إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, ونصلي ونسلم على عبد الله ونبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً, وبعد:
قبل أن نبدأ هذه الندوة الطيبة المباركة -إن شاء الله- أعتذر إليكم وإلى مشايخنا الكرام عن أن أتولى الحديث معهم وأن أشاركهم الحديث, وأن أقدم لهم وأن أكون مشاركا لهم في هذه الندوة, لأني لست من فرسان هذا المجال, ولكن إخواني جزاهم الله خيراً ظنوا بي ظناً الله أعلم به، فأسندوا إليّ إدارة هذه الندوة التي أرجو إن شاء الله أن نخرج منها بحصيلة علمية ونفسية تربوية طيبة.
أقول: هذا الأمر العظيم الجهاد في سبيل الله سيكون مجال حديث المشايخ الكرام، جزاهم الله عنا وعن الإسلام خيراً.
وهذه الندوة مكونة من عدة عناصر سأطلب من كل واحد منهم الحديث عنها، في حدود لا تتجاوز الخمس أو الست دقائق في كل عنصر من العناصر حتى يعود الحديث إليه.
هذه الأمة المسكينة المستضعفة, ولا أستطيع أن أطيل الحديث عن واقعها السيئ الذي تعيشه من جميع الجوانب, وإنما سأعرض لموجز قصير مركز وسألتزم بما ألزمت به إخواني وجزاهم الله خيراً, ولست بالآمر لهم ولكن أقول:
إن هذه الأمة تعيش فترة من أحلك ظروفها ومن أحرج أوقاتها، فبماذا نبدأ الحديث عن واقع هذه الأمة؟ هل بالجانب العسكري وهي فيه بما تعلمون من الضعف ومن الذلة والقلة، لا أقول القلة العددية, فعددها كبير؛ ولكن أقول: القلة المعنوية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عندما وصف هذه الأمة في عصر من عصورها ويقصد آخر زمانها, أنها تكون كغثاء السيل, قيل: يا رسول الله! أمن قلة نحن في ذلك الوقت؟ قال: {لا، أنتم كثير ولكن غلبكم الوهن، حب الحياة وكراهية الموت} فهذه القلة التي نعيشها, القلة المعنوية, والهوان الذي تعيشه هذه الأمة نتيجة تفريطها بشرع ربها, ونتيجة تركها لباب من أعظم أبواب الخير وهو باب الجهاد.
هذه الأمة تعيش -كما ترون- حالاً سيئة في كل جوانب واقعها, ولنبدأ بالجانب العقائدي، وجانب تطبيق الشريعة الإسلامية.
فأمة الإسلام تعيش وضعاً يؤلم كل من في قلبه مثقال ذرة من إيمان, تنتشر فيها البدع, وتنتشر فيها الضلالات, وينتشر فيها الشرك ويكثر، له دوره وقصوره وبيوته ومنازله, وله سدنته وهياكله, وينتشر فيها الفساد والانحلال والانحراف, وينتشر فيها البعد عن شريعة الله جل وعلا, التي أزيحت قليلاً قليلاً عن قيادة هذه الأمة حتى سُلخت أو تكاد أن تكون سلخت من دينها تماماً.
وأصبح المهيمن المسيطر في واقع الأمة الإسلامية -وبإشراف أَُناس يتسمون بالإسلام- أصبح المهيمن المسيطر هو نظم الكفر, والضلالة, أزيحت شريعة الإسلام علناً وقصداً وعمداً، ولم يبق من الإسلام في شرائعه مسموح له بالعمل والحركة في أغلب بلاد الإسلام وأكثر دياره إلا ما يسمونه بجانب الأحوال الشخصية, وهو الزواج والطلاق والمواريث، وحتى هذا الجانب الضيق من جوانب الشريعة الإسلامية, لم يتركوه بل تدخلوا فيه وبدلوا وغيروا, حتى ضيقوا على هذا الجانب الضيق الذي تركوه للإسلام من الشريعة.
أما بقية شرائع الإسلام بكافة شمولها وكافة سيطرتها على جوانب الحياة, فقد ألغيت تماماً من حياة الأمة، إذاً: وضع عسكري ضعيف, أو يكاد يكون معدوماً، ووضع اجتماعي وشرعي وعقائدي مُزرٍ يؤلم حال كل من في قلبه مثقال ذرة من إيمان, حتى أنك تدخل البلد المسلم وتدخل البلد الكافر فلا تجد فرقاً كبيراً بين هذين البلدين إلا بوجود المنائر المرتفعة في هذه البلدة أو تلك, وأما ما عدا ذلك فليس هناك فرق؛ العري والتكشف, والتحاكم إلى غير شرع الله, والخرافة والبدعة والضلالة, وكل سوء يتصور الإنسان وجوده في بلاد الكفر فهو كذلك موجود في بلاد الإسلام إلا من رحم الله.
حال سيئة، مذلة ومهانة, استذلال واستهانة, وإراقة لا تتوقف للدماء التي تجري أنهاراً في كل ركن من أركان الأمة الإسلامية, بماذا نبدأ وبماذا ننتهي؟! ماذا نقول؟! هل نتكلم عن الهند؟ أم نتكلم عن الصومال؟ أم عن بورما؟! أم نتكلم عن كشمير؟ أم عن فلسطين؟ أم عن الجرح الجديد النازف في سراييفو والبوسنة والهرسك؟ أم عن ماذا نتكلم؟!!
ليس هناك مكان تقريباً في أمة الإسلام إلا وفيه جرح ينـزف، أقول: هذا الواقع السيئ وهذا التفكك السياسي, وهذا التفكك المذهبي, وهذا الانحلال الخلقي, وهذا البعد عن شريعة الله جل وعلا, وهذا الضعف العسكري, وهذا الهوان على الله وعلى الناس, لا دواء له إلا بالجهاد في سبيل الله, هناك أدوية كثيرة، وهناك محاولات مشكورة, ولا تنس ولا تُترك من التعلم والتعليم والتوجيه, وكلها أمور لا ينبغي أن نغفل عنها, ولكن عِزَّ هذه الأمة إنما هو بالجهاد في سبيل الله، الذي هو ذروة سنام الإسلام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
أقول: لا تزول هذه الحالة، وسنبذل وسيبذل الخيرون في هذه الأمة الآن وبعد الآن وفي هذا الجيل وأجيال قادمة سيبذلون جهوداً كبيرة لإصلاح هذه الأمة، وسيوفقون في جوانب, ولكن الحل الحقيقي لهذه الأمة هو الجهاد في سبيل الله.
الجهاد في سبيل الله هو الحل الحقيقي لهذه الأمة، هو الذي سيعيد إليها وحدتها، وقوتها، وعزتها، والعمل بشريعة ربها.
أنا في اعتقادي -والكلام لإخواني المشايخ أساتذتي ومشايخي: إن كل جهد لا يربط بالجهاد في سبيل الله أنا أقول وأعتقد والله أعلم أنه لن يؤتي الثمرة المرجوة, التي تراد ويريدها الله من هذه الأمة؛ لأن أعداءنا كُثُر ولن يسمحوا لنا وهم أقوياء كما نعلم ولا ننكر قوة عدونا, لن يسمحوا لنا إطلاقاً أن نستعيد زمام المبادرة والقيادة إلا بقوة السلاح والحديد والنار, هذه حقيقة واقعة لا بد أن نعرفها ونذكرها جيداً، ولا نغفلها عند الحديث عن إصلاح حال هذه الأمة، وقد وصلت أحوالها إلى ما وصلت إليه.
هذا موجز قصير حول أحوال هذه الأمة وربط هذا الأمر، إنه لا عودة لعزة هذه الأمة وقوتها ومنعتها, وكذلك لا عودة لشريعة ربها لتحكم حياتها إلا بالجهاد في سبيل الله, وإزالة كل طاغوت كافر في هذه الأرض يقف في وجه هذه الدعوة ويتحداها بقوة سلاحه، وبقوة إعلامه، وبقوة علمه، وبقوة تقدمه وتحديه وتنظيمه.
بعد هذه المقدمة الموجزة القصيرة حول أحوال هذه الأمة نوجه إلى إخواننا من المشايخ جزاهم الله عنا وعن الإسلام خيراً, إلى الحديث حول عناصر هذه الندوة، ونبدأ بالعنصر الأول: حول دور الجهاد في تأريخ هذه الأمة.
فإننا نعرف أن تأريخنا تأريخ مشهود، وأن للجهاد فيه دوراً كبيراً, نرجو ونتمنى من الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين جزاه الله خيراً أن يحدثنا عنه.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونشهد أن لا إله إلا الله، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما، أما بعد:
ولا شك أن الإسلام بدأ في أول أمره سراً، بحيث أن الدعوة -دعوة النبي صلى الله عليه وسلم- كانت سرية, ثم بعد ذلك أمره الله بأن يظهر ويعلن دعوته: قُمْ فَأَنْذِرْ * = 6005497>وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ[المدثر:2-3] إلى قوله: وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ [المدثر:7], فأعلن بعد ذلك الدعوة إلى الله تعالى, وأعلن أنه على حق وصواب, وأن المشركين على خطأ وعلى شرك وضلال, فعند ذلك نصبوا له العداوة, ووبخوه على أفعاله وعلى أقواله, واستنكروا ما جاء به.
وكان من أسباب ظهوره الجهاد؛ حيث أنه صلى الله عليه وسلم بذل جهداً، وصحابته الذين أخلصوا في اتباعه بذلوا جهداً.
إذاً فالجهاد الذي قاموا به هو أنهم أجهدوا أنفسهم, وبذلوا وسعهم, وبذلوا أوقاتهم, وأنفقوا ما يملكونه, وآثروا سبيل الله على أهوائهم, وعلى شهواتهم, فكان ذلك سبباً لنصرهم، فحقق الله لهم النصر لما نصروه، وقال الله تعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7], ومعلوم أنهم ابتلوا بهذا الجهاد ليظهر بذلك صبرهم وجلدهم وقوتهم وليظهر بذلك إيثارهم للحياة الأخروية, والنعيم الأخروي على شهواتهم الدنيوية, وعلى متاع الدنيا, وما ذاك إلا أنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه, صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وآمنوا برسالته, وحققوا اتباعه, وعلموا أن ما جاء به كله حق, وأنه صادق مصدوق, وأن وعده صدق, فلما آمنوا بذلك رخُصت عندهم أنفسهم, ورخصت عندهم شهواتهم وأموالهم, وأولادهم, وعرفوا أن وعد الله تعالى حق فبذلوا كل ما في وسعهم, فأظهر الله بهم الدين.
وأنـزل على نبيه صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً [النور:55], فحقق الله هذا الوعد ولكن بعد أن حققوا ما طلب منهم، حققوا الإيمان, وصدقوا فيه, وحققوا العمل الصالح, وحققوا العبادة, واجتنبوا الشرك, واجتنبوا المعاصي, وكذلك أجهدوا أنفسهم وجاهدوا في سبيل الله.
ثانياً: جاهدوا أبدانهم وجاهدوا عقولهم، فجهادهم الذي جاهدوا به النفوس هو أنهم غزوا كل نفس شريرة سواءً كان غزوهم غزواً حسياً, أم غزواً معنوياً, وشرح ذلك يطول وأمثلته واضحة.
