبد الله بن المبارك رحمه الله، وكان يحمل الدفاتر وينقل ويكتب العلم طيلة عمره، فقيل إلى متى يا عبد الله؟
قال: إلى الموت لعل الكلمة التي سأستفيد منها لم أسمعها بعد.
وهذا تطبيق عملي لقول الله عز وجل: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] إذاً هذه ثلاث وسائل، هي في أصلها موهوبة، وإن كانت تنمى وتقوى لمن كان معه أصلها.
ننتقل بعد ذلك إلى الوسائل التي هي من عمل الإنسان وكسبه.
وأنت لو تأملت في الواقع، تجد أن الذين تتلمذوا على الأشياخ الأجلاء الكبار في هذا الزمان، صار الواحد منهم نسخةً عن أستاذه في كثيرٍ من الأشياء!
يحدثني أحدهم: أن هناك شيخاً فاضلاً في أحد البلدان الإسلامية، كان فيه بحة في صوته فكانت هذه البحة تظهر لا شعورياً في كثيرٍ من طلابه، ومثال ذلك: حركة اليد فتجد كثيراً من طلابه يسلكون نفس الطريقة، وخاصةً حين يكون الشيخ ذا شخصيةٍ قوية مؤثرة في طلابه، فتجد هذه الشخصية منطبعة في نفوس الطلاب، وهذا يدعوك إلى أن تدرك أن قضية التتلمذ ليست قضية أخذ معلومات مجردة، بل قضية التتلمذ قضية تربية، وتعلم، وقضية تكوين شخصية التلميذ بإشراف الشيخ، وهذا يؤكد خطورة وأهمية الأخذ عن الشيوخ الذين يتميزون بالتكامل في شخصياتهم، ويؤكد أيضاً أن الطالب ينبغي أن ينوع من أشياخه.
ولذلك روى الدارمي عن أيوب السختياني أنه كان يقول: "إذا أردت أن تعرف خطأ شيخك فجالس غيره".
ومن الخطأ أن يكون التلميذ باحثاً عن عيوب الشيخ وليس المقصود ذلك، إنما الشيخ مهما يكن من الكمال؛ ففيه نقص، والنقص من طبيعة البشر، فإذا جالست هذا الشيخ، وذاك، وثالثاً، ورابعاً واستفدت منهم جميعاً فإنك تستطيع أن تتلافى، وتتخلص من الأخطاء الموجودة لدى كل واحدٍ منهم، أما لو اقتصرت على شيخٍ واحد، فإنك قد تتأثر بخطئه، وهذا لا يقصد به أبداً أن لا يتلقى الإنسان عن شيخٍ واحدٍ بصفةٍ أكثر مما يتلقى عن غيره، خاصةً قضية التربية.
وأنا أقول: -من وجهة نظري- وأعتقد أنها صحيحة وهي: أن التلقي عن الشيخ ينبغي أن يكون باختيار أحد أساتذتك سواء كان هذا الأستاذ معلماً في المدرسة أو مشرفاً في المركز، أو أستاذاً لحلقة تحفيظ القرآن في الحي -مثلاً- أو غير ذلك، بحيث تقترب منه، وتقتدي به في أعماله الخيرة الصالحة، وتأخذ عنه العلم، وتستفيد من رأيه وشخصيته، ومن علمه، وعبادته، وهذا هو المفهوم الصحيح للأخذ عن الشيوخ.
إذاً: فلابد من اختيار الشيخ أو الأستاذ، ولابد من مصاحبته، وبقدر تقصير الإنسان في الأخذ عن الشيوخ ينقص من علمه ومن تربيته.
وهاهنا لابد من كلمةٍ سريعة: لو نظرنا إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لوجدنا أنهم كانوا يشتغلون بأمور دنياهم، وأمور مكاسبهم ومعايشهم التي يحتاجون إليها، بل قبلهم كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كذلك، ومن الأشياء التي كان المشركون يعيرون بها النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقولون: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ [الفرقان:7] فليس المقصود بالبُلغة، أو الاشتغال بالعلم: الانقطاع عن الدنيا أبدا، وإنما المقصود ألا يكون الإنسان منصرف الهم إلى الدنيا، بمعنى أن الإنسان الذي يوجد لديه طموح لتنمية الثروة، وأن يكون من الأثرياء المرموقين، ويصرف وقته، في هذا الأمر غالباً لا يحصل على العلم، لكن ليس دائماً.
ti`h عبد الله بن المبارك رحمه الله من أئمة العلماء وجهابذتهم، ومع ذلك كان من كبار التجار وله في ذلك قصص وأخبار عجيبة.
وكلما ازددت علماً ازددت علماً بجهلي |
أي أن الإنسان إذا عرف أشياء بدأ يطلع على ما لا يعرف، فإذا قاس نسبة ما يعرف إلى ما لا يعرف، أدرك أنها ضئيلة جداً، فيكون لديه أولاً تواضع ومعرفة بأنه ليس بعالم، ومعرفة إلى أنه بحاجةٍ إلى وقتٍ طويل حتى يحصل على العلم الكثير.
إذاً: لابد أن تراعي -أخي الشاب- قضية التدرج، وطول الوقت، وأن العلم يثبت بالعمل، والتربية والتعليم، فتعلم شيئاً فشيئاً، وما تعلمته فانزل به في ميدان الواقع وطبقه، وأدع الناس إليه، وإذا مت في هذا السبيل، فأنت مجاهد إن شاء الله، أما أن يغلب عليك طابع جمع المعلومات، بل أحياناً في جانبٍ واحد من جوانب العلم، وهو: من أجل أن أفتِ الناس، أو من أجل أن أكون عالماً مرموقاً مشاراً إليه فنسأل الله السلامة من ذلك.
إخوتي الشباب: إن الوسائل التي سبقت هي أصول لابد منها، لكن هناك وسائل خاصة مهم أن أشير إليها في هذه العجالة.
وكذلك من إمكانيات العصر: الأشرطة، وهي وسيلة مهمة جداً، فبإمكان الشاب أن يسمع مجموعة متكاملة من الأشرطة لعالم كبيرٍ كالشيخ ابن باز، أو ابن عثيمين، أو ابن جبرين، أو الألباني، أو غيرهم من جهابذة العلماء ويسمع مئات بل آلاف الأشرطة، وحين يكون هذا السماع منظماً أي تسمع كتاباً أو شرحاً لكتابٍ أو درساً متسلسلاً وتعيد أيضاً سماع الشريط فإنك تستفيد فائدةً عظيمةً جداً، والتجربة تؤكد ذلك، وهذا لونٌ من ألوان مواكبة ومتابعة دروس العلماء، حتى ولو لم يحضرها الإنسان بنفسه.
ونسأل الله أن يجعلني وإياكم من العلماء العاملين، وأن يرزقني وإياكم الاحتساب في طلب العلم والصدق والإخلاص، وأن يوفقني وإياكم لصالح العمل، وأستغفر الله، وأصلي على عبده ونبيه ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
الجواب: تعليقي أن أقول: ما معنى أن يكون عالماً؟
فالسائل يقصد أن يكون عالماً مشاراً إليه بالبنان، وأقول: العلم أوسع من ذلك، قد يكون عالماً في جوانب معينة، قد يكون عالماً في مجال التربية والتوجيه والإرشاد مع وجود قدرٍ كافٍ من العلم الشرعي لديه، وهل يتصور أن يوجد إنسان لا يحفظ إطلاقاً؟
لا أعتقد هذا، إنما قدرته على الحفظ ليست قوية، ومع ذلك قد يصل إلى درجةٍ كبيرة في العلم من منطلق قدرته على التربية وعلى التعليم وعلى البناء، وأزيد هذا إيضاحاً بأن قيمة العالم تكون بأشياء:
أولاً: بتأثيره في الواقع من خلال كثرة الناس المتأثرين به أو من يسمون بالتلاميذ، أو الذين استفادوا منه، وأنت تجد بعض العلماء الذين عنوا بالتربية، وبناء الشخصية بشكل متكامل أثَّروا في كثير من الناس مع أن هناك من هو أوسع منه في جانب المعلومات المجردة، ومع ذلك تأثيره أقل، هذا من ناحية، وقيمة العالم تكون -أيضاً- بما يخلفه بعد وفاته من المصنفات والمؤلفات، والإنسان الذي يكون لديه قدرة على البحث ومعرفة بأساليب البحث، وقدرٍ طيب من العلم الشرعي، يستطيع أن يكتب في أشياء كثيرة، وينفع الناس بها.
إذاً فالعلم مفهومه أوسع من مجرد المعلومات، وقيمة العالم تكون بقدر تأثيره في الواقع، سواء في حال حياته أو بعد مماته.
الجواب: أقول: لا تترك المدرسة من أجل أن تطلب العلم، إذ لا تعارض بينهما، بل إن بقاءك في المدرسة هو عون لك على طلب العلم من جهة ومن جهة أخرى فلنفترض جدلاً أن المدرسة لا تعينك في طلب العلم، مع أن هذا قولٌ غير صحيح لأن كل مدرسة لا تخلو من قوم صالحين ومن العلوم النافعة: كالقرآن والتفسير والحديث.. وغيرها، وفيها علوم مباحة توسع عقل الإنسان ومداركه، ولكن لنقول جدلاً: إن المدرسة لا تعينك، فإن الأمة بحاجة إلى من يقود الأجيال والأجيال.
أيها الشباب أين تتربى أجيال الأمة اليوم؟!
هذا السؤال أريدكم أن تجيبوا عليه، أجيال الأمة في كل مكان تتربى اليوم في المدارس يدخل أو يتربى فيها إن لم نقل (100%) فعلى الأقل أكثر من(90%) من الأجيال، ووجود مدرسين اليوم وأساتذة وموجهين في المدارس كان هو السبب في إقبال طلاب المدارس على الإسلام، وتلقيهم العلم، ورغبتهم فيه، وربما كان تأثيره في ذلك أكثر من أي تأثير آخر فإذا كان هذا كذلك، فيجب على طالب العلم أن يحرص على مواصلة العلم في هذه المدارس، والتزود من العلم الموجود فيها، وعلى أن يتخرج منها، وعلى أن يدرس فيها ليقوم بتربية هذه الأجيال، من خلال هذه المدارس على الإسلام الصحيح، والعقيدة الصحيحة، وهاهم علماؤنا وجهابذتنا تخرجوا من هذه المدارس، ودرسوا فيها ولك فيهم أسوة وقدوة.
أما سؤالك أين العلماء؟!
فإنني أقول: العلماء في المدارس التي تريد أن تتركها ففيها كثيرٌ منهم.
ثانياً: مفهوم المشايخ أو العلماء يتفاوت وطلاب العلم اليوم كثير، ويمكن أن يجتمع مجموعة من طلبة العلم مهما كان مستواهم فيتدارسوا كتاباً من الكتب في المسجد أو في البيت، وهذا نوعٌ من طلب العلم الجماعي، وعلى أيدي طلاب علمٍ أو مشايخ، وكذلك قراءة كتب المشايخ أو سماع أشرطتهم يعين على الحصول على علمهم، ثم إن المشايخ موجودون، وقد ذكرت منهم على سبيل المثال الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ/عبد الله بن جبرين والشيخ/محمد بن عثيمين، ويوجد علماء كثر في بلدان كثيرة.
الجواب: الحقيقة هذا السؤال يتفاوت من شخص لآخر، فهل كلنا سوف نخرج علماء في الشريعة؟
الجواب لا، بلا تردد ولا إشكال، فالناس يتفاوتون قد يوجد من بيننا من يؤنس من نفسه الأهلية، ويحس بأنه يستطيع أن ينفع المسلمين من خلال تعلم العلم الشرعي، والعمل به، والتربية عليه، وتعليمه للناس، ولديه: قدرة، وذاكرة جيدة، وعقلية طيبة، ولديه رغبة وحرص، فهذا يمكن أن يتوجه إلى العلم الشرعي، ويركز جهوده عليه، ولو قصَّر في علومٍ أخرى، أو أهمل علوماً أخرى ليست من العلوم الواجبة الضرورية.
لكن قد يوجد إنسان آخر من بيننا لا يحس بالأهلية لمثل هذا الأمر، ويحس أنه يمكن أن يفيد المسلمين في علمٍ آخر: كعلم التاريخ، أو اللغة العربية، أو الطب، أو الهندسة، فهذه كلها علومٌ يستفيد منها المسلمون، وهي على أقل تقدير يمكن أن نقول: إنها من فروض الكفايات، لأن العلوم المباحة التي يحتاجها المسلمون هي من فروض الكفايات، فالذي يؤنس من نفسه القدرة على هذه العلوم أيضاً يتجه إليها، وقد يوجد من بيننا من ليس له مهنة في العلم وإنما هو يتجه نحو حرفة من الحرف، أو صناعةٍ من الصناعات، وقد تكلمت عن هذه النقطة في محاضرة بعنوان (التوازن في شخصية المسلم).
الجواب: لا تعارض بين هذا وذاك، بل الكتب المفيدة سواء، كانت قديمةً أم حديثة ينبغي للشاب أن يحرص على قراءتها، والاطلاع عليها، فهناك كتبٌ حديثة وموثقة ألفها علماء معتبرون، وتلقاها علماء ثقات بالرضا والقبول، فينبغي للشاب أن يقرأها ويستفيد منها.
على سبيل المثال: لو قرأ الشاب المبتدئ في بداية طلبه: العقيدة الطحاوية -مثلاً- وجد أنه أمام أسلوب قوي وعبارات لا يستطيع أن يفهمها، لكن لو قرأ كتاباً آخر مثل معارج القبول للشيخ/ حافظ الحكمي، لوجد أنه بأسلوبٍ سهلٍ، وعبارةٍ واضحة، ومن السهل عليه أن يفهمه ويضبطه.
فالكتب الحديثة المؤلفة من علماء موثوقين ينبغي أن تقرأ، والكتب القديمة التي يسهل على الشاب أن يقرأها -أيضاً- لا ينبغي أن نستبعدها، مثلاً: الكتب التاريخية، سواء كانت قديمة أو حديثة، أسلوبها لا يختلف فلو قرأت مثلاً في البداية والنهاية لـابن كثير، أو قرأت سير أعلام النبلاء للذهبي أو قرأت في غيرهما من الكتب، لوجدت أنك تفهم وترتاح مع هذه الكتب وتستفيد منها.
إذاً: نقول: إن الكتب قسمان: كتبٌ مفيدة، وكتبٌ ضارة، والكتب المفيدة: منها القديم ومنها الحديث، والكتب الضارة: منها القديم، ومنها الحديث، فالمهم أن تختار الكتاب المناسبُ وأوصي الشاب الذي يريد أن يقرأ أن يطلب من شيخه الذي يتتلمذ عليه، وأستاذه الذي يربيه أن يعطيه قائمة من الكتب التي يريد أن يقرأها ويستفيد منها، فإذا أنهاها طلب قائمة أخرى وهكذا.
الجواب: الحقيقة في مثل هذه الحالة على الشاب أن يستمر فيما هو فيه من حث الناس على الإخلاص؛ لأن هذا عمل طيبٌ ومشروع، والآيات في الحث على الإخلاص كثيرةٌ معلومة، وعليه أن يحرص على إخلاص نيته ما استطاع، وليحذر الشاب من وسوسة الشيطان الذي يقول له: دع أمر الناس بالخير لأنك لم تفعله، أو دع نهي الناس عن الشر لأنك واقع فيه، وهذه القضية تخفى على كثيرٍ من الناس، وعلى كثير من الإخوة وهي قضية مهمةٌ جداً، في باب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأريد أن أصوغها على شكل سؤال، وهو: الإنسان الذي يقع في المنكر هل يجب عليه أن ينهى الناس عن المنكر الذي يقع فيه نفسه أم لا ينهى عنه؟
الواقع والصحيح أنه ينهى، ويجب عليك أن تنهى عن المنكر ولو فعلته، ويجب عليك أن تأمر بالمعروف ولو تركته، وهذا هو القول الصحيح الذي عليه جماهير السلف والخلف، ولا شك في صحة هذا القول، لأن الإنسان مطالب بأربعة أشياء: مطالب بأن يفعل المعروف وأن يأمر به، وأن يترك المنكر وأن ينهى عنه، وإخلال الإنسان بواحد من هذه الأشياء الأربعة لا يدعوه إلى الإخلال بالأمر الثاني منها، وقد قيل:
ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد |
ولذلك نقل الإمام ابن عطية في تفسيره عند قولة تعالى: كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:79] قال: وقال بعض الأصوليين: واجب على من يتعاطى الكئوس أن ينهى بعضهم بعضاً، أي المجموعة القاعدون لشرب الخمر يجب عليهم شرعاً أن ينهى بعضهم بعضاً حتى وهم يتعاطونه، وقال حذاق أهل العلم يأمرون بالمعروف وإن لم يفعلوه، وينهون عن المنكر وإن فعلوه، والدليل على ذلك قوله من القرآن: كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:79].
فأنت لو تأملت الآية وجدت أن الله عز وجل نسب ترك التناهي إلى الذين فعلوا المنكر أنفسهم، يعني وهم يفعلون المنكر كان يجب عليهم أن ينهوا ويتناهوا عنه، ولا شك أنه ملوم بكونه ينهى الناس ويقع فيه كما قال الله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ [البقرة:44] لكنه ليس ملوماً لأنه نهى عن المنكر، بل ملوم لأنه فعله، وخاصة مع علمه بأنه منكر، فهذه القاعدة مهمةٌ جداً، فأمر الناس بالمعروف وحثهم على الإخلاص في العمل، واحرص على تزكية نفسك وأمرها على ما تأمر به الناس، ولا يمنعك شعورك بعدم الإخلاص في بعض عملك مما أنت فيه من الأمر والنهي، وحث الناس على الإخلاص.
فبماذا تنصحني؟
الجواب: أنصحك أولاً: بمواصلة حفظ كتاب الله عز وجل، فإن هذا ذخرٌ ثمين.
وثانياً: بأن تتعلم ما لا بد لك منه من علوم الشرع، أي: أن تتعلم من العلوم التي يطالب المسلم بتعلمها لنفسه، وذلك مثل تعلم العقيدة الصحيحة، فلا بد أن تقرأ في كتب السلف، وتفهم العقيدة الصحيحة من القرآن والسنة.
ثالثاً: لا بد أن تعرف أحكام الطهارة، والصلاة، والعبادات التي تحتاج إليها في حياتك العملية، وإذا أشكل عليك أمر من ذلك فعليك أن تسأل أهل الذكر -كما قال الله سبحانه وتعالى-: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].
الجواب: أما كثرة سماعك لهذه الكلمة فهو صحيح، وهذا راجع إلى فطرة عند الإنسان أنه إذا أحب شيئاً أكثر من ذكره، والفرح الذي يغمر قلوب المؤمنين والدعاة وطلاب العلم هو الذي يدعوهم إلى تكرار الحديث عنها لكن وجود الصحوة الإسلامية لا يعني القعود، لأننا نتساءل جميعاً ما هو السبب من وجود هذه الصحوة؟
هل توافقون على ما يدعيه بعض الناس أن هذه الصحوة خرجت فجأة من غير مقدمات ولا جهود؟
في الواقع أن هذا غير صحيح؛ فقد خرجت هذه الصحوة نتيجة وجود جنود بعضهم معروفون، وبعضهم غير معروفين يضحون في سبيل الله، ويدعون إلى الله، ويدعون الشباب، ويحثونهم على الخير زمناً طويلاً.
ولذلك كانت هذه الصحوة نتيجة هذه الجهود، فإنه لا استمرار لها إلا باستمرار هذه الجهود، بل إن هذه الصحوة المباركة قد ينحرف مسارها، وقد يستفيد منها الأعداء، وقد تتجه اتجاهات غير صحيحة إذا لم نقم جميعاً بتوجيهها ورعايتها وإرشادها نحو الطريق الصحيح، وواجبٌ على كل فردٍ منا أن يسعى بالدعوة إلى الله عز وجل، وجلب الناس إلى الخير، وتعليمهم العلم الصحيح، وأن يحرص على أن يكون من نفسه شخصية تنفع المسلمين، وتخدم هذه الصحوة بأي وسيلة كانت.
الجواب: الإنسان الذي يقرأ من كل كتاب قدراً ثم يتركه إلى غيره، تكون معلوماته وثقافته ثقافة الخطاطين أشبه ما تكون خفيه متناثرة لا يجمع بينها جامع، ولا يؤلف بينها نافع، والشاب الذي يريد أن يتقوي في العلم الشرعي ويحصل على ثقافة إسلامية صحيحة عليه أن يقرأ بتركيز، وأن يختار الكتب المناسبة ثم يقرؤها مرة ومرتين وثلاث، بل ويلخصها إذا رأى أنها تستحق التلخيص، ويكتب عليها بعض الإشكاليات، والأسئلة التي دارت عليه، ويسأل عنها بعض من هم أعلم منه، وبذلك يستطيع أن يكون معلومات صحيحة، وعليه أن يستغل هذه النعمة الموجودة لديه وهي: الحرص على العلم والرغبة في القراءة.
الجواب: الجمع بين الأمرين واجبٌ خاصةً في بداية عمر الشاب، لأن الشاب في بداية عمره قد لا يستطيع أن يحدد بالضبط ما هو العلم الذي يرتاح إليه، ويفيده، ولذلك فكون الشاب في البداية يؤسس معلومات منوعة فيقرأ في العقيدة، ويقرأ في التفسير، ويقرأ في الحديث، ويقرأ في الكتب الإسلامية الحديثة، ويقرأ في القصص، ويقرأ في التاريخ، قراءات مركزة حتى يتبلور لديه اتجاه محدد، ويشعر بأنه أميل إلى التحصيل في علمٍ معين، فيركز على هذا العلم الذي يرى أنه يفيد فيه أكثر من غيره.
الجواب: كلاهما فاضل ولا بد للمسلمين من كليهما، وعلى طالب العلم الذي يريد أن يتعلم الفرائض أن يتعلم المواريث من الكتاب والسنة أيضاً، فهما المصدر لتعلم الفرائض وغيرهما من العلوم، وأرى أن علم الفرائض على أهميته ليس تخصصاً دقيقاً يقضي الإنسان فيه عمره، بمعنى أن الإنسان قد يكون متقناً لعلم الفرائض بارعاً فيه، ومع ذلك يجد له وقتاً طويلاً لتعلم الحديث، والتفسير، والفقه، وتعلم التربية إلى غير ذلك، فعلم الفرائض على أهميته يمكن أن يتقنه في مدة معينة ثم ينتقل منه إلى غيره.
الجواب: رأيي أن هذا يحتاج إلى مثال حتى يتضح السؤال أكثر وأكثر، ولكن بصفة عامة أنصح نفسي وإخواني الذين أحبهم في الله ألاَّ يعتمدوا كثيراً على وجهات نظرهم الشخصية في طلب العلم، لأن الإنسان يخيل له أحياناً أن هذا العلم ليس مفيداً لا له ولا عليه، لكن غيره قد يخالفه ويقول له: لا، إن هذا العلم يفيد المجتمع، والشاب في أول فترة الشباب، أو في فترة المراهقة تكون موازينه في الغالب غير منضبطة تماماً، وقد يميل إلى ترجيح جانب على جانب، وقد يميل إلى التقليل من أهمية جوانب معينة، والشيء المهم جداً هو أن هذه الفترة التي هي فترة المراهقة تؤثر في عمر الإنسان كلها، وقد يتحدد مسار الإنسان، واتجاهه بناءً عليها في الغالب، فعناية الشاب بنفسه في هذه المرحلة، وحرصه على التوازن والاستفادة من آراء من حوله مهم جداً.
الجواب: قضية السهر لا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم يكره الحديث بعد العشاء لكن صح استثناء المصلي، والذاكر والسهر في العلم محمود بلا شك، لكن لا يكون سهراً يؤثر تأثيراً سلبياً على الشاب، فالسهر يتفاوت، وقد يفهم إنسان أن السهر جلوس الساعات الطوال، وقد يفهم آخر أن يجلس بعد العشاء ساعة أو قريباً من ذلك بحسب إمكانية الشاب، ونحن نعرف أفراداً يكفي الواحد منهم في اليوم أربع ساعات في اليوم والليلة، وهذه نعمة يهبها الله من يشاء بحيث يستطيع أن يستفيد من نهاره ومن ليله، ومن الناس من قد يحتاج إلى أكثر من ذلك إلى عشر ساعات، فالإنسان عليه أن يكون منسجماً مع نفسه، وهو طبيب نفسه في هذه القضية، ولا يمكن أن نعطي فيها قاعدة مطردة.
الجواب:كما سلف عليك أن تطلب العلم وتحرص على إخلاص النية، وكثير من علماء السلف كانوا يقولون: طلبنا العلم لغير الله فأبى إلا أن يكون لله، أما إن كان الإنسان يعرف في قرارة نفسه أنه اتجه لطلب العلم لغرض دنيوي بحت فهذا أمر آخر، لكن الواقع أن كثيراً من الناس الذين يطرحون مثل هذا السؤال أو يتشككون، يحرصون على وجود الإخلاص في قلوبهم، ويضايقهم وجود أدنى شائبة، أو أدنى وسوسه للشيطان، والشيطان يوسوس للإنسان، وقد يقول: أنت تطلب الدنيا، فعلى الإنسان أن لا يستجيب لوسوسة الشيطان، ويستعيذ بالله منه، ويحرص على إخلاص النية، ويعمل الوسائل الداعية في عمل الإخلاص، ويستمر في طلب العلم، ويعمل بكل ما علم حتى يحقق فعلاً أنه طلب العلم للعمل.
الجواب: بمواصلة صحبة إخوانك الذين استفدت منهم بعد نهاية هذا المخيم وهذا المركز، وأن تشارك في النشاطات التي يشتركون فيها سواء كانت في المدرسة، أو كانت في الحي، أو كانت في غير ذلك، وأن تحرص أن تتلقى منهم الخلق الفاضل، والسلوك المستقيم، وتحاكيهم وتقلدهم بأعمالهم الحسنة الجميلة، وتخلص المحبة لهم.
الجواب: قد يكون هذا أمراً فطرياً، فالنفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، وقد قيل:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان |
ونحن لا ندعو إلى استعباد نفوس الناس، ولا تعبدها لغير الله، ولكن النفوس تحب صاحب الخلق الحسن، وتحب من أحسن إليها، وتكره من أساء إليها، وهذا أمر فطري لكن لا تكره لأنه يعمل الخير، أو يعمل السنن أو ما أشبه ذلك من الأشياء.
وينبغي لك أن تجاهد نفسك على محبته، فإن من أشرف وأنفس وأعلى المقامات التي يجب أن يغالي فيها المتنافسون في الخير هو أن تتخلص من كراهية قلبك لكل مسلم، إلا أن يكون من تكرهه لفسقه، ولمعصيته، ولإضراره بالمؤمنين وما شابه ذلك، وهذا مقام عظيم إن وصلت إليه فقد وصلت إلى خير كثير.
ويقول أيضاً: إنك تستغرب أن تجد من العوام من يحرص على التكبير، بينما من الشباب الطيبين هداهم الله من لا يحرص على ذلك فما تعليقكم جزاكم الله خير؟
الجواب: جزاكم الله خيراً للفت إخوانك إلى التكبير هذه الأيام، ومن المعلوم أن المشروع التكبير المطلق، أما التكبير المقيد الذي يكون في أدبار الصلوات والفرائض فهو يشرع في أوقات محددة، اختلف فيها أهل العلم والمشهور في المذهب أنها من صلاة الفجر ليوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، والله أعلم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر