إسلام ويب

الشرك قديماً وحديثاً [1]للشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الله عز وجل منذ أن خلق الخليقة، وبث عباده في المعمورة، وهو يحذرهم من طاعة عدوهم الشيطان، الذي ما برح يدعوهم إلى الوقوع في الشرك، ويزين لهم طرقه على كثرتها، فإن أبواب الشرك كثيرة، وأسباب الوقوع فيه عديدة. والشيخ في هذه المادة يبين أنواع الشرك التي وقع ويقع فيها الإنسان، سواء شعر بذلك أو لم يشعر، وبين ما يترتب على كل من هذه الأنواع من الجزاء، مع الإشارة إلى الحقيقة الخطيرة التي ينبغي على كل إنسان التنبه إليها؛ ألا وهي أن الله قد يتجاوز لعباده عن كل عمل ومعصية دون الشرك.

    1.   

    الشرك وخطره

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

    وبعد:

    كنا بفضل الله تبارك وتعالى ومنه وكرمه قد تعرضنا في الأسبوع الماضي إلى موضوع الرجاء، وإلى نقد ما قيل فيه من أنه أضعف المنازل، وعلى هذا الأساس كان المفروض أن يكون موضوعنا في هذا اليوم هو نماذج من حياة السلف الصالح ممن غلب عليهم جانب الرجاء أو عرفوا به؛ لنعرف الفرق بين رجائهم ورجاء غيرهم عملياً.. الفرق بين الرجاء الإيماني الشرعي، وبين مجرد الغرور والأماني والكسل وترك الطاعة، هذا شيء وذاك شيء آخر.

    وهذا الكتاب كما تلاحظون هو مجموع ومنقول من عدة كتب، وفيه إضافات من المؤلف رحمه الله تعالى، فلذلك يحتاج إلى شيء من الترتيب، وشيء من تجميع كل القضايا أو الجزئيات المتعلقة بموضوع واحد في مكان واحد.

    فموضوع الرجاء مثلاً تكلم عنه الشيخ هنا، ثم دخل في بيان الأسباب التي تسقط العقوبة، ولها علاقة بالرجاء لا شك، لكن بعد ذلك أتبعه بفقره أخرى وهي قوله: (والأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام) ثم عاد فذكر الخوف والرجاء، والمحبة، وذكر كلام الهروي الذي نقدناه في درس متقدم.

    فلذلك يحسن أن نؤخر أيضاً بقية الحديث في الرجاء إلى حيث أخره المؤلف في الفقرة القادمة إن شاء الله.

    وهاهنا اليوم موضوع عظيم جداً، بل هو أعظم أبواب العقيدة كلها، وهو يستحق الحديث عنه لذاته دون أن يكون تابعاً لأي موضوع آخر، بل كل موضوع في العقيدة هو تابع له، وهو معرفة الشرك وخطره وضرره، وفي المقابل معرفة التوحيد الذي هو حق الله تبارك وتعالى على العبيد.

    التوحيد دعوة الرسل جميعاً

    فالتوحيد أعظم ما دعا إليه الرسل صلوات الله وسلامه عليهم. قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].. وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] وكل نبي بعثه الله تبارك وتعالى وقص علينا ما جرى بينه وبين قومه نجد أن أول وأعظم ما يدعو قومه إليه هو قوله: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، فقد دعا إليه نوح وهود وصالح وشعيب، وكذلك دعا موسى صلوات الله وسلامه عليه وعلى نبينا، وكذلك دعا عيسى عليه السلام: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [مريم:36] حتى جاء داعية التوحيد الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم فجاهد الناس جهاداً عظيماً على التوحيد، وعلى ترك الشرك، ونبذ عبادة ما سوى الله تبارك وتعالى، ونبذ اتخاذ الأنداد من دون الله أو مع الله عز وجل.

    الشرك محبط لجميع الأعمال ومخلد في النار

    والشيخ هنا إنما ذكر الشرك ليبين من الذي لا يرجو رحمة الله، فالذي لا يرجو رحمة الله هو المشرك، أما من عداه فإنه وإن كان من أهل الكبائر فإن له أملاً ورجاءً في رحمة الله، ولا يجوز أن يقطع هذا الأمل، أما الذين لا أمل لهم فهم الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ [هود:16] فهم المشركون، لماذا؟

    لأن أعمالهم لا تقبل جميعاً، كما قال تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ [النور:39].. وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23].. كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ [إبراهيم:18] فلا تقبل أعمالهم لأن الشرك هو أقبح القبائح، وأعظم الذنوب، وأكبر الجرائم، وأكبر الكبائر، فهو الذي يحبط الأعمال كلها، ولا يقبل معه أي عمل من الأعمال كائناً ما كان، وإن كانت صلاةً أو صياماً، أو صدقةً، أو دعوةً، أو جهاداً، أو أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر، مهما بلغ جهد من يجتهد، مهما كانت عبادته، مهما توسل إلى الله تبارك وتعالى بأي نوع من أنواع القربات وهو مشرك فلا يقبل الله تبارك وتعالى منه صرفاً ولا عدلاً.

    والشيخ رحمه الله تعالى يقول هنا: وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] ذكر أن المشرك لا ترجى له المغفرة؛ لأن الله نفى عنه المغفرة، فلا ترجى له ولا يرجوها لنفسه، ولا يرجوها أحد له مهما كانت قرابته أو صلته، فإن أقرب قريب لأعظم رسول وحبيب هو أبو الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك هل نفعه ذلك، هل نفعته قرابته، هل يشفع له النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل النار؟ لا.

    في صحيح مسلم أن رجلاً سأله عن أبيه، وفيه قال: (أبي وأبوك في النار) وليس لأحد عليك من حق أعظم من والديك، وليس أحد له قيمة عند الله سبحانه وتعالى ووجاهة أعظم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً، فلو أن أحداً ينفع أباه لنفع النبي صلى الله عليه وسلم أباه، وإنما شفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب أن يخفف عنه، لا أن يمنع من دخول النار أو أن يدخل الجنة، لا يدخلها أبداً.. إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].

    أيها الإخوة الكرام: هذا الشرك بابه عظيم، وشأنه جلل، وهو خطير، ولابد من معرفته والحذر منه، والتنبه له كبيره وصغيره، دقيقه وجليله.

    ومن أوفى ما كتب في هذا الموضوع.. عن الشرك -وقد أحببت أن أقرأه لكم، ونستفيد منه جميعاً ونرجع إليه- هو كتاب: الجواب الكافي لـابن القيم رحمه الله، الذي له عنوان آخر هو: الداء والدواء، والكتاب في الأصل هو عبارة عن جواب لسؤال عن كبيرة، عن سبب الذنوب التي تأتي من قبل الشهوة؛ لأن الذنوب إما أن تأتي من قبل الشهوة أو من قبل الشبهة، والذنوب الشهوانية مرجعها إلى مرض القلب، وأعظم مرض يصيب القلب من جهة الشهوة مرض العشق، فناسب أن يستطرد رحمه الله في الكلام عن الذنوب وخطرها وضررها، فتوسع في ذلك، ثم استطرد في بيان الذنوب التي لا يرجى معها خير أبداً وهو الشرك، أي: عند حديثه عن آثار الذنوب وخطرها وضررها ناسب أن يذكر أعظم الذنوب وأخطرها، وأشدها ضرراً على الإنسان في دينه ودنياه؛ لأنه إذا كانت الفواحش دون الشرك بتلك المنزلة من الخطر، إذا كان عقوق الوالدين.. إذا كانت الغيبة.. إذا كانت النميمة.. إذا كانت السرقة.. إذا كان الزنا.. إذا كان ظلم الناس، كل هذه الكبائر والموبقات توعد الله تبارك وتعالى عليها من الوعيد ما توعد، فما بالكم بالذنب الأعظم الذي ترجع إليه هذه الذنوب جميعاً، والذي لا ينفع معه عمل صالح ؟!!

    1.   

    التوحيد هو غاية خلق الجن والإنس

    يقول الشيخ رحمه الله تعالى: (إن الله عز وجل أرسل رسله، وأنزل كتبه، وخلق السماوات والأرض؛ ليعرف ويعبد ويوحد، ويكون الدين كله له، والطاعة كلها له) قاعدة عظيمة، يعرف .. ويعبد .. ويوحد، ويكون الدين كله له، والطاعة كلها له، هذا الذي من أجله خلق الله تبارك وتعالى الثقلين، وأنزل كتبه وأرسل رسله، والذي كثير من المسلمين يتكلمون في كل شيء إلا فيه، قد يتكلمون في الرقائق والفضائل، في النوافل.. في الأخلاق.. في المعاملات، ولا يتكلمون على هذا الذي هو الأساس والأصل.

    عبادة الله سبحانه وتعالى

    معرفة صفات الله رب العالمين

    وأعداء التوحيد يتهاونون في الأسماء والصفات، ولا يريدون أن يعرِّفوا الناس بالله سبحانه وتعالى، ولا أن يحببوا رب العالمين إلى العبيد، ولكن أهل السنة والجماعة من عقيدتهم أن أعظم شيء في هذا الدين أن يعرف الناس رب العالمين ويوحدوه، والاستدلال على ذلك جلي في كتاب الله، فأعظم سورة في كتاب الله هي الفاتحة، وهي تعريف بالله كما بينا فيما مضى، وأعظم آية في كتاب الله آية الكرسي، وهي أيضاً تعريف بالله وصفاته سبحانه وتعالى.

    وكما قال في المائدة: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المائدة:97] فالذي لا يعلم ذلك لا خير فيه ولا في عبادته، فإنما شرعت هذه الشرائع، وفرضت هذه الفرائض ليعرف الله تبارك وتعالى، ويعبد وحده لا شريك له.

    قال: فأخبر سبحانه أن القصد بالخلق والأمر في قوله: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54] يعني: القصد والغرض من خلق العباد، ومن أمرهم ونهيهم؛ أن يعرف بأسمائه وصفاته، وأن يعبد وحده لا يشرك به، وأن يقوم الناس بالقسط -وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض- ويتركوا الظلم.

    أعظم العدل هو التوحيد

    قال: ومن أعظم القسط التوحيد، وهو رأس العدل وقوامه، والشرك هو أعظم الظلم، كما في قول العبد الصالح لقمان الحكيم : يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] فأعظم أنواع الظلم هو الشرك، كما أن أعظم أنواع الأمر بالمعروف هو الأمر بالتوحيد، فقول الله تبارك وتعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ [الحج:41] أعظم ما يؤمر به هو توحيد الله عز وجل، وأعظم منكر يجب أن ينهى عنه هو الشرك بالله عز وجل.

    فأعظم عدل ذكَّرنا الله تعالى وأمرنا به.. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل:90] هو توحيد الله سبحانه وتعالى.

    ثم بعد ذلك العدل فيما ولي الإنسان، حتى في بيته، وكل إنسان له ولاية بقدر حاله كما قال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع، وكل راعٍ مسئول عن رعيته) ولهذا كان المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين؛ لأنهم يعدلون في أهليهم وما وُلوا.

    قال: (فالشرك أظلم الظلم، والتوحيد أعدل العدل، فما كان أشد منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر)، أي: ما كان فيه منافاة لما خلق الله سبحانه وتعالى من أجله الناس ولما أمرهم به، فهو أكبر الكبائر، وإنما تتفاوت الكبائر بحسب قربها من الشرك؛ فكل معصية تمس جانب العقيدة فبقدر ما يكون فيها من الإخلال بجانب العقيدة تكون أكبر.

    وعلي فأيهما أعظم: الذنوب التي يفعلها العبد ويرتكبها من جهة الشهوة، أم التي يرتكبها من جهة الشبهة والبدعة؟

    الشبهة والبدعة!

    لأن البدع والشبهات أقرب إلى الشرك، فمن هنا كانت أخطر من الذنوب التي لا يقترن بها شبهة ولا بدعة.

    على أن البدع درجات، كما أن الذنوب الشهوانية العملية درجات أيضاً كما سبق ذلك.

    1.   

    حقوق الإنسان والأساطير الكاذبة

    يقول: (فتأمل هذا الأصل حق التأمل، واعتبر به وبتفاصيله، تعرف به أحكم الحاكمين، وأعلم العالمين فيما فرضه على عباده وحرمه عليهم، وتفاوت مراتب الطاعات والمعاصي، فلما كان الشرك بالله منافياً بالذات لهذا المقصود كان أكبر الكبائر على الإطلاق، وحرم الله الجنة على كل مشرك أياً كان، وأباح دمه وماله لأهل التوحيد) هذا الذي رفض وأبى واستكبر أن يكون عبداً لرب العالمين يستحق من العقوبة في الدنيا أن يكون عبداً لمن يعبد رب العالمين، لا ننخدع بمن يقول: الإسلام ليس فيه رق، وأن الرق هذا يتنافى مع الحضارة، أو يقول: لا يعقل أن يوجد في القرن العشرين رق، وأن الإنسان يستعبد الإنسان؟!

    فيأتي المدافعون المغرورون المهزومون، فيقولون: الإسلام ليس فيه رق أبداً، لأن القرون الأولى أيام الرومان واليونان كانت الحروب بينهم فيها رق وعبودية، فجاء الإسلام على وضع من قبله فأقره، وبعضهم ينكر على استحياء فيتخافتون بها، سبحان الله!! هل في ديننا ما نستحيي منه؟. هل في ديننا ما نخافت به؟. هل في ديننا ما نداري الخلق من أجله؟!! فهذا الرق مما شرعه الله سبحانه وتعالى، ومما يدل على فضل التوحيد وأهله، وعلى إهانة الله تبارك وتعالى للشرك وأهله، فلا مكرم لهم، ولا قيمة لهم عند الله سبحانه وتعالى.

    حقوق الإنسان التي يعبرون عنها بالميثاق الدولي لحقوق الإنسان، أسطورة الكاذبة، فلم يأت دين بمثل ما جاء به هذا الدين والحمد لله، الله تعالى هو الذي خلق البشر وجعل لهم هذه الحقوق، وأعظم حق للإنسان أن يعبد الله وحده لا شريك له، ولا يعبد شيئاً من دونه، هذا هو أعظم حق؛ لأنه الذي من أجله خلق، ومن أجله قامت السموات والأرض وبه قامت.

    أما أن يكون من حقوق الإنسان -كما جاء في الميثاق الدولي لحقوق الإنسان- أن يغير الإنسان دينه كما يشاء، حتى لو كان مسلماً يرتد ولا أحد يملك شيئاً من ذلك ولا يمنعه، فهذا غير مقبول.

    أبداً، هذه إضاعة لأعظم وأكبر حق وهو حق الله تبارك وتعالى، فلو كان هذا الميثاق يدعو الناس إلى أن يكونوا جميعاً مسلمين موحدين لله عبيداً له فنعم، هذا هو الحق، ومن ارتد منهم فإنه يقتل إلا أن يعود إلى إيمانه، أما هذه الحقوق فزيف وكذب، وإنما عرفها الغرب بعد الثورة الفرنسية، عرفتها أوروبا لأنها عاشت في ظلام وظلمات لم يخرجها منها أحد، لماذا؟

    لأنها لم تدخل في دين الله، ولم تعتنق الإسلام، أما المسلمون فهم في غنىً عن أن يقال: إن لك حرية التنقل، وحرية العمل مكفولة، وحرية العيش الكريم، وحرية صيانة المنازل، هذه بدهيات في ديننا، لا تحتاج إلى أن تقرر ولا أن تقال، فمنذ أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وهذه الحريات والحقوق مكفولة مضمونة، ومن انتهكها خالف أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأثم في الدنيا والآخرة، فهي لا تحتاج إلى تأكيد، لكن لا ننسى الحق الأعظم، وهو أن هذا الإنسان له الحق والحرية أن يعبد الله تعالى كما يشاء، أي: أن يكون حراً في أن يتدين بدين الله عز وجل، وأن يعبد الله سبحانه وتعالى كما أنزل وكما بعث رسوله صلى الله عليه وسلم دون أن توضع عليه القيود، التي منها: لا تتحجبي أيتها المرأة.. لا تفعل كذا.. لا تحج.. -كما فعلت دول أوروبا الشرقية إلى حدٍ قريب- لا تبنوا المساجد، لا تطالبوا بالاحتكام إلى الكتاب والسنة.

    فالحرية في داخل الكتاب والسنة، فهو دين الحرية الحق، الذي يحرر الإنسان من الشهوات ومن عبادة الشيطان، ومن عبادة الأنداد والبشر، والأحبار، والرهبان، والكهان، والأباطرة، وغير ذلك ممن ادعى الألوهية أو الربوبية مع الله سبحانه وتعالى.

    فهؤلاء لما تركوا القيام بعبودية الله استحقوا أن يكونوا عبيداً لمن قام بحق العبودية لله وهم المؤمنون، ولذلك انظروا إذا ترك المؤمنون التوحيد سُلط الكافرون عليهم عقوبة لهم أيضاً؛ لأنهم عرفوا الحق وتركوه وتنكبوا طريقه.

    1.   

    الظلم والجهل أساس كل شر في الإنسان

    يقول: (أبى الله أن يقبل من مشرك عملاً أو أن يقبل فيه شفاعة، أو يستجيب له في الآخرة دعوة، أو يقبل له فيها رجاء). هذا ليس له رجاء أبداً، فإن المشرك أجهل الجاهلين بالله، حيث جعل له من خلقه نداً، وذلك غاية الجهل به، كما أنه غاية الظلم.

    أسوأ صفتين في الإنسان.. واحدة منهما تكفي، لكن إذا اجتمعتا فلا شر أكثر منهما.. ما هما؟

    إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72] فهما: الظلم والجهل، غاية الجهل أن يجعل مع الله نداً، وغاية الظلم أن يسقط حق الله ويعطيه لغير الله بالشرك، هذا غاية الظلم وغاية الجهل.

    فإذا اجتمع الظلم والجهل فكل شر في الدنيا خطر على بالك فهو آت من قبل الظلم أو الجهل، فالمشرك جاهل بالله، ما قدر الله حق قدره، ولهذا عبد معه غيره، وهو ظالم لنفسه مبين أشد الظلم بصرفه حق الله الخالص وإعطائه لغيره، عبد مثلك، بشر، مخلوق، يقول كما قال فرعون وقومه: أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ [المؤمنون:47] يريدون أن يستعبدوا الناس كما ذكر الله سبحانه وتعالى، لكن لا لوم في الأصل فهم كلهم ملامون، لكن المقصود أن أصل الشر والبلاء يأتي من قبل العابدين؛ لأن المعبودين من دون الله تعالى أسماء سماها العابدون، لو لم يعبدوهم ما كانوا شيئاً، ما منزلة فرعون لو قال له قومه: حين قال: أنا ربكم الأعلى.. كذبت أنت بشر مثلنا، ماذا سيفعل فرعون؟ لا شيء، فما بالك بالحجارة، أو شجرة عبدت من دون الله؟ فإذا ترك الناس عبادة الشجرة هل تضر شيئاً أو تنفع؟!

    كلها أسماء، العادات أنها أسماء: المبادئ، الحرية، والديمقراطية والاشتراكية، أسماء سماها الناس وجعلوها أصناماً، فإذا تركوها لا تفعل شيئاً أبداً.

    إذاً: من السبب الحقيقي؟ العابدون، ولهذا هل ينفعهم يوم القيامة عندما يشكون إلى الله سبحانه وتعالى يقولون: إن الذين أضلونا هم هؤلاء الكبراء.. وهل ينفعهم قولهم: إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ [الأحزاب:67] وغير ذلك مما قص الله تبارك وتعالى كما في البقرة وفاطر وغيرها من السور، هل ينفع؟

    لا ينفع الضعفاء هذا العذر؛ لأنه في الحقيقة لو تأمل المتأمل لوجد أنه لولا هؤلاء الضعفاء لما تفرعن أو المعبودون من دون الله سبحانه وتعالى.

    إذاً: هذا الجاهل بالله هو الذي يدعو غير الله مع الله، وهو هذا المشرك.

    1.   

    أنواع الشرك

    ثم يبين بعد ذلك شيئاً آخر فيقول: (الشرك شركان). الشرك شركان، أي من حيث الأصل كقاعدة كبيرة (شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته، والآخر شرك يتعلق بعبادته ومعاملته، فالأول يتعلق بما هو من خصائصه تبارك وتعالى، أما الثاني فهو في معاملته، وفي عبادته، فيما يتقرب العباد به إلى الله عز وجل).

    يقول: (وإن كان صاحبه -يعني: الشرك- يعتقد أنه سبحانه لا شريك له في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لذلك أهل الكلام من الأشعرية والمعتزلة وأشباههم يقولون: معنى التوحيد أن تعتقد أن الله واحد في ذاته وصفاته وأفعاله).

    هل هذا هو التوحيد الحقيقي؟! اعتقاد أنه واحد ليس مركباً ولا مبعضاً، ليس اثنين ولا ثلاثة.. بل واحد، أي: في ذاته واحد، في أسمائه وصفاته واحد، في أفعاله واحد؟ لا. ليس هذا التوحيد فقط، هذا جزء من التوحيد، يجب أن يكمل بأن يعبد وحده لا شريك له، يتقرب إليه وحده لا شريك له، فيكون إخلاصك ورجاؤك ويقينك وصدقك وخوفك ومحبتك وإنابتك ورغبتك وصلاتك وصيامك وقيامك وحجك ونذرك كله لله، مع ما يتعلق بصفاته، لكن هم أخطئوا في الصفات كما أخطئوا في المعاملة.

    شرك متعلق بذات الله وأسمائه وصفاته

    وقال: (الشرك الأول -المتعلق بذاته وأسمائه وصفاته- نوعان: أحدهما شرك التعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فرعون إذ قال: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:23]) ما معنى قول فرعون: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:23] هل هو كما يقول المجادلون أو المتنطعون سؤال عن الماهية، أي: أخبرني ما ماهيته، ما حقيقته؟

    كلام فرعون هنا على سبيل الإنكار، أي: لا رب، لا أحد، إلى أي شيء تدعو؟ أنا ربكم الأعلى! هكذا يزعم فرعون، ولهذا قال فرعون لهامان: يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً [غافر:36-37] لا يوجد شيء من كلامهم على الأقل من وجهة نظر فرعون المعلنة، لا نعني داخل الأمر.. أما باطن الأمر قال الله عنه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً [النمل:14] ولهذا يقول له موسى عليه السلام: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ [الإسراء:102] تعلم يا فرعون أن الله تعالى هو الذي أنزل هذه الآيات وهذا الدين، ففي الحقيقة فرعون يعلم.

    هل يستطيع عاقل أن يدعي أنه رب العالمين؟ في الحقيقة والواقع لا، لكن هذه شهوات وأبهة، وملك وغرور.. إِنْ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ [الملك:20] يا فرعون أأنت رب العالمين؟ أنت الذي لم تنجب ولداً من نفسك تكون رب العالمين؟ كيف يعبدك هذا الشعب الذي لا عقل له؟! الشعب المستخَف كما قال الله تعالى: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ [الزخرف:54] الأمة الفاسقة المتحللة الضائعة، التي تميل إلى الإباحية والعري والفساد، وإلى إضاعة الأوقات، يستخفها أي مجرم وأي كذاب، يأتي ماركس ولينين فيقولا: نحن أتينا بأفضل شريعة، نقول: معك يا لينين ؟ وجاء القوميون وقالوا: لا، القضية قومية عربية.. قلنا: معكم يا قوميون، الاشتراكيون مع الاشتراكيين، البعثيون الملايين من الناس تصفق لهم، مع كل من يدعو إلى ضلالة؛ لأنهم استخفهم الذين عرفوا ضعفهم وفسقهم، وفجورهم.

    الأمة التي لا تفسق ولا تفسد ولا تفجر تملك عقلها، ولهذا يردعها ذلك عن أن يستخفها أحد، فهذه الأمة لماذا لم تفكر؟ تصدقون أنه ربكم وتجتمعون يوم الزينة لتروا النتيجة؟! وهل في ذلك من شك، هل تحتاجون أن تروا النتيجة؟!! لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ [الشعراء:40] يعني: الاحتمال الراجح عندهم أنهم هم الغالبون، عجيب والله!! ما تزال القضية غير واضحة في أذهانهم وهم يرونه لم ينجب، يعني: هذا الشعب كله خلقه وهو لم ينجب من نفسه وإنما هو عقيم كما يعلم الجميع، ولهذا أتاه الله تعالى من بابه، من مأمنه يؤتى الحذر.. وأتي من مقتله، لماذا؟ لأن ضغط حنان الأمومة الذي تشعر به الزوجة التي لا ولد لها يؤثر دائماً على أعصاب الرجل الذي لا ينجب فقالت: قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً [القصص:9] فوافق؛ لأنه لا يستطيع أن يقول: لا، ليس معه ولد فلابد أن يسكت، فلتفعل بهذا الولد ما تشاء، ولِتربه كما تشاء، فربى الله تبارك وتعالى موسى في بيت فرعون: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً [القصص:8] من هذا المقتل أتي وقتل فرعون لما أراد الله تبارك وتعالى أن يُظهر وأن يُحقق ما أراد، رغم كل الاحتياطات التي جعلها للقضاء على من يقضي على ملكه كما أُخبر.

    إذاً: أقبح أنواع الشرك هو شرك التعطيل، وهو شرك فرعون ومن اتبعه.

    تلازم التعطيل والشرك

    قال: (والشرك والتعطيل متلازمان، فكل مشرك معطل).

    التعطيل لغة: هو الإخلاء، أو الإفراغ، إنسان ينكر صفات الله سبحانه وتعالى وأسمائه هذا يقال له معطل، وكل مشرك معطل، وكل معطل مشرك؛ لأنه لما أشرك بالله عطل الله سبحانه وتعالى، عطل أسماءه أو صفاته مما هو من خصائص ذاته.

    وكذلك كل معطل مشرك؛ لأنه لما ترك هذا الخاصية من خصائص الله تعالى فإنه قد أشرك معه غيره، وغالباً ما يجعلون بعض هذه الصفات لغير الله سبحانه وتعالى.

    قال: (لكن لا يستلزم أصل التعطيل، بل قد يكون المشرك مقراً بالخالق سبحانه وبصفاته، ولكن عطل حق التوحيد).

    من جهة أخرى: قد يكون العبد مقراً كحال أكثر الناس اليوم، وبالذات من يدعي الإسلام، فحاله: كلنا مسلمون والحمد لله، تقول له: لابد من التوحيد؛ فيقول: يا أخي! أنحن كفار.. مشركون..؟ الحمد لله نحن أمة محمد، وكلنا نقرأ القرآن، فتقول له: أهم شيء تتعلمونه هو العقيدة، فيقول: العقيدة معروفة ومعلومة لدينا والحمد لله. في عمرك هل رأيت أحداً قال: أنا أجهل العقيدة إلا طالب علم صادق؟ أما العامة من الناس والمكابرون: يقولون: كلنا نعرف والحمد لله.. لا يرون أنه ينقصهم شيء أبداً، من هنا يؤتون، فهم مقرون بأسماء الله وبصفاته وبشيء منها، ولكنهم مضيعون لحقه.

    1.   

    أنواع شرك التعطيل

    قال: (وأصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها هو التعطيل، وهو ثلاثة أقسام:

    تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه

    القسم الأول: تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه)، أي: تعطيل الخلق عن الخالق، هذا أول نوع من أنواع التعطيل: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35] مخلوقات أمام أعيننا يدعون أن لا خالق لها، عطلوها عن خالقها تبارك وتعالى، لذلك فالذين يشركون بالله من الشيوعيين أو الملحدين، أو الغربيين، لابد أن يجعلوا خالقاً غير الله، وفي اللفظ يقولون: هذه لا تحتاج إلى خالق، لكن في الحقيقة لابد أن يفترضوا خالقاً أو موجداً ما؛ لأنه لا يمكن الأمر إلا بذلك، ما الذي جعلهم يهربون من افتراض وجود خالق؟

    لأنهم إذا قالوا: الله أو الرب، فالمقصود به عندهم هو ذلك البابا، صاحب الكنيسة المكون من ثلاثة أقانيم، الذي تجسد في شكل إنسان وصلب على الصليب، ثم صعد إلى السماء، أفذاك هو الذي خلق السموات والأرض؟ هذا غير ممكن القول به، إذاً هل من الحل أن يقال: ليس لها خالق؟ كأنه أسهل في نظرهم أن يقال: ليس لها خالق، وخاصة إذا كان هذا الرب الذي تذكره الأناجيل المحرفة ويدعي البابا وأتباعه الإيمان به مقرون بالعنف، بالقوة، بالسيطرة، فإذا خالفت أي شيء من كلام رجال الدين فأنت كافر، زنديق، حلال الدم والمال، فهربوا من ذلك إلى الإلحاد.

    فلما هربوا من إثبات الإله والرب صاروا معطلين.

    لكن هل غابت القضية عن أذهانهم ونسوها ولم يفترضوا خالقاً؟

    افترضوا.. فقال بعضهم: الطبيعة، يقول: هذا الكون الذي أمامك هو الطبيعة! لكنا ما استفدنا شيئاً من كلامكم! لأن معناه أن هذا المخلوق هو الخالق! فالطبيعة أوجدتها الأشياء، وهذه الأشياء هي الطبيعة، فلم نستفد شيئاً، إذاً أين الرب الذي خلقها؟!

    وهم إنما يقولون ذلك ليهربوا من إثبات هذا الدين.

    قال بعض الفلاسفة اليونانيين القدامى: العلة الأولى. ولهذا لما جاء العلم الحديث أنكروا المنطق كله بعلله وبلاياه، ولا يؤمنون به ولا بكلام أرسطو ولا أفلاطون، لا في التوحيد.. لا في الألوهية.. لا في الصفات.. تركوه نهائياً، إذاً: ماذا يسمى؟

    بعضهم يقول: أنا أتوقف، وهذا حال كثير من الملحدين في العالم اليوم، أو الذين يسمون أنفسهم الربوبيون، الترجمة الصحيحة أن يقال: الربوبيون، وإن كان بعض المترجمة يقول: المؤلهون، في الحقيقة ليس تأليهاً وإنما هو ربوبية، يقولون: نؤمن بإله لكن لا نستطيع أن نتبع دينه -لأنه ليس له دين في نظرهم في الأرض- أو نتوقف، وهؤلاء الذين يسمونهم: اللاأدريين، أو الربوبيين، هذا موقفهم؛ لأنهم عطلوا المخلوقات عن خالقها جل وعلا ولم يؤمنوا به كما أمر تبارك وتعالى.

    لكن عقولهم تلح عليهم أن لهذا الكون خالقاً، فبعضهم كأن الأدلة تكافأت عنده فقال: لا أدري، وبعضهم قال: لا، أثبته لكن على غير طريق الكنيسة، ولا يعرف له أي صفة من الصفات، إنما يقول: لابد من وجود إله، وهذه من آخر أو أحدث، النظريات الأخيرة جداً عندهم في علم الطبيعة أو الفيزياء، وهم منذ أربعين سنة تقريباً لا تجد عالماً متخصصاً في العلوم الطبيعية في أمريكا لا يؤمن بوجود إله، لكنه ربوبي وليس مسلماً، لكن المهم أنه لا ينكر، لماذا؟ لأن آخر النظريات التي منها نظرية الانفجار العظيم مضمونها أن قوانين الديناميكا الحرارية، وقوانين الهندسة الوراثية أو الجينات، وغيرها لا يمكن أن تتصور إلا من مدبر حكيم، العلوم الحديثة في نشأتها لا يمكن أن يتخيل أهلها أو يعقلوا أن هذا الكون نشأ إلا وقد أوجده وأنشأه خالق حكيم مدبر لا حد لحكمته ولا حد لتدبيره.

    هكذا هم يقدرون ويصفونه من عند أنفسهم من خلال ما عرفوا من آثار هذه الصفات في خلقه، حتى إنهم عندما يتحدثون عن علم الجمال، الذي كان في القديم مجرد مبحث من مباحث الفلسفة العتيقة، الآن الحديث عن الجمال أصبح عند هؤلاء موجوداً دون أن يقال لهم من جهة أي أحد من المؤمنين، لكن هم قالوا: الجمال الذي في الكون يدل على أن له إلهاً في غاية الحكمة، وأن هذا الإله جميل، ولذلك يقولون: لو كان الغرض من الزهرة الأغصان إذا جردت عن الجمال فسيبقى هذه الألوان!! ألوان عجيبة جداً، فهم كما ترون عندما يصنع الإنسان أعظم وأدق الألوان، وتتعرض للشمس فترة من الزمن فإن اللون يتغير أو يبهت أو يضعف، خذ أقوى أنواع العطور وأغلالها وأثمنها وضع منه في الغرفة منه في اليوم الأول، ثم انظر غداً أو بعد غدٍ تجده قد زال، وهذه الأزهار الفواحة التي تتلون بأجمل الألوان.. هي في غاية النعومة والرقة، وفيها ألوان في غاية الجاذبية والجمال، والأشكال التي لا تكاد تخطر على البال، وتفوح منها هذه الرائحة الزكية طوال الأيام والليالي لا تنفد، مع أنها من ماء وتراب، لا يمكن إلا أن خالقاً خلقها وقدرها كذلك، فهم تعجبوا.

    قالوا: حتى حبيبات الثلج الصغيرة جداً لما وضعوها تحت المجهر، وجدوا أن لها أشكالاً سداسية وأشكالاً ثمانية، إذاً: الإنسان المسكين ينظر من بعيد فيرى هذه الأشياء كأنها عبث، لكن عندما يدقق يجد فيها من الجمال والتناسق شيئاً عجيباً جداً، الإنسان الواحد منا عندما ينظر إلى الجبال يراها مختلفة.. بين جبل طويل وجبل قصير وأشكال مختلفة، ولو تجمع ألف حجر أو مليون فإن كلاً منها يختلف عن الآخر، والسبب في هذا أن هذا نوع من أنواع الجمال، نحن لا ندركه، كيف لا يدرك الإنسان الجمال؟!

    الإنسان عقليته بسيطة، يحب أن يرى شيئاً مربعاً، أو مثلثاً، أو مستطيلاً.. دائرة، الأشكال الهندسية المعروفة عندنا لأنها مبسطة، تفترض ضلعاً مربعاً هكذا، وفي الذهن تكمل الضلع الآخر والثالث والرابع، هذه عقلية مبسطة، لكن لو ارتقى الإنسان بعقله قليلاً لأصبح في شيء أكثر من هذا التبسيط، ثم أكثر ثم أكثر، حتى يجد أن موج البحر -كمثال- لا يستقر على شكل معين، وهذا غاية ما في الكون من جمال، وفيه دليل على أن لهذا البحر رباً يحركه كل لحظة، وهو الذي يديره سبحانه وتعالى، فتجد هذه الحركات المتغيرة وهذه الأشكال والألوان، فأينما نظروا كما ذكر الله سبحانه وتعالى: مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ [الملك:3-4] تأملوا فوجدوا العجب العجاب! وجدوا أن أصغر ذرة في الكون عندما توضع تحت المجهر الذي ما عرفه الملاحدة في القرن الماضي أو في أول هذا القرن ممن كانوا يظنون أنهم حملة العلم، وجدوا أن هناك كهيربات، ومدار تدور فيه، ونواة، سبحان الله! فإذا تأملوا في الفضاء وجدوا أن هناك مدارات هائلة جداً، المدار هو المدار، الفرق أن هذا مداره في حيز لا يكاد العقل يتصور ضيقه، وهذا المدار يبعد ملايين الكيلومترات، وهل الفلكيون يعبرون فيقولون مليون كيلو.. مليون ميل؟! ليس عندهم هذا، عندهم مليون سنة ضوئية، يعني: السرعة محسوبة بسرعة الضوء، الضوء يقطع -كما جربوه هم تجربة عملية مع الزمن تقريباً نظرية تكاد تكون صحيحة مائة بالمائة- أنه يقطع ثلاثمائة ألف كيلو في الثانية، أسرع شيء في هذه الدنيا هو الضوء، يعني: أنت لو تكلمت وناديت شخصاً وعندك (كشافاً) ثم أضأت الكشاف يصل النور إليه قبل ما يسمع كلامك، وهذا مجرب، فالبرق يصل قبل صوت الرعد، فأسرع شيء هو الضوء.

    لا يمكن أن يحسب الكون بملايين الكيلو مترات أبداً، إنما بملايين السنين الضوئية، ولما تعمقوا أكثر وأكثر أصبحوا لا يقدرون أن يحسبوا الملايين، فأيضاً اصطلحوا على اصطلاح هو (تليون).. ليس هناك اصطلاح يجمع السنين الضوئية، المهم أنهم عجزوا وسأخبركم به بعد، لما قال الله تبارك وتعالى: وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى [النجم:49] الشعرى اليمانية، وهي نجم عظيم في السماء، وكل من يعلم الشعرى هذه لا شك أنه يؤمن بالله وبعظمة الله، رب هذا النجم والكوكب العظيم الذي في السماء، لكن الأولون أو بعضهم على الأقل كانوا يتخيلون أن الأرض هذه والسماء سواء، وأن هذه النجوم بعيدة وعالية، لكن إلى حد ما كأنها جبل، يعني: نفرض أن الشعرى مثل جبل أحد ، لكن من بعدها نراها صغيرة، لكن الآن يقولون: الشعرى تبعد عن الأرض ستة ملايين سنة ضوئية، بمعنى آخر: يحدث انفجارات كبيرة جداً في بعض النجوم تتلاشى وتتحول إلى أشياء متناثرة في الفضاء، فلو انفجرت الشعرى وانتهت ودمرت فلا يعلم الناس أنها انفجرت ودمرت إلا بعد ستة ملايين سنة، لأنهم يظلون يرونها من شدة بعدها، فهذه حقائق مذهلة جداً، وهذا الكلام بالنسبة لعلومهم يعتبر عادياً جداً، يتعلمه أبناؤنا وإخواننا في المتوسطة والثانوي، لكن المتعمقون منهم يصلون إلى نظريات مذهلة جداً، فتضطر أعصابهم وشعورهم وعواطفهم ومشاعرهم أن تقول: الله، أو الخالق، لا يمكن إلا أن يكون هناك خالق وراء هذا الكون البديع، حتى وجدوا من جملة العجائب التي وجدوها.. أن وجدوا مجرات في أطراف الكون ولم يعرفوا آخره، ولن يعرفوه يكون على شكل: رأس الحصان، يسمونها: مجرة رأس الحصان، وبعضها على شكل كذا.. وبعضها على شكل كذا.. يعني: شيء عجيب جداً، وجدوا الدقة.. الحكمة.. الإبداع.. الإتقان.. وفي نفس الوقت الجمال، ليس مجرد إتقان في الصنعة، لكن مع هذا الإتقان جمال عجيب، جمال في الشمس، وجمال في الأرض، وجمال في القمر، وجمال في البحار، وجمال في الصخور، بحيث أن بعض الحجارة أو بعض الصخور يشاهد فيها أشكال عجيبة جداً في منظرها وجمالها.

    وبعض الجمال لا تراه العين المجردة كما قلنا: حبيبات الثلج ما فيها جمال، لكن عندما يريدون أن يدققوا ويضعونها تحت المجهر يرون من الجمال أعاجيب وأعاجيب، هذا كله دليل على أن لهذا الكون خالقاً.

    إذاً: من أعظم أنواع الجاحدين والكافرين والمعاندين الذين ينكرون أو يعطلون الخلق عن الخالق، هذا النوع الأول من أنواع التعطيل.

    تعطيل الخالق سبحانه وتعالى عن كماله

    والثاني: تعطيل الصانع، أو الخالق. ورد الصانع في حديث: (الله خالق كل صانع وصنعته) وفي قوله سبحانه وتعالى: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل:88] فيجوز إطلاق الصانع، والأفضل أن يقال: الخالق. فنقول: تعطيل الخالق عن كماله بتعطيل أسمائه وصفاته، وهذا النوع لا ينكرون وجوده، ولا أنه الخالق، لكن ينكرون صفاته وأسماءه، كما يقول أهل الكلام: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا نقول: إنه يغضب، ولا نقول: إنه يرضى، ولا نقول: إنه ينزل.. قالوا: حتى لا نقع في التشبيه، فينفون ويعطلون صفات الله سبحانه وتعالى، ويثبتون شيئاً شبيهاً بالعدم، أو هو العدم؛ حتى التفتازاني من أئمتهم الكبار اعترف أنه من الصعب جداً نقض كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لما قال: إن قولك: إن الشيء لا داخل ولا خارج، ولا فوق ولا تحت، ولا أمام ولا خلف إلى آخره، قولك هذا معناه غير موجود، لا يمكن للعقول أن تفرق بين هذا وهذا، فأفضل لك أن تقول: غير موجود، لكن الله تعالى موجود، إذاً: أين هو؟ يقول: لا تسأل عنه بأين، لا داخل ولا خارج...

    لكن الذي سأل عنه بأين من هو؟

    رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال للجارية: (أين الله؟ فقالت: في السماء) إذاً: هذا نوع من أنواع التعطيل، والكلام فيه طويل، وقد بسط والحمد لله كثيراً في مباحث تقدمت من هذا الكتاب.

    تعطيل معاملة الله سبحانه وتعالى

    والثالث: تعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد. يوجد أناس يقولون: نحن نؤمن بالله، وأن لهذا الخلق خالقاً، ونؤمن بجميع الأسماء والصفات، ولو تقول له: اليوم وجدنا حديثاً يثبت شيئاً من صفاته، يقول: الحمد لله نحن نؤمن به.. نحن على التوحيد، ونحن من أهل السنة ، لكن يعطله عن حقه في المعاملة، وفي الطاعة، بالشرك الكلي أو الجزئي.

    الكلي: كأن يعبد غير الله سجوداً وصلاةً وصياماً لغير الله.

    والجزئي: كأن يقع في الرياء مثلاً، أو في صرف بعض الأنواع لغير الله، أو في بعض الأوقات، أو في بعض الحالات لغير الله تبارك وتعالى، فهذا هو النوع الثالث من أنواع التعطيل.

    قال: (ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود الذين يقولون: ما ثَمَّ خالق ومخلوق، ويقولون: ما هنا شيئان، بل الحق المنزه هو عين الخلق). هذه جماعة محمود محمد طه وأمثاله، وغلاة الصوفية في القديم والحديث، هذا نوع آخر يقول: ما ثمة خالق ولا مخلوق، عياذاً بالله! ويقولون: الخالق عين المخلوق، والمخلوق عين الخالق. هؤلاء بلغوا من الكفر إلى حد لا تستسيغه العقول، وأظن أنني ذكرت لكم مرة أنه قابلني واحد منهم في بلاد الحرية، وكان المركز ممتلئاً بالناس في المسجد، فتحدثت فجاء يقول: إنه هو الله!! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً! قلت: كيف تقول هذا يا رجل.. أأنت مسلم؟ قال: نعم مسلم، لكن هذا حقيقة التوحيد، قلت: هذا أكفر الكفر، وأعظم أنواع الكفر، قال: النصارى كفرت؛ لأنها جعلت الآلهة ثلاثة، لكن نحن نقول: كل شيء هو الله! يرى المسكين المخدوع -لأن شيخهم لقنهم ذلك- أن كفر النصارى لأنهم جعلوا الآلهة ثلاثة فقط، وفرعون كفر عندما قال: أنا ربكم، والحقيقة يقول: هو والشعب رب، عياذاً بالله! أرأيتم كيف الكفر؟! فهذا الكفر هو شر وأقبح أنواع الكفر عند جميع أهل الملل، كل من يعرف الله أو يعبد الله أو يتحدث عن الله يُكفِّر هذا النوع، اليهود يعتبرونهم كفاراً، ويوجد في اليهود بعض الحلولية والاتحادية، والنصارى الذي يزيد عن الثلاثة عندهم كافر، إذاً: هم كفار حتى عند النصارى، كفار عند البوذيين، كفار عند الهندوس إلا من كان على مثل هذه النحلة الخبيثة، ومع ذلك يدعون أنهم هم أهل التوحيد والعياذ بالله!!

    وكذلك الجهمية الذين عطلوا صفات الله وأسمائه كما ذكرنا، هذا نوع من الأنواع.

    هذا النوع الأول شرك التعطيل.

    1.   

    من أنواع الشرك

    شرك النصارى

    والنوع الثاني: شرك من جعل معه إلهاً آخر، ولم يعطل أسماءه وربوبيته وصفاته، كشرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة، فهذا شرك الأنداد، أي: لم يعطلوا أسماءه وصفاته، لكن قرنوا به غيره، مثل شرك النصارى، فهم مثلاً يقولون: الله عظيم جليل قدير سميع بصير، لكن يقول لك: أيضاً هذه الصفات هي للرب يسوع، من الرب (يسوع)؟ قالوا: هذا ابنه، أو (الأقنوم الثاني)، تعالى الله عما يقولون! مثلما نسمع كل يوم في إذاعات أصحاب الأناجيل وفي كتبهم، وفي هذه الدعايات الخبيثة التي تذهل العقول!! ماذا نقول لو أردنا أن نتحدث عن التنصير؟! فذلك شيء لا يكاد العقل يصدقه، فإنه إذا كانت شبكات التلفاز في أمريكا والمشتركون فيها قد يصلون إلى عشرين مليون مشترك، وهذا في قناة تلفزيونية تنصيرية في داخل بلاده، أما الذين يعملون خارج أمريكا في نشاطات التنصير فلا يقل عددهم عن أربعة ملايين، في الولايات المتحدة الأمريكية نظام عام لجميع الموظفين أن أي إنسان يتطوع للعمل في أي شيء إنساني أو خيري أو ديني فإنه يصرف له راتبه كاملاً مدة غيابه.

    فأنت في أي إدارة من الإدارات تقدم طلباً: أنا أريد أن أذهب إلى مكان كذا لأقوم بالدعوة، فتذهب، والجهة التي ذهب إليها تثبت أنه حضر، وأنه عمل معنا سنة، ويصرف له كل حقوقه، بل حتى الإقامة لا يؤثر عليها السفر إذا كان مقيماً، ولا يريد أن تنقطع إقامته، ويعتبر كأنه في أمريكا، ولا يؤثر السفر على إقامته لأنه ذهب في عمل خيري، إذاً: لابد أن يتنافس الناس في هذا الخير، وفي نظرهم هذا هو الخير، أربعة ملايين يخرجون، هذا في أمريكا ، أما السويد والنرويج ..فماذا نقول؟

    اذهب إلى أفغانستان تجدهم، إلى بنجلادش تجدهم، إلى الحبشة إلى الصومال ، إلى أي مكان، أي بلد مسلم بالذات البلدان الإسلامية التي يحدث فيها فيضانات.. أو زلازل.. أو فقر، أول ما يحدث هذا الأمر وإذا بهؤلاء في مطاراتهم بمعاهدهم ومراكزهم ومستشفياتهم ينزلون فيها.. تعال: تنصر ونعطيك كذا.. انظروا أسوأ أنواع الدعوة إلى المبدأ، يدعون الإنسان حال الاضطرار، كما يفعل الروافض الآن، أيضاً عندهم دعاية خبيثة، ليس هناك إقناع، ما هي العقيدة التي يعرضها عليه فيؤمن بها؟ ليس عنده شيء، لو أتى يشرحها ليس عنده شيء، ولذلك كما ذكر ابن القيم رحمه الله: لو اجتمع عشرة من النصارى، وطلبت من كل واحد منهم أن يشرح عقيدته لاختلفوا على أحد عشر قولاً، يعني: خلافاتهم أكثر من عددهم، النصارى الآن في العالم كله عملوا استبيانات: ماذا تعرف عن الرب؟ لا يوجد شيء، إذاً: لا شيء، ومع ذلك يعملون له كل شيء.

    أما الذين عندهم كل الإيمان والخير والهدى فلا يعملون أي شيء إلا ما رحم ربك، وإن قاموا بالدعوة فيقوم بها إما مبتدعة، وإما جهال، لويس فرخان ، هذا داعية الإسلام الأكبر في أمريكا ماذا يعتقد فرخان ؟ مشرك وثني، يعتقد أن ليزيا محمد هو الله، تعالى الله عما يقول! هذا الذي مات من زمان، وابنه وارث الدين لا يزال، ويأتي هنا على أنه ممثل الإسلام الأكبر في أمريكا ، وليس فيه من الإسلام ذرة.

    هناك جماعة كبيرة اسمهم أنصار الله.. قالوا: نحن نؤمن بالأديان الأربعة، يصنعون القرآن والتوراة والزبور والإنجيل، ويضعون هلالاً وصليباً ونجمة، ويقولون: نؤمن بها كلها، وتجدهم في المطارات وفي كل مكان يرون المسلمين أو السعوديين يأتون فيأتي أحدهم ويقول: أنا أخوك في الإسلام، نريد مساعدات لجمعية أنصار الله، أحياناً أكثر الناس يدفع، فتقول له: ماذا تعتقدون؟ يقول لك: كذا وكذا.. أعوذ بالله! هذا أنتم مسلمون؟ يرون أن هذا هو الإسلام، هذا إن دعا أحد يدعو على بدعة، ولا يدعو إلى التوحيد إلا قلة قليلة جداً.

    كم عدد الذين يدعون إلى التوحيد؟ كم مندوب للإفتاء في أمريكا ؟ عشرة مثلاً، أعرفهم من قبل أنهم عشرة أو اثنا عشر، ولا أدري هل زادوا أم لا، بلد عدد سكانه مائتان وخمسون مليوناً فيه عشرة أفراد أو اثنا عشر فرداً، وهم متلهفون يريدون ديناً يؤمنون به ولا يجدون شيئاً، وهم يأتون إلى بلد مثل الصومال أو غيرها من الدول المنكوبة بالآلاف بمعداتهم ومنشآتهم وكل شيء، فرق عظيم وهائل بيننا وبينهم في اهتمامنا بديننا وفي دعوتنا.

    بلغ من حيرة الأمريكان ومن بحثهم الشديد عن أي دين -كما حدثني بذلك الشيخ الرواي وهو إن شاء الله ثقة، حدثني بهذا في منزلي- قال: رأوا مرة دعاية، مكان دعاية للهندوسية، عبادة الأبقار في أمريكا ، فقالوا: نذهب ننظر، فكانوا ذاهبين ينظرون دعوة هؤلاء، وكيف سيدخل الأمريكان في هذا الدين؟ المفروض يدخلون في الإسلام، كيف سيدخلون في دين عبادة البقر وهم أمة متحضرة، ويدخل في دين أمة منحطة.. كيف سيكون هذا الشيء؟!

    ولا شك أن النصرانية خير من الهندوسية ، ومع ذلك ينتقلون من النصرانية إلى الهندوسية ، قال: في مقدمة المدخل عند البوابة كتب للدعاية، وتماثيل وأصنام منصوبة على طريقة الهندوس، يدخل الواحد إلى قاعة كبيرة فسيحة مكيفة مؤثثة، ويستمع لشرح الدعاة حتى يعتنق هذا الدين، الأمريكي من عند الباب يدخل يأخذ كتيباً، ينظر الصنم، يسأل: ما هذا؟ يقولون: هذا نحن نركع وننحني له، يركع عند الباب ويدخل، قبل ما يسمع ما هو الكلام يركع ويستسلم، فارغ ما عنده شيء، من أول الطريق راكع، يريد شيئاً، لكن الذين يدعون إلى الإسلام ليس عندهم شيء للأسف، إن اهتدى تركوه للبدع والضلالات في تلك البلاد، وإن لم يدعوا بطريقة معينة وإنما طريقة فردية فقط، طالب في الجامعة يكلم زميله، حتى يهديه الله، ما عنده لا جهد، ولا وقت، ولا تفريغ، ولا شيء، الله المستعان! وهذا كلام يطول، ولكن التذكير به واجب.

    شرك المجوس

    ومن ذلك شرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور، وحوادث الشر إلى الظلمة، كما قال تعالى: وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ [النحل:51] المجوس جعلوهما إلهين، إله النور وهو إله الخير، وإله الظلمة وهو إله الشر.

    شرك القدرية

    وشرك القدرية الذين يقولون: إن العبد يخلق أفعاله، ومن ذلك شرك الذي حاج إبراهيم في ربه، فالذي حاج إبراهيم في ربه ما ادعى الربوبية المطلقة، لكن ادعى صفة من صفات رب العالمين سبحانه وتعالى، قال تعالى: إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [البقرة:258] فقال: هذا تعريف الرب عندك.. قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258]إبراهيم عليه السلام أراد أن يعرفه برب العالمين بالصفة التي لا شاركه فيها غيره، أنت إذا قلت: يفعل كذا ويفعل كذا، يمكن أن يقول: وأنا أفعل كذا وأفعل كذا مثلاً، فكان مدخل إبراهيم الخليل عليه السلام أفضل وأكثر وسيلة للإقناع، فذكر له ما لا يملكه الشر أبداً، مهما بلغ من علمه في القديم والحديث، لكن جاء الرجل من باب المغالطة قال: أنا أحيي وأميت، فجاء إبراهيم عليه السلام من باب الإلزام، لو شاء لقال: إن إحياء الله أنه يخلق من العدم، أما أنت فتحييه أي: تتركه حياً، لكن لنعرف نحن قاعدة من قواعد مجادلة المشركين والمجرمين، ليس شرطاً أن ترد على الكلمة بنفس الكلمة، تعال بشيء واضح جداً يدمغ ما قال.

    قال: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ [البقرة:258] يعني: قولك إنك تفعل كل ما يفعله الله، فالله تعالى يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، هذا الشيء لا يستطيع له، القضية ليست قضية حجة عقلية لديه أو فهم، لكن الخليل عليه السلام جاء بشيء لا يمكن أن يطاق، لا يستطيعه، وإلا فحجته الأولى داحضة، لكن المغفلون الذين حوله قالوا: غلبه، لأنهم لا يفهمون، فلهذا أراد إبراهيم عليه السلام أن يأتي بشيء لا يمكن أن يلبس يا من ترون الشمس كل يوم تطلع من هنا! هذا ملككم الذي يدعي الربوبية فليأت بها من المغرب!

    إذاً: فبهت الذي كفر، انتهى وانقطع وخرس، وهذا نوع من أنواع المجادلة العظيمة التي علمنا إياها الله تبارك وتعالى من خلال ما قصه عن خليله إبراهيم عليه السلام.

    شرك اليونايين

    ويقول رحمه الله: (ومنهم من يزعم أن معبوده هو الإله، أو أنه أكبر الآلهة)، هذا الكلام الذي نحن نقوله أو نحكيه عرضاً هو في الغرب، عند الذين يدعون أنهم أهل العقول، وأهل الحضارة، اليونان جعلوا لكل شيء إلهاً أو رباً تعالى الله عما يشركون! فالجمال له إله، والمطر له إله، والجبال لها إله، والنور له إله، والشمس لها إله، والشِعر له إله، أي شيء تتصور في بالك له رب، الغالب أنه ليس إلهاً ذكراً فقط، بل هو إلهة إن صح التعبير، فاليونان جعلوا لكل شيء إلهاً، ثم بعد ذلك الأساطير والخرافات التي عندهم أن الآلهة تتصارع، وهذا الإله يصرع هذا الإله، والإله هذا غلب هذا، فكل كلامهم وتاريخهم وعقائدهم هكذا، هذه الوثنية المنحطة التي أي عقل يترفع عنها، ومع ذلك يُنسب إليهم من الفضائل والحضارة والعلم ما لا ينسب إلى أية أمة أخرى.

    وحتى في العالم الإسلامي يُنقل هذا الكلام تأثراً بالغرب، يعني: (فينوس) هذه إلهة الجمال، و(أبلو) إله الشعر، و(أطلس) إله العالم الذي يقولون فيه: إنه يحمل العالم على ظهره، فتستخدم هذه العبارات وتطلق حتى أحياناً يقال: إله كذا أو رب كذا، مثل ما فعل هذا الخبيث نجيب محفوظ في كتابه الثلاثية التي أخذ عليها الجائزة الصهيونية، كما عبر بلسانه أنها جائزة صهيونية، السنة الأولى لما حرم من الجائزة وسئل: لماذا لم تأخذها وقد رشحت لها؟ قال: أنا لا آخذها، هذه الجائزة لا يأخذها إلا صهيوني عميل للصهيونية، جاءوا في السنة الثانية ورشحوه فأخذها شاكراً ممنوناً، وهو صحيح فعلاً لا يأخذها إلا صهيوني، من جملة الثلاثية هذه يذكر قصة مصرية قديمة: أن الآلهة غضبت.. والإلهة رضيت.. كلها حول التأليه تعالى الله عما يصفون، ولا يتحرجون أن يقولوا: إله أو آلهة غير الله، ونحن نقول: لا إله إلا الله، والحمد لله شعارنا نحن المسلمين هذه الكلمة العظيمة كملة التوحيد، لا إله إلا الله، لا يطلق هذا على أحد غير الله تبارك وتعالى.

    1.   

    من أنواع شرك العبادة (الرياء)

    النوع الثاني: هو شرك العبادة، الشرك في عبادته وحقوقه ومعاملته، يقول رحمه الله: فهو أسهل أي: هذا الشرك أسهل من ذلك الشرك وأخف شراً، لماذا؟

    قال: لأنه يصدر ممن يعتقد أنه لا إله إلا الله، وأنه لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع إلا الله، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، يعني: هذا يقع، لكنه أخف من جهة أن فاعله وقع في اللبس، ولهذا قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82] هذا لبس إيمانه بظلم وشرك، مقر أنه لا إله إلا هو، ولا خالق ولا نافع ولا ضار إلا هو؛ لكن لا يخلص لله تعالى في معاملته وعبوديته، بل يعمل لحظ نفسه تارة، وطلب الدنيا تارة، ولطلب الرفعة والمنزلة عند الناس والجاه عند الخلق تارة، إذاً: فلله من عمله نصيب، ولنفسه ولشيطانه من عمله نصيب، هذا هو الشرك الآخر أجارنا الله وإياكم منه.

    وهذا هو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم عنه فيما رواه ابن حبان في صحيحه قال: (الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، قيل: وكيف ننجو منه يا رسول الله؟ قال: قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم) يعني: من أشرك به وهو يعلم فقد ارتكب أكبر الكبائر، وأكبر المحرمات عن علم عياذاً بالله (وأستغفرك لما لا أعلم) لأنه لابد أن نقع فيه، فنستغفر الله مما لا نعلم، ونستجيره ونستعيذه مما نعلم.

    وذكر من ذلك فقال: (فالرياء كله شرك، قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [الكهف:110] وقال: وهذا الشرك في العبادة يبطل ثواب العمل) فلو صلى لغير الله أو حج أو زكى.. ولا نعني (لغير الله) أنه عبد غير الله مطلقاً، لكن لو جعل صلاته من أجل الناس، من أجل أن يقال عنه: مصلّ، أو يثنى عليه، وبعض الناس عياذاً بالله ابتلوا بهذا البلاء، فالعلماء يذكرون بعض هذه الأمثلة.. أن بعض الناس يبلغ به هذا الأمر إلى حد عجيب عياذاً بالله... فالأعرابي الذي دخل عليه بعض السلف ورأى صلاته وحسنها فتعجب، فقال: أعرابي ويصلي هذه الصلاة الخاشعة!! فلما سلم قال: ومع ذلك أنا صائم، والعياذ بالله! يقول: أنت مدحتني على الصلاة، لكن لابد أن تعرف أيضاً أني صائم.

    إذاً: ما أراد بعمله وجه الله، إنما ليثنى عليه به، فحالة الأعرابي هذا حالة نفسية موجودة عند كثير من الخلق عافانا الله وإياكم، لا يأمن الإنسان على نفسه أبداً أن يكون من هؤلاء، ممن يريد أو يحب أن يحمد بما لم يفعل، ويراءون الناس، ولهذا علامتهم كما قرنها بهم الله سبحانه: وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء:142] المؤمن في باطنه مع ربه خير منه في ظاهره، أما أن يذكر الإنسان بالخير ويثنى عليه بما هو فيه، فتلك عاجل بشرى المؤمن، لكن لا يعمل هو من أجلها! فهناك فرق بين أن يعمل من أجلها، وبين أن تقال عنه، فلا شك أن الإنسان لا يريد أن يقال عنه السوء، ويتألم إذا قيلت فيه مقالة في عرضه، أو في دينه، أو في إيمانه لا ترضيه، لكن هذا أمر وذاك أمر آخر، فهذا يحبط العمل كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملاً أشرك معي فيه غيري فهو للذي أشرك، أو قال: تركته وشركه، وأنا منه بريء).

    قال: (الشرك في المعاملة وفي العبودية ينقسم إلى أكبر وأصغر، ومغفور وغير مغفور، والنوع الأول ينقسم إلى كبير وأكبر، وليس شيء منه مغفور)، يعني أن النوع الأول شرك كبير وشرك أكبر، ولا شيء منه مغفور، أما هذا النوع منه أكبر كمن يصلي لغير الله أصلاً، أو كمن يكون رياؤه في أصل الدين، فالمنافقون نفاقاً أكبر نفاقهم في أصل الدين، يعني: شهد أن لا إله إلا الله رياءً، فالمؤمن شهد أن لا إله إلا الله وآمن بالله، وصدق بالرسول صلى الله عليه وسلم وبالقرآن عن حق، لكن رياؤه في بعض عبادته، في جهاده، في صلاته، في دعوته، في بعض أنواع العبادة، أما أصل الدين عنده ليس فيه رياء، فهذا هو الثاني الذي يدخل في الكبائر، وقد يُحبط العمل وقد لا يحبط بحسب قوته، وقد تُحبط صلاة راءى فيها ولا تحبط صلاة أخرى لم يراء فيها، وهكذا.

    إذاً: هذا منه مغفور، والمغفور منه ما يندرج تحت الكبائر والذنوب، فيكون تحت المشيئة، ولا نفهم أنه لا يؤاخذ عليه، إنه قابل لأن يغفر، داخل تحت المشيئة، أما الشرك الأكبر فإنه لا يغفره الله سبحانه وتعالى.

    ثم ذكر بعد ذلك شيئاً من أنواع هذا الشرك، مثل شرك الألفاظ: كالحلف بغير الله، وشرك الإرادات، وشرك النيات، إلى آخر ما ذكره رحمه الله تعالى مما بين به حقيقة هذا الذنب العظيم.

    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعافينا وإياكم وإخواننا المسلمين منه، وأن يجنبنا الشرك صغيره وكبيره ودقيقه وجليله، وأن يجعلنا من المؤمنين الصادقين الموحدين، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755790947