وبكل حال فإن الله تعالى لما أمرهم -أولاً- بالقتال أمراً مرخصاً فيه؛ عند ذلك بدأوا بالقتال، ويذكر العلماء أن أول ما أنـزل الله في القتال قوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39], أذن لهم بأن يقاتلوا, وكان هذا مجرد إذن, ثم بعد ذلك نـزل الأمر بقتال من قاتلهم، قال الله تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:190] أمرهم بأن يقاتلوا من قاتلهم, ويكفوا عمن لم يقاتلهم, ثم بعد ذلك أمرهم بأن يقاتلوا جميع المشركين، فقال تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [التوبة:5], وتسمى هذه آية السيف، بمعنى أنها أمرت أمراً مطلقاً بأن يجاهد كل مسلم أعداء الدين أينما كانوا، وفي أي بقعة كانوا ماداموا مشركين.
ومعلوم أن المشركين في هذه الآية: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ [التوبة:5] يدخل فيها كل من أشرك بالله تعالى, وخرج عن عبادته.
أجاب العلماء بأن هذا الابتلاء فيه مصلحة عظيمة:
منها: أن فيه معرفة صدقهم مع الله تعالى, ومعرفة قوة إيمانهم, وفيه الابتلاء لمن كان ضعيف الإيمان, ومن كان قوي الإيمان, فعندما ظهر هذا الجهاد وأمر الله به تبين من آمن إيماناً صحيحاً, وتبين من لم يكن صادق الإيمان, وأدلة ذلك مذكورة لا نطيل بها, ونتوقف عند هذا حيث أن الفقرات كثيرة ليتولى الإخوة بقية الجواب والله أعلم وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله.
جزى الله الشيخ عبد الله كل خير على هذا الاختصار ويكفي أن نعلم أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كان عددهم يزيد على مائة ألف كما ورد في بعض الآثار لم يمت في المدينة منهم أكثر من عشرة آلاف نسمة, والبقية منهم ساحوا في الأرض ناشرين لدين الله جل وعلا, محطمين لعروش الطواغيت, قاضين على قوى الكفر, ممهدين لرسالة الإسلام حتى وصلت أقصى مكانٍ يستطيع أن يصل إليه الإنسان في ذلك الوقت, ولا داعي للإطالة في هذه المسألة.
فنحن -ولله الحمد- في هذا الزمان -ولهم بذلك الأجر العظيم- نحن أثر من آثار جهاد الصحابة والسلف الصالح, فعندما ترى نفسك على عقيدة صحيحة وعلى دين صحيح فادعُ أولاً لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، وأسأل الله له الوسيلة، ثم ادع لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم من استشهد منهم في أول الإسلام، ومن استشهد منهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن استشهد منهم في أزمنة متأخرة, وادع لكل مسلم سلك طريق الجهاد, وترك الأهل والديار, فما أنت وما أنا إلا حسنه من حسناتهم جزاهم الله عنا خير الجزاء.
ونرجو بعد ذلك من الشيخ عبد الله بن حمود التويجري أن يحدثنا عن حكم الجهاد وأهميته، وكذلك نرجو أن يكون ذلك بشكل موجز مختصر وجزاه الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالجهاد، فقال: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193] فجعل غاية للقتال، فقد أمرنا بالقتال, وقال: وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:218], وقال: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ [الحج:78] وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالغزو، فقال: {من مات ولم يَغْزُ ولم يحدث نفسه به مات على شعبة من النفاق}, وقد حذرنا من النفاق.
وأما الجهاد فتارة يكون فرض عين, وتارة يكون فرض كفاية, فمتى حل ببلده عدو، أو حصره، أودعاه الإمام وندبه لذلك, كان في حقه فرض عين, وأما إذا قام به من يكفي؛ كان في حقه فرض كفاية, لذا نرى أن بعض الصحابة لما توسعت الفتوحات، وكثر المجاهدون في سبيل الله اكتفى بعضهم بالجهاد بماله, مع أنهم قبل ذلك كانوا يجاهدون بالأنفس والأموال.
أقول: هذه بلاد الإسلام إخوتي في الله قد توازعها الأعداء, وصارت عليها الوصايات, فسبق أن قدم أخي في كلمته عن واقع الأمة الإسلامية.
فالمسلمون يقتلون في كشمير ويفعل بهم الأفاعيل, وفي سراييفو, وفي إرتيريا, وفي بورما, وفي تايلاند, وفي كمبوديا, وفي سيلان, وفي الهند, وفي غيرها من بلدان الإسلام يقتلون، ففي حق أهل الإسلام في هذه البلاد هو فرض عين، وفي حق المستطيع من غيرهم أيضاً, ينبغي له أن يساعد بماله إذا لم يتيسر له الجهاد وحضور الجهاد بنفسه, فعليه المجاهدة بالمال وكلنا ولله الحمد والمنة يستطيع ذلك، فهاهم الصحابة كانوا يؤاجرون بالتمرة والتمرتين ويتصدقون, ونحن نملك الأموال -الكبيرة جداً- ولو تنازلنا عن بعض التحسينيات، بل بعض الإسراف والتبذير الذي نمارسه لوفرنا الكثير, ولأنفقنا الكثير, وهذه كلمة يسيره جداً عما يتعلق بحكم الجهاد في سبيل الله, وإذا انتشر الإسلام وعم واستغني عن خدمات بعض أهله فهو سنة مؤكدة في حق البقية, وقد نبَّه النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الجهاد مستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, وآخر هذه الأمة سيجاهدون اليهود مع عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله زوى له الأرض فرأى مشارقها ومغاربها وأن ملك هذه الأمة سيبلغ ما زوي له منها، ومع ذلك نجد هذه الدولة الإسلامية لم تبلغ المشارق والمغارب, فينبغي أن يجاهد أهل الإسلام ليبلغوا هذا المبلغ وليكون الدين لله، ويقضى على الفتنه, والفتنة هي الشرك.
والشرك قد طبق كثيراً من المعمورة -جعلني الله وإياكم ممن يجاهدون في هذا السبيل.
جزاكم الله خيراً على هذا الإيجاز والتركيز في حكم الجهاد وهذا الإيضاح والبيان الذي به تشفى النفوس, ويتضح الكثير من أحكام الجهاد التي تردد فيها الكثيرون، فيُعنى في خلاف لا معنى له, والأمة تؤكل وتقتل وتمزق وتشرع فيها الوصايات -كما رأينا- حتى لقد عادت الأمة الآن مرة أخرى إلى عهد الاحتلال الصليبي المباشر, بل نجد من كتاب المسلمين وممن ينتسبون إلى الإسلام ممن يروج لهذه الوصايات الكافرة على أمة الإسلام, ويعتقد ويقول في صحف تنشر وتنسب إلى بلاد التوحيد, وتدخل هذه الديار لا رقيب ولا حسيب عليها, يقول فيها قائلها عليه من الله ما يستحق إن من الأفضل للأمة أن تكون تحت وصاية الدول الكبرى؛ لأنها لم تبلغ الأهلية لأن تكون حاكمةً على نفسها لما فيها من الفتن والتقاتل, حتى ولو فرضنا وجود الفتن والتقاتل في الأمة فليس الحل هو أن يحتلنا الأعداء ولكنه الضلال, نسأل الله العفو والعافية.
فحكم الجهاد واضح جلي -ولله الحمد- وقد أبانه الشيخ عبد الله -جزاه الله خيراً- فلا مزيد لمستزيد بعد ذلك فجزاه الله خيراً.
وآن الأوان لفضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة ليحدثنا عن أنواع الجهاد في سبيل الله جزاه الله خيراً، بشيء من الإيجاز والاختصار.
كنت قد أعددت بعض النقاط، ولما طلب مني الشيخ خليفة أن أحدثكم عن موضوع أنواع الجهاد, وجدت أن ما كتبته يتعلق بهذه النقطة بالذات فالحمد لله على ذلك كثيراً، كنت كتبت نقطة عن مسألة "معنى الجهاد", وأعتقد أن الحديث عن أنواع الجهاد مرتبط بالكلام عن معنى الجهاد فعنوان هذه الندوة كما سمعتم الجهاد في سبيل الله، يجب أن نقف عند أول كلمة "الجهاد" وماذا نعني بالجهاد؟
1- قوة إسلامية ربانية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
2- وقوة للكفر والنفاق تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف.
قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ [النساء:76], وقال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71] والآية الأخرى: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ [التوبة:67], إذاً ضع في اعتبارك أنك مهما تكن لطيفاً وديعاً هادئاً مسالماً إلى غير ذلك من الأوصاف, فإنك سوف تصدم بقوة المنافقين, وقوة الكفار, وقوة أعداء الإسلام, بل وقوة الشيطان, وأنك محتاج إلى أن تستنفر كل طاقاتك لمواجهة هذه القوة العاتية, وهذا هو ما يسمى بالجهاد.
يقول الله عز وجل: وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ [النساء:104].
فهل تعتقد وأنت تبذل جهداً في سبيل الله، أياً كان هذا الجهد: جهداًً في معركة، أو في مسجد, أو مدرسة, أو سوق, أو مؤسسة, أو في ميدان, هل تعتقد أن هذا الجهد الذي تبذله أنت لا يبذله الكافر؟ إذاً فما معنى وجود مجتمعات تتحمس للكفر وتنادي به, وأشخاص كثيرون يموتون في سبيله؟!
أستطيع أن أقول لك الآن: إن الذين ماتوا في هذا العصر في سبيل الشيوعية -وهي نحلة بائدة مخالفة للفطرة- ربما أكثر من الذين ماتوا في سبيل الإسلام, في سبيل الله تعالى في هذا الزمان والذين ماتوا في سبيل اليهودية أو في سبيل النصرانية هم أيضاً خلق كثير, إذاً أنت تبذل جهداً وغيرك يبذل جهوداً أخرى كثيرة.
فالجهاد هو مواجهة للكيد الكافر, والكيد المنافق بكل الوسائل وكل الإمكانيات, وإذا كنا نواجه منكراً شاملاً, فالمنكر الذي نواجهه اليوم ليس محصوراً فقط في الضعف العسكري, ولا في الفساد العسكري, ولكنه منكر سياسي, واقتصادي, وعسكري, واجتماعي, وعقائدي, وتعليمي, وإعلامي, إلى غير ذلك.
والذي يتوقع أن الفرص في خدمة الدعوة تأتي سهله سمحة يسيرة, فهو واهم، لأن المسألة مسألة جهاد بهذه الأسباب والوسائل كلها.
وبغض النظر عن الكلام الذي سمعناه -قبل قليل- عن أهمية الجهاد، فهب أننا لم نؤمن بأهمية الجهاد وحاشى مسلماً ألا يؤمن بأهمية الجهاد, وقوارع القرآن تقرع أذنه، وربما لو قرأ إنسان سورة التوبة فقط, لرأى كيف أن الله عز وجل أمر بالجهاد, ونعى على المنافقين المتخلفين عنه, لكن هب أننا قصرنا وفرطنا هل تعتقد أن هذه القوة الكافرة والمواجهة لنا سوف تقعد وتتركنا؟ كلا, بل هي ستقاتلنا، فمن هو عدوك؟ إنه الكفر, إقرأ: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254] إذاً الكفر قرين الظلم, والكافر إذا استطاع أن يغلبك سيفعل, ويقتلك, وينتهك عرضك, ويأخذ مالك, ويحتل ديارك, ويحاول أن يمنع عنك حتى الهواء, والماء, والغذاء, وقد سمعت أن جنود الأمم المتحدة من الهنود ومن بعض الدول في أوكرانيا وبعض الدول السوفيتية؛ أنهم في يوغسلافيا ينهتكون أعراض المسلمات إلى جوار إخوانهم من نصارى الصرب, فشككت في هذا الأمر وكلمت أحد إخواننا من المشايخ الموجودين هناك, فاتصل بي البارحة وقال لي هذه المعلومات معلومات صحيحة مؤكدة، إن عدد المسلمات اللاتي انتهك الصرب أعراضهن ثلاثين ألف مسلمة, وإضافة إلى ذلك فإن جنود الأمم المتحدة يشاركون إخوانهم النصارى في الاعتداء على المسلمات البوسنيات.
فالكفر لا يرضى بالعدل أبداً, وحتى لو رضينا نحن بوضع السلاحِ فلن يضع هو السلاح, إذاً لا معنى لأن نتحدث هل الجهاد هجومي أو دفاعي؟ وهل نحن محتاجون أم لسنا محتاجين إليه؟
القضية: أن أمامك عدوٌ إن استطاع أن يأخذ منك العصا أخذها منك, ولو استطاع أن يأخذ القوة من عضلاتك ومن يدك لئلا تمتد فعل, ولو استطاع أن يمنع الهواء عن رئتيك فعل, فلا بد من مواجهة هذا الأمر بمثله, والذين يخالفون ويغالطون في ذلك يغالطون قول الله عز وجل في محكم التنـزيل, الذي بيَّن أن الكافرين أعداء: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89], وقوله سبحانه: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217].
إذاً هي أحلام أن نعتقد أن الكفار سيرضون مثلاً بانتشار الإسلام بطريقة سلمية, وأن الإسلام سينتشر في أوروبا عن طريق الدعوة السلمية, والمراكز الإسلامية، والكتب والأشرطة؛ صحيح سيهتدي بهذا خلق كثير, ولكننا ينبغي أن نعلم أن هؤلاء الكفار ظلوا على كفرهم قروناً وسيوجد من بينهم من يتحمس للكفر ويدافع عنه, ويتهجم على الإسلام, ويشوه صورة الإسلام عقيدة وشريعة وأحكاماً, حتى تظل الأغلبية الساحقة من هؤلاء خصوماً معادين للإسلام.
جزى الله الشيخ سلمان خير الجزاء على هذه الإجابة المليئة المختصرة, وحقيقة: إن الأعداء -كما قال وأشار حفظه الله- ليسوا بتاركينا وإن تركناهم, وإن سالمنا، وإنَّ أغلب من يذبح الآن في كل ديار الإسلام؛ إن الأغلبية الساحقة منهم ليس في أيديهم سلاح, وكلكم رأيتم وسمعتم وعلمتم أن الذين يذبحون في الهند وفي البوسنة وفي غيرها أطفال صغار تجز حلاقيمهم كما تجز حلاقيم الشياه, هل مع أولئك سلاح حتى يخاف العدو منه؟! ولكنه الحقد الذي لا ينهيه شيء إلا زوال الكفر من قلب هذا الكافر, أما ما دام أن قلبه مليء بالكفر فهو مليء بالحقد, هذه قاعدة منذ أن وجد المسلم والكافر على هذه الأرض، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، هذه حقيقة وقاعدة لا تتغير ولا تتبدل, ولا عبرة ببعض المظاهر التي نراها والتي قد تخدع بعض الناس حول قضية مسالمة الكفار.
عندما نرى السماح لبعض المراكز الإسلامية في بلاد الكفر وعندما نرى السماح لمن أراد أن يعتنق هذا الدين من الكفار ليعتنقه وعدم معارضة النصارى لذلك, فأنا أجزم والكل معي يجزم أنهم لو رأوا خطراً حقيقياً في هذه المراكز يهدد دينهم, ويهدد حضارتهم, ويهدد واقعهم, ويقلب الأمور, ويقلب الواقع الحالي في ديارهم, لوقفوا في وجهها بالسلاح, ومع ذلك نجد أن الحاقدين منهم -وكلهم حاقدون- يعتدون على هذه المراكز بالقنابل والتفجير والإحراق, حتى في بريطانيا, وفي أمريكا وفي غيرها, التي تدعي وتزعم أنها قمم الديمقراطية, فلا ننخدع ببعض المظاهر.
إن سماح الكفار للإسلام بالتنفس في ديارهم, هو سماح الواثق المتمكن الذي يعرف أن إسلام هذا الفرد وهذه المجموعة قلت أو كثرت لن يقدم ولن يؤخر في الأمر شيئاً, وعندما تصل الأمور مداها ويعرف أولئك أن في تلك المراكز وفي تلك الدعوات خطراً على وجودهم, فسترون كيف يفعل هؤلاء, وما يجرى الآن في البوسنة من ذبح على المكشوف وعلى الصريح الذي لا خفاء فيه، ومن سكوت لأولئك الكفرة من إخوانهم ومن مد العون لهم وترك الحرية لهم في ذلك, هو أكبر دليل على ما نقول.
لماذا يسمحون بالذبح وهم أمام أعينهم، وتعرضه وسائل إعلامهم, وهم يتشدقون دائماً, يملئون الآذان ضجيجاً وطنيناً حول حقوق الإنسان, أليس من يذبح في البوسنة إنساناً؟! دعك من كونه مسلماً, أليس الطفل الرضيع الذي لا ذنب له في الصراع بأي شكل من أشكاله يذبح كما تذبح الشاة؟! أين الإنسانية؟! وأين الحرية التي يزعمون؟! سكوت زاعمي الديمقراطية من الغربيين عن هذه المذابح التي خجل الحيوان منها دليل واضح على ما يملأ قلوبهم من الحقد, وما ينتظر المراكز الإسلامية في كل ديار الكفر من المآل والمصير المعلوم والمحتوم، لو شكلت يوماً من الأيام خطراً على وجود الحضارة الغريبة والديانة النصرانية.
وهناك نقطة بسيطة وأنا أنتظر من الشيخ عبد الله أيضاً التعليق عليها, وهي قد توجد لبساً عند بعض الناس: إنني لا أعتقد أن الكفار بدرجة واحدة في عدائهم للإسلام, وقد تجد من بينهم -أحياناً- إنساناً لا يعرف الإسلام أولا يحمل في قلبه حقداً على الإسلام, وهذه في نظري حقيقة شرعية, وتأريخية, وواقعية, فمثلاً إن الرسول صلى الله عليه وسلم، لما هاجر إلى المدينة كان له دليل هذا الدليل من هو؟ إنه عبد الله بن أريقط, وكان هادياً خريتاً دليلاً، وفي الوقت نفسه كان أميناً كما جاء في الصحيح في حديث الهجرة, فأمنه الرسول عليه الصلاة والسلام وأبو بكر واصطحبوه معهم في حادثة الهجرة وكان كافراً وقتها, لماذا؟ لأنه كان مأمون الجانب، ودون شك قد يوجد ذلك -مثلاً- عداوة المطعم بن عدي في مكة لم تكن كعداوة أبي جهل وأبي لهب للمسلمين, فقد يوجد، وهذا من الناحية التاريخية موجود ومن الناحية الواقعية موجود -أيضاً- إنك اليوم قد تجد من بين الكفار من تحدثه فلا تجده يحمل حقداً, والمؤسف أن مثل هذه النوعية قد يلتقي بها بعض أبنائنا حتى بعض الدكاترة -مثلاً- الذين درسوا هناك فيتصورون أن كل الأمم الغربية على هذا النمط, والواقع أنه يوجد أفراد؛ لكن هؤلاء الأفراد في النهاية لو حصلت أزمات ومواقف استثيرت فيهم الحمية كما تستثار الحمية في نفس المسلم البسيط الذي قد لا يكون عنده غيرة للدين ولا حماس, لكن لو حصل موقف حازم وحاسم وصارم لثارت نخوته وحميته لدينه, أو على الأقل لبعض بني قومه, فهذا جانب أنه قد يوجد أمثال هؤلاء على أنهم عدد قليل فيوجدون لبساً وخداعاً وتضليلاً للكثير من أبناء المسلمين الذين يلتقون بهم.
أمر آخر: أن الغربيين يملكون أسلوباً في الحديث, والتلطف, وحسن العبارة, فالواحد منهم لو التقى بك في الشارع وضرب كتفه كتفك من غير قصد, التفت إليك ورجع وقال لك: أنا متأسف -يعتذر لك من أدنى أذى يمكن أن يحدثه لك- فهم متعلمون ومتدربون على تحسين الألفاظ, وتنميق العبارات, وما يسمونه "بالإيتيكيت" يعني الذوق وفن المعاملة للآخرين, وهذا أوجد عند الكثير تصوراً غريباً أن هؤلاء القوم يحملون قلوباً نظيفة, ولذلك وجدنا أن الكثير من هؤلاء الشباب الذين درسوا في الجامعات الغربية رجعوا بتصور غريب, حتى إنني قرأت على الناس من جريدة الشرق الأوسط قصاصة قبل يومين تقول: احذروا هذه الفتنة -والكاتب من مدينة جدة- ويقول: إننا حينما نتكلم عن البوسنة ووالهرسك نحاول أن نجعلها حرباً إسلامية مسيحية وهذا خطر كبير, فالمسلمون والمسيحيون موجودون في لبنان وفي مصر وفي كثير من البلاد, والحرب تقع بين المسلمين والمسلمين أيضاً؛ فلا يجوز أبداً أن نصور تلك الحرب, على أنها حرب إسلامية نصرانية.
فانظر كيف اعتبر هذا الأمر الذي قرره الله تعالى اعتبره فتنة لماذا؟! لأنه مخدوع ربما ببعض النماذج التي التقى بها من النصارى ممن قد يكونون من الندرة التي لا تحمل حقداً ظاهراً, وقد يكونون ممن يستطيع أن يخفي حقده بزخرف القول وجميل اللفظ.
جزاك الله خيراً على هذا التعقيب، وتأييداً لكلام الشيخ سلمان في قضية الخداع, أو في قضية وجود بعض الأفراد كتبت بعض الصحف الغربية مقالات من التأسف لحال المسلمين في البوسنة, ما لم تكتبه -مع الأسف- الجرائد المنسوبة للإسلام, وهذه قضية حقيقية لا تقبل الجدل, ومسألة تمسكهم باللفظ والاهتمام بتليين الألفاظ وأصول التعامل بلغت حداً عجيباً.
يقول لي أحد الإخوة الذين ذهبوا إلى تلك الديار: إن البريطاني حتى ولو جاء ليقتلك ربما قال لك (please you) أي: من فضلك, وهو يريد أن يقتلك! وفعلاً إذا ساعدك في حاجة قال لك: شكراً, وهو الذي ساعدك, وهذه تخدع الناس, بل إن هذا الإنسان الذي عرفه حق المعرفة يقول: إنها تجري على ألسنتهم جرياناً بدون أعماق قلبية في قلوبهم، إنه لو جاء ليقتلك لاستأذنك وقال لك: "من فضلك أريد أن أقتلك"!!
فهم لاشك بارعون في التعامل اللفظي براعة كبيرة, ولكن كما أشار الشيخ جزاه الله خيراً إلى أن هذه القضية ليست عامة، إنما توجد في بعض الأفراد، وهؤلاء الأفراد جاهزون عندما تحصل استثارة، وعندما يحصل الصراع الشامل، وسيحصل يوماً من الأيام بيننا وبينهم، سيعودون إلى أصولهم وإلى حقدهم.
فجزى الله الشيخ سلمان خيراً على هذا التعقيب.
يقول أحدهم: إنه كان في إفريقيا وكان الأوروبيون يحتلون بعض الدول، فيقول أحد الأوروبيين: إن هؤلاء الأفارقة وحوش، تصور أن أحدهم عضني وأنا أقتله!! فعضة الأفريقي وحشية! أمَّا قتل الأوروبي فهو حضارة!
تحدث الشيخ سلمان جزاه الله خيراً عن أنواع الجهاد, وهناك فقرة حول نوع من أنواع الجهاد ربما أن الشيخ سلمان أغفلها عمداًً, لأنه رآها في الفقرات القادمة، وهي الحديث عن جهاد المرتدين والمنافقين, ولهم وجود في بلاد الإسلام في كل مكان, فنرجو من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين جزاه الله خيراً أن يحدثنا ويرشدنا عن كيفية جهاد المنافقين والمرتدين, مادمنا في هذه الحال لا نمتلك قوة نجاهدهم بها, ولم يئن وقت جهادهم كجهاد الصحابة للمرتدين الذين حصلت منهم الردة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
فأرجو من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين جزاه الله خيراً أن يبين للجميع كيف يتصرف المسلم في جهاد المرتد والمنافق ممن ينتسب إلى الإسلام.
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة:73], فأمر الله بجهاد الكفار وأمر بجهاد المنافقين, ومعلوم أنه وجد منافقون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم, بل في المدينة قال الله تعالى: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ [التوبة:101], إلى آخر الآيات.., وقد أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على أشخاص وأعداد منهم, ونبهه على مقالات بعضهم، كقوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي [التوبة:49], والسياق في المنافقين: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ [التوبة:58], وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ [التوبة:61], وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ [التوبة:75], هؤلاء لاشك أن الله أطلعه عليهم.
ومع ذلك كان جهاده لهم وجهاد الصحابة لهم بالتحذير من شرهم, وبمجادلتهم، وبإظهار الحق أمامهم, ولم يجاهدهم بالسيف, وقد سئل: لماذا لا تقاتلهم، أو لا تقتل فلاناً وفلاناً؟ فخشي أن يقول الناس: إن محمداً يقتل أصحابه، وما ذاك إلا أنهم يتظاهرون بأنهم مسلمون, فيصلون مع المسلمين, ويجاهدون معهم, ويغزون معهم, ويزكون, ويظهرون أنهم معهم في الظاهر, فخشي أن يظن الجهلة وأهل البلاد الأخرى أنهم مسلمون وأنهم قتلوا وهم على الإسلام.
ولكن بعد أن أظهر الله تعالى الإسلام وقوي وانتشر, لا شك أنه من عثر عليه وعرف بأنه زنديق يخفي كفره, ويظهر أنه مع المؤمنين, فإنه يجب قتله.
وأكثر الأئمة على أن الزنديق لا يستتاب, وما ذاك إلا أنه دائماً يظهر بأنه مسلم وأنه على الإسلام, وأنه مع المسلمين, ولكن كفره خفي لا يظهره إلا لمن يثق به، كما حكى الله ذلك عن المنافقين في قوله تعالى: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14], ويخبر تعالى بأنهم يظهرون مالا يبطنون, يقول تعالى: يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ [آل عمران:154].
فجهاد مثل هؤلاء إذا عرفوا وتظاهروا فيما بيننا فنجاهدهم بالحجة, ونجاهدهم بالمجادلة, والمخاصمة, حتى يندحروا, وحتى يحذر الناس من شرهم, ونظهر أسرارهم, ونرد عليهم, وأما القوة فليست للأفراد إذا ثبتت عليهم هذه الأقوال التي هي ردة وسخرية, واستهزاء بالإسلام, وحفظت عليهم, فإن الشرع يأمر بقتلهم.
فإن كلمة تصدر من أحدهم يفهم منها أنه ممتثل بتعاليم الإسلام ومظهر لشيء ما يخفيه في قلبه إذا حفظت وأكدت عليه عرف بذلك أنه منافق, فعند ذلك يقتل.
وأما المرتد وهو الذي عرف بأنه مسلم وبقي مع المسلمين وفيما بين المسلمين, ولكن ارتد عن الإسلام, لسبب خفي أوجلي بأن كفر بعد الإسلام فهذا حده القتل.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من بدل دينه فاقتلوه}, وقال تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [البقرة:217], وقد مدح الله تعالى الذين قاتلوا المرتدين, وهم الصحابة فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54].
ذكر العلماء أنهم انقسموا إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: رجعوا إلى عبادة الأوثان, ومعناه أنهم كذبوا بالرسالة, وقالوا: لو كان محمد نبياً ما مات.
القسم الثاني:صدقوا المتنبئين كـمسيلمة, وسجاح, ونحوهما, وجعلوا هؤلاء صادقين في أنهم أنبياء, واتبعوهم, مع ما ظهر مما يدل على كذبهم.
القسم الثالث: بقوا على إسلامهم إلا أنهم منعوا الزكاة, وقالوا: إنما الزكاة خاصة بمحمد.
هؤلاء قاتلهم الصحابة كلَّهم وجعلوهم مرتدين, ومعلوم أن عدد الصحابة الذين بقوا على الإسلام في المدينة وفي مكة, قلة بالنسبة إلى أعداد العرب الذين أحدقوا بهم من كل جانب, ولكن الله تعالى ثبتهم وثبت خليفتهم وهو أبو بكر رضي الله عنه, فصمد وأصر على قتالهم ولو كان بالمسلمين قلة ولو كان بالمشركين كثرة, حتى أظهر الله الإسلام ورجعوا في مدة قصيرة، ونصر الله الإسلام.
فعلى هذا نقول: إن المرتدين عليهم واجب أن يرجعوا إلى دينهم, ولكن من لم يرجع فإنه يقتل, وقد ذكر أكثر العلماء أن المرتد يستتاب ثلاثة أيام, فإن رجع وإلا قتل, وبعضهم يقول: بل يقتل ولا يستتاب, وروي أن عمر رضي الله عنه لما ذكر له أن بعض الصحابة قتلوا رجلاً ارتد, فقال: [[هلاَّ استتبتموه, أو حبستموه ثم استتبتموه]], ثم تبرأ من فعلهم, ولكن إذا تكررت منه الردة فإن حده أن يقتل, وذلك أنه دليل على نفاقه.
وعلى كل حال فإن هذا نوع ظاهر من أنواع الجهاد، وما ذاك إلا لأنه بذل لجهد عظيم في إظهار الإسلام, لأنه لا شك أنه إذا ارتد هؤلاء الأفراد, وارتدت هذه الطائفة, وهذه الجماعة, وكثر المرتدون, قويت شوكتهم وأضعفوا الإسلام، وصاروا مع المشركين وأعداء الدين، فلا بد أن يقضى عليهم قبل أن يكثروا وقبل أن يتمكنوا.
وكذلك -أيضاً- جهاد المنافقين، فمتى كثر النفاق في بلد أو في دولة من الدول, إذا رأوا قوة الإسلام فأخفوا نفاقهم, فإنهم بعد مدة يتمكنون ويعلنون عن نفاقهم متى كثروا، فيكونون ضداً للإسلام وللمسلمين.
فلذلك يشرع جهاد هاتين الطائفتين المنافقين والمرتدين بما يرد كيدهم، إما جهاداً ظاهراً بالسيف والسنان, وإما جهاداً معنوياً بالحجة والبيان.
نسأل الله تعالى لشيخنا عبد الله المثوبة, على هذا البيان والإيضاح, وحتى لا نطيل في الكلام نرجو من الشيخ عبد الله بن حمود التويجري أن يحدثنا بإيجاز واختصار عن: "آثار ترك الجهاد في سبيل الله على هذه الأمة".
قال الشيخ عبد الله بن حمود التويجري حفظه الله:
أولاً قبل أن أتكلم عن آثار ترك الجهاد على هذه الأمة, أحب أن أنبه فقط لأنه لم يتح لي مجال المداخلة ولا أقول: إني رجل أحب النظام؛ لكن كذا خلقت.
الأمر الثاني: أنهم أهل غدر وخيانة, ولعل هذا الهدوء الذي يظهرونه إنما هو الهدوء الذي يسبق العاصفة, لاسيما مهادنة بعض هذه الدول في هذه الأوقات, وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: {أنهم يصالحون أهل الإسلام صلحاً آمناً فيغزون وإياهم عدواً آخر فيسلمون ويغنمون، فيقوم رجل من النصارى فيرفع الصليب ويزعم أنه انتصر, فيقوم رجل من أهل الإسلام فيدق الصليب, فيقوم النصارى للمسلم فيقتلونه, فيقوم المسلمون فيقاتلون هؤلاء النصارى} وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: {أن النصارى يجتمعون للملحمة, ويأتون في ثمانين راية تحت كل راية اثنا عشر ألف} أي: تسعمائة وستون ألف مقاتل. أحببت أن أنبه على هذا تنبيهاً.
وأما الأمر الثالث: فعلى كلمة للأخوة الأفاضل لاسيما الأخ الفاضل المقدم والأخ الفاضل الشيخ سلمان العودة, فقد تكلموا عن القوة العسكرية.
أقول: القوة العسكرية للأمة الإسلامية تعتبر هي القوة الأولى في العالم أجمع, وقد كتب بعض الخبراء العسكريين عن الدبابات التي توجد في العالم الإسلامي, والطائرات, والجيوش البرية, والمدافع, والصواريخ ذاتية الدفع, وغيرها وغيرها كثير.
لكن يا إخوان، لقد تفرق أهل الإسلام، وهناك بلدان كثيرة تنسب إلى الإسلام, والإسلام منها براء, وقد يوجد فيها قله مستضعفون.
أما الآثار التي تترتب على ترك الجهاد: فهي كثيرة جداً منها ما نعيشه في وقتنا الحاضر:
ثانياً: قد نبه عليه صلى الله عليه وسلم فقال: {إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر سلط الله عليكم ذلاً}.
فهذا هو الذل الذي ذكرت أن علي بن أبي طالب أشار إليه وهو تسليط الأعداء.
وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يتسلطون علينا تسلط الأكلة على قصعتهم فقالوا: يا رسول الله: أومن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: {لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل}.
لقد كان الكفرة في السابق يخافون أهل الإسلام أشد الخوف، ويذكر لنا المؤرخون ما حصل من قتيبة بن مسلم حين أرسل إلى ملك النصارى، ما حصل من ذاك الرسول, فإنه جاءهم في اليوم الأول في لباس الفخر والخيلاء, فلما استشار أصحابه قالوا: إنهم أشبه بالنساء منهم بالرجال, ونرى أن تقاتل هؤلاء، ثم جاءوا في اليوم الثاني وقد لبسوا اللباس الذي يلبسونه مع الأهل فقالوا: نرى أنهم في هذا اليوم أشبه بالرجال منهم بالنساء, ونرى أن تتمهل، ثم لما كان في المرة الثالثة لبسوا لامة الحرب لا يرى منهم إلا الحدق, فقالوا: أما في هذا اليوم فهم أشبه منهم بالشياطين, ونرى أن تعطيهم ما طلبوا وكان قتيبةأقسم أن يطأ أرضهم, وأن يَسِمَ ملوكهم, وأن يأخذ الجزية منهم, أو يسلموا, فقالوا: نبر بقسمه ولا يحضر فأرسلوا له تربة من أرضهم في صحاف الذهب، وأرسلوا له أربعة آلاف من أبناء الملوك, وأرسلوا له الجزية.
أما في هذه الأيام فلم يكتف النصارى ولا اليهود منا بالجزية، بل وصايات على بلدان الإسلام, وأموال أهل الإسلام يتحكمون فيها, يعطون من شاءوا، ويمنعون من شاءوا, ويصادرون من شاءوا, ويؤدبون من شاءوا.
ومنها -إخوتي في الله- التخلف عن أمر الله سبحانه وتعالى حيث أمرنا بالجهاد في سبيله والدعوة إلى الإسلام, وقد حذرنا من هذه الفتن, وهذه الفتن قد تصل إلى الشرك: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63], هذه بعض الآثار التي تترتب على ترك الجهاد.
جزاكم الله خيراً وأحسن إليكم, ولا شك أن ترك الجهاد كارثة من الكوارث أصابنا بما أصابنا به من الذل والهوان, وأصبحنا أضحوكة بين العالم وبين الناس, وإن كان أخي الشيخ عبد الله جزاه الله خيراً يتكلم عن إحصائيات بأعداد سلاح المسلمين وماذا يملكون من دبابات، وماذا يملكون من طائرات, فلا شك أن الإحصائية حقيقة فإن عدداً كبيراً من السلاح في أيدي المسلمين, ولكنه كما نعلم وكما ندرك ليس موجهاً ضد الكفار, بل هو في الغالب, موجهٌ ضد هذه الشعوب المسلمة, وحارس عليها حتى لا تنهض وحتى لا ترفع رأسها.
ومن القليل القليل, أن نسمع أن سلاحاً في أيدي الجيوش في داخل الديار الإسلامية استخدم ضد أعداء الله, ولكن كثيراً ما نسمع أن هذه الأسلحة استخدمت ضد المسلمين, وهدمت بها المساجد وأهريقت بها الدماء, وعلينا أن نعرف ذلك وأن ندركه، فهي في الحقيقة أسلحة موجهه إلى الأمة, وليست في صالح الأمة, ولا نحسب هذه الجيوش مادامت في أوضاعها الحالية، ومادامت تخضع الرقاب لمن لا يحكمون شرع الله وتطيعهم في معصية الله لا نحسبها في موازين قوة محسوبة على المسلمين.
هذا تعقيب قصير وللإخوان جميعاً وللشيخ عبد الله جزاه الله خيراً حق الاعتراض في ذلك.
أضيف إضافة فقط إلى هذا الكلام من الآثار التي تترتب على ترك الجهاد -لما كان الإخوة يتيحون المجال لكثرة المداخلات اعتبروها مداخلة أو زيادة- من الآثار التي تترتب على ترك الجهاد:
- انتشار البدع وتقوي الكفر وأهله: فهذه البدع قد ضربت بأطنابها ولا يلزم -كما ذكر الأخ الفاضل الشيخ سلمان العودة، كما ذكر قبل قليل- لا يلزم أن يقوم مجاهد بحمل الأربيجي, أو بحمل أشياء من الأسلحة وغيرها ويقاتل, بل يا إخوان، حتى الجهاد بالكلمة, فهذه البدع في ديار الإسلام قد انتشرت بل حتى الشرك وُجِدَ في ديار أهل الإسلام, فانتشرت البدع, وانتشر الشرك كل ذلك بسبب ترك الجهاد في سبيل الله.
جزاك الله خيراً ونوجه الفقرة قبل الأخيرة إلى فضيلة الشيخ p=1000822سلمان العودة
ليحدثنا عن: "الجهاد في سبيل الله ودعوات السلام", وما يعلن وما يدار وما يحاك وما يدبر من مؤتمرات تعرفونها وتسمعون أخبارها جيداً, نحب من الشيخ -جزاه الله خيراً- أن يحدثنا عن هذه المؤتمرات بشكل مختصر, وعلاقتها بالجهاد في سبيل الله وهل هي تتفق مع الجهاد في سبيل الله أن نجلس مع عدونا لنسلمه أرضنا, وعرضنا, وعقولنا, واقتصادنا, ورقابنا, وسماءنا, أيضاً ليملكها بالطائرات, وبالرادارات, وبالأقمار الصناعية؟!فأرجو من الشيخ سلمان -جزاه الله خيراً- أن يحدثنا عن ذلك حتى لا يظن ظان أن السلام أمر طبيعي في الإسلام، ويقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم صالح أعداءه، وما يجرى الآن من حوار بين العرب -ولا نسميهم المسلمين نسميهم العرب؛ لأنهم يتخاطبون مع عدونا بمنطق العرب وليس بمنطق الإسلام والمسلمين- هذا الحوار الذي بينهم هل له علاقة بالجهاد في سبيل الله؟ وهل له علاقة بمصالحات النبي صلى الله عليه وسلم مع أعدائه؟ أرجو من الشيخ -جزاه الله خيراً- أن يبين لنا ذلك مشكوراً.
الجواب: هناك أشياء تتعلق بما مضى وهي في الوقت نفسه جواب, فقد تحدث فضيلة شيخنا الشيخ عبد الله قبل قليل عن مسألة جهاد المرتدين والمنافقين, وعرفنا من حديثه أن حكم المرتد إما أن يراجع دينه, أو السيف, أما المنافق فإن أظهر نفاقه وثبت عليه ثبوتاً شرعياً, فقد أصبح زنديقاً يجب قتله ولا يستتاب، بل قال كثير من أهل العلم والفقه: لا تقبل له توبة, لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ [النساء:137], المهم هذا شأن المنافق وهذا شأن المرتد في الإسلام.
فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن, هل هذا الحكم الشرعي قائم في شأن المنافقين والمرتدين أم هو غير قائم؟
أقول: بطبيعة الحال إن هذا الحكم غير قائم,بل هو معطل في بلاد العالم الإسلامي ضمن الأحكام الكثيرة المعطلة.
وهنا يطرأ سؤال آخر, كيف حال المرتدين؟ وكيف حال المنافقين؟ هل هم أذلاء, مضروب عليهم الذل والصغار وممنوعون -مثلاً- من أن يتصلوا بالمسلمين, أو يؤثروا عليهم؟ الجواب أيضاً: لا.
فأنت -مثلاً- لو قدمت وثيقة تدل على أن فلاناً غير مسلم, يسخر بالدين حتى إذا دخل عليه إنسان وهو في مكتبه وقال: "يا فلان، أنا داخل على الله ثم عليك, قال: لا, على الله؟ اذهب إلى الله لكي ينفعك, أما عليّ فلا مانع"!! هذا الكلام الذي قاله مع أنه ردة لا يمنعه من أن يظل في منصبه وفي كرسيه وفي عمله, لماذا؟ لأنه مواطن يتمتع بحقوق المواطنة, بل من الممكن أن يكون هذا الإنسان مدرساً للمواد الشرعية, لماذا؟ لأنه خريج كلية شريعة -مثلاً-، ومعه شهادة وهو مواطن, إذاً النظام يمكنه ويمنحه كامل الحقوق التي يتمتع بها غيره.
إنني لا أغالط نفسي وأغالطكم إذا قلت هذا، فأحياناً يملك هذا الإنسان من وسائل الترقي والوصول والصعود وتسلم أرقى وأعلى المواقع السلطوية ما لا يملكها غيره, وذلك لأن عنده قدرة ولباقة, وتلوناً, وعنده أشياء كثيرة, وعنده الإمكانيات, وربما والخبرات.
أما ذلك الإنسان المتدين فهو في نظر الكثيرين معقد، ويمتنع عن كثير من الأمور, ولا يسترسل, ولا يلبي الرغبات الشخصية, ولذلك يظل في تراجع أحياناً، ولقد وجدنا في بلاد العالم الإسلامي إذا كنا نعرف بعض البلاد التي احتلها اليهود كـفلسطين -مثلاً- وبعض البلاد التي احتلها النصارى كـالأندلس التي سقطت في أيديهم, وبعض البلاد التي احتلها الشيوعيون سابقاً كما هي الحال في أفغانستان فيما مضى, فإننا نجد أن هناك دولاً أخرى كثيرة لا زلنا نتكلم عنها على أنها بلاد إسلامية، ولو أننا فتحنا عيوننا أكثر لوجدنا أنه احتلها المنافقون.
فهم يحملون أسماء إسلامية, ومعهم ميلاد إسلامي, وربما بعضهم يحضرون "الموالد" وربما بعضهم يصلون أحيانًا الجمعة أو غيرها حتى يراهم الناس, وربما يتكلمون في خطب في بعض المناسبات الدينية أو غيرها, وبعضهم أيضاً يحيون الطرق الصوفية, ويقيمون المؤتمرات لتلك الطرق ولغيرها, ولكنهم في حقيقة الأمر قلوبهم مع اليهود والنصارى, ونفوسهم معهم، فهم طوع إرادتهم, ورهن إشارتهم, وأكثر ما يغيظهم أن يرتفع الإسلام؛ لأن ارتفاع الإسلام ذل لهم, ولهذا فهم مع الكفار على المسلمين, كما ذكر الله تعالى -تماماً- عن المنافقين: الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:141].
والمدعون هوى الإسلام سيفهُمُ مع الأعادي على أبنائه النجب |
يخادعون به أو يتقون به وماله منهم رفد سوى الخطب |
الخطب الرنانة فقط, وإذا كان ذلك كذلك -وهو كذلك في سائر بلاد الإسلام- فإننا لا نستغرب أبداً أن يضعوا أيديهم مع إسحاق رابين وشامير وغيرهم من اليهود ومن قبل وضعوا أيديهم مع أيدي النصارى ضد المسلمين, وسوف تسمعون ربما قريباً عن ألوان التعاون الأمني في منطقة الشرق الأوسط, لا يستثنى من ذلك دولة إسرائيل, وربما تسمعون بعد ذلك ألواناً من التعاون العسكري أيضاً في هذه الدول بين عدد من تلك الدول وبين دولة إسرائيل, وربما تسمعون عن تضافر بين الأموال العربية والخليجية والأيدي العاملة المصرية وبين الخبرة والتقنية اليهودية, لتكوين منطقة شرق أوسطية آمنة مستقرة.
إذاً القضية ليست قضية صلح أو سلام, القضية قضية تطبيع كامل, وتحقيق للهيمنة اليهودية على منطقة الشرق الأوسط المنطقة الإسلامية.
هذا جواب أولاً عن مسألة المرتدين والمنافقين.
إما الحرب المجلية أو السلم المخزية, قالوا: قد عرفنا الحرب, فما السلم؟ قال: أن تلحقوا أذناب الإبل حتى يري الله خليفة رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أمراً فيكم يعذركم به، فكانوا يمنعون المرتدين الذين رجعوا إلى الإسلام من ركوب الخيل, ومن المشاركة في الجهاد, مجرد مشاركة فضلاً عن أن يكونوا قادة لهذا الجهاد المظفر العظيم.
إذاً فالمشكلة هي تسلط المنافقين على كثير من الشعوب الإسلامية, لأن هذه الشعوب الإسلامية مغفلة ترضى منهم بمجرد المجاملة وتنخدع بزخرف الألفاظ والخطب.
هناك تعليقات سريعة أيضاً:
أنا ما أحببت أن أستطرد؛ لأن الموضوع يطول, وإلا فإن الجهاد ينقسم إلى أنواع باعتبارات عدة أسردها مجرد ذكر للعناوين فقط:
التقسيم الأول: الجهاد باعتباره الحكم الشرعي, فقد يكون واجباً وقد يكون فرضاً.
التقسيم الثاني: تقسيم الجهاد باعتبار الآلة: وهو ما ذكرت لمناسبته إما الجهاد باليد, أو باللسان, أو بالمال, أو بالنفس, أربعة أقسام.
التقسيم الثالث: تقسيم الجهاد باعتبار من يقع عليهم الجهاد -أي: الجهة التي نقاتلها- وهذا ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: جهاد النفس, والهوى, والشيطان, هذا قسم.
القسم الثاني: جهاد المنافقين.
القسم الثالث: جهاد الكفار.
القسم الرابع: جهاد الفاسقين, وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لكن إذا نظرنا إلى العالم الإسلامي من نطاق أوسع وجدنا -مثلاً- أنه يحسب فيه إيران وهي دولة رافضية ذات اتجاه مذهبي معروف, وتحسب فيه باكستان تحسب في بعض الدول الإسلامية التي قد تكون أحسن حالاً من حيث التسليح والتصنيع, وقد سمعنا منذ أيام أن الصين باعت للـباكستان أسرار التقنية النووية وهذا يعتبر تطوراً في هذا المجال على كل حال.
من آثار ترك الجهاد تعليق سريع -أيضاً- على ما ذكره الشيخ عبد الله لأنه يمس واقعنا:
انتشار الخور، فنحن وجدنا أن الناس اليوم تربوا على الجبن, الجبن أكلوه مع الطعام وشربوه مع الماء وتنفسوه مع الهواء, فأصبح الواحد منا يخاف من كل شيء، يفرق من ظله حتى الصبي الصغير, أصبحنا ندربه على مجرد ما يرى بدلة رجل الأمن يخاف, ولا يشير بإصبعه حتى لا تقطع إصبعه, وأصبح الكبير ينشأ على هذا الأمر, فلا يملك قوة, ولا يملك شجاعة لا في التفكير, ولا في النظر, ولا في الكلام, ولا في المشاركة, ولا في الحديث, ولا في الوقوف أمام الناس, فضلاً عن أن يخوض المعركة.
ونحن وجدنا أن خوض المعارك يزيل هذا الخوف بإذن الله تعالى, فالذين خاضوا المعارك قد أبدوا الاستعداد لأن يموتوا وبناءً عليه فما دون الموت عندهم من باب أولى أن يكون لديهم الاستعداد لبذله.
قال مقدم الندوة حفظه الله:
جزى الله الشيخ سلمان خيراً.
قال الشيخ عبد الله بن حمود التويجري حفظه الله:
تعقيب قصير جداً: قلت في كلمتك بمنطق العرب، أنهم أيضاً لم يلتزموا حتى بمنطق العرب، فتعرفون أن دولة فارس كانت من أقوى الدول، ولما لجأ إليهم النعمان وكان رفض أن يجيره كثير من الناس، وأجاره بنو ذهل بن شيبان، وقاموا لـكسرى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {هذا أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبي نصروا بفوارس من ذهل بن شيبان}" هذه واحدة.
الثانية: لنذكر مقالة السعدين وذلك في غزوة الأحزاب فإنهم قد قالوا وذكروا أن الناس لا يستطيعون أن يأكلوا منهم ثمرة إلا قرى أو شراء، أما بالقوة فلا، ويستعدون لبذل الأنفس.
ومعروف مقالة عمرو بن كلثوم:
هذا في باب الفخر، فما أظن حتى منطق العرب قد عفا عليه الزمن فإلى الله المشتكى. جزاك الله خيراً..
هناك تعقيبان قبل أن نختم هذه الندوة بفقرتها الأخيرة:
الأول: على قضية منع المرتدين الذين رجعوا إلى الإسلام من ممارسة القيادة، وقد استمر هذا الأمر وكان عمر رضي الله عنه يوصي قادته, ألا يمكنوا أولئك القادة من قيادة فوق العشرة, وكان منهم فارس مغوار مشهور اسمه (عمرو بن معد يكرب الزبيدي) رضي الله عنه ورحمه, فقد استشهد في القادسية، فقد منعهم من القيادة ما فوق العشرة, ولم يرفع عنهم هذا الحظر إلا بعد مضي السنين الطوال, حيث مات منهم من مات, وقتل في المعارك منهم من قتل, وصح إيمان من صح منهم، فسمح لهم في وقت متأخر أن يشتركوا في الجهاد في سبيل الله مشاركة كاملة عندما عرف صدق إيمانهم فهذا مجرد إكمال لما ذكره الشيخ جزاه الله خيراً.
وهذا يؤيد ما قاله الشيخ سلمان من أن الولايات المتحدة الأمريكية (أمريكا) زعيمة الكفر والكفار تعهدت والتزمت بشتى أحزابها، وأياً كان رئيسها القادم أو بعد القادم, التزمت -كما قال بعضهم- التزاماً عقائدياً وخلقياً بإسرائيل, التزاماً كاملاً لا ينفصل بتفوقها التام الكامل.
لذلك إن لم نستغن عن عدونا فسنظل نطارده بالسلاح، وسنتخلف عنه في فجوات كثيرة إن لم ننتبه.
مع ملاحظة أخيرة: إننا لا نقول: لا نجاهد حتى نساويهم أو نتفوق عليهم, إنما أردنا أن نعرف الواقع العسكري لا أكثر ولا أقل, وإلا فإن المسلمين في يوم من أيامهم لم يجاهدوا لا بعدد ولا بعدة ولا بكثرة ولا بقوة سلاح, بل إنهم في كل معاركهم الظاهرة كانوا أقل عدداً, وكانوا -أيضاً- أقل قوة في سلاحهم وخيولهم وفي سيوفهم, فهذا أمر لا يعنينا في قليل أو كثير, إلا من باب قول الله جلَّ وعلا: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال:60].
والنقطة الأخيرة هي حول "أدعياء الجهاد" الذين رفعوا دعوى الجهاد بأسماء إسلامية وخدعوا كثيراً من المسلمين, بل وخدعوا كثيراً مما يسمى بالحركات الإسلامية.
أليس في الأمة من يدعوها إلى الجهاد إلا هو؟! أليس في الأمة من يدعوها إلى الجهاد إلا هذا المنافق الخبيث الذي دفن ألوف المسلمين تحت التراب؟ وقضى على كل دعوة وحركة للإسلام في العراق؟! ومع ذلك يزعم أنه يدعو إلى الجهاد في سبيل الله، ويوجد -وهذا أمر طبيعي- لكن الأمر المؤلم أن يوجد في المسلمين من ينخدع له, ويقول: نعم، هو مجاهد في سبيل الله!, هذا أمر مؤلم مؤسف, الأمر الأخطر من صدام حسين لأن صدام حسين ليس له عمق, لأنه بعثي خبيث, معروف بلؤمه, وعداوته للإسلام.
أقول: دعوة زائفة, من أراد الجهاد فعليه أولاً: أن يحمل نفسه على الطريق الصحيح, وعلى الدين الصحيح, ثم بعد ذلك يدعي الجهاد.
أما أن يأتي هؤلاء المدعون ويقولون: نحن حملة راية الجهاد؛ فعلى الأمة أن تكون أكثر وعياً ولا تخدعها المظاهر, فإن إيران من المعلوم عنها أنها دولة رافضية, تحمل راية الرفض والكفر والضلالة, وتجاهد في وأد الإسلام في بلادها وديارها، ولا أدل على ذلك من أن المسلمين أهل السنة في داخل إيران يزيدون على مليون مسلم ينتسبون إلى مذهب أهل السنة والجماعة؛ ليس لهم مسجد واحد وتمنعهم الحكومة الإيرانية من إقامة مسجد واحد، بينما يوجد كنائس للنصارى واليهود, ويوجد -وهذا أمر غريب- معبد للنار للقلة القليلة من البارثيين, وهم عبدة النار بقايا الفرس الأوائل, وعددهم في إيران كلها لا يزيد على عشرة آلاف شخص, ومع ذلك لهم معبد في النار محمي بالحرس، حرس الدولة التي تدعي الجهاد في سبيل الله, فاعرفوا وضع هذه الدولة التي هي من أخطر وألد أعداء الإسلام حتى لا ننخدع بهؤلاء، ولا ننقاد وراء كل ناعق, فإن من مميزات المسلم أنه واعٍ مدرك, وأنه يزن الناس بالميزان الشرعي الصحيح, وكل من رآه بعيداً عن هذا الميزان لا يعتد بكلامه ولا بمقاله.
السؤال: ما قول فضيلة المشايخ في بعض الجماعات الإسلامية التى تقول: بأن الجهاد لا يناسب هذا العصر، لما فيه من إظهار لسفك الدماء الذى ينفر الناس عن الإسلام, بل لابد من الدعوة باللين والرفق, وأن يضرب صفحاً عن الجهاد, فجزاكم الله خيرا والسؤال موجه للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين, فليتفضل؟
الجواب: هذه مقالة منكرة, شنيعة, وقد عرف أن المسلمين كلما صدقوا في الجهاد فإن الله تعالى ينصرهم, وأنه يظهرهم ويظهر دينهم, ولا شك أن الجهاد -كما سمعنا من المشايخ- أنه أنواع؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقاتل قوماً إلا بعد أن يدعوهم ويقول لرسله كما في حديث بريدة: {إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال فآيتهن أجابوك فاقبل منهم, وكف عنهم: ادعهم إلى الإسلام؛ فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم, ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين, فإن أبوا فاسألهم الجزية، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم}.
ولما أرسل علياً إلى اليهود بـخيبر مع أنهم قد وصلتهم الدعوة, قال له صلى الله عليه وسلم: {اذهب فادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}, إذاً المسلمون فرض عليهم أن يدعوا الكفار إلى الإسلام, فيبينوا لهم تعاليم الإسلام, ثم بعد ذلك يُبيَّن لهم إذا كانوا من الكتابيين أن عليهم بذل الجزية, وبعض المسلمين أو بعض العلماء يرون أخذ الجزية من كل المشركين, فإذا امتنعوا من ذلك كله فلماذا لا يقاتلون حتى يرجعوا إلى الإسلام؛ كما حصل من الصحابة ومن بعدهم، ومن المسلمين في كل وقت, وفى كل زمان؟!
وأيضاً نحن نشاهد -كما ذكر المشايخ كثيراً، وكما ذكرنا أخونا المقدم، وكما سمعتم- أن المشركين والكفرة والنصارى دائماً يقتلون المسلمين, ويقاتلونهم ويستذلونهم, وكم أريقت من دماء, وكم انتهكت من أعراض, وكم سلبت من أموال, وكم دمرت من مساكن, وكم أتلف من المسلمين, فلماذا لا يكون ذلك مستبشعاً في ديانة الكفار؟ والإسلام إذا أباح القتال الذي فيه نصر الإسلام؛ يكون منفراً ويكون مستبشعاً, ويكون عملاً بشعاً, لا شك أن هذا قلب للحقائق إذاً فالإسلام بحث على الجهاد.
ومن الجهاد والقتال الذى به سبب رفع الإسلام والذى ذكر الله أن المسلمين يبذلون أرواحهم في سبيل نصرة الإسلام ونصرة الله تعالى كما في قوله تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ [آل عمران:195], فوصفهم بهذا الوصف وهو وصف منطبق على الصحابة, وعلى كل من اتبع الصحابة.
الجواب: إذا لم يثر مثل هذا الموضوع في مثل هذا الوقت, فمتى يثار؟ أليست الأمة الإسلامية قد قُسِّمت وجعلت نهبا؟! أليس أهل الإسلام قد قسم التسلط عليهم سابقاً بين الشرق والغرب؟! ولاحقاً تولى الوصاية عليهم المعسكر الغربي, ثم لماذا يبقى حلف الناتو؟ ففي السابق كان يتذرع بأنه في مقابلة حلف وارسو, فلماذا يبقى الآن؟ ولمقابلة من؟! أليس هناك بلدان إسلامية محتلة من قبل الكفرة إما من النصارى, أو اليهود, أو الباطنية, أو غيرهم؟! ألم يتسلط بعض الكفرة ويتولوا على دول الإسلام وهم عملاء؟ وهذه دول قد هبت وجاهدت, وتحللت من ربقة الكفر كما في أفغانستان, وهناك دول على هذه المشارف, فهذه إرتيريا _مثلاً- النصارى لا يشكلون إلا قرابة (20%) ومع ذلك يسومون أهل الإسلام سوء العذاب وبلداناً أخرى كثيرة.
فمثلاً إيران أهل السنة فيها يشكلون قرابة النصف وإذا قلَّلنا وسلمنا بما يقال, فقرابة الثلث, ومع ذلك مكن اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من أهل النحل والديانات الأخرى مكنوا حتى في البرلمان ولم نجد سنياً واحداً، بل لما تسنن العلامة الفاضل أبو الفضل البرقعي, وهو ممن كان يعدل بـالخميني, طورد وأخرج من "قم" ثم طورد في طهران وأوذي وضرب, وقد تجاوز الثمانين عاماً, فإلى متى يسكت أهل السنة؟! إلى أن يتحولوا جميعاً إلى رافضة! وإلى أي وقت يسكت المسلمون في إرتيريا؟! إلى أن يتحولوا جميعاً إلى نصارى, وفى الحبشة وفي غيرها.
وأما العلم الذى يتكلم عنه الأخ فليس الجهاد مانع من طلب العلم, فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحمل الرسالة وكان جزء منها الجهاد, بل الصحابة يكفينا منه أن يكون كعلم ابن عباس، يكفينا منه أن يكون كعلم أبي بكر, كعلم عمر, كعلم أبي هريرة, وغيرهم, والجهد كجهادهم.
أبو بكر يشهد ثلاثاً وعشرين أو أربعاً وعشرين غزوة, فهذا الذى يتكلم عن العلم أسأله بالله هل شهد غزوة واحدة؟ فلا العلم حصل, ولا الغزو أيضاً, ثم إن تخلف ببدنه فبشيء من ماله, ولا أقول بكل المال, ولكن بشيء منه.
السؤال: شيوخنا الأفاضل: تتفطر أكبادنا وتتمزق قلوبنا ألماً لحالة الأمة الإسلامية, ولحال إخواننا المسلمين, ونحن معشر النساء لا نستطيع إمساك العنان، وخوض غمار المعارك, فما هو سبيلنا للجهاد؟ وماذا نستطيع إفادة إخواننا المسلمين فيه؟ وكيف نؤدي دورنا في استرجاع مجد أمتنا؟ والسؤال موجه للشيخ: سلمان بن فهد العودة؟
الجواب: أولاً: أنت صانعة الأجيال -كما يعبرون- بغض النظر عن تحفظ بعضهم عن هذا التعبير, لكن مربية الأجيال يقيناً, والصغير يتربى في حجر أمه ويتلقى منها التربية, وإحدى الأمهات كتبت لي يوماً من الأيام رؤيا صالحة رأتها في طفلها, فذكرت لي كيف كانت تربية هذا الطفل, حتى اختارت له اسماً معيناً, يتعلق بالقتال والجهاد, ثم كانت تربيه, وهو في السنة الأولى الابتدائية, كان يقرأ القصص, ويسمع القصص المتعلقة بأخبار المجاهدين الأفغان, ويبكى -أحياناً- إذا سمع بعض الأمور المحزنة, وربما تصدق بالمال الذي أعطاه أبوه ليشتري به علبة (البيبسي) من المدرسة -مثلاً- تصدق به وقال: هذا أريده للمجاهدين الأفغان, فإذا كان الطفل يتربى في البيت في مثل هذا المجال, فكيف يكون عندما يكبر سنه؟ لكن إذا كان الصبي الصغير يتربى على كل معاني الجبن والخور, وأمه دائماً وأبداً تخيفه من الأشياء الغريبة, والأشياء المجهولة, وتخيفه بالقصص والأساطير الخيالية, وتخيفه من كل شيء, وتضربه على كل شيء, ولا تعطيه فرصة ليتربى, ولا ليحاول, ولا ليتدرب, وكذلك تربيه على المعاني الرديئة كسماع الأغاني -مثلاً- أو مشاهدة الألعاب, والصور المتحركة, أو غير ذلك, فإنه حينئذٍ سيكون من الصعب جداً أن يتغلب على الآثار السلبية لهذه التربية, هذا جواب على السؤال.
أما ما بقي مما قد يكون عندي بعض التعليقات السريعة واذكر باختصار أيضاً:
أولاً: أود أن أشير للإخوة وقد كثر الحديث في هذه الجلسة عن التوجع عن واقع هذه الأمة, والواقع ينبغي أن نقتصد في التوجع, وأن نتحدث بقدر غير قليل عن التفاؤل والأمل الكبير الذي لا أقول إنه أمل بغير رصيد, بل إنه أمل نراه بأعيننا ونسمعه بآذاننا, فنحن الآن نجد بوادر كبيرة على التخلف والانهيار الاقتصادي الذي كان سبباً في سقوط الاتحاد السوفيتي.
إنه الآن بدأ بداية قوية في أمريكا وفي أوروبا وفي غيرها, ومديونية أمريكا أصبحت تحسب بالتريليونات يعني -مثلاً- (اثنين تريليون) أرقام خيالية في مديونيتها, إذاً هي قادمة على الانهيار كغيرها, ومن الممكن أن يواجه العالم فراغاً ولو بعد حين.
أقول: بإذن الله تعالى لعلنا قبل أن نموت نشهد تلك الأيام التي نتذكر فيها زماناً كنا نتكلم ونردد فيه مثل هذه الأوضاع، وإحساسنا بالعجز عن مقاومة الكفر المدجج بالسلاح، نذكرها بالابتسامات والتعجب وأن نقول: سبحان الله! ضعف الإنسان وقصر نظره, وعدم قدرته على استشراف المستقبل بإذن الله تعالى كيف كنا؟! كما إننا الآن نتكلم عما كان عليه الاتحاد السوفيتي قبل سنوات, بل ربما شهور نتكلم عن ذلك حديث المتعجب!
النظام الدولي الجديد الذي تبشر به أمريكا, ذاهب لا محالة قدراً وشرعاً, فسنة الله تعالى ماضية، وقد أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام عن المسلمين الذين يقاتلون في آخر الزمان, ومواجهتهم للمسيح الدجال, وقيام دولة الإسلام, بما يدل دلالة قاطعة على ذلك, والواقع يدل على ضعف كيدهم، وينبغي أن ندندن حول ضعف الكيد الغربي كما قال الله إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76], فهذه دولة كـالسودان دولة ضعيفة اقتصادياً وبشرياً ومن دول العالم الثالث المتخلفة في مقياسهم ومعيارهم, ومع ذلك يعلنون الحرب عليها الآن جهاراً وليس سراً حتى إني قرأت تقريراً قبل أسابيع, أن مسئولاً كبيراً في أمريكا يعتب على السودان يقول: لماذا تصدرون اللحوم إلى العراق؟ مع أن هذا الأمر مأذون به من قبل الأمم المتحدة, لكن يقول: لماذا تصدرون مع أن شعوبكم محتاجة؟ يا أيها الأمريكان لماذا تتدخلون في قضية لدولة تعتبر من الأمور والقضايا الداخلية التي لم يكن من حقكم أن تتدخلوا فيها؟! وماذا نقمتم من السودان سوى أنه يعمل على الاستغناء عنكم, والاكتفاء الذاتي وانتصر على النصارى في الجنوب, واستطاع أن يحرر مناطق كثيرة, واستطاع أن يتمرد على قيود البنك الدولي إلى غير ذلك من الأمور, وأنها دولة إسلامية قامت على قدميها, ومع ذلك عجزوا عن إسقاطها.
مثل آخر: العراق بغض النظر عما ذكره قبل قليل أخي المقدم, عن وضع شخصية الحاكم, وعن وضع الحزب الحاكم في العراق, لكننا نقول: إن الغرب بين أمرين: إما أن يكون الغرب عاجزاً عن إسقاط الحزب الحاكم, والشخص الحاكم في العراق, بالرغم من الجهود وبالرغم من الحرب التي شنها, وهذا يدل على عجز الغرب, أو يكون الغرب راضياً ببقائه وجعل بقاءه مجرد تكأة له حتى ينهك العراق, ويقضي على قوته, وهذا يكشف للناس أن الغرب خبيث ومتآمر، وأنه لا يرضى بوجود القوة حتى ولو كانت قوة في يد عملاء أو مرتدين, أو منافقين.
أمر آخر: لقد تحدث أخي المقدم عن أن الأسلحة الجديدة في يد الغرب, وأن المسلمين يملكون أسلحة قديمة, وهذا الكلام صحيح وبناء عليه أطرح سؤالاً: إذا كانت الأسلحة في أيديهم فكيف نجاهد؟ إذا اعتقدنا أن المقصود بالجهاد فقط حمل السلاح, السلاح الحديث في أيديهم؟
الجواب أقول: من أعظم وسائل الجهاد أن نجاهد في أن نمتلك أسرار التصنيع وأزمته, القدرة على الاستغناء, ولن تكون القدرة على الاستغناء بكلمة, بل هي تتطلب جهداً طويلاً، وها هي اليابان قطعت هذا الطريق, وقبل أيام أعلنوا عن أول قوة غادرت اليابان لتذهب إلى فيتنام وإلى غيرها ضمن قوة الأمم المتحدة, مع أن النظام يمنع من مثل هذا العمل في الأصل, لكن بعد مرحلة طويلة جداً من الوصول إلى أسرار التصنيع.
إذاً من ألوان الجهاد: الجهاد في مجال العلم والتقنية, ومن ألوان الجهاد: الجهاد في مجال إصلاح المسلمين, لأنهم لو صلحت عقائدهم, وأخلاقهم, ودينهم لبارك الله تعالى في السلاح البسيط الذي يحملونه.
أخيراً لقد أجاب فضيلة الشيخ عبد الله عن أولئك الذين يقولون: لا يصلح الجهاد الآن؛ لأنه يخيف الغرب ويجعلهم يتصورون أننا قوم متوحشون لا نجيد إلا فن القتال وسفك الدماء, فأقول: لا شك أن هذا الكلام تَدخَّل في التشريع؛ لأن الدين قد كمل ونـزل قول الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً [المائدة:3].
لكن هذا لا يمنع أن يكون التركيز في كل وقت في الطرح الإسلامي معنياً بجوانب, ففي الغرب -مثلاً- لا يمنع أن نركز على إصلاح العقائد, ولا يمنع أن نركز على الجانب الأخلاقي في الإسلام, وعلى الجانب الاجتماعي في الإسلام, وعلى الجانب التنظيمي في الإسلام, أو الجانب الصحي -مثلاًً؛ لأن كل هذه الأشياء من الممكن أن نكسب بسببها أعداداً يدخلون في الدين, لكن لا يعني هذا بحال أننا سترنا جزءاً من الدين, أو دفناه -فضلاً- عن أن نعتقد أنه منسوخ, وأنه لا مجال له الآن, واعتذر كثيراً عن الإطالة.
جزاك الله خيراً...
وما ذكره الشيخ سلمان, مصداقاً للحديث الحسن الذي رواه الإمام أحمد باسنادين، وهو: { أن هذا الدين لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله هذا الدين بعز عزيز أو ذل ذليل, عز يعز الله به الإسلام, وذل يذل به الكفر وأهله } وكذلك مسألة الدول التي تتجبر وتسيطر الآن، والعبر قريبة وواضحة, وقد أشار الشيخ جزاه الله خيرا إلى إننا -إن شاء الله- سنشهد اليوم الذي نتحدث فيه عن قوة أمريكا الزائلة, كما تحدثنا عن قوة روسيا الزائلة, وما كان أحد يتصور قبل ست أو خمس من السنين أن تلك القوة الهائلة الظالمة المتجبرة السفاحة "الاتحاد السوفيتي" ستنهار وتسقط بمثل هذه السهولة, ويقول الله عز وجل: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31], ما يعلم جنود الله سبحانه وتعالى إلا هو, والأسباب بيد الله لا تخطر لنا على بال, فعلينا أن نقوم بما علينا، ولا ترهبنا هذه القوى, ولا نحسب لها حساباً إلا من الجانب الذي ذكره الشيخ، وهو محاولة المسابقة ومحاولة انتزاع الأسرار, لأن هذا مما أمر الله به وأوجبه علينا لا أكثر ولا أقل, فجزاه الله خيراً على ذلك.
الجواب: بلى، صحيح أنَّا مأمورون بأن نرد ضال المسلمين, وأن نحرص على هداية من أخطأ الطريق, فنبدأ بجهاد أنفسنا, ونبدأ بجهاد أبنائنا, ونبدأ بجهاد إخوتنا, ونبدأ بجهاد جيراننا وأعواننا ومن نعرفهم, وليس الجهاد مخصوصاً بالقتال, بل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر جهاد, وبث العلم الصحيح جهاد, وكذلك تركيز الإيمان والعقيدة الصحيحة وترسيخها في القلوب جهاد, وقد ذكر المشايخ أن الجهاد مشتق من الجهد الذي هو بذل الوسع والطاقة والتكليف على النفس والتشديد عليها بشيء يكون مجهداً ومكلفاً لها.
إذاً، لا شك أنه أعم من القتال في سبيل الله الذي هو قتال الكفار, بل يعم أن نبدأ بجهاد المسلمين الذين يتسمون بأنهم مسلمون ولكنهم لم يحققوا الإسلام, فقد مر بنا -قريباً- أن من بين المسلمين من يتسترون بالإسلام, وهم في الحقيقة منافقون, وما يسمون بـالعلمانيين, أو حداثيين, أو في الحقيقة منافقون, وأن هؤلاء يجب جهادهم إما سراً بدعوتهم وتخويفهم حتى يرجعوا, وإما علناً بالتحذير من شرهم والأخذ على أيديهم.
كذلك -أيضاً- قد اشتهر وظهر أن الكثير من المسلمين قد انحرفوا في معتقداتهم فاعتقد كثير منهم ضد الإسلام كـالشيوعية, أو الإلحاد, أو الزندقة, أو نحو ذلك.
كذلك -أيضاً- وقعوا في خلاف في العقيدة, فانحرف كثير منهم اعتقدوا عقائد أشعريه, أو عقائد معتزلة, أو ما أشبه ذلك, وما أكثر هؤلاء! ويستحقون أن نجاهدهم حتى نردهم إلى معتقد السلف الصالح, وعقيدة أهل السنة والجماعة, كذلك -أيضاً- لا شك أن بين المسلمين عصاة مجاهرون بالمعاصي, ومعلنون لها أو مخفون لها, وهؤلاء أيضاً يستحقون أن نجاهدهم بما نستطيعه, أو بما يكف شرهم, فإقامة الحدود, وقتل القاتل, ورجم الزاني, أو جلده -مثلاً-, وقطع يد السارق, وكذلك قتل الساحر, وقتل المرتد, أو نحوهم, وكذلك جلد الشارب "شارب الخمر" وما يلحق به, أو القاذف, أو ما أشبه ذلك. وكذلك أنواع التعزيرات, التعزير على ترك صلاة, أو تخلف عنها, أو ما أشبه ذلك، لا شك أن هذا كله جهاد في سبيل الله. وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, يعتبره العلماء جهاداً, وذلك لأن التوحيد هو أهم المعروف, فالأمر به يعتبر أمراً بالمعروف، والشرك والمعاصي كلها من المنكر, فالنهي عنها يعتبر من النهي عن المنكر.
إذاً: لا شك أن هذا داخل في الجهاد في سبيل الله سبحانه, فعلى هذا نقوم بهذا الأمر, ولكن هل يعني أن كل المسلمين يقتصرون على الجهاد فيما بينهم, ويتركون جهاد الكفار في البلاد الأخرى, التي يستضعف فيها المسلمون ويهانون؟ نقول: ليس كذلك, فهناك من يكون وظيفتهم أن يجاهدوا في بلادهم, وهناك من لديهم قوة وجلد يجاهدون في البلاد الأخرى, هذا الجهاد الذى هو القتال ونحوه, كذلك -أيضاً- هناك من يتفرغون للدعوة في بلادنا التى هي بحاجة إلى من يدعو إليها أولئك المنحرفين, ويتفرغ آخرون للجهاد في سبيل الله والدعوة إلى الله تعالى في البلاد الأخرى.
كذلك -أيضاً- ليس الجهاد خاصاً -كما سمعنا وتكرر من الإخوان- بالقتال بل هناك جهاد قد يفوقه أو قد يقرب منه وهو الجهاد بالمال, كثيراً ما يقدم الله الجهاد بالأموال على الجهاد بالأنفس، كقوله سبحانه في سورة الأنفال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الأنفال:72], في موضعين, وفى أربعة مواضع أو خمسة, في سورة التوبة يقدم الله الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس، وكذلك في سورة الحجرات وفي غيرها يذكر الله الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، فيقدم أموالهم على أنفسهم, لماذا؟ لأن الجهاد بالمال قد يكون نفعه أعظم, فإنه إذا بذل مالاً جهز عدداً كثيراً.
وكما سمعنا من الإخوة أن عثمان رضي الله عنه جهز جيش العسرة، فكم الذين قاتلوا بسبب عثمان رضي الله عنه؟ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها, وأموال كثيرة جاء بألف دينار, فصبه في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، هذا فرد واحد جاهد بسببه أعداد هائلة, إذاً فلا نقول: إن الجهاد مخصوص بأن تغزو بنفسك وتقتل إنساناً أو تقتل في سبيل الله, لا شك أنه جهاد وأنه فيه أجر, ولكن أنواع الجهاد كثيرة والله أعلم.
السؤال: لماذا علماء هذا البلد يتبنون منهج الشيخ ابن تيمية في كل شيء ما عدا منهجه الجهادي؟
الجواب: أنا سأجيب على هذا وأعقب هذه الإجابة بكلمة أخرى، لا أعتبرها تعقيباً وإنما أعتبرها زيادة ذيل من الذيول على بعض كلمات الإخوة أقول:
إخوتي في الله، من يقول هذه المقالة لا نتهمه بالجهل, وإنما أقول لعله ذهل وإلا لما أخذ لبعض منهج الشيخ ورفض المنهج الآخر, وأنتم تعرفون أن شيخ الإسلام ابن تيمية كان واضحاً, فقد جاهد بالسنان وباللسان, فهاهو جاهد التتر كما جاهد المبتدعة, حتى أودع السجن بسبب هذا الجهاد, والعلماء العاملون يدعون إلى التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم, وبمن تأسى به, والله سبحانه وتعالى قد دعانا إلى ذلك؛ ورسول الله قد جاهد بلسانه وبسيفه والله سبحانه وتعالى يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ [الأحزاب:21], وشيخ الإسلام رحمه الله تعالى جاء في فترة من الفترات انتشرت فيها البدع, ووجد من يؤيد المنكرات, كما وُجِد أعداء للإسلام وفيهم قوة وفي المسلمين شيء من الذلة, فدعا رحمه الله إلى الجهاد وإلى مقاومة البدع, وما اكتفى بواحد من الأمرين عن الآخر, وكذا فعل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عفا الله عنا وعنه.
ولعل من ينادون هذه المناداة لا ينظرون إلا بعين واحدة, فغفر الله لنا ولهم, ونسأل الله لنا ولهم البصيرة في الدين والدنيا معاً, وإلا فهذا الشيخ محمد بن عبد الوهاب عفا الله عنا وعنه وهم الذين ينادون -أيضاً- إلى اقتفاء أثره وآثار من سبقه إلى اقتفاء أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم, كلهم قد جاهدوا بجميع أنواع الجهاد باللسان, وبالقلم, وبالسيف, وبالمال, جاهدوا الأفراد, والجماعات, والمجتمعات أيضاً.
فلم يتغافل عن هذه الأشياء؟ أسأل الله لي ولهؤلاء الإخوة الهداية والبصيرة في ديننا ودنيانا.
أما الكلمة التي أحب أن أذيل بها على بعض الكلمات, فأولاً: لا أقول: هناك شيء من التشاؤم، بل -لله الحمد- والمنة, قد دعا إخوتي ومشايخي الأفاضل إلى التفاؤل، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة, وقد قال صلى الله عليه وسلم: {إن حقاً على الله ألاَّ يرفع شيئاً من أمر الدنيا إلا وضعه} وهذه أمريكا قد وصلت في زعمها إلى القمة، ومتى وصلت إلى القمة فهي بداية الانحدار, وقد أشار الشيخ سلمان إلى بداية انهيارها وذلك بالتزامات مالية كبيرة جداً.
أقول: عام 1991م حسب كلامهم بلغت المؤسسات التي أفلست في الولايات المتحدة الأمريكية فقط أكثر من (63) ألف شركة, أما الشركات التي أفلست في ألمانيا فقط بلغت اكثر من (50) ألف مؤسسة, وأما المؤسسات التي أفلست في بريطانيا فأكثر من (43) ألف مؤسسة, كلها أفلست ولكن مما يدعو للأسف أن بعض الأغبياء من أبناء الإسلام يشترون بعض المؤسسات وبعض البنايات بزعم دعم الاقتصاد الأمريكي أو الأوروبي...!
أما الثانية: فأنا أقول: العزة للإسلام وأهله؛ كما أخبر الله سبحانه وتعالى ولكن بشرط: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد:7] وقد ذكر الإخوة أن أمريكا تكفلت لليهود بالتفوق النوعي والكمي.
أقول: إن تكفلت لهم أمريكا فقد تكفل الله لنا, لكننا لم نقم بما طلب منا: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ [آل عمران:160].
لكن هذا النصر مشروط بنصر إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد:7], فهل قمنا بنصر الله لنحظى بهذا النصر؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم: {لن يغلب اثنا عشر ألف من قلة} إذاً لم نؤتَ من جهة القلة وإنما أوتينا من قبل أنفسنا, وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في معركة من المعارك: [[ إنما ينصرنا الله بطاعتنا له, وبمعصيتهم لله, فإن استوينا نحن وهم في المعصية كان لهم علينا فضل القوة ]].
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى من الأقوال والأعمال, وجعلنا وإياكم هداة مهتدين وصلى الله وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه وسلم تسليما كثيراً.
قال مقدم الندوة حفظه الله:
وأخيراً: نشكر لمشايخنا الكرام تعبهم ومجيئهم وتحملهم هذه الجلسة الطويلة, التي أخذت من وقتهم الشيء الكثير, وأخذت من جهدهم الشيء الكثير, والتي كذلك أخذت من وقتكم الشيء الكثير, ولكن مرة أخرى أعتذر من المشايخ لإطالتنا عليهم, وأعتذر لكم أنتم لإطالتنا عليكم, فالفرص لا تتكرر، فأحببنا أن نستغلها في أقصى درجات الاستفادة من مشائخنا جزاهم الله خيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر