إسلام ويب

احفظ الله يحفظكللشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، وعندما أردف ابن عباس وراءه على دابته حدثه بكلام موجز عظيم لخص به معاني الإيمان وثمراته، وفي هذا الدرس تناول الشيخ حفظه الله هذا الحديث بالبيان والشرح، ووضح معنى حفظ العبد لربه ومعنى حفظ الله لعبده، وارتباط ذلك بتوحيد السؤال والاستعانة، والإيمان بالقضاء والقدر، وأتبع ذلك ببيان اقتران كل من العسر واليسر، والفرج والكرب، والنصر والصبر، موصياً الحاضرين بالدعوة إلى الله.

    1.   

    وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه، أما بعد:

    أيها الإخوة المؤمنون: نحمد الله تبارك وتعالى ونشكره على ما أنعم وتفضل به علينا من مجالس الذكر والعبادة والإنابة.

    ونسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل منكم ومنا جميعاً، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، إنه سميع مجيب.

    تحدثنا في الدرس الماضي عن الوصية الأولى من حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الطهور شطر الإيمان).

    واليوم سنتحدث عن الوصية الثانية وهي حديث عظيم من كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما أعظم وصايا هذا الرسول! وكيف لا، وهو الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؟! الذي أخرجنا الله تبارك وتعالى به من الظلمات إلى النور فما أجدره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نتأمل وأن نتدبر كلامه ومواعظه ووصاياه!

    نص الحديث

    وهذا الحديث الذي هو الوصية الثانية، قال عنه بعض العلماء: تدبرت هذا الحديث فأدهشني وكدت أطيش'' فالله أكبر!

    القلوب التي تتدبر وتتفكر وآتاها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قوة الفهم والمعرفة واليقين لا تحتمل بعض الأحاديث أو بعض الآيات، بل تكاد تطيش.

    وهذا الحديث هو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وصيته المشهورة، للغلام النبيه النجيب الذكي، الذي نوَّر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قلبه بالإيمان، وجعله حبر الأمة وترجمان القرآن. عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه وعن أبيه عندما أوصاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، وفي رواية أخرى: { تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً ).

    السلف الصالح والتفكر

    وتحت كل جملة من هذه الجملة عبر ومعانٍ عظيمة لا نستطيع أن نأتي عليها، وإنما نشير بما فتح الله تبارك وتعالى به علينا، حاثين أنفسنا وإخواننا جميعاً على تدبر كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا سيما هذه الوصايا الجامعة المانعة.

    ولا نتعجب من قول ذلك العالم في هذا الحديث، فقد قرأت منذ أمد ليس بالطويل أن الإمام العابد الزاهد أبا سليمان الداراني -رحمه الله تعالى- نادى غلامه أحمد بن أبي الحواري فقال له: ائتني بماء، فجاءه بماء ليتوضأ لقيام الليل، يقول أحمد بن أبي الحواري :[[فلما أذن الفجر، أذن وهو على حاله، ويده في الإناء ولم يرفعها ولم يتوضأ! فقلت له: الصلاة رحمك الله! أذن الفجر]] أي أنه طوال كل هذه الليلة كان يتفكر في حاله مع الله عز وجل، تفكر فنسي واستغرق ولم يفعل شيئاً، وهذا التفكر هو عبادة.

    أقول: لا نستغرب أن من تدَّبر وتفكَّر وأمعن النظر قد يحدث له شيء من هذا، فمثلاً: عندما تأملت هذا الكلام وتعجبت منه تذكرت أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ذكر قصته مع ابن عبد ياليل وما جرى له من الأذى، فقال: {انطلقت هائماً على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بـقرن الثعالب!}.

    وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقوى الناس زماماً، وأثبتهم نفساً، لكن الهمّ الذي ركبه واستغراق التفكير جعله يمضي وينطلق ولا يفيق إلا وهو في قرن الثعالب، واستغراق التفكير في المشي والسير أعظم منه والإنسان جالس.

    ثمرات التفكر

    أقول هذا لأنبه الإخوة لعظم التفكر في آية، أو في حديث، أو في عبرة، أو في حكمة؛ فهذا التفكر ثمرته عظيمة جداً؛ لأنه يورث لك علماً عظيماً جداً؛ بحيث إنك كلما قرأت، أو تعلمت، أو رأيت أيَّة عبرة وأخذتها بهذا العمق بالتفكير والتدبر والتأمل، فإنها تفيدك كثيراً جداً، وما ميَّز الله تبارك وتعالى أهل التقى السابقين -وعلى رأسهم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم- بكثرة الرواية، ولا بكثرة المسائل في العلم، ولكن بهذا العمق في الفهم واليقين والتدبر.

    إن عامة الصحابة رضي الله تعالى عنهم لم يكونوا يحفظون كتاب الله، وإنما حفظه نفرٌ معدودون منهم، والحديث كذلك لم يكن يجمعه أو يجمع أكثره والآلاف منه إلا نفر معدودون، لكن كان اليقين يقر ويثبت في قلوبهم بآية واحدة أو بحديث واحد.

    فهذا اليقين يستغرق قلبه، ويفتح الله تبارك وتعالى به عليه معارِفِ عظيمة، فيلج على قلبه من الحقائق الإيمانية والمعارف القرآنية ما يجعله ينسى كل شيء في هذه الدنيا، فحكمة واحدة يأخذها ردة واحدة يردها إلى كتاب الله أو إلى سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلى هذا النعيم الصافي العذب، تروي قلبه، وتنبت فيه شجرة الحكمة، فيجني ثمارها هو ومن بعده.

    لذلك انظروا إلى كلامهم! ورحم الله الحافظ ابن رجب حيثن كتب كتاب "فضل علم السلف" فقال: ''الكلمة الواحدة من كلام السلف تزن مجلدات من كتب الخلف'' وما أكثرها الآن في المكتبات! وما أكثر المحاضرات والكلمات، لكن أين كلامنا وأين علمنا وأين خطبنا ومحاضراتنا من كلمة واحدة من كلام السلف؟! فالسلف رحمهم الله أخذوا هذا الدين عن إيمان ويقين.

    1.   

    معنى"احفظ الله يحفظك"

    إخوتي الكرام: تدبروا هذا جيداً، وتدبروا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( احفظ الله يحفظك ) من الذي لا يسعى في دنياه إلى أن يحفظه الله تبارك وتعالى من أي سوء؟!

    يجتهد الناس في هذه الحياة الدنيا إما لجلب النفع أو دفع الضر، وإذا تأملنا هذا الحديث وجدنا كل ما جاء فيه متعلقاً بهذا الموضوع.

    فكل الناس في هذه الدنيا إنما يسعون ويجتهدون ويعملون من أجل أن يحققوا لهم في أنفسهم ما ينفعهم في العاجلة أو الآجلة، ويدفع عنهم ما يضرهم، ومحور ذلك وجماعه كله في هذه الوصايا التي أوصى بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (احفظ الله يحفظك) أي: في دنياك وآخرتك.

    مجالات حفظ العبد لربه

    احفظ الله كما ذكر الله تبارك وتعالى وبيَّن في كتابه.

    فعندما ذكر صفات المؤمنين، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ [التوبة:111] فجعل من صفاتهم: الحافظون لحدود الله، أي أنني أحفظ الله بأن أحفظ حدود الله.

    ومن ذلك قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المؤمنون:5] فاحفظ هذه الآلة، وهذا العضو، وقد بيَّن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطورة هذا العضو وضم إليه عضواً آخر، فقال: {من يضمن لي -أو من يحفظ لي- ما بين لحييه ورجليه أضمنْ له الجنة}.

    احفظ اللسان، واحفظ الفرج، فالله تعالى استودعك هذين العضوين، وما أكثر من دخل النار بسببهما! فإذا حفظتهما فهذا من جملة ما تحفظ.

    ومن أعظم المحافظة التي أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بها المحافظة على الصلوات: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فحافظ على الصلاة؛ فمن حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة.

    والمحافظة على هذه الأعضاء، كما قال تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] وهل تظن أنك يا عبد الله في هذه الدنيا تقول ما تشاء، وتصنع ما تشاء، وتنظر إلى ما تشاء؟! لا والله! إن السمع والبصر والفؤاد، حتى الفكر وهمُّ القلب وخطراته وما يأتي فيه لا ينبغي أن يكون إلا لله وقد تجاوز الله لنا عما حدثتنا به أنفسنا ولم نعمل به، لكن لا يجوز ولا ينبغي لنا أن نعزم على معصية؛ لأن العزم مقدمة العمل.

    بل يجب علينا أن نعلم أن هذه ودائع استودعنا الله تبارك وتعالى إياها، فلنحفظها ولنحافظ عليها، فإذا حفظ العبد جوارحه، وحفظ حدود الله، وحفظ ما أمر الله تبارك وتعالى به وامتثله، وحفظ ما نهى الله تبارك وتعالى عنه فلم يقربه، نال النتيجة، وهي حفظ الله له.

    حفظ الله للعبد

    إن رحمة الله تعالى أوسع من أعمالنا وأعظم من ذنوبنا، قال تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11] ولو تدبر الواحد منا إلى كيفية حفظ الله له، ثم نظر إلى حاله مع الله: هل هو محافظ على ما أمر الله به؟ هل هو حافظ لحدود الله؟ لرأى الفرق، ورأى العجب العجاب!

    الله تعالى يحفظنا بالمعقبات، أي: الملائكة كما فسرها الصحابة ومن بعدهم، وهي ملائكة وتحفظنا من الشياطين، تحفظنا من أن يصيبنا شيء، إلا ما قدَّره الله علينا وكتبه فلا بد منه.

    فالله تعالى يحفظنا من الشياطين، وما أكثر ما تحاول الشياطين أن تتخطفنا وأن تغوينا! ولكنه يحفظنا في أبداننا، وفي إيماننا من هذه الشياطين، فالله عز وجل يحفظنا بحفظه حياتنا، وإلا فمن الذي يرعانا؟! ومن الذي يربينا بنعمه؟! ومن الذي يغذينا بآلائه؟! أين نحن من هذا كله؟!

    الواحد منّا همه أن يطعم الطعام وينام، فمن الذي يسيره ويدبره ويُصّرفه فينال كل عضو منه ما كتب الله له أن يناله الطعام أو الدواء أو الماء.

    فالله عز وجل هو الذي يحفظنا، حتى أنفسنا لا نملكها ولا نستطيع أن ندبرها، ولو وكل الله إلى واحد منا أن يدبِّر عينه فقط، لما اشتغل في الدنيا إلا بعينه، ولو وكل إليك أن تدبِّر معدتك أو قلبك حتى يتحرك، لذهب عمرك كله وأنت تحرك القلب أو تحرك المعدة أو تحرك الكبد أو المرارة أو... إلخ.

    انظروا هذا الصنع العجيب: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل:88] من الذي يُدَبِّر هذا الخلق العجيب، خلق الإنسان؟! ومن الذي يسيره؟! ومن الذي يسخره؟! أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [الواقعة:59] أنحن أم الله؟!

    الله عز وجل منذ أن وضعت النطفة فالله هو الذي خلقه، ونحن لا نخلق ولا نرزق ولا نعطي ولا نهب ولا نمنع، وكل شيء إنما هو بقدرة الله تبارك وتعالى وبتدبير الله.

    فيجب علينا أن نحفظ الله ليحفظنا، لكن قد يقول قائل:كيف يحفظني الله؟ هل يحفظني فلا يصيبني أذى، ولا يصيبني بلاء، ولا يصيبني مرض أو مصيبة أو نكبة؟ فنقول: هذا جزء من الحفظ، ولكنَّ هناك حفظ أعظم من هذا كله...!

    إن الله عز وجل إذا حفظته فإنه يحفظك في دينك، وفي إيمانك، وعقيدتك، وفي يقينك، ومعرفتك بالله عز وجل، وهذه هي أغلى شيء في هذه الدنيا، فأعظم شيء في هذا الوجود ليس هو الدنيا فقط أو الأعراض الفانية، فهذه كلها تذهب ولا تنفع.

    فمن حُرِمَ لذة معرفة الله تبارك وتعالى فقد حرم ألذ الأشياء، كما قال بعض السلف رضي الله تعالى عنهم: [[ مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها ولم يذوقوا ألذ ما فيها، قيل: وما ألذ ما فيها؟ قال: ذكر الله عز وجل ومعرفة الله ]].

    إذا طعمت أكلة لذيذة من ألذ الأطعمة، وأكثرت منها وزدت، فإنك تجد تعباً ومغصاً وتتمنى أنك ما أكلت، وذهبت تبحث عما يُسَّمى بالمهضِّمات!

    وقد تعجب الصحابة رضي الله تعالى عنهم من ذلك، وقالوا: [[أمرنا بأن يكفي أحدنا لقيمات، وأنتم تحدثونا عن المهضمات!]].. هذا شيء عجيب!

    وألذ متعة يتلذذ بها أهل الدنيا هي متعة النساء، والذي يحفظ الله يحفظ الله له هذه المتعة، أما الذين يزنون -والعياذ بالله- ويهدرون شبابهم في الزنا، فهؤلاء هم أقل الناس تمتعاً بالحلال إن تزوجوا بعد ذلك.

    والذين يمارسون هذه الفاحشة القبيحة سواءٌ أكانت زناً أم لواطاً -وهو أقبح وأخبث- يبددون قوتهم، ويبددون متعتهم، ويهدرون طاقتهم، ولذلك لا يتمتعون إلا فترة قليلة من عمرهم!

    وقد أجريت مقابلة في أحد الكتب مع رجل ممن أصيب بالهربز، فقيل له: كم تمتعت؟ فقال: خمسة عشر سنة -أي أنه: كان يزني والعياذ بالله ويرتكب الفواحش خمسة عشر سنة- ويقول: هذه مدة تعتبر كافية! فهذا مسكين والله...!

    أيها الإخوة: انظروا إلى سير الصحابة -رضي الله عنهم- يبلغ أحدهم الستين والسبعين عاماً وربما أكثر، وهو متزوج ولا يزال يولد له، وعنده الإماء وهو في أحسن الصحة والعافية..سبحان الله! يحفظون الله فيمتعهم.

    والأمثلة على هذا كثيرة، فالشهوات الظاهرة البدنية لا يتذوقها ولا يجد طعمها -على الحقيقة- إلا من حافظ على حدود الله، فما بالك باللذة والنعمة التي لا تقاس بهذا كله؟! بل هي أعظم وأعظم، والتي يحرمها أهل الدنيا، وهي معرفة الله والأنس به ولذة الضراعة إليه ولذة دعائه عز وجل.

    وكثير من الناس لا يعرف هذه اللذة! ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله وذكر ذلك ابن تيمية وغيره ممن أشاروا إليه: ''بعض الناس تصيبه المصيبة فإذا أصابته أخذ يدعو الله، ويتضرع إليه، ويستغيث به، فيجد من لذة الدعاء والضراعة والاستغاثة إليه والانكسار بين يديه ما ينسيه تلك المصيبة بالكلية، فتكون المصيبة خيراً، فقد فتحت له باباً عظيماً ما كان يعلمه، وتراه يقول: الناس مساكين ما عرفوا هذه النعمة! ومن أين عرف هذه النعمة؟ عرفها بهذه المصيبة! ومن هنا لا يكره الإنسان المصائب، ولا يجزع ولا يقنط من القدر''.

    1.   

    قدرة الله النافذة

    ولذلك قال عقب هذا مباشرة: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا) لو اجتمع كل من فوق الأرض على أن ينفعوك بأي شيء تتخيله لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، فهو الذي يُدبِّر، يُسيِّر، ويُسيِّر ويسخِّر.

    والخلق مساكين ينقطعون عند الأسباب الظاهرة الحسية الموجودة، كما ضرب لهم مثل بمن رأى الناس يشربون الماء، فرأى ماسورة فيها حنفية يفتحها أحدهم ويشرب ويغتسل ويتوضأ، فذهب واشترى ماسورة، وركَّبها في الجدار، ثم فتح الحنفية فلم يجد ماءً.. لأنه ظن أن الناس يأخذون الماء بهذه الطريقة، ولم يعلم أن هناك أسباباً أخرى خفية لا يراها ولا يعلمها، وهذا الذي يراه إنما هو سبب ظاهر فقط.

    بعض الناس يظن أن الوظيفة بيد فلان المسئول، وأنه لو وافق فسيُوظَّف، فهذا سبب آخر من الأسباب الظاهرة، أما الأسباب الخفية الحقيقية فهي بيد الله عز وجل.

    الدعاء حقٌ من حقوق الله

    ولذلك لاحظوا ترابط الحديث، قال: { إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله } فلا يملك المخلوقون شيئاً، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي يملك كل شيء، فلا تهن نفسك ولا تذلها لأحد غير الله عز وجل ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ومن آمن بقدر الله فلن يسأل غير الله ولن يستعين بغير الله، وسيطمئن غاية الاطمئنان إن كان في حال النفع وإن كان في حال الضر؛ لأن الأمر قد قضي: { رفعت الأقلام وجفت الصحف }.

    الإيمان بالقدر وأثره

    كل شيء قد كتب كما بيّن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: ( كتب الله مقادير كل شيء قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) ولهذا يقول الله تبارك وتعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22] من قبل أن يخلقها، بل من قبل أن يخلقكم، بل من قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة!

    فلابد أن يكون موقفنا مما يقع هو: الرضا والتسليم لله تبارك وتعالى والصبر والاحتساب؛ لأنه من عند الله، ولهذا كان بعض السلف يقول: [[ لا أبالي بأي شيء أصبت ]]، لا أحد يتمنى أن يصيبه مكروه، لكنه يقول: من أين يأتي ذلك؟ ومن الذي يقدره عليه؟ هذا الأمر الذي أكرهه أنا وأغضب وأجزع منه، من الذي كتبه وقدَّره؟ أليس الله عز وجل؟ فالرضا يكون من جهة أن الله تعالى لا يقدر إلا الخير.

    ملازمة الخير للمؤمن

    وأمر المؤمن كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكانت له خيراً، وإن أصابته ضراء صبر فكانت له خيراً.

    فاحمد ربك، وأيقن واصبر، واعلم أن كل شيء قد قضي، ولا يضرك ما يكيد لك الخلق، وما يمكرون أبداً، والله تعالى سلَّى هذه الأمة فقال: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران:120].

    فما أكثر ما يُكاد لهذا الدين الآن في كل البلاد! كما ترون في البوسنة وفي الفلبين وفي إرتيريا وفي الصومال وفي عدة دول، حتى تنتهي الأمة الإسلامية ودولها وطوائفها.

    وكم يُكاد لهذا الدين من اليهود، والنصارى، والمنافقين، ومن الفجار، والمفسدين، ومن كل عدو لهذه الدعوة ولهذا الدين!

    واجبنا تجاه مكائد الأعداء

    الواجب علينا ألا نشتغل عن التقوى والصبر بالحديث عن كيد العدو وتتبعه.

    لا تشتغل بعدوك وتحمل هم عدوك أكثر مما تحمل هم السلاح الذي تتقي به عدوك، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله وهو يتحدث عن كيفية المعالجة من الحسد ومن العين وما أشبه ذلك: ''من أعظم ما يُعالَجُ به ذلك توحيدُ الله عز وجل، وأن تحفظ الله وأن تراقب الله وأن تحفظ جوارحك عن معصية الله، وهذا إذا اشتغلت به كفاك الله تبارك وتعالى كل مؤذٍ وكل شرير وكل حاسد وكل كائد، ولكن إذا اشتغلت بكيد الأعداء وانقطعت عن الصبر وعن اليقين لم ينفعك اشتغالك إلا هماً وغماً'' .

    وهذا ينطبق على واقعنا الآن؛ فمن يشتغل بخطط الأعداء وكيدهم ومكرهم دون أن يكون له زاد من الصبر واليقين، فإما أن يقنط، وإما أن يجزع، وإما أن يهتم ويغتم ولا نتيجة ولا فائدة، لكن يجب علينا التحلي بالصبر واليقين والتقوى مع معرفة كيدهم ومكرهم، مع أنه لا يشترط أن يعرف مكرهم وكيدهم كل أحد، لكن ينبغي ألا يضيع في الأمة؛ لأنه فرض كفاية.

    أما الأساس الذي يجب أن يكون لدى كل واحد في هذه الأمة فهو الصبر والتقوى التي ندفع بهما بإذن الله تبارك وتعالى هذا الكيد وهذا المكر.

    ولذلك لا يبالي المؤمن بأذى الخلق؛ فهم لو اجتمعوا على النفع أو على الضر،لم يضروك ولم ينفعوك بشيء من عند أنفسهم استقلالاً، فإن نفعوك بشيء فقد كتبه الله لك قبل أن تُخلق، بل قبل أن يُخلق هذا الكون بخمسين ألف سنة، وإن كان شراً فكذلك.

    عواقب سؤال غير الله

    إذا أيقنا بذلك، أيقنا أن المستحق أن يسأل وأن يستعان به، وأن يشكر هو الله وحده لا شريك له، الذي إليه المنتهى، والذي عنده خزائن كل شيء، والذي يعطي من يشاء ويحرم من يشاء، ويُضحِك من يشاء ويُبكِي من يشاء، ويحيي من يشاء ويميت من يشاء، ويُدبِّر ملكه كما يشاء.

    وهذا يزيد المؤمن إيماناً وتوحيداً، ويعطيه قناعة عظيمة، وكما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: { وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر } وكما قال في الحديث الآخر صلوات ربي وسلامه عليه: (إن الغنى غنى النفس) فإذا أغناك الله عز وجل وأعطاك الصبر، فقد أعطاك من الخير ما لم يعطه أحداً غيرك، فاحمد الله تبارك وتعالى عليه، ومن هنا إذا سألت فاسأل الله.

    وقد أوصى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جملة من الصحابة ألا يسألوا أحداً، منهم: أبو بكر وثوبان وأبو ذر رضي الله تعالى عنهم، حتى كان الواحد منهم إذا وقع سوطه، لا يقول لأحد: "ناولني السوط" ولكن ينزل فيأخذه بيده، وإذا انفلت منه خطام ناقته لا يقول لأحد: "أعطني" لكنه ينزل ويأخذه حتى لا يسأل أحداً إلا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأن السؤال -مهما كان- فيه ذل وفيه إشعار بالاحتياج.

    ولا ينبغي لك -يا أخي المسلم- أن تسلِّم نفسك إلا لله، وألا تشعر أحداً أنك محتاج إليه إلا الله عز وجل، إلا إذا اضطررت فهذا أمر آخر، فالناس للناس، والكل بالله عز وجل.

    فليكن الأصل الذي تسير عليه هو ألا تسأل الناس وألا تتشكى، وألا تتسخط لديهم.

    ولهذا كان بعض السلف عندما يرى بعض الناس يشكون، يقول له: أتشكو الخالق إلى المخلوقين؟!

    فبعض الناس إذا أصابه مرض ذهب واشتكى للناس، وهؤلاء -نسأل الله العفو والعافية- يحرمون أنفسهم من الأجر ويتألمون؛ لأن الشكوى يصحبها عادةً الألم، فتكون المشاكل عندك غير موجودة، فإذا شكوت إلى أحد منهم فإنك تتألم ثم تتألم، فالذين يشكون ويتسخطون عند الناس يعاقبون بالألم ويُحرمون من الأجر، وهذا كما جاء في الحديث: (فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط).

    فينبغي للمؤمن أن يتدبر، وأن يتفطن، لهذا ولذلك قال عبد الله بن المبارك رضي الله عنه: ''من صبر فما أقل ما يتحمل، ومن سخط فما أكثر ما يجزع'' فإذا صبرت فما أقل ما تتحمل، ولو صبرت العمر كله، فالعمر كله قليل، وما أقل هذه الدنيا بالنسبة للآخرة! كما قال تعالى: فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة:38] فالعمر كله قليل، فما بالك والأمر ليس كذلك؟! فلن تصبر عمرك كله؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل للكرب دواءً، وللعسر شفاءً، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (واعلم أن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً).

    فإذا أصابك أمر فاعلم أن الله تبارك وتعالى سيجعل لك معه يسراً وسيجعل لك منه مخرجاً.

    وعندما يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله ) فهذا من أعظم التوحيد، ولذلك نقرأ في صلاتنا هذه السورة العظيمة السبع المثاني الفاتحة في كل ركعة، ونقرأ فيها: إياك نعبد وإياك نستعين.

    والدعاء يشمل العبادة بل هو العبادة كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فندعو الله تعالى في كل ركعة ونقول: "ندعوك وحدك"؛ دعاء المسألة ودعاء العبادة، فدعاء المسألة داخلة فيها، "ونستعين بك وحدك" إياك نعبد، أي: نعبدك وحدك - كما هو معلوم في اللغة العربية.

    وإياك نستعين، أي: نستعين بك وحدك؛ فالاستعانة والعبادة لله وحده لا شريك له، فنجد أننا بذلك نرقى بدرجات عالية، ولا نكاد نحلم فيها أو نتخيلها إلا إذا حققنا ذلك فِعلاً في حياتنا، فالغنى عن المخلوقين يورثك عزاً تجد حلاوته.

    ولهذا قالوا: ''اسأل من شئت تكن أسيره'' أي: اسأل من شئت أن تطلبه تكن أسيره لأنه يأسرك بما يعطيك ويقدم إليك.

    ''واستغن عمن شئت تكن نظيره '' فأي إنسان تراه كبيراً عند أهل الدنيا استغن عنه تكن نظيره؛ لأنك مُستغنٍ عنه وهو مستغنٍ عنك؛ فأنتما في مستوى واحد وإن كان الناس يرونه كبيراً، فما دمت مستغنياً عنه فأنت نظيره.

    '' وأعط من شئت تكن أميره '' فإن أعطيته كنت أميره؛ لأنه أصبح أسير نعمتك وعطائك.

    وهذا لا يعني أن الإنسان لا يسأل إذا احتاج، وإنما المقصود أن يكون أصل نظرتك في الحياة وأصل منهجك الذي تسير عليه كذلك.

    لأن بعض الناس يذل نفسه من أجل علاوة قد تأتي وقد لا تأتي، أو من أجل مبلغ بسيط، أو من أجل شيء من الدنيا لا يستحق أن تذل نفسك من أجله أبداً.

    أما الضرورة فهي أمر آخر.

    لكن عندما ترى حال المسلمين اليوم -بل حال كثير من طلاب العلم- تأسف وتألم لما يذلون به أنفسهم من السؤال وإظهار الفقر والحاجة إلى المخلوقين، ولهم في الله عز وجل الغنى كل الغنى.

    عاقبة ذكر الله في الرخاء

    ولذلك قبل هذا يمكن أن نأتي بالعبارة التي وردت في الرواية الأخرى التي رواها الإمام أحمد وغيره، قال: { تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة }.

    يقول الضحاك بن قيس رحمه الله: [[اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة -كأنه يشرح الحديث، ثم ذكر مثلين فقال:

    إن يونس عليه السلام لما كان يذكر الله تعالى في الرخاء ذكره الله تعالى في الشدة، فقال تعالى: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144]]] فلما دعا بهذه الدعوة العظيمة التي هي من أعظم أدعية الكرب، والتي قيل: إن فيها اسم الله الأعظم، وهي: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) دعا بها يونس عليه السلام في الظلمات: ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، دعا فاستجاب الله تعالى له فأنجاه وأخرجه وألقاه الحوت في الساحل، ثم ذكر الحالة الأخرى، حالة الذي لم يعرف الله وقت الرخاء، فقال: [[وانظروا إلى فرعون كان غافلاً عن ذكر الله، مستكبراً على الله، فلما أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، فقيل له: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:91] ]].

    فيونس أنجاه الله، وفرعون لم ينجه، وكلاهما في حالة متشابهة؛ لأن ذلك كان يعرف الله في الرخاء، فعرفه الله تعالى في الشدة، وكان معه، وهذه هي المعرفة الخاصة والمعية الخاصة كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128] فالمعية الخاصة هي معية النصر والتأييد، والمعرفة الخاصة هي أن يعرفك الله تعالى المعرفة الخاصة، وإلا فهو العليم بكل شيء، لكن المعرفة الخاصة لأوليائه أن يقضي حوائجهم، وأن يستجيب دعاءهم، وأن يكشف كرباتهم وما يهمهم وما يغمهم.

    1.   

    طريق الدعوة

    الدعاة إلى الله اليوم هم أحوج ما يكونون إلى أن يتعرفوا إلى الله تبارك وتعالى في الرخاء؛ لأن الدعوة إلى الله لا تقوم إلا على الشدة والابتلاء والامتحان والمشقات.

    إن واقعنا نحن شباب الصحوة وشباب الدعوة عجيب؛ فأكثرنا يرى العمل ببعض الواجبات الظاهرة، أو التمسك بالسنن -وهذه نعمة- ويرى أنه في نعمة وفي عافية، ما أراد أن يحضره من المحاضرات حضره، وما أراد أن يسمعه من الندوات سمعه، وما أراد أن يشتريه من الأشرطة اشتراه، والذي لا يناسبه من هذه الأمور فإنه يتركه، وهو في وظيفته وفي عمله مرتاح، وله إخوة في الله يزورونه ويزورهم، فيجد فيهم العوض عن أهل الشر.

    ولا شك أن هذا خير وأن هذا من بركة الهداية وأنه قبل ذلك لعله كان في رفقة السوء، وكان في بلية وفي ضيق وضنك.

    لكن ألهذا الحد نقف؟! وهل هذا هو المطلوب منا فقط؟! أيقوم الدين ويقوى عوده، ويدحر الله تبارك وتعالى أعداءه وأعداء دينه بهذا فقط؟! أم أن هناك واجبات ومهمات ومشقات؟!

    إن طريق الدعوة شاق؛ فكيف نقوى عليها؟!

    فأحياناً عند أول ابتلاء يمس الوظيفة، أو يمس السمعة، أو بمجرد أن يتكلم فيه الناس والأقارب والأرحام والأصدقاء ترى الداعية بدأ يهتز، ولو جاءت محنة أشد قليلاً، فإنك تراه يكاد يطير، ولو جاء سجن أو شيء آخر، فيمكن والعياذ بالله أن يذهب دينه كله!

    وهذا لأننا قد نتكلم عن طريق الدعوة، لكن لا نتكلم عن الزاد، ولا نحمل همَّ الزاد، ولا نتزود من هذا الزاد -زاد التقوى واليقين- الذي يعينك فتمضي في هذا الطريق.

    سنة الابتلاء

    ولهذا قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه) وفي إحدى رواياته قال: (الأنبياء ثم العلماء ثم الصالحون)، فالعلماء لأنهم ورثة الأنبياء يقومون مقام الأنبياء.

    وانظروا كيف كان صبر الإمام أحمد، وشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية، وابن القيم، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، وغيرهم من الدعاة والعلماء قبلهم وبعدهم.

    فكل من دعا إلى الله من العلماء بحق وحقيقة وقال كلمة الحق، ولم يخش في الله لومة لائم، فلابد أن يُؤذى وأن يبُتلى، وأن يُمتحن، وهذه علامة على أنه على الطريق، فلا تقنط، واحمد الله أنك على الطريق، واسأل الله السداد، واصبر على ذلك.

    ولذلك نقول: هذا الحديث عجيبٌ جداً، وكل عبارة آخذة بعنق ما بعدها، فلذلك قال: { واعلم أن النصر مع الصبر ) فإذا أردت أن تنتصر فاصبر.

    اصبر أولاً على نفسك، هذه الدابة الحرون التي تجمح بك يميناً ويساراً، لو أطعتها ألقتك في النار، فاصبر على ترك ما تريده من رغبات ومن شهوات، وأقل شيء تريده منك أن تنام وتؤخر صلاة الفجر، وهذا الذي قد يحدث لكل واحد منا، وتريدك أن تتغدى وتنام وتؤخر صلاة العصر.

    وإذا جئت تذكر الله أو تقرأ القرآن جاءك التعب وجاء التثاؤب، وإذا جئت تحمل نفسك على الذهاب إلى الدرس أو إلى حلقة من حلقات العلم والذكر تثاقلت، وجاءتك الهموم والمشاكل والارتباطات، فانتصر على النفس التي هي العدو الذي بين جنبيك، ثم على الشيطان ثم على أعدائك، وما أكثرهم!

    اصبر، فالنصر على العدو أياً كان إنما هو بالصبر.

    فهذا عمر رضي الله تعالى عنه وهو الحكيم الذي أعطاه الله تعالى الحكمة، جاء إليه وفد من بني عبس، من قوم عنترة، فقال لهم: بم كنتم تغلبون العدو؟ قالوا: بالصبر.

    وهو يريد أن يُعلِّم، أما هو فيعلَم ذلك، فمعنى قولهم: إننا نألم كما يألمون لكن نصبر.

    وعنترة بن شداد هذا الفارس المشهور في الجاهلية ما جالد رجلاً إلا غلبه، إما أن يقتله أو يفر، فبعض الناس يظن أن عنترة لا يخاف من شيء أبداً، فسألوه: كيف تغلب أعداءك؟ فقال عنترة " بالصبر! كلما أردت أن أفر أقول: أصبر قليلاً لعله يفر هو، فيفر فأدركه فأقتله، أو يهرب فأنتصر عليه" فكل الناس عندهم نوازع الخوف، وما يميز بينهم إلا الصبر.

    والعمر هو هذه الأيام والليالي فقط، قد تموت الليلة، وقد تموت غداً، وقد تموت قريباً، وقد تتأخر فاصبر، كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه: [الموت عقبة كئود، وسوف تعبرها] فتحمل هذا اليوم وغداً وبعد غد، وإذا بك تحمد صبرك، كما يقال في المثل: '' عند الصباح يحمد القوم السرى '' أي": أنهم يتعبون في مشيهم بالليل، فإذا جاء الصباح نظروا، فرأوا أنهم قد قطعوا مسافة كبيرة بالليل ففرحوا بسراهم بالليل عندما جاء الصباح، وآخرون ناموا بالليل، فإذا هم في الصباح متخلفون عن أولئك، فتراهم في حزن يقولون: هؤلاء قد وصلوا ونحن منقطعون.

    فاصبر واعلم أن النصر مع الصبر، لا ينفك أحدهما عن الآخر ويوضح ذلك قوله بعد ذلك: { وأن الفرج مع الكرب }.

    ورحم الله من قال:

    ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرجُ

    فغالباً ما يأتي الفرج بعد الضيق والشدة والكرب، ويأتي النصر بعد أن تعاني ما تعاني، وما أكثر الأمثلة على ذلك! ولو بقينا في الأمثلة لاحتجنا إلى لقاءات طويلة في ذكرها.

    نماذج من صبر الأنبياء

    أول الرسل نوح عليه السلام:

    عانى الكرب! ولهذا يقول الله تعالى: وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [الصافات:76] قضَّى ألف سنة إلا خمسين عاماً كلها دعوة، ثم أمره الله عز وجل بعد يأسه من قومه, أن يصنع الفلك وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ [هود:38].

    وتلك مرارة عظيمة أشد من الرجم أحياناً، وكانوا يقولون: كان نوح رسولاً، والآن أصبح نجاراً، يقطع الخشب ويأتي بالألواح والدسر، ماذا تريد يا نوح؟! وهذا يسخر، وهذا يضحك.. قد أحاط به الكرب، وبعد ذلك نجَّاه اللهُ من هذا الكرب.

    إبراهيم عليه السلام:

    جُمع له الحطب الكثير، وأوقدت فيه النار العظيمة، وجيء بالمنجنيق ووضع الخليل فيه، وقذف به، فلما ألقي فيها: قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69].

    وصبر إبراهيم عليه السلام على كل ما نزل به، ولم يأتِ الفرج إلا بعد الكرب والشدة، عندما انتهى الأمل في نصر البشر، قال تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا [يوسف:110].

    أي: أن النصر يتنزل على الرسل في أحلك الظروف، وذلك إذا استيئسوا وظنوا أنهم قد كذبوا، وانتهت كل الأسباب المادية، فإبراهيم قد ارتفع في الهواء، وما بقي إلا أن يقع فتحرقه النار، وإذا بها برد وسلام.

    وإسماعيل عليه السلام:

    كذلك أنجى الله إسماعيل من الذبح، قال تعالى: : فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ [الصافات:103] فقد تله للجبين، وأمرَّ السكين، وبلغ الكرب غايته بالأب والابن، فالأب قد استسلم لما أمره به ربه، وإسماعيل لما عرض عليه أبوه الأمر فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى [الصافات:102] قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَر ُ [الصافات:102] فلما صبرا كان لهما هذا الجزاء من الله تبارك وتعالى، مع شدة الكرب فجاء الفرج من الله، وفداه بذبح عظيم.

    فلا تكره شدة الكرب أيها الداعية؛ لأن الفرج مع الكرب، بل إذا كنت ما زلت في أول الطريق فاحمد الله واصبر، فإذا اشتدت وجاء الكرب، فسوف يأتي الفرج بإذن الله.

    وموسى عليه السلام:

    بغى فرعون وطغى، وأفسد في الأرض، كما أخبرنا الله تبارك وتعالى عنه في سورة القصص وفي الفجر وفي الأعراف وغيرها، وفعل الأفاعيل العظيمة المنكرة بهذه الطائفة الذين هم بنو إسرائيل، وسلَّط الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على فرعون وقومه الجراد والقمل والضفادع والدم لعلهم يتوبون ويؤمنون، ولكنهم ظلوا في عنادهم وكبرهم.

    ثم قال موسى لقومه: إن الله قد أمرنا أن نخرج، فخرجوا ولحقهم فرعون وجنوده، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61] وكأنهم يقولون: "يا موسى! ليس لنا الآن حيلة، قد أدركَنا جيشُ فرعون الذي أو لم يقهر، ولا حيلة ولا مهرب؛ فالبحر أمامنا وهذا فرعون وجنوده خلفنا! وانتهى كل شيء.

    فيأتي الفرج من الله عز وجل مع هذا الكرب الشديد، ومع استحكامه..!

    وعيسى عليه السلام:

    لما مكر به اليهود وأحاطوا به، وما بقي إلا أن يقتلوه ويعلقوه على الصليب، رفعه الله تبارك وتعالى إليه، وألقى الشبه على الذي نمَّ ودل عليه، فوضع مكانه وصلب..!

    نماذج من السيرة النبوية

    أما رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما أكثر ما مر عليه من الكروب صلوات ربي وسلامه عليه، وهذه سيرته بين أيدينا.

    في يوم الغار يقول أبو بكر رضي الله تعالى عنه: (يا رسول الله! لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدمه لرآنا) ولا حيلة لهما، فهما اثنان، وصناديد قريش بعدتهم حول الغار، وقد أغروا من يأتيهم بمحمد أو بـأبي بكر حيين أو ميتين بمائة ناقة، وهي أعز وأعظم مال عند العرب كرب شديد، إذا دخلوا عليهم الغار، فأين المهرب؟!

    فيقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لـأبي بكر: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! ويقول له أيضاً: لا تحزن إن الله معنا!) سبحان الله! فعند شدة الكرب يأتي الفرج من الله، وانصرفوا عنهم، بل قيَّض الله لهم من يصرف الناس عنهم بعد أن كان طامعاً في قتلهم، فكان سراقة يقول لهم: (أما هذا الجانب فقد كفيتموه) اطمئنوا فليسوا هنا أبداً، ابحثوا في مكان آخر، فلقد أراد الله أن يصرف عنه السوء حتى يصل إلى المدينة.

    واشتد عليه الكرب صلوات ربي وسلامه عليه يوم أحد كما تعلمون، ثم جاءه الفرج من عند الله، ونزلت ستون آية عظيمة من سورة آل عمران تُبَيِّنُ الحِكَمَ العجيبة والنعم الباطنة الخفية ضمن هذه الحادثة المؤلمة.

    ويوم الأحزاب تألبوا واجتمعوا عليه حتى قال المنافقون: "يعدكم محمد بملك كسرى وقيصر، ولا يستطيع أحدكم أن يقضي حاجته!!".

    والمنافقون هذا شأنهم في كل زمان ومكان! فهم الآن يقولون لنا: أنتم تزعمون أن الله ينصر الإسلام ويعز الدين، فهاهم المسلمون في كل مكان يقتلون ويهانون! وهذا كلام المنافقين؛ لأنهم رأوا الجولة الأولى، والشوط الأول فقط! فنقول لهم: انتظروا! ما زالت المعركة طويلة لم تنته بعد، فلا تتعجلوا..!

    ثم استحكمت حلقاتها بنقض بني قريظة للعهد، والمدينة محاصرة، وجميع قبائل العرب ضدهم، وإذا ببني قريظة -وهم من أهل العهد والذمة، وهم بداخل المدينة- ينضمون إلى الكفر وإلى العدو المحاصِر، فماذا بقي؟!

    ويأتي الله عز وجل بالنصر، ويأتي بالفرج من عنده، ويرسل عليهم ريحاً وجنوداً لم يروها ويذهب كيدهم ومكرهم، ويهزم الله الأحزاب وحده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فله الحمد وحده، فهو الذي نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، وكم من أحداثٍ عظيمة في السيرة النبوية!

    بشائر الفرج لأهل الابتلاء

    كلما استحكمت حلقات الضائقة، وكلما اشتدت الكروب، وكلما رأيت أن لا مخرجَ ولا حيلةَ، فاعلم أن الفرجَ قريب.

    وفي الحديث الذي تقدم معنا في أحاديث الصفات، يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده وقرب غيره } إذا امحلو حطوا وأجدبوا.

    وترى الناس كما قال تعالى: وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ [الروم:49] تراهم مبلسين يائسين، قانطين جزعين؛ فلا ماء، والدواب قد هلكت، والأرض قد يبست، والرياح تعصف بأراضيهم الغبار، ففي هذه الحالة يضحك الله تعالى لما يرى من قنوطهم وجزعهم وإبلاسهم، وقرب غيره، إنه قريب، ولكنهم لا يدرون إنما هي أيام أو أسابيع، وإذا بالغيث والنعمة المنشورة والرحمة تأتي من كل مكان! وإذا بالخضرة! وإذا بالورود والأزهار والطيور والخيرات والبركات!

    ثم تأتي إلى هؤلاء فتقول لهم: أتذكرون تلك الأيام، فيقولون: يا شيخ! لا تذكرنا بتلك الأيام، فقد مضت.

    لا يريدون أن يتذكروا تلك الأيام، وكأن هذا هو كل شيء!!

    يضحك الله عز وجل من قنوط البشر مع أن رحمته قريبة تبارك وتعالى.

    ولذلك قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { وأن مع العسر يسراً } وهذا كما في كتاب الله: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:5-6].

    ومن أعظم نعم الله عز وجل -وقد عبَّر عنها جماعة من السلف، كلٌ منهم بأسلوبه: الصبر واليسر والرضا.

    من أعظم نعم الله عز وجل على الإنسان أن يذيقه حلاوة الصبر، باستشعاره أن مع العسر يسراً، فمهما نزل به من كرب، ومهما ألمت به من مصيبة، ومهما يرى أنه قد أحيط به، فإنه يعلم أن مع العسر يسراً، فيبرد ذلك قلبه، ويخفف لوعته، ويطفئ مصيبته، ويستيقن أن الله عز وجل لن يضيعه.

    فالنصر مع الصبر مقترنان لا يفترقان، والفرج مع الكرب مقترنان لا يفترقان، فبإذن الله لا يقع هذا إلا مع هذا، ولو جاء النصر من غير صبر لما كان له طعم.

    فلو ذهبتم لتقاتلوا عدواً، فلما أشرفتم عليه هرب، وأخذتم الغنائم ورجعتم، لما كان لذلك طعم، كما إذا قاتلتم أياماً وليالٍ مثل أيام وليالي القادسية، والتي كانت شديدة على الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ثم جاء نصر الله عز وجل؛ فالنصر بعد التعب له لذة وحلاوة.

    وكذلك الفرج لا يأتي إلا بعد الكرب، فليتحمل الإنسان ذلك، وكذلك اليسر أو اليسران، فهما يسران يأتيان بعد العسر ومعه، فإذا تضرع الإنسان واستعان بالصبر، نال النصر، والفرج، واليسر بإذن الله، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:2-3] أي: كافية من كل شيء تبارك وتعالى.

    1.   

    الواجب بعد سماع الوصية

    إخوتي الكرام: قد أجملنا إجمالاً، وأشرنا إشارات لما يتضمنه هذا الحديث الشريف العظيم، من الوصايا الجامعة المانعة والحكم العظيمة التي نريد أن تكون بإذن الله زاداً لنا في حياتنا.

    فأوصي نفسي وأوصي إخواني جميعاً: أن نعمل بهذه الوصية وأن نهديها إلى كل من نحب، وأن نكون من المتدبرين لهذه الوصايا فهماً، والممتثلين لها عملاً، والداعين إليها، والموقنين بما فيها، وأن نوقن بها حق اليقين.

    فهذا كلام رسول رب العالمين صلوات ربي وسلامه عليه، وهذه وصيته، لم يوص بها عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه وحده، بل هي لنا جميعاً؛ ولهذا تحدث جمع من الصحابة عن هذه الوصية التي أوصاها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهي لكل من يريد الخير من هذه الأمة، أن يكون حافظاً لحدود الله، وأن يكون راضياً وصابراً على أقدار الله عز وجل، وأن يتعرف إلى الله في الرخاء ليعرفه الله في الشدة، وألا يسألَ إلا الله، وألا يستعين إلا بالله تبارك وتعالى، وأن يصبر ويعلم أن عاقبة ذلك هو نصر الله تبارك وتعالى له وتوفيقه وتأييده وحفظه ورعايته في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فالحمد لله،كما هو مشاهد.. وأقول لإخواني دائماً: لا تنسوه، فوالله إنكم تعيشون وتتقلبون في نعم يحسدكم عليها أهل الدنيا الذين حرموها وأنتم لا تشعرون بها.

    وهم إما أنهم لا يعلمون بما نحن فيه، ولو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف، أو أنهم يعلمون ولكن لا يستطيعون نيله؛ لما حجبوا به من الشبهات والشهوات.

    أنتم والله في نعم عظيمة، فأنتم تقرءون كتاب الله، والحرف الواحد منه بعشر حسنات، أليستْ هذه نعمةً عظيمة؟!

    أنتم -والحمد لله- عرفتم العقيدة الصحيحة التي ينجو بها العبد عند الله، أليست هذه نعمة عظيمة؟! أنتم عرفتم طريق الدعوة إلى الله، وكثير من الشباب في العالم الإسلامي يتمنَّى أن يأتي إلى هذه البلاد منحة أو دراسة أو بأي شكل؛ ليتعلم هذا العلم ويدعو إلى الله، وقد وفقكم الله لهذه النعم كلها، فاشكروه عليها، واعلموا أن الله سائلكم عنها.

    الإبلاغ والتذكير

    ومن الواجب أن ندعو إلى الله عز وجل وأن نذكر أنفسنا وإخواننا بهذا؛ وإلا فلماذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)؟!

    إذا بلغك حديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبلغه لأخيك، وأحب له ما تحب لنفسك.

    فإذا قرأت أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ("لا حول ولا قوة إلا بالله" كنز من كنوز الجنة) واستبشرت بالكنز، فدل أخاك عليه، وأخبر جماعة المسجد وقل لهم: هناك كنز عظيم ثمنه كلمة! فوالله لو قلت لبعض الناس: " هناك كنز في مكان بعيد لم يعرفه أحد بعد، ولو حفرتم لوجدتم الذهب، لرحلوا معك ولو إلى آخر الدنيا!

    دلهم على كنز عظيم أن يقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله!

    ودلهم على شيء خير من الدنيا وما فيها: ركعتا الفجر!

    ودلهم على شيء لا يجدون عنه عوضاً في دنياهم، لو قال الواحد منهم: "سبحان الله وبحمده" مائة مرة غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر، وما أحوجنا إلى هذا!

    يجب علينا أن نستشعر أهمية الدعوة، وأن ندعو الناس إلى الله عز وجل، وألا نكتنـز هذا العلم والخير وهذه المعارف والحقائق لنا، وندع الناس في غفلتهم وفي لهوهم وفي مشكلاتهم.

    لا تغركم مظاهر الناس؛ فإنك تجد الواحد منهم في القصور أو في الفلل، وتجد السيارات والحشم والخدم والرواتب والوظائف، فإذا دخلت إلى أعماقهم فإنك تجد الكرب والحزن، وتجد الزوجة تخاصمه، والأبناء في عقوق له، والبنات أيضاً لا يسمعن له، والسائق يغشه، ومدير العمل يخونه، وفلان يغضبه، والموظفون يكرهونه.

    سبحانه الله! ادخل إلى قلوبهم فوالله لن تجد إلا النكد والألم! وكل من تعلق بغير الله وكل إليه، فمن تعلق بالدنيا وُكِل إليها، ومن تعلَّق بمخلوق وُكل إليه.

    التحلي بمشاعر الحب

    أيها الإخوة: لا يكفي أن نتعلق بالله -ونسألُ الله تعالى ذلك- ونتعلق بحب الله وما أضعفنا في ذلك، ثم نترك الناس يتعلقون بما شاءوا ويحرمون من هذا الخير، بل نحبه لأنفسنا، ونرثي لحالهم، فهم والله مساكين، كما قال هذا العالم من السلف: (مساكين الذين ما عرفوا الله).

    والله! إن الذي تفوته حلقات الذكر مسكين، والذي تفوته الصلاةُ جماعةً مسكين، والذي لا يحجب زوجته وبناته ويمنعهن من النظر إلى ما حرم الله مسكين، هذا يستحق الرثاء.

    ولذلك كان بعض السلف يستعين على دعوته، برثائه للخلق وبرحمته لهم، وله أسوة برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح الدم عن وجهه، ويقول: (اللهم اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون!) إن الناس لا يعلمون أننا نُحب لهم الخير، فتراهم إذا نظروا إليك أحياناً يكادون أن يزلقوك بأبصارهم وأن يبطشوا بك، وأنت لا تريد لهم إلا الخير، حتى الذي ترى أنه أعدى عدو لك، أو أنه يمكن أن يتسلط عليك ويقتلك ويفعل بك ما يشاء، فإنك تحبه وتريد له الخير، وتقول له: إذا تبتَ وآمنتَ فأنا أغفر لك وأسامحك من كل شيء، حتى وإن كنت قد فعلت بي ما فعلت وأسأت إليَّ ما أسأت، فما دمت قد عرفت الله وتبت إليه، فغفر الله لك! ونحن من اليوم إخوة أحبة في الله، فنحن لا نريد منهم شيئاً.

    لكن هل يعلمون أننا نُكِّنُ لهم هذا الشعور؟!

    ما أظن كثيراً منهم يعلم بذلك، لأننا ما أشعرناهم بذلك وما أعلمناهم به، وما رأوه منا، ولهذا يتصور كثير من الناس أن هؤلاء الدعاة وهؤلاء الشباب وحوش، ينتظرون الفرصة لينطلقوا عليهم ويفتكوا بهم ويعبثوا بهم، كالذئبين الجائعين إذا فتكا بفريسة!

    ونحن لا نريد لهم إلا الخير فدنياهم هذه التي يخافون عليها لن ننافسهم على شيء منها، ولو كانت أضعافاً مضاعفة! فلا نبالي بشيء منها ولا نريدها، إنما نريد وجه الله، ونريد ما عند الله، ونريد أن يحرروا أنفسهم من العبودية لغير الله؛ فالدراهم والدنانير والزوجة والمجلة والفيلم والشهوة كلها عبوديات.

    فأقول يا إخواني الكرام: ليجعل كل واحد منا له ورداً من كلام الله وكلام رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا وردت هذا المورد العذب الزلال، وتنعَّمت بهذه النعمة، فاقطف من ثمراتها شيئاً، وقدمه لجيرانك ولإخوانك ولزملائك في العمل ولمن تحب ولمن تستطيع.. أرسل به رسالة إلى واحد في آفاق الدنيا، واصرف في ذلك من مالك؛ سواءٌ كان في أمريكا، أو في الشرق، وفي الغرب، وبين له هذا الخير وهذا النور، فقد يفتح الله على يديك ما لا تعلم.

    نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوفقنا وإياكم لهذا، إنه سميع مجيب.

    1.   

    الأسئلة

    حدود الله عز وجل

    السؤال: ما هي حدود الله التي أمر بحفظها؟ وما معنى " احفظ الله تجده تجاهك"؟

    الجواب: حدود الله: هي كل ما شرعه الله... وحفظ حدود الله يكون بامتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، والصبر على طاعته والصبر عن معصيته، والصبر على قضائه وقدره، فهذا كله من حفظ الله ومن حفظ حدوده.

    أما معنى " احفظ الله تجده تجاهك " فهي تعني المعية الخاصة.

    " احفظ الله تجده تجاهك " أي: معك معية خاصة؛ لأن من الصفات الثابتة لله المعية، وهي نوعان:

    المعية العامة: وهي معيته للخلق أجمعين، كما قال تعالى مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7] فهذه لكل الناس فهو معهم كلهم.

    وقال: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ [ق:16-17].

    فهذه معية عامة لله تعالى، فهو مع كل الناس بعلمه، وهو تبارك وتعالى مُطِّلعٌ على أحوالهم، ولا تخفى عليه منهم خافية.

    والمعية الخاصة: وهي المقصودة في الحديث، وهي مثل قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128] إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153].

    هذه المعية الخاصة كما قال الله تعالى لموسى وهارون: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46] وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا تحزن إن الله معنا} أي: يحفظنا وينصرنا ويرعانا ويوفقنا.

    وهنا نشير إشارة فاتتنا من قبل، فنقول: إن من أعظم نصر الله، وتوفيقه ومعيته، وحفظه لك أن يحفظك عن الذنوب والمعاصي، ولهذا قال الحسن البصري، وقال أبو سليمان الداراني وغيرهما من الأئمة الذين تكلموا في هذا الموضوع العظيم، موضوع الإيمانيات والرقائق: "إنما عصوه لهوانهم عليه -أي: أن أهل المعاصي هؤلاء، إنما عصوه لهوانهم عليه- ولو كرموا عليه لحجزهم" أي: لو كانوا كرماء على الله لمنعهم من الوقوع في المعاصي، لكن من هوانهم على الله تركهم يقعون في الذنوب والمعاصي، كما قال تعالى: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الحج:18].

    فكل من عصى الله فلهوانه على الله عز وجل، ولو كرم عليه لحجزه ولعرَّفه به تبارك وتعالى، وإذا عرف الله وعظَّم الله لم يعصِ الله عز وجل، فهذا من أعظم ما يجده العبد من أنواع المعية الخاصة.

    حكم الواسطة

    السؤال: كثير من الناس إذا أراد عملاً أو وظيفة في مكان ما، يبحث عن واسطة، ويقول بعضهم: لا بد من واسطة، فهل هذا ينافي التوكل التام على الله تبارك وتعالى؟

    الجواب: الأسباب لا بد منها، وهي لا تنافي التوكل، وهذا موضوع آخر غير الموضوع الذي نحن فيه، لكن الآن الكلام جرَّنا إلى الحديث عن الواسطة، فلابد أن نشير إلى شيء مهم، وهو أن الناس كلما أحدثوا ذنوباً أحدث الله لهم عقوبات، يعلمونها أو لا يعلمونها، فالواسطة عقوبة من العقوبات، أن بعض من تولَّى لم يتق الله فيما تولاه من عمل، فمن تولى على شركة أو إدارة أو وزارة أو مصلحة معينة، لو اتقى الله ولو توكل على الله؛ فمن جاء إلى وظيفة، فلن يحتاج إلى الواسطة؛ لكن لأن المسؤول لا يتقي عقوبة الذنوب التي عليه وعلى من تولى؛ ولأن السائل ضعيف اليقين وضعيف التوكل، فإنه احتاج إلى هذه الواسطة.

    حتى إن بعض الناس يقولها لك بصراحة: عندك واسطة؟!

    أنت تأتي بالأوراق كاملة وهو يقول: عندك واسطة؟! وهو في نفس الإدارة التي تذهب إليها!

    ما الذي أحوجنا إلى أن نتوسط بالمخلوق إلى المخلوق الضعيف؟!

    نحن نشتكي من الضعيف إلى الضعيف، ونستشفع بالفقير إلى الفقير، ونستدل بالأعمى على الأعمى، ضعف إيمان مشترك من الطرفين، ولو صدق يقيننا في الله لرزقنا، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً) فليس لدى الطيور مستودعات ولا ثلاجات ولا خزانات ولا... إلخ لكنها كل يوم تروح في أرض الله خماصاً خاوية البطون، وترجع بطاناً قد أشبعها الله من فضله، لكننا نحن في طمع وشره، فالمسئول يريد الواسطات؛ لأنه لو جاء صاحب الطلب وأوراقه مكتملة، ومشى أمره، فلن يستفيد من ورائه مصلحة.. أما في حالة الواسطة فإنه يستفيد؛ إذ إن هذا الواسطة يبادله بمصلحة مماثلة عند الاحتياج، ويخضع له ويحترمه.

    وهكذا النفوس إذا خوت من مراعاة تقوى الله؛ وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته) فلو أن كل إنسان اتقى الله وعرف هذا الحديث فلن نحتاج بعد ذلك إلى الواسطة.

    فأول ما بدأ قال: (فالإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته) فذكر أكبر ولاية، ثم ضرب مثالاً لأصغر ولاية فقال: (والخادم راع في بيت سيده) وهي ولاية الخادم.

    فما بين الولايتين كلهم مسؤولون، فعليهم أن يتقوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنه سائل كل راع عما استرعاه؛ فإذا اتقوا الله فلن نحتاج بعد ذلك لا إلى واسطة ولا إلى غيرها.

    علامات قبول التوبة

    السؤال:كيف يعرف العبد إذا ارتكب معصية أن الله تاب عليه؟

    الجواب: هذا سؤال عظيم، فكثير من الإخوان من يقول: أنا تبت، فكيف أعرف أن الله تاب عليَّ؟ فاعلم يا أخي الكريم أن من علامات قبول الحسنة أن تفعل الحسنة بعدها، فإذا أديت الحج، فإن علامة قبوله أن تكون في محرم وفي صغر في طاعة الله، فتكون قد انتفعت بذلك الحج فاستقمت، وإذا صمت رمضان فإنك تكون في شوال مستقيماً على الطاعة ومحافظاً عليها.. وهكذا.

    فعلامة قبول التوبة الاستقامة على أمر الله، فإذا استقمت فاعلم أنك قد كرمت عليه، فلما كرمت عليه بالتوبة حجزك ومنعك عن العودة إلى المعصية، لكن لو رجعت إلى المعصية فأنت عليه هين، فلم يحجزك ولم يمنعك، فارجع إليه، ولا تمل بابه؛ فهو الكريم الذي لا يجوز أن نمل سؤاله أبداً، ولا ملجأ لنا ولا منجى إلا إليه.

    وقد ذكر بعض العلماء قصة الصبي، وهي تدعو إلى التفكر والتدبر، وهناك من ينظر ويأخذ العبر، وهناك من لا يأخذ العبرة.

    رأى بعض العلماء صبياً خرج من بيت أمه وقد أغضبها، فتوعدته، فخرج من البيت ثم لما جاع وذاق حر الشمس، إذا به يرجع ويدق الباب وينادي أمه: " يا أماه افتحي"، ففتحت له أمه واحتضنته، وقالت: ألم أقل لك يا بني: لا تذهب ولا تبعد عني؟! وأنا رحيمة بك وأنا أعطيك، وأنا كذا، قال: فتذكرت على الفور رحمة الله عز وجل، وباب الله عز وجل..!

    أيها الإخوة: الواحد منا يشرد بالمعاصي والذنوب عن الله، وباب الله تبارك وتعالى مفتوح فقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار) يبدل السيئات حسنات لمن تاب، لكنَّ الذي يهرب والذي يشرد إنما هو نحن، فإذا هربنا فإلى أين؟! وإلى متى؟! إننا سوف نرجع إليه وندق بابه مرة ثانية! فيجب علينا ألا نهرب ولا نبتعد عن الله عز وجل، ولا نتبغض إلى الله بالمعاصي، بل نتحبب إليه بالطاعات ليفيض علينا جزيل النعم، ومهما هربنا فلابد أن نرجع إليه، فلنعد إليه ولا نبتعد عن طريقه ولا عن بابه الكريم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

    حقيقة النصر

    السؤال: النصر للداعية والدعوة قد يكون بانتقال الداعية إلى الله، فتبقى الدعوة ويأتي النصر لمبادئ الداعية، أليس كذلك؟

    الجواب: بلى! فهذا ممكن، كما فعل الملك الظالم بأصحاب الأخدود.. حفر الأخاديد وأجج النيران وألقاهم فيها، وانتهت القصة كما في سورة البروج، وإذا قرأنا سورة البروج، فليس فيها ذكر لانتقام الله من الظالمين، ولا يوجد في القرآن في موضع آخر أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى انتقم من صاحب الأخدود ونجَّى أولئك فتتعجب..!

    إنما قتل أتباع الغلام وأُحرقوا، والملك باقٍ ولكن في الحقيقة انتصر الغلام، وانتصر الذين أحرقوا وخدّت لهم الأخاديد، انتصاراً عظيماً وبقي التوحيد، ولو لم يظهر الله عز وجل نصرهم إلا بأن يبعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك بمئات السنين، وينزل عليه هذه السورة العظيمة، ويظهر لنا انتصارهم، ونقرأ هذا القرآن إلى قيام الساعة، ثم نتحدث عن انتصارهم على الكفر وعلى الشرك وعلى نار الدنيا، وأن الله تعالى وعدهم بالفوز الكبير في الآخرة.

    بشائر النصر

    السؤال يقول: هل الأحداث والكروب التي تحدث للمسلمين في زماننا هذا؟

    الجواب: نعم! فقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب } فهي بشرى خير، لكن يجب أن نكون أهلاً لنصر الله، انظروا البوسنة كمثال، ولا أريد أن أطيل عليكم بها، كان المسلمون في البوسنة والهرسك لا يعرفون الله، واسألوا أي إنسان من إخواننا هناك، لكن لمّا جاءت هذه المحن وهذه الكروب بدءوا يعرفون الله، ويعرفون الدين، ويعرفون الفرق بين المسلم والكافر! فالصليبيون من الصرب والكروات والغرب ومن وراء الغرب ومن مع الغرب ومن يعطي للغرب الأموال، كل هؤلاء حفروا جرحا عميقاً في الجسد الأوروبي لن يندمل أبداً.

    نحن موقنون أننا بإذن الله سنفتح روما، وهذه الأحداث مقدمة لفتحها، وهؤلاء حتى لو وقعوا الصلح واتفقوا كلهم، فالمجاهدون لن يضعوا السلاح -تأكدوا من هذا- وسيستمرون، وهذه المآسي والكرب والاغتصاب والانتهاك سيندم عليه الصليبيون ندماً عظيماً، لكنهم لا يدركون الآن ذلك، إذا كانوا نادمين؛ لأنهم تورطوا في الصومال، فما بالكم بـالبوسنة؟! لكن نظرتنا قاصرة، نولول ونقول: انتهى كل شيء انتصروا، دمروا، فعلوا!

    هذه عقوبة الذنوب أصلاً، لكن سيأتي الفرج بإذن الله تبارك وتعالى، وما يحدث في فلسطين وفي أي مكان، فلا يأتي هذا الكرب وهذا الأذى وهذا البلاء، ونصبر ونحتسب إلا وبعده النصر بإذن الله، فإن أبطأ النصر فنحن السبب، كما قال تعالى: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165].

    إن وعد الله لا يتخلف، كما قال تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر:51] في الحياة الدنيا، وليس فقط في يوم القيامة.

    حكم شكوى الهموم إلى المخلوقين

    السؤال: قلتَ: إنه لا يجوز أن تشكو لأحد همك، ونلاحظ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يشكو هم قومه إلى زوجه...؟

    الجواب: الأصل أن لا تشكو إلا إذا اضطررت أن تسأل مخلوقاً أو تستعين بمخلوق كأن تشكو إلى طبيب ليعالجك فهذا بقدره، لكن الأصل ترك الشكوى إلا إلى الله تبارك وتعالى.

    ونختم بسؤال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو الجواد، المنان، ذو الفضل العظيم، واسع العطاء، واسع الرحمة أن يغفر لي ولكم ما قدمنا وما أخرنا، وأن ينفعنا بما قلنا وما سمعنا , وأن يجعلنا من عباده المخلصين، وأوليائه المتقين، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755973938