إسلام ويب

المسيح الدجالللشيخ : خالد الراشد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن فتنة المسيح الدجال من أعظم الفتن، ولذلك ما من نبي إلا وحذر قومه منه، ولقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم منه أشد الحذر، وبين أوصافه وضلالاته وخوارقه، وبين الأسباب التي تعصم من فتنته، وسن لنا دعاء في الصلاة للاستعاذة بالله من شر فتنته، فما علينا إلا أن نمتثل أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم حتى نسلم من فتنته وشره.

    1.   

    التحذير من فتنة الدجال

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    عباد الله! حدثتكم في الجمعة الماضية عن خروج المهدي وعن أحداث تسبق خروجه، وحدثتكم عن صفاته وبعض من أخباره، وحتى يكون الحديث متصلاً سأحدثكم اليوم عن الدجال ، وهو أعظم فتنة تمر على البشرية، فما من نبي إلا حذر قومه الدجال ، ولكن تحذير نبينا صلى الله عليه وسلم كان أشد؛ لأنه سيخرج في هذه الأمة، وخروجه أمر عظيم وجسيم، وتبلغ فتنته مبلغاً لا يعلمه إلا الله، أما ترى أننا نتعوذ من فتنته في دبر كل صلاة، وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه فلا يبقى لهم سائمة إلا هلكت، وأنه يمر بالحي فيصدقونه فيأمر السماء أن تمطر عليهم، ويأمر الأرض أن تنبت لهم، إنها والله فتنة عظيمة، لذلك حذر الأنبياء منها، وكان نبينا أشد الأنبياء تحذيراً.

    عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، وكان أكثر خطبته عن الدجال والتحرز منه، وكان من قوله: يا أيها الناس! إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال ، وإن الله تعالى لم يبعث نبياً بعد نوح عليه السلام إلا حذره أمته، وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيج لكل مسلم، وإن يخرج من بعدي فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، وإنه يخرج من خلة بين العراق والشام، فيعيث يميناً ويعيث شمالاً، ألا يا عباد الله فاثبتوا، فإنه يبدأ فيقول: أنا نبي، ولا نبي بعدي، ثم يثني فيقول: أنا ربكم، ولن تروا ربكم حتى تموتوا، وإنه أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية، وربكم ليس بأعور، مكتوب على جبهته: كافر، يقرؤها كل مؤمن كاتب وغير كاتب).

    إنها فتنة عظيمة عباد الله! وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يخرج حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر، من أجل هذا اخترت الحديث عنه حتى لا تسكت المنابر عن التحذير من فتنته.

    فهيا معاً نطوف بين الأحاديث والآثار التي تحذر وتنذر وتخبر عن فتنته، وقد أطيل قليلاً لكني أردت أن يكون الحديث تاماً ومتصلاً من وقت خروجه إلى نهايته.

    سبب تسمية الدجال بالمسيح وعيسى بالمسيح

    أما لماذا سمي الدجال بالمسيح؟ فعلى عدة أقوال:

    قال ابن فارس : لأن أحد شقي وجهه ممسوح مشوه، وقيل: لأنه ممسوح العين، وهذا ما اختاره أكثر أهل العلم، وقيل: لأنه يمسح الأرض، أي: يقطعها تجولاً في أربعين يوماً، فلا تبقى بقعة في الأرض إلا يطؤها في أربعين يوماً.

    وقد يقول قائل: ولماذا سمي المسيح ابن مريم بذلك؟

    اختلف في ذلك على عدة أقوال، منها: أنه يمسح على الأعمى والأكمه والأبرص فيبرأ بإذن الله، ويمسح على الميت فيحيا بإذن الله، وقيل: لأنه أمسح الرجل، فليس لرجله أخمص، وقيل: إنه خرج من بطن أمه كأنه ممسوح بالدهن، وقيل: إن حسن الوجه يسمى مسيحاً في اللغة، فعلى هذا يكون على وجهه مسحة جمال وحسن، وقيل غير ذلك.

    فلدينا مسيحان: مسيح على وجهه مسحة قبح، ومسيح على وجهه مسحة حسن وجمال.

    ويقول البعض عن الدجال : المسيخ، بدلاً من المسيح؛ وذلك للتفريق بينهما، وهذا ليس بصحيح، وإنما يفرق بينهما فيقال: مسيح الهداية ومسيح الضلالة.

    فمسيح الهدى يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، ومسيح الضلالة يفتن الناس بما يعطاه من الآيات، كإنزال المطر وإحياء الأرض وغيرها من الخوارق.

    سبب تسمية الدجال بالدجال

    لماذا سمي بـالدجال ؟ فيه أقوال عدة اخترت منها قول ابن دحية الحافظ: قال العلماء: الدجال في اللغة يطلق على عدة وجوه، منها: الدجال بمعنى: الكذاب، وهذا معروف وما أكثره اليوم.

    ومنها: الدجال مأخوذ من الدجالة وهو طلاء البعير بالقطران؛ سمي بذلك لأنه يغطي الحق ويستره بسحره وكذبه، كما يغطي الرجل جرب بعيره بالدجالة والنصب والاحتيال.

    ومنها أيضاً: أن الدجال هو الضارب في نواحي الأرض وقطعه لها، يقال: دجل الأرض إذا ضرب في مشارق الأرض ومغاربها.

    ويقال: الدجال من التغطية، أي: أن كل شيء غطيته فقد دجلته، فـالدجال يغطي الحق ويظهر الباطل.

    وقالوا كذلك: الدجل من ماء الذهب الذي يطلى به الشيء فيحسن ظاهره وداخله خزف أو عود، فـالدجال يطلي الأشياء لتصبح في ظاهرها حسنة وهي باطلة.

    أخبار من فتنة الدجال ودجله على الناس

    اسمع رعاك الله وبارك الله فيك عن فتنته ودجله على الناس: جاء في رواية: (وإن من فتنته أن معه جنة وناراً، فناره جنة وجنته نار، فمن ابتلي بناره فليستعن بالله وليقرأ فواتح سورة الكهف، فتكون عليه برداً وسلاماً كما كانت النار على إبراهيم عليه السلام) وفي رواية أخرى: (معه نهران يجريان، أحدهما: رأي العين ماء أبيض، والآخر: رأي العين نار تتأجج، فإما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه ناراً، وليغمض عينيه، ثم ليطأطئ رأسه فيشرب، فإنه ماء بارد) فجنته نار وناره جنة، لا إله إلا الله! إنها والله لفتنة عظيمة، ولا ينجو منها إلا من صدق مع الله عز وجل.

    وإليك مزيداً من الأخبار، فأعوانه وجنوده الشياطين كيف لا وهم أنصار كل باطل وأعداء كل حق؟! قاتلهم الله أنى يؤفكون! جاء في رواية: (وإن من فتنته أن يقول لإعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وبعثت لك أمك، أتشهد أني ربك، فيقول الإعرابي: نعم، فيتمثل له شيطانان على صورة أبيه وعلى صورة أمه، فيقولان له: يا بني! اتبعه فإنه ربك) فهل من فتنة أشد من هذا!

    العلامات التي تسبق ظهور الدجال وتنبئ بخروجه

    عباد الله! ولأن خروجه أمر عظيم وأمر جسيم، فمن سنة الله أن تسبق هذا الحدث علامات تنبئ بظهوره وبخروجه، ومنها: ظهور المدعين للنبوة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كل يزعم أنه رسول) متفق عليه.

    ومنذ أيام مضت ادعى رجل في اليمن النبوة، وادعى قبله أقوام.

    ومن العلامات التي تسبق ظهوره أيضاً: فتح القسطنطينية، عن معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الملحمة العظمى، وفتح قسطنطينية، وخروج الدجال في سبعة أشهر فقط) حسنه الترمذي .

    ومن العلامات ومما نلاحظ في هذه الأيام: تغير الأحوال وتبدل الأشياء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) صححه ابن حجر .

    ومن العلامات السابقة لظهوره كذلك: جوع وقحط وحاجة، جاء في حديث أبي أمامة الطويل: قال صلى الله عليه وسلم: (وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر الله السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله، فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله، فلا تنبت خضراء، فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا من شاء الله، فقال أحد الصحابة: وما يكون طعام الناس حينها؟ قال: التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام) رواه ابن ماجة في كتاب الفتن، وسنده حسن وله شواهد.

    1.   

    حال الناس عند خروج الدجال

    إن حال الناس عند خروجه في ضعف وضنك وظمأ وجوع وجهل، وهذه أسباب تساعد الدجال على نشر دعواه وسرعة انتشاره، فيخرج ومعه سبعون ألفاً من يهود أصبهان، ويتبعه من المسلمين سبعون ألفاً من الأغنياء، وأكثر أتباعه اليهود والنساء.

    وجاء أنه (يأتيه الأعرابي وقد اشتد به الحال وعظمت عليه المصائب، فيستغل الدجال جهله فيقول له: أرأيت إن أحييت لك إبلك، ألست تعلم أني ربك؟ فيقول الإعرابي: بلى، فيحييها له).

    ويكون معه جبل من خبز ونهر من ماء، والناس جائعون ليس معهم خبز ولا ماء، فماذا يمنعهم من اتباعه؟!

    إنها والله فتنة عظيمة، فالغني يريد أن يزيد في غناه، والفقير يريد أن يخرج من فقره، وأهل البادية في جهل، والنساء ناقصات عقل ودين، واليهود له تبع؛ لأنه منهم.

    جاء في رواية: (أنه لا ينجو منه إلا سبعون ألفاً من الرجال وخمسون ألفاً من النساء، والذين يعرفون كذبه يفرون إلى الجبال).

    وقت خروج الدجال، ومكان ذهابه، ومدة مكثه في الأرض

    عباد الله! إن الحديث عن خروج الدجال ومكان خروجه من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله، أو بوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي أكثر من ذكر الدجال وفتنته، فمتى يخرج؟ وأين يذهب؟ وماذا يصنع؟ وكم يمكث في الأرض؟ إليك مزيداً من الأخبار: فعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الدجال ليخرج من أرض بالمشرق يقال لها: خراسان، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة) أي: وجوههم عريضة، صححه الحاكم وأقره الذهبي .

    وقال أبو هريرة : أحدثكم ما سمعت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: (إن الأعور الدجال مسيح الضلالة يخرج من قبل المشرق، في زمن اختلاف من الناس وفرقة، فيبلغ ما شاء الله أن يبلغ من الأرض في أربعين يوماً، الله أعلم ما مقدارها، الله أعلم ما مقدارها). قالها مرتين.

    وقد اختلفت الروايات في تحديد تلك الفترة، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين) قال الراوي: لا أدري: أربعين يوماً أو أربعين شهراً أو أربعين عاماً.

    وفي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: (قلنا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعين يوماً: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم،قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا قدره)، فانظر كم هم حريصون على صلاتهم؛ لأن الفتن يستعان عليها بالصبر والصلاة.

    1.   

    ذكر سبب خروج الدجال

    أما سبب خروجه فلقد جاء في حديث حفصة عند مسلم قال صلى الله عليه وسلم: (إنما يخرج الدجال من غضبة يغضبها)، وأما أول باب يطرقه بعد خروجه فعن ابن مسعود رضي الله عنه: إني لأعلم أول أهل بيت يقرعهم الدجال ، قال: أنتم يا أهل الكوفة. رواه ابن أبي شيبة والطبراني ، ورجاله ثقات.

    قال أهل العلم: إنما قال ذلك لشدة حبهم للفتن والقلاقل، وليس للصحابي أن يقول ذلك اجتهاداً، إنما هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    صور من فتنة الدجال وخوارقه

    من فتنته وخوارقه أيضاً أنه لا يترك بقعة في الأرض إلا وطأتها قدماه إلا مكة والمدينة، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس نقب من نقابها إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فيخرج الله كل كافر ومنافق) رواه البخاري .

    وأما إسراعه في الأرض فقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله الصحابة عن ذلك: (فقالوا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح) رواه مسلم .

    ومعنى ذلك: أن سرعته كالمطر عندما ينزل فتتبعه الريح.

    عباد الله! وعلى الرغم من شدة البطش التي عرف بها الدجال وتلك الخوارق التي معه، إلا أنه في الشدائد يعرف الرجال بإيمانهم، ويعرفون بصدقهم، ويعرفون بثباتهم، ويعرفون بتمسكهم بالحق، فلا يخشون إلا الله، ولا يفرون من الموت، واسمع من خبرهم في مواجهة الدجال ، فهم يعرفونه لأنه مكتوب على جبينه كافر لا يقرؤها إلا المؤمن، وإن كان لا يقرأ أو يكتب.

    فعند مسلم من حديث أبي سعيد قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً حديثاً طويلاً، حدثنا عن الدجال فكان فيما حدثنا أنه قال: يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين، فيلقاه المسالح -قوم معهم سلاح من أعوان الدجال وحراسه- فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج، قال: فيقولون له: أوما تؤمن بربنا! فيقول: ما بربنا خفاء نعرف ربنا، فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم -يعني الدجال - أن تقتلوا أحداً دونه؟ قال: فينطلقون به إلى الدجال ، فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس! هذا الدجال الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فيأمر الدجال به فيشبح -يمدد على الأرض- فيقول: خذوه وشجوه، أي: اقطعوا رأسه، فيوسع ظهره وبطنه ضرباً، قال: فيقول له الدجال : أوما تؤمن بي؟ قال: فيقول: أنت المسيح الدجال ، قال: فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرق رأسه حتى يفرق بين رجليه، قال: ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم، فيستوي قائماً، قال ثم يقول لي: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة، أنت الدجال ، قال ثم يقول المؤمن: يا أيها الناس! إنه لا يفعل هذا بعدي بأحد من الناس، قال: فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً، فلا يستطيع إليه سبيلاً، قال: فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به، فيحسبه الناس إنما قذفه إلى النار وإنما ألقى به في الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين) أي: هذا الرجل أعظم شهادة عند رب العالمين.

    نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    حقيقة وجود الدجال وكيفية نهايته

    حديث الجساسة وحقيقة وجود الدجال

    الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم! صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.

    أما بعد:

    أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، وإن من تقواه التمسك بكتابه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم الذي حذرنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، فجزاه الله عنا خير ما جازى نبياً عن أمته.

    عباد الله! السؤال: هل الدجال موجود؟ وكيف تكون نهايته؟ فاسمع رعاك الله وبارك فيك.

    عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنهما قالت: (خرجت إلى المسجد فصليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكنت في صف النساء التي تلي ظهور الرجال، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: ليلزم كل إنسان مصلاه، ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكني جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال ، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً، فلعب بهم الموج شهراً كاملاً في البحر، وأرفئوا إلى جزيرة في البحر حين مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة -إما في آخر السفينة أو في القارب الصغير الذي يكون في السفينة- فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثيرة الشعر لا يدرون ما قبله من دبره؛ من كثرة شعر هذه الدابة، فقالوا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة -يعني: التي تجس الأخبار للدجال - انطلقوا إلى هذا الرجل في هذا الدير؛ فإنه إلى خبركم بالأشواق، قال -أي: تميم - : لما سمت لنا رجلاً فرقنا -يعني:خفنا- منها أن تكون شيطانة، قال تميم رضي الله عنه: فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً، وأشده وثاقاً، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟! قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم -يعني: ثارت بهم أمواجه- فلعب بنا الموج شهراً ثم أرفأ بنا إلى جزيرتك، فقال: أخبروني عن نخل بيسان -مكان بين الأردن وفلسطين- قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم، قال: أما إنه يوشك ألا يثمر، قال: أخبروني عن بحيرة طبرية، قلنا: وماذا عن شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زغر -قرية بمشارف الشام فيها عين- ، قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل بيثرب -يعني المدينة- ، قال: أقاتله العرب؟ قلنا له: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا له: نعم، قال: أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه -قالها وهو الدجال !- قال تميم : فقال لنا: إني مخبركم عني: إني أنا المسيح ، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج، فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة؛ فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة منهما استقبلني ملك بيده سيف صلت يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها) وهذا حديث صحيح وصريح وثابت من طرق متعددة.

    فـالدجال موجود، وينتظر فقط أن يؤذن له، والله أعلم.

    كيفية نهاية الدجال وأتباعه

    عباد الله! سيخرج الدجال كما أخبر الصادق المصدوق، فإذا عاث في الأرض فساداً جاء الأمر من الله بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام، ونزول عيسى علامة أخرى من علامة الساعة الكبرى التي أخبر الصادق المصدوق عنها، فينزل عيسى عليه السلام ليكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ليحيا من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة، لكن لماذا عيسى دون سائر الأنبياء؟ ذلك لأسباب، قال أهل العلم: إن اليهود تدعي أنهم قتلوه وصلبوه، ونزوله إبطالاً لباطلهم: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157]، قالوا: ونزوله دليل على قول من قال: إنه لم يمت، فلدنو أجله ينزل ثم يموت، فكل نفس ذائقة الموت، وقالوا: وجد عيسى في الإنجيل فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ [الفتح:29] فدعا عيسى عليه السلام ربه أن يجعله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فاستجاب الله دعاءه.

    فسيعيث الدجال في الأرض فساداً، ثم ينزل عيسى عليه السلام، فماذا يحدث للدجال إذا رأى عيسى عليه السلام؟ إذا جاء الحق زهق الباطل، وإذا جاء النور تبدد الظلام، وإذا جاء العدل هرب الظلم والظلمة والطغاة، فإذا رأى مسيح الضلالة مسيح الهدى ذاب كما يذوب الملح في الماء.

    وهذا منظر بديع حين ينزل عيسى عليه السلام، فقد ثبت في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان مرفوعاً: (فبينما هو كذلك -يعني الدجال - يعيث في الأرض يمنة ويسرة، إذ بعث الله المسيح عيسى ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد نفسه إلا مات حين رؤية عيسى عليه السلام، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه).

    الله أكبر إنه منظر جليل بديع يؤذن بنهاية الظلم والكفر والطغيان.

    قالت أم شريك في حديث آخر: (يا رسول الله! فأين الناس حينها؟! -أي: أين الناس حين ينزل عيسى عليه السلام؟- قال: هم يومئذ قليل وجلهم ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح - يعني: المهدي - فيسير الدجال حتى ينزل فيها يحاصر بيت المقدس، فبينما هو يحاصرهم إذ نزل عيسى عليه السلام، فيعرفه الرجل الصالح فيرجع القهقرى في صلاة الفجر؛ ليتقدم عيسى عليه السلام، فيضع عيسى عليه السلام يده بين كتفيه فيقول له: تقدم فصل فإنها لك قد أقيمت، فيصلي عيسى وراءه، فإذا سلم ذلك الإمام قال عيسى عليه السلام: افتحوا وأقيموا الباب، فيفتح باب بيت المقدس ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي، كلهم ذو سيف محلى وسلاح، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وانماع، ثم ولى هارباً، فيقول عيسى عليه السلام: إن لي فيك لضربة لن تسبقني بها، قال: فيدركه عيسى عليه السلام عند باب لد الشرقي فيقتله عليه السلام، ويهزم الله عز وجل يهوده ويقتلون أشد قتلة، فلا يبقى شيء مما خلق الله دابة ولا شجر ولا حجر يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود، قال صلى الله عليه وسلم: فيكون عيسى عليه السلام في أمتي حكماً عادلاً وإماماً مقسطاً، يدق الصليب، ويذبح الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض، وتملأ الأرض من السلم والعدل كما يملأ الإناء من الماء، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتكون الكلمة واحدة، فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها..) فلا جهاد؛ لأنه لا كفر في ذلك اليوم، ثم تتابع أشراط الساعة تلو الأخرى، ثم تعود الأرض إلى كفرها وشركها فلا يبقى على وجه الأرض مؤمن واحد، وعلى هؤلاء تقوم الساعة، ولعلنا في الجمعة القادمة نتابع الحديث إلى قيام الساعة وتتابع الأشراط.

    عباد الله! ما نذكر هذا إلا ليزداد المؤمن إيماناً: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ * فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:18-19]، وحتى ننجو من فتنته، فلا بد من المبادرة بالأعمال الصالحة، والاستعاذة من شره، وحفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، وفي رواية: من آخر سورة الكهف، فإنها تعصم من فتنته.

    أسأل الله أن يحفظني وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الموحدين.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

    اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين!

    اللهم احفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

    اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين!

    اللهم من أرادنا وبلادنا وبلاد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين!

    اللهم انصر المجاهدين في سبيلك الذين يقاتلون من أجل إعلاء دينك، اللهم انصر من نصرهم واخذل من خذلهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين! وسدد رأيهم ورميهم، وصن أعراضهم واحقن دماءهم، وفك أسرانا وأسراهم يا رب العالمين!

    اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا ربنا! من الراشدين.

    عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756235826