إسلام ويب

فستذكرون ما أقول لكمللشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • استعرض الشيخ حفظه الله حال الأمة المسلمة ومدى بعدها عن الله عز وجل، وبين أن سبب ذلنا اليوم إنما هو بتركنا لتعاليم ديننا، ثم أكد على ضرورة التوبة والعودة الصادقة إلى الله عز وجل وأن هناك منكرات كثيرة لابد من تغييرها، وأن اللجوء إلى الغرب خلل في مبدأ الولاء والبراء، مذكراً بقصة من قصص المجاهدين، وموضحاً أن من أهم أهداف الحشود الكافرة في منطقة الخليج ضرب الصحوة الإسلامية، مختتماً حديثه بالرد على الاستدلالات التي أوردها من يقولون بجواز الاستعانة بالكفار في مثل هذه الأحداث.

    1.   

    مشكلتنا الحقيقية

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وبعــد:

    فإن أول ما أحب أن أذكر نفسي وإخواني به في هذه القضية، أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يقدِّر في هذا الكون إلا ما هو خير، وإن كان فيه ضررٌ أو شرٌ لأناس مؤمنين أو كافرين من وجه من الوجوه، وفي الجملة الشر ليس إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وما يقع منه -عز وجل- فهو خير.

    ولكن يجب علينا أن نعتبر ونتعظ ونستفيد من الأحداث؛ لتكون خيراً لنا، من جميع الوجوه، وإن اشتملت على ضرر، فإن الأمور بنهاياتها.

    ونحن الآن في أول المشكلة، فلا تتصوروا أن ما حدث يمكن أن يحل في أسبوع أو أسبوعين أو شهر أو شهرين!

    هذه مشكلة ستطول، ونهايتها لا يعلمها إلا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى!!

    فلا يمكن أن تنتهي كما قد يبدو للبعض بأيامٍ معدودات؛ فالغرب بدأ يتكالب ويأتي من كل وجهة!

    بعض أساطيله إلى الآن لم تتحرك، وبعضها تحرك قبل عدة أيام، ويحتاج إلى شهرين في البحر حتى يصل، ثم بعد الشهرين وبعد الوصول: ماذا سيكون...؟! الله تعالى أعلم!

    إن الأمر سيطول! وليست هذه المشكلة خارجة بأي شكل من الأشكال عن مشكلتنا الأساسية الأولى في حياتنا نحن أمة الإسلام.

    وهي مشكلة دائمة نعيشها، وهي: ضعف قربنا من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وضعف تمسكنا بكتابه جل وعلا؛ فقد يسلطهم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- علينا إن عصيناه وانحرفنا، أو ينصرنا ويؤيدنا ويجعل الدولة لنا على أعدائنا إن تمسكنا واستقمنا، هذه قاعدة في جميع العصور، وفي جميع مراحل التاريخ.

    جاءت موجة التتار، وجاءت موجة الصليبيين في مراحلها الأولى، ثم جاءت الصليبية في شكل استعمار، ثم جاءت الصليبية الجديدة؛ فكلها صليبية وإلى الآن فالمعركة التي نعيشها معركة صليبية؛ لأن حزب البعث صليبي، والغرب صليبي، فالقضية كلها صليبية.

    وأهم شيء يجب أن نتحلى به: أن تكون لدينا القاعدة الإيمانية، التي لا يجوز أن نتناسها بأي شكل من الأشكال، لأن هناك سنَّة من سنن الله في الأمم وفي المجتمعات وهي: أنهم إذا عصوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أو خالفوا أمره، جاءهم العذاب، ثم إنهم يتضرعون إلى الله.

    انصراف الأمة الإسلامية عن القرآن

    أقول: عجيبٌ أن يصدر هذا عن أمة القرآن وأمة الإيمان وأمة الإسلام، التي جعل الله لها في كل مشكلة، وفي كل أمر، وفي كل ضائقة، وفي كل نازلةٍ حلاً في كتابه وفي سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والحل موجود، وقد تكلم عنه كثير من دعاة الحق -والحمد لله- لكن لم نجد إلى الآن أية إشارة واضحة إلى أننا فعلنا الحل الذي في كتاب الله عز وجل، وأننا امتثلنا الحل الذي أمر به الله، كما قال:- فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنعام:43] قسوة القلوب كهذه التي نعاني منها.

    توزع حالياً أخبار عن المبيدات والأسلحة الكيماوية والغازات الكيماوية أثارت الرعب والهلع في نفوس الناس، وأنا لا أتكلم عنها، وأنا جازم وواثق أنها ليست رسمية، وليس عليها ختم رسمي، وهي في حقيقتها صحيحة، فما تضمنته من أثر هذه الغازات السامة صحيح وواقع، بل في الحقيقة هناك أنواع أخطر من ذلك بكثير.

    ولكن ليست هذه هي القضية؛ القضية هي: لماذا عندما لا ينسب مثل هذا الكلام الذي ليس له أصل ولا مستند رسمي، فلم يقل للناس: " خذوا أقنعة أو احتاطوا" رسمياً وإنما هذه أوراق وإشاعات، الله أعلم بمن وراءها، وما مصدره، فهو قول غير مؤكد وغير معروف، ومع ذلك ذعر الناس وهلعوا، وكل إنسان بدأ يفكر جدياً، فيما يصنعه؟

    وهل منطقته بعيدة عن الأحداث أو قريبة؟

    ويفكر ماذا سيصنع إذا جاء الغاز فعلاً.

    سبحان الله! القرآن كلام الله رب العالمين سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يحدثنا عن عذاب جهنم.. يحدثنا عن دخان جهنم، أين هذه الغازات من دخان جهنم؟!

    أين هي من ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ [المرسلات:30-31] أين هي من لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [الأعراف:41].

    أين، أين، آيات كثيرة، فأين هذا من هذا؟!

    وهو كلام رب العالمين وهو حق وصدق، ولا يمكن أن يقع إلا في حق من توعده الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بذلك، وذكر الله تعالى أسبابه، وهي المعاصي والذنوب، فهل اتخذنا وقاية من هذه الذنوب؟!

    قال تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً [مريم:71] كل إنسان واردها، كل إنسان سيعبر الجسر المنصوب على متن جهنم، كما أخبر بذلك الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهل أعددنا وقاية من عذاب الله؟!

    هل أصابنا الخوف من الله؟

    كما أصابنا الخوف من البشر والهلع والذعر؟!

    وقد ضربت هذا المثال لتعلموا لماذا أصبنا بهذه النكبة، ولماذا حلت بنا هذه المصيبة؛ وذلك لأننا لم نعد نخاف من الله، ولم نعد نخاف من وعيده ولا عذابه سبحانه، لأننا لم نعد نستمع إلى آيات القرآن، وما كان فيها من وعد أو وعيد، ومن استمعوا فهم يستمعون وقلوبهم غافلة لاهية إلا من رحم ربك.

    منكرات لم تغيرها الأمة

    ننتظر متى نكف عن الغناء واللهو والطرب في وسائل الإعلام أو في خارجها، وما كففننا! ننتظر هل سيمنع الربا، هل سيخفف الربا، هل سيتقلص...، فما تغير شيء من هذا! قلنا: لعل التبرج ينتهي من الأسواق ومن الشواطئ ومن المنتزهات، فلم يتغير شيء!

    سبحان الله العظيم...! محلات يسمونها التخسيس وصوالين التجميل، ومشاغل الخياطة، وما فيها من فساد، هل أوقفت؟

    هل منعت؟

    هل انقطعت؟

    هل ضعفت؟

    والله ما صار شيء من هذا...!

    هل أعيدت صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

    وهل وضع لها اعتبار وقوة؟

    والآن هذا وقت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لعل الله أن يرحمنا ويرفع عنا العذاب، لم نصنع شيئاً من هذا!

    هل أعدنا وضع مدارس تحفيظ القرآن إلى وضعها الطبيعي؟

    نقول: علينا أن نستغفر الله؛ لعل الله سلطهم علينا بذنوبنا، إذاً وجب أن نعيد لها اعتبارها، وتأخذ من الطلاب ما تشاء، وتكون كما كانت، لكننا ما فعلنا شيئاً من هذا!

    الرقابة الإعلامية:

    كل ما حدث في السوق، هو أننا سلمنا من شرور المجلات والصحف الكويتية، وهذا من عند الله ليس من عند أنفسنا، هل قلنا ما دامت أن هذه الصحف عوقبت على فسادها وإلحادها وكفرها الذي كنا نتحدث عنه، إذاً فلنمنع الصحف الباقية، هل مُنع منها شيء؟!

    وأنا لا أدري، ولكن أنا أقول فيما أرى.

    وضعنا هو مثل الذي لا يصلي قبل الأحداث ولا يصلي بعدها!

    سبحان الله! الذي لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر لا يزال على ما كان عليه إلا من رحم الله! لا اعتبار! لا اتعاظ! لا ضراعة! لا رجوع إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى! لم لا نحاسب أنفسنا ونقول: كان هذا حراماً واستبحناه!

    فلنتجنبه، كان هذا واجباً وتركناه! إذاً فلنفعله... لكن ما حدث شيء من هذا! إذاً ماذا نتوقع؟!

    كيف ندفع العذاب؟!

    الغفلة عن أسباب دفع العذاب

    لقد بين الله لنا كيف ندفع العذاب، وبين لنا أن التضرع سبب من أسباب دفع العذاب كما في آية المؤمنون والأنعام والأعراف وغيرها، يقول تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ [المؤمنون:76] ويقول تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:43] وفي سورة الأعراف يقول تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ [الأعراف:74] إلى أن يقول: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ [الأعراف:96-97] وهذا ما حدث في الكويت!

    ثم يقول تعالى: أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:98-99].

    أين الضراعة التي ذكرها الله في القرآن؟

    أم أننا لسنا في حاجة إليها؟!

    لا ضراعة! لا استكانة! لا توبة! لا إنابة؟

    حالنا كأنه لم يحدث شيء.

    من أين جاءنا الأمان والارتياح؟

    من أين؟!

    لما قيل: إن الغربيين الكفار سيدفعون عنا عذاب الله، فارتحنا واطمئننا!!

    أهكذا أمة الإيمان؟!

    أهذه أمة التوحيد التي في كل ركعة تقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]؟!

    أهذا حالها؟!

    أهذا شأنها؟!

    1.   

    اللجوء إلى الكفار خلل في العقيدة

    أمتنا في وقت الشدة لا تلجأ إلى الله ولا تتوب ولا تستغفر ولا تتضرع... وإنما تلجأ إلى الكفار! وتجعل ثقتها بالكفار، في كل مجلس تقريباً، يقول الناس: ما دام أمريكا موجودة فلا مشكلة! لا أحد يقول: ما دام الله معنا!!

    هل إلى هذا الحد وصل بنا الأمر من ضعف العقيدة وكل وقتنا إنما كنا نقول فيه العقيدة.. العقيدة.. العقيدة.. إذاً فقد كان هذا مجرد شعارات فقط!! وإلا فأين أثر الإيمان الحقيقي؟!

    وأين هذه العقيدة؟!

    نأمن ونطمئن بالكفار؛ لأن الكفار سينصروننا.. هكذا نعتقد وننسى وعد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى! وننسى أن الله يقول: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38].

    من هم المؤمنون الذين يدافع الله عنهم؟

    قال بعد ذلك: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39] إلى أن قال بعد ذلك: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:41]

    هؤلاء يدافع الله عنهم، هؤلاء ينصرهم الله (إنه قوي عزيز)، فهكذا ينصرنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وليس الكفار هم الذين ينصروننا...!

    ما يترتب على اللجوء إلى الكفار

    أنا أقول هذا من باب اللجوء وتوجه القلوب، ولا أتكلم عن الواقع؛ من حيث ضرورته أو عدم ضرورته، بل من حيث التوجه القلبي، وهذه المسألة مشكلة خطيرة، وأرجو أن تكون هكذا عند كل أخ منكم يقرأ كتاب الله.

    المشكلة والخطورة ليست في أننا عملياً قد نلتجئ للكفار أو نستعين بهم، وهل يجوز هذا وقت الضرورة أم لا يجوز.. ليست هذه هي القضية؛ لأننا يمكن أن نبحث هذه المسألة أو أن نفعل هذا العمل، وقلوبنا مطمئنة بالإيمان وبالثقة والتوكل على الله، ونجعل هذا سبباً من الأسباب، لكن ليست هذه هي المشكلة... المشكلة: هي أن القلوب انصرفت إلى غير الله، وانصرفت إلى الكفار الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، وتعلقت الآمال بهم في سلامتنا وفي نجاتنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    أنا أريد أن نتناول هذه القضية من جانبها الإيماني، ومن جانبها القلبي الإذعاني، وننبه إخواننا وأنفسنا وأهلنا وكل أحد، إلى أن عذاب الله قد يأتينا في أشكال لا نعلمها، وهذا جزء منه ونذير: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُو [المدثر:31].

    قد يأتينا في أشكال منها الموت، فقد يأتي أي واحد منا قبل أن تأتيه الغازات التي نسمع عنها، فيلقى الله، فيسأله الله: ماذا عملت؟

    ماذا قدمت؟

    وما من دارٍ إلا الجنة أو النار! فأين نحن من هذا التفكير؟

    أين الدعاة والخطباء والعلماء لإيقاظ الناس إلى هذه المسألة المهمة؟

    قبل أن نبحث الأسباب وقبل أن ننظر في واقعنا، وماذا نفعل؟

    نبحث هذه القضية من جذورها وأساسها!

    وقد وردت إشارة في بيان مجلس القضاء الأعلى إلى أنه يجب على الناس أن يكثروا من الاستغفار والتوبة، وبعد ذلك انظر إلى وسائل الإعلام، وانظر ماذا يبثون!

    نريد أن نجد هذا التفكير فلا نجده وهو الأساس والأصل، وهو الذي امتنَّ الله علينا به، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي هو بالمؤمنين رءوف رحيم، وهو أرأف وأرحم بنا في أية مشكلة تقع قد دلنا عليه وبينه لنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع ذلك لا نجد من يتمثله؛ بل في ساعات النصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما دخل مكة وهو منتصر، دخل في ذلةٍ واستكانةٍ لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مطأطئ الرأس حتى كاد رأسه أن يمس رحله، وهو داخل مكة بالفتح العظيم الذي وعده الله تعالى به، وكان في هذه الحال من الاستكانة إلى الله والذل له. ونحن في حالة الخوف والذعر والهلع ومع ذلك لا ضراعة، ولا استكانة، ولا إنابة، ولا خوف من الله عز وجل... إنما تعلق بالمخلوقين، وتعلق بالعدو اللدود، الذي عداوتنا به لا تنتهي إلى قيام الساعة.

    قدم العداوة مع الغرب

    هذه العداوة ليست من عندنا، ولا هي تحليلات سياسية، فنقول: إن أمريكا هي أعدى عدو للإسلام والمسلمين أو الغرب هو أعدى عدو للإسلام والمسلمين، التحليلات السياسية والصحفية تخطئ وتصيب، لكن هذا كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا خبر منه وهو الصادق المصدوق عندما قال: {تقوم الساعة والروم أكثر الناس} حديث صحيح.

    وقال: {لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بـالأعماق} وهناك ستكون الملحمة.

    أحاديث الدجال تتضمن في جملتها ذلك، أحاديث نزول عيسى عليه السلام كلها تتضمن ذلك إذا جمعتها، وأعظم ما يقوم به عيسى عليه السلام هو محاربة هؤلاء النصارى الروم.

    أيضاً هذه الأخبار الصريحة في الروم وأنها آخر ما يفتح، قال عليه الصلاة والسلام: {تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله لكم، ثم تغزون فارس فيفتحها الله لكم، ثم تغزون الروم فيفتحها الله لكم}. والمعركة -والحمد لله- كما بينها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سوف تنتهي لصالح المسلمين ضد الروم وهذا حتى لا نخاف، ولا نيئس، لكن أين المسلمون؟!

    إن حالات الذل تمر بالأمم كما تمر بها حالات القوة، حالات الخذلان تمر بها بسبب الذنوب، كما تمر بها حالات التوفيق إذا اتقت ورجعت إلى الله.

    1.   

    حرب الخليج والمخططات الغربية

    تذكرون محاضرة "مستقبل العالم الإسلامي في ظل الوفاق الدولي"، ثم محاضرة "الحروب الصليبية"، من هذا المنطلق كنا نتوقع ونعلم -دون معرفة التفاصيل- أن هذا الوفاق سيؤدي إلى أن الغرب سيتكتل ويتألب ويتكالب علينا، وأنهم سيجتمعون علينا، وأنه سيأتي إلى هذه المنطقة، لكن كيف...؟

    الله تعالى أعلم! لا ندري، المهم أنه سيأتي.

    هل هذه فرصة أتاحها لهم حزب البعث الصليبي نفسه، وقدمها لهم على طبق من ذهب؟

    أم أنهم رتبوها بأنفسهم؟

    أم رتبوها بعضهم مع بعض؟

    أم أنها جاءت فرصة ذهبية؟

    لا ندري! لكن المهم أن أمريكا منذ عام (1980م) أي عام (1400هـ) وهي تعد العدة وتدرب الجيش!

    أكثر من مائتين وخمسين ألف جندي أمريكي يتدربون في صحراء نيفادا، وهي صحراء في وسط أمريكا قاحلة على أجواء مشابهة لأجواء الصحراء العربية، والمعركة الآن يسمونها درع الصحراء، يتدربون هناك على الإنزال في الخليج!

    وآخر خبر أذكركم به ما قيل عندما حدث الإنزال في بنما، وذلك -من ضمن التحليلات العسكرية لعملية الإنزال في بنما- قيل فيه: إن من أهدافها الاستراتيجية التمرين والتعود على الإنزال في الخليج! وهذه العملية ما بيننا وبينها إلا بضعة أشهر، أي: أن الأمر مبيت عندهم ووارد، وهذه فرصة قدمها لهم أعداء الإسلام.

    جاءت فجاءوا من كل حدبٍ وصوب، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الذي لا ينطق عن الهوى: (تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها) من كل أفق، من كل المناطق، جاءوا إلينا بحجة أنهم يحموننا!

    ولابد أن تعملوا أنه مما نشر من المائتين وخمسين ألفاً ما لا يقل عن ثلاثين ألف امرأة برتبة ضابط ونقيب ورقيب.

    هؤلاء جاءوا بنسائهم ليحموا أبناء خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعمر، وأبناء الأبطال الذين فتحوا فارس والروم بعدد أقل من عددهم اليوم، وبعدة أقل من عدتهم اليوم!

    ولو كنا كما أمر الله متقين له وقائمين على أمره عز وجل، لفتحنا البلاد بما عندنا من عدد، وبما عندنا من قوة، فما كلفنا الله ما لا نطيق، كما قال: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] فقال: (ما استطعتم) فإذا كنا لا نقدر إلا على هذا، فقد أعذرنا إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    1.   

    مواجهة ذاتية دون الذل للكافر الحربي

    أسوء ما يمكن -وهذا واقع- أن يتكالب علينا أعداء الله ولا نستطيع أن ندفعهم، فماذا نفعل؟

    بين أيدينا سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسنة الخلفاء الراشدين وقادة الإسلام في كيفية التعامل مع العدو وهناك عدة وسائل:

    - قد نصالحهم فإن أبوا إلا على شيء من المال فإننا نعطيهم، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد أن يعطي الأحزاب لما تكالبوا عليه من ثمر المدينة كما تعلمون.

    - قد نصالحهم على شيء من الأرض.

    - قد نقول: لا بد أن نحاربهم.

    وهناك وسائل وبدائل أخرى؛ فما جعلنا الله تعالى في ضيق أو في حرج، إما هذا، أو هذا كما يظن كثير من الناس اليوم.

    كثير من الناس -في المجالس وفيما أسمع- يقولون: ما عندنا إلا الموت أو التعلق بالغرب!

    من قال لك: إنه ليس عندنا إلا هذان البديلان، ولا ثالث لهما.

    يمكن أن يكون هناك عشرة بدائل لو فكرنا وتأملنا، وندفع الشر بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فالمشكلة الأساس هي مشكلتنا مع الله، مشكلتنا أننا لم نصطلح معه بل نحاربه، فألب الله تبارك وتعالى علينا وأرسل علينا هؤلاء، كما أرسل على بني إسرائيل الفرس-بختنصر وجيشه- قال تعالى: وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا [الإسراء:8] هذه ليست فقط لبني إسرائيل، حتى هذه الأمة إن عادت عاد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالعقوبة قال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14].

    إن هذا الفسق والفجور والطغيان والترف الذي كنا نعيشه، هل يمكن لأي عاقل ولأي ناظر في كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصدق أن هذا يستمر إلى الأبد بدون عقوبات؟

    مع أنه لا توبة ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر؟!

    لا يمكن.

    بل نهلك وفينا الصالحون إذا كثر الخبث كما بين ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    فكان المفروض أن ننظر إلى كل هذه الأمور من خلال كتاب الله ومن خلال سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن نحمد الله على هذه الأحداث؛ وذلك لأن فيها عبراً عظيمة تعطى لنا وتهدى لنا من كل جهة.

    هل تظنون أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو الذي أخبرنا عن نفسه وعن رحمته للمؤمنين، وما أعد لهم وما يبشرهم به لا يظلم الكفار ويظلم المؤمنين، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44]؟!

    هل يظلمنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ونحن ندفع إلى صدام حسين الملايين والمليارات طوال عشر سنوات، ثم ترتد أموالنا علينا! هل يظلمنا الله بذلك...؟!

    لا والله لا يظلمنا! لكنه ظلمنا لأنفسنا نحن، وتعلقنا بالأسباب المادية! والذين هاجمهم اليوم وقاتلهم من منهم لم يحسن إليه ولم يعطه ولم يساعده، هل هذا من ظلم الله لنا؟

    نفعل هذا الإحسان، وهذا الخير، وهذا العطاء، ثم يظلمنا؟

    لا والله.

    الاستقامة سبيل العزة

    لو كنا مستقيمين على أمر الله، ولا ننفق إلا حيث أمر الله أن ننفق، ولا نمنع إلا من أمر الله أن نمنع، وإذا أنفقنا فللدعوة إلى الله وفي سبيل الله، وخالصة لوجه الله، عندها سينصرنا الله ويذل أمريكا نفسها، وتأتي راكعة ذليلة، وقد أذل من هو أعظم شأناً منها، وليس ذلك عليه بعزيز أن يذلها لنا، ونحن أمة الإيمان والتوحيد.

    وقد أذلها لـكوبا، وأذلها لغيرها، ولا تستطيع أن تفعل شيئاً ضدها؟

    والآن هي المحتاجة إلينا، وهي المضطرة إلينا، فإذا اتقينا الله كفانا الله ذلك كله، وإذا خفنا الله أخاف الله منا كل أحد، وإذا لم نخف الله أخافنا الله من كل أحد، وأتانا الذعر والرعب في قلوبنا، وأصبحت هذه الأمور تهزنا وتحركنا وتخوفنا.

    قضيتنا نحن المسلمين ليست في أنك ستموت أو أموت! أنا واثق أني سأموت، لكن المشكلة عندنا نحن هي أن نموت على ماذا، ونلقى الله تعالى بماذا، فالأمريكي أيضاً يموت، وليس فقط نحن، حتى أصحاب الكمامات يموتون، وغيرهم يموتون، ولو كنا في بروج مشيدة فلابد أن نموت.

    التوبة واللجوء إلى الله

    الفرق بيننا وبين الذين ينظرون للأمور نظرة مادية بحتة، وبالحسابات المادية المجردة، يقولون: مائة دبابة إما أن يقابلها مائة دبابة أو الهزيمة! من قال هذا؟!

    إن هذه نظريات مادية، ونحن عندنا قضايا أساسية مذكورة في كتاب ربنا، فإذا تبنا واستغفرنا وتضرعنا ولجأنا إلى الله، فإنَّ الله سوف يسلط على عدونا جنداً من عنده يدفعهم عنا، وقد دفع عنا شرورهم وهم أعظم ما يكونون ونحن أضعف ما نكون، لكننا لا نقرأ التاريخ.

    1.   

    شموخ الإيمان

    قبل خمسين سنة أو ستين سنة تقريباً بريطانيا العظمى -كما تسمى- كانت لا تغيب الشمس عن مملكتها، وكانت أكثر بطشاً وهيبة في قلوب العالم من أمريكا اليوم، وكانت كل أمم العالم ترهبها وتخافها، لكنها كانت تخاف من صنف واحد من الناس، وجاء ذكره في الوثائق البريطانية، وهي الآن منشورة؛ لأنهم بعد كل ثلاثين سنة ينشرونها، وبعضها في أقل من ذلك؛ لأنها ليست ذات أهمية عندهم، وجاء في تلك الوثائق أن أكثر ما كانت تخاف منهم بريطانيا في المنطقة كلها من الإخوان الوهابيين، كما يسميهم الإنجليز، وكان هؤلاء يعيشون في الصحراء، وبعضهم ما يعرف معنى الإنجليز، يسمع هكذا وما يدري، ولا عنده -مثلنا الآن- تفكير واستراتيجيات وخبرات، ولكن كان الإنجليز يخافون منهم خوفاً شديداً.

    من الوثائق المنشورة -حتى تعرفوا كيف هُنَّا على الله، وكيف لو كنا مع الله لكان معنا- أن المقيم السياسي الإنجليزي في البحرين -وما كانوا يسمونه سفيراً، كان اسمه الوكيل أو المقيم السياسي- كُلِّف من قبل المندوب السامي في العراق أن يكتب شيئاً عن الإخوان فكتب يقول: ''أنا بنفسي ذهبت إلى سوق البحرين ورأيت الإخوان، طولهم يبلغ ياردتين أو تقريباً -يعني مترين إلا شيء- عرضهم كذا، وجوههم كذا، تعاملهم في السوق من أفضل التعامل، و، و'' ويكتب عنهم مثلما يكتب من يذهب في وسط إفريقيا ويرى الغورلا، فيكتب عن شكلها وطولها!!

    أي أنهم أناس يحسبون لهم ألف حساب! ولما سألوا لورنس: ما رأيك في مسألة الإخوان؟

    ماذا رد عليهم لورنس، قال: ''إذا أرادت بريطانيا أن تقضي على الإخوان، فعليها أن تخصص خمسين ألف جندي بريطاني، ولكنهم سيموتون جميعاً تحت شمس الصحراء المحرقة'' وهذا موجود في كلام لورنس، وكأنه يقول: لا فائدة من حربهم!

    وأخطر شيء كانت تخافه بريطانيا أن تقوم حركة الإخوان، بمهاجمة الحدود العراقية!

    بريطانيا العظمى والأساطيل والقوات تحتل العراق ما هو صدام؟!

    وتخاف أن يهاجم الإخوان العراق، وهي التي كانت ترتعد خوفاً من الإخوان.

    ومشكلة الحدود مع العراق والكويت هي فعلاً مشكلة طويلة جداً.

    والمندوب السامي البريطاني هو الذي وضع الخط- وهناك كتاب موجود في الأسواق في كل مكتبة يوجد فيه هذا الكلام- وقال: من هنا تكون حدود الكويت، ومن هنا حدود العراق، ومن هنا حدود السعودية، ثم طالت المشكلة.

    وعندما وصلت جيوش الإخوان إلى بحرة، لم تفتح جدة، ثم دخلوا مكة، وتقدموا إلى بحرة ليفتحوا جدة، وجاء وزير الخارجية من العراق، وقد أرسلته بريطانيا ليوقع اتفاقية بحرة، وهم الذين حرصوا على توقيعها، وهي تتضمن عدم الاعتداء على الحدود العراقية، هذا من جهة.

    من جهة أخرى كان اليهود -ومعهم الإنجليز أعوانهم- في فلسطين، وكانوا يخشون من جيوش الإخوان أن تهاجم العصابات الصهيونية؛ لأنهم يعرفون أن الجيوش العربية السبعة أو العشرة لن تعمل شيئاً، ولكن هؤلاء يمكن أن يقضوا على اليهود قضاءً مبرماً، وبالفعل عام (1924م) وصل الإخوان إلى عَمَّان، ورُعِبَ الإنجليز رعباً شديداً، وقالوا: إذا أخذوا الأردن فسيتقدمون إلى فلسطين، وسيقضون على اليهود.

    وهم لم يكن لديهم أكثر من البنادق العادية والخيول، حتى لما قيل لهم -وهذه قصة مشهورة، تناقلها الكبار الذين حضروا تلك المعارك- لا تتقدموا لأن الإنجليز عندهم طائرات تلقي ناراً من السماء -أي قنابل- فقال قادتهم: هل هذه الطائرات فوق الله أم الله فوقها؟!

    انظروا كيف الإيمان! قالوا: الله فوقها، قالوا: توكلنا على الله، فتأتي الطائرات وتُسْقَط الطائرات بالبنادق العادية، وينهزم جيش الشريف الذي كان يُخْشَى لأن عنده طائرات.

    ودخلوا إلى جدة، ثم تقدموا منها حتى أخذوا العقبة، وهذا يعني أنهم كانوا في ضعفٍ فعلاً، لكن كان لديهم قوة الإيمان والعقيدة القوية في الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- والثقة به، فكان العالم يخافهم ويرهبهم، أما نحن فعندنا قوة ليست هي هينة، قوة الطيران ضخمة، وقوة مالية، وكل شيء موجود فإننا نقدر أن نشتريه، لكن أقول: السبب المعاصي والذنوب..!

    ونحن لسنا عسكريين حتى نتكلم في الخطة العسكرية، أو نتكلم في الاستراتيجيات، نحن نتكلم في الشيء الأساس الذي يجب أن يكون عند العسكري وعند المدني وعند كل أحد، وهو الإيمان بالله وقوة التوحيد وقوة التوكل على الله، إن وجدت هذه عندنا فوالله سوف يخاف منا الغرب والشرق معاً.

    1.   

    أهداف اجتماع الحشود الغربية

    هل تظنون أن الغرب والشرق عندما يجتمع ويتكالب ويأتي إلى هذه المنطقة، أن ذلك من أجلنا؟

    أم من أجل سواد عيوننا؟!

    والله لا يريد لنا الكفار خيراً أبداً، إن ألقيت الغازات السامة علينا، أو على بغداد، فالموتى مسلمون، وما الذي سيضرهم، إن دُمِّر العراق أو غير العراق؟!

    فالمدمَّر هو هذه الأمة ومقومات هذه الأمة، بغض النظر عن وجود المجرمين والمرتدين الذين أثاروا هذه الفتنة.

    البترول

    لكن على المدى البعيد هؤلاء المرتدون ضربوا الأمة، وسببوا لها النكبة! والغرب ضرب الأمة وأذل الأمة! وما هو الغرض من هذا كله؟!

    الغرض هو البترول، أن يصلهم البترول دائماً، وحتى الأسعار يستطيعون أن يتحكموا فيها إلى حد كبير، وهناك غرض أساسي غير البترول، وقبله وبعده، وهو: إذلال هذه الأمة وضرب الصحوة الإسلامية.

    ضرب الصحوة الإسلامية

    وقد نشر في يوم (11 من ذي القعدة) على لسان أحد المسئولين في الإدارة الأمريكية حين سئل: هل تتخوفون من قوة العراق الضاربة في المنطقة؟

    فكانت الإجابة أن قال: ''لا، وذلك لأن العراق يشكل أكبر قوة في المنطقة لضرب الصحوة الإسلامية التي هي أخوف ما نخاف'' وهذا موجود ومنشور، وقد ورد أيضاً في مجلة الحياة أن وزير الخارجية دوما يقال له: كيف كنتم مع العراق طوال السنوات الماضية؟

    وما هو موقفكم الآن؟

    ثم بعد ذلك سُئل عن توقعاته وغير ذلك، وأنا سآتي لكم بمجمل ما قاله، قال: ''موقفنا من العراق كان سلمياً سابقاً؛ وذلك لأنه أمر حتمي، حيث إنه كان يحارب الأصولية الإيرانية'' ثم قال: ''أكثر ما يزعجنا الآن أن تتحالف القومية مع الأصولية الإسلامية في موقفها لتأييد صدام''

    ولا شك أن من وقف مع صدام -وإن سمى نفسه داعية أو دعوة أو جماعة- مخطئٌ خطأً كبيراً جداً، إن لم نقل أكثر من ذلك، لكنَّ هذا ليس موضوعنا الآن، موضوعنا هو أن الغرب يقول: ''ما دام هناك جماهير أو حركات أصولية تقف الآن مع صدام، فالمشكلة موجودة'' بمعنى أنهم يقولون: نحن ما تناقضنا؛ لما كان صدام يحارب الأصولية أيدناه، وحاربنا معه الأصولية الإيرانية، والآن الأصولية تقف مع صدام، فإذاً نحن نحارب صدام، وكلام واضح لمن يتدبره، فالقضية والهدف الأساسي أن الغرب يريد إذلال الأمة الإسلامية، وضرب الصحوة الإسلامية، واستنزاف المنطقة، لأنها منطقة مهيأة لقيادة الأمة منها.

    والغرب صفى الحسابات فيما بين قواته، فـروسيا الآن تابعة لـأمريكا، وأساطيلها جزء من القوات التي دعت إليها أمريكا، وهذا أمر لا شك فيه عندنا، وكلهم علينا؛ قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] الشاهد: (بعضهم أولياء بعض) فـأمريكا احتوت روسيا وأصبحت معها، ماذا يريدون؟!

    والمسألة تتعلق بـالكويت، ومن شفقة أمريكا ورحمتها بـالكويت تُخرج العراق منها، فهذا المظلوم يستغيث فتغيثه أمريكا! هل تعرف أمريكا شيئاً اسمه رحمة أو عطف أو إنسانية أو شفقة لغير الإنسان الأوروبي؟! انظروا إلى القضية من جذورها العميقة في الغرب وأوروبا.

    منذ أن قامت الحرب العالمية الثانية إلى اليوم، هل سمعتم أن دولة أوروبية جيشت الجيوش على دولة أوروبية، أخرى؟

    لم يحدث هذا أبداً، وفي نهاية العام القادم ستكون أوروبا دولة واحدة.

    لمن تبنى هذه الحشود والأساطيل إذن؟!

    إذاً: لمن الأساطيل؟!

    ولمن الحشود؟!

    ولمن المليارات التي تنفق على التسليح وهم أصبحوا دولة واحدة؟!

    للعدو.. نحن الذين من أجلهم تحشد هذه الإمكانيات، جاءتهم هذه الفرصة أو خططوا لها، المهم الآن أنهم بدءوا يتوافدون، وسوف يتوافدون علينا بهذا الغرض، وأمريكا من أجل هذا الحدث البسيط أرغمت أسبانيا واليونان وتركيا على استخدام القواعد، وأخذت منها صلاحيات واسعة جداً في ذلك، واحتلت وطوقت المحيط الهندي، وبحر العرب، والبحر الأبيض المتوسط والمنطقة بكاملها، كل منطقة ابتلعت من أجل الكويت، فهم أناس يخططون على المدى البعيد!

    1.   

    الثقة بنصر الله

    نحن لا نقول هذا من باب الإخافة، بل كما قلت لكم: والله أننا كما نؤمن وكما نثق وكما نقسم أن الشمس ستشرق غداً فكذلك والله سيكون النصر لهذه الأمة، بإذن الله، لكن لمن؟!

    وعلى يد من؟!

    نحن نحتاج هذه الأمور الأساسية وهي: أن نذكر الناس بالله، وأن نربطهم به سبحانه، وأن يكف الشباب عن متابعة هذا الغثاء من الصحف ونشرة الأخبار، ونُعلِّم الناس كلهم بأن يرجعوا إلى القرآن، ونقول لهم: اعمروا المساجد، وكفوا عن هذا التبرج والفساد الذي في الأسواق، ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وتوبوا إلى الله، بدلاً عما تشغلون به أوقاتكم من اللهو، واشغلوه بالجد وبالحق، فغيروا ما بأنفسكم يغير الله ما بكم إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11].

    غيروا ما بداخلكم تجدوا أن الله أذهب صدام بانقلاب عسكري أو غير ذلك، ثم بعد ذلك نجد أمريكا وهي العدو الأخطر والأكبر يذهبهم الله بما يشاء ويعيننا عليهم.

    أهمية التغيير لتحقيق النصر

    لابد أن نغير ونبدأ من الآن، والملحمة مع الروم لن تكون سهلة، ولكن تكون سنة أو سنتين أوخمس أو عشر سنين، إنها ملحمة طويلة، ومعركة طويلة تحتاج أول ما تحتاج إلى أمة مؤمنة صابرة متقية؛ قال تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران:120] أول شيء نفعله هو أن نصطلح مع الله، ثم نلغي الربا والفساد، ونلغي الباطل الذي يكون فيه الفاحشة والزنا الظاهر من التبرج وما إليه، ونلغي الغناء، والرشوة، نلغي الغيبة والنميمة والحسد والبغضاء التي انتشرت بيننا نحن المسلمين، نلغي كل نظام يخالف شريعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وليظل الحكم هو بكتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلى شرع الله وإلى دين الله؛ بأن نتحاكم إليه في كل صغيرة وكبيرة حقاً، وليس مجرد شعاراً، نراجع أنفسنا: ماذا أذنبنا! وماذا أخطأنا؟

    وماذا فعلنا؟

    نتوب إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    أهمية الإعداد

    ثم بعد ذلك نعد العدة ما استطعنا كما قال تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] هؤلاء البعثيون أعداء الساعة نعد لهم ما استطعنا وسنيصرنا الله عليهم، وأما الروم والغرب فهم أعداؤنا إلى قيام الساعة، كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنعد لهم أيضاً العدة، ونعلم أنهم لا بد أن يواجهونا يوماً ما، ثم نجعل جميع موازيننا لله عز وجل، إذا أعطينا نعطي لله، وإذا منعنا نمنع لله، وإذا غضبنا نغضب لله، وإذا رضينا نرضى لله.

    الاستمرار في معاداة المرتدين والكافرين

    نحن الآن نخشى لو حلت القضية -ونحن نتمنى أن تحل القضية وتنتهي المشكلة- أن تعود الصداقة بيننا وبين هؤلاء المرتدين، وترجع العلاقات والصداقة والمحبة وكل شيء ومؤتمرات القمة الإسلامية والقمة العربية، وتعود المياه لمجاريها شيئاً وكأنَّ شيئاً لم يكن، فإذا كنا نلدغ من الجحر الواحد عشرات المرات، فنحن جديرون بما ينـزل بنا، نسأل الله العفو والعافية!

    الكفار -أيضاً- نعاملهم بما أمر به الله من معاملة الكفار، وليس هم وحدهم البعثيين فإن هناك بعثيون في أماكن أخرى، وليس هم وحدهم مرتدين، إذاً: تكون موالاتنا ومعاداتنا في الله، ولذات الله، وفي هذه العقيدة، نتمسك بها، وإن متنا فسوف نموت ونحن متمسكون بها، وقد عملنا ما استطعنا، وأعددنا ما استطعنا، وإن عشنا فالنصر لنا بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    المفاهيم والقيم وأثرها في النصر والهزيمة

    تأكدوا أن الله سوف ينصرنا، إن لم يكن جيلنا هذا الذي هو جيل المعاصي، فسيكون الجيل الذي سيأتي به الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، الجيل الذي سيتربى بعيداً عن العقد النفسية!!

    ماذا عندنا؟

    عقدة إعجاب بالغرب، أو خوف من الغرب، أو إرهاب من الغرب...

    انظروا إلى القضية الفلسطينية، أخ عزيز يقول لي: إنه ذهب في العطلة إلى هناك، وعنده ولد عمره خمس سنوات، لكنني لما ذهبت لزيارتهم لم أجده، فخرجت أبحث عنه في الشارع فوجدته وإذا به يحرق إطار سيارة ويرمي اليهود بالحجارة، يقول: والله ما علمته! وكل حياتي إنما هي هنا في السعودية!

    هذا الطفل ليس عنده عقد، ولا توجد عنده حكاية الهيلمان والجيوش التي لا تقهر من الغرب والأساطيل، هذا الجيل سينتصر بإذن الله وإن قل العدد.

    وعندما جاءت الحملة الصليبية الأولى، كان عدد الذين فتحوا أنطاكية واتخذوها أول مستعمرة لهم خمسة آلاف من الصليبيين فقط، لكن الأمة كانت مشغولة بالشهوات، وفرقتها العصبيات، وفرقتها الفرق والطوائف الضالة بالطرب، وكان أغلى شيء في تلك الأيام وأغلى سلعة في السوق: الجارية أو المغنية، ويصل سعرها إلى عشرة آلاف دينار، وإلى مائة ألف دينار، أمة كبيرة وضخمة جداً ومواردها هائلة، وخمسة آلاف من الصليبيين يذلونها ويرغمونها، لكنهم في الحملة الثالثة كان عددهم ثلاثمائة ألف صليبي من جميع دول أوروبا جاءت وهُزمت بعد خمسين سنة تقريباً، لأنه ولد جيل وظهر جيل لا يعرف إلا الإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وما عنده ذلك الفسق والفجور واللهو والمجون الذي كان عند أولئك.

    1.   

    كيف نواجه أزمة الخليج

    إذاً: نقول -يا إخوان-: ما يحتاج أن نذكركم ونكثرمنه وهي نصيحة لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وللمسلمين خاصتهم وعامتهم، أوجهها من هذا المكان، نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن تبلغ إلى كل من ينفعه الله بها:

    إن الحرب أولاً هي مع أنفسنا، والصلح أولاً هو مع الله، لابد أن نحارب هذه النفوس وهذه الشهوات، هذه النفس الأمَّارة بالسوء، ونصطلح مع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ونتوب إلى الله، ونعيد لأهل الدعوة قيمتهم واعتبارهم، نعيد لرجال الهيئات قيمتهم واعتبارهم، ونعيد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قيمته، ونعيد لكل أمر من أمور ديننا من الحق والخير والفضيلة قيمتها واعتبارها، ونكف عن كل المعاصي، وغيروا وانظروا ماذا سيكون؟!

    والله ليغيرن الله هذا الحال، وليكونن لنا نصرٌ عظيم جداً نفتخر به مدى الأزمان، ونظل نقول: الحمد لله الذي جاءنا بهذه المشكلة، غَيَّرْنا فَغَيَّرَ الله أحوالنا، وغير حال العالم وجعلنا هداة مهتدين، ثم نفرح إذا تحولت إلى نعمة عظيمة جداً.

    أما إن بقينا على حالنا، وتعلقنا بالأسباب المادية، ونظرنا إلى الأمور بنظرة مادية، ونسينا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، واستمر صاحب الغناء في غنائه، وصاحب المنكر في منكره، ومحلات السياحة تسيح، ومشاغل الخياطة تعمل في فسادها وفي تعريها، ولا مُنْكِرَ، وتارك الصلاة تارك لها ومستمر، وتحويل تسجيلات غناء إلى تسجيلات إسلامية أيضاً ممنوع، وما غيرنا من ذلك شيئاً، ومن أراد أن يتوب أيضاً لا يجد من يشجعه، فإذا بقينا كذلك، فالعذاب قائم، ونعوذ بالله أن يأخذنا!

    وكل ما في الأمر أن نقول ونسأل الله ونتضرع إليه كما أمر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، وإذا وقعت العقوبة والفتنة فنسأله أن يتوفانا إليه غير مفتونين، وإلا فلن نسلم!

    ولذلك أقول: لابد أن نتوب، ونلقى الله ونحن على التوبة، ونحن على إيمان، ونحن قد أعذرنا إلى الله.

    واجبكم -يا إخواني- عظيم وكبير ولا يستهان به، لا تقل: ماذا أفعل؟!

    أنت تتكلم، وهذا يخطب، وهذا يعظ في مجالس الناس، أو في أي مكان يذكرهم بالله، يذكرهم بأن المؤن التي نقصتنا هي مؤن الإيمان والتقوى، فلا نتكالب على الرز وعلى البضائع وعلى ماله علاقةٌ بالمأكل والملبس، فلو آمنا بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لما شحت المؤن كما ذكر تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف:96].

    لكن لما عارضنا وعصينا، حصل لنا النقص، نقص في الوظائف، وفي العملة، وفي الأرزاق، وهذا بذنوبنا، فنعلم الناس هذا في كل مجلس ونذكرهم، والآن لا يوجد أحد إلا وهو يتكلم في القضية؛ الصغار والكبار، لماذا لا نذكرهم، ونعظهم، ونعظ أنفسنا قبلهم؟

    ونقول كلمة الحق، الكلمة التي سيحاسبنا الله عليها، يجب أن نقولها وهي خير لنا وخير للأمة، وخير والله لكل من يسمعها، ونحن نعلم -إن شاء الله- أننا لا نقولها ونريد أجراً عليها، ولا نقولها لنبتغي بها دنيا من الناس أو نريد منهم شيئاً.

    لكن ما نقولها إلا خالصة لوجه الله، ونصيحة كما أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ليتذكر من تذكر، وليتعظ من يتعظ، فإن أبوا قلنا: معذرة إلى الله؛ فنكون نحن أعذرنا أمام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ فهل ترون أنفسكم معذورين أمام الله؟

    كل منا يسأل نفسه وإذا كان واحد معذوراً أمام الله فجزاه الله خيراً.

    أما أنا فأقول: لا أحد منكم معذور، حق علينا ألا ننام هذه الأيام، وألا نهنأ بأكل ولا شرب، ليس والله لأننا نخاف من الموت أو لأن هؤلاء سينتصرون، لا والله، لكن لأن الله سيسألنا عن العلم الذي لم ننشره، وعن الدليل الذي لم نبلغه، وعن الحق الذي لم نصرح به، ولم نقل إلا بعضه، وربما لم نقل شيئاً منه؛ ولو تحرك العلماء والقضاة والمسئولون كلٌ بحسب مسئوليته، وأخبرونا جميعاً من فم واحد بوجوب التضرع والتوبة والإنابة والاستغفار، وأن هذا هو سبب البلاء كما ذكر الله في القرآن؛ والله لتغيرت أحوالنا، ونعذر إلى الله فعلاً.

    فالمسألة ليست مجرد كتابات، يكتب هؤلاء ويكتب هؤلاء، وليست هي مجرد حرب مادية أيضاً، فيقلق هؤلاء ويقلق هؤلاء، هذه حرب طويلة الأمد.

    أقول إن القضية ليست قضية مؤقتة، ولا نهايتها قريبة كما يظن البعض، وإن كنت لا أتوقع أنا ضربة قريبة -والله أعلم- لكن أرجح أنه لن تكون هناك ضربة قريبة لا من هذا ولا من هذا، وإنما سيكون الحصار والإنهاك، وهذا يعزز مواقعه، وهذا يعزز مواقعه، البعثيون يحكمون قبضتهم على الكويت، والغربيون يحكمون قبضتهم على الرقعة بأكملها، ثم بعد ذلك سوف يأتي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالفرج من عنده.

    ولن ينبع الأمل ولن ينبع الفرج إلا من هذا الشباب الطيب المؤمن، إن اتقى الله وعرف واجبه في هذه الأحداث، وبدأ بالمرحلة الأساسية الأولى، ثم انتقل إلى المرحلة الثانية ثم الثالثة حتى لو لم يكن إلا بعد مائة سنة أو مائتي سنة -الله أعلم- لكن المهم: لا بد من يوم ما يتواجه فيه المؤمنون مع هؤلاء الكافرين، لابد!

    وفي ظل الظروف الآنية نحن نحتاج الموضوع الأول والقاعدة الأولى فقط؛ لأن عليها يبنى كل شيء، وتجاوزها إلى أي شيء آخر خطأ وغلط، ولا يصح أن يقر بأي حال من الأحوال، ومن أراد الأدلة فهي أكثر من أن تحصى.

    1.   

    خطأ من أجاز الاستعانة بالكفر

    هناك مشكلة أخرى خطيرة جداً، وإننا لا يمكن ولا يجوز أن نسكت عنها، وهي الاستدلال بأدلة غير صحيحة لا تؤدي إلى المطلوب، هذا لا نقوله دفاعاً عن أموالنا -بغض النظر عن رأينا في أي حدث من الأحداث- لكن دفاعاً عن ديننا، ولئلا يفترى على الله، ولئلا يُكْذَب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولئلا يقال على الله غير الحق، ولئلا يظن أحد أن ديننا هذا هزل، هناك من تكلم واستدل ببعض الأمور، فأخطأ الاستدلال، فيجب أن يبين خطؤه، وسوف أوجزها في الآتي:

    استعانة الرسول بعبد الله بن أريقط

    أولاً: الاستدلال بحديث أو بموضوع عبد الله بن أريقط وأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعان به واتخذه دليلاً إلى المدينة، نقول: إن هذا من باب استئجار الكافر، واستئجار الكافر ليس فيه شيء، والبيع والشراء مع الكفار جائز وهذا متفق عليه، لكن الشركة مع الكفار هل تجوز؟ لا تجوز على القول الصحيح؛ لأن الشركة مشاعر مشتركة بينك أنت والكافر، فمشاعرهم واحدة رأيهم واحد، تأويلاتهم واحدة، فلا تجوز الشركة، لكن الاستئجار هذا سواءً كان استئجار عين أم استئجار منفعة معينة، هذا جائز لأنه ليس على كل شيء كالشركة، والإجارة هي أقرب إلى البيع لكنها بيع مؤقت، واستئجار الكافر ما قال أحد: إنه حرام، فلا يصح أن يستشهد به على مسألة لا يدل ذلك عليها.

    معاهدة النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود في المدينة

    أهل المدينة أو سكان المدينة الأصليون هم اليهود من جهة، والأوس والخزرج من جهة، والبديل والطارئ على المدينة هو الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمهاجرون، فهم جاءوا ودخلوا المدينة، فكأنهم في نظر أهل المدينة محتلون، واليهود والمنافقون كانوا يقولون: "أكرمناهم وآويناهم"، "سمن كلبك يأكلك"، هكذا قال عبد الله بن أبي ثم قال: ''والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل'' فنحن آويناهم والآن ارتفعوا علينا!

    فهذا هو الشاهد: أهل المدينة الأصليون هم اليهود والأوس والخزرج، وأما المهاجرون ومعهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهم طارئون على المدينة فكأنهم جاءوا واحتلوها، ثم جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتب المعاهدة، ومن ضمن ما كتب: أن الأمر في المدينة كله -الأمر والنهي- مرجعه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا شيء مهم جداً، أي: أن شرع الله هو الحاكم على الجميع، وإذا داهم المدينة عدو، فإن الدفاع -كما نسميه نحن الآن- يكون من الجميع، فهل يعقل أن يتصدى المهاجرون والأنصار للعدو، واليهود قاعدون آمنون، وهم من أهل البلد، وهم مواطنون؟!

    ولذلك فهي مسألة تختلف تماماً عن المسألة التي نحن نتحدث عنها.

    عدم مشاركة المشركين في المعارك مع الرسول

    النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يستعن بالمشركين في أية معركة من معاركه أبداً! ولذلك جاء في بيان هيئة كبار العلماء: أن الأمر يرجع إلى الضرورة، والضرورة لها أحكام ولها تفصيل، وليس هذا موضوعنا، لكن موضوعنا نحن فقط هو من ناحية علمية بحتة، فنقول: لم يستعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمشرك في أي حرب من الحروب، بل في صحيح مسلم (أن رجلاً جاء فقال: أريد أن أحارب معك، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارجع فإنا لا نستعين بمشرك) وهذا حديث صحيح.

    أما ما نسب إليه مما ذكره الشافعي رحمه الله أو سعيد بن منصور، أنه استعان ببعض يهود خيبر، فهذا الحديث غير صحيح، ولم يستعن بهم وإنما استعمل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يهود خيبر، أي: استخدمهم في الأرض وجعلهم رقيقاً، أما أنه استعان بهم، أي: حارب بهم أو سهم لهم فلا.

    استعارة الرسول دروعاً للحرب من المشركين

    السؤال: هل استعار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دروعاً من الكفار؟

    الجواب:

    أولاً: لا! فالحديث الصحيح في سنن النسائي وغيره، وهو بسند صحيح لا شك في صحته أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار من يعلى بن أمية، ويعلى بن أمية صحابيُّ جليلٌ مسلم والحمد لله، لكن ورد في روايات موجودة في السنن والمسند وفي بعض الكتب أنه استعار من صفوان بن أمية وهو مشرك، ولو صحت رواية صفوان كنا سنقول بذلك، لكن الصحيح أنه استعار من يعلى، وليس من صفوان.

    ثانياً: على فرض صحة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار دروعاً، نقول: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحكم الجزيرة العربية، وهو قائد الأمة، وولي الأمة، وجيشه اثنا عشر ألفاً، ولذلك قالوا: لن نغلب اليوم من قلة؛ كما أخبر الله عنهم بقوله: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ [التوبة:25] فكانوا جيشاً عرمرماً، والجيش المسلم قد يستعير من فاجر، أو يأخذ من فاجر أو من تجار الكفار دروعاً، وهذا ليس ممنوعاً، هذا لو صحت الرواية، مع أنها ما صحت، لكن نقول فرضاً، الدولة المسلمة يجوز لها أن تشتري من أحد الكفار أو تستعير منه وليس في ذلك شيء، لكن هل هذا يدل على أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعان بالكفار أو حارب معه الكفار الآخرون؟

    نقول هذا براءةً للذمة؛ لأنه لا يجوز مهما كانت الظروف والضغوط التي علينا أن نبرر لأنفسنا بدليل غير صحيح، لا يصح أن نستدل به في وقت الضرورة، والضرورة مثل الميتة، الميتة أكلها حرام، ولا يوجد دليل يقول: الميتة حلال، لكن في حال الضرورة يجوز أكل الميتة ولا خلاف بين العلماء في حلها عند ذاك.

    إذاً: متى تكون الضرورة؟

    أو هل هي ضرورة؟

    فهذا شيء آخر، لكن هل نستدل بدليل ضعيف أو موضوع على شيء؟

    لا، فهذه وسيلة في الاستدلال غير صحيحة.

    الاستدلال بحديث: ( تصالحون الروم )

    قد ذكرنا هذا الحديث من قبل، وهو حديث: {الروم وتقاتلون معهم عدواً من ورائهم، فتسلمون وتغنمون، ثم ينقضون} وليس في هذا دليل؛ لأن هذا إخبار عن حال وعن واقع يخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أمر سيقع، فيقول: أنتم ستفعلون، فهذا لا يدل على أنه حق، وقد يكون هذا بدعة أو يخرج عن الأدلة الشرعية، لكننا سنفعله، وفي النهاية سينقض الروم العهد فيكون القتال.

    على كل حال العلماء ذكروا أنه إذا كنا في عهد مع عدو، وكنا نأمن غائلتهم، وبشرط أن يمكننا أن نغلب كل منهم على حِدَةٍ، ففي هذه الحالة يجوز، وهي حالات لا أريد أن أدخل في تفاصيلها.

    مثلاً: أتينا نحارب الفرس، فأتى الروم بيننا وبين الفرس، الروم أيضاً يكرهون الفرس، قالوا: ما رأيكم في أن نحارب معكم، فنقول لهم: أنتم تعالوا من الغرب، ونحن نأتي من الشرق، ونحن نعلم أننا نستطيع أن نغلب الفرس لو حاربناهم وأن نغلب الروم، وأنهم لو اجتمعوا علينا الاثنين أيضاً لغلبناهم، وهذه الحالة أصبحت حالة تكتيكية -والجرائد اليوم علمونا عبارات استراتيجية أو تكتيكية، والتكتيكية تعني: عملاً لا يدخل في صميم الأسس، فهذان عدوان أمامنا، أنا أستعين بهذه، أقول: تحرك أنت من هنا، وأنا من هنا، ونقضي على هذا العدو، لكن نحن لو حاربناهما جميعاً نستطيع أن نغلبهم، فهذه حالة ذكر الفقهاء أنه يمكن أن تستعين فيها بكافر أو يعينك كافر في القضاء على عدو آخر.

    والمقصود: أننا حتى مهما كانت الضغوط يجب أن نتقي الله، إذا قلنا قال الله، أو قال رسول الله، أو هذا من الدين، أو هذا يجوز وهذا لا يجوز.

    ويكفي أن نقف عند كلام هيئة كبار العلماء، فقد قالوا: إنها ضرورة، والضرورة لها أحكامها، وأنا لا أتكلم في هذا الآن، لكن نقول: إن أي دليل آخر فإنه غير صحيح.

    السخرية من المتدينين وتخويفهم

    قالوا: إن الكمامات الواقية لا يمكن استخدامها مع اللحية! بمعنى أنها لن تنزع، وهذا قد نشره اليهود، وهذا الكلام تكلم به مسئول في الحاخامية اليهودية -المقر الديني لليهود في إسرائيل- فقال: يجب أن تصحبوا ومعكم مقصات؛ لأنه في حالة كشف الكمامات الواقية، قد يحدث هجوم كيماوي ويختنق كل الناس.

    ومع الأسف إسرائيل التي سكانها يمكن أن يكونوا خمسة ملايين أو أربعة يمكن أن تجند مليون جندي في خلال أربع وعشرين ساعة!

    الجيش جاهز، والاحتياط جاهز، والكمامات جاهزة، وكل شيء جاهز!

    أمة تعيش الحرب، وتعيش حالة الحرب؛ مع أن الانتفاضة تؤرقها من الداخل، ومع أن اقتصادها منهك ومنهار من الداخل، مع أن مجتمعها متفكك ومكون من عدة تجمعات... وبها مشاكل كثيرة، لكنها مستعدة في خلال أربع وعشرين ساعة أن يكون بينهم ما يقارب المليون جندي لديهم الجاهزية لأي حرب؛ لذلك وُجِدت إسرائيل، لا لأن اليهود كرماء على الله وأورثهم الله الأرض، لا، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105] فهل أمريكا صالحة واليهود صالحين؛ ولذا أورثهم الله الأرض؟!

    لا والله، ولكنهم اتخذوا الأسباب المادية، وغيرهم تركوا الأسباب المادية والمعنوية، وتركوا أعظم الأسباب وهو الإيمان، فلذلك كان هذا حالهم، فكل إنسان في إسرائيل مدرب وقابل للتجنيد.

    فهذا الحاخام اليهودي يسخر من المسلمين ويقول: '' أنتم يا أهل الدين حتى تتجندوا لابد أن يكون معكم مقصات حتى تلبسوا الكمامات'' وعلى كل حال هذا من الإرجاف الذي استغله المنافقون، وبدءوا يتكلمون.. وانظروا في هذا الإرجاف كيف ينشر في الصحافة الإسلامية، ويتكلم الناس به في المجالس، وقد يقولونه على طريق المزح، وبعضهم يقولها على سبيل الاستهتار، فوصل بهم الاستهزاء بالدين إلى هذا الحد، وأقول: إن هذا يدلكم على أن مشكلتنا فعلاً هي مع الله، وليست مع الغرب ولا مع الشرق، نسأل الله العفو والعافية..!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755939541